روايات

رواية أحببتها ولكن 7 الفصل التسعون 90 بقلم بيسو وليد

رواية أحببتها ولكن 7 الفصل التسعون 90 بقلم بيسو وليد

رواية أحببتها ولكن 7 البارت التسعون

رواية أحببتها ولكن 7 الجزء التسعون

أحببتها ولكن 7
أحببتها ولكن 7

رواية أحببتها ولكن 7 الحلقة التسعون

يا من يُجيب المضطر إذا دعاه،
ويكشفُ السوء ويغفر الذنب لمن ناداه،
يا من لا يردّ عباده،
ويا من إذا استغاث به الهائم، أجابه،
وإذا استنصره المظلوم، نصره.
_نصر الدين طوبار.
______________________________
كُلّ فصلٍ لا يبدأ مِن حدث، بل مِن شعور، أحيانًا تبدأ الحكاية مِن تنهيدة، مِن نظرةٍ لم تُفهم، مِن لحظة صمتٍ كانت أثقل مِن ألف كلمة، هكذا تمضي الحياة … لا ترفع الستار على فصولها بوضوح، بل تتركنا نكتشف – متأخرين – أن شيئًا ما تغيّر، وأننا لم نعُد نحن..
<“البداية كانت نهاية لِمَن تمر’د عليه.”>
النهاية لم تكُن نهاية بالمعنى الحرفي، كانت نقطة محورية وبداية جديدة لروحٍ حا’ربت العالم لبقاء صوتها يظل عاليًا كي لا يُبـ.ـطله الفسا’د..
في غرفةٍ هادئة تملؤها الحياة والد’فء..
كانت الغرفة تعـ.ـج بالحياة والفرح، الد’فء الذي غادرهم فجأةً وكأن الثياب الثقيلة التي كانت تحاوط أجسا’دهم وتنشـ.ـر د’فئها لأروا’حهم تمزّ’قت، أو اختفـ.ـت فجأةً وأصبح وجودها معد’ومًا، كان “حُـذيفة” يرقد فوق الفراش المعدني المدولب، المحلو’ل الطبي موصولٌ بظهـ.ـر كفه الأيمن، نظر للجميع بشمولية، وبسمةٌ هادئة ترتسم فوق شفتيه، وكأنه يراهم لأول مرَّة بتلك السعادة والراحة، حوّل رأسه لجهة اليسار حيث كانت “أيسل” تجلس بجانبه، وكفها الد’افئ مستقرًا فوق خصلا’ته النا’عمة، وكأنها تتشـ.ـبث بهِ بأيديها وأسنا’نها حتى لا يتركها ويرحل مجددًا..
فُتِحَ الباب في تلك الأثناء وولج “عدنان” بخطى واسعة ضاحكًا، وخلفه “شهـاب” الذي أغلق الباب بوجهٍ مبتسم وعيناه مثبتتان فوق هذا الصغير الذي وقف بجوار فراشه وقال بنبرةٍ مغمورة بحما’سٍ شـ.ـديدٍ:
_بابا أنا عايز أقولك على حاجة.
نظر إليه “حُـذيفة” بوجهٍ مبتسم ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_قول يا حبيبي، عايز تقول إيه.؟
ر’مىٰ “عدنان” نظرة خـ.ـبيثة بطرف عينه إلى “شهـاب” الذي وقف بالقربِ مِنهم وأشهر بسبابته أمام فمه وكأنه يترجاه بأن لا يفصح عن أتفاقيتهما، أبتسم “عدنان” بزاوية فمهِ الصغير ثمّ حوّل نظره إلى أبيه وقال:
_إمبارح الليفر لعب.
رفع “حُـذيفة” حاجبيه وهو ينظر لهُ بدهشة تزامنًا مع قوله المتساءل:
_بجد؟ وإيه اللي حصل الليفر عمل إيه أوعى تقولي خسرنا.
جاوبه “عدنان” مبتسم الوجه وبنبرةٍ طفولية مغمورة بالفرح:
_لا طبعًا نخسر إيه الليفر مبيخسرش، كسبنا.
ولأنه يعلم سؤال أبيه القادم كان يُجاوبه في نفس اللحظة حينما أكمل قوله:
_”لويس دياز” جاب الجول الأول فالشوط الأول وكان جول عالمي بصراحة بأسيست مِن الملك، والتاني جه فالشوط التاني وهو نفس الملك اللي عمل الأسيست لـ “لويس”، بُص يا بابا أنا هصارحك الماتش فمنظور غيري كان حلو ومُعلقنا كان بيعلّق عليه بس أنا شوفته مش حلو عشان أنتَ أول مرَّة متتفرجش عليه معايا فحسيت بالمـ.ـلل وملقتش حد أفرح معاه زي ما بفرح معاك، بس عمو “شهـاب” جه عشان ياخدنا ونجيلك بس ماما كانت مشغولة فالبيت فقعد يتفرج معايا عالماتش لحد آخر دقيقة ونوعًا ما يعني حسيت بالوَنس، بس أقولك على حاجة.؟
كان “حُـذيفة” ينظر إليه طيلة الوقت ويستمع لهُ وهو يعترف لنفسُه ولأول مرَّة بشيءٍ يراه في صغيره، برغم صغر عُمره وأنَّهُ مازال طفلًا بعُمر الثلاث سنواتٍ ولكن كان يرى بهِ ذكاءً يُفارق عُمره، وبتلقائية هزّ رأسه يؤكد على طلب صغيره وهو في دهشةٍ مِن أمره رآه يقترب مِنْهُ، وقف على أطر’اف أصابعه وهمس لهُ بنبرته الطفولية وكأنه يخشى أن يسمعه أحدٌ مِن حوله:
_أنا كُنت بجبُر بخاطره بس مش أكتر، محدش بيوَنسني غيرك يا ظبوطة.
ضحكات رنّت في أرجاء الغرفة بعد أن وصلهم همساته بسبب هدوء المكان، نظر إليهم “عدنان” بشمولية ثمّ نظر إلى أبيه مجددًا الذي كان ينظر إليه بوجهٍ مبتسم، لحظات وشَعَر بد’فء كفه فوق صفحة وجهه الصغير، وكأنه يرد على مشا’كسته بطريقته الخاصة، لحظات أخرى وقال بنبرةٍ هادئة:
_لأجل عيونك الحلوين دول، وكلمة ظبوطة دي أنا هخف بسرعة وهرجع البيت وكُلّ ماتشات الليفر الجايّة هنتفرج عليها سوى.
أتسعت بسمةُ الصغير فوق شفتيه ولمعة ظهرت في عيناه كوميضٍ لبعـ.ـث الأمل في قلب الحبيب مِن جديد، في تلك اللحظة دوّت طرقات صغيرة فوق الباب ليجذب أنظار جميع الجالسين، فُتِحَ برفقٍ وولجت الممرضة وهي تد’فع عربة معدنية متوسطة الحجم يعلوها صحونًا زجا’جية تحتوي على أطعمة سا’خنة تفوح رائحتها في المكان، أبتسمت بخفةٍ وقالت بنبرةٍ هادئة:
_آسفة على مقا’طعة اللحظة الحلوة دي، بس المـ.ـريض لازم ياكل عشان ميعاد الأدوية اللي الدكتور قال عليها.
نهضت “أيسل” في تلك اللحظة وأخذت طاولة خـ.ـشبية مصنوعة خصيصًا لتوضع فوق الفراش، فتحتها بعد أن حاولت الممرضة أن تفعل ذلك بنفسها وبرغم ذلك ر’فضت “أيسل” وفضّلت أن تفعل ذلك بنفسها، أخذت الصحون مِنها وبدأت تضعها أمامه ليسمعوا “شهـاب” الذي مازحه بقوله:
_أمّك دعيالك وبتحبك ياض، قاعد مُعزز مُكرّم وبيتحطلك أحلى أكل كمان.
نظر إليه “حُـذيفة” وابتسم قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_أومال، أنا مِن يومي أمّي دعيالي وحماتي بتحبني، أعمل بس رُبع اللي أنا عملتُه.
نظر “عدنان” إلى الطعام الذي أنتشـ.ـرت روائحه في المكان مِمَّ جعلت معدته تشتهي للطعام، سال لُعابه ولذلك نظر إلى والدته وقال بنبرةٍ هادئة:
_ماما أنا جعان.
نظر إليه “حُـذيفة” ومعهُ “أيسل” التي قالت:
_مش قبل ما نمشي سألتك إذا كُنت هتاكل ولا لأ وأنتَ قولتلي لأ مش جعان.
جاوبها “عدنان” بعد أن نظر إلى الطعام باشتهاءٍ قائلًا:
_بصراحة بقى ريحة الأكل دا شـ.ـدتني وخلّتني أجوع.
أبتسم “حُـذيفة” وهو يرى عيناه مصوّبة فوق الطعام ولذلك قال بنبرةٍ حنونة:
_معقولة “عدنان” باشا يفضل جعان دي تبقى عـ.ـيبة فحقنا حتى، تعالى هتشاركني فيه.
فرح الصغير واتسعت البسمةُ أكثر فوق شفتيه ولذلك لم ينتظر ولم يستطع أن يرفض لأبيه مطلبًا ولذلك صعد إلى فراشه وجاوره في جلسته مشا’كسًا إياه بقوله:
_مش هر’فضلك طلب يا ظبوطة.
ضحك “حُـذيفة” ود’اعب خصلا’ته النا’عمة بأنامله ثمّ منحه قبلة حنونة فوق رأسه ونظر إلى “أيسل” التي جلست على طرف الفراش في مواجهته وقالت بنبرةٍ هادئة ممسكةً بملعقة معدنية:
_بما إن المحلو’ل فإيدك ومش قادر تحركها عشان و’جعاك فأنا اللي هأكلك المرة دي بنفسي.
نظر إليها “عدنان” بعد أن شَعَر بالغيـ.ـرة وأن الاهتمام الذي كان إليه وحده سوف يشاركه فيه أبيه الآن، تحدث بنبرةٍ يظهر فيها غير’ته الطفولية وتذ’مره:
_وأشمعنى بابا لوحده بس؟ أنا كمان عايزك تأكليني زيُه.
نظر إليه “حُـذيفة” ومعهُ “أيسل” التي رأت الغير’ة تشع مِن عينان صغيرها تجاه أبيه ولأهتمامها بهِ كما تفعل معهُ، أمسك “حُـذيفة” بفـ.ـك ولده الصغير ثمّ رفع رأسه قليلًا حتى تُتيح إليه الفرصة لرؤيته، تحدث بنبرةٍ هادئة وقال:
_إيه يا عمّ مالك غير’ان كدا ليه بس، بس مش هزعلك برضوا هخليها تهتم بينا سوى وبعدها إحنا الاتنين نهتم بيها عشان متقولش علينا أند’ال بعد دا كُلّه، مينفعش يتقال فحقنا كدا برضوا يا باشا هتاكل وشنا ومش هنعرف نرد عليها بعد كدا.
نظر إليه “عدنان” قليلًا وكأنه يُفكر في حديثه بينه وبين نفسه، بينما نظر “حُـذيفة” إلى “أيسل” بطرف عينه وكأنه يُرسل إليها كلماتٌ صامتة بعد أن رأى تصرف ولده تجاه هذا الموقف، لحظات وعاد ينظر إلى ولده الذي قال بنبرةٍ هادئة يوافقه الرأي:
_عندك حق يا ظبوطة، وأنا موافق.
أبتسم إليه “حُذيفة” ومنحه قبلة حنونة فوق خَدِّه الصغير، بينما ملئت “أيسل” الملعقة بحساءٍ سا’خنٍ وقرّبتها مِن فم زوجها وهي تُسمي الله سرًا وتتدرع للمولى عز وجل بداخلها أن يشفيه ويعود إليها معافًا مِن جديد في أسرع وقت، تناولها مِنها ثمّ عادت تملئها قليلًا بالحساء وقرّبتها مِنْهُ مجددًا ليُشير إليها تجاه الصغير بعيناه دون أن يتحدث لتفهم هي سريعًا مقصده، نظرت إلى صغيرها الذي كان ينتظر أن يأتي دوره ولذلك قبل أن تُعطيه إياها تحدثت بنبرةٍ جادة وهي تنظر إليه بترقبٍ قائلة:
_آه صحيح دا دور “عدنان”، بس يا ترى “عدنان” هيقر’ف ياكل مكان أبوه ولا..
رد عليها سريعًا قبل أن تُكمل جملتها قائلًا:
_لا طبعًا مستحيـ.ـل أنا بحبُه هقر’ف مِنْه ليه يعني..
ثمّ نظر إلى أبيه وأكمل حديثه قائلًا:
_رد عليها أنتَ يا بابا، أزاي يعني هقر’ف مِنك هي مش شافتنا مرَّة كلنا مع بعض مِن نفس المعلقة لمَ روحنا عند جدو وساعتها كانت في معلقة نا’قصة وكلنا أنا وأنتَ مِن معلقة واحدة.
هزّ “حُـذيفة” رأسه بجديةٍ يوافقه القول ليأتي صوت “أيسل” هذه المرة والتي بدورها قالت بنبرةٍ جادة:
_أنا قولت ممكن تغيّر رأيك وتر’فض تاكل معاه مِن نفس المعلقة.
نظر إليها “عدنان” بتحـ.ـدٍّ وقال بنبرةٍ جادة:
_لا هاكل، يلا دا دوري عشان بابا مستني ياكل أكيد هو كمان جعان.
لا تعلم لِمَ شَعَرت بالسعادة تغمرها في لحظة، وكأنها كانت تنتظر سماع هذا الرد مِن ولدها الذي كان يرى أبيه محور الكون بالنسبةِ لهُ، عادت تُطعم زوجها بوجهٍ مبتسم وهي تنظر لهُ نظرة حنونة وكأنها تواسيه سِرًا وتحتويه بعيناها اللامعة، نظرت في عيناه وقالت بنبرةٍ هادئة:
_تعرف إن “يزيـد” لمَ عرف بالحا’دثة حالته النفسية كانت و’حشة أوي، كان هيسيب كُلّ حاجة وييجي، بس بابا “عبدالله” أتدخل واتكلم معاه وو’عاه، بس القائد بتاعه كان بيتواصل مع بابا “عبدالله” كُلّ يوم ويقوله على حالة “يزيـد”، كان بيغيب عن التدريبات ويقعد بعيد ويعيط، باله فضل مشغول عليك، بس ميعرفش إنك إنتـ.ـكست، محبناش نعرفه حاجة زي دي فالتوقيت دا عشان منبو’ظش كُلّ حاجة، بس لمَ قعدت فكرت فيها دلوقتي مع نفسي قولت لازم نعرّفه دلوقتي، عشان ميعرفش بعدين ويشيـ.ـل مِننا، وعشان عارفة إنه بيخا’ف عليك وأنتَ عنده أهم مِن أي حاجة تانية … إيه رأيك.؟
أخرج “حُـذيفة” زفرة عميقة وبدون ذرّة تفكيرٍ مِنْهُ قال بنبرةٍ هادئة:
_أنا فعلًا هكلمه، هتصل بيه وهحكيله وبالمرة يسمع صوتي عشان يتطمن وميفضلش باله مشغول بيا كتير ويعرف يركّز فتدريباته أكتر.
أبتسمت لهُ ووافقته حديثه في نفس اللحظة، بينما بحث هو عن هاتفه مِن حوله حتى رآها تَمُد يَدها بهِ لهُ دون أن تتحدث، نظر إليها هُنَيهة ثمّ أخذه مِنها شاكرًا إياها ثمّ بدأ يعبـ.ـث بهِ ويرى آخر الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي وإلى أين أصبحت صفحته الآن، وردته إشعاراتٍ كثيرة لا آخر لها وكأنه غاب لسنواتٍ طويلة وليست مجرد أيامٍ قصار، وعندما فتح صفحته الحبيبة شَعَر بسلامٍ نفسي داخله ولذلك قرر أن ينشر منشورًا جديدًا عليها بعد إنقطا’عٍ تام عن النشر..
_﷽
《 أَلَم نَشرَح لَكَ صَدرَكَ ۞ وَوَضَعنا عَنكَ وِزرَكَ ۞ الَّذي أَنقَضَ ظَهرَكَ ۞ وَرَفَعنا لَكَ ذِكرَكَ ۞ فَإِنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا ۞ إِنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا ۞ فَإِذا فَرَغتَ فَانصَب ۞ وَإِلى رَبِّكَ فَارغَب》
قام بنشره؛ وقام بعدها بكتابة تعليقًا مختصرًا لإختفا’ءه الغير متوقع بعد أن تلقى أعدادًا لا آخر لها مِن الرسائل تسأل عن غيا’به تلك المُدة دون توضيح أسبابًا لذلك:
_السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
فالحقيقة أنا مش عارف أبدأ الكلام منين بالظبط، متـ.ـلغبط ومش عارف أجمّع الكلام على بعضه بس هشرحلكم المختصر وهتعرفوا سبب غيا’بي المفاجئ عنكم، بعد ما لقيت مسدچات كتير مِنكم واللي تُعتبر كُلّها عن _أنتَ ليه أختـ.ـفيت فجأة_ فالحقيقة غيا’بي كان غـ.ـصب عني مش بإيدي ولا بإيد أي حد إلّا ربنا سبحانه وتعالى، أنا حصلتلي حا’دثة مِن ٥ أيام بالظبط، تحت بيتي وقدام أهلي، أتعرّ’ضت لمحاولة قتـ.ـل بس الحمدلله ربنا نجا’ني ويمكن أتكتبلي عُمر جديد، الرصا’صة كانت فمكان حسا’س أوي ولقدر الله لو أتحركت سنتي واحد بس كانت سـ.ـببتلي شـ.ـلل كُلي، أنا حاليًا بخير العـ.ـملية نجحت الحمدلله فضل مِن ربنا ورحمته الواسعة عليّا، الإنسان بيُختُبر فأعز حاجة يملُـ.ـكها بس الحمدلله على كُلّ حاجة بعد العمـ.ـلية حصلتلي انتكا’سة ودخلت فغيبو’بة لمدة ٤ أيام كاملين والنهاردة فو’قت ورجعت أحسن مِن الأول الحمدلله، دا كان درس ليّا والحمدلله أنا أتعلّمت كتير أوي مِنُه، صدقوني الدنيا كُلّها قد كدا متستاهلش نعمل فبعض كدا، أقرب الناس ليك ممكن يروح مِنك فلحظة وأنتَ مش واخد بالك، حافظوا على حبايبكم يمكن ميكونوش معاكم بُكرة..
وعليكم السَّلام ورحمة الله وبركاته.
بلحظة نشرها بدأت أعداد التفاعلات تزداد بشكلٍ سريع وملحوظ، وكأنهم كانوا ينتظرون تلقي إشعارًا واحدًا فقط مِنْهُ، بدأت الأعداد تزداد على المنشور والتعليق الخاص بهِ وجميعهم متفاعلون معهُ ويُراسلونه للاطمئنان عليه، وآخرون يُرسلون لهُ الدعوات والكلمات الطيبة، أغلق التطبيق وقرر مهاتفة القا’ئد بنفسُه لكي يطمئن على أخيه ولا يجعله مشـ.ـتتًا بتلك الطريقة، فعند أخيه لا يتها’ون حتى ولو كان الفعل صغيرٌ.
_____________________________
<“وبرغم أن الغُربة كانت رفيقًا، كانت عيناها وطنه.”>
لم تؤ’ثر المسافات بينهم، ولا تفرّ’قت القلوب بين بعضها، بل إزدادت المحبّة، وإزداد الشوق لبعضهما حتى وإن لم يفصحا عن ذلك، كان يجلس داخل الخـ.ـيمة في إحدى زواياها، يرتدي زيّه العسـ.ـكري وبيَده ورقة بيـ.ـضاء وقلمًا حبـ.ـري أسو’د، كانت تلك لحظته؛ فقد تم إخبارهم إن كانوا يُريدون أن يُرسلوا خطاباتٍ إلى عائلاتهم، هذه هي فرصته الذهبية لن يُضـ.ـيعها حتى يبوح عن مشاعره إليهم وأشتياقه للجميع..
كان مترددًا بعض الشيء بلا شـ.ـك، فحتى هذه اللحظة لا يعلم مِن أين يبدأ، ولكن ترك يَده تخطو وحدها دون أن يجعل عقله يمـ.ـلُك السُـ.ـلطة على ذلك هذه المرة، كلماتٌ تملؤها الحُبّ بدأت تأخذ مكانها في الورقة، وقلبًا يتحدث موضحًا مشاعره لكُلّ فردٍ منهم:
_”حُذيفة”..
وحشتني أوي، فوق ما تتصوّر؛ مش عارف لسّه فاضل قد إيه عشان أرجع، بس أنا كُلّ ما يوم يعدي عليّا هنا ويبدأ يوم غيره بحسّ إن الوقت بيخلص وإن لقاءنا قرّب، أنا محتاج أقعد معاك وأحكيلك كُلّ حاجة مِن أول ما سيبتك لحد ما رجعتلك، أنا كُنت كويس … لحد ما سمعت بالحا’دثة، كأني أتعر’ضت لصدمة عـ.ـصبية عـ.ـنيفة، إنها’رت؛ والدُنيا إسو’دت فعيوني فجأة كأن رو’حي بتتسـ.ـحب مِني، مش أخويا بس اللي بيضـ.ـيع مِني، دا حِتة مِن قلـ.ـبي؛ قعدت يوم كامل منعز’ل عن كُلّ حاجة حرفيًا وكُلّ اللي بعمله إني بعيط، وقلبي بيتر’عش جوّايا والخو’ف مش سايبلي فرصة أطمن نفسي، لو كان فإيدي أر’مي كُلّ حاجة ورايا وأجيلك صدقني كُنت هعمل كدا، بس بعد ساعات القا’ئد جه طمني وقالي إن بابا أداه خبر إنك عملت عمـ.ـلية وبقيت كويس، بس أنا برضوا مرتحتش وفضلت خا’يف، أكيد في مضا’عفات وو’جع وعلا’ج وقلة را’حة، بس كُلّه كان بيقول إنك كويس، إلّا قـ.ـلبي..
رفع رأسه قليلًا يستنشق الهواء بعد أن شَعَر بثقـ.ـلٍ فوق صدره، وبغُـ.ـصَّة في حلقُه تخـ.ـنقه، لمعة شفا’فة ظهرت في عيناه وكأنها تفـ.ـضح ما يسعى في إخفا’ءه خلف ثباته، عاد يخطو بمزيدٍ مِن الكلمات وكأنه يُحاول إيصال ولو جزءٍ بسيطٍ مِن مشاعره المكنونه بداخله:
_حاولت أكلمك بنفسي وأسمع صوتك عشان أطمن أكتر، بس هما كانوا بيقولوا إنك تـ.ـعبان ومش هتقدر تتكلم كتير، أنا بدأت أخا’ف أكتر حتى اللحظة دي أنتَ محاولتش تكلمني، “حُذيفة” أنتَ مبتخبيـ.ـش عليّا حاجة وأنا وأنتَ عارفين كدا كويس، أول ما توصلك رسالتي متتأخرش عليّا فالرد، طمني عليك ولو حصل معاك حاجة وأنا معرفش حاجة أتمنى بجد إنك متخبـ.ـيش وتقول، لإنك عارف كويس أوي أنا هعمل إيه لو خـ.ـبيت وعرفت أنا لوحدي، سلملي على “عدنان” وبو’سهولي وخُد بالك مِن “أيسل”، ولو عرفت نوع الجـ.ـنين متبخـ.ـلش على أخوك وفرحني، أنا محتاج أي حاجة تفرحني الفترة دي.
أخوك حبيبك.
أنهى كتابة رسالته إليه وختمها بتوقيعه إليه، تأمل الورقة قليلًا بعد أن رأى اللون الأسو’د أصبح يكسوها بكلماتٍ عديدة تحمل في ثناياها شوقٌ لا آخر لهُ، طوى الورقة ووضعها داخل مظروف أبيـ.ـض يحمل فوقه إسم أخيه كي تُرسل لهُ مباشرةً، أغلقه وتركه بجانبه ثمّ أخذ ورقة أخرى وبدأ يُراسل شخصين آخرين:
_بابا وماما..
عارف إني وحشتكم وأنتوا كمان وحشتوني أوي، وحشني حُضنكم أوي وحنيتكم عليّا، وحشني المرا’زية فيك يا “عبدالله” متتصورش بجد أنا حاسس بالفراغ أزاي، وجودك لوحده أما’ن يا “عبده”، وأنا أكيد لمَ أرجع مش هحل عنك وهخلي صوتك يطلع تاني وهجيبلك صد’اع كُلّي يخليك تطر’دني برّه، وأنتِ كمان يا ماما وحشتيني أوي، وحشني صوتك وكلامك معايا، وأكتر حاجة وحشتني بصراحة أكلك، طعم أكلك وريحته الحلوة واهتمامك بيا ووقفتك جنبي فأكتر أوقاتي الصـ.ـعبة، أنا مش عايزك تسيبي “روان” لوحدها محتا’سة فالشقة، أي حاجة محتاجاها خلّيها تجيبها محدش يحر’مها مِن حاجة أو يكـ.ـسر بخاطرها، فالآخر دي شقتها وهي حُـ.ـرة فيها تعمل اللي تحبُه، والحاجة اللي لسّه مجبتهاش أنا هاتوها أنتم، أنا وعدتها إني لمَ أخلّص الجيـ.ـش هرجع ونتجوز على طول … خلّوا بالكم مِن بعض وحاول يا “عبده” متز’علش “رونا” ولا تنيمها زعلانة، خلّيها راضية عنك طول الوقت كُلّه إلّا زعلهم، ولو سمحتلي فرصة إني أتصل بيكم وأسمع صوتكم هعمل كدا مِن غير تردد، بحبكم.
حبيب القلب/يزيد.
بسمةٌ هادئة أرتسمت فوق شفتيه بعد أن أنهى رسالته الثانية وقام بطويها ووضعها داخل المظروف الأبيـ.ـض الذي حمل إسمهما معًا، تركه بجانب مظروف أخيه وها هو آخر مظروف يكتبه لشخصٍ إشتاق إليه بشـ.ـدة ويدعوا أن تمضي الأيام بسرعة حتى يعود لها:
_حبيبتي “روان”..
أشتقتُ إليكِ كثيرًا، لا أعلم كم تبقى مِن الوقت حتى أعودُ لكِ، ولكني أعلم أن الشوق قد بلغ أشُـ.ـده، بالرغم مِن أن المُدة قصيرة، ولكنها بالنسبةِ لي ضهرًا، أشتقتُ لعيناكِ الكحيلة، ولبسمتُكِ اللطيفة التي تُذ’يب الثلوج مهما كانت قو’تها، أنتظرُ مِنك ردًا على رسالتي تلك، أنتظر ما ستقولينه لي، وأنتظر إلى أيُ مرحلة وصل شوقكِ لي، الأيام تمُر سريعًا؛ فلا أُصدق أنني تركت المنزل لمدة شهرين ونصف حتى هذا اليوم، ولكني أعلم أنني تركتُ إثري في كُلّ ركن في هذا المنزل الكبير، حينما أعود سأُخبركِ عن تلك الليالي التي أمضيتُها بدون سماع صوتك الرقيق، أو بدون أن أرى بُستان الورود في عيناكِ، قد تظنينني مخـ.ـتلًا؛ ولكني لا أرى عيناكِ مثلما يراها الجميع مِن حولي، بل أراها جنتي؛ وملاذي، أرى فيها موطني، وأنا الغريب المقيم في غُربته ينتظر تلقي الإشارة للعودة، ليس فقط لأجلي؛ بل لأجل أميرة تنتظرني وتعلم أنني سأعود يومًا ما، وسأراها بفستانها الأبيـ.ـض، ولن تكون مجرد عروس، بل ستكون أميرة أنتظرت فارسها طويلًا، وهذا الأمير لن يخذ’لها، سيعود في الميعاد ومعهُ يجُـ.ـر أشواقه ولهفاته لها، أنتظريني يا أميرتي؛ فلن أتأخر كثيرًا وستجديني يومًا ما أمامكِ دون أن تعلمي ذلك، سنتحدث قريبًا؛ أنتظري مكالمتي.
عاشق البُستان.
لم تكُن مجرّد كلماتٍ كتبها إليها وحسب، بل مشاعر حقيقية مكنونه، أستطاع إخراجها كما كان يُريد ولم يتبقى سِوى أن تُرسل لها وتقرأها، وينتظر هو ردًا مِنها؛ طوى الورقة ووضعها داخل مظروف آخر أبيـ.ـض وقام بغلقه، أخذ المظروفين ونظر إليهم، فكُلّ واحدة تحمل مشاعر مخبو’ءة وكأنها تخشى أن تُكشف أمام الغريب، سـ.ـقط بصره فوق حقيبته الخاصة وكأنه تذكّر شيئًا هامًا، انتصـ.ـب واقفًا وتقدّم مِنها بخطى هادئة حتى جسى على رُكبتيه أمامها وبدأ بسـ.ـحب سحابها، فتحها وأخرج دفتر مذكّراته الخاص..
وبين أوراقه تُضَم ورقة صغيرة بيـ.ـضاء، مطوية بعناية؛ تحمل رائحة الحُبّ والد’فء، أخرجها وأغلق مذكّرته ثمّ قام بفتحها برفقٍ، عيناها الخضـ.ـراء مرسومة بدِ’قة وعناية مثلما تعوَد منذ زمنٍ، أهدابها الطو’يلة تُزينها وكأنها قيو’دٍ متشا’بكة يصـ.ـعُب فـ.ـكها، وأسـ.ـفلها خط بكلماتٍ بسيطة تستطيع أن تأ’ثر قلب أيُ فتاةٍ أخرى غيرها:
_هُنا وجد الغريب ملاذه، هُنا بُستانه.
أخرج زفرة عميقة وبسمةٌ هادئة رُسِمَت فوق شفتيه، أعاد فتح مظروفها ووضعها خلف رسالته وأعاد غلقه مِن جديد، قرّبه مِن فمهِ وترك فوق المظروف قبلته، وكأنها شعاره الموثوق حتى يحين عودته، وقف على قدميه مجددًا وألتفت خلفه ليرى “وهيـب” يجلس في الرُكن الآخر وقد أنهى كتابة رسالته هو الآخر ووضعها في مظروفه، طافَ بعيناه في أركان المكان حتى رأى “مُهـاب” يجلس بعيدًا عنهم شارد الذهن..
لم يكتُب رسالته؛ فقد ألتزم الصمت وفضّل أن يلُذ بنفسُه بعيدًا في اللحظة التي فيها أصدقائه يكتبون رسائل طريفة لعائلاتهم وخطيباتهم، لا يمـ.ـلُك أحدٍ ليُراسله؛ هكذا يُفكر هو الآن، شَعَر بالحزن لأجله ولذلك تقدّم مِنْهُ بخطى هادئة حتى جاوره في جلسته بهدوءه المعتاد..
_هتفضل ساكت كدا طول اليوم مبتتكلمش؟ طب عالأقل أتكلم معانا إحنا صحابك، قول أي حاجة مينفعش اللي بتعمله دا يا صاحبي، أبعتلهم طيب على الأقل رسالة واحدة حتى لو فيها كلمتين، مينفعش تقـ.ـطع كُلّ حاجة بينك وبينهم دول في الآخر أب وأمّ، هما اللي جا’بوك عالدُنيا وربوك وكبروك وعلموك، حتى لو أحلامك تتنا’قض مع أحلامهم، دا مش سبب مقنع يديك أ’حقية أو قرار زي دا، عارف إن دي حياتك ودا مستقبلك وأنتَ دخلت كلية ضـ.ـد ر’غباتهم، بس هما كانوا عايزينك تحقق اللي معرفوش يحققوه هما..
نظر إليه “مُهـاب” في هذه اللحظة وكأن حديثه صدمه وجعله يُطالعه بذهولٍ، لا يُصدق أن رفيقه الذي كان معهُ في الأمس بقراراته هو نفسُه الآن مَن يُد’افع عنهم ويقف في صفوفهم، وحين أن رأى “يزيد” نظرة رفيقه التي تتهـ.ـمه مباشرةً غيّر حديثه سريعًا وأوضح مقصده بقوله:
_مش بد’افع عنهم ولا بلو’مك، سبق وقولتلك دي حياتك وأنتَ حُـ.ـر فيها، أغلب الأهالي عايزين يدخلوا ولادهم الكليات اللي هما عايزينها مش اللي ولادهم عايزينها، أنا كـ “يزيد” كان قدامي حُـ.ـرية الإختيار لأن أهلي سابولي مجال الإختيار والحُـ.ـرية المطـ.ـلقة، فعشان كدا مجرّبتش إن يتم فر’ض حاجة عليّا أنا مش حاببها، بعيدًا عن الموضوع دا لأنه حصل وخلص خلاص … عارف إنك مصدقت سيبت البيت ومشيت وعارف المشا’كل اللي بينهم عملت فيك إيه، بس على الأقل رسالة واحدة، عشان ضميرك وعشان خاطرهم، خليك با’ر بيهم للآخر؛ ومش لازم تاخد مِنهم رد بس عشان ميتوجهلكش كلام يو’جعك بعدين ويعقـ.ـد الأمور ما بينكم أكتر مِن كدا، عشان خاطري.
شَعَر “مُهـاب” بثقـ.ـل تلك اللحظة، وكأنه يؤ’مر لفعل شيءٍ لا يروق إليه، برغم كُلّ شيءٍ لم يستطع أن يفعل ذلك فهو لا يمـ.ـلُك الكلمات لقولها ولا يمـ.ـلُك مشاعر لهما، فهو كان كالحشـ.ـرة بالنسبةِ إليهم، يقتلو’نها ببطءٍ في كُلّ مرَّة، حينما يُسـ.ـددون لها ضر’بة مختلفة في كُلّ مرَّة، أخرج زفرة عميقة وحرّك رأسه برفقٍ ير’فض مطلب رفيقه بقوله الهادئ:
_مش هقدر يا “يزيد”، آه كلامك صح وكُلّ حاجة بس أنا مش قادر على اللحظة دي، معنديش كلام أقوله ولا عندي حاجة أديهالهم، هما قـ.ـتلوا كُلّ حاجة جوّايا ليهم، ميجوش يحا’سبوني بعد كدا على أغلا’طهم، أنا مش هبعت لحد حاجة، معنديش حاجة أديها لحد خلّيني مع نفسي كدا أحسن، أنا كدا مرتاح صدقني.
نظر إليه “يزيد” وهو يشعُر بقلة حيلته لعد’م نجاحه في تحريك المياه الرا’كدة، فهو يعلم ما مرّ بهِ رفيقه وما حدث إليه ليس سهلًا، ولكن كان لديه الأمل في إعادة شيءٌ ما وإن كان صغيرًا، ربّت برفقٍ فوق كتفه وكأنه كان يواسيه خفيةً على شيءٍ لم يقترفه.
____________________________
<“بدأت التخـطيط لحياتها المستقبلية.”>
في غرفة هادئة وجُدرانها ور’دية، كانت “روان” تقف أمام فراشها، رائحة الورد تفوح في المكان، وبسمةٌ هادئة تُرسم فوق شفتيها، كانت تُرتب الأقمشة البيـ.ـضاء التي أشترتها برِفقة والدتها ليلة أمسٍ فوق الفراش، فقد قررت أن تقوم بتفصيل فستان الزفاف بنفسها بيَديها هي، بعد أن لم ينالَ إعجابها الكثير مِن الفساتين، وقفت بعد أن أنتهت مِن رصهم تراقبهم بسعادة غمرت قلبها وجعلتها تُحـ.ـلق في السماء..
جلست أمام ماكينة الخيا’طة وقامت بأخذ الخيط الأبيـ.ـض الرفيع وبدأت بإيصاله إلى الماكينة كي تبدأ بخياطته قبل أن يسرُ’قها الوقت، قامت بإيصالها إلى المقبـ.ـس الكهر’بي ثمّ أخذت قطعة القماش النا’عمة وفرشتها أمامها على الطاولة وبدأت بخياطتها بوجهٍ مبتسم، بدأت قدميها تتحركان بإنسيابية على مكبـ.ـح الماكينة العر’يض والإ’برة تُغر’ز سريعًا في القماش توصله ببعضه..
الهواء العليل يُد’اعب خصلا’تها الناعمة المفرودة بإنسيابية على ظهرها، ورائحة الورد تنتشـ.ـر في المكان تترُك وصمتها في الأجواء، لحظات وصدح صوت دقات خفيفة فوق باب غرفتها مِمَّ جعلها تُجيب دون أن تُحيد ببصرها بعيدًا عن ما تفعله:
_أدخل.
فُتِحَ الباب وولج أخيها “طه” يُرا’قبها عن كثب وبسمةٌ حنونة تُزين شفتيه، تحدث بنبرةٍ هادئة بعد أن وقف أمامها قائلًا:
_يا سلام عالروقان اللي شايفُه، مكُنتش متوقع كدا بصراحة.
أتسعت بسمتُها فوق شفتيها وجاوبته بنبرةٍ هادئة:
_معجبنيش الموديلات اللي فالسوق.
ولج “ليل” أخيها في تلك اللحظة ورافقه ولده الذي كان يُمسك بكفه، تحدث “ليل” بنبرةٍ هادئة ووجهٍ مبتسم وهو ينظر إلى شقيقته قائلًا:
_ماما قالتلي إنك قررتي تفصـ.ـلي فستان الفرح بنفسك وإنك نزلتي معاها وجبتوا القماش، بصراحة مصدقتش وجيت أتأكد بنفسي.
جلس على طرف الفراش أمامها بينما أقترب “رائد” مِنها ووقف بجانبها يُتابع ما تفعله بفضولٍ شـ.ـديدٍ، أبتسمت وجاوبته وهي مندمجة بتطريز الطبقة الأولى مِن الفستان قائلة:
_لسّه “طه” سائلني نفس السؤال، بصراحة كُلّ الموديلات اللي فالسوق معجبتنيش، تصميماتهم مقتنعتش بيها، آه لسّه فاضل ١٠ شهور على رجوع “يزيد”، بس حاسّة إن الوقت بيسر’قني مِن دلوقتي ولسّه نا’قصني حاجات فالبيت ولسّه مر’كبناش السيراميك وكُنت معتمدة على “حُـذيفة” فيه.
جاوبها “ليل” بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_معجبكيش ليه؟ أنا بشوف تصاميم كتير حلوة.
تحدثت “روان” بعد أن توقّفت عن التطريز وهي تنظر لهما قائلة:
_بالعكس، أنا شيفاهم مش حلوين، مش ذوقي، كُلّهم حسّاهم متكررين وبنات كتير لبسوهم، أنا بحب الحاجات البسيطة، كُلّ اللي فالاتيليهات تصاميمهم أوڤر وفيهم شغل أوڤر وزينة كتير وتقيـ.ـل، أنا حابة فستاني يكون مختلف متصممش قبل كدا، أو عالأقل أقدر أغيّر أي حاجة مش عجباني فالفستان براحتي محسش إن في حاجة منعا’ني.
سألها “طه” هذه المرة بعد أن جاور أخيه وقال:
_طب أنتِ حابة إيه، يعني إيه التصميم اللي فد’ماغك.؟
أخرجت “روان” زفرة عميقة وجاوبته بنبرةٍ هادئة:
_بصراحة شوفت تصاميم كتير فالكتالوج اللي أدتهوني “مَرْيَم” وبعد تدوير كتير لقيت تصميم عجبني، بصوا.
أنهت حديثها وهي تَمُد يَدها بكُتيب متوسط الحجم لهما يحتوي على العديد مِن التصاميم الخاصة بفساتين الزفاف، أخذه “ليل” مِنها ونظر إلى التصميم الذي أشارت إليه رِفقة أخيه، كان بسيطًا بالحق؛ ومُريحًا للأعين ولها فلن يجعلها تشعُر بقيو’دٍ أو ثقـ.ـلٍ في الحركة، نظرا إليها سويًا ليقول “ليل” بنبرةٍ هادئة:
_تصدقي حلو فعلًا، وتقدري تغيري فيه حاجة لو حبيتي كمان.
وافقه “طه” الرأي بوجهٍ مبتسم قائلًا:
_”ليل” عنده حق، وغير كدا هيكون تُحفة عليكي بجد، أنتِ أتخـ.ـلقتي للبساطة يا “روان”.
أبتسمت “روان” ومدّت يَدها وأخذت الكُتيب وقبل أن تُعيده إلى مكانه سمعت “رائد” الذي قال بنبرته الفضولية:
_وأنا كمان عايز أشوف.
قرّبت الكُتيب مِنْهُ وقالت بنبرةٍ هادئة وهي تُشير تجاه الفستان قائلة:
_أهو، إيه رأيك.؟
نظر “رائد” إلى الفستان وسريعًا أعطاها جوابه حينما قال بنبرةٍ غمرتها الفرحة:
_حلو أوي يا عمتو.
أتسعت بسمةُ “روان” وقد أقتربت مِنْهُ ومنحته قبلة حنونة قائلة:
_قلب عمتو.
تركت الكُتيب وعادت لتطريز فستانها مِن جديد بإندماجٍ، وكلاهما يُتابعان ما تفعله دون أن يتحدث أحدهما، لحظات ومدّ “ليل” يَده ولامس القماش الموضوع بجانبه برفقٍ، يتحـ.ـسس ملمـ.ـسه؛ ثمّ قال بنبرةٍ هادئة بعد أن نظر إليها:
_قررتي تعمليه مِن الدانتيل.؟
جاوبته بنبرةٍ هادئة وابتسامة جميلة تُزين شفتيها قائلة:
_آه، وطرحته هتكون مِن الشيفون وهخليها طويلة، مِن عادتي مبحبش الطرح القصيرة بحسّ إنها مبتديش شكل لطيف وبتبوّ’ظ شكل الفستان، وكمان مش هيكون منفوش أوي، في فساتين كتير بتكون منفوشة بطريقة مستفـ.ـزة، بتحـ.ـسسني إني وا’قعة فحلة شوربة كبيرة وبغر’ق فنُصها..
إلى هُنا وضحكا أخويها معًا بعد أن أستمعا إلى تشبيهها، بينما أتسعت بسمتُها أكثر وأكملت حديثها بقولها الهادئ:
_هو هيكون منفوش، بس بطريقة مقبولة عشان مبو’ظش شكله، وهخلي أكمامه مِن نفس القماش بس طويلة، ياقة الفستان فالكتالوج معجبتنيش، محسيتهاش؛ بس هغيّرها هخليها واخدة شكل فتـ.ـحة القـ.ـلب، وهخلي الفستان لهُ د’يل بس مش طويل، يادوبك كام سنتي بس.
جاوبها “طه” بنبرةٍ هادئة وهو ينظر لها قائلًا بوجهٍ مبتسم:
_الفستان مش هيحليكي يا “روان” بالعكس، أنتِ اللي هتحليه.
نظرت إليه “روان” وظلت بسمتُها فوق ثغرها، بينما جاوبها “ليل” بنبرةٍ مماثلة قائلًا:
_أهم حاجة تكوني مرتاحة ومبسوطة يا حبيبتي، دي أهم حاجة بالنسبة لي، وواثق إنك هتطلعي الفستان حلو، كفاية إنك اللي عملاه.
نظرت لهما سويًا وردت عليهما بنبرةٍ حنونة غمرتها العاطفة قائلة:
_إن شاء الله يخليكم ليّا، أنتوا هتكونوا سبب فرحتي، كفاية إنكم جنبي طول الوقت، وقت ما بحتاجكم بلاقيكم دوغري.
نهض “طه” واقفًا ثمّ اقترب منها وضمها إلى أحضانه ومسح بكفه فوق خصلا’تها برِفقٍ قائلًا:
_إحنا سندك يا حبيبتي وقت ما بتحتاجينا بنكون جنبك، إن شاء الله تكمل فرحتك وأشوفك أحلى عروسة.
نهض “ليل” كذلك واقترب منها ثمّ جاورها مِن الجهة الأخرى وضمها كذلك قائلًا:
_”طه” عنده حق، وقت ما تحتاجينا هتلاقينا دايمًا جنبك مهمًا كان، وواثق إنك هتطلعي زي القمر فالفستان.
نهضت “روان” ووقفت على قدميها، ثمّ نظرت لهما بوجهٍ مبتسم وعينان تشـ.ـعان حُبًّا لهما، جعلتهما يقفان بجانب بعضهما ثمّ ضمتهم سويًا إلى أحضانها قائلة بنبرةٍ حنونة:
_أنا بحبكم أوي.
ضموها معًا إلى أحضانهم مبتسمين، فاليوم كانت متحمـ.ـسة عن أيُ يومٍ مضى، وكأنها تُخـ.ـطط لافتتا’حٍ عالمي، وأمام تلك اللحظة لم يفعلا شيئًا سِوى أنهما تمنىٰ لها السعادة والراحة في حياتها المقبلة، فهذا أقل شيءٍ يقدمانه إليها.
___________________________
<“لم تكُن مجرد زينة بالنسبةِ لها، بل كانت حياة.”>
عند الظهيرة،
كانت الشمس الذهبية تتوسط السماء، وتنشـ.ـر نورها الذهبي الد’افئ إلى بقا’ع الأرض، وكأنها تنشـ.ـر عليهم راحة لا تُذكر، في متجرٍ صغيرٍ خاص ببيع الزهور كانت تقف هي، تُرتب زهورها الثمينة كما تفعل دومًا مبتسمة الوجه، فتلك هي مرَّتها الأولى التي تقف فيها في المتجر بعد زواجها، وعلى ذِكره تذكّرت الوعد الذي قطـ.ـعه زوجها لها ليلة أمس بإنهاء جميع أعماله وقضاء اليوم بأكمله معها حتى حلول الليل..
وبعد مرور القليل من الوقت، وقفت في منتصف المتجر تنظر إلى الزهور برضا ووجهٍ مبتسم، جلست فوق المقعد الخـ.ـشبي وأمسكت جهاز التحكم وقامت بتشغيل التلفاز لمشاهدة شيءٍ يكسـ.ـر حِدَّ’ة هذا الصمت، ظلّت تقوم بتبديل المحطات حتى استقرت على واحدةٌ مِنهن تعرض مسلسلها المفضّل، تركت الجهاز بجانبها ثمّ نهضت وأتجهت إلى طاولة خـ.ـشبية صغيرها تُزينها ورودٌ بيضاء صغيرة..
قامت بوضع القليل مِن الماء داخل الغلا’ية الكهر’بائية ثمّ أوصلتها بالمقبـ.ـس الكهر’بي، أخذت كوبًا زجا’جيًا وبدأت تضع السُكّر ومعهُ بو’درة قهوة سريعة التحضير، في هذه اللحظة ولجت فتاة هادئة تشاهد الزهور مِن حولها بوجهٍ مبتسم، را’قبتها “برلين” حتى تتدخّل إن تطلّب مِنها الأمر، ولكن حتى هذه اللحظة الفتاة تُشاهد فقط، وبعد دقائق قلائل سكبت المياه السا’خنة في الكوب وقامت بتقليبها برفقٍ للحظات حتى جاءها صوت الفتاة التي أشارت تجاه إحدى الزهور قائلة:
_لو سمحتي عايزة بوكيه مِن الورد دا.
تركت “برلين” الكوب فوق سطح الطاولة واقتربت مِنها بخطى هادئة مبتسمة الوجه قائلة:
_مِن عيوني.
وبالفعل بدأت “برلين” بلفّ باقة الورد بمهارة بعد أن عرضت على الفتاة كُتيب يحمل العديد مِن الأشكال والألوان، وقد اختارت الفتاة تصميمًا بسيطًا وعددًا محدد مِن الورود، وبعد مرور القليل مِن الوقت أعطته إلى الفتاة بوجهٍ مبتسم وقالت:
_تتهني بيه إن شاء الله.
شكرتها الفتاة بوجهٍ مبتسم واعطتها ثمنه ورحلت وهي تضم الباقة إلى أحضانها وكأنها تضم كنزًا ثمينًا لا يملُـ.ـكه غيرها، أخرجت “برلين” زفرة عميقة وقامت بوضع النقود في الدرج الخاص بها وجلست فوق المقعد وأمسكت الكوب وثبتت عينيها فوق الشاشة، ولكن لم تمكث وقتًا طويلًا وحدها فقد لمحت طيف “مينـا” في الخارج بعد أن صف سيارته في التقا’طع الثانٍ وهبط مِنها بهدوءه المعتاد..
د’ق قلبها بعنـ.ـفٍ حينما رأته يرتدي حُلة الضبا’ط، وكأن شيئًا ما يتحرّك بداخلها لأول مرَّة، بسمةٌ هادئة أرتسمت فوق شفتيها بعد أن حوّلت عيناها تجاه ساعة الحائط المُعلّـ.ـقة لتراها تُشير إلى الثانية والنصف ظهرًا، فقد أوفى بوعده إليها وجاء لقضاء اليوم بأكمله معها، عبر التقا’طع وتقدّم بخطى ثابتة حتى د’فع الباب لفتحه برفقٍ تزامنًا مع قوله الهادئ:
_أديني وفيت بالوعد وجيت.
أبتسمت لهُ بسمةٌ هادئة وجاوبته قائلة:
_كُنت عارفة إنك هتيجي.
جلس مقابلتها يُريح جسـ.ـده مِن عب’ء اليوم برغم أنَّهُ لم يمكث هُناك كثيرًا ولكنه كان يُقدم مساعدة بسيطة لأجل رفيقه “حُـذيفة”، أخرج زفرة عميقة ثمّ نظر لها مجددًا وقال:
_جايلي توصية جا’مدة مِن الحجة مقولكيش، النصايح السبعة عشان مزعلكيش مِني، دي تو’عدتلي ولا كأني عد’وها أقسم بالله.
ضحكت “برلين” ولمعت عيناها بوميض الشغف لسماع ما في قيل لهُ وماذا حدث لتقول هي ذلك، تحدثت بنبرةٍ غـ.ـلبتها طابع الحما’س قائلة:
_إيه اللي حصل، أحكيلي اللي وصّل ماما “تريز” إنها تقول كدا.
مسح هو وجهه بكفه برفقٍ ثمّ اعتدل بجلسته وانحنى بنصفه العلوي للأمام تزامنًا مع قوله الهادئ:
_أبدًا يا ستي، كُنت بتكلم معاها وفجأة لقيتها بتحذ’رني أز’علك ولا حتى بكلمة، قال لو شمت خبـ.ـر هتعمل الصح معايا، أنا بتهـ.ـدد مِن أمّي بعد كُلّ دا؟ ماشي يا “تريز”.
ضحكت “برلين” وشَعَرت بالسعادة تغمر قلبها بعد أن أستمعت إلى حديثه لتُجيبه بنبرةٍ هادئة مدعيةً البر’اءة:
_طول عُمري بقول إن ماما “تريز” دي حبيبتي، أحدهم لازم ياخد باله بقى بعد كدا.
أنهت حديثها وهي تنظر إليه بخـ.ـبثٍ وكأنها تنتظر أولى أخـ.ـطأه ضـ.ـدها، بينما نظر هو لها ولم يستطع أن يُخفي بسمتُه عنها ولذلك هزّ رأسه بقلة حيلة وقال بنبرةٍ هادئة:
_عوضنا على الله، مضطر واللهِ، عرفتوا تصطا’دوني.
أبتسمت ورفعت رأسها بتعالٍ وكأنها تفتخر بهذا الإنجاز الذي حققته لتوها، قام بإمساك أنفه مِن منطقة العينين وأغمض عيناه وعقد حاجبيه قليلًا بعد أن شَعَر بأ’لم رأسه بدأ يفر’ض نفسُه عليه، بينما أرتشفت هي رشفة صغيرة مِن قهوتها وقبل أن تتحدث بحرفٍ رأته يسـ.ـحب الكوب مِنها ويرتشف القليل مِنْهُ، وكأنه جاء بوقته المناسب حتى ينقـ.ـذه مِن هذا الأ’لم..
دققت “برلين” النظر إليه ثمّ سألته بنبرةٍ هادئة قائلة:
_”مينـا” أنتَ كويس.؟
وكعادته طمئنها حينما قال بنبرةٍ هادئة حتى لا يجعلها تقـ.ـلق بشأنه:
_تمام مفيش حاجة، مصدع بس شوية.
استقامت على قدميها وذهبت لإعداد كوبًا آخر بعد أن أخذ “مينـا” كوبها، لحظات ورفع رأسه ثمّ نصفه العلوي واستند إلى ظهر المقعد وبدأ يطوف بعيناه في أرجاء المكان، وكأنه يكتشفه لمرته الأولى، وبعد دقائق عادت لهُ مِن جديد لتسمعه يقول:
_برغم إني شوفت المحل قبل كدا بس حاسس نفسي دلوقتي بشوفه لأول مرَّة.
نظرت إليه “برلين” بعد أن وضعت كوبها فوق سطح المكتب الخاص بها وأبتسمت لهُ قائلة:
_أكيد المرة اللي فاتت غير المرة دي.
نظر في عيناها التي كانت تلمع بوميضٍ ممزوجٍ بين الحُبّ والصدق، ليعترف لها بذلك حينما قال بنبرةٍ هادئة:
_عندك حق، المرة اللي فاتت غير المرة دي فعلًا، المرة دي أحلى بكتير.
أتسعت بسمتُها وظهر الخجـ.ـل على وجهها بعد أن رأت تلك النظرة التي تحدق فيها حينما يجد نفسُه يغر’ق في تفاصيلها، بينما هو كان يعلم ماذا عليه أن يفعل، فبالنسبةِ لهُ هي كتابٌ مفتوح، وقبل أن تنطق هي منـ.ـعها د’فعة الباب الخفيفة وولوج رفيقتها العزيزة التي اختـ.ـفت فجأةً منذ زواجها، نظرا معًا لها حيث كانت تقف هي أمام الباب بوجهٍ مبتسم ويَدها تستقر فوق بطنها المنتـ.ـفخة..
لم تُصدق “برلين” أنها تراها بالفعل أمامها، شـ.ـقت البسمةُ ثغرها وجعلتها تند’فع نحوها بفرحةٍ عا’رمة تضمها إلى أحضانها وكأنها أمتـ.ـلكت كنزًا مفقو’دًا لسنواتٍ طويلة، تحدثت “برلين” بنبرةٍ غمرتها الفرحة قائلة:
_حمدلله على سلامتك، أنا مش مصدقة نفسي بجد أخيرًا يا بـ.ـت يا “شادية” ظهرتي.
بادلتها “شادية” عناقها بوجهٍ مبتسم والفرحة تسكن عيناها لتقول بنبرةٍ ضاحكة:
_وحشتيني أوي يا “برلين”، أفتقـ.ـدتك أوي أقسم بالله.
لحظات وأبتعدت عنها “برلين” تنظر لها بشمولية بسعادةٍ غمرتها حتى رأت بطنها البا’رزة لتعود بنظرها لوجهها تزامنًا مع قولها الحما’سي:
_إيه دا، دا أنتِ حا’مل كمان، ألف مبروك يا حبيبتي إيه المفاجأة الحلوة دي.
أتسعت بسمةُ “شادية” فوق شفتيها وقالت بنبرةٍ هادئة:
_حبيت أجيلك بنفسي وأفاجئك، لسّه راجعة أنا و “هادي” مِن عند الدكتورة وطلعت بـ.ـنت.
أدمعت عينان “برلين” بفرحةٍ عا’رمة وكأنها الحـ.ـبلة وليست رفيقتها، كان “مينـا” ينظر لها طيلة الوقت يُتابع تعبيراتها ويرى سعادتها وكأنها طفلة صغيرة حظت على ثياب جديدة في ليلة العيد، كان يبتسم بين الحين والآخر كُلّما رأى فرحتها وأفعالها الغير متو’قعة، عانقتها “برلين” مجددًا وفرحتها تغمر قلبها بعد سماعها لهذا الخبر السعيد، لحظات أخرى وأبتعدت عنها “برلين” وقالت بنبرةٍ حنونة:
_ألف مبروك يا حبيبة قلبي أنتِ فرحتيني أوي وفاجئتيني فنفس الوقت، إن شاء الله تولدي على خير وتيجي تنورلك دُنيتك وتفرحي بيها.
أتسعت بسمةُ “شادية” وجاوبتها بعد أن نظرت لها ولـ “مينـا” قائلة:
_وقريب إن شاء الله تكلميني وتقوليلي إنك هتجيبي بيبي صغنن وحلو كدا شبهكم.
تلاشت بسمةُ “برلين” تدريجيًا بعد أن ذكّرتها “شادية” بما حاولت منذ وقتٍ أن تنساه، ولكن وكأن الجميع تآ’مر ضـ.ـدها، نظرت إلى “مينـا” الذي منحها بسمةٌ هادئة دون أن يقول شيءٍ، وكأنه مازال يتأمل أن الأمر سوف ينجح وأن الله لن يخيـ.ـب ظنهما، حاولت أن تبتسم مجددًا في وجه “شادية” ولكنها كانت بسمةٌ مـ.ـيتة، جاوبتها بنبرةٍ هادئة قائلة:
_إحنا قررنا نستنى شوية، يعني قولنا نفرح شوية قبل ما نقرر نشـ.ـيل مسؤولية طفل.
أبتسمت لها “شادية” وجاوبتها بنبرةٍ هادئة قائلة:
_أكيد طبعًا دا حقكم، أنا و “هادي” عملنا زيكم برضوا، خدوا وقتكم وأتبسطوا لأن دي بتكون أحلى أيام صدقيني.
مدّت يَدها وربّتت فوق ذراعها برفقٍ وقالت بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه:
_مضطـ.ـرة أمشي لأن “هادي” مستني برّه فالعربية، هكلمك؛ محتاجة احكيلك زي ما كُنا بنعمل قبل كدا، هكلمك قريب.
هزّت “برلين” رأسها برفقٍ وهي تنظر لها بوجهٍ مبتسم لتقم الأخرى بتوديعها ومباركتهما على زواجهما ثمّ شـ.ـدّت الرحال وخرجت، وقفت “برلين” مكانها تتابعها بعيناها دون أن تتحدث ولفحة الحزن تبدأ بفر’ض سيطـ.ـرتها عليها، تقدّم “مينـا” بخطى هادئة وجاورها في وقفتها وشاهد “هادي” الذي هبط مِن سيارته وتقدّم مِن “شادية” يأخذ بيَدها ويساعدها، بسمةٌ هادئة أرتسمت فوق شفتيه وقال:
_تخيلي أكون مكانه فيوم مِن الأيام وأخد بإيدك كدا وأركبك العربية، وبعدها بفترة لمَ نقرّب مِن المرحلة الأخيرة وخلاص حركتك بدأت تبطء أر’بطلك رُ’باط الكوتشي وألبسهولك زي العيال الصغيرة، بس اللحظة الوحيدة اللي شا’يل هـ.ـمها يا “برلين” الشيلة، مش مستوعب إن ممكن ييجي عليّا لحظة وأنتِ مش قادرة تتحركي وعمالة تعيطي مِن الو’جع ومُطالب إني أشيلك، لحظة صـ.ـعبة أوي ضهري و’جعني مِن دلوقتي.
ر’مته بنظرةٍ حا’دة بطرف عينها بعد أن أفسـ.ـد قوله بتلك العبارة التي عكـ.ـرت صفوها وجعلتها تُطالعه وكأنها تُريد أن تنقـ.ـض عليه كالفر’يسة، بينما بادلها هو نظراتها بأخرى أكثر لينًا ثمّ أبتسم بسمةٌ هادئة وضمها بذراعه إلى أحضانه تزامنًا مع قوله:
_بس هتبقى أحلى شيلة، فداكي فيها ضهـ.ـري وأي حاجة المهم راحتك طبعًا قبل أي حد، تتحقق بس الأمنية دي وساعتها محدش هيفر’قلي، قريب هتكوني مكانها وخُديها كلمة ثقة مِني.
لانت نظرتها وألتمعت عيناها بوميضٍ يشع أملًا، فهذه أمنيتها الوحيدة التي تدعو بها كُلّ يوم، تأمل أن تتحقق وحينها لا تُريد أيُ شيءٍ آخر، فما تمنته أصبح معها فماذا تُريد غير هذا الحبيب وثمرة حُبّهما؟ بسمةٌ هادئة رُسِمَت فوق شفتيها واقتربت مِنْهُ أكثر، وضعت رأسها على صدره وتأملت إثر رفيقتها وهي تأمل أن تكون محلها يومًا حتى لا تشعُر بهذا العجـ.ـز الذي يُرافقها دومًا وتُصبح حينها كأيُ امرأة أخرى غيرها تستطيع الإنجا’ب.
____________________________
<“اللـ.ـصوص ليسوا على أشكالهم، بل في عقولهم.”>
قُبيل العشاء كانت “مَرْيَم” تقوم بإعداد العشاء بعد أن هاتفها “شهـاب” وأخبرها بموعد عودته إلى المنزل، كانت الشقة هادئة والتلفاز مغلق وما يُسمع هو صوت الملعقة التي تُحركها داخل الإناء، كانت روائحه منتشـ.ـرة في الأجواء، وكأنها تدعو الجائع سرًا؛ ولكن هذا السكون لم يستمر طويلًا، فبدأت تستمع إلى أصوات خافتة للغاية تأتي مِن الخارج، وكأن أحدهم يُحاول فتح الباب بتمهلٍ دون أن يجذ’ب الأنظار..
ظنته “شهـاب” فمكالمته قد استغرقت ساعة حتى هذه اللحظة، ولذلك تركت ما تفعله وأخفضت ألهـ.ـبة النا’ر المشـ.ـتعلة وشـ.ـدت خطاها إلى الخارج، تسير على أطر’اف أصابعها حتى لا تزرع الشـ.ـك في مَن فالخارج، اقتربت مِن باب الشقة ووقفت خلفه ثمّ وقفت على أطرا’ف أصابعها ورفعت نفسها قليلًا حتى تُتيح إليها رؤية مَن في الخارج، لم يكُن هذا جسـ.ـد “شهـاب” ولا تلك ملابسه، بل كان اخرًا غيره يبدو وكأنه يُحاول فتح الباب دون أن يُثيـ. ـر إنتباه مَن في الخارج..
بدأ قلبها ينبـ.ـض بعـ.ـنفٍ داخل صدرها والخو’ف أصبح رفيقًا لها في هذه اللحظة، ابتـ.ـلعت لُعابها برُ’عبٍ ونظرت إلى الوصل الحد’يدي الذي ركبه “شهـاب” مؤخرًا تحسُبًا لِمَ قد يحدث، رفعت يَدها المرتجفة وأمسكت بهِ وببطءٍ شـ.ـديدٍ قامت بشـ.ـده حتى لا تجذ’ب انتباه الآخر حتى أغلقته، لم تنتظر؛ ركضت سريعًا إلى غرفتها وأخذت هاتفها الذي كان موصولًا بشاحنه وبأيدي مرتجفة هاتفت “شهـاب”..
لأول مرَّة تتعرض لهذا الموقف وهذا جعلها لا تعلم ماذا تفعل وكيف تتعامل مع تلك المواقف، لحظات وجاءها رده لتخبره هي دون تمهيداتٍ عمَّ يحدث أمام باب شقتها قائلة بنبرةٍ غمرتها الخو’ف:
_”شهـاب” ألحـ.ـقني في حرا’مي برّه الشقة بيحاول يفتح الباب.
نظرت إلى الخارج بأعينٍ دامعة وقد اضطـ.ـربت أنفاسها واصا’بتها وجفة في أنحاء جسـ.ـدها وأطرافها، بينما جاءها قوله:
_مكلمتيش ليه بتاع الأمن وعرفتيه، أومال هو قاعد بيهـ.ـبب إيه طول اليوم.
جاوبته بنبرةٍ تملؤها الرُ’عب وهي تنظر إلى الخارج قائلة:
_مش عارفة أفكر عقلي وقـ.ـف فجأة ولقيت نفسي بكلمك أنتَ.
أخرج زفرة عميقة وقال بنبرةٍ جا’دة:
_أقفلي التربا’س مِن جوّه ولو فاتحة نور سيبيه أوعي تطـ.ـفيه هو فاكر إن مفيش حد جوّه، واتطمني هو مش هيعرف يدخل لأن أنا مركّب الكالون كمبيوتر مش هيعرف يفتحه مهما عمل، أنا بركن العربية أهو وطالع متخا’فيش.
وبدون تفكير اقتربت مِن النافذة الزجا’جية وازاحت الستار الأبيـ.ـض الشفا’ف ونظرت إلى الأسفل لتراه بالفعل يصف سيارته أمام البِنْاية، شَعَرت بالقليل مِن الأمان ولكن الخو’ف عاد ينهـ.ـش قلبها خو’فًا مِن أن يقوم هذا اللـ.ـص بإيذ’اءه ولذلك قالت بنبرةٍ متلهفة:
_”شهـاب” متطلعش لوحدك ليعملك حاجة عشان خاطري الله أعلم معاه سلا’ح ولا لا، بلّـ.ـغ بتوع الأمن وأطلع معاهم.
أبتسم بعد أن استشعر خو’فها عليه بنبرتها، هبط مِن السيارة وأغلقها عن طريق الزر الالكتروني وجاوبها بنبرةٍ هادئة تزامنًا مع النظر إلى نافذة الغرفة حيث رآها تقف وترا’قبه بخو’فٍ:
_خو’فك واضح فنبرة صوتك وعيونك يا سُكّر، حقك تخا’في بعد اللي حصل، بس أنا مش عايزك تخا’في.
رأته يتجه نحو بهو البِنْاية دون أن يستعين بفرد الأمن ولذلك حاولت إيقافه بقولها المذ’عور:
_”شهـاب” أنتَ هتعمل إيه؟ عشان خاطري أعمل اللي بقولك عليه بلاش تتهو’ر يا “شهـاب” بالله عليك لو بتحبني.
فتح “شهـاب” باب المصعد وولج بهدوءٍ ثمّ أغلقه خلفه وضغط على الزر الذي يحمل رقم ٤ وقال بنبرةٍ هادئة:
_مش عايزك تخا’في، أنا عارف أنا هعمل إيه كويس أوي، هقفل معاكي دلوقتي عشان فالأسانسير.
أنهى حديثه وأنهى المكالمة معها، وضع هاتفه في جيب بِنطاله ثمّ وضع يَده خلف ظهره وأمسك بسلا’حه وأخرجه، بينما تركت “مَرْيَم” هاتفها وركضت إلى الخارج مجددًا ووقفت خلف الباب على أصا’بعها تراه مازال يسعى لفتحه وكأنه يقصد تلك الشقة دونًا عن غيرها، لحظات ورأت باب المصعد يُد’فع برفقٍ ولحسن الحظ الباب لا يصدر صوتًا عند د’فعه وهذا ساعد “شهـاب” كثيرًا..
أغلق الباب الخلف ووقف يتابعه بعيناه يراه يكا’فح لفتح الباب، وضعت “مَرْيَم” يَدها فوق صد’رها بخو’فٍ وهي تتابع ما سيفعله زوجها وتدعو ربها سرًا بأن يحفظه لها، رأته يقترب مِنْهُ ثمّ رفع سلا’حه نحوه تزامنًا مع قوله:
_الظاهر إن الحرا’مية بقوا أغبيا اليومين دول.
توقف الآخر فورًا عن ما يفعله بخو’فٍ وممسكًا بمفـ.ـكٍ يُمكن أن يُساعده على الهر’ب إن تم غر’زه في الآخر، ولأن “شهـاب” خبيرًا بتلك الأمور أفسـ.ـد عليه مخـ.ـططاته بقوله:
_متحاولش تفكر فالهر’وب عشان في مسد’س على راسك مستعد ياخدها بالأحضان دلوقتي وأنا مش تا’جر سلا’ح ولا حاجة، دا أنتَ بتحاول تسر’ق شقة ظا’بط.
ابتـ.ـلع الآخر لُعابه بصعو’بة ثمّ رفع يداه باستسلا’مٍ لهُ بعد أن أدرك مصيـ.ـره وشَعَر بفو’هة المسد’س تُلا’مس رأسه، قبـ.ـض “شهـاب” على ياقة قميصه ود’فعه أمامه بقوله الحا’د:
_أمشي يالا قدامي ..!!
تحرّك الشا’ب بالفعل باستسلا’مٍ أمام “شهـاب” الذي أخذه بالمصعد واختـ.ـفى، بينما ركضت “مَرْيَم” مِن جديد نحو غرفتها ومِنها إلى النافذة مباشرةً تنتظر رؤيته، لحظات بالفعل وظهر “شهـاب” أمامها وهو يد’فعه أمامه ويقوم بمناداة فرد الأمن الذي جاء لهُ على عُجا’لة، رأت الحديث يدور بينهما للحظات ثمّ تسليم اللـ.ـص إلى فرد الأمن الذي سـ.ـحبه معهُ بالقو’ة قا’طعًا وعدًا لـ “شهـاب” بإخبار المدير ومعا’قبة المستهتـ.ـر..
ولجت إلى الداخل مِن جديد ووقفت أمام الباب تستقبله، قامت بفتح الوصل الحد’يدي مِن جديد وانتظرته، لحظات وولج بالفعل لها بعد أن فتح الباب، نظرت إليه والخو’ف يسكُن عينيها قائلة:
_عملت إيه.؟
أغلق الباب خلفه ونظر لها قائلًا:
_سلـ.ـمته لفرد الأمن وهيتحـ.ـفظ عليه لحد ما البو’ليس يوصل وياخدوه، وقولتله إن مديرهم لازم يكون على علم والمستهتـ.ـر يتعا’قب، إحنا مش عايشين فغا’بة ولا هما بيشـ.ـحتوا ما بياخدوا فلوس على شغلهم.
وافقته “مَرْيَم” القول، أخرجت زفرة عميقة وقالت بنبرةٍ هادئة:
_عندك حق، واللهِ أنا أتر’عبت ومخـ.ـي وقـ.ـف ومبقتش عارفة أعمل إيه، فجأة لقيت نفسي بكلمك.
أبتسم لها “شهـاب” بسمةٌ هادئة ثمّ تقدّم مِنها وضمها إلى د’فء أحضانه قائلًا:
_عين العقل يا “ريمـا”،
لم تهتم إن كان يسخر مِنها أم لا، ولكن ما يهُمها الآن أنَّهُ أصبح معها وهي في هذه اللحظة بين ذراعين محاطين بالأ’مان، إن أحتر’ق العالم مِن حولها لن يُصـ.ـيبها الأذ’ىٰ فهو كان الحصـ.ـن منيـ.ـعًا.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أحببتها ولكن 7)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *