روايات

رواية لأجلها الفصل التاسع عشر 19 بقلم أمل نصر

رواية لأجلها الفصل التاسع عشر 19 بقلم أمل نصر

رواية لأجلها البارت التاسع عشر

رواية لأجلها الجزء التاسع عشر

لأجلها
لأجلها

رواية لأجلها الحلقة التاسعة عشر

ليلة أخرى مرت عليها من السهاد والقلق حتى تمنع عن عينيها النوم رغم تعب الجسد المهلك طوال الأيام الفائتة في الاعداد ووقفتها في هذا الحدث الأهم لابنتها ، والتي كان يقتلها الخوف عليها الآن من شيء تمر به كل النساء ولكن قلب الأم لم يستوعب الفكرة بعد.
مخاوف وهواجس تدور برأسها بلا هوادة، وأشياء أخرى لا تود الاعتراف بها، كانت تقطع افكارها دائما، ولا تجد لها حلا لصرفها، فتستقر في الأخير على التركيز في القادم، والخطوات التي يجب اتخاذها، لتبدأ حلقة أخرى من التشتت حتى أشرق خيط النور البسيط ببداية اليوم الجديد، وبداية جديدة بها بعض الاطمئنان الذي وصلها عن طريق تلك المكالمة التي وردت اليها من بنت قلبها،وكأنها كانت تشعر بها، لتبث بداخلها ارتياحًا كانت في أشد الحاجة اليه، فتختطف اخيرا ساعتين من الزمن للنوم كان الجسد يأن تعبا من اجلهم
ثم تستيقظ مضطرة الان لفعل واجبها التقليدي لأم العروس، في هذا اليوم المميز، والاهم هو رؤية صغيرتها التي اشتاقت اليها وبقوة،
أغلقت على سلتها البلاستيكية وما تحتويه من خيرات لفطار العروسين التي اعدته سريعًا لترتدي عبائتها السوداء المحتشمة وحجابها، ثم اتخذت طريقها نحو باب المنزل، بخطوات حريصة حتى لا تزعج ابن شقيقها الغافي على الأريكة الخشبية وسط الصالة، فقد اشفقت ان توقظه في هذا الوقت من الصباح
وخرجت من المنزل قاصدة طريق الجسر في الخلف حتى تستقل منه سيارة أجرة لتقصر عليها مسافة الذهاب بحمل السلة الممتلئة عن آخرها بالطعام الساخن.
وكانت المفاجأة من نصيبها حين اصطدمت ابصارها بذاك الجار والنسيب في اَن واحد، يطوف بخرطوم المياه حول الشجيرات الصغيرة التي تم زراعتها حديثا حول منزله يسقيها باكرا في هذا الوقت، وكأنه لا ينام أبدا عجبا لهذا الرجل؟
– صباح الخير يا ابو ريان.
تمتمت بها تلقي تحيتها الروتينيه اليه حتى انتبه والتفت رأسه اليها بابتسامة رائقة يجيب تحيتها:
– صباح الفل يا نسيبتنا، شايلة ومحملة كدة على أول الصبح، وراكي مشوار إياك؟
القى سؤاله الاخير بمكر رغم علمه بوجهتها كي يجبرها على الإجابة:
– ودي فيها سؤال؟ أكيد رايحة للعرسان على البيت الكبير ان شاءالله، اللحق اخطفلي لحضة مع البت قبل البيت ما يتملي بزوار الصباحية.
قالتها بيرائة فاستغل هو يضيف عليها بجرأته:
– طبعا عشان تطمني، حقك يا ام العروسة
دفعها الحياء ان تسبل اهدابها عنه رغم غيظها الشديد من تلميحه المبطن، لتتجاهل بقصد التهرب وتتحرك بنية الذهاب:
– طب عن اذنك انا رايحة اشوفلي عربية و……
– لا والله ما يحصل.
قاطعها بقسمه ليفاجأها بسحب السلة الثقيلة من يدها على حين غرة وبدون استئذان يردف بتشدق:
– تركبي أجرة لحد بيتنا وانا موجود، دي حتى تبجى عيبة في حقي.
حاولت الرفض بجذبها منه:
– مالوش لزوم التعب، دا انا ممكن اخدها كعابي حتى خليك أنت في اللي بتعمله….
عبس متحدثا بحسم يقطع كل سبل الجدال في وجهها:
– خلااااص عاااد، بعد الحلفان مفيش كلام تاني، انت يا واض اجفل على المية.
هتف بالاخيرة نحو احد الشباب من العاملين في المنزل، واتجه بخطواته السريعة نحو السيارة المصطفة في جانب وحدها من الشارع ، ليضع السلة الثقيلة في الحقيبة الخلفية بها، ثم قام بفتح الباب الامامي يشير لها للانضمام:
– اتفضلي بجى من غير كلام تاني.
طالعته بصدمه تنوي رفض الجلوس بجواره في الامام، ليلتقط ما تفكر به، ويسبقها بابتسامة ماكرة؛
– ما تيللا بجى يا نسبيتنا هو انتي غريبة يعني؟
……………………
داخل غرفة العروسين في منزل حماد القناوي
وقد استيقظ بنصف وعي اثر الضوء الذي كان يخترق اجفانه دون ان يشعر، يتذكر ليلته السعيدة مع عروسه الجميلة، ليمرر كفه على الفراش بجواره كي يلتقطها، ويضمها اليه، مذكرًا نفسه انها أصبحت ملكه بالفعل، وان ما يشبع وجدانه الان من مشاعر تفوق خيال رأسه، لم تكن محض حلم من أحلام يقظته او نومه، بل هي حقيقية وحقيقة مؤكدة ولكن…..
فتح عيناه على وسعها مجفلا لخلاء الفراش منها ومن أي أثر لها، لينتفض معتدلًا بجذعه يطالع الغرفة المزينة حوله وأثار ليلته الجامحة يثبت صحة عقله، فستان الزفاف المعلق في المشحب، مع حلته السوداء بسترتها والبنطال، حذائها وحذائه على الارض والمنامة الحريرة التي ألقاها بنفسه على الأرض أثناء ال…….
نهض عن فراشه فجأة يبحث عن الشيء الوحيد الذي لم يراه حتى الان، متمتمًا بفزع:
– الاسدال، لتكون عملتها وراحت لامها البت المجنونة دي، ليلى، يا ليلى…..
صدر ندائه الاخير بصيحة أتت باستجابة فورية منها:
– ايوة يا معاذ انا هنا.
التف يجدها خارجة من الشرفة بالاسدال ليتنفس بارتياح نسبي يقترب منها ويحتضنها بشوقه:
– يا صباح الورد يا جلب معاذ، انتي سبيتي الفرشة وجومتي ليه من جمبي بس ؟
تركته يقبلها على وجنتيها قبل أن تجيبه:
– عادي كنت بكلم صحابي على الشات .
سمع منها وبرد فعل غريزي ابتعد عنها مرددًا بعدم رضا:
– ودا وجته تكلمي فيه اصحابك يا ليلى، ولا انتي نسيتي وضعك دلوك؟ ميصحش اصلا ، ده ميصحش.
عبست مرددة خلفه بسجيتها:
– هو ايه اللي ميصحش؟ انا لقيت نفسي صاحية وانت نايم مكانش ينفع اصحيك، مسكت فوني لقيتهم هما كمان فاتحين نت، دخلت كلمتهم عادي، ضحكنا وهزرنا على الفرح امبارح وبعدها كلموني ع الدورس وكيف هيجمعهوالي على ما ارجع في الكام يوم اللي هنسافر فيهم معاك.
استوعب قليلًا ليومأ متفهمًا ولكن بحذر:
– خلاص نعديها المرة دي بس ياريت متكرريهاش تاني النهاردة ولا بكرة على الاقل، يعني عشان صورتنا انا وانتي جدام الناس، لازم نتقل شوية ونعمل لنا مركز.
توقف برهة ليكمل بمكر وعضلات وجهه ارتخت بعض الشيء لعلمه بطبيعة الفتاتاتين:
– وعلى العموم سمر ونسرين الاتنين مدهولين، مش ناصحين جوي يعني عشان الواحد يقلق منيهم ولا يعملهم حساب…
تبسمت هي لمزاحه رغم اعتراضها، لتلكزه بقبضتها على جانب صدره تحذره:
– بطل غلط، انا مسمحلكش تغلط في صحباتي.
جلجلت ضحكته يضاعف مناكفتها بلف ذراعه حول رأسها مردفًا:
– يا لولة عديها بجى، أنا بهزر وافك معاكي عشان انسى خلعتي منك، بعد ما صحيت من نومي وملجتكيش جمبي افتكرتك مشيتي على امك وعملتيها فيها، حكم انتي يا بت مزيونة مش مضمونة.
– لا ما انا كلمتها وطمنتها.
توقفت الضحكة بثغره كما أنه رفع ذراعه عن رأسها،
يردد خلفها بعدم تصديق:
– كلمتيها كيف يعني؟ لا انتي اكيد بتهزري .
تبسمت بمرح تؤكد له:
– لا والله ما بهزر، امي كانت هتموت من القلق عليا، انا كان لازم اتصل عشان اجولها واطمنها.
بهتت ملامحه إلى حد الإصفرار، يطالعها بأعين برزت برعب، تتلاعب الظنون برأسه ليلطم بكفه على خده مرددًا:
– اتصلتي بأمك يوم صباحيتك تبلغيها عن اللي حصل ما بينا يا ليلى؟
انفعاله المبالغ فيه اضحكها بشدة، لدرجة لم تجد صوتها في رد له، حتى امسك بها من كتفيها يستدرجها ببعض الحزم كي تتوقف:
– ليلى يا حبيبتي، مش وجت ضحكك خالص دلوك، انا عايز اعرف بلغتي امك ايه؟
بصعوبة شديدة تماسكت لتهدئ من روعه:
– ميروحش مخك لبعيد، انا مبلغتهاش بتفاصيل لأن أمي اساسًا مأدبة متحبش الكلام ده، وانا زيها على فكرة يا ابو ضمير مش سالك، دا غير انها منبهه عليا من البداية، ان اللي يحصل بين الراجل ومراته أسرار مينفعش حد منهم يطلعها.
اراحته اخيرا ليسقط بجسده جالسًا على طرف التخت، يزفر بتعب، يمسح بكف يده على شعر رأسه للخلف وبصمت دام لحظات، حتى اقتربت منه قائلة بطرافة:
– سكت يعني مقولتليش زين عليكي حلوة ومتربية زي امك….
وما كادت تنهيها حتى جذبها من يديها، ليسقطها على التخت بجواره، فصدرت صرخة الاجفال منها وهو ينقض عليها مكتفًا ذراعيها فوق رأسها يردد بتحفز:
– وكمان جايلك قلب تستخفي دمك بعد ما نشفتي دمي مرتين يا باردة، دا انا هاخد حقي منك تالت ومتلت دلوك،
فصاحت تقاومه لتدفعه عنها بدلال وتمنع مرغوب، حتى وصلت أصوات مزاحهم والمداعبات الى خارج الشقة، وفي تلك الاثناء كانت إحدى اشقائه تحمل صنية طعام الإفطار، وعلى وشك طرق الباب او الضغط على الجرس، فأصابها الحرج لترتد الى الخلف تهم بالعودة،
متراجعة بخطواتها حتى هبطت الدرج نحو الجلسة التي تجمع والدتها بعدد من شقيقاتها، تجهز نفسها لسخريتهم،
………………..
وبداخل السيارة التي تقلها معه، كانت جالسة جواره في الامام يسوق بها إلى وجهتهم ملتزمة الصمت ، تحاول السيطرة على ذاك التوتر الذي أصبح يصيبها في حضرته، أفعاله المكشوفة في مناكفتها، نظراته التي يخطفها نحوها في كل لحظة أثناء ترديده لاغاني المزياع العاطفية، حديثه المستمر معها في مواضيع شتى، وكأنه متعطش لسماع رأيها فيها، فكانت تبداله الردود ولكن بتحفظ مقصود كلما أتى برأسها صورة المرأة الجميلة زوجته، تذكر نفسها بالفرق الشاسع بينهما.
– الواض ريان امبارح كان هيجنني برقصه، قسما بالله كنت هفطس على نفسي ضحك وانا شايفه بيعقب برجليه، العيال دي ميخفاش عليها حاجة واصل .
ابتسامة حقيقية زينت ثغرها بذكر الصغير الذي آثار انبهارها بالفعل حتى نست حرصها في تشجيعه بالأمس وتقبيله من وجنتيه امام البشر، لتعلق على قوله الان:
– هو بالفعل كان حلو جوي امبارح، ربنا يخليهولك وتفرح بيه،
– اللهم امين يارب
تمتم بها بارتياح ليردف بقوله:
– خسارة مش جاعد النهاردة، اكيد كان هيعمل مهرجان بزيارتك عندينا، حكم دا بيفرح جوي لما يشوفك.
– ليه راح فين؟
صدر السؤال منها بسجيتها فجاءت اجابته مفحمة لها رغم برائتها:
– خدته امه يبيت معاها كام يوم، اصلها بجالها فترة طويلة بعيدة عنه.
سمعت منه لتوميء بتفهم مرددة؛
– طبعا ما هي امه، ربنا يخليها ليه ويخليه ليها، ويجمعهم ببعض دايما.
لم يفهد على مقصدها الاخير حتى كاد أن يستفسر مواصلا الحديث، ولكن اوقفه اختراق السيارة لداخل محيط المنزل الكبير، وظهور ابنة عمه وزوجة أخيه هالة، في شرفة المنزل التي كان تطل منها في هذا الوقت….. تطالعهما بانتباه شديد، جعله يزفر بضيق مكتوم مؤجلا حديثه مع هذه العنيدة في وقت آخر.
……………………….
اما في الداخل فكان المزاح على أقصاه بين ام ياسين التي تعرضت للموقف الحرج وبين اخوتها ووالدتها وقد صارت المادة الخام الان لسخريتهم، مستغلين خجلها الشديد رغم كبر عمرها، وأولهم منى:
– بجى يا ولية يا اللي مجوزة بتين وفيهم اللي مخلفة كمان، في عمرك ده وبتتكسفي؟
– وافرض مجوزة بتين يا منى، انا كنت دخلت معاهم يعني ؟
قالتها المرأة بعفوية لتنطلق ضحكاتهم بصوت أعلى من السابق حتى اجبرن شقيقهن على الخروج من مخبأه في غرفة المكتب التي كان يعمل بها ليستكشف الأمر، وقد صدر تعقيب الثالثة وهي تدعى ام تبارك موجهة الدفة نحو منى:
– عندها دم وبتتكسف يا ختي، مش زيك يا بتاعة منص؟
شهقت منى ردا لها متخصرة:
– ومالها ياختي بتاعة منص؟ هي اللي العيلة دي كلها فيها غير منص.
– تشكري يا مأدبة يا مرباية.
جاء التعليق هذه المرة من مدخل المنزل، يجفلها حمزة بدلوفه حاملا لسلة الطعام، يردف بضيق مصطنع:
– اخص عليكي وعلى ربايتك اخص.
التفت نحوه تلطف ضاحكة:
– مجصديش عليك يا واض ابوي،، وهو في العيلة دي كلها زيك، انت ومنص والباقي كله واغش.
– يخرب مطنك انا كمان حسبتيني من الواغش، ماشي يا منى.
صاح بها خليفة ليفاجأها بحضوره هو الاخر لتعلق ردا له:
– وانت كنت متخبي فين يا حزين؟ مش تتنحنح عشان اعمل حسابك.
وهكذا قدمت مزيونة في لحظة من الصخب والمرح بين الأشقاء، ليقدمها حمزة ويخبرهم بحضورها،
فتتلاقاها حسنية بترحابها الجميل قبل أن تصعد بها إلى ابنتها في تقليد متوارث، لقدوم الأم قبل حضور الجميع، وتجد مزيونة اخيرا فرصتها في لقاءها والأنفراد بها أيضًا
– يعني أنتي مبسوطة يا ليلى؟
توجهت اليها بالسؤال وهي تمشط لها شعر رأسها الطويل وهي تقوم بتزينها، فتأتيها الإجابة من الأخرى بلمعة مميزة طلت من عينيها بوضوح عبر انعكاسها في المراَة:
– جوي يا اما جوي، معاذ عسل وحنين، وبيعمل كل اللي نفسي فيه، انا بحبه كد الدنيا كلها يا امه.
– كد الدنيا كلها!
رددت بها مزيونة لتستدرك الأخرى سريعًا مصححة:
– بس انتي اكتر منه يا امه.
لم تقوى على كتم ابتسامتها، لتميل على رأس ابنتها تقبلها وتلقي اليها بالنصيحة:
– حبيه كد ما تحبيه يا هبلة، بس لازم تعرفي ان حبي انا في مكان وهو في مكان تاني، حب الولدين غير حب الجوز، فهمتي.
ضحكت لها بطاعة تردد خلفها:
– فهمت يا امه فهمت
فعادت تقبلها مرة اخرى وتشدد ذراعيها في ضمها:
– اوعي تغيبي عني اكتر من سبوع، انا لسة اصلا متعودتش على بعادك.
لامست كلماتها شغاف قلب ابنتها التي شددت هي الأخرى تخبرها بتأثر:
– عمري يا امه ما هبعد عنك، حتى اليومين دول مش هبطل عليكي اتصال فيديو، انا مش جبلة عشان محسش بيكي، وزي ما جبرتي نفسك عشان تسعديني وتفرحيني، انا كمان عمري ما هندمك، دا وعد وعهد عليا وخليكي فاكرة
كان ردها كافيا ووافيُا حتى اصمت مزيونة عن المواصلة، ليتبقى لها فقط العناق، وكأن الجسد يأبى الإبتعاد عن قطعة منه، حتى اضطرت لتركها مضطرة مع دلوف منى وصوتها الذي صدح في الأجواء بسخريتها:
– ما خلاص يا مزيونة، خلاص يا حبيبتي، الحضن دا بجى ملك حد تاني، يا ولية افهمي بجى.
ضحكت لها بخجل، تطالع القادمين خلفها، حسنية المرأة الطيبة البشوش ومعاذ عريس ابنتها والذي علق بدوره:
– بس يا ام ضمير مش خلصان انتي، نطلع تاني يا خالة مزيونة لو لسة مشبعتيش من ليلى.
نفت بهزة من رأسها بابتسامة عذبة:
– لا يا حبيبي ربنا يخليكم لبعض، مش لدرجادي يعني، انا اصلا كنت نازلة بيها دلوك، أكيد الناس اللي جاية الصباحية تبارك وتهني بيسألوا عليها تحت .
وافقتها حسنية بدهاء:
– مكدبش عليكي يا بتي، البيت تحت اتملى من حريم العيلتين وكلهم بيسألوا عايزين يشوفوا العروسة، بس احنا ولا يهمنا عروستنا الحلوة تنزل براحتها، واللي عايز يستنا هو حر عاد.
– اهي جالتلك عاد.
رددت منى بها بمزاح، حتى شعرت مزيونة بحرج من كرمهما لتخاطب ابنتها:
– واحنا مش هنتأخر عليهم اكتر من كدة، ياللا يا ليلى .
تدخل معاذ:
– لا معلش يا جماعة انا بستاذنكم بس دقيقتين تستنى معايا على ما غيرت ولبست جلابيتي، هنزلكم بيها على طول اطمنو.
اومأت حسنية بتفهم تسحب ابنتها وتحث مزيونة بعيناها ايضا قائلة:
– خلاص يا ولدي احنا هننزل ونسبقكم ، بس متعوجوش
– من عنيا…
قالها معاذ وتحركت المرأة بابنتها على عجالة تتبعهما مزيونة في مغادرة الغرفة من اجل النزول والترحيب بضيوف عائلتها ايضا، ولكن وقبل عن آن تبتعد عن الغرفة جيدا ومض برأسها شيء ما لتوقف منى برجاءها؛
– انا كنت عايزة منك طلب .
تركت الاخيرة والدتها تسبقها الى الاسفل وحدها لتجيبها باستعداد تام لمساعدتها:
– اؤمري يا حبيبتي وانا عنيا ليكي.
ابتعلت رمقها تخبرها؛
– تسلم عيونك، بس انا عايزة اجابل استاذ منصور جوزك اشوروه في كلمتين .
قطبت جبينها باستفسار حتى همت ان تسألها، فأتى صوت صراخ مرح وركض من داخل غرفة العروسين التي لم يمر سوى لحظات قليلة على تركها، لتلتف رأسيهما نحوها بإجفال؛ سرعان ما تم استيعابه لتردف بغيظ:
– شوفي الواد ال…… مش مستني على ما نبعد زين…….، دا كدة ولا هينزلوا الضهر حتى بعمايلهم دي.
تبسمت مزيونة بخجل شديد حتى طفى اللون الوردي على بشرتها، تتحدث بصوت بالكاد يخرج من فرط حيائها:
– يبجى ننزلوا احسن واكلمك واحنا ماشين.
اومات منى تلقي بنظرة اخيرة نحو باب الغرفة:
– عندك حق انا بقول كدة برضو، لازم نغادر من هنا حالا ، جال وانا اللي اتريقت على ام ياسين الغلبانة…
………………………….
ونزلت معها تستقبل وتتلقى التهاني والمباركات من نساء وفتيات تعرفهم ولا تعرفهم، جئن خصيصًا لهذا اليوم من العائلتين ومن ضمنهم كان عدد من أهلها كزوجة شقيقها وبناته، اما الرجال فهم في جزء خاص يستقبلا الحاضرين في دار الضيافة او غرفة الاستقبال في الدار، يقوم على رعايتهم أشقاء العريس وأبناء عمومته والاصدقاء الذين كانوا في انتظاره، ليحضر بينهم بعد قليل بعدما قام بإيصال عروسه إلى مقر النساء التي تلقفت قدومها بتهليل شديد، فرحا بها فغالبا ما يتم تصنيف جمال العروس في هذا اليوم، نظرا لما يتم من تجميل مبالغ فيه في يوم الزفاف، وهذه النقطة تحديدا تثير فضول النساء من الطرفين.
والعروس هنا كانت متميزة بصورة تثير الإنبهار، بجمالها الرباني وبشاشاتها في مصافحة النساء التي تتعرف بها لاول مرة، حتى أثارت الغيرة بقلب البعض كهالة التي تغتصب الابتسامات بصعوبة مع انتباهاها لاهتمام الجميع بتلك الفتاة وبوالدتها ألتي أخطأت بعض النساء بها حتى سألتها احداهن عنها أن كانت تلك الفتاة من اهل العروس متزوجة أو لا؟
كل ما يجري حولها أكبر من قدرتها على التحمل، فهي التي مصنفة من ابناء العائلة، لم تلقى تلك الفرحة منهم على الإطلاق في يوم فرحها، لا احد يشعر بها، حتى شقيقتها الحمقاء التي عولت عليها ان تشاطرها الأسى وذلك الاحساس القاسي، تجدها الأن ترقص مع الفتيات والعروس ايضا دون غضاضة وبود مستفز، تجزم داخلها ان ما يجري بعروق هذه الفتاة ماء بارد، وليست دماءًا حارة،
تجبر نفسها على المجاملات وادعاء البهجة حتى يمر هذا اليوم الثقيل ويسافرا زوج العصافير إلى مقر شهر العسل كما يقولون، فالعريس المتلهف لا يكف عن ترك اصدقائه كل نصف ساعة تقريبا، ليطل عليها بين النساء ويناغشها امامهم دون خجل ليطلق جوا من المرح بينهن بتعليقاته، او رقصه معها ومع من تتطوع من النساء من اهله او حتى الجارات.
ليتها وجدت نصف تلك الفرحة على وجه خليفة يوم زواجها به، لكانت نست كل جراح قلبها منه ومن حمزة وربما احبته.
………………………..
بعد ساعتين تقريبا انصرفت معظم الحاضرات من النساء وصعدت العروس برفقة عريسها كي يستريحا استعداد للسفر عصرا،
وخرجت مزيونة لتقابل الاستاذ منصور قبل أن تغادر منزلها بحديقة المنزل فور حضوره بعد أن أخبرته زوجته برغبتها في لقاءه والحديث معه في أمر ما.
هي ليست جريئة على الإطلاق كي تطلب لقاء رجل غريب عنها ، ولكن منصور او كما تدلله زوجته منص، رجل تستطيع التحدث معه النساء بحرية وعيناه في عينيها دون تكلف، هذا ما لمسته في عدد المرات التي رأته بها، لا يزيح بأبصاره كما يفعل بعض الرجال تجنبا للفتنة، لا بل هو ينقل بنظرته إلى الفرد الذي امامه أُلفة تشعره وكأنه فرد من العائلة، ربما لتاريخه الطويل في تدريس الفتيات وربما لهذا الشيء الأهم وهو عشقه الجارف لامرأة واحدة تكفيه عن نساء العالم جميعًا مهما قابل من جميلات، ولهذا السبب كان لسانها منطلقًا في حديثها معه الآن:
– اللي عايزة اوصلهولك يا استاذ منصور ان انا كنت شاطرة في زمني، لكن دلوك الوقت اتغير والمناهج كمان اتغيرت، انا كنت الأول اعرف اذاكر لبتي في بداية الابتدائي، كان كل حاجة بسيطة ومفهومة بالنسبالي، لكن شوية شوية بجيت امسك الكتاب وانا معرفاش فيه حاجة، لذلك اللي كان متوفر معايا انها تاخد دروس، والحمد لله هي كانت بتفهم، انما اعملها ازاي لنفسي؟ البس المرينة واروح مع البنات ولا اعمل اني بذاكر وانا مش فاهمة، عشان اجي في آخر السنة استنى اللي يعطف علي بإجابة الأسئلة، الموضوع كبير وشاغل مخي من سنين، بس مش عارفاله حل .
بعد أن تركها تدلي عما بداخلها بكل حرية، جاء رده ببساطة تهدىء من توترها:
– يا ستي وليه تعجدي نفسك جوي كدة، كل حاجة وليها حل وانتي مدام نويتي وكلمتيني، يبجى خلاص متشليش هم
– ماشيلش هم كيف يعني؟ هي دي حاجة هينة .
عقب مؤكدا:
– اه والله حاجة هينة وهينة خالص كمان طول ما انتي عندك الاستعداد، هجولك بس على الإجراءات اللي هنعملها في البداية وبعد كدة كل حاجة تيجي بالتريب
– يعني ايه المطلوب مني؟
– هجولك.
وانصتت اليه، تركز جيدا في كل حرف يقوله، لتسير على تعليماته بعد ذلك، غير منتبهة لتلك التي وقفت في مدخل المنزل تراقب من موقعها الحديث الجاري بين الاثنين، تتحين فرصتها كل دقيقة، بالنظر إلى جلسة النساء القريبة منها ومتابعتها لتلك المدعوة منى التي لا تستقر أبدا محلها، تتمنى لو تخرج اليهم ربما وجدت منها ما يثلج صدرها، ولكن الأخرى لم تفعل أبدا، حتى اتى الفرج من حيث لا تحتسب، بخروج حمزة من غرفة الضيافة يبحث عن شقيقه:
– خليفة، يا خليفة.
تصدرت امامه تجيب عن ندائه:
– خليفة طلع من شوية راح يمون العربية اللي هتسافر بالعرسان على الغردقة.
اومأ بتجهم كعادته:
– اااه طب ماشي، لما ياجي ابجي اندهيله طيب عشان عايزه في حاجة كدة
هم ان يتحرك ولكنها اوقفته مرة اخرى بعرضها:
– ماشي هبلغه، بس انت لو عايزه في حاجة مهمة جوي كدة، شوف الاستاذ منصور اهو جاعد وممكن يساعدك
سألها باهتمام بعد ان أثارت انتباهه:
– فينه منصور؟ جاعد مع مرته ولا طلع شقة العريس يباركله؟
– لا دي ولا دي، جاعد برا مع مزيونة
تمتمت بها بلهفة جعلته يطالعها باستهجان مرددًا:
– ايه هو اللي مع مزيونة؟ ما تنجي كلامك .
ارتسمت البراءة سريعًا بملامحها تبرر:
– انجي ليه؟ هو انا غلطت في حاجة؟ استاذ منصور بجاله ساعة واجف في الجنينة برا مع الست مزيونة، يحكي معاها ويتكلم، حتى شوف بعينك اها.
واشارت له بذقنه إلى الخارج، لينقل بنظره هو الاخر، فيشاهد بأم عينيه الحديث المتباسط بين الاثنان، هي من تخجل من النظر اليه، تتحدث مع منصور بعفوية وتضحك معه وكأنها تعرفه منذ زمن، هذا الملعون سوف يقتله، وبدون أدنى تفكير تحركت قدماه ذاهبا نحوهم، غير ابهًا بشيء ولا حتى بفرحة هالة التي يعلم جيدا بنيتها ولكن عقله المشتعل الان بغيرته، ينحي كل حديث للحكمة.
من حسن الحظ، كانت مزيونة قد انهت حديثها وتحركت مغادرة المنزل، وتبقى منصور بمفرده، وقد كان على وشك التوجه للمنزله، حين باغته الاخر بدفعه للخلف حتى اصطدم ظهره بإحدى الشجيرات يجفله بحديثه:
– واجف مع مزيونة بتحكي وتجول ايه ياض؟
كاد منصور ان ينهره على فعلته ولكن وما ان انتبه لكلماته حتى ارتخت عضلات وجهه ضاحكًا يشاكسه:
– وافرض اتكلمت ولا اتحدت معاها انت مالك؟
وما ان نطقها حتى اندفع نحوه على وشك الفتك به مهددا:
– بلاش برودك دا منصور ، انطج وخلصني، لاطلع زرابيني عليك، انا مش شايف جدامي دلوك.
وكأن باحتراقه يزيد من مرح الاخر، الذي لم يأبه بهيئته الخطرة، ليضيف اليه بعدم اكتراث:
– تدفع كام وانا اجولك؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية لأجلها)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *