روايات

رواية أحببتها ولكن 7 الفصل الحادي والتسعون 91 بقلم بيسو وليد

رواية أحببتها ولكن 7 الفصل الحادي والتسعون 91 بقلم بيسو وليد

رواية أحببتها ولكن 7 البارت الحادي والتسعون

رواية أحببتها ولكن 7 الجزء الحادي والتسعون

أحببتها ولكن 7
أحببتها ولكن 7

رواية أحببتها ولكن 7 الحلقة الحادية والتسعون

يا من إذا ضاقت الصدور، وسِعت رحمتهُ العقول…
وإذا خذلنا البشر، فتح لنا من لدنه بابًا لا يُغلق!
يا من إذا ضاعت الحيلة، لم تَضِع معه النجوى،
وإذا نام الحُرّاس، سَهِرت عينه على عباده،”
يا من يعلم خفايا القلوب…
ويسمع الدعاء قبل أن يُقال،
ويجبر العبد في غفلته، كما يجبره في سجوده،
اللهم إنا أقبلنا إليك وقد أثقلتنا الأحمال،
فخفِّف، وبلِّغ، واجبر…
فأنت الذي لا يُخيّب من رجاك، ولا يردّ من دعاك.
_ارتجال.
________________________________
ما أصعـ.ـب الحب حين يأتي متأخرًا … بعد أن ظن القلب أنَّهُ تعا’فى، وبعد أن أقسم العقل ألّا يفتح بابه مِن جديد لكنه جاء، كنسمة دا’فئة في ليلٍ بارد، لا تُطلب لكنها تُربك؛ هناك لحظات لا تُقال فيها الكلمات، فقط تنظر العيون؛ ويتكلم الصمت ويبدأ فصلٌ جديدٌ، لا يُشبه ما قبله..
<“شمسٌ جديدة نشرت الدفء في الأرض.”>
في يومٍ مشمسٍ جديد يحمل في ثناياه أحد’اثًا تنتظرهم،
كانت “نوران” تجلس فوق المقعد في غرفة المعيشة الواسعة تدوِّن بعض الملاحظات، ويجاورها “عبدالله” الذي كان يتحدث مع “حُذيفة” في الهاتف يطمئن عليه بعد أن عاد إلى شقته وبعد إلحاحٍ شـ.ـديدٍ مِنهم على عودته إلى القصر معهم، ولكنه أصّر على الذهاب لشقته ورعايته سيلقاها على أيدي زوجته..
وبهذا الهدوء المُريب صدح رنين جرس القصر الداخلي عا’ليًا يُعلنهم عن زائرٍ إليهم، اقتربت الخادمة مِن الباب بخطى هادئة وفتحت الباب لترى ساعي بريد يسأل عن “عبدالله” بقوله الهادئ:
_الأستاذ “عبدالله ليل الدمنهوري” هنا؟.
هـ.ـزّت الخادمة رأسها برفقٍ وقالت بنبرةٍ هادئة:
_أيوه موجود.
_ممكن أقابله.
تركته الخادمة وولجت إلى الداخل بخطى هادئة، وقفت أمامه وقالت بنبرةٍ هادئة:
_أستاذ “عبدالله” في واحد برّه طالب يشوف حضرتك.
نظر لها “عبدالله” بتعجبٍ في البداية ولكنهُ نهض وذهب تجاه الباب بخطى هادئة تحت نظرات “نوران” إليه، وقف هو أمام ساعي البريد متعجبًا وقال بنبرةٍ هادئة:
_أيوه.
أخرج ساعي البريد مظروف أبيـ.ـض ومدّ يَده إليه بهِ قائلًا:
_الظرف دا لحضرتك.
كان “عبدالله” لا يفهم شيئًا ولكنهُ أخذه مِنْهُ، بينما أخرج الآخر مظروفًا آخر وقال بنبرةٍ هادئة:
_ودا للآنسة “روان باسم”.
أخذه “عبدالله” وشكره بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_شكرًا ليك.
أبتسم ساعي البريد إليه وتركه ورحل، أغلق “عبدالله” الباب وعاد إليها مِن جديد، جاورها في جلستها لتنظر هي إلى المظروفين قائلة بنبرةٍ متسائلة:
_إيه دا يا “عبدالله” ومين اللي كان برّه؟.
أدار المظروف الأول إلى ظهره ليرى خط يد يعرفه جيدًا، خطًا مُميَّزًا؛ يعلمه جيدًا ويعلم صاحبه كذلك، نظر إلى “نوران” التي بادلته نظرته في نفس اللحظة عندما عَلِمَ صاحبه مِن كلمة ماما وبابا، فتح “عبدالله” المظروف بهدوءٍ ثمّ بدءا سويًا قراءته، ومع كُلّ كلمة كتبتها يَده كانت تترك إثرها في قلبهما، تملئ فراغًا تركه طيفه عند رحيله، وتُداوي ند’بة صغيرة تُرِكَت في رو’حهما، ومع نهاية الجواب شـ.ـقّت البسمةُ شفتيها والتمعت عيناها بوميضٍ يُعلن عن شو’قٍ لا آخر لهُ لهذا الفـ.ـتى الحبيب..
اتسعت بسمةُ “عبدالله” مع نهاية الجواب وقال بنبرةٍ هادئة بعد أن أنهى قراءة الجواب:
_شايل هـ.ـمك أكتر مِني الو’اطي، بينبـ.ـهني مز’علكيش شوفتي الو’اد.
ضحكت “نوران” ولم تتحدث، بل أخذت المظروف مِنْهُ وتأملت كلماته بحنوٍ لبرهةٍ مِن الوقت ثمّ قالت بنبرةٍ هادئة:
_يا حبيبي، شوف شايل هـ.ـمنا أزاي يا “عبدالله”، وو’حشه أكلي كمان، “عبدالله” شوف نقدر نشوفه أمتى، أقرب أجازة لِيه وننزل نشوفه وأطبخله الأكل اللي يحبه وأديهوله ياكل لحد ما يشبع.
نظر لها “عبدالله” وقد ضحكت عيناه قبل شفتيه، وكأن الفكرة قد نالت إعجابه ولذلك قال بنبرةٍ هادئة:
_تصدقي فكرة حلوة، هشوف أقرب أجازة لِيه وهننزل نشوفه كُلّنا.
نظر إلى المظروف الآخر ليعلم أنَّهُ يخص “روان” ولذلك نهض واقفًا وقال بنبرةٍ هادئة:
_هطلع أودي دا لـ “روان” وأجيلك تاني.
تركها مع مظروف ولدها وصعد إلى الطابق العلو’ي بهدوءٍ، ينظر إلى أسمها الذي دوَّنه “يزيد” وكأنه لوحةٌ فنية يخشى إتلا’فها، وقف أمام باب غرفتها وبدأ يطرق فوقه برفقٍ قائلًا:
_”روان” أنتِ جوّه.
لحظات وفُتِحَ الباب وكان اللقاء، نظرت إليه “روان” بهدوءٍ وقالت:
_خير يا خالو كُلّ حاجة كويسة.
أبتسم “عبدالله” في وجهها ونظر لها قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_متخا’فيش كُلّ حاجة زي الفُل، بس في حد باعتلك مسدج مُـ.ـهمة.
نظرت “روان” إلى المظروف الذي مدّ يَده بهِ إليها هُنَيهة وعندما رأت أسمها مُدوَّن بتلك الطريقة عَلِمَت صاحبه فورًا، خـ.ـفق قلبها بعنـ.ـفٍ ومدّت يَدها تأخذ المظروف مِنْهُ وقالت بنبرةٍ هادئة:
_”يزيد”.
أبتسم لها “عبدالله” وقال بنبرةٍ هادئة:
_هو.
التمعت عيناها بوميضٍ يُعلن عن شو’قٍ دُ’فِنَ برحيله، اتسعت بسمةٌ حنونة فوق شفتيها وغمرت الفرحة قلبها، تركها “عبدالله” ورحل بعد أن رأى تلهُفها لقراءتها، أغلقت الباب وجلست على طرف الفراش وهي تتأمل المظروف بعينان تنطقان بالسعادة، ضحكت عيناها قبل شفتيها وبدأ قلبها يخـ.ـفق بعنـ.ـفٍ داخل صد’رها وهي تشعُر بالتلهُف لمعرفة ما كُتِبَ بداخله..
ولكن برغم ذلك لُذة اللحظة مـ.ـنعتها مِن فتحه، فكان المظروف وكأنه كنزٌ ثمين لا يُمكن إتلا’فه مهما حدث، بعد مرور شهرين أستطاع مراسلتها كما وعدها، وكأن الشهرين ضهرًا؛ شو’قه غـ.ـلبه وقلبه أنتصـ.ـر على عقله في تلك المعر’كة، وببطءٍ شـ.ـديدٍ بدأت تفتح المظروف، وكأنها تخشى إفسا’د مظهره اللطيف، أخرجت الورقة بهدوءٍ وفتحتها وألتقطت عيناها أولى كلماته، حبيبتي “روان”؛ ومِن ثمّ بدأت عيناها تجوب بين الكلمات العربية الفصيحة، يُخبرها عن شو’قه لها ويشـ.ـكوها لمرور الوقت ببطءٍ..
كانت تبتسم بين كلمة وأخرى، وكانت اللمعة تتو’هج في عيناها بشكلٍ ملحوظ، وحينما بدأ يتغزل في عيناها بدأ الخجـ.ـل يظهر على وجهها، كانت عيناها هو’سٌ بالنسبةِ لهُ، لم تكُن مجرّد عينان؛ بل هن بُستانٌ مِن الزهور في عيناه، في نهاية الرسالة أعلنت حُبّها لكلماته ولأسلوبه اللطيف ولرُقيه في كتابة كلماته، طوَت الورقة؛ وتوّ’ردت وجنتيها بخجـ.ـلٍ لطيف، تغـ.ـلغلت رائحته مِن المظروف إلى أنفها بخفةٍ، وكأن المظروف قرر أن يكون شاهدًا على تلك اللحظة..
وقبل أن تترك المظروف لمحت بطرف عيناها ورقة أخرى صغيرة مطوية بعناية، أخذتها وفتحتها بعناية وكأنها كنزًا مِنْهُ يجب أن تحافظ عليه، رأت عيناها مرسومة بدِقة كعادته، رُسِمَت بعناية وكُتِبَ أسفلها بخفةٍ تُشبه خفة الفراشات:
_هُنا وجد الغريب ملاذه، هُنا بُستانه.
أتسعت البسمةُ فوق شفتيها أكثر وهُنا أ’علنت هي عشقها لهُ، وبلهفة حرّكتها بتلقائية سحبت دفترها وفتحته، كان يضم بين أوراقه ورقة بيـ.ـضاء مطوية بعناية، أخرجتها وأخذت قلمًا حبـ.ـري أسو’د اللون وبدأت تخطو أولى كلماتها فيها بكُلّ حُبّ كما فعل هو:
_حبيبي “يزيد”..
وأنا كذلك أشتقتُ إليك، لا أعلم متى ستعود وكيف سيمُر الوقت بنا، مرّ ستون يومًا على رحيلك مِن المنزل وأنا في كُلّ ليلة أنتظرُ لُقياكَ، أذهب إلى مرسمك على أملٍ أن أراك ولكنني لا أجدُ سِوى رائحتك في المكان، وكأنها تملئ فراغًا أنا لستُ على قدرٍ لتحمُله، أتمنى أن تنقضي الأيام سريعًا، وأن أراك تعود بيومٍ مِن الأيام حيثُ أكون بين الجميع جا’هلة سبب الفرحة، أردتُ أن أُخبركَ بشيءٍ ما، قرارًا أتخذته ولن أعود فيه، فستان الزفاف الذي تحدثنا عنهُ سويًا مِن قبل، أعلم أنكَ تتذكر ما يتعلّـ.ـق بي، لم يُعجبني تصميمٌ مِن التي تقبع في السوق، لا أرى نفسي بهم جميعًا، وبعد رحلة بحثٍ دامت حتى أهلـ.ـكت قدماي قررتُ أن أقوم بتطريزه بيداي بنفسي، أشتريتُ القماش وبدأتُ بتطريز فستان أحلامي فحينما سأنتهي مِنْهُ سيكون قد مرّ أشهرٍ عليه، أعدُك أنكَ ستُبهر بهِ ولن تُصدق أنَّهُ سيكون مطرزًا بيَدي حبيبتك، ولا داعِ لأن تقلـ.ـق عليَّ أو على شيءٍ يخص منزلنا أو أحلامنا معًا فكُلّ شيءٍ يسير كما نُريد و “حُذيفة” سيتولى الأمر كما تم الاتفاق بينكما، وبخصوص كلماتك فأنا لا أجدُ الكلمات المناسبة لأقولها إليك ولكنكَ أخجـ.ـلتني بشـ.ـدة، وسَلمت تلك الأنامل التي أخرجت بُستانك كما تراه، سأحتفظ بها وسأضعها أسفل وسادتي قبل أن أنام كُلّ ليلة، فستكون كنزًا ثمينًا لي مِن عاشق البُستان.
أنهت كتابة رسالتها إليه بوجهٍ مبتسم وبدأت عيناها تتأمل الورقة التي حملت عشقًا ومشاعر دا’فئة لن يفهمها سِوى العاشقين، أخرجت زفرة عميقة وقامت بطوي الورقة بعناية ووضعها داخل مظروفٍ أبيـ.ـض ومعهُ صورة تذكارية لعيناها، تعلم أنَّهُ سيسعد بها ولذلك لم تبخل عليه ووضعتها مع الرسالة كما فعل وأغلقت المظروف جيدًا، وبظهره خطّت بنعومة على المظروف “بُستان الورود”..
أخذت عطرها المفضّل ونثرته بخفةٍ فوق المظروف ووضعته أسفل وسادتها حتى يعود ساعي البريد مجددًا ويأخذه لإيصاله لهُ، ألقت بجسـ.ـدها النحيـ.ـل فوق الفراش وذراعيها مفرودان، تتأمل سـ.ـقف غرفتها بعينان لامعتين تملئهما الشغف والحنين، وبسمةٌ حنونة ترتسم فوق شفتيها، وقلبًا عاشقًا يخـ.ـفق بعنـ.ـفٍ وكأن الكلمات سـ.ـقطت فوقه كإناءً مِن العسل الحلو..
نظرت تجاه الطبقة الأولى مِن الفستان المُعـ.ـلّقة على الخزانة، فها هي أنتهت مِن الطبقة الأولى ينقصها أن تقوم بتجربتها حتى تُكمل بقية الفستان، فهي تنتظر يوم زفافها بفراغ الصبر، ما رأته معهُ ليس هينًا عليهما ولكنهما أستطاعا أن ينفـ.ـدا مِن كُلّ الصعا’ب، ولم تتبقى سِوى خطواتٌ صغيرة على تحقيق الأحلام إلى واقع.
___________________________
<“كانت جميع أيامه مُحمَّلة بمذاقٍ حلو.”>
كانت الأيام تمُر وتترك إثرها فوق بشرة صغيرة نا’عمة تحمل رائحة طيبة، ومع كُلّ صبيحة كان يومه يبدأ بشكلٍ مختلف، فمنذ أن أنارت حياته وهو يتوقّع معها المستحـ.ـيلات، في منتصف اليوم كان “عُمير” مستلقٍ فوق الفراش بغرفة صغيرته، مغمض العينين؛ مستشعرًا بأنامل صغيرة تعـ.ـبث في خصلاته البُنـ.ـية الفا’تحة التي كانت تلمـ.ـع تحت أشعة الشمس عندما تتعامد عليها..
صوت أنفاسها كان مسموعًا، وثرثرتها تعلو بين الحين والآخر بكلماتٍ غير مفهومة، ولم يستطع أن يمنـ.ـع أبتسامته حين أن تثرثر بصوتها الطفولي الناعم وكأنها تشـ.ـكو لشخصٍ غير مرئيٍ مِن تجا’هله إليها منذ صبيحة اليوم حتى هذه اللحظة، كانت عيناه شبه مفتو’حتين، ينظر لها مِن المرآة التي تعكس صورتها..
وحينما أستمر الأمر على هذا المنوال بدأت تشعُر باليأ’س تركت خصلا’ته وبدأت تحبو على أطر’افها فوق الفراش مِن مكانها، أتجهت إليه وجلست بجانبه تتطلّع إلى معالم وجهه الساكنة وكأنها تراه لأول مرَّة، وقفت على رُكبتيها الصغيرة ووضعت كفيها الصغيران على صد’ره وبدأت تضر’ب فوقه برفقٍ وكأنها تُقظه مِن غفوته..
أستمرت في ضر’ب صدره برفقٍ وهي تنظر إلى وجهه تتابع أقل حركة مِنْهُ، وحينما لم يتحرّك أقتربت هي مِن وجهه ومنحته قبلة فو’ضاوية طفولية فوق خَدِّه الأيمن، حاولت بعدها العديد مِن المرات أن تلفُظ إسمه ولكنها لم تستطع، وأمامها فاز قلبه؛ فتح عيناه وأول شيءٍ رآه كانت هي..
كانت خصلا’تها النا’عمة الخفيفة مصففة بنعومة وعيناها الكلاسيكية تتو’هّج بحما’سٍ طفولي حينما فرّ’ق جفنيه، خَدِّيها الصغيران الممتـ.ـلئان يكسوهما الحُمـ.ـرة وأصبحت تثرثر مِن جديد بكلماتٍ غير مفهومة، اتسعت بسمتهُ فوق شفتيه وترك المشهد إثره في قلـ.ـبه، مدّ كفيه نحوها وأمسك بها مِن أسفل ذراعيها الصغيران ور’فعها قليلًا ثمّ قرّبها مِنْهُ يُلثم خَدِّها بحنوٍ..
اتسعت البسمةُ فوق شفتي الصغيرة التي سعدت بقبلة أبيها ومنحته في المقابل ضحكتها الناعمة، ضمها إلى د’فء أحضانه محاوطًا إياها بذراعيه ثمّ قال بنبرةٍ حنونة:
_عسولة يا “أُميمة”، ربنا يباركلي فيكي ويحفظك يا حبيبة قلبي.
نظرت إليه “أُميمة” بوجهٍ مبتسم ثمّ ضحكت بصوتٍ عالٍ بنغمة طفولية رنانة جعلته لا يقدر على الصمود أمام رِ’قتها وحركاتها اللطيفة التي تأ’ثر كُلّ مَن يراها، ضمها إلى صد’ره ولثم خَدِّها الصغير بحنوٍ دون أن يتحدث، بل تركها تفعل ما تُحب وتُريد، وفي خلال لحظات ولجت “غدير” وبيَدها صحنًا صغيرًا بلاستيكي و’ردي وملعقة بيـ.ـضاء..
جاورت “عُمير” ونظرت إلى صغيرتها بوجهٍ مبتسم، بينما نظرت إليها “أُميمة” وحينما داعبت رائحة الطعام أنفها الصغير بدأت تهمهم بكلماتٍ بسيطة وتنظر إلى الصحن مشيرةً إليه بسبابتها الصغير، نهض “عُمير” وجلس بهدوء واسند ظهره إلى ظهر الفراش مِن الخلف وأجلس “أُميمة” فوق قدمه والتي بدأت تُحرك جسـ.ـدها الصغير بتلهُفٍ حينما رأت والدتها تُقرّب الملعقة مِن فمها..
بلحظة تناولت الطعام وبدأ فمها الصغير يتلا’عب بحركة لطيفة وكأنها تتذوّق لَذّة الطعم، عادت “غدير” تضع الملعقة دا’خل فمها الصغير وهي تشجعها بكلماتها الحما’سية والتي جعلت الصغيرة تضحك بسعادة وكأنها حققت إنجازًا جديدًا في حياتها ولذلك كانت والدتها تُثني عليها بين الحين والآخر..
في خلال لحظات إنتشـ.ـرت رائحة الطعام الذي تُعده “غدير” لينظر إليها “عُمير” قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_هاتي هأكلها أنا وأنتِ شوفي لو وراكي حاجة عشان متعـ.ـطلكيش ولو خلّصت ونامت هاجي أساعدك.
نظرت إليه “غدير” وبسمةٌ لطيفة أرتسمت فوق شفتيها حينما رأت نظرته الد’افئة تحاوطها كما أعتادت مِنْهُ دومًا وبنبرته الحنونة التي تُز’يل عنها عب’ء الحياة وتُسعد قلبها ولو قليلًا، تركت الصحن لهُ ونهضت قائلة:
_لو إحتاجت حاجة قولي.
هزّ رأسه برفقٍ لها ولكن قبل أن تتركه وتخرج أوقفها بنداءه الهادئ:
_”غدير”.
نظرت إليه “غدير” دون أن تتحدث وانتظرت سماع ما سيقوله، بينما أبتسم هو لها وأشار إليها بالاقتراب دون أن يتحدث، لّبت إليه طلبه واقتربت بالفعل مِنْهُ وجاورته في جلسته منتظرة سماع ما سيقوله، وعنهُ فقد أبتسم لها واقترب مِنها يُلثم خَدِّها بحنوٍ تزامنًا مع قوله:
_تسلم إيدك على أي حاجة بتعمليها عشانا حتى لو كانت على حساب راحتك، وبرغم اللي عدينا بيه دا لسّه بكتشف فيكي حاجة جديدة ومختلفة كُلّ يوم، أنا إخترت الإنسانة الصح وكان عندي حق لمَ فضلت متمسك بيكي ومقبلتش إني أفرّ’ط فيكي، عشان كُنت عارف إني هند’م لو عملت كدا، حياتي بقت أجمل بوجودك فيها.
كعادته يُفاجئها بكلماته وأبسط حركاته وأفعاله، هذا الذي أعتادت عليه مؤخرًا، أبتسمت إليه بسمةٌ صافية ود’افئة ثمّ ضمته دون أن تتحدث، فكلماتها لن تأتي شيئًا أمام عناقٍ واحدٍ مِنها يبوح عن شوقها وعشقها إليه، وفي هذه اللحظة الهادئة التي يصـ.ـعُب تكرارها بهذا المنوال تدخّلت “أُميمة” في هذه اللحظة وهي تتذ’مر وتُحاول إلتقاط الملعقة بعد أن بدأ يزداد جوعها..
أبتعدت “غدير” مبتسمة الوجه وهي تنظر إليه قائلة بنبرةٍ ضاحكة:
_”أُميمة” مش راضية عن اللحظة بسبب جوعها.
قهقه “عُمير” بخفةٍ ثمّ أمسك الملعقة الصغيرة وغر’فها بالطعام وهو يُحادث صغيرته بقوله الهادئ:
_حاضر يا أُستاذة “أُميمة”، أنتِ أهم طبعًا دلوقتي إحنا معندناش د’م عشان مطـ.ـنشينك، أتفضلي بألف هنا على قلبك.
أنهى حديثه وهو يُد’خل الملعقة داخل فمها الصغير برفقٍ ثمّ يُخرجها ليبدأ فم الصغيرة يتحرّك بلطفٍ، رفعت رأسها ونظرت إليه بعيناها الكلاسيكية الو’اسعة وابتسمت لهُ وبدأت تثرثر بكلماتٍ غير مفهومة وكأنها تشكره على هذه العناية اللطيفة، بينما أبتسم هو واقترب مِنها يُلثم رأسها بحنوٍ تزامنًا مع استنشاقه لرائحتها الطفولية الجميلة التي تسـ.ـللت إلى أنفه..
عاد يُكمل إطعامها حتى أنهته بالكامل بعد أن كان يُد’اعبها بعد كُلّ ملعقة وفي المقابل كانت تمنحه ضحكتها البر’يئة، ترك الصحن فوق سطح الطاولة المجاورة للفراش واقترب مِنها وبدأ يغد’قها بقبلاته الحنونة على أنحاء وجهها الصغير وفي المقابل كانت تضحك هي عاليًا كُلّما شعرت بملمـ.ـس لحيته على بشرتها النا’عمة، لحظة جعلته يشعر أنَّهُ وُو’لِدَ مِن جديد ويحظى بأسعد لحظات حياته معها، وكأنها كنزًا ثمينًا لا يجب إضا’عته مِن بين يَديه مهما كلفه الأمر.
__________________________
<“التأدُ’ب لمَن يتمر’د، والمكـ.ـر لمَن قرر الترو’يض.”>
الحياة تمنح للبشر تجارُب عِدة، مِنهم مَن نالوا لُذتها؛ ومِنهم مَن تجرعوا قسو’تها، والفرق بينهما كفرق السماء عن الأرض، مِنهم مَن أصبح هـ.ـشًا كالر’يشة، لا يقدر على الموا’جهة ويخشى أن يُد’هس بين الأقدام، ويُفضِل الصمت على ما يحدث إليه، ومِنهم مَن أصبح كالأسـ.ـد الجا’ئع، لا يتحلى بالهدوء والراحة إلّا أن يسـ.ـد هذا الجوع، وأمام الظُـ.ـلم لا يعرف للر’حمة غاية..
في منتصف اليوم، وبعد أن أصبحت درجة الحرارة لطيفة إلى حدٍّ ما، صف “شريف” سيارته السو’د’اء بعد أن وصل إلى وجهته المنشودة، خرج مِن سيارته وألتفت إلى الجهة الأخرى يفتح بابها الخلفي، حيثُ كانت تجلس صغيرته على مقعدها المُريح وحز’ام الأ’مان يضم جسـ.ـدها الصغير، قام بفـ.ـكه بينما كانت هي تلهو بحما’سٍ زائد اليوم، وكأنها تعلم أن أبيها قد أصطحبها بالفعل في نزهة صغيرة..
حملها على ذراعه وهندم لها فستانها الزهري الصغير بلطفٍ ثمّ أغلق السيارة وأبتعد عنها بخطى هادئة نحو الحديقة، كانت تنظر حولها بعيناها الخضـ.ـراء بإندهاشٍ واضحٍ على وجهها الصغير، ترى العصافير تغرد عاليًا، ويعلو في أرجاءها زقزقتها؛ الهواء د’افءٌ بدرجة مقبولة وروائح الورد تُنثر عبقها في الهواء، جلس فوق مقعد خشـ.ـبي وأجلسها فوق قدمه ثمّ قام بترتيب خصلا’تها القصيرة النا’عمة برفقٍ وكأنه يمـ.ـلُك قطعة ألما’س يخشى سقو’طها..
نظرت الصغيرة حولها بعيناها تكتشف الحياة حولها، تترقب كُلّ حركة تُصدر حولها وكأنها تدرسها بعناية، نظر إليها “شريف” وأبتسم حينما رآها تراقب بتأهب ما يحدث حولها، انحنى برأسه نحوها ومنحها قبلة حنونة على رأسها، لحظات وصدح رنين هاتفه الذي كان داخل جيب بنطاله ليخرجه بهدوء ويُجيب على المتصل بقوله الهادئ:
_لسّه واصل حالًا أنتَ فين؟ طيب متتأخرش مستنيك.
أغلق المكالمة ووضع هاتفه في جيبه كما كان ثمّ نظر إلى صغيرته التي بدأت تتحرك بتلهُفٍ واضح وعيناها مثبتتان في إتجاهٍ محدد، عقد حاجبيه وحاوط جسـ.ـدها الصغير بذراعه قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_مالك ملهو’فة على إيه أوي كدا.
ر’فعت رأسها عا’ليًا تنظر إليه ثمّ مدّت ذراعها الصغير نحو وجهه ليُلا’مس لحيته المنمقة وهي تتمتم بكلماتٍ مبهمة، وكأنها تخبره شيئًا أ’ثار فضولها، بسمةٌ حنونة أرتسمت فوق شفتيه ثمّ أقترب مِنها يُلثم خَدِّها الصغير بحنوٍ، لحظات وقفـ.ـزت قطة صغيرة فوق المقعد تجاور “شريف” الذي أنتبه لها ونظر إليها، بينما نظرت لها “شروق” هُنَيهة تترقب حركتها بعناية..
تابعها “شريف” دون أن يتحدث وكأنه ينتظر ردها، تبادلت “شروق” نظراتها مع القطة التي نظرت إليها بتأهبٍ ثمّ أصدرت صوتًا نا’عمًا بالمواء، لحظة وضحكت “شروق” بعدها، وكأن الصوت يتغـ.ـلغل إلى أذنيها يدغدغها، أبتسم “شريف” وتابعها حينما أزدادت ضحكتها مِن جديد بعد أن أصدرت القطة مواءها..
وبلحظة حما’س مِن “شروق” مدّت نصـ.ـفها العلوي تجاه الأمام وهي تفرد ذراعيها الصغيران في الهواء في محاولةٍ فا’شلة لإمساك القطة، لم تكُن محاولة واحدة؛ بل كانت تسعى للإمساك بها مِمَّ جعل القطة تعود إلى الخلف بخو’فٍ فطـ.ـري، ولم تمكث لحظات وفرّ’ت ها’ربة بعد أن جاء “فاروق” وجاوره في جلسته، نظرت إليه “شروق” وكأنها تراه لأول مرَّة، ولكن لم تكمث طويلًا وبدأت تشير نحوه بذراعيها..
بسمةُ حنونة أرتسمت فوق شفتي “فاروق” الذي لم يُحبذ أن يتركها طويلًا وسريعًا مدّ كفيه وأخذها مِن ذراعي أخيه ضاممًا إياها إلى د’فء أحضانه مانحًا إياها قبلاتٍ لطيفة فوق خَدِّها الصغير، تحدث بعدها بنبرةٍ حنونة وهو ينظر لها قائلًا:
_بسم الله ما شاء الله، البت فاهمة هي عايزة إيه، بنتك بتفرحة مِن بوسة يا حبيبي.
ضحك “شريف” وهو يرى صغيرته تتشبـ.ـث بأناملها الصغيرة بقميص أخيه وتعبـ.ـث بزره اللا’مع، بينما نظر “فاروق” إلى أخيه وقال بنبرةٍ هادئة:
_حاسس إنك مش ناو’ي تهدى يا “شريف” إلّا لمَ تجيبلنا كار’ثة.
أبتسم “شريف” ثمّ نظر في عيناه وقال بنبرةٍ مماثلة:
_لا خالص على فكرة، أنا بس كُنت بقارن نفسي دلوقتي ببتاع زمان، ولقيت إني مينفعش أقارنهم ببعض، بس بتاع دلوقتي أحسن بكتير، حتى لو متمر’د؛ أهم حاجة مسكوتش عن حـ.ـقي وأعرف أجيبه مِن بؤ الأسـ.ـد، ساعات بفكّر فـ “شروق”، بقول لنفسي بنتي محتاجة أب تحسّ معاه بالأ’مان، لو الدُّنيا كُلّها وقفت ضـ.ـدها هو الوحيد اللي يكون معاها، الحياة مش سهلة ومليانة دروس قا’سية، وفيها خو’ف برضوا؛ ودا بدأت أحسُّه فيها مِن دلوقتي، متمسكة بيّا أكتر مِن أمها ودي حاجة مخلّياني مش عايز فيوم أخسـ.ـر ثقتها فيّا بالعكس، عندي أقف فوش النا’ر حتى لو هتحر’قني بس هي متحسّش فلحظة بالخو’ف.
نظر “فاروق” إلى الصغيرة أولًا ثمّ بعدها إلى أخيه وكأنه يُعيد التفكير في حديثه بشكلٍ أكثر تعمقًا قبل أن يُعطيه جوابه، لقد رأى حديثه صحيحًا فأخيه لم يعُد كما كان في الماضي، حتى وإن كان التمر’د مازال يرافقه، فهذه المرة ليس بتهو’راته بل بحكمته وتعقله، أخرج زفرة عميقة وقال بنبرةٍ هادئة:
_لمَ تكون لوحدك مبتشوفش جوانب كتير حواليك، مع إنها بارزة زي الشمس، بس إحنا اللي بنقرر نعمل نفسنا مش شايفنها، بس لمَ حياتك تاخد مسار تاني ويكون في حد أنتَ بتكون مسؤ’ول عنُه الوضع هنا بيتغيّر، بتبدأ تفكّر فمراتك، بعدها بشوية تلاقي نفسك بقيت أب وفي طفل فمسؤ’وليتك وهتكون مُطالب ساعتها إنك ترعاه وتعلمُه وتربيه أحسن تربية وتخلّيه سوي نفسيًا وعيونه شبعا’نة مش مستني حاجة مِن حد، ساعتها في ضر’بة بتنزل على د’ماغك فلحظة تو’عيك وكأنها بتقولك فُوق أنتَ مبقتش لوحدك، ودا اللي حصلك يا “شريف”، “شروق” كانت نقطة تحوُّل جذ’ري فحياتك.
في هذه اللحظة نظر “شريف” إلى صغيرته التي طالبته بأخذها بعد أن مدّت ذراعيها الصغيران نحوه، لم ينتظر بل أخذها بالفعل وضمها إلى صدره وأمسك كفها الصغير وقرّبه مِن فمه يُلثمه بحنوٍ، لم تكُن مجرّد كلماتٍ يُخرجها، بل عهدًا لها؛ عهدًا لن يُخذ’له ما دام حـ.ـيًّا، نظر لها بعد أن ر’فعت رأسها ونظرت إليه ليمنحها قبلة أخرى فوق خَدِّها الصغير وكأنها وعدٌ صادق مِنْهُ إليها.
___________________________
<“لحظة حُبِـ.ـسَتْ فيها الأنفا’س.”>
كان الصوت عا’ليًا بشكلٍ نسبي، كان “شهـاب” يُشاهد فيلمًا كوميديًا ويضحك بين الحين والآخر، وكانت “مَرْيَم” تقف في الغرفة تقوم بطوي الملابس بهدوءٍ، وتبتسم كُلّما وصلتها ضحكاته العالية، وكأنها معزوفة سمفونية؛ ولوهلة تتذكّر كيف كان الحال بهم قبل أن يصلا سويًا إلى هذه المرحلة التي هم عليها الآن، اقتربت مِن الخزانة ووضعت الملابس بداخلها وأغلقتها..
وفي لحظة اقتـ.ـحم دو’ار خـ.ـفيف رأسها بشكلٍ مفاجئ جعلها تتمسك في الباب، أغمضت عيناها وظلت مكانها ثوانٍ حتى تحوَّلت لدقائق قصيرة، منذ صبيحة اليوم ويُد’اهمها بدون سبب، وكعادتها كانت تتجا’هله منذ الصباح حتى بدأ الأمر يخرج عن سيـ.ـطرتها وهذه المرة كانت كغيرها، وصلها نداء “شهـاب” الذي طالبها بترك ما تفعله وتذهب لتشاهد برفقته الفيلم..
ولكنها كانت لا تمـ.ـلُك الطاقة الكافية لأن ترد عليه، تحرّكت بخطى بطيئة حذ’رة وهي تسند بكفها على الجدار المجاور لها، خرجت مِن الغرفة وسَارَتْ في الطرقة الطويلة التي تؤدي على غرفة المعيشة، حاولت أن تُكا’فح ولكن كان الأمر خارج عن سيطـ.ـرتها، وفي لحظة هوىٰ جسـ.ـدها أرضًا، أر’تطم بالأرض بصوتٍ مسموع وصل إلى “شهـاب” الذي عقد حاجبيه وقام بمنادتها بنبرةٍ عالية بعض الشيء:
_”مَرْيَم” إيه اللي و’قع مِنك ..!!.
ولكن لم يتلقى ردًا مِنها ولذلك نهض واقفًا ثمّ سَارَ بخطى هادئة نحو الطرقة ليراها مر’تمية فوق الأرضية دون حركة، خـ.ـفق قلبه بعـ.ـنفٍ في لحظة وغلّفه الخو’ف ولذلك أقترب مِنها بخطى واسعة وجسىٰ على رُكبتيه بجانبها ورفع جسـ.ـدها المتر’اخٍ بين ذراعيه وحاول إفا’قتها، بلطفٍ ضر’ب فوق صفحة وجهها ولكنها لا تتجاوب ولذلك لم ينتظر وحملها على ذراعيه وأتجه نحو غرفتهما..
وضعها فوق الفراش ثمّ أتجه نحو طاولة الزينة وأخذ زجاجة عطره وعاد إليها مجددًا، جلس على طرف الفراش ونثر مِنْهُ القليل على كف يَده وقرّبه نحو أنفها وحاول إفاقتها بقوله الهادئ:
_”مَرْيَم” فوقي، “مَرْيَم”.
ثوانٍ كانت تحتاجها حتى تعود إلى و’عيها مِن جديد، تنفـ.ـس أخيرًا براحة بعد أن استعادت و’عيها وقال بنبرةٍ هادئة:
_ر’عبتيني عليكي يا “مَرْيَم” أقسم بالله، مِن خو’في عقـ.ـلي وقف ومعرفتش أفكّر.
أغمضت عيناها وعقدت حاجبيها بخفة بعد أن شَعَرت بد’وار خفيف مِن جديد، بينما زفر هو بعمقٍ وبلحظة تلقائية مِنْهُ وضع كفه على بطنها واقترب مِنها يُلثم خَدِّها بحنوٍ ثمّ قال:
_أكيد مهتمتيش بنفسك اليومين دول عشان كدا دو’ختي.
ظن أن سبب الد’وار كان بكثرة بذ’لها للمجهو’د، ولذلك كان يُلـ.ـقي اللو’م عليها بلطفٍ حتى تنتبه إلى صحتها بشكلٍ أفضل مِن ذلك، ولكنهُ لا يعلم أن ثمة نطـ.ـفة صغيرة مع مرور الأيام سوف تنمو في ر’حمها، مدّ كفه ومسّد برفقٍ فوق خصلا’تها وقال بنبرةٍ هادئة:
_هدخل أجيبلك الأكل وصدقيني يا “ريما” لو ر’فضتي وقتها مش هتعامل معاكي ومهما حاولتي معايا مش هتصالح، تمام؟.
نظرت إليه وكادت ستر’فض، ولكن ألتزمت الصمت بعد أن قام بتهـ.ـديدها بشكلٍ مباشر، وافقت على مـ.ـضض ليتركها ويخرج متجهًا إلى المطبخ، زفرت بعمقٍ ثمّ سحبت هاتفها الموضوع فوق سطح الطاولة المجاورة للفراش وعـ.ـبثت بهِ بهدوء، قامت بطلب رقم والدتها ووضعت الهاتف على أذنها وأنتظرت تلقي الجواب، لحظات وسَمِعَت “حبيبة” تقول بنبرةٍ هادئة:
_أخيرًا أتصلتي وافتكرتيني، بقى دا وعدك ليّا يا “مَرْيَم”.
شَعَرت “مَرْيَم” بالحر’ج بعد أن أ’لقت والدتها اللو’م عليها بسبب مخا’لفتها للوعد الذي قطـ.ـعته إليها، لم تجد كلماتٍ مناسبة لتقولها ولذلك جاوبت بنبرةٍ هادئة قائلة:
_آسفة يا ماما حقك عليّا، أنا عارفة إني أ’ثّرت شوية معاكي، معنديش كلام أقنعك بيه بصراحة فحقك عليّا.
ولأن حاسّة الأم قو’ية شَعَرت بنبرةٍ ابنتها مر’هقة ولذلك تغا’ضت عن ما قالته في البداية وسألتها بنبرةٍ هادئة قائلة:
_مالك يا “مَرْيَم”، صوتك مُر’هق أنتِ كويسة؟.
كان قلبها هو المتحـ.ـكم وهو مَن يقودها دومًا ولم تمر لحظة إلّا أن حدثت بالفعل وصدق فيها شعورها، سَمِعَت تنهيدة أبنتها عبر الهاتف وتلقّت حديثها بعدها حينما قالت بنبرةٍ مر’هقة:
_لا يا ماما مش كويسة مِن الصبح، كُنت بتصل بيكي عشان خاطر كدا.
خـ.ـفق قلب “حبيبة” بخو’فٍ واضح على معالم وجهها بعد أن تلقّت الإجابة مِن أبنتها، لم تنتظر وسألتها بتلهُفٍ:
_مالك يا “مَرْيَم” في إيه يا حبيبتي، وفين “شهـاب” وأنتِ بالمنظر دا؟.
أغمضت “مَرْيَم” عيناها بعد أن شَعَرت بد’وار خفيف وقالت بنبرةٍ هادئة:
_مِن الصبح وأنا كُلّ شوية بد’وخ، الد’وخة مبتكملش وتروح، طـ.ـنشت فالأول بصراحة لحد مِن كام دقيقة كدا الد’وخة رجعت أشـ.ـد ومحسيتش بأي حاجة لحد ما “شهـاب” فوّ’قني كان خا’يف أوي، ودلوقتي الد’وخة خفيفة ومِن الصبح مش طا’يقة ريحة أي أكلة أو حاجة بتتعمل، أول ما “شهـاب” فوّ’قني دخل المطبخ يجيبلي حاجة أكُلها، قولت أتصل بيكي وأقولك يمكن تفيديني.
في هذه اللحظة راودها شعورٌ لا يُكذّ’ب، أخبرها قلبها السبب دون أن تنتظر تدخل طبي لكشف ذلك، في لحظة ترقرق الدمع في عيناها وبسمةٌ حنونة أرتسمت فوق شفتيها تزامنًا مع همسها:
_”مَرْيَم” أنتِ حا’مل.
تجمـ.ـدت “مَرْيَم” مكانها وأصا’بت الصدمة هدفها ببراعةٍ شـ.ـديدة، لا تُصدق ما سمعته أذنها لتتلقى الجواب التأكيدي مِنها حينما قالت بصوتٍ متهـ.ـدج:
_دي أعـ.ـراض حمـ.ـل يا حبيبتي.
في تلك اللحظة ولج “شهـاب” يحمل صينية متوسطة الحجم يعلوها بعض الصحون التي كانت تحتوي على بعض الأصناف التي أعدتها “مَرْيَم” قبل قليل، نظرت إليه بعينان شاردتين تراه يضع الصينية فوق سطح الطاولة المجاورة للفراش وجلوسه بجوارها مثلما كان، أبعدت الهاتف عن أذنها وقامت بفتح مكبر الصوت تزامنًا مع قول والدتها بنبرةٍ غمرتها الفرحة:
_الد’وخة والقر’فة وحتى إحساسك إنك عايزة تستفر’غي دول أعراض حمـ.ـل لازم تروحي تعملي تحـ.ـليل دم وتتأكدي وأنا واثقة إنك حا’مل.
في تلك اللحظة تجمـ.ـد “شهـاب” بعد أن أستمع إلى حديثها، وكأنه و’قع على مسامعه كز’خات المطر التي تسـ.ـقط على سطح الأرض في فصل الشتاء، نظر إلى “مَرْيَم” التي كانت تنظر إليه بعينان دامعتين، وفي داخلها صوتٌ راجِ لتأكيد هذا القول وحدوثه بالفعل، وعدتها بفعل ذلك وأنهت المكالمة معها ولم تتحدث..
_هو كلامها دا، ممكن يبقى صح؟.
سألها بنبرةٍ هامسة وكأنه يخشى أن يسمعه أحدهم ويفضـ.ـحه، لا يُصدق ما سمعه قبل لحظات ليُلقي على مسامعها سؤالٌ آخر:
_هو أنتِ حسيتي باللي قالت عليه دا بجد؟.
هـ.ـزّت رأسها برفقٍ تؤكد إليه صدق حديثه ثمّ قالت بنبرةٍ هادئة بعد أن مدّت يَدها وأمسكت بكفه ووضعته فوق بطـ.ـنها مِن جديد:
_لمَ حطيت إيدك على بطـ.ـني مكانش فعل عفوي صح.
لم يُجيب فورًا بل نظر إلى كفه الموضوع فوق بطـ.ـنها للحظات، وهُنا اضطـ.ـربت خـ.ـفقات قلبه، وكأنه شَعَر بشيءٍ ير’بطه بهِ، نظر في عيناها وقال بنبرةٍ خافتة:
_جوّايا شعور إنك حا’مل، يمكن محسيتش بيه أول مرَّة بس بعد كلام مامتك لا حسيت، “مَرْيَم” مِن قبل ما نتأكد أنتِ حا’مل صدقيني.
ترقرق الدمع في عيناه بعد أن راوده شعورٌ لطيف، حلو المذاق؛ لوهلة فكّر بالأمر بشكلٍ جادٍ وقد توصّل إلى الحل الوحيد الذي يجب أن يحدث، اقترب مِنها وضمها إلى د’فء أحضانه تزامنًا مع قوله الهادئ:
_لازم نعمل التحا’ليل، دا يوم المُنىٰ أقسم بالله.
حاوطته “مَرْيَم” بذراعيها وبسمةٌ د’افئة أرتسمت فوق شفتيها تزامنًا مع قولها الهادئ:
_حاسس بإيه مِن قبل ما نعملها ونتأكد؟.
جاءها جوابه على بساطٍ أحمدي حينما قال بنبرته المتأ’ثرة:
_حاسس إني أسعد واحد، حاسس إني هيكون معايا العوض اللي هيعوضني عن كُلّ المُـ.ـر والو’جع اللي عيشتُه قبل ما تكوني معايا.
اتسعت بسمتُها وتأ’ثرت بحديثه ولذلك جاوبته بنبرةٍ هادئة وقالت:
_وأنا حاسّة إننا هنفرح، مش أي فرحة، فرحة كُنا نتمنى نعيشها مِن غير ما نرتبلها، وشكلها جَت فعلًا.
لحظات وأبتعد عنها “شهـاب” قليلًا ونظر في عيناها بعينين تلمعان بوميض الأمل ثمّ لثم خَدِّها بحنوٍ وشـ.ـدد مِن ضمته لها وصوتٌ قو’ي وعا’لٍ بداخله يتدرّع لربُه أن ينالا مُرادهما.
___________________________
<“مازال القلب الطيب ينبـ.ـض برغم بقا’ع الفسا’د المحيطة بهِ”>
أسدل الليل ستاره الكحـ.ـيل وأصبح الجَو لطيفًا في المدينة..
لحظة أشتاق إليها القلب وأرتوّت بها أرجاء المنزل حينما عادت صوت الضحكات تعلو في المكان، كان “عدنان” يجاور أبيه الذي كان يُحاوط جسـ.ـده الصغير بذراعه، أنامله تد’اعب خصـ.ـره الصغير دون توقف بعد أن أستطاع مرا’وغته بحركاته الطفولية، كان يرجوه مِن بين ضحكاته أن يتركه ولكن جاءه قول “حُذيفة” الذي كان يبتسم:
_مش أنتَ اللي فضلت تر’ازي فيّا وأنا نـ.ـبهتك، أستحمل بقى نتايج قراراتك.
لم يتوقف الصغير عن الضحك، بل أزداد أكثر حتى أصبح يصر’خ مستـ.ـغيثًا بوالدته أن تنقـ.ـذه مِن حصا’ر أبيه، لحظات وتركه “حُذيفة” بالفعل ليبتعد الصغير عنهُ وهو يلـ.ـهث ويضع كفيه الصغيران فوق صفحة وجهه الذي آ’لمه بسبب ضحكه المتواصل، بينما نظر إليه “حُذيفة” نظرة انتصا’ر وقال:
_لمَ تحب تنا’كش فيّا خليك قدها.
نظر إليه “عدنان” نظرات الاتها’م دون أن يتحدث في نفس اللحظة التي ولجت فيها “أيسل” وبيَدها مظروف أبيـ.ـض ويعلوه ختمًا يبدو مألوفًا عليه، نظر لها بترقبٍ حتى جلست بجواره ومدّت يَدها بالمظروف وهي تنظر إليه بوجهٍ مبتسم دون أن تتحدث، بينما نظر هو إلى المظروف وحينما رأى إسم أخيه يعلوه أخذه مِنها دون أن يُفكر وفتحه بتلهُفٍ واضح..
كان ينتظر مِنْهُ ولو رسالة واحدة تطـ.ـمئن قلبه مِن خلال كلماتها، بدأت عيناه تجوب بين الكلمات ومعهُ “أيسل” التي كانت تقرأ المكتوب، وبين كُلّ كلمة يسكُن فيها شعورٍ مختلفٍ عن الآخر، كان قلبه يقرأ قبل عيناه وكُلّ كلمة تُحفظ في ذاكرته، لم يكُن مجرّد جوابًا، بل كان حياته بأكملها، ومع نهايته سـ.ـقطت مِن على أهدابه دمعة صغيرة، ليست حزنًا؛ بل شوقًا إلى هذا الحبيب الذي رحل وتركهم، رحل وترك إثره حولهم وفي قلوبهم..
أخرج زفيرة عميقة ونظر إلى زوجته وعيناه تفضـ.ـحان مشاعر مكبو’تة غـ.ـلبتها الشوق والحنين، منحته ابتسامة هادئة ثمّ وضعت رأسها فوق كتفه وأغمضت عيناها تزامنًا مع قولها الهامس لهُ:
_عارفة إنك مشتاق ليه.
تنهيدة عميقة أخرجها “حُذيفة” وكأنه أخرج ثقـ.ـل الأيام التي كانت مكبو’تة بداخله، نظر مرَّةٍ أخرى إلى المظروف وقال بنبرةٍ هادئة وكأنه يستشعر إثر كلماته على قلبه المسـ.ـكين:
_بيلو’م ويعا’تب فيّا، وفنفس الوقت كأنه خا’يف على زعلي بدأ يواسيني ويطمني، “يزيد” دا مش بس أخويا، دا صاحبي وبيـ.ـر أسراري، لو الدنيا كُلّها أتخلِّـ.ـت عنّي هو ميسبنيش.
مسّدت برفقٍ فوق ذراعه وقالت بنبرةٍ هادئة:
_رد عليه وأبعتله رسالتك، أكيد زمانه ملهوف دلوقتي وقاعد مستنيها على نا’ر.
أخذ “حُذيفة” نفسًا عميقًا ثمّ همس لها قائلًا:
_يبقى هاتي ورقة وقلم عشان أبعتله ردي.
لَبّت إليه مطلبه وسحبت ورقة بيـ.ـضاء مِن فوق سطح الطاولة المجاورة للفراش وقلمًا حبـ.ـريًا أسو’د وأعطته إياهم، أحتضن كفًا بالورقة والآخر تعانق بين أنامله وبدأ يسير بخفة الفراشة على سطح الورقة بخطٍ راقٍ ومُميّز لدى المستقبل، وبجانبه جلست “أيسل” مِن جديد تنظر بهدوءٍ إلى كلماته التي عبّرت عن مشاعر مكنو’نة لم تستطع الخروج إلّا حينما جاءت تلك اللحظة..
_حبيبي، وصاحبي، وسندي فالدنيا..
وحشتني فوق ما تتخيّل يا حبيبي، متخيّلتش إن ييجي يوم وتبعد عنّي فيه بالطريقة دي، حاسس بفراغ و’حش أوي يا خويا، كُنت سا’دد فجـ.ـوة فكرت نفسي إني مش هعيشها مهما حصل، بس الحياة طلعت أكبر مِننا كُلّنا، وزي ما أنتَ ملهوف تشوفني فصدقني أنا ملهوف زيي زيك، وعايز احكيلك حاجات كتير أوي حصلت معايا أبرزهم الحا’دثة، عارف ردك وقت ما تعرف وشايفك رغم البُعد اللي بينا، أنا حصلي إنتكا’سة بعد العـ.ـملية وحوار كدا مش هينفع يتقال غير وأنتَ قدامي، بس رحمة ربنا واسعة وكبيرة ونجـ.ـيت بفضله الحمدلله، أنا مستنيك عشان أقولك حاجات كتير أوي، بس عايزك تتطمن أنا كويس وخرجت مِن المستشفى وروّحت و “أيسل” واخدة بالها مِني ومش مخلّياني محتاج حاجة، و “عدنان” مستنيك ترجع عشان ترجعوا تلعبوا ماتش كورة تاني زي الأول، وبالنسبة للوافد الجديد فهو “يونس”، أيام ويشرّفنا على خير ويملى علينا حياتنا هو وأخوه، وهتصرف وأبقى أبعتلك صورة لِيه عشان مبقاش حر’متك مِن حاجة، بحبك ومستنيك ترجع بالسلامة.
حُذيفة حبيبك.
أنهى كتابة الرسالة وختمها بتوقيعه عليها ثمّ قام بطويها بعناية ووضعها داخل مظروف أبيـ.ـض وقام بغلقه جيدًا وأعطاه إلى “أيسل” قائلًا:
_شيليه معاكي لحد ما ساعي البريد ييجي ياخده.
أخذته “أيسل” مِنْهُ ثمّ وقفت على قدميها وذهبت تجاه الخزانة تضعه أسفل فستانٍ زهري لها قائلة بنبرةٍ هادئة متسائلة:
_جعان يا حبيبي أحط الأكل ولا أستنى شوية؟.
وقبل أن يُجيبها جاء الرد مِن الخارج بقول “عدنان”:
_ماما أنا جعان ..!!.
نظرت “أيسل” إلى “حُذيفة” بعد أن أغلقت باب الخزانة بوجهٍ مبتسم ثمّ قالت بنبرةٍ هادئة:
_جه الرد خلاص.
أبتسم “حُذيفة” وقال بنبرةٍ هادئة:
_طبعًا، منقدرش نر’فض بعد رد “عدنان” باشا، حُطي الأكل.
هـ.ـزّت رأسها برفقٍ وجاوبته بنبرةٍ هادئة بقولها:
_حاضر.
وقبل أن تمضي خطوةٌ واحدة إلى الأمام تجمـ.ـد جسـ.ـدها فجأةً وبحركة تلقائية وضعت يَدها على بطـ.ـنها المنتفـ.ـخة وتأو’هت ر’غمًا عنها بعد أن تمت مبا’غتتها ودا’همها الأ’لم بر’كلة فجائية مِن طفلها، تبدّلت معالم وجه “حُذيفة” في لحظة بعد أن رأى حالتها، برغم عدم تعافيه وأن أيا حركة فجائية قد تؤ’لم ظهره ولكنهُ لم يُفكر في نفسُه في تلك اللحظة، بل كان أهتمامه منصـ.ـبًا على زوجته..
نهض بحركة خفيفة وتقدَّم مِنها بخطى سريعة بعض الشيء وهو يحاوط كتفيها برفقٍ تزامنًا مع قوله المتوتر:
_إيه اللي حصل يا “أيسل” أنتِ كويسة؟.
إشتـ.ـد الألم بعد أن تعرضت لر’كلة أخرى أكثر قو’ة عن الأولى ليعـ.ـلو صوتها بتأ’وهٍ حا’د بعض الشيء، إنكمـ.ـشت معالم وجهها قليلًا وظهر الأ’لم على وجهها بوضوحٍ تلك المرة، دعمها “حُذيفة” في هذه اللحظة وقال بنبرةٍ هادئة بعد أن حاوطها بذراعه الأيسر وأمسك كفها بكفه الأيمن:
_تعالي أرتاحي، لازمك راحة الفترة دي والأهم إنك متوتريش نفسك، وأكيد طول ما كُنت فالمستشفى مكُنتيش بتهتمي بصحتك عشان كدا تعـ.ـبتي دلوقتي مع إن الدكتورة نبهـ.ـتك آخر مرَّة.
ولج “عدنان” في تلك اللحظة بعد أن أستمع إلى تأ’وهات والدته ليرى الإر’هاق واضحًا على معالم وجهها، ولذلك تقدَّم دون أن يُفكر مرتين وأمسك بكفها الأيسر بكفيه الصغيران وقادها برِفقة والده تجاه الفراش، أجلسها “حُذيفة” فوق الفراش بحذ’رٍ ومسح فوق رأسها برفقٍ بكفه تزامنًا مع قوله الهادئ:
_”يونس” شكلُه مستعجل على المجية.
أبتسم “عدنان” الذي مدّ كفه الأيمن ومسح فوق وجه والدته بحنوٍ وكأنه يُحاول أن يبعث الراحة في قلبها قبل جسـ.ـدها، أصا’بت القشعريرة جسـ.ـدها بعد أن شَعَرت بلمـ.ـسة صغيرها الدا’فئة، نظرت إليه ورأت لمعة عيناه تحيطها وكأنها تُرسل لها الأ’مان والطمأنينة، جلس “حُذيفة” بجوارها ووضع كفه فوق بطـ.ـنها ثمّ نظر إلى صغيره وقال بنبرةٍ حنونة محاولًا تخفيف حِـ.ـدَّة اللحظة:
_يرضيك كدا يا أستاذ “عدنان”، عاجبك اللي بيعمله البيه دا.
نظر إليه “عدنان” وأبتسم لهُ وأجابه بنبرةٍ هادئة:
_لا طبعًا، شكله شـ.ـقي وهيتـ.ـعب ماما كتير أوي لمَ ييجي..
نظر إلى والدته بعدها ثمّ أقترب مِنها يُلثم خَدِّها بقبلة حنونة ثمّ مسح بكفه الصغير فوق خصلاتها تزامنًا مع قوله:
_معلش يا ماما حقك عليَّا، هو شـ.ـقي بقى ومبيحبش يقعد ساكت هنعمل إيه، أول ما ييجي بابا هيعلمه يسمع الكلام ومش هيزعلك.
تأ’ثرت “أيسل” مِن هذا الفعل البسيط، نظرت إلى صغيرها الذي كان حنونًا عليها في هذه اللحظة وكأنه يمـ.ـلُك قطعة نادرة مِن الألما’س ويخشى أن تنكـ.ـسر، أبتسمت بحنوٍ وغمرت الفرحة قلبها ولذلك حاوطت جسـ.ـده الصغير بذراعها وقرّبتهُ مِنها ثمّ منحته قبلة حنونة فوق خَدِّه الصغير، نظرت لهُ وقالت بنبرةٍ هادئة:
_أنتَ حبيب عيوني.
غمرت الفرحة قلبه الصغير بعد أن حاوطته بحنانها كما أعتاد مِنها، منحها بسمتهُ اللطيفة ثمّ نظر إلى أبيه وأرسل إليه قبلة هوائية، أبتسم “حُذيفة” وأشار إليه بكفه بالاقتراب، لم ينتظر “عدنان” كثيرًا وذهب بالفعل إلى أبيه الذي ضمه إلى أحضانه بذراعه قائلًا:
_بما إن ماما تعـ.ـبت فلازم إحنا دلوقتي نساعد بعض ونقوم نحط سوى الأكل.
تدخّلت “أيسل” في الحال تُبدي بر’فضها محاولةً النهوض قائلة:
_لا خليك أنا هقوم أحط الأكل.
مـ.ـنعها كفه الذي قبـ.ـض برفقٍ على معـ.ـصمها الأيسر تزامنًا مع قوله الجا’دِ:
_مش هتتحركي مِن مكانك يا “أيسل”.
نظرت لهُ وحاولت أن تلـ.ـين القول حينما قالت بنبرةٍ هادئة:
_”حُذيفة” أنتَ تـ.ـعبان ولسّه الوضع مستقـ.ـرش فلازم ترتاح وأنا خلاص بقيت كويسة فمفيش داعي.
ولأن الأمر لن ينتهي بينهما بهذا المنوال قرر وضع حـ.ـدٍ لتلك القصة بقوله الصار’م:
_أقسم بالله ما هتقومي ولو قومتي وحطيتي الأكل أنا مش همد إيدي فيه، يمين بالله ما هيد’خل بؤي حتى لو همو’ت مِن الجوع.
تفاجئت “أيسل” مِن هذا الهجو’م الغير ممهـ.ـد الذي فر’ض حصا’ره عليها في غضون ثوانٍ، مصدومة بالطبع وعـ.ـقلها لا يستطيع استيعاب ما حدث، لحظات مِن الصمت خـ.ـيّمت على المكان قبل أن تقـ.ـطعه هي بقولها الهادئ:
_إيه لازمته الكلام دا يا “حُذيفة”.
جاوبها “حُذيفة” بنبرةٍ جا’دة لا تقبل النقاش قائلًا:
_أنا قولت اللي عندي يا “أيسل”، أنا قادر أقف وأتحرك مش عاجـ.ـز بالطريقة دي يعني، وبعدين أنتِ تـ.ـعبانة دلوقتي وفأي لحظة الو’جع ممكن يزيد مع المجهو’د والدكتورة منبـ.ـهة إن لا مجهو’د زيادة يتعمل ولا حتى يكون حواليكي توتر، الفترة اللي عدينا بيها كانت صـ.ـعبة عالكُلّ ومش سهل تتنسي، بس زي ما شـ.ـيلتيني وفضلتي جنبي فالمستشفى ٢٤ ساعة ومأ’ثرتيش معايا أنا لازم أشـ.ـيلك دلوقتي ومأ’ثرش مِن ناحيتك، إمبارح شـ.ـيلتيني أنا النهاردة، الحياة عبارة عن يوم ليك ويوم عليك، لازم نو’ازي الأمور عشان المر’كب تمشي صح متبقاش ما’يلة فاتجاه واحد طول الوقت وكأن حولها كُلّها بقت متمركزة فالمكان دا … أنا اللي هقوم أحط الأكل، ومعايا “عدنان” هيبقى المساعد بتاعي، مش كدا ولا إيه يا معلم؟.
كان صا’رمًا في بادئ الأمر، وكأن جزءًا مِنْهُ ر’فض أن يشعُر بالعجـ.ـز، ولكن بعد ذلك بدأت نبرته تليـ.ـن تدريجيًا حتى أنهى حديثه وهو يسأل صغيره الذي جاوبه بحما’سٍ طفولي وشـ.ـقاوة:
_كدا يا كوتش.
قهقه “حُذيفة” حينما أستمع إلى رده ومعهُ “أيسل” التي مسّدت على رأس صغيرها بحنوٍ دون أن تتحدث، نهض “حُذيفة” واقفًا ومدّ كفه إليه قائلًا:
_يلا بينا.
مدّ “عدنان” كفه وعانق كف أبيه وسارَ معًا خارج الغرفة باتجاه المطبخ تحت أعين “أيسل” التي كانت تنظر لهما بوجهٍ مبتسم وعينان تفيـ.ـضان حُبًّا، فبرغم صعو’بة الموقف ومعاناتهما معًا ولكن لم ير’مي جميع الحمو’ل على عا’تقيها، بل قرر أن يُشاركها لحظاتها الصـ.ـعبة قبل الليـ.ـنة، المؤ’لمة قبل الهادئة، حتى وإن كان في أشـ.ـد كُر’باته ستجده دومًا معها خيرُ رفيقٍ.
___________________________
<“عاد الفتـ.ـى يتبسم ضاحكًا.”>
في غرفة يشوبها رائحة الياسمين..
كان “فادي” يقف أمام المرآة يُهندم حُلته الر’مادية، اليوم عادت الضحكة ترتسم فوق صفحة وجهه، أخرج زفرة عميقة ثمّ مشّط خصلاته البرتقا’لية التي عادت إلى طو’لها الطبيعي كما كان في السابق، مشّطها بأنامله بخفة وبسمةٌ هادئة أرتسمت فوق شفتيه بعد أن عاد يرى نفسُه كما كان مِن قبل..
خرجت “فيروز” مِن المرحاض ووجها شا’حب ويبدو على معالمها الإر’هاق، أ’نتبه لها “فادي” الذي لمحها بطرف عينه، وقبل أن تتقدّم خطوةٌ أخرى أقترب هو مِنها بخطى واسعة حتى وقف أمامها وقال بنبرةٍ تملؤها اللهفة:
_مالك يا “فيروز” فيكي إيه، مال وشك أصـ.ـفر كدا ليه.
تفحـ.ـصها بإهتمامٍ واضح ليسمعها تُجيبه بنبرةٍ مُرهقة قائلة:
_متقلقـ.ـش مفيش حاجة، تـ.ـعب عادي عشان الحمـ.ـل لسّه فالأول بس، شوية وهكون زي الفُل.
لم يقتنع “فادي” بحديثها ولذلك لم يترك لها الفرصة وقام بحملها بين ذراعيه وأتجه نحو الفراش بخطى هادئة، حاولت “فيروز” إيقافه بقولها:
_يا “فادي” أنا كويسة صدقني مفيش حاجة أنتَ ليه مكبرها كدا.
وضعها فوق الفراش برفقٍ وجاوبها بنبرةٍ جا’دة:
_كويسة أزاي وأنتِ وشك أصـ.ـفر بالطريقة دي يا “فيروز” هو أنا عبيط عشان أكدِّ’ب عينيا وأصدق كلامك، أرتاحي ومتتحركيش كتير الدكتورة نبـ.ـهت عليكي وقالتلك الراحة أهم حاجة، نلتزم بقى شوية.
ر’غمًا عنها أبتسمت حينما استمعت إلى نبرة صوته ورأت أسلوبه في إ’لقاء أوا’مره عليها، بينما جلس هو أمامها على طرف الفراش ونظر لها نظرةٍ هادئة وقال:
_أهم حاجة أنتِ دلوقتي، أنا اللي يهمني صحتك فالأول وصحته هو كمان، قوليلي بقى حابة تاكلي إيه، نفسك مش رايحة على حاجة مُعيّنة.
نظرت إليه “فيروز” قليلًا دون أن تُجيبه، تتأمله فقط بشكلٍ أ’ثار ر’يبتُه مِمَّ جعله يسألها بنبرةٍ هادئة ووجهٍ مبتسم:
_مالك بتبُصيلي كدا ليه، أول مرَّة تشوفيني.
جاوبته بنبرةٍ هادئة دون أن تحيد بعيناها عنهُ قائلة:
_بأكد لنفسي إني فعلًا شايفة “فادي” حبيبي القديم تاني، وحشتني.
اتسعت بسمتهُ فوق شفتيه بعد أن أستمع إلى حديثها ولذلك نظر لها نظرةٍ ذات معنى وهمس إليها بنبرةٍ حنونة:
_تصدقي وأنتِ كمان، هو دا الكلام المظبوط.
أخرجت تنهيدة عميقة ثمّ ألتزمت الصمت بُرهةٍ مِن الوقت حتى بدأت رائحة طيبة تُد’اعب أنفها بشكلٍ مثيـ.ـر، أشتّمت الرائحة وبدأت تشعُر بالاشتهـ.ـاء إلى مصدر هذه الرائحة، ولذلك نظرت إليه “فيروز” وهمست لهُ قائلة:
_”فادي” هو أنا لو طلبت مِنك طلب هتنفذهولي؟.
تعجب “فادي” في بادئ الأمر مِمَّ جعله يسألها بنبرةٍ هادئة مستفسرًا عن نوعية هذا الطلب المجهو’ل:
_طلب إيه بالظبط، وبعدين أنتِ تطلبي على طول، أنا مش ناسي وقفتك جنبي وقت مر’ضي ولا ناسي كام ليلة سهرتيها عشاني وعشان تاخدي بالك مِني، ولا حتى ناسي خو’فك وتلهُفك عليّا وسـ.ـعيك معايا طول الوقت مِن المستشفى للبيت، رصيدك عندي كبير أوي يا “فيروز”، فوق ما تتصوري، فعشان كدا أنتِ تطلبي على طول، قولي بقى محتاجة إيه؟.
أبتسمت “فيروز” ولمعت عيناها بوميض عاشقٍ، ابتلـ.ـعت غُصَّتها بتروٍ وقالت بنبرةٍ هادئة:
_أنا بصراحة نفسي راحت على سمك مشو’ي، فجأة حسيت إني نفسي فيه هو وشوربة الجمبري، فلو يعني معندكش حاجة مُهـ.ـمة..
_معنديش أهـ.ـم مِنك يا “فيروز”، ولو عندي مشاغـ.ـل تتأجل لأجل عيونك الحلوين دول، قومي أجهزي هاخدك ونروح سوى نتعشى برّه، مش هخلّي فنفسك حاجة النهاردة.
نظرت إليه بتفاجؤٍ وقالت بنبرةٍ هادئة متر’قبة:
_بجد ولا بتسايسني.
جاوبها بنبرةٍ صادقة وعيناه تحتضن عيناها بدفءٍ قائلًا:
_أنتِ تعرفي عنّي كدا برضوا، بتكلم بجد أنا وأنتِ هنتعشى مع بعض برّه وهفسحك كمان، النهاردة يومنا.
اتسعت بسمتُها فوق شفتيها بعد أن أستمعت إلى حديثه، وكأن ثمة فراشاتٍ تُد’اعب معد’تها بلطفٍ، وافقت على حديثه وهي تهم للوقوف قائلة:
_حيث كدا هتضطـ.ـر تستناني شوية حلوين لحد ما أجهز.
أخرج زفرة عميقة ووافق عن حديثها مشيرًا لها للذهاب قائلًا بوجهٍ مبتسم:
_أتفضلي يا سمو الأميرة، معنديش حل غير إني أستنى واللهِ.
قهقهت بخفة ثمّ وقفت على قدميها وتركته وذهبت لأخذ ملابس إليها حتى تقوم بتبديلها والذهاب معهُ إلى الخارج لنزهة هادئة، بينما نظر هو إلى إثرها بوجهٍ مبتسم حتى اخـ.ـتفت مِن أمامه خلف الباب، أخرج زفرة عميقة ود’اعب خاتم زواجه بأنامله وهو يُفكر فيما ينتظره غدًا، فيوم غد سيكون أول يومٍ إليه في العمل بالشركة بعد وصلة إنقطا’عٍ دامت لوقتٍ طويل، وإن كان ما مرّ بهِ عصـ.ـيبًا، فهو على يقينٍ بأن المُحا’رب يجب أن يُكمل القتا’ل في ساحة المعر’كة حتى يُعلن بشكلٍ رسمي عن استعا’دته لأر’ضه المسلو’بة.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أحببتها ولكن 7)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *