روايات

رواية فتيات القصر الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم اسماعيل موسى

رواية فتيات القصر الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم اسماعيل موسى

رواية فتيات القصر البارت الرابع والعشرون

رواية فتيات القصر الجزء الرابع والعشرون

فتيات القصر
فتيات القصر

رواية فتيات القصر الحلقة الرابعة والعشرون

في اليوم التالي، استيقظ القصر على غير عادته. خادمات يُسرعن في تنظيف الأروقة، وأقمشة فاخرة تُنقل من المخازن العميقة إلى الغرف العلوية. الهواء مشبع برائحة العطور الثقيلة، وصوت النعال يطرق الأرضيات الرخامية في إيقاع متوتر.
كان الحفل النصف موسمي لخادمات القصور مناسبة لا تتكرر إلا مرتين في العام. قصر بلتريش، ذاك القصر القديم المهيب الذي يعلو ربوةً من الجهة الغربية للمقاطعة، يستضيف فيه السيدات الأعلى مقامًا في خدم القصور الكبرى. حدث فخم، ترتدي فيه الخادمات المختارات أثوابًا مخصوصة، وتُقدّم فيه الأطباق النادرة، ويتراقص فيه الضيوف وسط الأضواء.
الاستعدادات بدأت منذ الفجر.
أُحضرت عربة السيد ذات النوافذ المزينة بزخارف فضية، ووضعت صناديق صغيرة بداخلها تحتوي على هدايا رمزية من القصر لسيدات بلتريش.
كانت لائحة أسماء الخادمات المسموح لهن بالمرافقة معلقة في الردهة الشرقية. اجتمعت الفتيات أمامها، بعضهن يتأمل في أمل، وأخريات يعرفن أن أسماءهن لن تُكتب هناك أبدًا.
لارينا كانت أول المختارات.
وكذلك ميرا، وألين، وسينتيا.
وحين اقتربت راما من الردهة، كانت نظرات الحاضرات تمزج بين الشفقة والخوف والتشفي الصامت.
راما، رغم كونها الأجمل، لم يُكتب اسمها.
وقفت أمام الورقة البيضاء، نظرت للأسماء بهدوء، ثم تراجعت دون أن تترك أثرًا لانكسارها.
في تلك اللحظة، حضر السيد بنفسه.
مهيبًا كعادته، ثوبه الأسود المطرز بخيوط رمادية، نظراته صارمة.
خيم الصمت على المكان.
وقفت لارينا، ما تزال تحت تأثير العطر وإن كان خافتًا الآن، منحته التحيه
قال السيد بصوت مسموع: – “لن ترافقنا راما إلى قصر بلتريش.” صمت. ثم أضاف: – “ستبقى في القصر
راما كانت تعلم. تعلم أن حرمانها من الحفل ليست مجرد عقابً . بل خطوة أخرى… فالسيد بات يشعر بتلك الرغبة الدفينة لرؤيتها دومًا بين جدران قصره مهزومه مكسوره
حين مر بقربها، لحظة عابرة… تنفّس دون قصد رائحة الأثر العالق بها.
خفيفة… بالكاد تُلحظ. لكنها علقت هناك…
في شيء خفيّ خلف عينيه.
أدار وجهه دون أن ينبس بكلمة.
في صباحٍ رمادي ثقيل، لفّ الضباب حدائق القصر كما لو كان الستار الأخير قبل المشهد الكبير. اصطفّت العربات الملكية أمام البوابة الحجرية العتيقة، حافلة بالعاملين وحاشية السيد.
كانت العربات فاخرة، مُزيّنة بخطوط فضية على خشب أسود لامع، تعلوها شعارات القصر المذهّبة. أحد السقّائين مرّ بجوارها يرش الماء على الأرض لتهدأ الأتربة، بينما خادمات الخزائن يحملن صناديق مكدّسة، تحوي فساتين حريرية وعلب مجوهرات ملفوفة بشرائط حمراء.
في العربة الأولى، جلس السيد وحده — أو هكذا كان يُفترض. لكن لارينا كانت هناك.
تربعت بجواره، بثوب أزرق داكن يفضح بياض كتفيها، وخصلات شعرها مصفوفة بعناية خلف أذنها. كانت تعرف أن جلوسها إلى جواره إعلانٌ عن مكانتها. وابتسامتها الباهتة حملت خليطًا من الانتصار والوجل.
العربة اهتزت قليلًا مع انطلاقها، وتبعها رتل العربات الأخرى. في إحداها جلست ميرال وباقي خادمات الصف الأول، وعلى مقاعد العربات الخلفية تحشّدت الخادمات الأصغر سنًا، وجوههن بين الترقب والحماس، يتهامسن عن تفاصيل الحفل المرتقب في قصر بلتريش.
كانت الصناديق المصفوفة في العربات الأخرى تحوي الهدايا المُخصصة لأسياد قصر بلتريش: أقمشة منسوجة يدويًا، زجاجات عطر ملكي، وصندوق صغير يحوي خنجرًا محفورًا باسم السيد.
راما…
وقفت خلف نافذتها، تتابع موكب الرحيل.
ثوبها البسيط، شعرها الملفوف كيفما اتفق، ويدها تمسك بحدود الشباك… لم يُسمح لها بمرافقة الحاشية. كان قرار السيد صريحًا أن تبقى، بلا تفسير.
رأت لارينا تتمايل بثقة إلى جواره، ورأت الخادمات يضحكن في عرباتهن، ثم انطلقت العربات من البوابة في ضجة أحذية الخيول وعجلات العربات فوق الحصى المبلل.
لم تنطق راما.
فقط أغمضت عينيها حين اختفى الموكب خلف المنحدر.

في قصر بلتريش
مع غروب الشمس، بدأ قصر بلتريش يستعد.
الشمعدانات الضخمة أُشعلت في الممرات الواسعة، وأقيمت منصة خشبية ضخمة في الساحة الداخلية، تحيط بها مقاعد مزخرفة للضيوف. أعمدة القصر التفت بشرائط حريرية ذهبية، وروائح زهر الكاميليا الممزوجة بالعود كانت تعبق في الهواء.
العازفون انتشروا قرب المنصة: قيثارات، مزامير نحاسية، وطبولٌ جلدية، كلها تصدح بنغمات من زمن قديم.
الخادمات تهافتن إلى صالونات الزينة، حيث علّقت الفساتين المطرزة وأُحضرت حليّ مستوردة من القصر. ضحكات مكبوتة وأيادٍ مرتجفة ترتب الشعر وتعدل الطرحة.
في الساحة الكبرى، جلس السيد في المقعد الأمامي المخصص له. بجواره لارينا بثوبها الأزرق، تحمل مروحة رقيقة من الريش، تتصنّع الاتزان.
بدأت العروض: راقصات من القصور الشرقية يتمايلن على نغمات قيثارة رتيبة. ثم تقدم مغنٍ أعمى بصوت أجش، أنشد أغنية قديمة عن عشاقٍ ضائعين في حروب الحدود.
توزعت كؤوس العسل المخمّر بين الضيوف. وهدايا القصر وُضعت على مائدة خشبية طويلة ليراها الجميع.
السيدات يتبادلن الابتسامات… الجو متوتر رغم الزينة.
منافسة مستترة، وكل واحدة تقيس خطواتها أمام السيد.
وفي الزاوية، لم تغب راما عن ذهن لارينا، رغم الأضواء.
كل نغمة موسيقية كانت لارينا تشعر بها بين أضلُعها…
في الطابق الجنوبي من القصر، بعيدًا عن ضجيج الخدم المتأهبين لرحيل القافلة، كانت راما قد أغلقت باب غرفتها الخشبي العريض بإحكام.
لم تشعل الشمعدانات جميعها، بل اكتفت بمصباح زيت صغير وضعته على الطاولة، يتراقص ضوءه بين أوعية الزجاج الملون، وأدوات دقيقة مُرتبة بعناية فوق منضدة عريضة.
راما لم تكن خادمة كباقي الفتيات.
كانت تملك معرفة علمية قديمة عن الكيمياء العطرية، ورثتها عن جدتها — السيدة الحكيمة ودراستها الدقيقه فى علم العطور
جلست هناك بثوبها البسيط، ويداها الرقيقتان تتحركان بدقة بين القوارير.
على الطاولة:
قارورة صغيرة تحوي زيتًا مركزًا من زهرة البنفسج.
وعاء زجاجي به محلول كحولي مُقطّر بنسبة 70%.
مبخرة فخارية تنبعث منها بقايا بخور الصندل.
وقطعة صغيرة من العنبر الخام.
كانت راما تعمل على تجربة علمية معقدة:
محاولة تثبيت رائحة زهرية سريعة التبخّر باستخدام قاعدة عنبرية دافئة، ما يُطيل بقاءها على الجلد.
استخلصت قطرتين من زيت البنفسج النقي عبر المقطر الزجاجي.
ثم أضافت ثلاث قطرات من محلول كحولي دافئ.
(الكحول يعمل كوسيط لحمل الزيوت الطيّارة ونقلها بسهولة للجلد، ثم يتبخر سريعًا تاركًا الرائحة.)
قطّعت قطعة صغيرة جدًا من العنبر، وأذابتها ببطء فوق مبخرة صغيرة، حتى بدأت تطلق زيتها السائل.
أسقطت قطرة من زيت العنبر الدافئ داخل المزيج البنفسجي.
استخدمت ورقة ترشيح رقيقة لقياس معدل تبخر العطر.
وضعت قطرة من المزيج فوقها، وانتظرت خمس دقائق.
لاحظت أن البنفسج وحده يتبخّر خلال 3 دقائق.
أما مع قطرة العنبر، فظل العطر واضحًا حتى الدقيقة السابعة.
ابتسمت راما، اذآ العنبر لا يُثبّت العطر فقط، بل يُعطي قاعدة دافئة تجعل الرائحة تُطلق تدريجيًا بدلًا من التبخر دفعة واحدة.
أضافت راما قطرتين من خلاصة الورد الدمشقي، للحصول على طبقة وسطى تدوم لفترة أطول، تمنح رقة وسط بين البنفسج والعنبر.
النوتة العليا: البنفسج (تدوم 3 دقائق)
النوتة الوسطى: الورد (تدوم 10 دقائق)
النوتة القاعدية: العنبر (تدوم حتى 20 دقيقة)
راما كانت تدون ملاحظاتها في دفتر جلدي صغير، خط يدها ناعم ومتأنٍ:
> “العنبر ينجح في كسر حدة التبخر السريع للزهر.
لو أضفت طبقة خشبية من خشب الأرز… ربما يدوم العطر ساعة كاملة.”
في تلك اللحظة، فاحت في الغرفة رائحة مزيجها الأول.
رائحة ناعمة، دافئة، تحمل شيئًا من الحنين، تشبه الأماكن التي لا يعود إليها أحد.
كانت وحدها.
ورغم البرد الذي تسلل من النافذة، شعرت بدفء صغير يتسرب من مبخرتها.
لا أحد يطرق بابها.
لا أحد يسأل.
راما لم تكن بحاجة لأيٍّ منهم الآن.
فقد كانت تملك بين يديها شيئًا أصدق من ضحكات الحفل…
عطرًا يحمل توقيعها، لا يعرفه السيد، ولا تتقنه لارينا.
عندما خرجت راما إلى الحديقه شعرت بالدفاء من شمس الشتاء، كانت يدها ملطخه ببقايا ألعطر عندما تمشت فى الحديقه الملكيه وقبل نهاية درب الأشجار وجدت قطه تلعب وحيده تركض خلف الفراشات ،جلست راما ومدت يدها للقطه التى اقتربت منها فى وداعه القطه التى راحت تلعق يد راما
ثم بعد مدة تحركت راما نحو القصر، تبعتها القطه بأستسلام مرعب.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية فتيات القصر)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *