رواية ارناط الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم حور طه
رواية ارناط الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم حور طه
رواية ارناط البارت التاسع والعشرون
رواية ارناط الجزء التاسع والعشرون

رواية ارناط الحلقة التاسعة والعشرون
أكمل يفتح الباب بقوة، عيونه تجري في الغرفة… يشوف ناهد مربوطة من ذراعيها بين رجلين غلاظ… جسمها بيرتعش بتحاول تفلت بكل قوتها…
شعرها منكوش، ووجهها مليان رعــ ــب…
أكمل بصوت غاضب وهو يتقدم بسرعة:
ــ سيبوها! قولتلكم ابعدوا عنها!
أحد الرجال بجفاء:
ــ دي مجنونة يا دكتور…
ممكن تؤذي نفسها أو أي حد…
أكمل يندفع ناحيتهم ويدفعهم بعيد:
ــ أنا قلت سيبوها… فورا!
الرجال يتراجعوا غصب عنهم…
ناهد تنهــ ــار على الأرض جسمها بيتهز…
بتبكي وتهذي بكلام مش واضح…
أكمل ينزل على ركبته قدامها
صوته هادي لكن فيه رجفة خوف:
ــ ناهد… ناهد بصيلي… أنا أكمل…
ماحدش هيقربلك… أنا هنا، أنا جمبك…
ناهد تصــ ـرخ فجأة…
وهي تضــ ـرب راسها في الحيط:
ــ هيقتـــ ـلوا ولادي! هيمــ ــوتوهم…
إلحقهم !
انا شفته شمس وهم بيقطـ ـعوا شراينها…
شفت الـ ـدم!
أكمل يمسك راسها برفق
يمنعها تضــ ـربها اكثر في الحيط:
ــ لا لا لا… ناهد، ركزي معايا…
مافيش حد هيمــ ــوت، ولادك بخير…
أنا بوعدك، بوعدك!
انتي عارفاني… صح؟ بصيلي!
ناهد بصوت مبحوح، تهمس:
ــ ريحه الــ ـدم… انا شماها…
عايزين يقتــ ـله ولادي
زي ما قتلــ ــوا شمس… ريحة دمــ ـي…دمــ ـي!
أكمل يبكي بصمت، ويمسك إيدها المرتجفة:
ــ اهدي…محدش هياخدهم منك تاني…
بس اهدي… خلينا نخرج من ده سوا…
ناهد، دموعها تنزل…
ولأول مرة في سنين… ملامحها تلين!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في مكان منعزل…!
الجو كان هادي ومليان دفء…
كل حد قاعد جنب اللي بيحبه…
رائد ماسك إيد شهد، ويوسف حضن رهيفا…
وأرمان قاعد بجوار ليلى…
أما راهب، فكان بيبصلهم من بعيد…
نظراته مشتعلة، كأن النــ ـار بتغلي جواه…
عالية كانت بتضحك وهي تلعب مع شادي في حضنها.
يوسف وهو يحتضن رهيفا بحنان:
ــ وحشتيني…
رهيفا تبعد عنه بخفة:
ــ يوسف اتلم! إحنا مش في بيتنا…
يوسف يغمز لها:
ــ إنتي مراتي، أعمل اللي أنا عايزه.
رهيفا تقرصه في خده وتضحك:
ــ انت طفل مشاغب، على فكرة!
عند رائد وشهد…
رائد يمسك إيدها، ينظر لها بحب:
ــ إنتي بخير؟
شهد تضغط على إيده وتبتسم:
ــ بخير… اطمن.
رائد بابتسامة:
ــ تعرفي إن ابتسامتك حلوة قوي؟
شهد بخجل، تسيب إيده:
ــ بقالي كتير ماشوفتهاش…
من يوم الحـ ــادثة اللي فقدت فيها بصري.
رائد يرجع يمسك إيدها بلطف:
ــ من النهارده… هتشوفي كل حاجة بعيني أنا.
شهد بصوت واطي:
ــ أنا هكون عبء عليك…
رائد بحب:
ــ إنتي أجمل حاجة حصلتلي… مصدقت لقيتك.
شهد بخوف:
ــ خايفة تندم إنك ربطت نفسك بواحدة كفيفة…
رائد ينظر لها بثبات:
ــ أنا بشكر ربنا إنه خلى قلبك لي.
عند ليلى…
أرمان قرب منها، محافظ على مسافة بسيطة
لكنه ماقدرش يخبي قلقه:
ــ إحنا دلوقتي بأمان… بس ليه لسه شايفك قلقانه؟
ليلى بتنهيدة:
ــ خايفة على جدو…
أرمان يمسك إيدها:
ــ هيكون بخير، اطمني…
ليلى تسحب إيدها بهدوء:
ــ إن شاء الله… أنا هقوم أجهز حاجة ناكلها.
رهيفا تقوم:
ــ أساعدك يا ليلى؟
ليلى بابتسامة بسيطة:
ــ لا، خليكي… هعمل شوية سندوتشات وأرجع.
يوسف يشد إيد رهيفا ويقعدها:
ــ هتسيبي جوزك؟! خليكي هنا.
ضحك خفيف يعم المكان… وليلى تدخل المطبخ.
راهب كان قاعد لوحده
الغيرة بتنهش قلبه، يقف فجأة:
ــ هعمل قهوة!
يوسف ورائد في نفس الوقت:
ــ اعمل لي معاك.
راهب يبص لرائد بنظرة طويلة
وهو يجلس بجانب شهد:
هعملك، بس خليك محافظ على المسافة… فاهمني؟
رائد يبعد عن شهد محرج:
ــ تمام…
يوسف يضحك:
ــ راهب هيبقى حماه صعب يا رائد… جهز نفسك.
راهب يدخل المطبخ…
يشوف ليلى واقفة بتحضر السندوتشات.
يقرب شوية، لكنه مايبصش عليها…
ماسك الكنكة، بيحضر القهوة…
ليلى تلاحظه:
ــ مالك؟ باين على وشك انك متضايق!
راهب من غير ما ينظر لها:
ما افتكرش، إننا قريبين لدرجة إنك تحسي بيه؟
ليلى تسيب السكـ ــينة وتفتح التلاجة:
مش لازم نكون قريبين… وشك كتاب مفتوح
حواجبك مقفولة، والغضب باين في كل تفصيلة
راهب بابتسامة خفيفة:
ده انتي فيلسوفة بقى… بتقري الوشوش؟
ليلى تقف على كرسي علشان توصل لدرفة فوق… تفقد توازنها…
راهب يسبقها، يسندها، تقع في حضنه…
عيونهم تتلاقى… لحظة ساكنة، الزمن واقف.
راهب بصوت هادي وهو يبص في عينيها:
ــ إنتي بتحبي أرمان؟
ليلى لسه تحت تأثير اللحظة:
ــ لا… مجرد صديق.
راهب يبتسم بثقة:
ــ كنت عارف.
ليلى تفيق، تتوتر، تبعد عنه بسرعة:
ــ وإنت مالك؟ ما تدخلش في اللي ما يخصكش.
راهب يحط الكنكة على النــ ـار:
ــ كان مجرد سؤال…واخذت اجابته!
صمت… ثقيل لكنه دافي!
راهب ينظر لها:
ــ أنا مش عايزك تقلقي على جدك…
بكرة هنروح ونجيبه إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت الليلة ساكنة، فيها هدوء نادر
والقمر باين من شباك المطبخ
نوره بينعكس على وشوشهم وهم قاعدين سوا بعد ما الكل نام. ليلى كانت لسه بتحط آخر صينية سندويتشات على الرخامة، وراهب واقف بيصب القهوة بهدوء، حركته بسيطة بس فيها اهتمام.
الصمت ماكانش تقيل، كان دافي
زي حضن مطمن بعد يوم طويل.
راهب مدلها فنجان القهوة بابتسامة خفيفة:
ــ انتي بتحبي القهوة من غير سكر!
ليلى خدت الفنجان منه وهي بتبص له باستغراب:
ــ عرفت منين إني بحبها سادة؟
راهب قرب خطوة صغيرة
صوته كان هادي، عيونه فيها دفء:
ــ وإحنا قاعدين ناكل، خدتي جبنة بس
ولما رهيفا حبه تديك ساندويتش مربى
قلتي إنك ما بتحبيش السكريات…
ففهمت إنك بتحبي القهوة من غير سكر.
ليلى سكتت، قلبها بيدق، بس مافيش توتر
كان دفء جديد بيغمرها، مريح بشكل يخوف.
قالت بصوت واطي:
ــ أنا ساعات بخاف منك…
من الإحساس اللي بيجيلي وانت قريب كده.
راهب بص لها من غير ما يلمسها
مسافته كانت قريبة كفاية تخليها تحس بنبضه:
ــ ما تخافيش… يمكن ما بعرفش أقول كلام كتير
بس اللي في قلبي باين.
وانتي… لو قربتي خطوة، بس خطوة واحدة… هتسمعيه.
ليلى بصت له، ابتسمت رغم الدموع اللي بتحاول تهرب من عينيها، رفعت الفنجان لشفايفها وهمست:
ــ سامعه… حتى من غير ما تقول
وبينهم، المسافة بدأت تضيق، مش بالأجساد
لكن بالروح. لحظة فيها كل الكلام اللي ما اتقالش
كل وجع ساكن جواهم، وكل حنين اتكتم سنين.
ليلى قالت وهي بتبص له بعين فيها ألف وجع:
ــ أنا كنت قافلة قلبي عن كل الأصوات اللي حواليا.
راهب رد، صوته فيه اهتمام حقيقي:
ــ وامتى فتحتيه؟
ليلى شهقت نفس عميق وقالت:
ــ الشخص اللي معاه مفتاح قلبي… ما بقاش موجود. بس قلبي رغم كده بيفتح قدامك، ومش عارفة ليه.
راهب ابتسم، لكن جواه وجع بيعرف يخفيه:
ــ يمكن علشان قلبك لسه فاكره… حتى لو وشه اتغير وصوته اتبدل، قلبك لسه حاسس بيه، ولسه مش بيفتح لحد غيره… يمكن أنا أكون بشبهه!
ليلى هزت راسها، عينيها غرقانة حزن:
ــ ما أظنش هيرجع تاني.
هو خد قلبي ومشي… وسابلي وجع بعيشه كل ثانية.
راهب اتحبس صوته في حلقه، كان نفسه يقول الحقيقة، بس سكت، وقال:
ــ بس أنا هنا… ومش ناوي أمشي.
يمكن الأيام تتبدل… يمكن تحسي بالأمان تاني.
ليلى هزت راسها، بس بابتسامة فيها كسر:
ــ اللي اتكســ ـــر جوايا… غير قابل للتصليح
أنا بخاف من كل حاجة… حتى اللحظة دي بخاف أصدقها.
راهب قالها وهو بيبص جوا عينيها:
ــ ليه خايفة؟ احنا في مكان آمن.
ليلى بصت له، وابتسامتها كانت مكسورة
لكن صادقة:
ــ تفتكر ان الأمان مكان؟
الأمان كان شخص…
شخص حبيته وثقت فيه، سلمته قلبي وروحي
بس لما راح، خد معاه كل الأمان.
ومن ساعتها… أنا ضايعة.
راهب مد إيده بهدوء، لمس طرف صوابعها
لمسة خفيفة، كأنه بيطلب الإذن قبل ما يقرب أكتر:
ــ يمكن الشخص اللي راح
ما يستاهلش كل الأمان اللي اديتيه له
بس لو لسه فيه نقطة صغيرة في قلبك بتدور على حضن ترتاح فيه…
أنا هنا. ومش هروح.
ليلى بصت له، دموع في طرف عينيها
بس ما نزلتش. كانت بتحــ ـارب
قالت له بصوت مبحوح:
ــ أنا ماعدتش بصدق حد
ولا الكلام اللي بيرطب القلب في لحظة
بس معرفش ليه وانت قريب بحس إني مش لوحدي…
راهب قرب أكتر، الفاصل بين خوفها وحنانه اختفى
وقال وهو بيبص جوا عينيها كأنه بيكلم روحها:
ــ لو الزمن أخدك لبعيد
أنا ممكن أستناك
ولو الحزن قفل قلبك
أنا ممكن أفضل أخبط
من غير ما أتعب
لحد ما تفتحي لي الباب.
ليلى نزلت عينيها لتحت
قلبها بيدق بسرعة
بس المرة دي مش من خوف…
من رغبة إنها تصدق ولو مرة:
ــ بس انت متعرفش أنا بقيت ازاي
أنا بخاف أضحك، بخاف أفرح
بخاف أعيش اللحظه
علشان كل مره بعيش فيها، بخسر حاجة بعدها.
راهب قرب فنجانه لفنجانها
خبطهم ببعض بلطافة وقال:
ــ خلاص
خلينا نشرب القهوة دي
من غير وعود…ولا خوف
بس بقلبين بيدورا على الأمان
ومكان هادي
نبتدي منه… من جديد.
ليلى ابتسمت، ورفعت فنجانها
وقالت له بصوت واطي، بس صادق:
ــ موافقه
بس متوعدنيش
كفايه عليا انك موجود.
وسكتوا تاني…
بس كان صمت مليان اتفاق غير منطوق
ويمكن للمرة الأولى، قلبها حس بشوية أمان.
ــــــــــ
ليلى طلعت من المطبخ بخطوات هادية…
سابت فنجان القهوة وراها…
وسابت راهب واقف في مكانه…
كانت ماشية من غير ما تبص وراها…
بس كل خطوة كانت بتوجع في قلبه…
وصوت رجليها وهي بتطلع السلم…
كان بيطول اللحظة جوه راهب…
لحظة كان نفسه توقف عندها…
دخلت غرفة عاليه، وقبل ما الباب يتقفل
راهب اتنهد، زفير طويل
كأنه كان ماسك نفسه طول الوقت.
ابتسم، ابتسامة مكسورة، فيها حنين وحيرة
كأنه بيقنع نفسه إن وجوده جنبها كراهب، كفاية
لكن الهدوء ما طولش…
ظهر يوسف فجأة، ووقف ورا راهب، وحط إيده على كتفه بهدوء، بس لمساته كانت تقيلة كأنها بتحاسب.
يوسف بص له وسأل بنبرة خافتة
لكنها واضحة زي السكــ ــين:
ــ ليه ما قولتلهاش الحقيقية؟
ليه ما قلتلهاش… إنك أرناط؟
راهب ما لفش، عينه فضلت ثابتة على السلم
كأن صدى خطوات ليلى لسه بيرن في ودنه.
قال بصوت هادي، فيه وجع قديم:
ــ أرناط مــ ـات… مـ ـات جوه قلب ليلى من زمان.
يمكن راهب يكون ليه فرصة تانية…
فرصة يرجع ليلى اللي أرناط ضيعها بإيده.
يوسف هز راسه، صوته كان فيه قلق أخوي حقيقي:
ــ بس الطريق ده غلط
لما ليلى تعرف الحقيقة…
راهب هيخسرها، ويمكن تخسر نفسك كمان.
أكتر من اللي خسره أرناط.
راهب لف له ببطء
عنيه فيها إصرار بس كمان فيها ألم:
ــ ليلى…
ليلى لسه بتحبني، برغم كل اللي عملته فيها
قلبها رفض يدخل فيه حد تاني…
أنا شفت ده، في نظرتها، في رعشة إيدها
في سكاتها اللي مليان وجع.
سكت شوية، وبص ناحيه الباب اللي اختفت وراه ليلى
ثم قال بصوت منخفض:
ــ لساني…
عجز، خاف يوجعها تاني.
خاف يقول كلمة ترجع كل الطعنات اللي نسجتها بإيدي.
يوسف:
ــ بس كل لحظة بتسكت فيها، بتكبر الوجع أكتر…
مش لازم تكون أرناط وتكذب عليها تاني لو عندك فرصه انها تسامحك لما تعرف هي الحقيقه بنفسها انت هتخسر الفرصه دي السكوت هيوجعك وهيرجع يوجعها تاني!
راهب:
ــ يمكن، بس يمكن برضه…
الصمت يديها لحظة أمان…
لحظة تحب فيها راهب من غير ما تشوف أرناط جواه.
يوسف سكت، بس عنيه كانت بتقول…
ــ الوقت بيجري
والحقيقة دايما بتطلع، مهما طال الهروب!
يتبع..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ارناط)