رواية جبروت في قلب صعيدي الفصل الرابع 4 بقلم نور الشامي
رواية جبروت في قلب صعيدي الفصل الرابع 4 بقلم نور الشامي
رواية جبروت في قلب صعيدي البارت الرابع
رواية جبروت في قلب صعيدي الجزء الرابع

رواية جبروت في قلب صعيدي الحلقة الرابعة
كانت سحابة في غرفتها حين بلغها صدى الكلمات التي لم تكن تتمنى سماعها. شعرت كأن قلبها يتوقف للحظة ثم تدفق الدم إلى رأسها كطوفان عارم ونهضت من على طرف الفراش ووقفت تحدق فيه بعينين مصدومتين قبل أن تصرخ بصوت اخترق سكون المكان مردده:
هو إي دا…. هو مش لما اتجوزتني جولتلي إنك سيبتها…. ازاي… إزاي كنت بتضحك عليا طول الوجت دا.. هو اي انت شيطان… حرام عليك ليه اكده… ليه
كان صمته في تلك اللحظة أشد قسوة من أي اعتراف. لم ينكر، ولم يبرر فقط نظر إليها بعينين يكسوهما تعبٌ قديم وردد بصوت خافت:
والله العظيم سيبتها… وانتي عارفة إن جوازنا كان على الورج بس
وقبل أن ترد تقدمت ريم نحوهما وصوتها ارتفع وهي تتحدث:
بالساهل اكده…. يعني تجتل جوزي في يوم فرحي وتتجوزني شوية وبعدين تطلجني اكده بالساهل
اشتعلت ملامحه بالغضب وارتفعت نبرته فجأة وهتف:
أنا أصلا بكرهك يا ريم.. بكرهك وبكره كل حاجه ليها علاقه بيها دا كان يوم اسود يوم ما اتجوزتك وعرفتك جسما بالله
تجمدت ريم للحظة ثم رفعت رأسها ببطء وقد استعاد وجهها هدوءا زائفا يخفي وراءه العاصفة وهتفت:
كنت جاية أجولك إني مش هسكت… ومش هسيبك هتندم على كل حاجة عملتها فيا وهتشوف هعمل فيك اي عاد
القت ريم كلماتها واستدارت وذهبت من البيت بأكمله وفي بيت صغير على أطراف القرية جلست جهاد أمام خالتها التي لم تزرها منذ أعوام حيث كانت نظرات الخالة قاسية تزنها بحدة وكأنها تفتش عن الذنب القديم خلف ملامح وجهها المنهك فـ رفعت الخالة حاجبيها وسألت بجفاء:
انتي اي ال رجعك تاني؟ ومين جالك إننا عايزين نشوف وشك اصلا
ارتبكت جهاد وزاغ بصرها كمن لا يعرف إلى أين ينظر. ثم تمتمت بصوت مبحوح:
انتي واحشتيني يا خالتي… بجالي سنين مشوفتكيش .. وجيت علشان أشوف أختي كمان.. انتوا واحشتوني جوي والله العظيم
نهضت الخالة من مكانها ببطء ووضعت يديها على خصرها وقالت بنبرة تقطر قسوة:
لا ليكي أهل ولا ليكي أخوات… وهي عمرها ما جابت سيرتك… ولا عايزة تشوفك… وابعدي عننا بشرك…. أنا الوحيدة ال عارفاكي وعارفة وشك التاني
ادمعت عينا جهاد بالدموع وارتجف صوتها وهي تردد:
طيب كنتي عايزاني أعمل إي عاد ؟ كنت خايفة… ومكنتش فاهمة أي حاجه و
قاطعتها الخالة بصرخة:
كنت عايزاكي تبجي بني آدمه… مش حيوانه ال عملتيه ميعملوش حد عنده ضمير… محدش هينسى يا جهاد… وكل بيت تدخليه هيدخله الخراب وراكي… ربنا يستر على جوزك منك… ويستر على أهل جوزك كلهم كمان يلا من وشي… اطلعي برا… ومترجعيش اهنيه تاني
تجمدت جهاد في مكانها لحظة كأن الكلمات قد جمدت أوصالها ثم انحنت للأرض تلتقط عباءتها بصمت وخرجت وفي المساء وقف أسد شامخا في ساحة الدار كأنه أسد حقيقي يترقب الخطر أو الفريسة…. كانت ملامحه متوترة وكتفاه مشدودان ويده تتنقل من ساعة معصمه إلى جيبه ثم إلى خاصرته كأنه لا يعرف كيف يهدئ ذلك التوتر المتصاعد في صدره وعيناه كانت تراقبان الطريق في صمت ثم انفجر فجأة قائلا بصوت جهوري قاطع السكون:
هي راحت فين كل دا…. سايبة البيت ورايحة فين من غير ما تجول ومين جالها تخرج أصلا… هي جالت ولا استأذنت من الاصل
ساد صمت ثقيل بين الواقفين لا أحد تجرأ على الرد فحاولت زيني أن تتحدث لكنها تراجعت عندما رأت النار المشتعلة في عينيه وفجأة، انفتح الباب الكبير، وتوقفت الأنفاس ودخلت سحابة بخطى واثقة ترتدي ثوبا أنيقا بلون صاخب لم تعتده البيوت الصعيدية وشعرها منسدل بعناية وملامحها متزينة بهدوء عجيب…. حيث كانت تحمل في يديها عدة أكياس من المشتريات ورائحة عطرها ملأت المكان في لحظة فـ اقتربت زينب منها بخطى حذرة، وحدجتها بنظرة تجمع بين الدهشة والقلق ثم سألتها:
إي دا يا بنتي كنتي فين؟! ولابسة اكده ليه عاد
ابتسمت سحابة ابتسامة خفيفة وقالت بنبرة ساخرة:
روحت أهتم بنفسي يا حجة… علشان إن شاء الله لما أطلج… أعرف أتجوز تاني زي الناس
صعق الجميع أما أسد فكانت تلك الكلمات كمن صب الزيت على ناره المتأججة وتقدم منها بخطوات سريعة وصاح بصوت غاضب:
اي المنظر دا…. مينفعش تمشي اكده بشعرك وسط الناس
رفعت حاجبيها وردت بثبات:
أنا حرة… وانت مالك؟
اشتعل الغضب في عينيه أكثر وتقدم منها حتى كاد وجهه يلاصق وجهها وهدر:
لع مش حرة… انتي مرتي… وأنا ليا الحق أجولك تلبسي إزاي وتتصرفي إزاي… وجواز إيه تاني عاد ال بتتكلمي عنه هااا
رمقته سحابه بنظرة حادة وقالت:
زي ما انت اتجوزت… ولا هو بمزاجك انت بس
فقد اسد اعصابه تماما ومد يده وسحبها بقوة من ذراعها وهو يقول:
تعالي معايا دلوجتي بدل ما ارتكب جريمه فيكي
لم تقاومه سحابه لكنها نظرت للحاضرين بنظرة حاده قبل أن تختفي معه داخل البيت وصعد بها إلى غرفتهما بخطوات متسارعة ودخل خلفها وأغلق الباب بقوة، فارتج البيت كله على صدى صوت الباب فـ اندفع أسد إلى الداخل وعيناه تقدحان شرا وصوته خرج مدويا كالرعد:
اي ده…. إي المنظر ده وازاي تخرجي اكده لبس ومكياج فاكرة نفسك عروسة
وقفت سحابة بثبات في منتصف الغرفة وكتفاها مرفوعان ونظرتها حادة كالسيف ثم ردت ببرود مستفز:
براحتي وأول ما تطلجني هتجوز… وأعيش حياتي زي ما إنت عايش حياتك
هدر الغضب في صدره ويده هوت على الطاولة الصغيرة بجواره فكسرها في لحظة وتناثر الخشب والزجاج على الأرض فـ رفعت حاجبيها وهي تصرخ:
متضايج ليه….. مش إنت بتحب مرتك التانية مش إنت سيبتني اهنيه زي الكلبة تسع سنين ولا نسيت
تقدم منها بخطواتٍ غاضبة وصوته غلظ من شدة القهر:
وإنتي كمان مرتي! فاهمة…… مرتي.. ولا انتي ال خلاص نسيتيني ونسيتي اني جوزك
اهتزت أنفاسها، وتراجعت خطوة ثم هتفت بنبرة تحمل وجعا دفينا:
أنا عمري ما نسيتك… ولا حبيت حد زيك… بس إنت واطي… متستاهلنيش
اقترب منها فجأة ورفع يده ليلمس وجهها بأنامله المرتعشة كأنه يتحسس شيئا كان يخاف أن يضيع منه للأبد ثم همس بصوت مكسور:
من يوم ما نزلت مصر… وإحنا بعاد… هو أنا خلاص؟ موحشتكيش
اضطربت سحابة وارتعشت عيناها وهي تحاول الابتعاد لكنها لم تكن تملك القوة الكافية فهتفت بصوت مرتجف:
أوعى تلمسني… إنت ملكش حق تقربلي اصلا… ابعد عني
لكن اسد لم يتوقف. كان جسده يقترب أكثر ولمسته تذيب ما تبقى من مقاومة ثم في لحظة صامتة مشتعلة مال برأسه نحوها وطبع قبلة على شفتيها… قبلة ليست كالقبل بل انفجار من الشوق والغياب والعذاب… لم تستطع سحابه أن تبعده ولم تستطع أن ترفضه..ولأول مرة، لم يكن هناك إلا الحنين بينهما و في صباحٍ جديد كانت سحابه نائمة في بين احضان أسد و صدره العاري يلاصقها كأن لا شيء قد حدث بالأمس سوى دفءٍ خادع وما إن فتحت عينيها حتى صدمت بالمشهد و اتسعت عيناها وتشنج جسدها في لحظة ثم نهضت فجأة يكسو صوتها ارتعاش وغضب:
ضحكت عليا تاني
فتح اسد عينيه ببطء ونظر إليها بثبات ونبرة صوته تحمل هدوءا لا يخلو من عناد:
ضحكت عليكي في إي عاد…. إنتي مرتي وال حوصل بينا طبيعي
أدارت وجهها عنه محاولة الابتعاد ثم صرخت بحرقة:
لغ مش طبيعي علشان .. أنا مش عايزاك
اقترب منها ورفع صوته مرددا:
وأنا عايزك…. وعايزك تفضلي معايا… ومع ابننا. ومش هطلجك مهما حصول ومهما عملتي واعتبريها زي ما انتي عايزه
وقبل أن ترد انفتح الباب بعنف واقتحمت جهاد الغرفة بخطوات غاضبة فـ استدار إليها اسد وقد علا صوته بانفعال:
إنتي داخلة ليه من غير ما تخبطي؟!
نظرت إليه بعينين يكسوهما التحدي وقالت بنبرة قاطعة:
أنا عايزاك… دلوجتي حالا
ثم استدارت وذهبت إلى غرفتها أما أسد فنظر إليها لحظة طويلة بنظرة يصعب تفسيرها ثم تبعها دون أن ينطق بحرف و وقفت سحابة وحدها ودموعها تتساقط في صمت وضربت صدرها بكفيها وهمست بألم:
انا غبية… غبية إني ضعفت جدامه ومجدرتش أقاومه… لازم أشيل حبه من جلبي بأي طريجه.. يارب ساعدني.. انت العالم بيا وشايف ال بيوحصلي.. ساعدني يارب
وعند أسد كان يقف في غرفة جهاد وعيناه مشتعلة بالغضب وجسده مشدودا وكأن كل عضلة فيه على استعداد للانفجار وهو نظر إليها بتركي ثم تحدث بصوت غاضب:
علشان هي مرتي… مرتي افهمي بجا
ردت جهاد بنظرة مليئة بالشك والقلق:
لع… انت بتحبني أنا وبتكرهها.. انت مش بتحب حد غيري
أجابها أسد بعنف، وهو يهز رأسه في استنكار:
عمري ما كرهتها ولا جولت إني بكرهها… انا مكدبتش عليكي في حاجة يا جهاد وانتي عارفه كل حاجه من الاول
اقتربت جهاد منه بسرعه وأخذت المنشفة من على الطاولة وبدأت تمسح صدره العاري بحركات بطيئة وهمست بنبرة مليئة بالهوس:
مش لازم تكون لمساتها عليك.. مينفعش.. مينفعش تلمسك.. ولا اي واحده غيري لازم تلمسك.. انا بس.. انت جوزي انا… جوزي لوحدي
سحب أسد المنشفة منها بعنف وألقاها على الأرض، وعيناه تبرقان بالغضب الشديد وردد:
مالك إنتب اتجننتي ولا إي عاد.. ما تفووجي شويه اي الجنان دا
نظرت إليه جهاد بعينين مليئتين بالجنون وقالت بنبرة مرتجفة:
أيوه… اتجننت بيك… أنا مجنونة بيك… وبحبك… وانت بتحبني.. بتحبني لوحدي
تنهد اسد بضيق نظر إليها نظرة حادة، ثم قال ببرود:
وأنا بحبك بس دي مرتي وأم ابني يا جهاد.. اوعي تنسي الموضوع دا
وقبل أن يواصل حديثه فجأة جاء صوت صراخ من الخارج فـ هرع أسد نحو الباب ليجد الجميع في حالة من الفزع وكانت سحابة على الأرض، تبكي بصوت عالي وتصرخ قائلة:
فارس مش موجود… ابني اتخطف يا أسد.. ريم خدت ابني
توقفت اللحظة فجأة وعم الصمت في المكان كانت عيون أسد تتنقل بين الجميع بينما الدماء تتجمد في عروقه وفجأه
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية جبروت في قلب صعيدي)