روايات

رواية جبروت في قلب صعيدي الفصل الحادي عشر 11 بقلم نور الشامي

رواية جبروت في قلب صعيدي الفصل الحادي عشر 11 بقلم نور الشامي

رواية جبروت في قلب صعيدي البارت الحادي عشر

رواية جبروت في قلب صعيدي الجزء الحادي عشر

جبروت في قلب صعيدي
جبروت في قلب صعيدي

رواية جبروت في قلب صعيدي الحلقة الحادية عشر

كانت خطوات أسد تتسارع وهو يحمل فارس بين ذراعيه بينما تركض سحابة خلفه والدموع لا تتوقف من عينيها ووصلوا إلى أبواب المستشفى فصرخت برجاء وهي تلهث:
الحقونا بالله عليكم…. ابني مش جادر يتنفس
هرع الطبيب والممرضون إليهم وتناولوا الطفل من بين يديه بسرعة بينما ظل أسد واقفا في مكانه يراقب المشهد كأن قلبه يُنتزع فقال الطبيب وهو يمد يده لطمأنته:
اطمن… هندخله فورا… إن شاء الله خير حالته مبدئيا مستقرة بس محتاج متابعة دقيقة
كانت سحابة تتحرك خلف الفريق الطبي تحاول اللحاق بابنها لكن يدا قوية أمسكت بها من الخلف فـ التفتت ووجدت عيني أسد تطلان عليها بنظرة ممتلئة بالأسى والحيرة تلك النظرة التي لم تغب عن ذاكرتها يوما وشدها إليه فجأة وصوته خرج خافتا مبحوحا من فرط الألم:
كنتي فين؟… كل السنين دي كنتي فين يا سحابة؟
تجمدت الكلمات على شفتيها وارتجفت عيناها من شدة التوتر لم تكن تتوقع سؤاله ولا هذا القرب لكنه لم يمنحها فرصة للهرب بل ضمّها إلى صدره بقوة كأنما وجد وطنه الضائع مرددا:
انا دورت عليكي في كل مكان… كل يوم أصحى وأجول يمكن ألاجيكي… كنتي وحشانى… وحشانى جوي والله
أغمضت سحابه عينيها بشدة تحاول أن تحبس دموعها المتدفقة أن تخفي ضعفها…. أن تقاوم هذا الحضن الذي طالما اشتاقت إليه لكنها تمالكت نفسها وابتعدت عنه بهدوء وهمست بصوت مخنوق:
مينفعش اكده يا أسد… إحنا خلاص مطلطين… وكل واحد بجي في حاله
تغيرت ملامحه فجأة ونظر إليها بعينين تمتلئان بالخذلان وهتف :
انتي ال اجبرتيني أطلجك… وأنا عمري ما بطلت أحبك
وقبل أن تنطق بكلمة انفتح باب الطوارئ وخرج الطبيب بخطوات سريعة ونبرة مطمئنة:
الحمد لله… الطفل حالته اتحسنت… بجا مستقر ودلوجتي يجدر يشوفكم
اندفعت سحابة نحو الغرفة تسبقها دقات قلبها ولهفتها ولم تكن تدري هل تركض نحو ابنها أم نحو ذكرياتها القديمة التي كانت تظن أنها دفنتها إلى الأبد وبعد فتره قصيره كانت الغرفة تغمرها رائحة المطهرات وهدوء ثقيل يخيم على الأرجاء ووحدها أنفاس فارس الصغيرة كانت تقطع الصمت من حين لآخر حيث وقفت سحابة إلى جوار سريره وعيناها متعلقة بالباب وكأنها تنتظر شيئا ما… أو أحدا وفجأة انفتح الباب ببطء ودخل شاب في أواخر العشرينات ملامحه هادئة وخطاه واثقة ولم تمضِي ثواني حتى التمعت عينا فارس وصرخ بفرح خالص وهو يركض نحوه:
باباااا!!
ارتمى الطفل في حضن الرجل الذي احتواه بين ذراعيه بينما تجمد أسد في مكانه وقد شلت ملامحه وعينيه تتأملان المشهد كأن الزمن توقف فـ رمقته سحابة بنظرة متوترة وتقدمت خطوتين ثم قالت بصوت خافت وهي تشير إلى الرجل:
أحب أعرفك… ده جوزي آدم
لم يتغير تعبير وجه أسد لكنه أومأ برأسه ببطء وصوته خرج خافتا، مكسورا:
آه… أهلا وسهلا… بعد إذنكم.
ثم استدار وخرج من الغرفة بخطوات بطيئةوكأن كل خلية في جسده تئن من الداخل. لم يتكلم ولم يلتفت فقط أغلق الباب خلفه بصمت… وترك خلفه قلبا يتصدع وفجاه شعر أسد بدوار شديد وبدأ كل شيء يدور من حوله وقدماه لم تعودا قادرتين على حمل جسده المثقل وعيناه بدأت يظهر بها غشاوة ثقيلة وقبل أن يسقط أرضا امتدت ذراع سريعة لتسنده بقوة مردده:
أسد… مالك… في إي عاد.. انت كويس
رفع اسد عينيه بصعوبة ليجد ريم أمامه تمسك به ووجهها يحمل ملامح القلق الحقيقية فـ تسمرت نظرته عليها كأنما لم يصدق عينيه وخرج صوته متحشرجا:
انتي؟… انتي إي ال جايبك اهنيه
أجابته ريم بنبرة هادئة وهي لا تزال تمسك بذراعه:
جايه مع بابا… عنده فحوصات اهنيه وجيت أخده واطمن عليه… بس انت؟… إي ال جابك
أبعد أسد يدها عنه فورا وحاول أن يستعيد توازنه وقال بجفاف:
كويس… أنا تمام
نظرت إليه ريم ثم قالت بإصرار:
لع انت مش تمام… شكلك تعبان جوي … تعالى أوصلك للعربية
هز اسد رأسه بسرعة كأنه يهرب من شيء ما داخله مردفا :
لع… أنا كويس. شكرا… خلي بالك من نغسك سلام
انهي اسد حديثه ثم استدار ليكمل طريقه وخطواته متثاقلة لكنه كان يرفض أن يظهر ضعفه أمامها فـ وقفت ريم في مكانها للحظات تحدق فيه وهو يبتعد عنها ثم أخرجت هاتفها بسرعة واتصلت بأحدهم وصوتها خرج مضطربا بعض الشيء مردده :
اسد تعبان… خليك معاه هو لوحده ومش طايج نفسه… خليك جمبه متسيبهوش
اكملت ريم حديثها ثم أغلقت الخط ونظراتها لا تزال معلقة على ظهره وهو يبتعد… ظهر رجلا يسير كأنه يحمل جبالا فوق كتفيه وحده تماما وفي عمق الليل كانت الرياح تعصف بين شواهد القبور تحمل معها أوراقا جافة وصمتا ثقيلا يطبق على المكان و السماء كانت ملبدة بالغيوم والقمر يحاول أن يشق طريقه بينها وفي ركن مظلم من المقبرة وقفت ملك بجوار جهاد تلف جسدها بذراعيها تتلفت حولها بقلق واضح بينما كانت جهاد تنظر أمامها بثبات تحمل كيسا صغيرا بين يديها وتفتحه بحذر فـ همست ملك وهي تحاول أن تخفي ارتجاف صوتها:
جهاد… أنا مش مقتنعة بال هنعمله ده… والله حرام… إحنا جينا لحد المقابر بالليل… اكده مش طبيعي… ولا حتى منطقي
ردت جهاد ببرود وهي تخرج علبة صغيرة أشبه بعلبة البخور:
ده الحل الوحيد يا ملك… انتي عايزة ترجعي فهد ليكي ولا تفضلي جاعدة بتعيطي عليه… لازم نربطه بيكي بأي طريجه
تنهدت ملك بنفاذ صبر وهتفت:
أربطه…. أروح رايحه عملاله عمل…. طب وافرضي حوصله حاجه؟ افترضي حاجة وحشة حوصلت بسببي… هعمل اي دلوجتؤ بجا ان شاء الله
نظرت جهاد لها بنفاد صبر واقتربت منها بخطوة مردفه:
بصي… هو مش هيموت يعني.. ده شغل مضمون ومجرب… كل ال عليكي إنك تحطي ده…
وأخرجت جهاد كيسا صغيرا به مسحوق رمادي ثم اكملت
تحطيه ليه في الجهوة… مش هيتأذى بس هيبدأ يحس إن مفيش في الدنيا غيرك
تراجعت ملك خطوة إلى الوراء ما بين الخوف والفضول وتمتمت:
انا… مش عارفة… جلبي مش مطمن
وضعت جهاد يدها على كتفها وقالت بنبرة خادعة فيها بعض الحنان:
بصيلي يا ملك… انتي بتحبيه صوح.. انا متاكده انك بتحبيه
جهاد بلهفه:
يبجى لازم تعملي اكده… الحب لو محاربتيش عليه… حد تاني هياخده منك… فهد بيروح وبيجي بس لو حد تاني سكن جلبه… ساعتها هتبجي خسرتيه للأبد
سادت لحظة صمت بينهما ثم مدت جهاد يدها بالكيس نحوها وهمست:
خديه… وحطي منه معلقة صغيرة بس في فنجان الجهوة … وساعتها هتشوفي بنفسك.
ترددت ملك ثم ببطء مدت يديها وأخذت الكيس بأنامل مرتعشة وعيناها لا تزالان تراقبان المقابر من حولها وكأنها تنتظر شيئا يخرج من تحت الأرض ليحذرها…وبعد فترة في شقة أنيقة وهادئة جلست سحابة على الأريكة وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة ويدها في يد ريم التي كانت تجلس بجانبها تحتضنها بحنان و الدموع كانت تتساقط بغزارة من عيني سحابة تعبيرا عن ألم مختلط بالأمل فـ نظرت ريم إليها بعطف وحاولت أن تواسيها مردده:
يا سحابة أنا عارفة قد إي الموضوع صعب عليكي بس صدجيني أنا هفضل جمبك طول الوجت.
تنههدت سحابه بحزن ورددت:
والله يا ريم واحشني جووي…. مكنتش مصدجة إني شفته بعد كل ال فات… حتى لو كان حاجة بسيطة… وجوده جمبي خلاني أحس بسلام محسيتوش من زمان.
ابتسمت ريم وأمسكت يدها بحنان وهتفت :
أنا ساعدتك يا سحابة مش بس علشان أنتي اتظلمتي… لكن كمان علشان تتاكدي إني مجتلتش فارس … بس ال بيوحصل دلوجتي غلط وحرام والله
نظرت سحابه إليها بعينين شاكرين مردده:
لما عرفتي إن أسد معايا جبت واحد يعمل دور جوزي وأبو فارس.. شكرا انك معايا دايما
ضحكت ريم بصوت مرتفع مردده:
أيوة و فارس ولد شاطر…أنا وريته صورة آدم قبل ما يشوفه وجولتله أول ما تشوفه جول عليه بابا علطول و الولد ده فعلا ذكي طالع لأبوه في كل حاجة.
ابتسمت سحابه رغم دموعها وهي تتحدث:
ربنا يخليكي يا ريم… والله ما كنت أتصور إنك هتوجفي جمبي اكده
همست ريم بصدق:
أسد لسه بيحبك يا سحابة… مهما حوصل… لسه مش جادر ينساكي والله وبيحبك جوي
عاودت سحابه البكاء وقالت بمرارة:
الحب مش كل حاجة يا ريم… أنا مش مستعدة أخسر ابني التاني زي ما خسرت الأول. مش عايزة ألم تاني ومش عايزة أعيش اكده مره تانيه…. لازم نفضل بعيد عن بعض دا الحل الوحيد اللي ممكن يحفظلي نفسي وفارس.
وقفت ريم ببطء وأمسكت بيد سحابة بشدة وقالت:
يمكن فعلا لازم تكونوا بعيدين دلوجتي بس متيأسيش من الوجت…. يمكن الأيام تجمعكم تاني لما الظروف تكون أفضل.
نظرت سحابه إليها وأومأت بحزن ثم استندت على كتف ريم وأغمضت عينيها مستسلمة لبعض الراحة التي جلبتها تلك اللحظة بين صديقتها بعد فترة كان فهد جالسا مع أسد في غرفته حيث بدا منهارا تماما وهو ينظر إلى الأرض وكلماته تخرج بصعوبة:
مش جادر أنسى سحابة… اتجوزت وعاشت حياتها وخلفت كمان… وأنا لسه عايش في دوامة مش جادر أعيش حياتي طبيعي.
ربت فهد علي كتفيه مرددا:
كل حاجة هتتحسن مع الوجت والله يا اسد وأنا معاك، ومش هسيبك اهه وخلاص يا اسد.. مدام شافت حياتها ربنا معاها هي اتظلمت كتير جوي
في تلك اللحظة دخلت ابنه أسد وعيناها مليئتان بالقلق واقتربت من أبيها بسرعة ووقفت أمامه ثم احتضنته بقوة وهمست له بصوت طفولي حنون:
بابا مالك ليه اكده…انت زعلان متزعلش
ابتسم اسد وهو يمسك بها واحتضنها بحنان مرددا:
مش زعلان يا جلبي… طول ما أنتي معايا مستحيل ازعل
ابتسمت الفتاة بخجل وشعر أسد ببعض الراحة يتسلل إلى قلبه وفي صباح يوم جديد كان يقف فهد أمام باب غرفة ابنته بهدوء وأخذ نفسا عميقا قبل أن يفتح الباب ويدخل بهدوء ليوقظها.
لكن ما إن دخل حتى صدم بشدة… كانت ابنته نائمة بعمق غير طبيعي لا تستجيب لأي صوت أو حركة فاقترب منها وردد بقلق:
يا حبيبتي… جومي يا روحي… يلا يا حبيبتي انتي اي ال منيمك لحد دلوجتي
حاول فهد يهزها بلطف لكنه لم يحصل على أي رد وقلبه بدأ يدق بسرعة والهلع بدأ يتسلل إليه حتي انصدم عندما وجدها بلا حراك ولا تتنفس فصرخ بفزع و في الطرف الآخر من المدينة كانت سحابة تركض في أرجاء الشقة وصرخاتها تملا المكان وهي تدور حول نفسها تبحث عن فارس طفلها الغالي بين الغرف والدهاليز مردده بتوتر:
فارس!… يا حبيبي… انت فين يا جلبي
قفزت سحابه على الكراسي وفتشت في كل زاوية لكن لا أثر له والذعر يزداد في عينيها وفجأة دخلت ريم الشقة بسرعة ووجهها مليء بالفزع وقالت بصرخة:
سحابة…. فارس اتخطف و

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية جبروت في قلب صعيدي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *