رواية حرب سقطت راءها الفصل الرابع 4 بقلم نور زيزو
رواية حرب سقطت راءها الفصل الرابع 4 بقلم نور زيزو
رواية حرب سقطت راءها البارت الرابع
رواية حرب سقطت راءها الجزء الرابع

رواية حرب سقطت راءها الحلقة الرابعة
بعنـــوان ” لقـــــــــــــــــــــــــــاء ”
[[ ليت اللقاء يطفي نيران الشوق لكنه ليس سوى شظية تشعل نيران الشوق أكثر وأكثر ]]
بعـــــد مـــــــــــــــــــــرور 3 سنـــــــــــــــــــــــــــوات
خرجت “قُدس” من جامعتها تحمل في يدها بعض الأوراق الخاصة بالرسم وحقيبتها، ترفع شعرها القصير الذي يصل إلى منتصف ظهرها من الجانبين بدبابيس الشعر ومسدول على ظهرها، مُرتدية بنطلون جينز وقميص نسائي فضفاض بأكمام أحمر اللون أتجهت إلى سيارة “هدير” التى تقف أمام بوابة الجامعة وحين صعدت قبلت عمتها بحب وقالت:-
_ أتاخرت عليكِ يا دودى
_ لا يا روحي، يومك كان عامل اى؟
تبسمت “قُدس” بعفوية وقالت:-
_ الأولى على سنة تانية بعون الله
ضحكت “هدير” على بسمة وثقتها ثم أنطلقت بسيارتها إلى المطعم لتناول الغداء فذهبوا الأثنين معًا ودلفوا ليجدوا “مصطفى” يجلس على الطاولة ينتظرهما فتبسمت “قُدس” وهى تقول بهمس فى أذن عمتها:-
_ المفروض تشكريني عشان جبت البلد دى وعشان خدتك لدكتور مصطفى تعالجني عنده
تبسمت “هدير” بأحراج وضربت “قُدس” فى ذراعها ببخفة فهمست “قُدس” وقد أوشكه على الوصول إلى الطاولة:-
_ طب دلوقت أنا خفيت من سنة ومفيش كوابيس وبتدلعوا أنتوا الأتنين قال اى بتعالجوني برضو ، دلوقت حجتكم أى ولا أمثلك أن عندي كوابيس
مسكتها “هدير” من أذنها بغضب من تمرد الطفلة عليها وقالت:-
_ مبقاش ألا عيلة عندها 19 سنة تتمرد عليا، كبرتي أمتي؟
ضحكت “قُدس” بحماس وقالت:-
_ من بدرى بس إنتِ مش واخدة بالك يا دودي…. ههههه أزيك يا دكتور مصطفى
_ بخير يا قُدس ، إنتِ عاملة أى؟
قالها بلطف وعينيه تنظر إلى وجه “هدير” فثلاث سنوات وهو يكبح إعجابه بها ويكتفي بالنظرات المتبادلة بينهم، تبسمت “قُدس” وهى تجلس على مقعدها بجواره ثم “هدير” لتبقي الصغيرة بالمنتصف فقالت:-
_ بخير والله يا دكتور ، المهم أخبارك إنت أى وصحتك؟
_ نحمد الله يا قُدس
_ هو حضرتك متجوزتش ليه لحد دلوقت؟
قالتها “قُدس” بعفوية لتضربها “هدير” فى قدمها بقوة لتصرخ “قُدس” من ضربتها وقالت:-
_ أى بسأل؟
تبسم “مصطفى” بعفوية وقال بإعجاب :-
_ إي يا أنسة هدير ما تسيبها تسأل
_ مش فاهمة ، أهو قالك ما تسيبها تسأل، وبعدين يا هدير متتدخليش بينى وبين دكتوري أنا حرة أنا ودكتوري
قالتها “قُدس” بمرح وألتفت تنظر إلى الطبيب بعفوية وقالت ببراءة وعناد:-
_ ها بقي قُلتي متجوزتش ليه لحد دلوقت؟
نظر إلى وجه “هدير” بحُب وعينيه تتلألأ ببريق العشق وقال:-
_ ملاقتش بنت الحلال اللى تخطف قلبي ، أو ممكن تقولى مكنتش لاقيها بس دلوقت بقى لاقيتها
تنحنحت “قُدس” بسعادة وهذا الرجل أوشك على الأعتراف بحب لعمتها الجميل التى تبلغ من العمر 37 عامًا وتعمل صحفية لكنها لم تتزوج حتى الآن بسبب تربيتها إلى “قُدس” ، تبسمت “قُدس” بعفوية وقالت:-
_ أتمنى تكون هى كمان بتحبك؟ ونصيحة من واحدة ذاقت الحُب مضيعش الفرصة لأنك متعرفش هتيجي ولا لا
نظر “مصطفى” إلى “قُدس” بأنبهار وهى تتحدث الآن عن الحُب وتعتقد أنها كبرت كفاية لتتحدث عن الحُب وهى ما زالت لم تتجاوز التاسعة عشر من عمرها الصغير، تحدث مداعبًا لحديثها:-
_ والله أى؟ وأى كمان يا ست الشاعرة؟
عقدت ذراعيها أمام صدرها بخفة ورفعت حاجبها ليكز “مصطفى” على أسنانه وقال بحدة:-
_ إحنا أتفقنا على أى ؟ مش قولنا مفيش حُب ولا ارتبط دلوقت خالص ياست الشاعرة إنتِ
ضحكت “قُدس” بلا مبالاة ووضعت يدها على قلبها الصغير وقالت:-
_ ها انا مستحيل أحب ، هنا بقى بارد جدًا ، أنا هقوم أطلب أيس كوفي.. أطلبلكم حاجة معايا
أخذت طلبهم وذهبت لتدمع عينيها بحزن وكيف لها أن تتوقف عن عشقه؟ هى تكبح شوقها له بقدر الإمكان حتى لا يلومها أحد، لكن “الجارحي” بداخلها كالدماء التى تسير بأوردتها فكيف لها أن تتخلص من عشقه؟، هى تعلم جيدًا وخصيصًا مع فترة علاجها مع “مصطفى” أنه ضحية مثلها تمامًا أراد أن يمنعها من المرض بسبب حساسيتها من الفراولة فوقع ضحية لفخ أخيه بها، وقفت تنتظر الطلب وفتحت هاتفها لتتجول بحسابها على الأنستجرام لترى حسابه ما زال كما هو مُنذ ثلاثة سنوات لم يشارك صورة واحدة على الحساب، لا تعرف كيف أصبح شكله وهل ظهر الشيب فى رأسه أم ماذا؟، التقطت صورة لها مع قهوتها الباردة وبسمة دافئة على شفتيها ثم شاركتها على حسابها وكتبت فوقهم:-
_ كم أشتقت إليك
وضعت بجانب كلماتها الدافئة قلب أحمر مكسور ،قاطعها مناداة النادلة تخبرها أن قهوة “مصطفى” و”هدير” أصبحت جاهزة فوضعت الهاتف فى جيبها وأخذت الطلب لهما…..
______________________________
وقف “الجارحي” فى المحل مع عمه “هادي” يتحدثون فى العمل عن القماش الجديد ليرن هاتفه بأستلام اشعار جديد ، فتح الهاتف ليرى الإشعار من حسابها وأنها شاركت شيء جديد ، ضغطت على الصورة وقرأ ما كتب بها وحدق بوجه صغيرته التى هربت منه وكانت جميلة وبريئة وشعرها الطويلة أصبح أقصر جدًا وتضع أحمر شفايف على شفتيها وبشرتها أكثر نقاءً ، تبسم على بسمتها الخفيفة وتمنى أن تكون سالمة ولا تعاني من الماضي وألمه، نظر “هادي” على الهاتف ولمح صورة ابنته فنظر على وجه “الجارحي” الحزين، ما زال الشعور بالذنب يجتاحه ويحتل وجهه فتبسم بخفة على هذا الرجل ثم قال:-
_ هستناك فى المكتب مع جدك
دلف إلى الداخل ليتركه وحيدًا مع صورتها، دخل “هادي” للمكتب ووجد “فؤاد” بالداخل ليقول بعفوية:-
_ يالهوى دا المحل نور، الشيخ فؤاد بنفسه عندنا
ضحك الجميع على داعبته فقال “حمدى” بجدية :-
_ تعال يا هادى شوف أخوك، قال أى جاي يشتكيلى من الجارحي
أندهش “هادى” ونظر إلى أخاه وهو يجلس على المقعد المقابل وقال:-
_ الجارحي عمل أى؟
_ بالله عليك يا هادي، اتكلم معاه ، أمه عايزة تفرح بيه كفاية البلاء اللى فى البيت ودا عارفين هو فلاتي ليه ومش عايز يتجوز مش هيلاقي اللى ترضي بيه اصلا وأنا حرام ليا إذا جبتله بنت ناس هيمرمطها معاه وبنات الناس مش لعبة ، أملى كله فى الجارحي ، أتكلم معاه شوية خليه يرضي يشوف العروسة اللى أمه جايبها، الأول كان بيدور على عروسة تناسبه، بقالي ثلاثة سنين ببوس أيده أنا وأمه وهو قفل باب الجواز نهائي
قالها “فؤاد” بقلة حيلة من عناد أبنه الذي رفض جميع النساء بعد هجران الصغيرة، نظر “هادى” على الجارحي” من خلف الزجاج وهو يقف فى الخارج وينظر إلى ابنته، لا يعلم أن كان هذا الشعور الذي يحتله هو وجع لفراقها أم شعور الذنب يقتله من الداخل، تنهد بهدوء وقال:-
_ هكلمه ، حاجة تانية
_ لا، أبقي شاكر ليك أوى
قالها “فؤاد” بعجز ثم غادر المكان فتبسم “حمدى” بحيرة وقال:-
_ والله ما عارف الجارحي أي اللى شقلب حاله كدة
_ الزمن يا أبويا
قالها “هادي” وخرج من المكتب فرأى الجارحي يسجل بعض البيانات فى الأوراق فقال بجدية:-
_ تعالى يا جارحي عايزك
نظر “الجارحي” إلى عمه بدهشة وقال بحيرة:-
_ خير
خرج الأثنين معًا من المحل وأنطلقوا فى طريق العودة المنزل فتحدث “هادى” بهدوء:-
_ مش عايز تقابل العروسة اللى أمك جايبها ليه؟ دا أبوك بيقول أنها بنت شيخ فى الأزهر وزى ما أنت عايزاها مختمرة ومتعلمة ومبتشتغلش
تنهد “الجارحي” بهدوء من حديثه وقال بضيق:-
_ بس أنا مش عايز أتجوز يا عمى دلوقت
_ على حد علمي أن عندك 33 سنة دلوقت هستني اى تاني
قالها بهدوء فألتزم “الجارحي” الصمت وعينيه تتحاشي النظر إلى عمه فتبسم “هادى” بهدوء وقال:-
_ يوم ما جتلى قُدس منهارة وضعيفة السجن وقالتلى أنها عايزة تسافر وتسيب البيت وتمشي ، كنت هتجنن وأعرف بنتي جرالها اى وصلها للحالة دى
أرتبك “الجارحي” من حديث عمه وتحاشي النظر لعمه بخوف ليتابع “هادي” الحديث بجدية يصدمه به:-
_ اللى حصل قُدس سامحت فيه لأنها عيلة ومش واعية اللى حصل فيها دا هيوديها فين بكرة وأنا مش بلومك لأنك ضحية زيها ولأن عمرك ما عملت الحرام
أتسعت عيني “الجارحي” على مصراعيها بصدمة ألجمته وقال بتلعثم:-
_ حضرتك عارف؟!
_ أمال فاكر أن بنتي هتخبي عليا
قالها “هادي” بهدوء فأبتلع “الجارحي” لعابه بحرج والندم يحتل عينيه فقال بضعف:-
_ أنا …
_ أنت ضحية وأنا بقولك ان حق بنتي مش عندك ، اتجوز يا جارحي وعيش حياتك متعلقش حياتك على الماضي وأنت ملكش ذنب فيه
قالها بهدوء جدًا وقد وصلوا إلى العمارة، تقدم “هادي” للدرج فقال “الجارحي” بهدوء:-
_ أنا مش هتجوز غير قُدس
ألتف إليه “هادي” بصدمة ألجمته ونظر إليه فأقترب “الجارحي” بهدوء واثقًا من نفسه:-
_ أنا طلب أيد قُدس منك يا عمي
_ قُدس…. دى عيلة
قالها “هادي” بدهشة تحتله وعينيه ترمق هذا الرجل بضيق من طلبه ليقول “الجارحي” بهدوء:-
_ قُدس بنت وسترها وشرفها اللى راح بسببي حتى لو مكنتش فى واعي، وواجب عليا سترها ورفع رأسها وسط الناس ، فكر فى طلبي يا عمي وأنا قابل باى شرط حتى لو كان جواز صوري على ورق أنا موافق
صعد إلى شقته وهو مذهولًا بجراءته وكيف تحدث مع عمه هكذا وطلب يدها منه للزواج، فهل حقًا سيتزوج الصغيرة؟ …..
_____________________
تجهز الجميع وأعدت “أسيا” الطعام والمشروبات فقالت:-
_ شدي حيلك يا سنية شوية الضيوف على وصول، بت يا ليل ، يا ليل
دلفت “أسيا” إلى غرفة أبنتها ورأتها مُرتدية فستان وردي اللون فضفاض وتلف حجابها الأبيض فسألتها بضيق:-
_ أى يا عروسة هتنامي قصاد المرايا ولا أى؟
تبسمت “ليل” بحماس وتوتر شديد ظاهر فى رجفتها ثم قالت:-
_ شكلى حلو يا ماما
تحدثت “أسيا” بهدوء وعينيها تبتسم بسعادة وصغيرتها أصبحت عروسة جميلة الآن:-
_ زى القمر يا روحي، يلا بقي
_ حاضر هرن كمان مرة على قُدس
قالتها بلطف لتتأفف “أسيا” بضيق شديد وقالت:-
_ يا دي قُدس مش كلمتيها أمبارح وقالتلك مش هتعرف تجيلك ، أنجزى بقي وسيبى قُدس فى حالها ما كلنا هنا حواليكِ ومعاكي
تذمرت “ليل” بضيق وقالت بخنق:-
_ بس قُدس غير
حاولت الأتصال بـ “قُدس” صديقتها الوحيدة لكن الهاتف كان مغلق ، لا تصدق أن “قُ>س” لن تكون معها فى ليلة كهذه والفضل يعود للماضي الذي جعلها تهرب منهم جميعًا…..
وصل الضيوف وكان “عمران” مع أمه ووالده ، جلست “مديحة” و”أسيا” وهكذا “حمدي” و”فؤاد” و”هادي” وبدأوا بالتعارف، ظلت “خديجة” ترن على ابنها “عماد” لكنه فى سبات عميق من النوم بسبب سهر الليل و”الجارحي” لا يُجيب عليها، تأففت من تصرفات أولادها ، تحدث “هادي” بجدية:-
_ نورتونا والله ، ليل دى بنتى أنا اللى مربيها مع بنتي قُدس
دلف “الجارحي” بوجه حاد خشن وقال:-
_ السلام عليكم
_ تعال يا ولدي
قالها “حمدي” بهدوء فنظر “عمران” إلى “الجارحي” وهو يعرفه جيدًا من رسومات “قُدس” يشبه الرسومات تمامًا فجلس “الجارحي” جوار والده صامتًا ، فتح هاتفه وهو لا يبالى بما يحدث فى هذا التجمع ، فتح حسابها وهو يرتشف قهوته ليبصق ما بفمه حين رآها شاركت صورة جديدة مع رجل بنفس عمره وكتبت عليها
_ كنت الأمل الذي ظهر لى فى عتمة ليالي فأنتشلت من الضياع ، أملي الحبيب
أتسعت عيني “الجارحي” وهى تلقب هذا الرجل بأملها الحبيب وشاركت معه قلب أحمر وتمسك فى ذراعه بعفوية وتبتسم بسعادة، نظر الجميع عليه بدهشة حين بصق ما بفمه وعينيه ترمق الهاتف بصدمة، تبسم “هادي” وهو يعرف جيدًا ما رآه “الجارحي” ظل يراقبه عن كثبه ووجهه يزداد حدة أكثر وغضب ناري يأكل ما بداخله ، همس “هادي” سرًا:-
_ دكتورها سرق عقله والله بتستاهل
سمع الجميع صوت ضجة بالخارج وزغاريد فوقفت “أسيا” لتنظر بما يحدث وفتحت باب الشقة لترى “سنية” تزغرد بحرارة وتلفظ بأسم “هدير” قائلة:-
_ والله مصر كلها نورت يا ست هدير ، نورتي البيت كله يا أنسة قُدس
_قُدس
قالتها “أسيا” بدهشة فتبسم “هادي” بمكر وهو يتذكر حديثه ليلًا مع أبنته فى الهاتف ويقول:-
_ لازم تيجي بكرة يا قُدس، ليل مستنياكِ ومش عارفة تفرح من غيرك، ولا ليل متستاهلش انكِ ترجعي الإجازة دى عشانها
كان يمكر لأبنته واستغل خبر زواج “ليل” حتى يقنعها بالعودة بعد طلب “الجارحي” يدها للزواج فهو أيضًا أب يسعى لستر ابنته فما حدث لن يغيره السفر …..
أتسعت عيني “الجارحي” وهكذا الجميع عندما سمع صوت “أسيا” تلفظ بأسمها، نظر إلى الباب ليراها تدخل ببسمتها البريئة وجسدها النحيلة، مازالت صغيرة الحجم بخلاف جسدها الذي تغيرت مفاتنها أكثر وأصبحت عروس جميلة، ركضت إلى أحضان والدها الذي فتح ذراعيه إليها وحتى عندما خرج من السجن لم يراها، ضمها بقوة ، صغيرته التى عادت ليقبل جبينها بحب ثم عانقت جدها و “وصيفة” ورحبت بالجميع وما زالت لم تراه وهو يقف بجوار المطبخ غاضبًا ليُصدم عندما دلفت “هدير” وبجوارها “مصطفى” هذا الرجل الذي رآه من قليل فى الصورة ، تبسم “مصطفى” بلطف وقال:-
_ طب أستئذان أنا
لم يفهم أحد من هذا لتقول “قُدس” بحماس :-
_ باى باى هبقي أكلمك بقي
أومأ إليها بنعم مع بسمة رقيقة وغادر، أستدارت تبحث عن “ليل” لتراه يقف محله ويغلق قبضته بقوة على كوب القهوة، انقبض قلبها بدهشة لوجوده وتلاشت بسمتها حين ألتقت عيونهما، ما زال كما هو بوسامته على الرغم من عينيه التى يتطاير منها الشر والغضب، يرتدي قميص أسود وبنطلون رمادي اللون، شعرت أن أنفاسها على وشك الأنقطاع من الخوف من نظراته الحادة لتدرك أنه غاضبًا لعودتها وكأنه لم يرغب برؤيتها مرة أخرى ، قاطع خوفها ونظراتهما المتبادلة صوت “ليل” التى خرجت من المطبخ وصرخت بأسمها:-
_ قُدس
ركضت “قُدس” نحوها وهى تضع الصينية على السفرة بجوار “الجارحي” وألتقي الأثتنين فى عناق طويل ودموعهما تتساقط من الفرحة وكلهما مشتاقة إلى الأخرى، كان اللقاء قُربه جدًا ليشم رائحتها وتذكر تلك الليلة التى ضمها بها وشم نفس الرائحة بها فغادر الشقة سريعًا مُحاولًا السيطرة على عقله الذي أخذه إلى ذاكرة تمنى أن ينساها …
ألتفت “قُدس” إلى باب الشقة حين غادر لتشعر بحزن شديد فى قلبه وتصرفه يدل على عدم الترحيب بوجودها، جلست مع “ليل” مُبتسمة بسمة مُزيفة وأتفقوا على موعد قراءة الفاتحة فى الشهر القادم ليعم الفرح المكان ومع مغادرة الضيوف ، صعدت “قُدس” إلى شقة والدها فى الطابق الثالث ودلفتوخلفها والدها ، تأمل فتاته الصغيرة ليقول:-
_ أنا توقعتك كبرتي شوية
_ يا بابا دا كلهم ثلاث سنين
قالتها بعفوية ليبتسم وقال:-
_ فعلا ثلاثة سنين بيفرقوا جدًا، قوليلى يا قدس يا حبيبتي الدكتور بتاعك اي اللى جابوا معاكم من انجلترا
أجابته بحيرة قائلة:-
_أعتقد ان السبب هدير، في بينهم إعجاب متبادل لكن هو لسه مأخدتش خطوة وأعتقد رجوعه معانا يعنى أنه ناوي يأخد الخطوة دى
أومأ إليها بنعم وقال:-
_ أمممم قُلتلي بقي ، ماشي أدخلي غيري هدومك وأرتاحي من السفر
أومأت إليه بنعم ثم دخلت إلى غرفتها وجلست تفتح هاتفها وتذكرت أنها تحتاج إلي شريحة اتصال من بلدها، ألقطت بجسدها على الفراش بتعب ونظرت فى هاتفها بملل لتفتح صورته التى سرقتها من حسابه الإلكتروني، ظلت تحدق بوجهه كم مُشتاقة له وتقاوم هذا الحُب؟، ظلت تحملق بوجهه حتى غاصت فى نومها ، دلف “هادى” إلى غرفتها بعد أن طرق الباب ولم يجد جوابها فرآها نائمة وتحمل الهاتف فى يدها على صورة “الجارحي” فتبسم بحزن وكيف ابنته تحب هذا الرجل حتى الآن؟ أغلق الأضواء وخرج من الغرفة ودلف إلى غرفته بحيرة فماذا يفعل ؟……
___________________________
أستيقظ “عماد” من نومه على صوت “مديحة” التى تقظه بصعوبة وتقول:-
_ قوم يا خيبتي الثقيلة
فتح عينيه بتعب من جدته وقال:-
_ فى أى يا ديحة على الصبح
_ قصدك على المسا، قوم سبع الرجالة العشاء أذنت ، قوم شوف قُدس اللى راجعت فى أيدها راجل غريب
قالها بغضب سافر ، أتسعت عينيه وأنتفض من فراشه فزعٍ من حديث جدته وكيف عادت؟ ورجل أخر معها؟ ، قال بصدمة :-
_ بتقولى أى؟
_ اللى سمعت يا سبع الرجالة
قالتها “مديحة” بضيق شديد، ركضت للخارج يأخد حمام دافئ ينظف جسده من رائحة الخمور والقذارة التى به وبدل ملابسه ثم ترجل للأسفل بسرعة جنونية ودُهش عندما رأى “هدير” تجلس على الدرج مع أختها “أسيا” ليتأكد من حديث جدته وعودة “هدير” تعني ان صغيرته عادت لكن أين هى؟، بحث عنها حوله ليُصدم من نظرة “هدير” الحادة وتشمئز منه فقالت:-
_ أزيك يا بن أخويا ، لسه زى ما أنت عرة يا عماد
تنحنح بحرج من حديث عمته وهو لا يقوى على الرد عليها فتابعت بسخرية منه:-
_ مالك كبرت وعجزت كدة ليه ، شكلك يقرف
أرادت أن تخبره أنه كبر وبلغ الأربعين الآن فلا يأمل بشي من صغيرتها ، تبسمت “أسيا” على مزحتها وقالت:-
_ صدقتي والله يا هدير ، انا معرفش أنت خلف أخويا فؤاد أزاى
_ أنتوا قاعدين فاضيين صح؟
قالها بضيق شديد وعينيه تنظر على شقة “وصيفة” لعل صغيرته تخرج الآن فقالت “أسيا” بضيق:-
_ يا راجل يا عرة مش تقولى مبروك لبنتي ومش كفاية احرجتنا مع الناس ومنزلتش تقعد مع الرجالة
_ مبروك .. مبروك
قالها بضيق وصعد إلى شقته من جديد وهو مُتلهفًا لرؤيتها لكنه سينتظر للصباح فقط ، لأجل “قُدس” سينتظر…
____________________
أستيقظت “قُدس” فى الصباح وفركت عينيها بتعب ثم ترجلت من الفراش بفستانها الوردي المصنوع من القطن، خرجت من غرفتها تمطي جسدها وتقول:-
_ بابا
رأت والدها يجلس مع “فؤاد” فى الصالون ومعهم “الجارحي” الذي غض بصره سريعًا عنها فتنحنحت بحرج ودلفت إلى غرفتها ليعود إلى شجارهما وقال “فؤاد”:-
_ كلمه يا فؤاد ، خديجة كلمت الست وقالتلها أننا هنجي وهو منشفة دماغه وحالف ما هيروح فى حتة
نظر “هادي” إلى أخاه وهكذا ابنه وكيف يخبره أن ابنه طلب أبنته للزواج ، تحدث “هادي” بهدوء شديد:-
_ أهدا بس يا فؤاد وكل شيء بالخناق ألا الجواز يا ابن ابويا بالأتفاق
قاطعهم “الجارحي” بحدة صارمة وقال:-
_ أنا طلبت منك أيد قُدس ، ما تقوله أني عايز أتجوز بنتك يا عمي
نظر “فؤاد” بصدمة ألجمته إلى ابنه ثم أخيه وقال بتلعثم:-
_ أنت بتقول أى؟ ، لا أفهم بس قُدس مين؟
تنحنح “هادي” بهدوء ثم قال بجدية:-
_ أعتقد الخناقة دى المفروض تكون فى بيتكم ، كلم أبوك وأمك ولما توصلوا لحل كلمني
وقف “الجارحي” بعناد شديد وقال صوت قوي وخشن :-
_ أنا هتجوز قُدس ومبأخدش رأى حد ، عن أذنكم
خرج من الشقة غاضبًا وأغلق الباب بقوة حتى أنتفض جسدها من الداخل، خرجت على صوت إغلاق الباب مُعتقدة أنهم رحلوا لتُدهش بوجود عمها الذي يحدق بها فى صمت والآن طلبها ابنه الآخر للزواج والأكبر مُتيم بها، تنهد “هادي” بهدوء وقال:-
_ أنا هكلمه متقلقش
_ مش قلقان ، ربنا يسترها على ولادي
قالها “فؤاد” وغادر الشقة لتسأل ” قُدس” بقلق من تعابير وجه والدها الحزينة:-
_ مالك يا بابا؟
_ تعالي يا قُدس
قالها والدها بهدوء ، شعرت بقلق من حديث والدها ثم جلست على المقعد المجاور له وقالت:-
_ جارحي طلبك للجواز
أتسعت عينيها على مصراعيها وضحكت بقوة ساخرة ثم قالت:-
_ حضرتك اكيد بتهزر
نظر لها بصمت لتتوقف عن الضحكة وتفهم أنها فى موقف صعب جدًا وهذا الحديث حقيقي لتقول:-
_ أزاى؟ وليه؟ وامتى؟
تنهد “هادي” بهدوء شديد ثم قال بحزم:-
_ أزاى؟ زى الناس ، زى أى راجل بيطلب واحد للجواز، وليه؟ عشان فى حاجة حصلت ولازم تتصلح سوى رضيتي أو رفضتي وزجارحي لازم يصلح غلطته معاكِ عشان سمعتك وشرفك وتفضل رأسك مرفوع ورأس أبوكِ ، وأمتى ؟ قبل من أسبوع وعشان كدة أنا جبت وأصرت أنك ترجعي
دمعت عينيها من حديث والدها القاسي وهى أعتقدت للحظة أنه أشتاق لها ولو قليل فى غيابها لكن كل ما يفكر الخطأ الذي أرتكبه فى حقها لتقول بعناد هى الأخرى:-
_ وأنا مش موافقة
ضحك والدها بسخرية على جراءتها وعنادها وأجاب بحدة :-
_ ومين قالك ان الخيار دا موجود؟ إنتِ مجبرة تتجوزيه عشان الفضائح يابنت هادي، ولا عايزة تتجوزي واحد من سنك وتتفضحي يوم فرحك ولا سيرتك تبقي على كل لسان ورأي أبوكِ تتحط فى الطين وتكسري ضهرى
ذرفت دموعها قسرًا وقالت بضعف:-
_ أكيد لا بس …
_ مبسش دا الحل الوحيد عشان نصلح اللى فات ، ولو على الجواز ورغبتك شهرين ثلاث يطلقك وبعدها أعملى اللى عايزاه وأتجوزي اللى من سنك
قالها بحدة صارمة رافضًا منها أى جدال أو مناقشة ثم تركها وغادر الشقة لتجهش باكية من الحزن وكيف تتزوج راجل تعشقه بهذه الطريقة القاسية، تعلم جيدًا أن “الجارحي” ستزوجها ليكفر عن ذنبه وليس للحب؟ ، ظلت تبكي بحزن شديد على المقعد حتى نفدت طاقتها بشدة …..
___________________________
علم الجميع بخبر طلبه للزواج من الصغيرة وصدم “عماد” من الخبر ليركض إلى شقة أمه ووجد “الجارحي” بالداخل يشاجر أبوه على هذا القرار حتى صرخ بقوة يقول:-
_ عشان كدة وقفت فى طريقي عشان تأخدها لنفسك
كز “الجارحي” على أسنانه بغضب سافر وكل هذا من تخطيطه الشيطاني فلم يُجيب عليه ليسرع “عماد” نحوه ومسكه من ذراعه يُديره إليه ثم ضربه بقوة ليرد “الجارحي” لكمته للكثير ينفث به القليل من غضبه لتصرخ “خديجة” بقوة وصعد الجميع على صوت صراخها فضربه “عماد” بقوة وهو يقول:-
_ هقتلك يا جارحي، هتقتلك لو فكرت تقرب من حاجة ملكي
ركله “الجارحي” فى بطنه بقدمه بقوة ليسقط على السفرة وقال بتحدٍ :-
_ جرب بس تقرب لها يا عماد وأنا هلبس أمك أسود عليكِ مدى الحياة
صرخ “فؤاد” بهما بغضب وقال:-
_ بس أنتوا الأثنين ، على جثتي واحد فيكم يتجوز قُدس، تحرم عليكم البنت اللى توقع بينكم
رفع “ألجارحي” سبابته فى وجه والده أمام الجميع وتحدث بنرة قوية لا يهتم لأى شيء:-
_ هتجوزها غصب عن أى حد واللى يقدر يمنعني يوريني نفسه
_ أنا
ألتف الجميع على صوتها فتحدثت “قُدس” بنرة غاضبة من هذا الشجار وكلا منهما يقرر نيابة عنها حياتها فقالت من جديد:-
_ أنا همنعك، أنا ولا هتجوزك ولا هتجوزه ، واللى هيفكر يقرب منى هموت نفسي ويبقي ذنبي فى رقبته
غادرت الشقة تحت أنظار الجميع رافضة الزواج بأى منهما، غادر الجميع لشققهم وكل واحد من أفراد العائلة يتحدث عن غضب “الجارحي” والسبب وراء عناده وأصراره على الزواج من طفلة هو نفسه رفض زواج أخاه منها لكونها طفلة وتصغره بكثير، أخذ “حمدى” ابناءه “هادي” و”فؤاد” إلى شقته ليحسم الأمر بين شجار أحفاده وقال بجدية:-
_ إحنا عشان نحل الخناق والعداوة بين الأخوات ، قُدس بنتك مش هتجوز ولا واحد فيهم
تحدث “هادي” بغضب مكبوح بداخله يحاول السيطرة عليه:-
_ جارحي لازم يتجوز قُدس يا حج
_ أنا بقول محدش هيتجوزها ، أى كلامي مش مسموع
قالها “حمدي” بقوة غاضبًا ليتابع “هادى” الحديث بهدوء قائلًا:-
_ جارحي لازم يصلح غلطته مع بنتي
نظر الأثنين له بصدمة ألجمته ليخبرهم بهدوء قائلًا:-
_ ابنك يا فؤاد غلط مع بنتي وعشان كدة أنا سفرتها وعشان كدة هو مُصمم يتجوزها عشان يستر عليها ويصلح غلطته وأنت شيخ جامع وحافظ كتاب الله وأنا هسيبك تحكم بنفسك الخناق بين ولادك أهم من شرف بنتى اللى ابنك سرقه منها بخسة وندالة وهى عيلة محافظش عليها
كانت الصدمة تحتل “فؤاد” ولا يُصدق أن ابنه بطاهرته فعل شيء كهذا لو كان أخبره أن “عماد” من فعلها لكان صدقه بسرعة البرق، لكن “الجارحي” لا يستوعب كيف فعلها ؟ ليسلم للأمر الواقع ويقبل الزواج رغمًا عنه لأجل شرف الفتاة الصغيرة ، أم الأخوة فبينهما القدر وما يخبأه القدر لن يتوقعه بشر …….
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية حرب سقطت راءها)