روايات

رواية فتيات القصر الفصل التاسع عشر 19 بقلم اسماعيل موسى

رواية فتيات القصر الفصل التاسع عشر 19 بقلم اسماعيل موسى

رواية فتيات القصر البارت التاسع عشر

رواية فتيات القصر الجزء التاسع عشر

فتيات القصر
فتيات القصر

رواية فتيات القصر الحلقة التاسعة عشر

تسلل المساء بهدوئه المعتاد، وألقى القصر بثقله على الأجنحة والممرات، لكن قلب لارينا لم يعرف السكون.
كانت تمشي بخطى مضطربة في جناحها، تتوقف أمام المرآة ثم تعود إلى النافذة، تتلمس بشرتها، تتحسس عنقها، وكل شيء فيها يطلب شيئًا لا تعرف كيف تسميه… لكنه يسكن في مكان واحد فقط.
غرفة راما.
في البدء قاومت ،ثم استسلمت.
قلبها يدق طرقات عنيفة، حتى خُيّل إليها أن صدى نبضها يسمعه الخدم خلف الجدران.
عند منتصف الليل، تركت جناحها بخطى حافية.
ارتدت وشاحًا خفيفًا فوق قميص النوم، شعرها مبعثر، وعيناها زائغتان.
الممرات شبه معتمة…
مصابيح الزيت تخفت رويدًا، والخدم نيام.
اقتربت من باب غرفة راما.
كانت الرائحة تسبقها… أهدأ من النسيم، لكنها أقوى من أي نداء.
دفعت الباب بحذر، فوجدته مواربًا كأنما ينتظرها.
في الداخل، وقفت راما قرب النافذة، ظهرها إليها، شعرها الأسود الطويل مرسل على ظهرها.
لم تتكلم.
تركت لارينا تتقدم.
خطوة…
ثم خطوة…
حتى توقفت خلفها.
استدارت راما ببطء، وعيناها تقرآن كل الضعف المختبئ في ملامح لارينا
ابتسمت ابتسامة هادئة، ثم أشارت بإصبعها إلى الأرض أمامها.
“اركعي.”
لم تتردد لارينا هذه المرة
ركعت، بجسد متخاذل، كما لو أن ساقيها لم تعودا تحت سلطتها.
أنزلت رأسها…
يداها على ركبتيها، وعيناها نصف مغمضتين من النشوة الخافتة.
تقدمت راما خطوة، وضعت أصابعها أسفل ذقن لارينا ورفعت وجهها.
قالت بنبرة منخفضة:
“قوليها.”
لهثت لارينا، وأجابت بصوت مرتعش:
“أريد… عطركِ.”
أمسكت راما بالقارورة الصغيرة الموضوعة على الطاولة، لوّحت بها أمام وجهها.
“ليس قبل أن تعرفي قدرك.”
مرّرت القارورة على رقبة لارينا دون أن تسمح لها باستنشاق الرائح ،ثم قربتها من أنفها فجأة.
استنشقت لارينا دفعة قصيرة شهقت، ومال جسدها إلى الأمام.
جلست راما على المقعد تلاعب القاروره بيدها تراقب عينى لارينا المتربصه بالقاروره ،ثم هزت قدمها
“قبّلي قدمي.”
وبلا كلمة…
أمسكت لارينا بطرف ثوب راما، وأزاحته قليلًا، ثم انحنت تطبع قبلة متوسلة على قدمها اليسرى…
ثم اليمين، عيناها دامعتان، وشفتيها ترتجفان.
راما لم تمنعها.
تركتها تنهل من الرائحة كما أرادت…
قربت القارورة، وسمحت لها باستنشاق الدفقات الأولى.
ثم دفعتها برفق إلى الأرض.
“هذا نصيبك الليلة. وإذا أردتِ المزيد…”
انحنت راما إلى مستوى أذنها، وهمست:
“تعرفين أين تجدينني.”
غادرت لارينا الغرفة بعدها مترنحة…
عيناها مخدرّتان، وفمها نصف مفتوح، كأنها عادت من عالم آخر.
في تلك الليلة…
نامت لارينا لأول مرة بهدوء.
لكنها — من أعماقها — أدركت أنها لم تعد تملك نفسها.
الرائحة، وراما…
صارتا السيدتين الحقيقيتين لهذا القصر.

في اليوم التالي، كان القصر في سكونه المعتاد، لكن شيئًا غير مرئي علِق بالهواء.
العيون التي اعتادت أن تلتقط خطوات راما في أروقة القصر، اختفت عنها آثارها.
لم تمر من الممرات المعتادة.
لم تقترب من مطبخ الخدم وقت الفجر.
ولا ظهرت مع بقية الفتيات حين اصطفتن لترتيب أغراض الزهريات.
راما اختفت.
اعتكفت في الحديقة.
في الركن الأبعد، خلف شجيرات البوغنفيليا المتدلية، حيث الزهور البيضاء والصفراء تتشابك مع أغصان شجرة توتٍ قديمة.
جلست هناك، ترتدي ثوبًا بسيطًا، شعرها مسدَل بلا ترتيب متعمد، ويدها تتأمل قارورة صغيرة شفافة لا تفارق راحتها.
لم تكن عزلتها صدفة… بل قرار.
كانت تعرف أن لارينا ستبحث عنها بعينين جائعتين، وستتلفت يمنة ويسرة كلما مرّت بمكانٍ لم يكن لرائحته حضور.
تجنّبتها بدهاء.
كلما لمحت ظلها من بعيد، انحرفت في الاتجاه المعاكس.
تسير بهدوء بين الدروب الترابية، تمرر يدها على رؤوس أزهار السوسن، تتنفس بعمق، وتجلس طويلًا عند شجرة النارنج.
حتى أن بعض الخادمات لاحظن الغياب: “أين راما؟ لم أرها هذا الصباح.” “بالحقل الخلفي… وحدها.”
كانت لارينا تجوب أروقة القصر كما لو أنها تبحث عن شيء أضاعته.
عيناها مضطربتان… تقف أمام الممر حيث انحنت بالأمس دون إرادة، تتحسس مكان وقوفها… وكأن الرائحة بقيت هناك، تحاصرها من فراغ.
في كل زاوية كانت تسأل نفسها: أين هي؟ ولماذا غابت؟
وكلما اشتد غياب راما، تضاعف اضطراب لارينا.
في الحديقة، لم تكن راما فقط تختبئ…
بل كانت تمارس طقسًا داخليًا.
جلست تحت ظلال الشجرة العتيقة، قارورة العطر في يدها، تتفحصها كما لو كانت سرًا لا يملكه سواها.
أخذت ترش نقطة على منديل صغير، تقرّبه من أنفها… ثم تغلق القارورة بعناية وتعيدها إلى جيبها.
في عزلتها تلك، زارها سهاد حارس الحديقة: “هل تأمرين بشيء يا آنسة راما؟”
أجابت دون أن ترفع رأسها: “لا شيء… فقط دع المكان هادئًا.”
ثم عادت لصمتها.
في هذه العزلة، كانت تُجيد إدارة الغياب.
تعرف أن الشوق يصنع من الغياب مملكة لا تقهر.
ولم يكن من الصعب عليها أن تتوقع…
أن لارينا ستنهار قبل المغيب.
سأكون سيدة القصر الحقيقيه، لقد تحملت بما فيه الكفايه
سأجعلهم يدفعون الثمن أضعاف أضعاف
على مائدة العشاء لم تظره راما ،سألت لارينا اين راما ؟
هل رأها احد اليوم؟
نظر الخدم إلى بعضهم كانت فى الحديقه انسه لارينا
لم يلمحها احد بعد ذلك.
بيد مرتعشة تناولت لارينا طعامها وسقط منها فنجان القهوه عندما همت بشربه
صرفت الخدم باكرآ كل واحد تجاه غرفته

توقفت لارينا أمام باب غرفة راما.
لم يكن أحد في الممر الطويل، وحدها تواجه الخشب المغلق، يتردد بداخلها صوتٌ مكسور:
“إن لم تدخل الآن… لن تغفر لك راما هذا الجبن.”
رفعت يدها، طرقت طرقات خفيفة…
لم يأتِها رد.
دفعت الباب بخفة.
الغرفة شبه معتمة، لا يضيئها سوى شمعة واحدة عند طرف السرير.
عطر مألوف يسكن الهواء…
ذلك المزيج الحار من المسك وخشب الصندل.
وهناك…
جلست راما.
في منتصف الغرفة، على مقعد منخفض، شعرها مسدَل، وعيناها ثابتتان على اللاشيء.
عندما دخلت لارينا، لم تلتفت.
بل قالت بصوت خافت… حاد كالسيف:
“أغلقي الباب.”
فعلت لارينا.
ثم صمت.
ظلّت واقفة عند الباب لا تعرف إن كانت يجب أن تتقدّم أو تعتذر أو تهرب.
لكن راما لم تمنحها تلك الرفاهية.
“اقتربي.”
خطت ببطء.
وحين صارت قربها…
رفعت راما عينيها، نظرة قاتمة هادئة… لا تحمل لومًا، بل شيء آخر…
شيء يصعب تسميته.
قالت:
“ارفعي رأسك.”
رفعت لارينا رأسها… عيناها مرتجفتان.
راما تمتمت: “اذهبي… وهاتِ السوط من الصندوق الأسود في الزاوية.”
كانت الصدمة تعبر وجه لارينا للحظة…
لكنها لم تعترض.
تقدّمت بخطوات متثاقلة نحو الصندوق الخشبي الأسود.
فتحته.
السوط هناك… ملفوف بعناية، جلده داكن، مقبضه محكم.
أمسكته بيد مرتجفة، ثم عادت به.
“قدّميه.”
مدّت يدها…
أخذت راما السوط من يدها… ببطء.
ثم قالت:
“اركعي.”
نظرة لارينا لم تطلب شفقة…
كانت تعرف أن هذا قادم.
بل أنها في قرارة نفسها… انتظرته.
ركعت.
راما وقفت.
جسدها ساكن، لكن عينها لا ترمش.
قالت:
“عندما أخبرك أن لا تقتربي… لا تقتربي.
عندما أمشي… لا تتبعيني.
عندما أغيب… لا تبحثي عني.
أفهمتِ؟”
همست لارينا: “نعم.”
ثم…
جلدت راما لارينا.
ضربة أولى.
ثانية.
ثالثة.
الصوت يرن في الغرفة، جلد يصفع لحمًا.
لم تصرخ لارينا.
لم تبكِ.
بل ثبتت رأسها في الأرض.
وكأنها تمارس طقسًا تعرفه منذ ألف عمر.
حتى توقفت راما.
ألقت السوط على الأرض.
ثم جلست على المقعد من جديد.
قالت: “اخرجي.”
لارينا… التي ما زالت على ركبتيها… رفعت رأسها لحظة.
عيناها محمرتان… لكن ليس من دموع.
بل من شيء آخر.
ثم قامت…
سارت نحو الباب…
وقبل أن تغادر، توقفت، همست:
“أحتاجك.”
ثم خرجت.
وأغلقت الباب خلفها.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية فتيات القصر)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *