رواية فتيات القصر الفصل الثالث عشر 13 بقلم اسماعيل موسى
رواية فتيات القصر الفصل الثالث عشر 13 بقلم اسماعيل موسى
رواية فتيات القصر البارت الثالث عشر
رواية فتيات القصر الجزء الثالث عشر

رواية فتيات القصر الحلقة الثالثة عشر
طوال لحظاتٍ طويلة، ظل الصمت مشحونًا كثقلٍ معلق في الهواء. ثم، كمن كسر قيدًا قُدّ من الرهبة، مدت راما يدها إلى القبضة النحاسية وأدارتها.
الباب انفتح ببطء، يصدر أنينًا خافتًا كأن جدران القصر ذاتها تستنكر جرأتها.
دخلت راما.
الغرفة مضاءة بمصباحٍ زيتي يتراقص ضوءه فوق جدرانٍ مزينة برسوم صيد قديمة، وستائر مخملية تخنق النوافذ. جلست السيد خلف مكتبه العريض، أنيقًا كعادته، يحمل مظهر الرجل الذي لا يعترف لشيء في هذا العالم بسلطةٍ فوق سلطته.
راما وقفت عند طرف البساط العتيق، لم تطرق الباب، ولم تنحني.
قالت بصوتٍ خافت لكنه مشحون، يتحدى كل عرف:
“سيدي، حدث أمرٌ في الحديقة الملكية. زهرتي… الزهرة التي عملت عليها لثلاثة فصول، دُمّرت.”
ثم أخرجت من جيب ثوبها قطعةً من بتلة متفحمة، ووضعتها فوق سطح الطاولة بعناية أشبه بالإهانة.
رفع السيد عينيه نحوها، نظرة هادئة، باردة، كأنما يعاين مشهدًا أقل من أن يستحق اهتمامه. ثم تكلم بنبرة رخيمة تحمل في طياتها جبروت السادة:
“ذلك مؤسف يا آنسة راما… وسنجري تحقيقًا كما يقتضي النظام.”
صمت لوهلة، ثم أضاف بصوت أبطأ:
“لكن، لا يليق بكسر قوانين القصر. اقتحامك جناحي، مهما كانت الذريعة، انتهاك جسيم.”
ارتفع من مقعده، دار حول الطاولة بخطوات رزينة محسوبة كحركات رقعة شطرنج، حتى وقف قُبالتها.
“العقاب… لا يُؤجل.”
كانت عينا راما تشعّان بالكبرياء المقهور. لكنها لم تتراجع.
“لا أطلب سماحك، سيدي. أطلب تفسيرًا.”
ابتسم السيد ابتسامةً بالكاد ترتفع زاوية شفتيه. ثم قال:
“في القصر… التفسير رفاهية لا تمنح لمن يعصي القوانين. أما العقاب، فهو يقام ليُذكّر الجميع بحدودهم.”
ثم، في رصانة فيكتورية تقليدية، أمرها بالوقوف جوار الجدار الحجري المقابل، حيث الحائط مزدان بحاملات شموعٍ قديمة، وأمر بإحضار العصا ذات المقبض العاجي.
ولم تكن العقوبة جسدًا فحسب… بل طقوس إذلالٍ صامتة، أشبه بكسر إرادة دون صوت.
ففي ذلك القصر… كان السيد يؤمن أن الخدم يُؤدّبون بالصمت، وأن الكبرياء حين يجرح، ينزف ببطء.
وحتى وهي تحت وطأة العقوبة… لم تصرخ راما.
كانت عيناها، وحدهما، تقولان كل شيء.
وفي تلك اللحظة… أدرك السيد أن خسارته معها لم تكن الزهرة… بل السيطرة ذاتها.
______
في مساءٍ يلفه السكون وتتناثر ظلال المصابيح الخافتة على جدران الجناح العتيق، وصلت لارينا. خطاها على الأرضية الرخامية تكاد لا تُسمع، وثوبها المائل إلى لون الكهرمان ينساب خلفها كستارٍ من شحوبٍ أنيق.
توقفت أمام باب السيد، طَرقَت طرقتين خفيفتين، ثم انتظرت.
“ادخلي.”
صوته جاء منخفضًا، مستقرًا كالموج الثقيل عند حواف صخرة.
فتحت الباب، وانحنت بانحناءة دقيقة محسوبة، قبل أن تتقدم بخطوات رشيقة نحو مكتبه. في يدها ملفٌ جلديّ صغير، وضعتْه فوق سطح الطاولة، ورفعت عينيها للحظةٍ لتلقى نظرته.
“كما أمرتم، سيدي… تمت مراقبة الحديقة وأروقتها الخارجية. لم يُرصد شيء مريب قبل الحادث.”
قالها بصوتٍ مرنٍ، يحمل صفة من صفات الأتباع الذين يجيدون الانحناء دون أن تنكسر رؤوسهم.
السيد، وقد اتكأ بظهره إلى المقعد الجلدي، راح يدور بالقلم بين أصابعه. نظر إليها نظرة طويلة، فيها شيء من الرضا المغموس بوعيدٍ مستتر.
ثم قال ببطء:
“أحسنتِ، لارينا. تذكّري… أنتِ هنا لتطيعين، لا لتفكرين. تنفيذ الأوامر دون سؤال، ذلك ما يجعلك مفيدة… وأبقيكِ آمنة.”
قال الجملة الأخيرة وهو يثبت عينيه في عينيها، كما لو كان يختبر استسلامها أمام الكلمة.
لارينا أومأت برأسها، ولم تعقّب. كانت تعرف طباع السيد، يعرف كيف يغلف تهديداته بلباقة النبلاء، وكيف يزرع أوامره في عقل من أمامه، لا تقبل جدالًا ولا اعتراضًا.
ثم أضاف، وكأنما يخبرها شيئًا لا يتطلب تساؤلًا:
“ستتولين أمرًا آخر قريبًا… ولن يليق بك السؤال عنه.”
ابتسمت لارينا، انحناءة رشيقة من شفتيها فقط.
“متى شئتم، سيدي.”
تذكرى أيتها القطة الصغيره ان تضاعفى اعمال راما
لن نسمح لفتاه لا معنى لها ان تتحدى ارادتى هل تفهمى ؟
احنت لارينا رأسها
ثم انسحبت، كما جاءت… ظلٌ مطيع لا أثر لصوته سوى في دفتر السيد
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية فتيات القصر)