روايات

رواية الماسة المكسورة الفصل الخامس والسبعون 75 بقلم ليلة عادل

رواية الماسة المكسورة الفصل الخامس والسبعون 75 بقلم ليلة عادل

رواية الماسة المكسورة البارت الخامس والسبعون

رواية الماسة المكسورة الجزء الخامس والسبعون

الماسة المكسورة
الماسة المكسورة

رواية الماسة المكسورة الحلقة الخامسة والسبعون

[بعنوان: لحظة غضب]
همست كأن صوتها يخرج من قاع بئر: سليم مش قادرة، حاسة إني بموت ألحقني يا سليم.
ثم إنهارت في حضنه بلا حراك.
شهق سليم من شدّة الصدمة، وصرخ بإسمها وهو يضمها إليه بقوة: ماسة!
حملها بين ذراعيه وهو ينظر من حوله، لم يكن هناك مكان يصلح لإسعافها وسط الفوضى، فأتجه بها إلى غرفته، ووضعها على الفراش، ثم أسرع إلى زجاجة العطر، بدأ يرش على وجهها، لكن ملامحها لا تتحرك. أقترب منها، أمسك نبضها، كان بطيئًا، يكاد يتوقف.
صرخ وهو يركض إلى الباب: سحر! مكي! تعالوا بسرعة!
دخل الاثنان في ذعر أشار إلى مكي بسرعة: هاتلي دكتور دلوقتي حالًا!
ثم ألتفت إلى سحر وصاح بها بخوف: روحي أعملي مية بسكر بسرعة!
عاد إلى ماسة، احتضنها بقوة، ضرب على خدها بلطف، وصوته يرتجف: ماسة فوقي، وحياتي فوقي! فتحي عيونك خليكي معايا علشان خاطري ياماسة خليكي معايا.
كانت عيناها تتحركان تحت الجفون، لكنها لا تستجيب، أسرعت سحر بالمياه، فبدأ سليم يضع قطرات منها على فمها المرتجف.
سليم بلهفة وعيناه تترقرق بدموع الخوف وصوت يهتز: علشان خاطري، اشربي حاجة بسيطة يلا خليكي معايا افتحي عينيك يلا.
رمشت ماسة بعينيها فتحتها، ببطء شديد، ثم بدأت تستعيد وعيها تدريجيًا، شربت القليل، ومالت على صدره، بينما هو يربت عليها بذراعيه المرتجفتين.
رفعت عينيها إليه، وهمست بصوت خافت: شوفت؟ إنك إنت إللي كذاب.
لم يرد، لم يعلّق بكلمة فقط ظل ينظر إليها كمن يرى شبح خطيئته، وهي لم تستطع التحدث أكثر، فقط ظلت بين أحضانه، فهذا ملجؤها، كرحم الأم لجنينها.
وبعد وقت قليل دخل الطبيب ومعه مكي، وبعد الفحص بدت ملامحه قلقة قليلاً.
الطبيب: أنا هعلقلها دلوقتي محاليل، هي ضعيفة جدًا، واضح إن بقالها فترة طويلة ماكلتش.
سليم بنبرة حزينة: هي بقالها تلات أيام يا دكتور مش بتاكل.
هز الطبيب رأسه بأسى: لازم تاكل كويس، النهاردة هنكتفي بزبادي مع المحاليل، وبكرة نعمل لها الأكل إللي بتحبه، مفيش أي ضغط عصبي، ولا زعل.
سأل سليم بقلق: يعني كويسة؟ مش لازم مستشفى؟
الطبيب بثقة: لا، مش محتاجة تروح المستشفى، هنعلقلها المحاليل هنا.
بدأ الطبيب في تجهيز المحلول، فيما كانت ماسة تتأرجح بين الوعي واللاوعي، كانت تشعر بأشياء تدور من حولها، ويغيب عنها بعضها الآخر، راح الطبيب ينظّف الجرح الذي يغطي ذراعها، جرح خلفته الفوضى التي تسببت بها، لم يكن عميقًا على نحو مقلق، لكن كان لا بد من تطهيره ووضع بعض الشاش عليه. بينما سليم، لم يتركها لحظة، يحتضنها وكأن العالم من حوله ينهار، وعيناه تغصّان بدموعٍ لم يجد وقتًا ليمسحها، كم يحبها،كم يعشقها لكن الألم الذي تسببت به جعله لا يعرف إلا أن يكون مؤذيًا دون قصد، إنتهى الطبيب وغادر الغرفة، ومضت بضع دقائق تخللتها همسات الصمت والقلق.
بدأت ماسة تُحرّك جفونها ببطء، تفتح عينيها وتغلقهما كمن يعود من غيبوبة طويلة، كان رأسها مستندًا إلى صدر سليم، وذراعها تحيط بخصره،
بينما هو يحتضن ظهرها بإحدى ذراعيه، ويمسك يدها باليد الأخرى، كأنهما يتشبثان ببعضهما خوفًا من الفقد من جديد.
ماسة بتعب وصوت يخرج بصعوبة: حاسة إن روحي بتتسحب مني، تعبانة أوي.
أجابها سليم وهو يربّت على كتفها بحنان، وهو ما يزال يحتضنها ويسند رأسه على أعلى رأسها بحنان: ماتقوليش كده، إنتِ بس عشان ماكلتيش غير قطعة الشوكلت من أيام، لما المحلول ده يخلص هاتلاقي نفسك بتتحسني ارتاحي ماتتكلميش كتير، سلامتك.
رفعت عينيها إليه، وابتسمت بخفوت، ثم وضعت يدها على يده، حرّكتها برقة وقالت: علشان تعرف إنك بتحبني، وكل إللي بتعمله ده من ورا قلبك.
نظر سليم لها بعينه وقال بنبرة ثابتة: ماتتكلميش دلوقتي ارتاحي.
في تلك اللحظة، دخل مكي ومعه سحر، تحمل صينية عليها زبادي بالفاكهة، بينما كان مكي يحمل شنطة بلاستيكية بها بعض الحلويات، وخلفهما حارسان يحملان ثلاجة صغيرة (بار)
أشار سليم بيده: حطّوا التلاجة دي هنا وأطلعوا برّه… سحر بعد مايخلصوا حطي إللي مكي جابه في التلاجة.
مكي بصوته المعتاد: أنا جبت كل الحاجات إللي إنتَ قلتلي عليها، ألف سلامة عليكِ يا ماسة.
ماسة نظرت له بتعب: الله يسلمك دققت النظر في ملامحه: هو وشك عامل كده ليه؟
مكي وهو يزم شفتيه: ماتشغليش بالك، سليم، أنا تحت، لو فيه حاجة ناقصة كلمني، سلامتك يا ماسة مرة تانية.
هزّت ماسة رأسها بصمت. إنتهى الحراس من وضع الثلاجة، بينما اعتدل سليم من جلسته أخذ الصينية من يد سحر، وقال لها: روحي إنتِ بقى أعملي إللي قولتلك عليه… أنا هأكلها.
جلس بجوارها وهو يمسك الزبادي: أنا جبتلك زبادي بالخوخ زي مابتحبي، يلا أفتحي بقّك.
أشاحت بوجهها: مش هاكل.
سليم عقد حاجبيه: يعني إيه مش هتاكلي؟ أسمعي الكلام، يلا.
نظرت له ماسة ابتسمت بتعب: هو إنتَ عايز تأكلني زي خروف العيد عشان أسمن؟ وتذبحني عالعيد؟
سليم بنصف ابتسامة: لا، إنتِ مش خروف العيد، إنتِ ممكن تكوني بقرة العيد.
ضحكت ماسة بخفة: على فكرة بقى بقرة العيد زي القمر، أنا كنت بحبها، كنت بلعب معاها زمان.
لم تتغير ملامح وجهه، ظل ثابتًا رغم الحنان الذي يحيط بها، والخوف الذي يسكن عينيه كعشق خان صاحبه لكنه تماسك بكل ما تبقى له من صلابة كاذبة أمامها.
سليم بنبرة خافتة: طب يلا كلي.
فتحت فمها أخيرًا وأكلت الملعقة، اقتربت سحر بابتسامة: أنا حطيت الحاجة في التلاجة، محتاج حاجة تاني يا سليم بيه؟
سليم: لا، روحي إنتِ
خرجت سحر بإبتسامة وهي تتمتم: ربنا يهديكم يارب ويصلح بينكم.
نظرت ماسة حولها: بس دي مش أوضتي، طبعاً جايبها لنفسك؟
تنهد سليم وهو يمد يده بالزبادى: هاتقعدي هنا لحد مانوضب الأوضة تاني لإنك خربتيها على الآخر.
ماسة نظرت له بخوف ابتلعت ريقها: يعني هاتحبسني تاني؟ (توسلت )عشان خاطري يا سليم كفاية لو أنا قسيت ماتبقاش زيي خليك أحسن خليك إنت الحنين.
نظر لها بصمت للحظات أخرج أنفاسه، هز سليم رأسه نافياً: من غير تحايل، موافق بس أتمنى تلتزمي وماتطلبيش أكتر من كده.
ماسة بتنهيدة: طب أنا هشوف بابا وماما وإخواتي إمتى؟
سليم بحزم: أنا قولت إيه؟!
سكتت، فكرت إن طلبت المزيد الآن قد يغضب، هي تريد هذه اللحظة فقط، ربما بعد الأسبوع تأخذ أكثر، فهي تعرف سليم، لا يستطيع القسوة طويلًا، وهذا ماتأكدت منه تعرفه عن ظهر قلب وتثق في محبته.
ماسة بهدوء تبسمت: بس أنا متأكدة إنك لسة بتحبني، وأكتر.
سليم ببرود: أنا عملت كده إنسانيًا علشان العِشرة، إحنا بينا سنين.
ماسة بمهاودة: أيوه، أنا عارفة، إنسانية لكن إنت لسة مش طايقني.
سليم بحسم وهو يمد يده بالزبادى: يلا كلي
أطعمها بيده حتى أنهت طعامها لم يتبادلا الحديث ثم ساعدها لتستريح قليلًا، وحين نهض، أمسكت يده ووضعت رأسها على صدره، أحاطت بذراعها حول خصره، كانت أنفاسها تلامس رقبته، فتذيب كل مقاومة داخله، دفعه ذلك للجلوس مرة أخرى، وأحاطها بين ذراعيه، قرّبها من قلبه كان داخله صراع بين الاشتياق والغضب، هل يبتعد وينفر، أو يقترب ويذوب.
أوهم نفسه بأنها إنسانية وعِشرة… لكنه كان يعلم، في قرارة نفسه، أنها العِشق، ولا شيء سواه.
ظل سليم معها باقي اليوم، حتى بدأت ماسة تأكل شيئًا فشيئًا، زبادي، ماء، عصائر، فتح لها اللابتوب لتشاهد بعض المسلسلات،
وفي الليل.
كانت ماسة ممدّدة على الفراش، تمسك واللابتوب وتشاهد أحد الأفلام، بينما كان سليم يجلس إلى جوارها، يقرأ في كتاب بصمت، بعد دقائق نظر إلى ساعته، تنهّد بهدوء، أغلق الكتاب، ثم بدا وكأنه يهمّ بالنهوض.
سليم وهو ينهض: أنا هروح أنام، عندي اجتماع مهم بكرة، وهاسافر وهاجي متأخر..
تابع برجاء حازم:
لو سمحتي، ماتعمليش مشاكل، هاسيب معاكي مكي وعشري وراوية، واللابتوب أهو، اتفرجي زي ما إنتي عايزة، بس ماتحاوليش تنزلي أي تطبيق تواصل، علشان أنا مسحت كل البرامج، ومفعل خاصية تخليكي ماتعرفيش تتكلمي مع حد، ممكن تنزلي تحت تتفرجي على التلفزيون أعملي إللي إنتي عايزاه خلاص أنا عايز أركز في شغلي يا ماسة، مش عايز وأنا هناك ألاقي سحر بتقولي إنك عاملة مشاكل: هي بكرة هتعملك كل الأكل إللي بتحبيه تكليه كله، مفهوم؟
ماسة بتردد: ماشي بس ممكن ماتسيبنيش لوحدي النهاردة، خايفة يحصللي حاجة.
اقترب منها بلهفة، تحسس وجهها قال: مالك إنتي كويسة طب حاسة بحاجة؟
ماسة بإستعطاف: تؤ بس خايفة، خليك معايا النهاردة بس وحياة الإنسانية.
رفع سليم عينه لأعلى يتنهد: طيب
سألت بخفة: هو أنت أصلا كنت هاتنام فين؟
سليم وهو يخلع جاكيت البدلة: الفيلا فيها أكتر من أوضة، هروح أخد حمام.
دخل الحمام، أخذ حمامًا سريعًا وارتدى ملابس منزلية، ثم عاد بغطاء ومخدة، وضعهم على الكنبة. تبسمت ماسة وهي تشاهده ينام هكذا.
إنتبه سليم لها وتساءل: بتضحكي ليه؟!
ماسة بإبتسامة هادئة ممزوجة بحزن: أفتكرت زمان، لما كنت بتزعلني، كنت بتعاقب نفسك إنك تنام بعيد، حتى أنا كنت بعمل كده، أكيد إنت بتكرهني صح؟
سليم دون أن يرفع عينيه: مش بكرهك، بالعكس الإنسانية هي إللي مخلياني أتعامل معاكي كده لحد دلوقت.
ماسة بنبرة مكسورة: حبستني ثلاث أيام، كنت بتعاملني كأني جارية عندك، كأني خدامة، كأني عملت جريمة وخنتك مثلاً، بتسمعني كلام سم، يكسر القلب، وكل ده وبتقولي إنك بتتعامل معايا بالإنسانية؟ أمال لو كنت بتكرهني ومابتتعاملش معايا بإنسانية، كنت عملت فيا إيه؟
سليم بصوت خافت بنظرة حادة: كنت هعمل كتير، كتير أوي، إنتِ ماشفتيش غير نقطة من الحقيقة نقطة من الجحيم.
نظرت إليه طويلاً: هو إنت ليه عايزني أشوفك في صورة مش حلوة؟
أجاب بعينين غائمتين: عشان دي الصورة إللي أنا بقيت عليها بسببك، دي الصورة إللي تستاهلي تتعاملي بيها، أنا مش عايز أتكلم في الموضوع ده، قلتلك أنا مابقيتش بحبك، ولا عايزك في حياتي، خوفي عليكِ، وخضّتي مشاعر إنسانية، مبنية على عشرة، أنا كنت في يوم بحبك، بس دلوقتي لأ، طبيعي لما أشوفك تعبانة، أجري عليكِ، لو أي شخص في مكانك كنت هعمل كده.
ثم صمت لحظة، وسألها بنبرة مستفزة غاضبة لكن نبرة هادئة: هو إنتِ فارق معاكي أصلاً بحبك؟ أو لا؟ اقترب منها منزعجًا بشدة:
أنا عايز أفهم إنتِ متضايقة ليه؟ علشان أنا دلوقتي مابقيتش عايزك؟ مش إنتِ إللي كنتِ مش عايزاني؟ مش إنتِ اللي كنتِ عايزة تطلقي؟ مش إنتِ فعلاً اللي هربتي وسبتيني؟ حتى مافكرتيش فيا، إنتي عايزة إيه؟ ولا إنتي بتحبي تشوفيني موجوع؟ بتحبي دايمًا تشوفيني مذلول ليكي ولحبك؟ ولما أتمرد عليه وأرفضه وأحط كرامتي سور بيني وبين حبّك الملعون ده ساعتها تزعلي؟ وتعملي إللي بتعمليه دلوقتي؟ وتشتغلي في اسطوانات الاستعطاف، أنا بحبك إنت السبب، تهديدتك السبب، كنت زمان بصدقك، بس دلوقتي لا هصدقك ولا هسمعك حتى
أضاف بمرارة:
إنتِ لولا إني بعتلك إسماعيل، وجبتك، ماكنتيش هترجعي يا ماسة، إنتي تخليتي عني، إنتي واحدة مش عايزاني في حياتها وأنا كمان مش عايزك، بس مش إنتي إللى هتكتبي النهاية أنا إللى أقول إمتى تمشى وإمتى النهاية فاهمة..
مرر عينه عليها بإشمئزاز:
عارفة يا ماسة؟ أنا كل يوم بتعصب منك أكتر، وبشوفك بصورة أوحش بكتير وبندم على كل لحظة حبيتك فيها، لازم تفهمي إنت هنا مجرد واحدة بتقضي مدتها، مدة عقابها إنتي زيك زي الفازة، زي البرواز، زي الكرسي مش أكثر من كدة مفهوم.
تركها وغادر الغرفة وأغلق الباب بشدة حاولت أن تنهض لكنها شعرت بدوار، وكأن روحها تنسحب منها شيئًا فشيئًا. أعادت رأسها إلى الوسادة، ويداها تمسكان رأسها، فالدنيا تدور بها وترى سوادًا أمام عينيها. حاولت التنفس، وقالت في نفسها ودموعها تنزل على وجنتيها:
هتعرف كل حاجة يا سليم قريب، عارفة إن من حقك تعمل كده، من حقك تزعل وتغضب وتقول إللي بتقوله حتى لو كان بيوجعني أنا مش هزعل منك، حتى لو زودتها، حتى لو جرحتني بكلامك، لإن قلبي حاسس إنك مش قاصد، وإنك ندمان دلوقتي، بس الجرح منعك تعتذر، أنا إللي عملت كده، بس والله العظيم ما كان بإيدي، غصب عني يا سليم، غصب، وإنت كمان غلطت، كنت مستنية منك تقول الحقيقة ياريتك قولت، والله كنت هسامحك، هسامحك من قلبي، وعد بس أطمن عليهم وتأكد ان رشدي بعيد عنهم وهقولك وأزيح من على قلبي كل ده.
بينما سليم هبط إلى الحديقة، توقف للحظة، وأخذ أنفاسه المكتومة بصعوبة، كان قلبه يتلوى من الألم، كأن وجعه لا يريد أن يغادر صدره، دفن وجهه بين كفيه، محاولًا قدر المستطاع أن يخمد ذلك الحنين المتقد، وذاك الحب الذي ما زال يسكن داخله رغم كل شيء.
مضى وقت، ثم عاد إلى الداخل. توجه بصمت عبر الممر المؤدي إلى غرف الخدم، وطرق الباب بخفة. فتحت له سحر بعد لحظات، وكانت تبدو ناعسة.
سحر: سليم بيه خير؟
سليم بتهذب: معلش يا سحر، أطلعي نامي مع ماسة، ما تسيبيهاش لوحدها.
سحر: عينيّا يا بيه.
سليم: أنا مش هنام، هقعد في المكتب لو احتجتوا حاجة كلموني والصبح، حضّري لها أكل كويس، علشان أنا مش هكون موجود. هرجع متأخر، فاعملي لها كل إللي هي بتحبه، إنتِ طبعًا عارفة.
سحر بفرحة: عيوني.
سليم: وسبيها، يعني لو حبت تنزل تقعد في الجنينة تحت خلاص، بس ممنوع تخرج من على البوابة، وممنوع تستقبل حد. كدة كدة أنا هنبه على الحراس. لو حصل أي حاجة، كلمي مكي فورًا، مكي هيكون موجود بكرة.
سحر: أمرك يا بيه، تحب أعملك حاجة دلوقتي؟
سليم لا يا سحر، شكرًا. تصبحي على خير.
إتجه سليم إلى المكتب، جلس على المقعد الأمامي، مد يده يتحسس قدمه التي تؤلمه بصمت ثم ضغط على معدته قليلًا وكأن الألم انتقل إليها، فتح الدُرج، تناول أحد المسكنات، ثم أسند ظهره إلى المقعد بتعب ظاهر.
بدأ عقله يتقلب بين الأسئلة والألم، كل شيء أنقلب فجأة حياته، زواجه، البيت الذي بناه على أمل أن يحتضنهما، صار الآن مجرد جدران باردة.
تمتم لنفسه بصوت خافت مليئ بالوجع:
يمكن أنا ماستحقش الحب، ولا استحق أن حد يفضل معايا، أمي ماحبتنيش، كانت رمياني هي هتحبني ليه؟ هتحب تفضل معايا ليه؟! أمك محبتكش محبتكش.
مسح دموعه التي خذلته فجأة، وتلك الغصة التي شقت قلبه دون رحمة، حاول أن يتمالك نفسه، أن يحبس دموعه وإنهياره، أن يكتم كل ما يؤلمه، لكنه لم ينجح إنهار فجأة وأزاح بقوة كل شيء على المكتب.
_________💕بقلمي_ليلة عادل💕________
في اليوم التالي…
استيقظت ماسة على الظهر نهضت وتحركت نحو الباب وجدته مفتوحاً، ترددت للحظة، ثم خرجت من الغرفة، تحركت في الممر الطويل بهدوء حتى وصلت لأسفل الدرج، لمحها سليم من التابلت وهو في سيارته التى تتحرك على الطريق.
دخلت المطبخ، فرفعت سحر نظرها وقالت بدهشة:
ما شاء الله، إنتِ النهاردة زي الوردة، بس وردة دبلانة.
ابتسمت ماسة وقالت وهي تحاول أن تدور حول نفسها: بالعكس يا سحر دي وردة بترقص في عيد الربيع! أنا مبسوطة أوي اقسم بالله كنت هطق.
سحر وهي تجهز كوب اللبن: قلتلك، سليم بيه مش هايهون عليه، هو بيحبك، بس زعله جامد شوية، إمبارح كان بيلف على أوضتك طول الليل، وكل شوية يكلمني ويسأل عليكي.
قاطعت ماسة كلامها بتأثر و عين دامعة:
أنا عارفة يا سحر، عارفة إنه بيحبني، وأنا، والله العظيم، بحبه أوي ده حتة من روحي.
قدّمت لها سحر الكوب: خدي أشربي ده، فيه عسل، لحد ما أحضّرلك الفطور.
ماسة وهي تجلس: شكراً يا سحر، بدأت تحتسي
سحر برجاء: لا قوليلى يا دادة زي إمبارح طالعة من بقك حلوة عشان مش هقدر أقولك قولي لي يا ماما
ماسة بلطف: طب أنا بقى هقولك بعد كده يا ماما سحر، لعلمك أنا والله بحبك جداً.
سحر: ربنا يخليك يا ستي، وأنا والله بحبك جداً ومش عايزاكي تزعلي مني كان غصب عني والله يا بنتي.
ماسة: عارفة ماتعتذريش.
تساءلت سحر بحرج: طب، مدام بتحبي سليم بيه كدة ليه؟ زعلتيه؟
ماسة بحزن وهي تزم شفتيها: أحيانًا… الواحد بيعمل حاجات غصب عنه، والله ما كان قصدي أزعله.
سحر: طب استني لما ييجي بالليل، واتكلمي معاه.
ماسة: طب بقولك إيه، ما تديني تليفونك؟ أكلم ماما أطمنها.
سحر بإرتباك: والله يا ريت، بس، ده حلفني ومخوّفني. قال لي لو فكرتي تديها تليفونك، أنا مش عارف ممكن أعمل فيكي إيه. وقاللي بالنص: هسيب خيالك يتوقع.
ماسة بإستغراب: سليم قالك كده؟
سحر: آه، والله.
توقفت ماسة: طب خلاص، بقولك إيه، أعمليلي كل أكلة أنا بحبها، أنا جعانة أوي.
سحر: عيوني.
ماسة: خلاص وأنا مستنية يا ماما سحر هطلع برة بقى علشان أتفرج على المسلسلات.
تنقلت ماسة في أرجاء الفيلا، تكتشفها لأول مرة. جلست في الحديقة قليلًا، ثم عادت لتشاهد التلفاز في غرفة المعيشة. كانت غرفتها ما تزال تحت الترتيب من قِبل الحرّاس.
تناولت الإفطار والغداء، وكانت صحتها أفضل بكثير.
وحين أتى المساء
كانت ماسة مستلقية على الأريكة، مندمجة في مشاهدة أحد الأفلام، حين دخل سليم:
سليم: مساء الخير.
رفعت عينيها إليه: مساء النور.
سليم بإهتمام: عاملة إيه دلوقتي؟
ماسة: الحمد لله.
سليم: أكلتي؟
ابتسمت ماسة بخبث: يعني… إنت مش عارف؟
سليم متعجباً: وعرف منين؟
ماسة تبسمت لا تريد ان تعرفه إنها عرفت بالكاميرات قالت: أكلت كتير جدًا، الحمد لله.
سليم وهو يدقق النظر بها: شكلك أفضل النهاردة الحمدلله… تصبحي على خير.
ماسة توقفت ونادت: سليم، ممكن أكلّم ماما؟
سليم وهو يعطيها ظهره بالقطع: لأ.
تحرك نحو غرفته بصمت. غيّر ملابسه، ثم عاد ليأكل بصحبتها على الطاولة. لم يتكلما. الصمت كان يحكم المكان. أرادت أن تتحدث… لكنها اختارت الصمت. لا تدري لماذا.
بعد العشاء، اتجه كل منهما لغرفته.
لكن ماسة لم تنم
كانت في غرفة سليم، تتنقل بلا هدف، وهو يشاهدها من كاميرات المراقبة على التابلت. شعر أنها تفكر في شيء. وفعلاً… كانت تفكر.
ماسة وهى تتحرك قالت في نفسها: أكذب وأقول إني تعبانة؟ لأ، شكلي زي القرد، أقول في صرصار؟ لأ، عارف إني ما بخافش، لازم ينام هنا، علشان أسرق التليفون اعمل ايه؟!
هقول فار! آه، فار.
فجأة، صرخت ماسة بصوت عالي: سليم! سليم! الحقني!
إنتفض سليم من مكانه، ركض نحو غرفتها:
إيه فيه ايه مالك؟!
ماسة بفزع وهي تتوقف على السرير: فـ… فار!
رفع سليم رجله وهو يتلفّت بخوف: فين؟!
ماسة بخوف: جري مش عارفة.
سليم وهو يشير بيده: مفيش فيران هنا يا ماسة، دي تهيؤات.
ماسة تحاول استعطافه بدلال طفولي: أنا مش هنام هنا لوحدي!
سليم: خلاص، تعالي في أوضة تانية.
ماسة بدلالها المعتاد: طب خدني، أنا خايفة أنزل لوحدي.
زفر سليم بتعب رفع عينه لأعلى للحظات ثم تحرك اقترب منها، رفعها بين ذراعيه وتحرك بها، كانت تبتسم، لم تكن خائفة، بل سعيدة بقربه، وهو أيضا كان يشعر بأن قلبه يخفق بذلك القرب رغم تمثيله الجاف.
دخل بها غرفة أخرى.
أنزلها سليم في المتتصف وهو يقول: نامي هنا لحد ماشوف موضوع الفار ده.
أمسكت ماسة يده: رايح فين؟ ماتسيبنيش. نام معايا هنا النهاردة!
سليم: لا هابعتلك سحر.
ماسة: حرام عليك، سحر أكيد نايمة، وبعدين تعبت معايا النهاردة. نام على الكنبة، وأنا على السرير.
سليم برفض: لأ، ضهري واجعني.
ماسة برجاء: خلاص، ننام جنب بعض، ونحط مخدة في النص! إنسانيًا يا سليم، مش إنت بتقولي بنتعامل عشان الإنسانية والعِشرة؟ لو سمحت.
نظر لها سليم، تفحّص وجهها، شعر أنها تمثل، أنها تريد أن تفعل شئ يعرفها، يفهمها.. فوافق لكي يكتشف ذلك
هزّ رأسه موافقاً: حاضر.
تبسمت وتمددت على الفراش، بينما بدّل ملابسه، تمدد بجانبها، كل منهما في جانب، ومسافة تفصل بينهما.
مرّ وقت، ثم قالت ماسة بتمثيل: سليم نمت؟
لم يجب. أغلق عينيه بقوة، يمثل النوم.
ماسة: سليم؟
اقتربت منه، لمست خده، سكون.
تأكدت أنه في نوم عميق، نهضت بهدوء، أخذت الهاتف من على الكومودينو، دخلت الحمّام، فتحت الماء، واتصلت بـ سلوى.
سلوى بضيق: عايز إيه؟!
ماسة بصوت خافض: سلوى؟ أنا ماسة… إنتِ كويسة؟
سلوى بسعادة حزينة: يا حبيبتي! إنتِ عاملة إيه؟ طمنيني عليكي!
ماسة: أنا بخير، ماتقلقيش. طمنيني إنتو كويسين؟ قبل أن تكمل حديثها وتسأل عن رشدي؟
فجأة فتح الباب بعنف، دخل سليم، خطف الهاتف من يدها، وأغلق الخط.
نظر لها نظرة باردة للحظات بينما هي بخوف أخفضت عينيها لأسفل، لم يتحدث سليم بل تحرك ليرحل دون كلمة.
ماسة: لو سمحت، أنا عايزة أكلمهم، لو سبتني أكلمهم هقول لك هربت ليه.!
ألتفت لها سليم: وأنا مش عايز أفهم إنتِ هربتي ليه.
عقدت ماسة حاجبيها بتعجب: إزاي يعني؟!
سليم وهو يرفع كتفه: زي الناس واسمعي لو ده حصل وسرقتي تليفوني أو طلبتي تتكلمي من تليفون سحر صدقيني هتخليني أعمل حاجة خيالك مش هايتصورها
ماسة بإنزعاج: ما تبطل بقى أسلوب التهديد بتاعك ده.
تبسّم سليم ابتسامة جانبية موضحا: لا لا أنا المرة دي مش بهددك أنا بفهمك وعلى فكرة المرة دي هنفذ يا ماسة.
ماسة بحزن: إنت مابقاش عندك قلب ليه؟!
سليم بنبرة باردة بعين لا ترمش: لآخر مرة بقولها لك إحذري مني يا ماسة أنا هعتبر إللي حصل ده كأنه ماحصلش وهديكي فرصة، فرصة أخيرة وأديكي شفتي قدرت أقعدك ثلاث أيام وأقدر أقعدك أكثر أنا ما بقتش سليم بتاع زمان بصي جوه عينيا مش هاتلاقي صورتك مش هقول لك ثاني إنتي مش أكتر من واحدة بتقضي مدتها هنا زيك زي الكرسي زي البرواز زي أي أنتيكة لا يمكن الأنتيكة لها أهمية عنك.
في هذه اللحظة، رنّ الهاتف، نظر لها، ثم ردّ وهو ينظر داخل عينيها كأنه يريد أن يوصل لها أنه أصبح لا يحبها وأنه بالفعل أخرجها من قلبه.
سليم بجمود: عايزة إيه؟
سلوى: عايزة أكلم أختي!
سليم بجفاء: مالكيش أخوات هنا إنتي بالنسبة لماسة موتي يا سلوى عارفة يعني إيه موتي والأموات مابتكلموش، أحسن لك ماتتصليش هنا تاني.
أغلق الخط نظرت له ماسة بغضب: إنت إزاي تكلمها كده؟!
سليم بشدة: أنا أتكلم زي ما أنا عايز. أختك دي تحمد ربنا إني سايبها… بعد إللي عملته.
تحركت ماسة وتحدثت وهي تعطيه ظهرها بتعب،: سليم كفاية، إنت مش عارف بتقول إيه!
سليم بنظر متجمدة: لأ، أنا كده، ومابقيتش زي زمان، لو عايزة أهلك مايشوفوش شر مني، خليكي عاقلة.
قال كلماته تلك وتحرك بينما ماسة أخذت تنظر لآثاره بحزن ودموع.
________💞بقلمي_ليلة عادل💞________
دبي
إحدى الشقق الفخمة الوحدة مساءً
كان عماد جالسًا في الصالون الواسع، والقلق مرسوم على ملامحه بوضوح، كل بضع ثوانٍ، عيناه تتجهان نحو شاشة الهاتف، كأنه ينتظر مكالمة أو رسالة قد تغيّر كل شيء.
ثم دوّى صوت الطرق على الباب.
نهض بخطوات متوترة، وسار نحو الباب وفتحه. وقف هناك رجل طويل القامة، يعلو وجهه ابتسامة واثقة، تنبعث منها رائحة الغطرسة إنه إريك و خلفه وقف رجاله صامتين، لا يتحركون إلا بأمره.
رحّب عماد بصوت مضطرب: سُررت بلقائك، مستر إريك، أشكرك على قبولك دعوتي.
دخل إريك دون أن ينطق، كأن دخوله أمر طبيعي لا يحتاج إلى إذن، وتبعه رجاله في صمت ثقيل، كان حضوره وحده كفيلًا بإخراس المكان.
توجه إريك بنظرة باردة إلى عماد، وقال بنبرة حاسمة: ماذا تريد عماد؟ لا تُضيع وقتي بشوقك المزيف، أخبرني بما لديك.
أشار عماد إلى المقاعد، محاولًا الحفاظ على ما تبقى من هيبته: اجلس، لنتناول كأسًا، ثم نبدأ الحديث.
لم يتحرّك إريك، ولم يبدُ عليه أنه مهتم بالضيافة، رمق عماد بعينيه السوداوين الخاليتين من الرحمة، وردّ ببرود: تحدّث، عماد. ما الذي تريده مني؟
أخذ عماد نفسًا عميقًا، ثم قال بتردد: أريد مساعدتك في التخلّص من سليم، لكن هذه المسألة تبقى بيننا، أنا أريد عرش الراوي بأي شكل، حتى لو إنتهى الأمر بأن نقضي عليهم جميعًا.
سكت إريك للحظات وهو يضيّق عينيه، ثم قال بنبرة قاتلة: وما المقابل؟!
عماد بإبتسامة: سأمنحك نسبة كبيرة في مجموعة الراوي، عشرين بالمئة.
سكنت ملامح إريك لحظة، ثم ارتسمت على وجهه ابتسامة جانبية ساخرة، وقال بنبرة مفعمة بالاستعلاء:
أنا لا أرغب في تلك المجموعة، أنا أيضًا أمتلك إمبراطورية كبيرة، مثل تلك الإمبراطورية، بل بعد مقتل أبي، أصبحت أقوى، بعدما تعاونت مع باولو.
أقترب إريك أكثر، وتابع بنبرة أكثر هدوءً:
لو كنتُ أرغب في القضاء على سليم، لفعلتُ ذلك منذ زمنٍ بعيد، منذ اليوم الذي استيقظ فيه من الحادثة، وحتى عندما علمتُ أنه نجا منها هو وزوجته وأنه فقط دخل في غيبوبة.
ثم أضاف، وقد أنخفض صوته حتى أصبح أقرب إلى الهمس، بينما ازدادت نظرته اضطرابًا ورهبة:
لكن اسمعني جيدًا عماد، أنا وسليم لسنا خصمين عاديين، ولدينا صفات مشتركة، نحن لا نحارب كالبشر العاديين، نحن إن أردنا أن نُسقط أحدًا، نسحب روحه دون أن نلمس جسده لا نقتله، بل نبعث ضحايانا إلى الجحيم وهم أحياء، نتركهم يتعذّبون وهم على قيد الحياة، يتآكلون من الداخل، نطعنهم في أغلى ما يملكون، ونجعلهم يتألمون كل يوم، نستمتع برؤيتهم وهم يعيشون في الخوف، في الشك، في الحيرة..
توقّف لحظة، ثم قال بنبرة ساخرة:
للأسف هو لا يزال يبحث عمَّن تسبب له بتلك الحادثة، ولا يدرك أن الجاني يعيش معه تحت سقفٍ واحد: شقيقته الصغرى وزوجها، وليس هذان فقط من اقترفا ذلك، بل إن والدته وشقيقه الآخر أيضًا كانوا يريدون مقتل زوجته.
تراجع عماد خطوة إلى الخلف، وبدت عليه علامات الصدمة: لكنه لم يمت، لا هو او زوجته!
إريك بهدوء قاتل: نعم، لم يمت، لكنه أصبح عاجزًا، لا يستطيع الركض، لا يستطيع أن يكون أبًا، لا يستطيع أن يعود كما كان، حياته أصبحت على شفا الإنهيار وهو لا يعلم من أشعل الحريق.
تابع، ونبرة الحقد والتشفّي تتصاعد في صوته:
هناك متعة لا تُوصف حين أشاهد رجلًا مثله يتعذّب، ويصبح كالمجنون، يركض هنا وهناك، ولا يصل إلى شيء، وكلما اقترب من خيط، يُسحب منه قبل أن يلتقط أنفاسه، هذه متعة تفوق القتل، متعة الانتقام البطيء، أنا وحدي أعرف الحقيقة، وأنا وحدي أملك مفاتيح الجحيم الذي يعيش فيه، لقد ذقت طعم ذلك الألم حين قُتل والدي، ولم أتمكن من فعل شيء! لكن حين جاء وقت الحساب، أخذت بثأري، والآن، حين أرى سليم يتلوّى من الألم، أشعر بالراحة، بل بالنشوة، لذلك لم أقتله، لإنني إن قتلته، سأفتقد تلك المتعة، وأنا أُحب أن أراه في هذا الضعف، وهذا الجنون.
نظر إلى عماد مجددًا، وسأله بنبرة قاسية:
أتظن أنني كنت سأحتاجك؟ أنت كنت أداة والآن انتهى دورك.
ردّ عماد، والغضب يملأ صوته: لكنني ساعدتك، إريك!
من دوني لما وصلتَ إلى شيء!
اقترب إريك من الطاولة، ووضع مسدسًا صغيرًا فوقها برفق، كأنما يضع كأسًا من النبيذ، ثم قال بصوتٍ بارد:
لقد نلتَ حقك حتى الآن، عماد فلا تظنَّ أنك في أمان، إنت وتلك العائلة الخائنة، إن كنتم الآن في مأمن، فذلك فقط لإنني أردتُ ذلك، لا أكثر.
ثم أكمل وهو ينظر إليه بازدراء:
أستطيع أن أجعل سليم يعلم كل شيء، وأجعله يكتشف الحقيقة دون أن يدرك أنني المحرّك الأول لكل ما حدث، اللاعب الخفي خلف هذه اللعبة لكني لا أريد ذلك.
صمت لحظة، ضيّق عينيه، وأمال رأسه قليلاً، ثم تساءل متعجبًا: هل استدعيتني من إيطاليا، لهذا فقط؟ ظننتَ أنك تمسك بخيط؟ نسيتَ أن العنكبوت هو من ينسج الخيوط، لا الفريسة.
عماد موضحًا: كنت فقط أريد التخلص من تلك العائلة، مقابل نسبة كبيرة في المجموعة، مجموعة الراوي ليست كيانًا بسيطًا، وأنت تعلم جيدًا أنها إمبراطورية. الجميع يتمنى نيلَ سهمٍ منها، ولو كان ضئيلًا.
أجابه إريك بنبرة هادئة قاتلة، ونظرات ثابتة: وأنا لا أريد تلك النسبة.
ثم تساءل وهو يضيّق عينيه بفضول:
لماذا تريد التخلّص من سليم؟ أهو فقط من أجل الكرسي؟ أَيستحق ذاك المقعد كل هذا العناء؟ قل لي، عماد لماذا تكره تلك العائلة إلى هذه الدرجة؟
هزّ عماد رأسه وقال بطمع:
نعم، من أجل الكرسي فقط أفعل ذلك، الأشقاء تعاونوا على قتل شقيقهم من أجله، ووالدتهم عقدت اتفاقًا في الخفاء لقتل زوجته، وهي تحمل في أحشائها طفلته التي لم يتبقَ على ولادتها سوى عشرة أيام، ظنًّا منها أنها بذلك ستعيده إلى صوابه… وأنا؟ مجرد زوج شقيقته إن لم أفعل ذلك من أجل مصلحتي، فلأي شيء أفعله؟
ابتسم إريك، وهزّ رأسه موافقًا، ثم قال:
بالطبع، إذا فعلها الأشقاء، فلمَ لا تفعلها أنت؟ أتدري، عماد؟ نهاية تلك العائلة قريبة، أنتم خونة حين تكون الخيانة داخل العائلة، تكون النهاية قريبة جدًّا. أنتم لا تحتاجون إلى أعداء الأعداء في داخلكم. أنتم ستسقطون أنفسكم بأنفسكم وسترى ذلك قريبا.
عماد يحاول إقناعه: إذن فلتساعدني في التخلص من ماسة، وسأعطيك ثلاثين في المئة من المجموعة.
إريك بصدمة: هل جننت؟! ماسة؟! أنت أكثر من يعلم أن المساس بها يعني فتح جبهات وأبواب جهنم! سليم يشك بنسبة 99% أنني الفاعل، لكنه لا يملك دليلًا، ولم يتخذ أي ردّة فعل كبيرة كما كان يفعل سابقًا… والسبب؟ زوجته، ماسة أداة بالغة الأهمية، لو قمت بقتلها، فكأنني أطلقت النار على رأسي، سليم لن يتوانى حينها عن قتلي، وقتل أخي وزوجتي وجميع أحبائي.. برغم أنه يريد فعل ذلك بشدة، لكنه حتى الآن يفكر بعقلانية، محافظًا على حياتها وحياة عائلتها، لولا ماسة في حياة سليم، لكانت أبواب الجحيم فتحت وابتلعتنا منذ سنوات، أنا في إيطاليا، نعم، لكنني أعرف كل شيء، سليم يشبهني كثيرًا في التفكير كما قلت.
اقترب إريك قليلاً بصوت هادئ بعد لحظة صمت:
وتأكد عماد بعد هذا الحديث، سأحميها منكم، لن أتخل عن درع حمايتي من سليم.
ثم تبدلت ملامحه إلى نظرة قاتلة، تحمل تهديدًا صريحًا لا يقبل النقاش:
عماد، لقد أعطيتني بعض المعلومات، وطلبت مني أن أقتل ماسة أن أُنهي حياة الفتاة التي كانت أقرب نقطة ضعف في حياة سليم.في ذلك الحين، لم أكن أعلم أنها بهذه الأهمية لديه ومقابل ذلك أخذت مبلغًا كبيرًا، وأمانًا مضمونًا، وحمايةً لك ولعائلتك من معرفة سليم وعزّت بالحقيقة حتى الآن.. لكن انتهينا.حتى هذه اللحظة، انتهى كل شيء بيننا لا تتصل بي مجددًا، عماد، أنسي أمري.
نظر إليه نظرة طويلة أخيرة، وصوته ينخفض حتى أصبح أقرب إلى التهديد:
وإن احتجتُ إلى شيء، فلن أطلبه منك، أنا لا أتعاون مع الخائنين، من خان من تقاسم معه الطعام والشراب، خان أي شخص.
ثم ابتسم ببرود، وكأن الأمر مجرد صفحة طُويت:
لا ترسل إليّ شيئًا، وأخبر زوجتك بتلك المعلومة، كي لا أضطر إلى إنهائكم جميعًا، ليس صافيناز وأبناؤها فحسب، بل سارة زوجتك، وابنك مازن، وابنتك كارما.
شهق عماد وقال بصوت مخنوق، وعيناه تتسعان:
ماذا تقول؟!
أجابه إريك دون أن يلتفت: كان لا بد أن تعرف مع من تعبث، لا تتصل بي مرة أخرى، هذا آخر إنذار.
همّ بالخروج، وأثناء تحرّكه، ربت على كتفه وهو يقول:
حافظ على حياة أبنائك الأربعة، عماد.
بعد خروج إريك..وقف عماد مشدوهًا، يجزّ على أسنانه بضيق وغضب وهمس:
يعني، كل إللي بنيته، كل إللي ضحيت عشانه، راح؟ مستحيل لازم يكون فيه حل لازم
ثم قام بإزاحة كل شيء أمامه بغضب عارم.
قصر الراوي
الحديقة السادسة مساءً
نسمات صيف خفيفة تمرّ على الجلسة الهادئة، حيث تجلس فريدة وطه ومنى على المقاعد، يحتسون العصير وسط الخضرة.
منى بزهق: الجو حرّر أوي… مستنية الولاد يخلصوا امتحانات، آخدهم ونطلع المالديف، وبعدين نرجع على الساحل، ومش هرجع من هناك، إلاعلى الشتا، الجو بقى صعب.
فريدة تبتسم: هي لي لي كام؟
منى تضحك: ٣ثانوي، ما هي أكبر من سلين بسنة.
وإنتِ هاتقضي الصيف فين؟
فريدة وهي تفكر: لسّه ماقررتش، بس حبة أروح بالي و تايلاند… بحب الأماكن الآسيوية، فيها طبيعة مش طبيعية. وبعدين أكيد ها نكمل في الساحل.
تابعت وهي تسأل بتعجب: بس… مش ملاحظين إن فيه حاجة غريبة بتحصل في القصر؟
طه متعجبا: إللي غريب؟
فريدة: يعني. هبة وياسين مشيوا، وبعدهم سليم وماسة.
طه وهو يمد وجهه مفسرا: ما إنتِ عارفة… هبة علاقتها بالهانم مش قد كده. وسليم محدش بيفهم له حاجة.
فريدة بشك:بس حتى رشدي رجع زي زمان! سهر وشرب، وبطل يجي والمجموعة.
وأثناء الحديث، تقترب فتاة في سن المراهقة من فريدة.
دنيا: مامي، ممكن ثانية؟ هاي أنكل، إزيك؟ إزيك يا طنط؟
طه بحنية: الحمد لله يا حبيبتي، إنتِ أخبارك إيه؟ عاملين إيه في الامتحانات؟
دنيا: تمام الحمد لله.
فريدة وهي تتوقف: بعد إذنكم.
تتحرك فريدة مع دنيا. تقترب منى بهدوء من طه وتهمس.
منى بهمس: فريدة عندها حق. حتى ماسة، كانت غريبة جدًا الفترة الأخيرة تفتكر فيه إيه؟!.
طه متعجبا:المفروض أنا إللي أسألك السؤال ده… وإنتِ إللي بيكون عندك إجابة!
منى زفرت بضيق: والله العظيم ما بيدخلوني في أي حاجة. بس أنا حاسة إنهم بيدبّروا حاجة… بيقعدوا مع بعض كتير.
طه ساخرًا:مش هايعرفوا يتكلموا، سليم حاطط ميكروفونات في كل ركن.
منى:بس مش في أوض النوم، وهما ما كانوا بيتقابلوا غير هناك.
طه بحذر: بقولك إحنا مش عايزين يبقى لينا علاقة بيهم. ما تتدخليش في أي حاجة زي ما اتفقنا عشان ولادنا.
يصمت لحظة، ثم يضيف بنبرة أخف:
بس مافيش مانع يعني، لو عرفتي هم بيعملوا إيه، ممكن أخلي الباشا يكون في الصورة بصراحة مش عايز استندل مع سليم تاني بس أنا ما أقدرش أقول لسليم لإن لو قلت له كل المستور هاينكشف إنا يمكن ما أقدرش أقول له لكن أقدر أحميه حاولي تعرفي ولو كده ها أحاول أحط الباشا في الصورة لإن الهانم خلاص كرها لماسة عماها.
منى هزت راسها بإيجاب:هحاول، مش عارفة ليه بعدوني عن كل حاجة تخصهم، بس على العموم، هحاول
فيلا سليم وماسة
الحديقة الثانية مساءً
نرى ماسة تجلس في الجَنينة، شمس خفيفة دافئة تتسلل بين أغصان الأشجار العالية، والنسيم يلاعب شعرها الطويل الذي أسدلته على ظهرها.
في يدها مجٌّ من النسكافيه الساخن، وفي قلبها أمل خفيف يتحرك تقول في نفسها:
إن شاء الله، إن شاء الله هيفك الحصار ده قريب،. ويهدى، ويرجع زي زمان، ويجيبلي أهلي، وساعتها هقول له، لازم أقول له على كل حاجة.
أغمضت عينيها للحظة وابتسمت لنفسها، تحاول أن تصدق أنها تتنفس شيئًا من الحرية، حتى وإن كانت حريةً مبتورة، نصف حياةٍ أفضل من موتٍ كامل.
لكن فجأة…
اخترق سكون الجنينة صوت فوضى قادم من الجهة الأمامية.
صرخات متقطعة أصوات رجال وصوت امرأة تشقّ الهواء بحرقة لا تخطئها أذن.
فتحت عينيها مسرعة، نهضت مسرعة، تتبع مصدر الضجيج بخطوات مترددة، ثم هرولت متوترة، كلما اقتربت، كانت الأصوات تتضح، تصفعها دون رحمة كلما اقتربت،صار الصوت أوضح:
على إتجاه آخر
نشاهد سعدية تتوقف أمام البوابة من الخارج تحاول أن تدخل لكن الحراس يمنعوها
سية: سيبوني أنا عايزة أشوف بنتي، حرام عليكم، بنتي هنا، أفتحوا البوابة
وهنا سمعت ماسة صوت سعدية ركضت نحو البوابة: وهي تقول ماما
لكن اتنين من الحراس توقفا أمامها.
أحد الحراس: إنتي مش مسموح ليكي تروحي هناك يا مدام ماسة.
ماسة بغضب: أنا سمعت صوت أمي، أنا عايزة أشوف أمي.
البوابة كانت نصف مفتوحة، وصوت سعدية واضح من الخارج، تصرخ وتدفع الحراس الذين كانوا يبعدونها بحذر واحترام، فهم يعرفون تمامًا من تكون.
ثم… توقفت الأصوات، وظهر سليم.
خرج من سيارته ومعه حارسان وعلى وجهه صرامة تكاد تُخيف الهواء نفسه، فقد جاءه الخبر بوجود سعدية من قبل وصولها من الأساس فالسائق أخبره أنهم ذاهبون إلى الفيلا
بصوتٍ بارد كحد السكين: أمشي يا سعدية من هنا.
سعدية بتعب وهي تشير إلى نفسها: بتقول لي أنا كدة يا سليم؟ سليم يا ابني حقك تزعل بس ماتخليش غضبك ي….
قاطعها بحزم: من غير كلام كتير، أظن سمعتيني
في الداخل، كانت ماسة تضرب الباب بيديها، صوتها متكسر من الانهيار: ماااااماااااااااا افتح الباب ده.
على إتجاه آخر
سليم بحدة وثبات أعصاب ظاهر: سعدية، لو سمحتي، أنا لحد دلوقتي بحاول أكون محترم، وبفكّر في العيش والملح، ماتخلينيش أخرج عن شعوري، أنا مش عارف لحد إمتى هفضل ماسك أعصابي، يلا بالذوق، وماتجيش هنا تاني!
سعدية بدهشة وغضب: يعني إيه؟ هتحرمني من بنتي؟! إنت بتقول إيه يا سليم؟!
سليم بعين لا ترمش وصوت بارد: بنتك محتاجة تتعلم الأدب من جديد، دي واحدة مش خرجت من غير إذن جوزها، دي هربت، وهربت من بيتك، وبمساعدة أختها كمان!
حاولت سعدية أن تتحدث، لكن سليم قاطعها بنبرة أكثر حدة:
مافيش كلام تاني! أركبي العربية وأسكتي، ومش هقولك تاني، أنا لسة بحاول أتمالك نفسي من باب الأدب والعِشرة، لكن ماتختبريش صبري أكتر من كده يا سعدية يلااا..
أشار بيده للحراس، أمسكوا بسعدية رغم مقاومتها، وأركبوها السيارة، أختفى صوتها تدريجًا خلف محرك السيارة… حتى غابت عن نظر ابنتها.
دخل سليم من البوابة بخطوات ثابتة نحو ماسة،
قال ببرود: كنتي بتعملي إيه؟ إزاي وصلتي لحد هنا؟
صرخت من أعماقها: إنت طردت أمي يا سليم !! إزاي تعمل كده؟ إنت ماعندكش قلب؟
سليم دون أن يتزحزح حرف من ملامحه: أنا قلتلك إنتي متعاقبة مابتسمعيش الكلام ليه؟!
صرخت ماسة فيه: دي أمي! أمي يا سليم! إزاي جالك قلب تطردها؟ كانت جاية تطمن عليّا حرام عليك.
سليم بنبرة أكثر حدة: لا مش حرام أنا بلغت مجاهد لما جالي، بس واضح إن كلامي ماتصدّقش فخلاص، يستاهلوا إللي يجرالهم.
ماسة بذهول: بابا كمان جالك؟ وطردته؟
سليم بجفاف: ماطردتوش، فهمته القواعد، بس مكالمتك إمبارح خلتهم يفتكروا إنك محتاجة تشوفيهم، فخليت قلبهم يتجمد.
نظرت إليه بعيون مثقلة بالخذلان، وقالت بصوت واهن: هتندم على إللي بتعمله، والله هتندم.
سليم وهو يشير للداخل: كفاية كلام يلا على جوا.
توسلت وهي تمسك يده، كأنها تتمسك بخيطها الأخير:
طب والنبي، سيبهم يجوا هنا، أقسم لك، هقولك على حاجات كتير، في حاجات إنت مش عارفها كتير والله.
سحب سليم يده بجمود: مش عايز أعرف.
صاحت ماسة باكية: إنت عنادك وكبريائك جَنّنوك.
أقترب منها، وصوته يحمل تهديدًا خافتًا: لسانك مايطولش… يلا خشّي جوه بدل ما ترجعي للإنفرادي تاني.
نظرت إليه نظرة كسرت الهواء بينهما، وقالت بهمس ممزوج بالمرارة: بكره تندم بس مش عارفة هعرف أسامحك ساعتها والا لأ.
تحركت أمامه بخطواتٍ ثقيلة، كأنها تسير نحو زنزانة قلبها.
أغمض سليم عينيه للحظة، جزّ على أسنانه بقوة. شيء ما بداخله يصرخ، لكنها لم تسمعه الصوت الآخر داخله ما زال يهمس: إنت صح كمل هي ماتستهلش أي حنية… وريها الفرق..
النرويج
في قلب الطبيعة النرويجية الخلابة، حيث الأشجار الباسقة والهواء النقي يهمس بعذوبة، كان عزت ونانا يعيشان أيامًا من الهدوء والسعادة. أمضيا الليالي على البحر، فوق ظهر الباخرة، وفي الشوارع النابضة بالحياة، وحتى في الملاهي الليلية، هاربين معًا من ثقل الواقع وضغوط الحياة.
الكوخ
نرى، عزت ونانا، يجلسا في شرفة، يحتسيان القهوة وصوت البحر ينساب برفق في الخلفية.
نانا قالتله: أنا بجد استمتعت اليومين دول… بليز يا حبيبي، أوعى تقولّي بكرة احجزي.
عزت بابتسامة مرهقة: لا، هنقعد لحد آخر الأسبوع، وبعدين نطلع على ألمانيا نحضر المؤتمر، أنا محتاج أفصل، مضغوط وتعبان.
هزّت نانا رأسها باستغراب: إيه اللي حصل؟ مش خلاص سليم رجع وجاب لنا مشروع قوي؟ وراجع مركز؟ حتى الولاد كلهم مركزين بس رشدي ده أصلًا مش مهم يعني.
تنهد وقال: بس أنا مش مبسوط مش مرتاح فايزة مش مريحاني.
مدت له قطعة من الحلوى وهمست بنعومة: أنا مش عارفة إنت صابر عليها ليه؟ ما تقوليش بقى مشاريع، اللي بينكم أكبر من كده؟ في رجال أعمال كتير جدًا بيكملوا مع مراتاتهم علشان الشغل، لكن من ناحية تانية متجوزين حد تاني أو مصاحبين، وكل واحد شايف حياته ولا إنت بتخاف منها؟
عزت بنظرة حاده: أنا ما بخافش من حد زمان، اللي يوجع دماغي، كنت أخلص عليه من غير مافكر لحظة، بس بعد ما خلفت، وولادي كبروا، بقيت أهدى أعقل بعد مشكلة سليم، بقيت أفكر قبل ما آخد أي خطوة مليون مرة أنا ممكن أسيب فايزة، ممكن أنهي كل حاجة بينا بس هتقعد توجع لي دماغي وتعمل لي حوارات فايزة مش سهلة، وأنا مش عايز وجع دماغ.
تابع بملل: وبعدين، بلاش وجع دماغ إنت كمان، والله أرجعك أنا عايزة أنبسط وبس.
ابتسمت نانا، بعينيها، ثم همست له بخفة: وأنا هخليك مبسوط يا روحي… بس بقولك إيه، هتجيب لي الشال اللي قلت لك عليه بتاع العلمين؟
ضحك وقال: لما تنزلي مصر، هتمضي عقدة.
سحبته نانا بيديها إلى الداخل، تلمع في عينيها أنوثة خالصة، وهمست له: تعالَ بقى، علشان أعمل لك مفاجأة حلوة جوه.
تحرك معاها بابتسامة مستسلمة
الجامعة الأمريكية الثانية عشر ظهراً
نرى سلوى تخرج من بوابة الجامعة، متجهة بخطى سريعة نحو الطريق. كان مكي واقفًا هناك، ينتظرها، فور أن رأته، حاولت أن تغير مسارها وتسلك طريقًا آخر، لكنه وقف في وجهها، يقطع عليها الطريق.
مكي ببحة رجولية: ممكن نتكلم كـ اتنين كبار عاقلين؟ ولا هنفضل نلعب شغل المراهقة ده؟
توقفت سلوى أمامه، نظرت إليه بثبات: لا هنتعامل كـ اتنين كبار عاقلين، أنا بلغتك قراري يا مكي.. مش مرة، أكتر من مرة، عدم ردي عليك في التليفون، ولما جيت البيت، ولما رجعتلك الدبلة، أظن دي كلها كانت ردود واضحة.
مكي بضيق: أيوه ردود لإيه يعني؟ أنا عملت إيه؟
سلوى نظرت له بإستنكار: قول ماعملتش إيه!
مكي رفع صوته قليلًا: ما تقوليش بقى تاني الهبل بتاع سليم!
سلوى ردت بحزم: لا، مش هبل، دي حقيقة إنت واقف جنب صاحبك، قبلت بكل حاجة بيعملها سليم فعلاً ما مدش إيده عليا، بس مد إيده على أخويا، وقف قدام أمي وقال لها: “هاندمك وهخلي لونك الأسود لونك المفضل، يعني تهديد صريح بالقتل، ومش بس كده.. منعنا نشوف ماسة و طرد ماما لما راحت لها، هو ده طبيعي؟ هو في حد بيحب واحدة بيئذيها بالشكل ده، حتى لو هي غلطت؟
مكي قال بغضب: المفروض يعمل إيه؟ دي مراته، مش واحدة بيحبها عارفة يعني إيه مراته؟ وهربت منه.. أكتر من مرة!
سلوى قاطعت كلامه: يعني إنت شايف إللي بيعمله صح؟
مكي حاول الرد: ماسة هربت
قاطعته بشدة: ردّ عليا بـ “آه” أو “لأ”!
سكت مكي للحظة، ثم قال: إللي بيعمله كله صح، بس إللي حصل يوم ما هربت، ماكانش صح أكيد وسليم ما كانش واعي، ويمكن لسة لحد دلوقتي مش واعي، أيوه سليم غلطان، بس أنا أتاخد بذنبه ليه؟
كانت تستمع له سلوى وهي تهز رأسها برفض وكأنها تقول نفس المبررات مسحت عينيها ونظرت له.
سلوى قالت بحزن: ذنبك، لأنك موافق على إللي بيعمله، حتى لو مش قادر توقفه، بس إنت سكت حتى ما رفضتش .. إنت بكده اخترته.
مكي تنهد: ماينفعش تقارني نفسك بيه، ده مش حد غريب ده أخويا، زي ما إنتي زعلانة على عمار، أنا كمان بزعل عليه، أنا وهو مالناش غير بعض.
نظرت سلوى له بعينين تلمع: وأنا باقولك من تاني، يا أنا يا هو، والله العظيم يا مكي لو اخترتني، آخذك دلوقتي من إيدك ونروح لبابا ونكتب الكتاب فورًا.
رد مكي بهدوء واقتناع: مش هقولك تاني يا سلوى، أنا لو اخترتك وبعت عشرة عمري أبقى راجل مش تمام.
سلوى بصوت منخفض: ده أنت حتى ما فكرتش.
رد مكي بهدوء: الموضوع مش محتاج تفكير إنتوا الأتنين غاليين عليا هو أخويا وصاحبي، وإنتِ حبيبتي، ولو شايف سليم غلطان، هاتدخل، إنما أنا شايف إن مراته غلطت غلطة كبيرة.. لازم تتعاقب، ولو أنا مكانه، كنت هعمل زيّه، ويمكن أكتر.. لإني متأكد إن سليم هايحن ليها كفاية لهفته عليها يوم ماتعبت، نفس النظرة ونفس اللهفة نفس الجنون بس هو إللي بيكدب على نفسه وغضبه عاميه وأنا بحاول أفوقه، بس ماقدرش أغلطه بشكل كامل لإن الغلط الأساسي منك إنتي وأختك أختك بالأخص إللي مش عاجبها حاجة.
سلوى تنفست بوجع: يبقى إنتم مش طبيعيين.
نظرت له نظرة أخيرة تابعت: عموماً خلاص الكلام إنتهى، إنت اخترته، يبقى انتهينا يا حارس سليم الوفي، إنت كمان حبك مش كافي ماحبتنيش كفاية حبيته هو أكتر ده إنت حتى ماترددتش يا بخته بيك، بعد إذنك.
تحركت سلوى مبتعدة عنه. ظل مكي واقفًا مكانه، يراقبها وهي تمضي. لم يندم للحظة على اختياره لسليم لكنه شعر بوجع زفر بأختناق لكن هنا نظر إلى الدبلة بين يديه وخلعها وضعها في جيبه ورحل
بعد أن سمح لها سليم بالنزول إلى الطابق السفلي والتجوّل كما تشاء،أصبحا يتناولان العشاء معًا، لكن سليم لم يكن يبادلها الحديث إلا نادرًا،صمته كان طاغيًا، وكأن الكلمات لم تعد تعرف طريقها إليه
فيلا سليم وماسة.
السفرة
جلسا على المائدة، سليم وماسة، يتناولان العشاء معًا للمرة الأولى منذ عودتها لكن الصمت كان ثالثهما، صمت ثقيل، مشحون بالأسئلة التي لم تُسأل، والإجابات التي تأخرت كثيرًا.
رفع سليم نظره إليها بعد دقائق من السكون: عاملة إيه؟
أجابته بهدوء، دون أن تنظر إليه: كويسة.
سليم:لسه بتحسي بدوخة؟
ماسة: لا، الحمد لله.
أومأ برأسه بصمت، وعاد إلى طبقه مرّت لحظات، قبل أن يقول بصوته الجاف: أظن التعليمات لسه واضحة متنسيش.
هزّت رأسها إشارة للفهم، دون تعليق لكن عينيها ظلت تبحث عن مدخل، عن ثغرة تُقرّب المسافة أرادت أن تسأله، أن تفهم.
رفعت نظرها نحوه، بصوت خافت: وانت؟ عامل إزاي؟ شكلك مرهق شوية.
توقف عن الأكل، ورفع رأسه إليها بنظرة باردة وقاسية:
وإيه دخلك؟ هو يهمك أمري؟ لو كنتِ مهتمة، ما كنتيش هربتي كنتِ وقفتي واتكلمتي بدل ما تمشي زي الغريبة.
ما تفتكريش إن عشان سمحت لك تنزلي تاكلي معايا، يبقى من حقك تسأليني وتدخلي في اللي مالكيش فيه نهض من مكانه دون أن يعطيها فرصة للرد، تركها جالسة وحدها، أمام صحنٍ بارد وسؤالٍ أشد برودة: هل ما زال هناك ما يمكن إنقاذه؟
بعد يومين
كانت ماسة تجلس على الأريكة في غرفة المعيشة تشاهد التلفاز بصمتٍ شارد.
دخل مكي من باب الفيلا بخطوات سريعة، وألتفت نحو سحر الخادمة وسألها بصوت منخفض وهو يحاول افتعال الهدوء: سحر سليم فين؟
لم تكن قد أنهت إشارتها نحو المكتب، حتى خرج سليم بنفسه من هناك. نظر إلى مكي بنظرة ثابتة.
سليم: خير يا مكي؟
عضّ مكي على شفته السفلى وقال بصوت فيه غصّة: خالة سعدية وسلوى، واقفين بره، ومش عايزين يمشوا.
تنفّس سليم بعمق ونفخ بقوة: مشيهم يا مكي.
رفع مكي حاجبه بدهشة: ما تسيبهم يشوفوها؟ مش إنت خلاص.. أفرجت عنها؟
رمقه سليم بنظرة حادة: مكي ماتضايقنيش، نفّذ الأوامر، شوف شغلك.
مكي هز رأسه بإصرار: سليم، إللي إنت بتعمله ده مش صح.
أجابه سليم ببرود: إللي بعمله، هو الصح.
ارتفعت أصواتهما قليلًا، فا التفتت ماسة إليهما واقتربت بهدوء، وبدا أنها سمعت كل شيء وقفت بجانبهما، عيناها تفيضان بالعتاب.
ماسة برجاء: سليم لو سمحت كفاية بقى إنت مش مخليني أكلمهم، وحتى المرة إللي فاتت طردت ماما، حرام عليك بقى، إللي إنت بتعمله ده ماينفعش.
لم يلتفت إليها وكأنه لم يستمع لها، بل وجه حديثه إلى مكي: إنت لسة واقف؟ روح نفّذ الأوامر.
تراجع مكي وخرج، أما ماسة فثبتت في مكانها للحظات، تنظر إليه بضيق. ضيّقت عينيها وجزّت على أسنانها، ثم تحركت مبتعدة بصمت ثقيل.
في الخارج، وصل مكي إلى حيث وقفت سعدية وسلوى، ووقف أمامهما، ينظر إليهما بعينين حائرتين.
مكي وهو يزم شفتيه: سليم للأسف رفض.
تقدمت سعدية منه خطوة وقالت برجاء: يابني يا حبيبي كلّمه قوله حاجة، هو أنت مالكش كلمة عليه؟
نظر مكي إلى سلوى بضيق: سلوى، ماتقولي لي أختك هربت ليه؟ ووقفي المهزلة دي.
رفعت سلوى يدها بعصبية: أختي هربت علشان إللي بيحصل ده.. وإللي بيحصل ده كمان أكدلي إن مفيش حب حقيقي، لا من ناحيته ولا حتى منك، إللي بيحب بجد، ما يعملش في حبيبته كده، مايعذّبش، ما يحبّسش مايعاقبش، ما يقولش دي قصاد دي، الراجل المحترم، إللي يحس إن مراته مش عايزاه بيسيبها، يدوس على قلبه ويكمّل، لكن إللي صاحبك بيعمله ده أنا مش لاقية له معنى.
ثم التفتت لوالدتها: يلا يا ماما خلينا نمشي.
تعلّقت عينا سعدية ببوابة القصر، تنظر إليها بحسرة: بس أنا نفسي أشوف بنتي، أطّمن عليها.
مكي محاولًا تهدئتها: أطمني عليها، هي كويسة بس من الأفضل تمشي دلوقتي ويا ريت ما تجيش تاني، علشان أنا بصراحة ماعرفش المرة الجاية سليم ممكن يعمل إيه.
نظرت سلوى إليه من أعلى لأسفل بإحتقار: كل مابتتكلم.. بتقل في نظري يا حارس سليم المخلص.
ثم أدارت ظهرها وأخذت والدتها ورحلت، بينما ظل مكي يراقب أثرهما بعينين تضيقان بغضب، جذب المسدس من خصره، ورفع يده وأطلق طلقة في الهواء، كأنها خرجت من جوفه لا من فوهة السلاح.
وخلال أيام قليلة.
كانت الأمور تسير بشكل عادي جدًا. سليم ما زال يمنع ماسة من التواصل مع عائلتها، بل حتى من الاتصال الهاتفي بهم. كانت صامتة، تتحمّل بصبر، على أمل أن يهدأ خلال أيام، فالموضوع لم يمر عليه أسبوع بعد، ومع ذلك لا يزال غاضبًا.
كل ما كان يعنيها هو أن تطمئن على عائلتها، أن تتأكد أن رشدي لم يقترب منهم، وأنه لا يهددهم الوساوس والمخاوف ما زالت تسيطر عليها، وسليم لا يحاول حتى أن يصغي إليها.
أما سعدية وسلوى ومجاهد وعمار ويوسف، فكانوا يكادون يُجنّون قلقًا عليها، لكنهم لا يعرفون كيف يتصرفون، ولا حتى مكي استطاع أن يفعل شيئًا. كلما تحدثوا إليه، اكتفى بالقول:
“اصبروا.”
لكن الصبر قد نفد.
قد يبدو أسبوعًا قصيرًا في نظر الكثيرين، لكنه بالنسبة لعائلة ماسة، كان كأنه عام كامل مافعله سليم بهم أثار ضيقهم وخوفهم الشديد على ابنتهم.
مكي من جهته، لم يحاول مجددًا التواصل مع سلوى.
كان مجروحًا منها، وكبرياؤه يؤلمه، ومع ذلك، لا يزال حبها حيًا في قلبه حتى هي، رغم كل شيء.
أما عزّت، فما زال مع نانا، يحاول أن يسرق بعض الليالي معها. يشعر بالضيق والضغط، كأنما يبحث عن مهرب مؤقت من كل شيء.
أما رشدي لا يزال يتسكّع في الخارج مع أصدقائه، يحتسي الخمر ويستنشق المخدر،ات، فبعد ما حدث، استسلم تمامًا، وطب ثمصارت المخدرا،ت والسهر والخمر ملاذه الوحيد.
أما سليم، فرغم الضغوط التي يعيشها مع ماسة، ورغم الحزن والغضب والمعارك المشتعلة في داخله بين أن يُكمل ما بدأه أو أن يتوقف، إلا أنه كان مركزًا في عمله، وفي المشروع الذي قدّمه للمجموعة، كان قويًا بشكل لافت، وبهذا أثبت لفايزة أن خطتهما كانت صائبة، لكن الحقيقة؟ لقد كان ينسى كأن النسيان مسكّنٌ لهواءٍ خانق، ووجع قلبي لا يهدأ لكن عيناي تقولان كل شيء.
ومع مرور هذه الأيام القليلة، وقعت حادثة قد تكون متوقعة لكن ما حدث خلالها، لم يكن في الحسبان أبدًا.
فيلا سليم وماسة، الخامسة مساءً
مكي جالسًا بالقرب من بوابة الفيلا، يحتسي الشاي بصمت، يفكّر في سلوى؛ فقلبه ما زال ممتلئًا بها، وما زال يحمل لها حبًّا كبيرًا رغم تركها له. كان واثقًا من أن اختياره الوقوف إلى جانب سليم لم يكن خاطئًا، ومتيقنًا من أن سليم لم يفعل شيئًا يستحق كل هذا الهجوم.
وبينما هو على تلك الحال، اقتربت سيارة عائلة ماسة من الجهة الأخرى، توقفت أمام البوابة. أحد الحراس وقف أمامها، ولم يسمح لها بالدخول. هبطت سعدية من السيارة بسرعة، ومعها عمار، وبدأ كلاهما يضربان على البوابة بعنف محاولين إدخال السيارة بالقوة.
على الجهة الأخرى، أنتبه مكي للصوت، نهض واقترب بسرعة.
مكي متساءلا: إيه إللي بيحصل هنا؟
أجابه أحد الحراس بتوتر: والدة ماسة هانم وأخوها.. عايزين يدخلوا.
مكي أمره بهدوء بشير نحو باب البوابه الصغير: أفتح البوابة.
نظر الحارس بتردد، فتلقى من مكي نظرة واحدة حادة.. كانت كافية لتفتح البوابة فورًا.
وما إن فُتحت، حتى أسرع عمار وسعدية نحو مكي. رفع مكي يده للحراس مشيرًا لهم بعدم التدخل، ثم وقف في وجههم بثبات.
مكي بهدوء: مش هينفع، سليم جوه.
عمار بغضب عارم: أنا عارف إنه جوه، وأنا جاي دلوقتي علشان أخدها قصاده.
مكي: طب عمار أسمعني
قاطعه عمار صارخا: أنا مش جاي أسمع، أنا جاي أخد أختي من بين إيديه!
مكي بحزم: الأمور مابتتحلش كده، وسليم بالذات ماتتعاملش معاه بالطريقة دي.
احتدت نبرة عمار: إنت إللي جيت لنا وقلت أصبروا.. وإنت إللي قلت إنك هتخلص الموضوع وفات أسبوع يا مكي!
مكي بسرعة: أسبوع، مش شهر والأسبوع ده، عملت فيه إللي أقدر عليه بس أصبر شوية!
سعدية حاولت التهدئة: بص يا مكي، إحنا عارفين إن بنتنا غلطانة بس إحنا جايين نطمن عليها، نسمع صوتها نشوفها حتى لو من بعيد
مكي بتفهم: والله العظيم كويسة بس العند مع سليم بيخليه يزيد، وسليم ماينفعش معاه الضغط إحنا هندخل جوه،ونتكلم بهدوء بس بالله عليكم، ماتخلوش الموضوع يتحول لكارثة، سليم هيخليكم تشوفوها، بس أصبروا هي مسألة وقت، خالة سعدية، ليه مش قادرين تفهموا؟ ليه مش عايزين تصبروا؟
عمار بصراخ وعناد: مش هنصبر! أنا جاي أخد أختي دلوقتي!
ودفع مكي بقوة، مما جعل مكي يترنح قليلًا للوراء. حاول أحد الحراس التدخل لإيقافه، لكن مكي أشار له بالتراجع.
مكي وهو يتحرك خلفه بحدة: يا عمار، إللي بتعمله ده ما ينفعش!
لكن عمار كان مصممًا: هشوفها يعني هشوفها.. هو فاكر نفسه مين؟!
في الداخل
نرى ماسة جالسة على الأريكة، في الليفنج رووم عيناها معلّقتان على شاشة التلفاز، لكن عقلها كان شاردًا، بينما سليم يجلس داخل مكتبه، منكبًا على الأوراق والملفات المتراكمة أمامه.
وفجأة، دوّى صوت صراخ قادم من الخارج… أصوات رجالية تتشاجر معهم سيدة، لهجات متحدّية، وتهديد واضح، لكن الأصوات كانت مألوفة.
– هدخل يعني هدخل!
– مافيش دخول!
– إهدى بس، خلينا نتفاهم…
– مافيش تفاهم! هدخل يعني هدخل!
انتفضت ماسة واقفة، وركضت نحو الباب دون تفكير، في اللحظة ذاتها، خرج سليم من مكتبه بخطوات سريعة.
تبادلا نظرة خاطفة، مليئة بالاستفهام والتوتر، دون أن يتفوه أحدهما بكلمة.
فتح سليم باب الفيلا، وسأل الحارس بصوت جاف: إيه إللي بيحصل هنا؟
الحارس مترددًا، متجنبًا النظر في عينيه:وأخو الهانم، ومامتها. واقفين عند البوابة، والحراس منعوهم.
بمجرد أن سمعت ماسة تلك الكلمات، اندفعت بسرعة، لكن سليم سبقها وامسك يدها بشدة: رايحة فين؟ تعالي هنا!
ماسة وهي ترتجف من الغضب: هروح أشوفهم، كفاية المرتين إللي فاتوا منعتهم ومشيتهم حرام عليك كفاية!
صرخ سليم في وجهها، وهو يدفعها بيده للخلف: قلت لا يعني لا.
في تلك اللحظة، اقتحم عمار وسعدية الساحة من جهة البوابة، مكي يركض خلفهم، بينما كان الحراس يحاولون إيقافهم دون عنف.
ماسة بلهفة: ماما عمار.
عندما تفاجأ مكي بتوقف سليم، قال مرتبكًا قليلا: سليم، والله حاولت أوقفهم، بس ماعرفتش.
رمقه سليم بنظرة صارمة، قاطعه بصوت حاد كالسيف: ماعرفتش؟ ولا عشان حاطت في الاعتبار إن دي حماتك وده أخو خطيبتك؟ سبتهم يدخلوا من على البوابة ويوصلوا لحد جوه! مكي، إنت هنا شغال عندي، تنفّذ الأوامر وبس يلا، مشّيهم بهدوء واحترام.
صرخت ماسة، تحاول التملص من قبضته: لا مش هايمشوا.
رمقها سليم من أعلى لأسفل بحدة: مش عايز كلام كتير.
ثم ألتفت إلى راوية: راوية، أمسكي ماسة ماتخليهاش تتحرك.
راوية بثبات وهي تمسك ماسة: أمرك.
عمار بغضب: إنت مالكش حق تمنعنا إن إحنا نشوف بنتنا.
سليم بإبتسامة جانبية بنبرة جامدة: أنا عندي كل الحق دي مراتي وأنا مش عايز يبقى ليها علاقة بيكم، أظن أنا حر.
اقتربت سعدية، وجهها متعب وصوتها مكسور، تتوسل: استهدى بالله يا سليم، والنبي سيبنا نشوفها، نتكلم معاها، إنت طول عمرك طيب وحنين، ليه كده؟ هو احنا عملنا إيه؟ ليه مانعها مننا؟
سليم بنبرة باردة كالجليد: أنا مش مطلوب مني أشرح عدم رغبتي في استقبالكم ده بيتي، وأنا حر فيه، استقبل إللي على هوايا، وإنتم وجودكم مش مرغوب فيه، لو سمحتي أطلعي برّه.
عمار باستفزاز: يعني إحنا جايين نتكلم معاك بالحسنى وإنت لسه معاند!!
سليم بحدة: مافيش حسنى ويلا خد مامتك وبرة.
إلتفتت سعدية إلى مكي تحاول استعطافه: ماتقول له حاجة يا مكي؟
كاد أن ينطق مكي لكن سبقه سليم وقال بنبرة قاسية: كلامك معايا! مكي ده شغال عندي يعني أنا أقدر أخرجه دلوقتي معاكم، مالكيش علاقة بيه ويلا بره بدل مخلي الحارس يرميكم بره.
صرخت ماسة، صوتها مبحوح من القهر والغضب: سليم كفاية بقي حرام عليكي إنت كده بتدوس على كل حاجة! ومش هسامحك.
التفت برأسه قائلا: وأنا مش منتظر مسامحتك يلا واقفين ليه خرجوهم.
اقترب أحد الحراس، من عمار الذي كان واقفا يستشيط غضبا جز على أسنانه وفقد أعصابه: الظاهر إن الحسنى والكلام ماينفعوش معاك.
فجأة، عمار دفع الحراس بقوة، فتوجّه نحو ماسة وسط هرجٍ ومرجٍ، بينما بدأ الحراس يدفعون عمار وسعدية إلى الخارج.
أحد الحراس كاد أن يضرب عمار، لكن مكي صرخ:
نزل إيدك! ماحدش يقرب منهم، سليم خلاص كفاية، كدة مش هاينفع.
نظر إلى عمار قال بشدة: عمار، أمشي معايا!
عمار هتف بقوة: مش همشي غير بأختي يا إما قاتل يا مقتول!
فجأة دفع مكي من صدره وركض نحو ماسة، فلم يفلح أحد في إيقافه بسبب إصرار مكي ومنعه للآخرين من التدخل.
أمسك عمار بيد ماسة بعدما فكّها من قبضة راوية، وسحبها نحوه بعنف.
لكنها تمسكت بالأرض، وعيناها توسّلت قبل صوتها بالدموع:
عمار، عشان خاطري، سيبني هنا، إمشوا إنتوا.
كانت تخشى رد فعل سليم، فهي تعلم أن سليم لم يعد كما كان من قبل، وغضبه هو المسيطر عليه الآن. لم ترغب في زيادة الأمور سوءً، فاختارت الاستسلام لتجنب وقوع كارثة.
عمار بنبرة لا تقبل النقاش: يلا، مش هسيبك هنا، مش هبقى راجل لو خرجت من غيرك!
تقدم سليم خطوة وبنظرة حادة، أمسك بيد ماسة وهي تمر بجانبه، وصوته منخفض لكنه محمّل بالتهديد: سيبها يا عمار أحسنلك.
استدار عمار نحوه، صاح متحديًا: إنت فاكرني هخاف منك؟ أنا مش هسيبها، دي أختي!
نظرت ماسة إلى سليم، وتبادلا النظرات وكأنها تفهم أنه يترجاها تبقى ولا تذهب كي لا تحدث كارثة فالانفجار على وشك الحدوث، ثم نظرت لعمار وقالت: عمار، خلاص سيبني.
عمار بعند: لا. وسحبها بعنف.
تمسك سليم بها بشدة، توقفت ماسة بينهما، كلٌاهما يمسك يدها ويسحبها، وهي واقفة في منتصف تبكي.
ازدادت عينا سليم سوادًا: ماتتحدانيش، لو قربت تاني، أقسم بالله مش هتلحق تندم.
ثم أدار وجهه نحو سعدية: خدي ابنك وأطلعي من هنا يا سعدية، بدل ماتعيشي طول عمرك ندمانة.
لكن عمار لم يتراجع، وكان صوته أكثر حدة: هتعمل إيه؟ هتضربني تاني؟ ولا هتخلي رجالتك يرفعوا سلاحهم على امي زي ما إسماعيل عمل؟!
كانت ماسة تحدّق بدهشة، حاجباها معقودان، وقد نطقت بعدم تصديق: ايه؟! إسماعيل عمل إيه؟!
أجابها عمار بنبرة مشتعلة: جوزك المحترم إدّى أوامر لإسماعيل عشان يخلي سلوى تنطق بمكانك، يعمل أي حاجة. فإسماعيل عمل إيه؟ جاب مسدسه ورفعه على دماغ أمك وأبوك وعلى دماغي أنا كمان! ؟! لعب لعبة اسمها الروليت الروسي، حط رصاصة في الخزنة وابتدى يضرب، وبسببها عرفوا مكانك، لان سلوى اضطرت تقول..ده غير أسلوبه القذر، وتهديده إنه هيخلّي أمك تلبس إسود طول عمرها، وبهدلته لينا! وضربه ليا كمان لاني حاولت امنعه عن سلوى
نظر لمكي تابع بضيق ممزوج بحسرة:
وأستاذ مكي اللي بيبرر كل ده، قال إيه؟ كان غضبان!
يعني ممكن يقتلني عادي عشان كان غضبان؟! معلش؟!
نظرت إليه ماسة، ثم نظرت إلى سليم بعين لا تصدّق، وصوتها متحشرج وممتزج بالخذلان: إنت عملت كده بجد؟
نظر إليها سليم بصمت، لا يعرف ماذا يقول. فإن أجابها وقال: لا، لم أكن أعلم، وقد قمت بتأديب إسماعيل على فعلته، ولم أقصد كل هذا، لم أكن واعيًا فقد يُطمئنها، وقد يُبعد عنها الخوف منه، فهو لا يريد ذلك، لا يريد أن تفقد تلك الصورة التي ترسمها له، لا يعرف لماذا يريد أن يظهر بصورة شيطانية أمامها، فغضبه يمنعه من التفكير الصائب، هو فقط… يريد أن تثق بأنه تغيّر ولم يعد كما كان قبل.
رمش بعينيه، ثم حوّل نظره نحو عمار، وقال بنبرة حاسمة:عمار، لأول وآخر مرة، بقولك: امشي من هنا بهدوء، ما تخلينيش أعمل حاجة، صدقني هتندم عليها.
عمار بتحدي بعين لا ترمش: أعلى ما في خيلك أركبه.
حاول عمار سحب ماسة بقوة، لكن سليم متمسك بها.
حرك سليم رأسه وأغمض عينيه لثوانٍ، يبتلع غضبًا فـ نارًا تشتعل في داخله، حاول ان لا يفعل شيء ربما يكون له ثمنا باهظا فصبره يتلاشى، صاح قائلًا: مكي، خد عمار وأطلع بره، أناااا خلاااص مش قادر.
فهم مكي أن سليم على مشارف الانفجار، كبركان تلتهم نيرانه كل من يقف أمامه، فصاح متوسلاً:
عمار، كفاية أرجوك، أنا هحل المشكلة ماتتحداش سليم علشان خاطري، خالة سعدية، خديه وأمشي، ماتصعبيش الموضوع.
تمسكت سعدية بذراع عمار: خلاص يا عمار، سيبها.
لكن كان غضب عمار وعناده متملكين منه: مش همشي من غيرها! لو على جثتي.
ماسة بخوف، وصوتها بالكاد يُسمع: بالله عليك يا عمار، سيبني، بلاش تحصل كارثة.
لكنه جذبها مرة أخرى بعنف أكبر، وكأنه يتعمّد استفزاز سليم، وقال بصوت عالٍ كمن يعلن التحدي أمام الجميع: قولت يلا قدامي أمشي، يلا يا أمي!
نظر لسليم بتحدي:
أسمع إنت هاتطلقها بالذوق، ولا أعملك فضيحة في كل الجرائد؟ وأقولهم إن الملياردير سليم الراوي ابن الباشوات، حابس مراته بالعافية وبيعنفها، وإنها مش طايقاه ومقعدها زي السجينة؟!
هنا سحبها بعنف أكبر، ففلتت من يد سليم، وتحركت ماسة رغمًا عنها بسبب السحب العنيف من عمار، خطواتها كانت صغيرة وثقيلة.
أخذ سليم يراقبها، نظراته جامدة، كأن شيئًا انكسر داخله، كل خطوة تخطوها بعيدًا عنه كفيلة تشعل نيرانًا في صدره، روحها تخرج منه ببطء، كأن براكين الغضب تنهض رويدًا رويدًا من رمادها.
الأمر لم يحتج أكثر من لحظات، وفي لحظة، بلا أي تفكير سحب سليم المسدس من خصر أحد الحراس المتوقف بجانبه، ورفعه بثبات لا يتزعزع،صوّبه نحو عمار وأطلق الرصاصة عمّ الصمت المكان، وعيناه تشتعلان غضبًا، وهو يقبض على أسنانه بإحكام، فلا ندم يظهر عليه، بينما عمار…

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية الماسة المكسورة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock