روايات

رواية دموع على ارض الصعيد الفصل الأول 1 بقلم نور الشامي

رواية دموع على ارض الصعيد الفصل الأول 1 بقلم نور الشامي

رواية دموع على ارض الصعيد البارت الأول

رواية دموع على ارض الصعيد الجزء الأول

دموع على ارض الصعيد
دموع على ارض الصعيد

رواية دموع على ارض الصعيد الحلقة الأولى

كان الليل قد تمدد على المدينة الصعيدية كغلاف من سكونٍ ثقيل لا يعكره سوى نباح كلبٍ بعيد، أو حفيف شجرةٍ تميل تحت وطأة الريح والطرقات خالية، والمنازل موصدة على أسرارها الا من ظلّ واحد يمشي مترنحا بين العتمة….. كانت فرات تمضي بصعوبة وقدماها الحافيتان تجران جسدا منهكا وملابسها ممزقة لا تستر سوى بالكاد. ووجهها مخدوش والدم الجاف يلطخ وجنتها وعيناها محمرتان كأن البكاء سكن فيهما حتي وصلت أخيرا إلى باب قديم ذي خشب متآكل فـ رفعت يدها المرتجفة وطرقت الباب ثلاث طرقات متتالية خفيفة لكنها مستغيثة حتي فتح الباب فجأة وتجمّدت الفتاة لثوانٍ وحدقت في الطيف الواقف أمامها ثم شهقت شهقة اخترقت سكون الحارة مردده:
فرات يا نهار اسود… إنتي جرالك إي عاد.. فرات.. مللك يا بنتي جوومي
حاولت فرات أن ترد لكن جسدها خذلها وانهارت بين ذراعي بنت عمها فصرخت روح بكل ما فيها:
يا ناس…. يا عمه… الحقينيييي.. يا لهوي
خرجت امرأة في منتصف العمر من داخل البيت وهي تضع الطرحة على رأسها بسرعة وركضت نحو الباب وقد بدا الذهول على وجهها وهتفت:
اي الصوت ده؟ يا روح مالك في اي يا بنتي بتصرخي اكده ليه عاد
صرخت روح بفزع وهي تحاول ايفاق ابنه عمها:
فرات… فرات رجعت… بصي… بصي شكلها.. دي بتنزف….. الحقينا يا عمه هتموت.. فرات هتموت
ركعت المرأة جوار الفتاة الملقاة وامسكت نبضها وربتت على خدها محاولة إفاقتها مردده:
فرات يا بنتي… سمعاني؟ مين عمل فيكي اكده… فرات مالك
لكن فرات لم تجب واكتفت بدمعة وحيدة انسابت على خدها بهدوء كأنها اعتراف صامت بما عجزت عن قوله فرفعت روح نظرها إلى عمتها والذعر يملأ عينيها مردده:
احنا لازم نوديها مستشفى… دي بتموت
هزت المرأة رأسها ثم نظرت نحو الداخل وقالت بصوت حازم:
روحي نادي حد من جيرانا يساعدنا… الليلة دي شكلها مش هتعدي على خير
وبعد فتره في المستشفي كاتت رائحة المطهّرات تخنق الممر والأنوار البيضاء تسكب قسوتها على وجوه المترقبين فـ وقفت نعيمة عمة فرات في زاوية الممر تشد الطرحة فوق رأسها كأنها تحاول أن تغلق على رأسها صخب الحقيقة وما إن لمحت الطبيب يخرج من الغرفة حتى اندفعت إليه بعينين تائهتين وصوت مختنق:
يا حكيم… طمني عليها بنت أخوي مالها
تنهد الطبيب ثم تطلع حوله بحذر قبل أن يقول بصوت خافت:
الحالة اتعرضت لاعتداء للاسف… حاله اغتصا’ب
جف حلق نعيمة وخارت قدماها حتى كادت تسقط ووضعت يدها على صدرها ثم تمتمت بصوت مرتعش:
يا ساتر… يا رب استرنا…اي ال انت بتجوله دا يا حكيم… مستحيل… مستحيل
وقبل أن ينطق الطبيب بكلمة أخرى أمسكته من ذراعه بتوسل:
ابوس يدك يا بني متجولش لحد.. متكتبش في التقرير الكلام دا… الناس مش بترحم حد وسيرتنا هتبجب علي كل لسان والبنت دي هتتبهدل وهتودينا ف داهية.. ابوس يدك يا ابني
سحب الطبيب يده وردد:
بس لازم البلاغ.. دي جريمة ولازم ال عمل اكده يتحاسب
نعيمه بلهفه:
احنا هنلمها وناخدها ومش عايزين وجع جلب… حرام عليك، خليها تعددي ابوس يدك يا ابني
نظر ابطبيب اليها بضيق ومضى في صمت، تاركا الباب مفتوحا فـ دخلت نعيمة الغرفة بخطوات سريعة وعيونها تقدح نارا وكانت فرات مستلقية شاحبة كأنما لا تزال تهرب بجسدها من ذكرى ما جرى فـ اقتربت نعيمة فجأة ومدت يدها إلى ملابسها ثم جذبتها بعنف وهتفت:
مين عمل فيكي اكده يا بت انتي… انطجي مين.. سلنتي نفسك لمين
ثم صفعتها دون وعي وهي تصرخ:
فضحتينل يا جليلة الشرف… ده جزانا نربيكي ونتقي ربنا فيكي وانتي تعملي اكده
تدخل الطبيب فجأة وأمسك بيدها مانعا إياها من ضربها ثانية مردفا:
حرام عليكي يا حجه… دا مش ذنبها…. دي ضحية انتي مش شايفة حالتها
تراجعت نعيمة وهي تلهث ثم صاحت بعينين جاحظتين:
لازم نخرجها من اهنيه حالا… مفيش جعاد أكتر من اكده كفاية فضايح
دخلت روح الغرفة وهي تبكي وتشبثت بيد عمتها محاولة إيقافها:
حرام عليكي يا عمتي دي لسه تعبانة… خليها ترتاح.. مش كفايه ال حوصلها
لكن نعيمة دفعتها بعنف وقالت وقد علا صوتها:
اخرسي انتي كمان… البت جابتلنا العار… العار يا ناس.. مش هنجعد ثانية واحدة اهنيه… دي لازم تدفن وشها ف الأرض.. هنخرج يعني هنخرج
سقطت دمعة ثقيلة من عين فرات دمعة واحدة تاهت بين الوجع والخذلان بينما يدها الضعيفة تشد الغطاء على جسدها كأنها تحاول أن تختبئ من الدنيا كلها وبعد فتره كان ضوء الفجر قد بدأ يتسلل إلى الغرفة من خلف الستائر المهترئة يلون الجدران بلمسة باهتة من النور الرمادي وسكون ثقيل يخيم على المكان لا يقطعه سوى أنفاس متقطعة ممزوجة ببكاء مكتوم فجلست روح على حافة السرير تراقب ملامح فرات الشاحبة عينا الأخيرة كانتا مغلقتين لكن دموعها تنساب بصمت فوق خديها وكانت تضم نفسها كأنها تحتمي من برد العالم وخوفه فـ اقتربت روح أكثر وهمست بصوت مرتجف:
فرات… جوليلي بس… إي ال حوصل.. أنا كنت في الشغل طول اليوم ولما رجعت لاجيتك اكده… مالك يا أختي مين عمل فيكي اكده
ارتعشت شفتا فرات ثم خرج صوتها ضعيفا مبحوحا:
هو… كاسر…كاسر بيه
تجمدت ملامح روح واتسعت عيناها بالدهشة والذهول مردده:
نعم؟! كاسر؟! كاسر الالفي… ال بتشتغلي عنده في الثرايا بتاعته
أومأت فرات برأسها بخفة وانحدرت دمعة أخرى على خدها دون أن تفتح عينيها وهمست:
ايوه هو….. هو يا روح ال عمل فيا اكده
وفجاه غلبها البكاء فغطت وجهها بكفيها وانفجرت دموعها بحرقة فعضت روح على شفتها تحاول كبح غضبها ثم صاحت:
لع يا فرات… مينفعش نسكت إحنا لازم نبلغ البوليس ده لازم يتحاسب ده مجرم.. مش علشان احنا مش معانا حاجه وعلي قد حالنا يبجي يعمل فينا اكده
لكن فرات شهقت ورفعت وجهها المغطى بالدموع وصاحت وهي ترتجف:
إنتي متعرفيش مين كاسر ده من عيلة الالفي… العيلة دي تطدر تدوس على اي خد ومحدش يجدر يفتح بوقه بكلمه واحده ممكن يجتلونا كلنا.. احنا مش قد كاسر الالفي بالتحديد.. الكل عارفه زين مش بيرحم حد واصلا هو هيسافر ويرجع القاهره تاني ممكن ميجعدش اهنيه في الصعيد كتير هو بيجي زيارات ويمشي
سكتت روح لحظة ثم همست بنبرة مشحونة:
بس انتي كنتي بتحبيه يا فرات… كنتي دايما بتتكلمي عنه
صرخت فرات كأنها تتلقى طعنة وهتفت:
متجوليش اكده… بالله عليكي متجوليش اكده… أنا مش عايزة حد يعرف حاجة… ولا كلمة يا روح… بالله عليكي
وبينما كانت روح تحاول الاقتراب منها لتهدئتها لنفتح باب الغرفة بقوة ووقفت نعيمة عند العتبة و كانت عيناها تقدحان شرا وصوتها يحمل سما لا يخفى مردفه:
يا فضيحتنا السودة… جيبتلنا العار يا بنت… ياريتك كنتي موتي قبل ما تعملي ال عملتيه… البنت ال زيك متستاهلش تعيش… لازم نموتك ونرتاح من عارك
انكمشت فرات مكانها كأن السقف سيسقط فوق رأسها وانفجرت تبكي بصوت أعلى فتقدمت روح بخطوة وصرخت في وجه نعيمة:
حرام عليكي… هي ذنبها إي…. ذنبها إنها كانت لوحدها…. ذنبها إنها اتأذت.. عيب ال بتجوليه يا عمتي بدل ما نوجف معاها
لكن نعيمة لم تظهر أي رحمة بل أشاحت بوجهها في اشمئزاز وقالت بغل:
ما أنا عارفة إنها مغفلة طول عمرها….هنعمل اي دلوجتي مع ابن الالفي… مين يحدر يوجف جصاده.. جسما بالله ما هنجدر حتي نرفع نظرنا عليه.. ربنا ينتجم منك يا فرات يا بنت اخوي… والله انا لو مكانك لـ هجتل نفسي
القت نعيمه كلماتها ثم استدارت وصفقت الباب خلفها بعنف و ساد الصمت من جديد سوى صوت أنين فرات الذي خفت شيئا فشيئا وجلست روح بجانبها وفتحت ذراعيها لتضمها إليها بحنان وهمست وهي تمسح على شعرها:
أنا معاكي… ومش هسيبك… حتى لو الكل باعك أنا معاكي.
وختم الأذان سكون الغرفة وكأن نداء السماء نفسه يشهد على الظلم وفي الصباح كانت تقف روح في المطبخ تعد الإفطار بصمت ويداها تتحركان كأنهما تحفظان طريق العمل عن ظهر قلب بينما قلبها يضج بأصوات لم تنم منذ الأمس ورائحة الخبز المحمص تعبق في المكان وفنجان الشاي يفور على النار فتطفئه وتمسح البخار عن عينيها ز رفعت الصينية ومضت بها نحو غرفة فرات تتجاهل صوت الخطوات خلفها فجاءها صوت عمتها حادّا كالسهم:
انتي لسه اهنيه يا بنت ملكيش لازمة اجعدي يا اختي اعملي فطار خلي ال جابتلنا العار تنفعك
نظرت روح بضيق ولم ترد وفتحت باب الغرفة بهدوء وابتسامة دافئة مرتسمة على وجهها قالت بنعومة:
فرات… حضرتلك الفطار…. جومي كولي يا جلبي يلا و
لكن الكلمات انطفأت في حلقها حين وقعت عيناها على السرير كان المشهد صامتا… لكنه صارخ بكل تفاصيله ف، تقدمت ببطء حتى وقفت بجوار السرير ثم سقطت الصينية من يدها على الأرض حين رأت يديها تنزف بشده والسكين ملقي علي الارض فركضت نحو فرات مردده:
فرات.. فرات جومي بالله عليكي ردي عليا… ليه اكده… ليه تعملي في نفسك اكده… جومي يا فرات
هزتها بقوة وضغطت على يديها و نادت باسمها مرارا لكنها لم تجب ودموعها انهمرت كالسيل وصوتها تكسر وهي تحتضنها:
ليه يا فرات؟ ليه تسيبيني… ليه اكده
ثم ارتفعت عيناها واحمر وجهها من الغضب وخرجت منها الكلمات كأنها قسم مكتوب بالدم:
كاسر الالفي… جسما بالله العظيم ما هسيبك… انا هنتجم منك بطريجه مستحيل تتخيلها… هجتلك.. هجتلك يا كاسر و

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية دموع على ارض الصعيد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *