رواية فتيات القصر الفصل الثامن عشر 18 بقلم اسماعيل موسى
رواية فتيات القصر الفصل الثامن عشر 18 بقلم اسماعيل موسى
رواية فتيات القصر البارت الثامن عشر
رواية فتيات القصر الجزء الثامن عشر

رواية فتيات القصر الحلقة الثامنة عشر
في الليالي الهادئة، حين يكتظ القصر بالصمت ويغفو الخدم على أطراف الممرات، كانت راما تتسلل بخفّة بين الأعمدة وأروقة الجناح المخصص للخادمات.
في يدها الصغيرة، قارورة زجاجية أنيقة، يتراقص في جوفها سائل بلون العسل الباهت.
عطرها الخاص… ذاك الذي سهرت عليه ليالي طوال في ممر العطر، مزجت فيه رحيق الغاردينيا البيضاء، وندى زهر الليمون، وأوراق البنفسج المهروس مع لمحة داكنة من العنبر
بعد أن عملت على تحسينه بأضافة نقط من عشبة باتسيدين الطبيه مخلوطه مع رحيق عشبة بيانكس
لم تستخدمه كل ليلة، بل اختارت أيّامًا متفرقة بذكاء.
ليلة الثلاثاء، ثم الخميس، والأحد التالية، تُباغت غرفة لارينا.
تدلف بهدوء، تقف خلف الباب، تراقب أنفاس نائمة أو جسدًا متقلبًا يتململ في ضيق، ثم ترفع القارورة وترش الرذاذ العطري في الأجواء… نقطة خلف الوسادة، وأخرى قرب أطراف الستائر، ودفقة خفيفة على أطراف المفرش.
كانت حريصة ألّا تفرط.
عطنة خفيفة تشبه خيال ندى، لا رائحة فجة يمكن أن تُكتشف.
ومع الوقت…
كانت لارينا تنام عميقًا بعد الرش، وتصحو متوترة في الليالي التي تغيب فيها الرائحة.
بعد أسبوعين، وبينما نجحت خطتها بإغراق خصمتها بهذا الإدمان الخفي، استدارت راما نحو غرفتها الخاصة.
في إحدى الليالي، دخلت إلى حجرتها، أغلقت الباب بإحكام، ووقفت أمام المرآة.
أخرجت القارورة ذاتها، ولكن هذه المرة، رشّت الرذاذ فوق وسادتها، عند حافة سريرها، وحول أكمام ثوب نومها.
لم يكن فقط لينعم أنفها بالرائحة…
بل لتُهيئ نفسها لحضور لارينا حين يتصادف عبورها بجوار ألغرفه.
لقد قررت أن تتنفس الرائحة ذاتها، أن تغلف ليلها بها… كأنها تزرع ظل وجودها في زوايا القصر الخفية.
تلك الرائحة…
بدأت تبني مملكة خاصة لا يراها أحد، لكنها تعبق في صدر كل من يقترب.
، بدا النوم يجفو لارينا جفاءً موجعًا.
تتقلب فوق فراشها، تحتضن الوسادة ثم تدفعها بعيدًا، تغطي وجهها بيدٍ مرتعشة… لكن لا جدوى.
الرائحة… تلك النغمة الهادئة التي كانت تنسكب في جدران غرفتها كأنها دفء شتوي، غابت.
والليالي التي تغيب فيها…
كانت لارينا تنهض من فراشها كمن تقوده أنفاس مجهولة، تتبع أثرًا لا يُرى لكنه يُحسّ، يتسلل إلى صدرها ضاغطًا.
في البداية، قاومت.
ثم ذات ليلة، سارت وراء النداء.
خرجت من غرفتها، بخطى حذرة فوق الأرضية الباردة، حتى وصلت إلى نهاية الممر حيث تقبع غرفة راما.
وقفت هناك…
ظهرها إلى الجدار، تتنفس بثقل، تكره نفسها على هذا الفعل، لكنها تشتهي الرائحة.
كانت تتردد، تمسك مقبض الباب ثم تتركه.
تدنو من الشق الفاصل بين الباب وإطاره، حيث يتسرب ذلك العبير الناعم، فتغمض عينيها لحظة… ثم تنسحب عائدة إلى غرفتها، متوترة من فعلتها، مبللة الجبين.
فعلتها مرة.
ثم أخرى.
ثم صارت عادة سرية تؤرقها.
حتى جاءت الليلة.
ليلة مقمرة، حيث امتزج في الهواء ندى الحديقة وشحوب الغيوم…
ووجدت لارينا الباب نصف مفتوح.
توقفت.
شهقت خافتة، قلبها يخونها بارتجاف حاد.
من داخل الغرفة…
اندفعت الرائحة، أو لعلها كانت تظن… كانت أقوى، أو هكذا شعرت، كأن الغرفة تناديها باسمها.
وقفت هناك، قدمها على العتبة، تتردد.
راما لم تكن بالداخل.
أو لعلها كانت، وقررت أن تترك الباب هكذا.
لحظة طويلة، والهواء بينهما مشبع بنداءٍ صامت.
ثم انسحبت لارينا، وركضت إلى غرفتها… قلبها يطرق صدرها بعنف، وملامحها متعبة.
هناك، على وسادتها، بقي أثر من تلك الرائحة الوهمية…
لكنه لم يكن كافيًا.
، كان القصر بأسره يلمح التغيّر في لارينا.
عصبيتها لم تعد تخفى…
تقطب حاجبيها لأقل خطأ، وتنهال بالأوامر على الخدم بلا نظام، قراراتها متخبطة، تصرخ دون سبب، وتطرد أحدًا ثم تعيده بعدها بلحظات.
حتى البسطاء في المطبخ، والزهوريات في الحديقة، كانوا يتجنبونها، يميلون برؤوسهم إذا مرت، ويتهامسون خلف ظهرها:
“افتقدت الرحيق… تلك الرائحة التى هدأت قلبها أيامًا، وحين غابت… كشفت حقيقتها.”
كانت لارينا تستيقظ متعبة، وعيناها محمّرتان من سهاد طويل…
كل شيء حولها يثير حنقها.
كأن الهواء ذاته يمارس استفزازًا متعمدًا.
وفي صباحٍ ثقيل، وقد بلغ بها الضيق مبلغًا لا يُحتمل، اقتحمت الممر الذي تمر به راما نحو الحديقة.
نادت بصوتٍ قاسٍ:
“أنتِ… توقفي!”
توقفت راما، كعادتها هادئة، جسدها مستقر وعيناها لا تعرف الذعر.
اقتربت لارينا، وخاطبتها بجفاء:
“انحني… وقبّلي قدمي.”
ظلّت راما صامتة، نظرت إلى عينيها مباشرة… لم تخشَ شيئًا.
وقبل أن تهمّ بأي حركة، انزلقت في أنف لارينا تلك الرائحة…
رحيق شاحب، لكنه واضح… مسكر، يشبه الحنين، يشبه نجاةً مباغتة وسط الطوفان.
شعرت لارينا بجسدها يبرد.
ارتخى توترها، انفرجت قبضتاها دون وعي، وسقطت شظايا حنقها على الأرض.
بينما راما…
دارت ببساطة، ومضت في طريقها كأن الأمر كله لم يكن.
ظلّت لارينا في مكانها، تتنفس بعمق، عيناها تلاحق طيف راما حتى توارى، وداخلها يتآكل من سؤال لا تملك له جوابًا:
قفى مكانك صرخت لارينا
استدارت راما بوجه مبتسم وتركت لارينا تقترب منها مثل المدمنة امسكت لارينا يد راما وتشممتها
_انحنى امرتها راما
انحنت لارينا دون ارادتها
_قبلى قدمى
طبعت لارينا قبلتها على قدم راما غير واعيه بنفسها
اذا اردتى أكثر احضرى لغرفتى مساء الليه ثم تركتها راما راكعه وسط الرواق غير واعيه بما حولها.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية فتيات القصر)