روايات

رواية ارناط الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم حور طه

رواية ارناط الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم حور طه

رواية ارناط البارت السابع والثلاثون

رواية ارناط الجزء السابع والثلاثون

ارناط
ارناط

رواية ارناط الحلقة السابعة والثلاثون

كان نايم على السرير…
الأجهزة تحاوطه من كل اتجاه…
أنفاسه هادئة لكن القلب مش ساكن…
عيناه بدأت تترجف… ثم تفتح ببطء…
الضوء يخترق عينه الضعيفة، والهدوء يملأ الغرفة…
بصوت متهدج، تمتم:
ــ ليلى…؟
نظر حواليه، ما كانش فيه حد.
الدمعة نزلت من عينه بهدوء
كأنها بتحكي عن كل اللي جواه.
استرجع كل حاجة…
الرصـــ ـاصة، البحر، صـــ ـرخاتها حضنها، دموعها.
راهب همس بكســـ ــر:
ــ ليلى مش هتسامحني… أنا أذيتها كتير.
وفجأة، يقوم صوت همس ناعم من جنبه…
كانت ليلى، خارجة من سجدتها على سجادة الصلاة
والدموع بتلمع على خدها،ختمت دعاءها:
ــ يا رب… رده لي بالسلامة.
بص لها راهب، مش مصدق إنها قريبة كده…
وهو اللي كان فاكر المسافة بينهم خلاص
ما بقتش تقاس بالأمتار، لكن بالوجع!
ليلى قامت بسرعة، ولهفتها تسبق خطواتها:
ــ راهب! أنت فقت؟! طمني
حاسس بإيه؟ أنا هنده للدكتور!
مد إيده بسرعة
مسك إيدها بإيد مرتعشة كأنها حبل نجاة
عيونه تغوص في وشها كأنه بيستعيد نبضه منها:
ــ ليلى… أنا فكرت إنك مش هتسامحيني.
ليلى، بصوتها الهادئ:
ــ من أول لحظة بعدت عني فيها، تهت من نفسي.
رغم كل اللي عرفته، والوجع،والألم اللي حسيته منك…
إلا إني ما قدرتش ألاقي نفسي من غيرك.
أنا سامحتك علشان ألاقي نفسي…
لأني ما لقيتهاش في غيابك!
راهب، ووجعه ظاهر في نبرته:
ــ أنا كنت دايما شخص قوي
عمره ما استخدم قلبه.
كان المتحكم الوحيد فيه هو عقله.
إنتي الشخص الوحيد اللي كنت بضعف قدامه.
اللي عملته معاكي، كنت بعمله علشان أحارب الضعف ده…إنتي كنتي تهديد حقيقي لحياتي…
تهديد ليا، ولحريتي…
ليلى… إنتي كنتي بتهددي حتى قلبي.
أنا ما كنتش بحاربك… كنت بحارب ضعفي!
ليلى خدت نفس عميق
وإيدها ما سابتش إيده نظرتها كانت
هادية لكن مليانة وجع وحنين:
ــ وأنا كنت طول الوقت مستنياك تحارب عشاني
مش ضدي…كنت محتاجاك تواجه خوفك!
مش تهرب مني.بس عارف؟
حتى في قسوتك عليا… قلبي ما قدرش يكرهك.
راهب، بعيون مبلولة وهو يشوفها قدامه بعد كل الغياب:
ــ أنا كنت خايف أحبك أكتر من نفسي…
وأنا اللي عمري ما حبيت نفسي أصلا!
ليلى قربت، لمست جبينه بحنية
وعيونها تغرق بالدموع:
ــ بس… بتحبني دلوقتي؟
راهب، وهو يمسك وشها بكف إيده المرتعشة:
ــ بحبك من أول لمعة خوف شفتها في عنيكي عشاني
من أول مرة قلتي فيها اسمي بدعائك، مش بعتاب.
بحبك لدرجة إن قلبي أول ما فاق… نطق اسمك.
ليلى، بابتسامة دامعة:
ــ وأنا قلبي ما سكتش عنك أبدا…
كل نبضة كانت تقول يا رب، رجعه لي…
يسند راهب جبينه على كفها، كأنه بيستمد منها حياة جديدة وتغمض هي عينيها وتحط جبينها على جبينه بلطف، لحظة صافية مليانة رضا.
الضوء الناعم في الغرفة
والأجهزة اللي كانت بتصدر صوت خافت
تتحول لخلفية لصمت مهيب
صمت حب عمره ما كان محتاج كلام كتير!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يوسف يدخل المستشفى وهو بيجري
قلبه بيرف من الفرح والخوف
يصطدم فجأة برائد على باب المستشفى.
رائد، باستغراب وهو ماسك كتف يوسف:
ــ مالك يا ابني، إهدى!
يوسف، وهو بيحاول يلتقط أنفاسه:
ــ شهد…
رائد، بقلبه بيخبط من الرعب:
ــ مالها شهد؟ أنا جاي أطمن عليها…
يوسف، وهو بيبتسم والدنيا بتنور في عينيه:
ــ شهد فاقت…
ورجعت تشوف!
يسيب رائد واقف في مكانه، مصدوم
مبتسم بذهول. يهمس لنفسه:
ــ فاقت… شهد فاقت!
رائد يجري بسرعة ناحيتها
قلبه بيخبط كأنه بيروح لها بعد سنين
لكن فجأة يقف عند باب غرفتها
يعدل هدومه، ويمرر إيده على وشه بتوتر!
رائد، يهمس لنفسه وهو بيحاول يثبت ملامحه:
ــ يا ترى شكلي هيعجبها؟
دي أول مرة تشوفني… ممكن مايعجبهاش.
يمرر إيده على شعره
وبعدين يوقف ممرضة:
ــ معاكي مراية؟
الممرضة، بدهشة:
ــ مراية؟
ثم،تطلع من جيبها مراية صغيرة، وتديهاله:
ــ اتفضل…
رائد يبص في المراية بسرعة، يرتب شعره
يعدل ملامحه،لكن قبل ما يفتح الباب
يشوف ليلى بتزق كرسي عليه راهب…
يتقدم منهم، والابتسامة ترجع على وشه:
ــ راهب!انت فوقت؟ حمدلله على السلامة!
ليلى ليه ما قلتيش انك جايه المستشفى كنت جبتك معايا؟
ليلى :
ــ انا رحت زرت بابا وماما الاول
وبعد كده جيت على المستشفى
رائد يبص لراهب:
ــ طمني عليك انت كويس
راهب، صوته فيه حزن خفيف:
ــ الحمد لله…
شهد عاملة إيه؟ لسه ما فاقتش؟
رائد يربت على كفه، بابتسامة واسعة:
ــ شهد فاقت…هي كويسة؟
ليلى، بفرحة تلقائية:
ــ انت وشهد فوقتوا مع بعض!
راهب، بعين فيها لهفة:
ــ عايز أشوفها…
ليلى تزقه ناحيتها بسرعة
وراهم يدخل رائد الغرفة بعد ما فتح الباب بلطف.
شهد، أول ما تشوف راهب على الكرسي
تنزل من السرير بسرعة
وعيونها بتدمع وهي بتجري ناحيته:
ــ راهب! انت كويس؟!
الكل يتفاجأ بدخول راهب
ناهد ويوسف ورهيفا
راهب، وهو ماسك وشها بكفيه وعينه بتترجف:
ــ انتي طمنيني عليكي… يا قلبي.
شهد تمسح دموعه بلطف:
ــ أنا كويسة… طالما شوفتك بخير.
راهب، بذهول:
ــ إنتي… شايفاني؟
شهد، بابتسامة فيها سحر الرجوع للنور:
ــ أول مرة أشوف عنيك بتلمع كده.
تدور بعينيها في الغرفة، تلمح ليلى
تقوم توقف قدامها وتغمض عينيها
وتمسك إيدها، وتهمس بتأكيد:
ــ أكيد… سبب المعجزة دي… ليلى.
انتي ليلى، صح؟
ليلى تبتسم، تقرص خدها بحنية:
ــ صح يا حبيبتي…
حمدالله على سلامتك.
شهد ترتمي في حضنها، بصوت بيتكتم من الشوق:
ــ تعرفي…
إنك أكتر شخص كنت برتاح في حضنه بعد ماما؟
هو حضنك، يا ليلى…
ليلى تمسح على شعرها وهي فحضنها:
ــ يا قلبي… حضني هيفضل مفتوح ليكي على طول.
رائد واقف بعيد شوية، قلقان
بيبص عليهم وبيتنهد.
شهد، وهي لسه فحضن ليلى
ترفع عينها تبص فيها، وبعدين تبص على رائد…
شهد، وهي بتسأل ببراءة:
ــ هو مين ده؟
الحزن يظهر في ملامح رائد، يتكلم باندفاع:
ــ إيه ده؟ ماعرفتنيش؟
شهد تقترب منه بحذر، تبص له من فوق لتحت وبعدين ترفع حاجبها، وتبص ليوسف:
ــ مين ده يا يوسف؟
يوسف، وهو بيكتم ضحكة:
ــ والله سؤال منطقي…
مين دخل الشخص ده هنا؟
رائد، وهو بيقرب منها، يمد إيده:
ــ شهد… أنا رائد.
ما عرفتيش صوتي؟
امسكي إيدي، هتعرفيني.
الكل يضحك بخفة!
شهد تقرب منه وهي بتتفحص ملامحه
وبصوت هادي تقول:
ــ انت شكلك…
رائد قلبه يقع… فهم إنه ماعجبهاش.
لكن شهد تكتم ضحكتها:
ــ طلعت ابيضاني…
وعنيك ملونة…
وعندك غمازة كمان!
رائد يبتسم براحة، يقرب منها
لكن شهد تبعد بسرعة وتقول بخفة:
ــ لا لا!
مش بحب النوع ده!
الكل ينفجــ ــر من الضحك، وهدير الفرح يملأ الغرفة.
ولأول مرة، النور يرجع فعلا في عيون الكل.
ورائد يضحك بخجل ويبص في الأرض
وبعدها يرفع عينيه ليها
بصوت هادي وبعيون مليانة حنية:
ــ طول الوقت بتخيل اليوم ده…
اليوم اللي تشوفيني فيه…
كنت بتمناه، بس كمان كنت مرعوب منه.
مرعوب مايعجبكيش شكلي
ما تلاقيش اللي كنتي حاسة بيه
في قلبي باين على وشي…
شهد تقرب منه خطوة بخفة
وتبصله بابتسامة رقيقة، عينيها بتلمع:
ــ ما كنتش محتاجه اشوفك بعنيا يا رائد…
كنت بشوفك من صوتك، من خوفك عليا
من ضحكتك اللي كنت بحس بيها قبل ما أسمعها.
رائد يهمس:
ــ دلوقتي شفتي عيني، عجبوكي؟
شهد، تميل برأسها شوية وهي بتبصله بحب ودفا:
ــ أول مرة أشوف عيونك…
بس حاسة إني أعرفها من زمان.
رائد يبتسم ابتسامة مرتاحة، يقرب منها بهدوء
يمد إيده ياخد إيدها، وهي ما تبعدهاش:
ــ طب ممكن نبدأ من أول وجديد؟
أنا رائد… الشخص اللي حبك وانتي كفيفة
وحيفضل يحبك وانتي شايفة، وفي،كل حالاتك.
شهد تضحك بخفة وتشد على إيده:
ــ وأنا شهد…
البنت اللي حبتك قبل ما تعرف شكلك، وقررت تفضل معاك حتى لو شكلك طلع أبيضني وعنيك ملونة
شهد وهي مسنودة على رائد
عينيها شايفاه… وقلبها متطمن!
في اللحظة دي، فتح باب الغرفة بهدوء.
دخل أكمل، وعلى وشه ابتسامة دافية
يسنده عاليه بخطواتها الهادئة،وشادي في حضنها
وراكان ماسك طرف فستانها الصغير.
أكمل، وهو بيقرب، ساند إيده على كتف راهب وقال بنبرة مليانة حب:
ــ حمد لله على السلامة يا بطل…
وحمد لله على السلامة يا شهد.
ثم نقل عينه على ناهد بابتسامة امتنان:
ــ حمد لله على سلامة الولادة
ناهد ما قدرتش تمسك دموعها
وعيونها تلمع بنور الفرح وهي شايفة أولادها قدامها بخير وسلامة، بعد ما كانوا على حافة المـ ــوت.
قالت بصوت متقطع من العبرة:
ــ الحمد لله إني شفتهم بخير.
لو مــ ــت دلوقتي… مش هكون زعلانه.
شهد بسرعة قربت منها، حضنتها بقوة:
ــ سلامتك يا ماما… ما تقوليش كده.
لسه في عمر طويل نعيشه سوا…
ونعوض كل اللي فاتنا، واتحرمنا منه.
ثم استدارت لـ عالية، وقربت منها بابتسامة مشعة:
ــ وإنتي بقى،الصحبه الشجاعة اللي كنتي بالنسبالنا أمنا التانية… مش كده، عالية؟
عالية لمست خباها بخفة
وعينيها بتبرق بود وحنية:
ــ صح… الحمد لله على سلامتك يا شهد.
شهد خدت شادي من حضن عالية
حضنته بحنان، وابتسامتها بتتسع:
ــ وده بقى القمر بتاعنا كلنا…
شادي، بس ده شكله طلع قمر لعمته!
ضحك الكل في اللحظة دي
والفرحة الحقيقية غمرت الغرفة…
كانوا بيتنفسوا الأمان من جديد
بعد رحلة وجع ما كانتش سهلة على أي حد فيهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد مرور اسابيع
كانت القاعة ممتلئة، العيون كلها مشدودة لـ ليلى وهي واقفة بثبات وثقة تناقش بحثها…!
الكل كان فاكر إن سحر سرقته منها…
لكن الحقيقة كانت أذكى من كده بكتير!
ليلى كانت عاملة شفرة مؤقتة
سلمتها لسحر بإرادتها
علشان تفعل بيها نسخة ظاهرية من البحث.
بس الحقيقة؟
الشفرة دي كانت شيفرة تدمير ذاتي… مؤقتة
بتشتغل وتمدهم بالبيانات لفترة قصيرة
بعدها تــ ـدمر كل حاجة، تمسح المحتوى تماما.
أما الشفرة الحقيقية، اللي تفعل البحث وتفتحه بكامل قوته كانت معاها… محفوظة وآمنة!
وانتهت المناقشة بتصفيق حاد
احترام وانبهار من الجميع.
ليلى نزلت من على المنصة
ترفع عينيها تلاقي راهب واقف مستنيها
مبتسم بفخر.
قال بصوت هادي، وهو بيقرب منها:
ــ أنا لحد دلوقتي مش قادر أفهم…
إزاي قدرتي تحمي بحثك،من سحر؟!
ليلى رفعت حاجبها
وابتسامة خفيفة على شفايفها:
ــ وانت فاكر نفسك العبقري الوحيد؟
نسيت إني دكتورة برضو؟
ضحك راهب وهز راسه:
ــ لا طبعا، مش قصدي… بس فعلا، ذكاك عجبني.
قدرتي تحمي تعبك ومجهودك، في وقت الكل كان بيكســـ ـر فيك… وأنا أولهم!
ليلى بصت له، نظرتها فيها حسم، بس بنعومة:
ــ أنا قلت قبل كده…
ــ الشاطر هو اللي يمشي فوق الغــ ـم…
ــ كأنه ماشي على رمل نــاعم…
ــ يسحبهم وراه، يــ ـدمرهم…
ــ ويخرج من الحكاية كأنه ما دخلهاش!
راهب نظر ليها بإعجاب حقيقي، وقال:
ــ وده حقيقي…
انتي برغم كل اللي مريتي بيه
خرجتي من الحكاية وانتي معاكي بحثك…
ومعاكي ابنك…ورجعتي كمان حبيبك…
اللي كان تايه وضايع!
ــ اللي دايما كان ماشي ورا مقولة نيتشه…
ــ يجب عليك السيطرة على قلبك
فإن امتلكه أحدهم، ستفقد السيطرة على عقلك أيضا
ليلى ضحكت بخفة، ونظرت له بعين لامعة:
ــ وأنا كنت دايما ورا مقولة باسكال
للقلــب أحــوال لا يفهمهــا العقــل!
يمكن علشان كده قلبي اختارك
حتى لما عقلي كان رفضك!
راهب بص ليها وملامحه فيها دفء ما عرفوش قبلها:
ــ وأنا كنت بهرب منك… علشان كنت خايف أضعف.
بس لما بعدت، اكتشفت إن أقوى لحظاتي كانت وأنا جنبك.
ليلى مدت إيدها ولمست إيده بهدوء، وقالت:
ــ مش كل ضعف خسارة…
في ضعف بيكشفلك مين اللي يستاهل تعيشله بقلبك ومين لا
راهب شد على إيدها بخفة، صوته كله حنية ودفا:
ــ وأنا اخترتك… بعقلي، وقلبي.
وبضحكة خفيفة قرب منها وهمس:
ــ بس ينفع بقى نطلع شهر العسل اللي حضرتك أجلتيه علشان البحث العظيم بتاعك؟
ليلى قربت منه، عينيها بتلمع بشقاوة وحب:
ــ إيه مستعجل أوي كده؟ وحشتك ولا إيه؟
راهب سحبها من إيدها، بعد بيها عن عيون الناس وقال بنبرة فيها دفن ومزاح:
ــ إحنا كاتبين كتابنا، وعملنا فرحنا من عشر تيام
بس خدي بالك…أنا عريس تحت بنـد وقف التنفيذ!
ضحكت، وبإيدها لمست خده بحنية
كأنها بتطمن قلبه قبل ما تطمن نفسها، ونظراتهم تشابكت فـ لحظة حب صافية، لا فيها كلام كتير ولا وعود، بس كلها أمان!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت ليلى واقفة في بلكونة الجناح الفاخر بالفندق شعرها منسدل على ضهرها، وعيونها تسرح في الشارع الهادئ تحت ضوء الصباح، بتشم نسمة الهوا الباردة. فجأة، يحاوطها راهب بذراعيه
صدره يلتصق بظهرها، وصوته يهمس بدفا:
ــ إيه اللي مصحيكي بدري يا قلبي؟
ليلى ابتسمت، من غير ما تبصله، وقالت بنعومة:
ــ صوت المطر… حسيته بينادي عليا…
راهب حط راسه على كتفها
وقال وهو بيشدها أكتر لحضنه:
ــ طب ما تنادي عليا معاه؟
أنا كمان بحبك وانتي في لحظات السكون دي.
لفت ليلى ناحيته، وشالت بإيديها خصلة شعر كانت لاصقة على جبينه من النوم، وهمست:
ــ مش مصدقة إننا هنا… لوحدنا…
من غير قلق، من غير خوف، من غير هروب!
ضحك راهب وهو يبوس طرف أنفها وقال:
ــ ولسه ما بدأناش الحكاية…
لسه كل الحب مستنينا جوه…!
وفجأة، دوى صوت خبط عنيف على الباب
قطع اللحظة الحميمة بين ليلى وراهب.
راهب، وهو بيكتم ضيقه، راح فتح الباب بسرعة…
لقى رائد واقف قدامه بضحكته المعتادة:
ــ إيه يا جماعة، لسه ماجهزتوش؟ عايزين ننزل
ابن عمك بيقول هيودينا مكان جديد النهارده!
راهب رفع حاجبه باستغراب
وقال بنبرة نصفها جد ونصفها هزار:
ــ يا بني آدم، إنت متأكد إنك بتخبط على عرسان؟ دي خبطتك دي تصحي المــ ـــيت!
رائد ضحك بعفويته المعتادة:
ــ ما هو ابن عمك جه صحانا وقال نجهز بدري
وأنا قولت أبدأ بيكم.
ليلى، بابتسامة ناعمة
قامت وراحت حضنت رائد بحنية:
ــ أخويا حبيبي! يعمل اللي هو عايزه…
حتى لو خبط الباب برجله.
رائد ضحك وهو بيرد بحب:
ــ تسلميلي يا قلب أخوكي، طول عمرك حنينة.
راهب اتقدم، وسحب ليلى بلطافة من حضن رائد وخلاها تستقر في حضنه هو:
ــ بس خلاص… كفاية مشاعر أخوية النهارده!
بعدين وجه كلامه لرائد وهو بيضحك:
ــ يلا امشي بقى، إدينا عشر دقايق وهننزل وراكم!
رائد وهو بيتراجع للخلف وبيغمز لهم:
ــ ماشي بس بسرعة عشان العربية تحت والجو تحفة… عارفين أول مرة أحس إني في فيلم أوروبي!
ليلى وهي بتضحك وبتدخل جوه:
ــ طب يالا يا نجم السينما، إديني عشر دقايق ألبس وهاننزل.
راهب بص لرائد وهو بيقفل الباب وبيقول بخبث:
ــ بقولك إيه، المرة الجاية خبط خبطتين وعد للعشرة، يمكن تكون منقذ ليك ولسلامتك!
رائد وهو بيضحك بصوت عالي:
ــ أنا مش بخاف… بس لو سمعت صوت تكسيــ ــر جوا همشي واعتبركم ماكنتوش هنا أصلا!
راهب ضحك ورجع لليلى جوه، وهو بيهمس ليها وهما بيستعدوا:
ــ يا ترى لو سبت الباب مقفول بالمفتاح
حد فيهم هيسيبنا نكمل شهر العسل بسلام؟
ليلى بصت له بنعومة وقالت:
ــ إحنا نكمله بطريقتنا…
حتى لو الباب بيخبط كل يوم!
ــــــــــــــــــــــــ
في قلب هايد بارك، كانت الشمس ناعمة والجو جميل وهادئ وأكواب عصير وحلويات منتشرة حوالين الشباب.
رائد رمى نفسه جنب يوسف وقال:
ــ يا جدع الجو ده يخليك تعتزل الشغل وتفتح عربية قهوة هنا!
يوسف وهو بيضحك:
ــ ولو فتحتها، هاتكون أول زبون وتشرب نص الأرباح!
راهب قاعد ورا ظهر ليلى وبيسرح شعرها بأصابعه:
ــ أهو كده بس… أخيرا فسحة بدون مقاطعة
لا خبط باب ولا عمال بيصلحوا حاجة.
ليلى تضحك وتمد إيديها للسماء:
ــ الحمد لله! والجو حلو ومش برد خالص.
رهيفا تقطع الحديث وهي ماسكة موبايلها وبتصور الكل:
ــ استنوا كده… سيلفي جماعي! اقربوا… اقربوا كمان… شهد حبيبتي ابتسامة!
شهد بضحكة خجولة وهي بتزق رائد بإيدها:
ــ شيل الكاب ده شكلك فلاح مش سائح!
رائد:
ــ ما أنا فلاح وأفتخر! وده كاب لندن عشان أحترم الدولة المستضيفة!
ضحكوا كلهم، ورهيفا صورت الصورة وقالت بحماس:
ــ أهو كده، ذكريات! وهانطبعها ونعلقها في الشقة.
يوسف وهو بيشرب عصير مانجا:
ــ بقولكم… نكملها بكروز في التيمز؟ نركب مركب ونغني!
ليلى بابتسامه توجه كلامها ل راهب:
ــ وتغني لي اهواك بصوت عبد الحليم
راهب يغمز ليلى،بصوت منخفض:
ــ لو رقصتيلي، أنا موافق!
شهد تسمع نقاشهم وتضحك:
ــ يا جماعة حد يسكتهم…
العرسان دول قلبوا الفيلم رومانسي أكتر من اللازم!
رائد يرفع حاجبه:
ــ وأنا هاقلبه أكشن لو فضلوا
يغازلوا بعض،كده قدامي!
شهد تسيب إيدها في إيده
كأنها أخيرا لقت الدفا اللي كان ناقصها
كأن اللمسة دي ختمت كل الوجع اللي فات:
ــ طيب متغازل انت كمان مراتك حبيبتك!
رائد يمسك إيدها بإحكام أكتر ويقرب منها:
ــ وأنا أهو، بغازل، وبحب، وبعلنها…
مرات رائد مش بس حبيبته…
دي هي الدفا، والأمان…
وكل الحاجات اللي من غيرها كان تايه!
شهد تبص له والدمعة على طرف عينها
تحاول تخبيها بالضحك:
ــ هتخليني أعيط يا مجنون!
يرد رائد وهو يمسح دمعتها بإيده:
ــ عيطي، بس جوه حضني.
يوسف، يهمس لرهيفا وهو بيضحك:
ــ قلبي حاسس إننا في مشهد نهاية مسلسل رمضان!
رهيفا تضحك وتهمس له:
ــ بس مسلسل حلو… يستاهل العيد!
الجميع يضحك، والدنيا ترجع تدور من جديد حوالين الأمل حوالين حب ما قدرش الزمن يطفيه ولا الظروف تكســــ ــره.
ليلى تمسك بإيد راهب، تبصله بعين كلها رضا:
ــ شوفت؟ حتى لما القلب يتعب…
بيصحى تاني… بس المرة دي بيحب بصدق!
راهب، يهمس لها:
ــ القلب لما يحبك… ما يعرفش ينسى!
ليلى بهمس هادئ:
ــ أحيانا لا نحتاج طريقا جديدا…
بل نحتاج شجاعة لنكمل الطريق الذي بدأناه!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«تمت بحمد الله»

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ارناط)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *