روايات

رواية ارناط الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم حور طه

رواية ارناط الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم حور طه

رواية ارناط البارت الثالث والثلاثون

رواية ارناط الجزء الثالث والثلاثون

ارناط
ارناط

رواية ارناط الحلقة الثالثة والثلاثون

|وصل اليخت|
السلالم الحديدية ارتفعت لتربط اليخت بالسفينة الضخمة الراسية وسط البحر الأبيض المتوسط. الأمواج تتلاطم بهدوء، والجو مشحون برائحة الملح والخيانة.
سحب رجال البير راهب من ذراعيه، وبدون ذرة رحمة، دفعوه بقسوة نحو السلم. خطواته كانت ثقيلة، جسده منهك، ويداه مقيدتان صـ ـرخ:
ــ فين ليلى… وشادي…؟!
ركله أحدهم في ظهره وهو يصيح:
ــ يلا اتحرك!
وصل إلى سطح السفينة، وهناك…رآها…
ليلى…!
كانت مقيدة، رأسها منحني، وكأنها فاقدة الوعي
لكن الحقيقة كانت أوجع…كانت يقظة
لكن التعب سحب منها القدرة على الحركة
كل ما تبقى منها كان أنفاسا بالكاد تسمع
الرجل،دفع راهب بجوارها وسقط على ركبتيه
ينظر إليها برعب. اقترب منها هامس وهو يتجاهل القيود:
ــ ليلى… ردي عليا…؟
ليلي رفعت رأسها ببطء.
عيناها متورمتان من البكاء
والوجع ساكن ملامحها:
ــ راهب؟
راهب،ابتسم لها، رغم كل شيء:
ــ ماتخافيش… هخرجك من الجحيم ده…
ليلي همست:
ــ انت جيت هنا إزاي؟
راهب،اقترب بوجهه من وجهها وقال:
ــ قلبي هو اللي جابني ليكي…
من على بعد، كانت سحر تراقب المشهد
والغيرة تنهش قلبها بلا رحمة.
ثم ظهر البير
يمشي بخطى واثقة وصوته يقطع اللحظة:
ــ وأخيرا وصلت…
كنت مستنيك بفارغ الصبر يا أرناط!
تجمدت نظرات ليلى.
استدارت برعب لراهب:
ــ أرناط؟! انت… انت أرناط؟!
راهب لم ينطق. الصمت كان أقسى من الاعتراف
سحر اقتربت منه، وضعت يدها على كتفه وهو لا يزال مقيدا وابتسامة النصر على وجهها:
ــ آه، أرناط حبيبي…
راهب حاول أن يبتعد عنها، صـ ـرخ بها:
ــ اخرسي! …وابعدي عني…
لكنها اقتربت أكثر، وعينيها على ليلى:
ــ هي خلاص عرفت، ليه عايز تخبي؟
ليلى كانت مجرد اختيار مناسب لتجربة البحث…
ليلى صــ ـرخت:
ــ بتقولي إيه؟! بحث؟! أنهي بحث؟!
البير ابتسم بخبث وتدخل:
ــ أرناط قدم لي فكرة، بحث عن التطور البشري. ولأضمن نجاحه، طلبت منه تجربة حقيقية هو وافق… واختارك انتي تكوني النموذج. وكانت النتيجة… شادي!
سحر اقتربت من ليلى وهمست:
ــ يعني أنتي وابنك… مجرد تجربة لأبحاث أرناط…
ارتج جسد ليلى.
الكلمات تتردد داخل عقلها كطعنات لا تتوقف.
تجربة؟ بحث؟
وشادي… مش ابن حب؟ مش ثمرة وجعها وخوفها؟!
نظرت لراهب
وكل دمعة سالت منها كانت تحمل سؤال واحدا:
ــ ليه؟
ليلي،همست بصوت مخنوق:
ــ كنت بحبك… وصدقتك…
وكنت مستعدة أمــ ــوت عشانك…
نظرت لعينيه،كأنها بتحاول تنتزع إجابة من صمته:
ــ هو ده أنا؟ مجرد معمل اختبار؟!
راهب حاول يقرب منها، لكن هي أدارت وجهها وكأنها فقدت القدرة على حتى النظر له.
أنفاسها تتقطع، صدرها يعلو ويهبط كأنها بتغرق…
ثم انحنت رأسها، وانزلقت دموعها في صمت
وساد المكان…
صمت أثقل من المـــ ـوت
ليلــى… اتكســـ ـــرت!
اتجه البير نحو باب المقصورة الداخلية، وخطواته تقرع أرض السفينة المعدنية بصوت بارد كقلبه. تبعته سحر، وابتسامة جانبية ترتسم على شفتيها، كأنها تتذوق ألم ليلى بكل لذة.
وقبل أن يغلق الباب، التفت البير بنظرة جامدة إلى سحر وقال بصوت منخفض لا يخلو من القسوة:
ــ بعد ما نتاكد من نتيجة البحث… خلصي عليهم.
ثم،أشار برأسه لراهب وليلى المقيدين:
ــ المـ ــوت هيبقى رحمه بالنسبه لهم…
أرحم من الوجع اللي عايشينه دلوقتي…!
لكن سحر وقفت للحظة، عيناها تلمعان بشرر:
ــ المسرحية لسه ما خلصتش…
اقتربت من البير وهمست:
ــ ده كان أول مشهد بس…
ولسه الجحيم الحقيقي جاي.
ثم أغلقت الباب خلفها.
تركوا راهب وليلى وحدهم…
مقيدين، مجــــ ــروحين…
بس ما بين الألم…
كان فيه سؤال بيتولد في نظرة ليلى…
وسكوت راهب كان أوجع من أي اعتراف…!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|الفيلا |
يقف يوسف في منتصف الصالون
يتنفس بصعوبة، والغضب ظاهر في كل حركة من حركاته. يجلس رائد، أرمان، أكمل، عالية، ورهيفا
على الأرائك، وكل منهم يحمل قلقه بطريقته.
يوسف بعصبية وهو يمشي ذهابا وإيابا:
ــ ماكنش لازم أسيبه يروح لوحده! راهب رايح لمجنونة! وإحنا قاعدين هنا بنتفرج!
رائد ينفعل:
ــ يوسف معاه حق. إحنا غلطنا لما وافقنا.
سحر دي مش بني آدمه
دي ممكن تعمل فيهم حاجه محدش يتخيلها!
أرمان يحاول التماسك:
ــ العصبية مش هتفيد دلوقتي…
لازم نهدى ونفكر بعقل. ماقدامناش حل غير إننا نستنى ونشوف راهب هيعمل إيه.
هو راح وهو عارف بيعمل إيه…
أكمل بصوت واثق:
ــ إن شاء الله يرجعوا لنا كلهم بخير…
إحنا أملنا في ربنا كبير، وهو مش هيخذلنا
عالية كانت تجلس في أحد الأركان، دموعها لا تتوقف. وجهها شاحب، وكأن الحزن يشل لسانها.
يوسف ينفجــ ــر:
أنا مش هستنى! لو تحت سابع أرض، هدور عليهم وهجبهم! مش هسيب راهب يواجه المــ ـوت لوحده
رهيفا بقلق:
ــ أكيد كلهم في خطـــ ـر دلوقتي…
ليلى، شادي، راهب. لازم نبلغ الشرطة!
يمكن يقدروا يوصلوا ليهم أسرع.
أرمان ينهض وهو يلوح بيده:
ماينفعش دلوقتي… لو سحر عرفت إن البوليس داخل في الموضوع، ممكن تتجنن وتعمل كارثة.
رائد مؤيدا:
ــ بالضبط… بس ده مايمنعش إننا نتحرك
مش لازم نقف متكتفين
يوسف بعزم:
ــ أنا اتحركت خلاص…
كل رجالتنا بداوا يدوروا في كل اماكن سحر!
أكمل بحكمة:
ــ بس خلوا خطواتكم محسوبة. قدام ناهد وشهد لازم نكون ثابتين. ناهد حالتها لسه هشة… لو دخلت في أزمة تاني، مش هنضمن تطلع منها إزاي.
في الزاوية، كانت عالية ما زالت صامته
دموعها تنزل بصمت، لكن عينيها بدأت تلمع بشيء مختلف… كأنها أخذت قرار. رفعت رأسها ببطء ونظرت نحو يوسف تحديدا، نظرة طويلة
ثابتة مليئة بالرجاء والرسالة المخبأة؟!
يوسف، وسط غضبه، التقط النظرة. اتجمد لحظة عينيه ثبتت في عينيها، وكأنه فهم كل شيء بدون ولا كلمة. ما اتكلمش
بس هز رأسه بخفة…
لمحة خفية ماحدش لاحظها غيرهم!
انخفضت عينا عالية من جديد، ومسحت دموعها وعادت لسكونها… لكن جواها كانت العاصفة بدأت!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|مع شروق شمس اليوم التالي|
كانت سحر تتحدث عبر الهاتف من على متن السفينة تطل على البحر بعينين ممتلئتين بالخبث
بصوت منخفض:
ــ ايه الأوضاع عندك ؟
الصوت الآخر بقلق واضح:
ــ الجوال متوتر جدا… يوسف أمر رجاله يفتشوا كل مكان. ما سابش حته إلا وبعت حد فيها
شكله ناوي يقلب الدنيا
سحر تضحك بخبث:
ــ خليه يدور زي ما هو عايز… عمره ما هيخطر على باله إننا في مكان مايعرفش حتى إنه موجود.
الصوت الآخر:
ــ بس باقي فلوسي… تكون في حسابي
وبالعملة الصعبة. يعني بالدولار
المحلي ده ما بحبوش
سحر بنبرة واثقة:
ــ اطمن… هتاخد اللي أنت عايزه وزيادة كمان
بس راكان لازم يكون عندي.
الصوت الآخر:
ــ خروجي بيه هيكون صعب…
بس مش مستحيل.
سحر حازمة:
ــ بلغني أول بأول…باي حركه تحصل، مفهوم؟
الصوت الآخر:
ــ تمام.
ينهي المكالمة ويخفض الهاتف
ثم يستدير… ليجد شهد واقفة خلفه
ملامحها مصدومة، والدهشة تملأ عينيها
شهد بهمس من بين الصدمة:
ــ إنت… إنت متفق مع سحر؟
يرتبك، يتقدم ناحيتها خطوة بخطوة…
عينه تراقب موقعها
هو بصوت كاذب:
ــ شهد، اسمعيني..
ثم يقترب منها مرتبكا، وعيناه تتجهان للسلم خلفها يبتسم فجأة ابتسامة باردة… ويدفعها
تتدحرج شهد من على الدرج، وجسدها يصطدم بقوة بالسلالم، قبل أن تقع على الأرض بجانب طاولة خشبية اصطدم رأسها بها بقوة!
صــ ـرخة مدوية تقطع سكون الفيلا…
الجميع يسمعها؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|على سطح السفينة |
يجلس البير على كرسي فاخر، ملامحه جامدة كأنها منحوتة من جليد، يضع ساقا على الأخرى
أمامه راهب وليلى المقيدين، أجسادهم متعبة وأنفاسهم مرهقة. سحر واقفة بجانبه، نظرتها لا تخلو من مكر متوهج
البير بصوت لين يحمل تهديدا مغلفا بالعقلانية:
ــ أنا قلتلك يا أرناط… قدامك فرصة أخيرة
سحر أقنعتني إنك مكسب كبير لينا…
بعقلك، بعلمك وبخبرتك.
وجودك معانا مش بس هيرجعك لمكانك
ده هيخلينا نملك العالم… بس ليلى؟
نقطة ضعفك الوحيدة… ودي ماينفعش تبقى موجودة.
يصمت للحظة، يقترب بنظره من وجه راهب كأنه يقرأ أعماقه:
ــ الغلطه اللي انت عملتها انا هسامحك عليها وترجع تابع للمنظمه زي ما كنت،ونقطه ونبدا من اول السطر
راهب يبتسم بسخرية، وفي عينيه نور التحدي:
ــ كنت غافل… وفاق خلاص. مستحيل أرجع تاني للطريق ده.
البير يبتسم ابتسامة باهتة، باردة كالمـ ـوت:
ــ المستحيل ده انت عملته، فاكر لما دخلت المنظمة؟ خدت رصــ ـاصة بدالي… أنقذت حياتي…
المنظمة من يومها فتحتلك أبوابها وعشت الحلمك!
راهب بعين ثابتة وصوت متهدج بالإصرار:
ــ وكانت دي… أكبر غلطة في حياتي.
البير ينهض لأول مرة
ملامحه تشتعل بالغضب المكتوم:
ــ يا خسارة يا أرناط…
ماكنش لازم تختار المــ ـــوت.
ينظر إلى سحر بنظره سريعة ثم يغادر المكان خطواته تختفي في ممرات السفينة
ويترك سحر وحدها مع فريستها.
راهب في هذه الأثناء، يحاول ببطء تحريك معصمه ويقطع الحبال بسكـــ ــينه صغيره كانت معه
يحاول قطع الحبال بهدوء دول لفت انتباه
أما ليلى… فتقف بصمت، كأنها جسد دون روح، نظراتها خاوية، وفمها متيبس من الرعب…
تتقدم سحر ببطء نحو راهب، خطواتها أنثوية متعمدة، تقف أمامه وتهمس بصوت ناعم، عينيها تتلألأ بشر:
ــ متبقاش غبي يا راهب…
البير هيقتـــ ــلك… بس معايا؟
هضمنلك حياتك… هديك اللي نفسك فيه
يرفع راهب عينيه ببطء، ثم يبتسم باستهزاء:
ــ مشكلتك إنك شايفة نفسك ست… وانتي مجرد حشره مقرفه حتى جزمتي تقرف تدوسك!
تتغير ملامح سحر في لحظة…
كأن شيطان دخل عينيها
تصــ ــرخ وتندفع تمسك ليلى من شعرها بقوة وتجذبها أمام راهب، وتضع وجهها أمام وجهه
بصراخ حاد:
ــ عنيك… مش بتشوف ست غيرها صح؟!
راهب ينتفض ويصـ ــرخ بانفعال
وهو يرى ليلى تتألم بصمت
وجهها مشدود ودموعها على وجنتيها:
ــ ارفعي إيدك عنها يا سحر! لو لمستي شعرة منها…
هقتـــ ــلك بإيدي!
سحر تضحك بجنون وهي تضغط على شعر ليلى:
ــ حاضر… هرفع إيدي!
ثم فجأة، تدفع ليلى وهي مقيدة!
يصـــ ــرخ راهب بأعلى صوته:
ــ لييييييلى!!!
تسقط ليلى في مياه البحر، صوت اندفاع جسدها يخترق قلب راهب قبل أذنه…لحظة واحدة، لكنها مزقت كيانه
وسحر؟
تضحك بجنون، كأنها تتلذذ برؤية وجعه!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ارناط)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *