روايات

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي البارت الثالث والثلاثون

رواية سيد القصر الجنوبي الجزء الثالث والثلاثون

رواية سيد القصر الجنوبي الحلقة الثالثة والثلاثون

اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
صلِ على النبي 3مرات
لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات
تجمدت للحظات ولم تستطع أن تصدق أن ما تراه حقيقة، ولكنها قالت بدموع وغضب شديد:
_ طالما سوء ظنك وعقدك هتفضل دايمًا ملحقاك يبقى تطلقني، ومش هقعد هنا ثانية واحدة كمان.
وتركته واقفا تغلي الدماء بعروقه واسرعت لتخرج من الاسطبل ولكنه استطاع أن يسبقها وأغلق الباب بالمفتاح، ثم استدار نحوها وقال بوعيد ونظرة عنيفة:
_ مش المرادي يا جيهان اللي هتخرجي من حياتي وهسمحلك وأنا متكتف عشان مش من حقي أمنعك، النهاردة أنتي مراتي وأنا اللي ليا الكلمة الأولى والأخيرة بوجودك أو عدمه، أنا اللي أقول تفضلي أو تمشي، بأمري أنا وبس تقربي أو تبعدي
توجهت له جيهان بنظرة يملؤها الدهشة والصدمة فيما يتفوه به، هل هذا ما كان يضمره لها؟! .. الوعيد والتملًك ؟! .. صدق وجيه في سوء ظنه بهذا المخلوق الأناني المتعجرف سيئ السمعة، فقالت وعينيها غارقة بالدموع والصدمة وهي تنظر له بغضب :
_ وجيه كان عنده الف حق لما حذرني منك وكان عايزني أعيد حساباتي وأفكر قبل ما أحول حياتي لجحيم بإيدي، يا ريتني سمعت كلامه وأجلت الجواز كام يوم حتى .. يمكن كنت قدرت أعرف اللي مخبيه ليا جواك، كنت كشفتك على حقيقتك اللي بغبائي مرضيتش أشوفها ولا أفكر في ماضيك الاسود، ماضيك اللي مليان بلاوي وفضايح كانت مالية الجرايد، انا أزاي عملت في نفسي كده ؟! أزاي وافقت اتجوز واحد زيك ؟!!
كاد أن يسحق أسنانه من فرط الضغط ببعضهما في عصبية، وعيناه تنظران لها بأعنف نظرة وجهت إليها في حياتها، ليجذبها إليه من ذراعها بقبضة قاسية، وقال بأنفاس متلاحقة من شدة الغضب بداخله عندما ذكرت ذلك الوجيه أمامه والآن تحديدًا في إشارة غير مباشرة للمقارنة بينهما، فصاح مكررًا بغضب مميت:
_ وجيه وجيه وجيــــه !! .. الاسم ده لو نطقتيه قدامي تاني ما تلوميش غير نفسك، لكن قوليلي … هو قرارك أخدتيه بعد موافقته ؟ ، يعني أنتي مشيتي من هنا عشان تروحيله تستأذنيه والاسم بتعزميه !! .. أنطقي ؟
هز ذراعها بقسوة جعلتها ترتج في يده بعنف، ومن فرط شعورها بالأنهزام والضعف استقوت بتلك الفكرة كي تؤلمه وتنتقم منه وترد الصاع، فأجابت بعينان غارقة بالدموع والقسوة بآنً واحد :
_ آه مشيت من هنا وأول شخص كان في بالي هو، ولو كان رفض الجوازة دي رفض نهائي مكنتش عمري هوافق وهسمع كلامه ، بس قدري أني اتجوزك وأعرف حقيقتك … لولا كده كنت تخيلت في يوم أن في حاجة تستاهل فاتتني .. وهمشي من هنا وبرضه هروحله عشان يخلصني منك ، وساعتها ولا مليون زيك يقدروا يقفوا قصاده.
أغمض أكرم عيناه بملامح خطرة أقرب لأندلاع بركان كالجحيم، وابتلعت جيهان ريقها برعب عندما فتح عيناه التي اسودت من الغضب وهمس لها بفحيح ونظرة شرسة وقد غرزت أظافره بجلد يدها بشدة المتها بقوة :
_ ولا ١٠٠ مليون زي وجيه ده يقدروا ياخدوكي مني، أنا هخليكي تباتي تحلمي بيا وتتمني اليوم اللي هرضى عنك فيه .. هخليكي تتمني الجحيم معايا ولا الجنة مع غيري، هسيبلك أبواب القصر مفتوحة بس مش هتقدري تمشي وتبعدي خطوة واحدة .. عارفة ليه ؟
ارتجفت جيهان وهي تنظر له برعب، حتى نظر لها بنارية وهمس لعيناها بتأكيد مخيف ونظرة حادة :
_ عشان هتعشقيني يا جيهان، وحياة عيونك الحلوة دي ما هتعرفي تبعدي عني لحظة والأيام بيننا.
وبعد ذلك لم تدرك جيهان كيف أقتحم عالمها، باتت لا تعرف أي شيء مع هذا الرجل المخيف المغرور .. الذي مع كل قسوته وعنفه هذا يصبح بلحظة عاشق مجنونا بها، يسرق قلبها بكلماته الهامسة في دفء وجنون، كلماته التي تسلب قلبها بلمحة عين، لتصبح معترفة لنفسها بعد لحظات أنها لم تعشق سوى هذا الرجل .. سيد قلبها الوحيد…
وجنونه هذا يخبأ خلفه عاطفة جنونية لم يكتب عنها حتى بالقصص العاطفية!.
ليسقط قناعه القاسي أمام عينيها، في حضرت حقيقة لا شك فيها، انها الآن زوجته، مثلما حلم وتمنى دائمًا .. وظهر ذلك العاشق المجنون بها فقط، الذي اعترف بعشقها مرارًا وتكرارًا همسا وعلانية، وجعل فراشات قلبها تحلّق من جديد، وتنسى كلماته اللاذعة منذ لحظات.
فكان لقلبه الكلمة الأخيرة .. أنه يعشقها حتى الجنون!!
_________________________________
وقد دقت الساعة الثالثة فجرًا ..
فتح وجيه عيناه بكسل ثم تثاءب، وبعدها لاحظ أن ليلى ليست بجانبه !!..أطرف عيناه بقلق ونظر نحو الشرفة ليجدها مفتوحة على مصراعيها رغم برودة الطقس !! .. اعتدل بالفراش ونظر بتمعن نحو الشرفة، ثم ابعد الغطاء الثقيل عنه ونهض من الفراش وتوجه نحو الشرفة.
بينما كانت تقف ليلى أمام السور الرخامي وتنظر للظلام بشرود وكآبة، حتى وجدت يد وجيه تربت على كتفها قائلًا بتعجب :
_ إيه اللي موقفك هنا في البرد ده السعادي يا ليلى ؟!
ظلت ليلى على صمتها للحظات، ثم التفتت له وقالت وعينيها تحبسان الدموع :
_ أنت ندمان على طلاقك من جيهان يا وجيه ؟ ..
دهش وجيه واتسعت عيناه باستغراب من منحنى أفكارها المريب، حتى أجاب بصدق :
_ أنا طلقت جيهان مرتين، وفي المرتين ماحستش لحظة بالندم، بس ليه السؤال ده ؟!
ابتلعت ليلى ريقها المرير وقالت بدموع :
_ كلامك النهاردة مع جوزها كان عصبي ومقصود وباين، أنا مش بشك فيك ، بس كلامك وجعني وحسسني أنك ندمان.
تنفس وجيه بعمق ثم ابتسم وتفهم مشاعرها وخوفها، فأخذها برقة بالغة بين ذراعيه في ضمة مليئة بالحنان وهمس لها بمحبة قائلًا :
_ أنا عمري ما ندمت على شيء قد ما ندمت أني صدقتك يوم ما جيتلك البلد وقولتيلي أنك مش عايزاني، من صدمتي معرفتش أفكر ومشيت وبعدت .. فضلت النار دي جوايا عشر سنين يا ليلى ، لو كنت خاولت ولو لمرة واحدة كمان أقابلك وأعرف منك سبب كلامك مكنش ضاع من عمري السنين دي كلها وأنا مش عارف أشوف واحدة غيرك .. جيهان كانت مراتي ومكنتش شايفها ، ولما اتجوزتها تاني برضه مكنتش شايفها وعقلي وبالي معاكي وبس .. تفتكري دلوقتي وأنتي معايا ممكن أفكر فيها ؟ .. طب لو بفكر فيها مرجعتهاش ليه !!
رفعت ليلى رأسها ونظرت لعيناه برجاء العالم كله وقالت :
_ يعني مافيش غيري في قلبك ؟ … وجيه أنا ممكن أموت لو حد خد مكاني جواك ، الفكرة دي دايمًا معذباني في أحلامي ما بالك لو حصلت بجد ..
مرر وجيه يده على شعرها برقة ونظرة غارقة بها وهمس :
_ أنتي قدري ونصيبي من الدنيا يا ليلى .. وأنا راضي تمام الرضا ومستكفي بيكي، ولا الف واحدة ممكن تعوضني لحظة واحدة جانبك، أنا قلبي مش للإيجار .. أنا قلبي مِلك أبدي .. يعني اللي ياخده يبقى حلال عليه طول العمر، وأنتي يا ظالمة اللي خدتيه لوحدك من غير ما تسيبي منه شبر واحد لحد.
ابتسمت بعشق وقالت :
_ ظالمة !! ..
اتسعت ابتسامته وقال بتأكيد :
_ ظالمة وجدًا كمان، شاكة فيا طول الوقت وخايفة .. أنا مش من طبعي الخيانة في الأساس يا ليلى ، ما بالك للي بحبهم !
سألته ليلى بصدق وعيناها تستغيث لإجابة تطمئنها :
_ طب كنت بتكلمه كده ليه ؟!
رد وجيه بصدق وعقلانية :
_ جيهان مالهاش حد يا ليلى ينصحها ويحميها من ضعفها، أنا عارف أنها حبت أكرم .. لذلك لما سألتني وطلبت رأيي كان لازم اكون قد المسؤولية وأقولها أنه مش مناسب ولازم تفكر كويس ، زي ما سمر قبل ما تتجوز جوزها الاولاني نصحتها كتير تبعد عنه لأني شايفها أختي الصغيرة ومسؤولة مني .. أنا بتعامل مع كل اللي حواليا بمسؤولية يا ليلى ، لأني اتحملتها من صغري ، أنا فجأة لقيت نفسي أب لأربع شباب وفرق العمر بيني وبينهم مش كبير لدرجة الأبوة ! .. فجأة لقيت نفسي مسؤول عن كل شيء حتى أبويا بعتبره أبني …المنطق ده هو اللي اتعودت عليه من سنين كتيرة .. فأرجوكي ما تفكريش ابدًا أني حمايتي ليها حب !!
أسندت ليلى ذقنها على صدره وهي تنظر له بعشق وفخر وقالت مبتسمة :
_ مين احسن منك في الدنيا دي قولي ؟ هحبك كام مرة في حياتي وأنا كل يوم معاك بحبك فيه من أول وجديد !… أنا بحس أني اكتر ست محظوظة في العالم عشان أنت بالذات حبتني !.
وكانت إجابته لها خاصة ودافئة، إجابة عانقت قلبها من برودة الشك وحملته على قارب الأمان والطمأنينة .. لمدينة قلبه وهي أميرته الوحيدة.
___________________________________
وعند الساعة الخامسة صباحا ..
كانت لا زالت السماء مُظلمة حالكة السواد، وأبواب الأسطبل ونوافذه مؤصدة من الداخل ..
سوى غرفة صغيرة جدًا بالداخل، تجمع فراشا صغيرا لأوقات الراحة القصيرة وبعض الملابس الخاصة بركوب الخيل..
خرجت جيهان منها وهي ترتجف حياءً وتصلح هندامها، لتريد بقوة أن تستنشق بعض الهواء ، فتوجهت نحو احدى النوافذ وفتحتها قليلًا وبدت شاردة كليٌا فيما حدث …
حتى شعرت به خلفها عندما تطاير دخان سيجارته من جانبها وتطاير بالهواء وانغمس مع النسمات الباردة .. وشيء جعلها مشتاقة للنظر بعيناه ، وشيء آخر يجعلها ترتجف حياءً لمواجهته وكأنها وقعت بجرم وليس زوجها !! …
فبادر هو وأدارها لتنظر له، وأخيرت التقت بعيناه، كانت عيناه جريئة يملأها الغرور والثقة بالنفس لدرجة الأستفزاز، وابتسامة منتصر نال اوج مراده وغايته .. فالتهبت عينان جيهان بدمعة، وقالت بتشتت وهي حقا ما باتت تعرف ما هو وجهه الحقيقي :
_ أنت مين فيهم ؟ .. الصادق ولا المغرور الأناني ، كل شخصية بتظهرها بتخليني أصدق انها حقيقتك ؟ .. ده أنت خليتني أصدقك أنك …
وصمتت وهي تبتلع ريقها بصعوبة ودموع تحررت ، لينفث أكرم دخان سيجارته مرة أخرى بتسلية وابتسامة ماكرة، ثم أكمل عنها :
_ أني بحبك .. مش كده ؟
نظرت له بعتاب قاتل وودت لو تعرف لماذا يتلاعب بمشاعرها لتلك الدرجة الشيطانية ، فألقى أكرم عقب السيجارة أسفل قدمه، ثم نظر لعمق عيناها وهمس :
_ في حاجة نسيت أقولك عليها كمان … أني ممكن أقولك بحبك الف مرة ، بس أخليكي في كل مرة تصدقيني وتكدبيني في نفس اللحظة .. ومش هيكون في حقيقة أنتي متأكدة منها غير أنك ماتقدريش تعيشي من غيري لحظة واحدة .. وأظن أنك اتأكدتي بنفسك ، لكن دي البداية وبس يا جيهان .. مش أكرم حجازي اللي يتلعب بيه.
امتلأت عيناها بالصدمة مرة أخرى ودموع وذهول ، لتقول له بغضب ناري بعد ذلك :
_ كان الاحسن توفر انتقامك ده كله لخطيبتك اللي خانتك مع اخوك ، انا عرفت اللي حصل من الولاد ومحبتش اجرحك وأحرجك بالسؤال.
قربها اليه بنظرة مرعبة تحذيرية وقال :
_ خطيبتي دي أنا كل يوم كنت بعرف عليها واحدة وقدامها ، لحد ما قررت توجعني وتنتقم مني في أخويا ، ويوم ما شاورتلها بس جاتلي زاحفة وخدت منها كل شيء لهفته مني ومن عيلتي وبمزاجها .. أنا مافيش ست تقدر تقف قدامي ويفضل قلبها بخير .. فـ مش أنتي اللي تفكري تاخديني كيد في واحد تاني .. لأ وكمان عزماه على جوازنا والحقير بيهددني!! ، ده أنتي تحمدي ربنا أني ما ارتكبتش جريمة!!.
قيد ذراعها وقال بشراسة وتهديد :
_ وجيه الزيان لو عرفت أنك كلمتيه أو تواصلتي معاه بأي شكل من الأشكال الوش اللي لسه مخبيه هيرعبك بجد … أنا مراتي مافيش مخلوق يبصلها.
ارتجفت جيهان بهيسترية وشهقت من البكاء والفزع من رؤيته هكذا ، حتى نظر اليها ولحالتها هذه ببعض الاضطراب ، وفجأة ضمها بقسوة هامسا ومعترفا بعشقه لها لدرجة أن من المستحيل أن لا تصدق أن ما تراه الآن ليس صدقا وحقيقة !!
وشهقت جيهان من البكاء بقوة ورأسها على صدره العريض، ودفن أكرم رأسه بعنقها معترفا بمزيدًا ما بقلبه لها .. حتى شعر بوهن جسدها فحملها على ذراعيه وأخرجها من الاسطبل حتى جناحهما الخاص بالقصر …
وبجناح القصر الجنوبي المهجور …
أدخلها أكرم وبدا رجلا بقمة رقته وعاطفته أمام امرأة يعشقها وهو يضعها على الفراش لتستريح ، ثم نظر لها بقلق ومرر يده على شعرها قائلا بنظرة حنونة بدت كنظرة عطف غير مألوفة بعين وحشا مخيف وهمس :
_ هجيبلك حاجة تشربيها ودوا هتنامي بعده وهتصحي فايقة.
وذهب سريعا ، فاعتدلت جيهان بالفراش بذهول .. ورددت برعب :
_ ده اكيد مريض نفسي ومش طبيعي !!
ابتلعت ريقها وحاولت أن تهدأ، ثم نهضت سريعا رغم ثقل جسدها وارتجافته، وأخذت ملابس مريحة من خزانتها ودخلت لحمام الغرفة سريعا قبل أن يعود ..
وعندما دخلت حمام الغرفة التي تفاجئت بوجود كافة مستلزماتها التي ممكن أن تفكر فيها بداخل خزانة صغيرة معلقة بالخائط…
أغلقت جيهان الباب جيدًا ثم فتحت المياه الدافئة داخل المسبح برغوة صابون اللافندر العطري ، لتجلس فيه بعد دقائق مسترخية تماما بمحاولة قصوى أن تبعد هذا التوتر الشديد عنها.
وعندما دخل أكرم للغرفة محملا ببعض الاطعمة السريعة وأقراص من دواء مسكن لاحظ لأختفائها، ولكن تنفس بهدوء عندما انتبه لصوت جريان المياه بحمام الغرفة.
وضع ما بيده على منضدة تتوسط الغرفة وعزم بضيق أن يتركها بمفردها لبعض الوقت حتى تهدأ ..
وبعد ذلك القرار خرج من الغرفة وتوجه لغرفته القديمة بالقصر التي لا زالت على حالتها الرتيبة ..
________________________________________
وعندما دقت الساعة السادسة صباحا ..
قد أدت سمر صلاة الفجر وظلت تسبح رب العالمين لفترة كبيرة .. وعندما نهضت وفتحت النافذة بخفوت وجدت أول خيوط الصبح سابحة بالأفق البعيد برشاقة ..
تنفست بعمق وهي لا زالت ترتدي إسدال الصلاة ، وفجأة انتبهت لأنفاس حولها ..
نظرت جانبًا لتجد أمجد جالسا على مقعده ويبدو أنه سهر ليلته بالشرفة من الدوائر القاتمة حول عينيه .. ابتلعت غصة متكورة بحلقها وهي تراه هكذا ، بينما بدت عيناه حمراون عندما نظر لها بعتاب حطم قلبها وكأنه كان يبكِ!! .. ولكن تذكرت ما قالته طبيبتها النفسية واجتثت رغبتها المخيفة بالذهاب اليه الآن ودخلت لغرفتها مجددًا بنظرة صلبة صوبتها له …
ولكن عندما اغلقت باب الشرفة بعصبية ارتمت على فراشها وبكت بحرقة ..
وبالشرفة كان أمجد يحترق شوقا لرؤيتها، ظل طوال الليل جالسا هكذا علها تخرج ولو لحظة واحدة .. لدرجة أن هزمه ضعفه ونزفت عيناه بعض الدمع .. وكان كالطير الذي بترت جناحيه !.
وبعد مرور ساعة أخرى وهي على حالها تسترق السمع خلف باب النافذة من حين لآخر .. سمعته وهو يقول للخادم بعصبية أنه سيذهب لجلسة العلاج الطبيعي اليوم دون مرافقة أحد .. ليدخل بجدال طويل مع الخادم والذي بعد أجرى العجوز اتصال هاتفي بالدكتور وجيه الذي حسم الأمر وقرر أن يرسل سائقه الخاص ليأخذ أمجد لمركز العلاج الطبيعي ويظل بجانبه حتى ينتهي ويعود به للمنزل أيضاً.
ضربت سمر قبضتيها ببعضهما في أنفعال وقالت :
_ كان المفروض أبقى معاه دلوقتي ، انا لازم أنهي الخصام الغبي ده وارجعله حتى لو غصب عنه ، والأهم من كده لازم اختار انسب وقت عشان يعرف أني مراته .. لازم يعرف الحقيقة دي.
جلست وهي بحالة شديدة من القلق والتوتر ،وفكرت بشيء ، أن هناك فرصة ذهبية حينما يخرج من شقته بالذهاب وأخذ ملابسها من الخزانة بغرفة نومه .. لا تعرف أن كان رآها أم كان يترك العجوز يأت له بما يريد من أثواب ولم يكتشف شيئا بعد.
______________________________________
دخل أكرم بعدما تركها لساعتين ولم يستطع أن يتركها اكثر من ذلك .. فقد أشتاق لها ولرؤيتها حد الجحيم ..
وعندما دخل الغرفة كان يبدو من شعره المبلل ورائحة الصابون الرائعة أنه أخذ دشا منذ دقائق ..
تحاشت جيهان النظر له وهي جالسةً باسترخاء بفراشها وعيناها متورمتان من البكاء الطويل .
ووقف أكرم أمام الفراش ونظر اليها بتمعن، كان يبدو ببنطاله وتشيرته الاسودان بقمة الجاذبية والرجولة … فأزدردت ريقها بتوتر وارتباك وتنفست وهي تغمض عينيها بألم .
لتتفاجئ بعد لحظات بأنه اقترب وتمدد بجانبها على الفراش، ثم جذبها لتضع رأسها على صدره وقد حاوط كتفيها بذراعه الايمن، وهمس بعدما قبّل رأسها برقة :
_ ناني وارتاحي يا جيهان، أنا مش هتحرك غير لما تصحي.
تنفست جيهان بحيرة قاتلة وهي تحاول استيعاب ما يفعله وما يقوله، ولكنها بالأخير استسلمت وتاهت بغفوة عميقة …
وظل هو مستيقظا وعيناه تنظران لسقف الغرفة في الم وعتاب شديد لنفسه ومنها .. قلبه المجنون بها هو من يدفعه لهذا كلما شعر بمرارة شكه وغيرته .. لا يشعر بشيء ولا بنفسه حينما ينفعل ويغضب .. جعلها تشك كلما أخبرها بمحبته لها .. وهو بكل مرة اعتراف يدق قلبه الف مرة عشقا وولها لتلك المخلوقة.
_______________________________
ذهب أمجد مع سائق وجيه لمركز العلاج الطبيعي وصمم العجوز أن يذهب معه ولا يتركه ، وهنا وجدتها سمر فرصة مخملية لتذهب سريعا وتأت بملابسها
ولحظات وكانت تخرج وتغلق شقتها وهي تحمل حقيبة سفر فارغة، وبمفتاحها الخاص فتحت شقة أمجد واغلقت الباب خلفها بهدوء، ثم تنفست براحة وهي تتوجه لغرفة النوم وتبدأ مهمتها، وظلت لأكثر من نصف ساعة تجمع أغراضها وقد اغلقت الغرفة عندما قررت ترتدي احدى البيجامات الجذابة..
ولكن شعرت بحركة خارج الغرفة فأرتفعت دقات قلبها بتوتر، وحينما تأكدت أنه عاد للمنزل نظرت بتيهة للغرفة، فكيف لو دخل لغرفته ورآها هنا بعدما طردها سابقا بكل عنف وغضب وبعدما حدث بينهما أيضا!
كلما اقتربت الخطوات ارتفعت دقات قلبها خوفا، فلم تجد بدًا من أن تذهب لخزانة الملابس وتختبأ بداخلها مؤقتا، ولم تفكر للحظة أو تحسب حساب كيف ستخرج منها؟!
فذهبت للخزانة بسرعة عالية واختبأت بداخلها وهي مندسة بين أكوام الملابس وحقيبتها الممتلئة … حتى دخل أمجد بوجه غاضب ومرهق .. ثم جلس على الفراش بصعوبة ودفع بغلظة عكازيه.
ليقرر بعدها أن يأخذ دشا دافئ دون أن يلجأ لمساعدة الخادم العجوز ويفتح تلك الخزانة الذي لم يقترب لها منذ عاد لمنزله، فهذا سبب له أحراجا شاقا على نفسه أن يساعده غريب، فتحامل على قدميه المجبرة أحدهما بالجبس الأبيض، ونهض نحو الخزانة بعدما خلع عنه قميصه وأصبح عاري الصدر تمامًا..
وعندما فتح الخزانة وجد من ترتمي على الأرض فاقدة للوعي، ويبدو أنها اختنقت من أختبائها داخل الخزانة … هكذا ظن!!
فصدم أمجد وشعر بخوف شديد وهو ينزل بصعوبة شديدة اليها على الأرض ويقول بقلق شديد وهو يربت على وجهها بخفة لتستفيق:
_ سمر.. فوقي!!
وحدث نفسه بخوف حقيقي:
_ انتي حصلك ايه بس؟ …
وعاد يربت على وجهها مرة أخرى بخوف وهو يتأكد أنها تتنفس:
_ يا سمر فوقي ارجوكي .. جرالك ايه بس؟
والتفت وكاد أن ينادي على الخادم ليسعفها، حتى قالت سمر بابتسامة واسعة:
_ مش يمكن أكون نمت كالعادة في الدولاب؟؟
__________________________

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سيد القصر الجنوبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *