روايات

رواية فتيات القصر الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم اسماعيل موسى

رواية فتيات القصر الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم اسماعيل موسى

رواية فتيات القصر البارت التاسع والعشرون

رواية فتيات القصر الجزء التاسع والعشرون

فتيات القصر
فتيات القصر

رواية فتيات القصر الحلقة التاسعة والعشرون

كان القصر في ظاهره هادئًا، ينفّذ خدمُه الأوامر بدقةٍ متناهية. الأطباق تُرفع وتُوضع في مواعيدها. الأرضيات تلمع كما اعتادها السيد. الستائر تُبدَّل مع مواسم الضوء، والممرات نظيفة كأنها لم تعرف خطوات بشر.
لكن مع هذا، كان في الهواء شيءٌ غريب… شيء لا يُرى ولا يُلمس… شيء يتسلل بلا استئذان.
السيد، الذي كان يعتاد أن يسير في قصره كملكٍ مطلق، بدأ يشعر بأن عرشه يهتز من حيث لا يَرى.
أوامره تُنفذ… نعم.
خدمه ينحنون كما اعتاد… نعم.
لارينا، تلك الفتاة التي درّبها بنفسه على الطاعة العمياء، صارت ترد على ندائه بأدبٍ معهود… نعم.
ومع ذلك… شيءٌ خفي.
طاعة الخدم صارت كوجبةٍ بلا نكهة… ككلماتٍ تُقال بشفاه لا تشاركها القلوب.
كأن كل ما يُنفذ له بات صورةً بلا روح.
تسلّل ذلك الشك في صدر السيد أول مرة حين أُحضر له عشاءه، ولم يعرف تحديدًا لماذا شعر أن المائدة نُظمت بحرصٍ زائد، كأن من رتبها يحاول إقناعه أن كل شيءٍ طبيعي.
ثم حين لمح في نظرات بعض الخدم ما يشبه التواطؤ الصامت، كأنهم يتحدثون من خلف جفونه.
في البداية ظنها وساوس.
لكنه بدأ يلاحظ أن أوامره — برغم تنفيذها — تصل متأخرة نبضةً واحدة، كأن الخدم ينتظرون إذنًا آخر لا يُقال.
وحين يستدعي لارينا، تقف أمامه بثباتٍ معتاد… لكنها لم تعد تنظر إلى عينيه بالطريقة ذاتها.
كأن حديثًا ما دار قبل حضورها، أو كأنها باتت تعرف أشياءً لا يقولها أحد.
ازداد الشك في صدر السيد كما يكبر طحلبٌ على صفحة الماء.
راح يقطع جلساته الموسيقية الليلية، تلك التي كان يدير فيها أسطواناته الفرنسية القديمة، ويستمع للنوتات المتساقطة كقطرات مطرٍ على زجاج نافذته.
بات ينهض من مجلسه بين المقطوعات، يتفقد أروقة القصر بنفسه، يراقب أعين الخدم، يُطيل النظر في انعكاس المرآة بحثًا عن أثر خيانة… لكنه لا يجد شيئًا.
في الصباح، يُقال له:
“كل شيءٍ كما أمرت يا سيدي.”
وفي الليل، تخبره لارينا:
“لا أمر يمر دون علمك يا سيدي.”
ومع ذلك، يشعر وكأن القصر كله يتحرك على نغمةٍ أخرى لا يسمعها.
حياته، التي اعتاد أن تكون بين يديه كأوراق شطرنج مرتبة، باتت رقعتها نفسها تَميل من جهةٍ لا يراها.
وصار نومه متقطّعًا.
يصحو في منتصف الليل على صوت موسيقى فرنسية توقفت من تلقاء نفسها.
ينظر حوله فلا يرى إلا جدرانًا صامتة، وقطرة عطرٍ خفية لا يعرف مصدرها، لكنها تشعل في صدره قلقًا أكبر.
في مساءٍ ككل المساءات الأخيرة، حين آوى السيد إلى جناحه الخاص، كان كل شيء يبدو كما اعتاده منذ سنوات حكمه على هذا القصر العتيق.
الأرضيات الملساء تلمع كالزجاج. الستائر الثقيلة تتحرّك بتمهل على وقع نسيم خافت. الموقد مشتعل بشعلته الدقيقة، والموسيقى الفرنسية القديمة تهمس في الزوايا بنغماتٍ وديعة.
لكن، ثمّة شيء لم يكن كما كان.
ذلك العطر.
في البداية، لم ينتبه السيد.
كان يظنه نسمةً ضلّت طريقها من جناح إحدى السيدات.
لكن مع مرور الدقائق، صار الهواء أثقل… أغنى… يحمل في طيّاته تلك الرائحة الغامضة؛ عبق يشبه الحلم، يشبه ذكرى عتيقة لا يستطيع الإمساك بها.
إنه عطر الأثير.
بلا أن يدري، صار يتسلل إلى غرفة السيد ببطء… لا عبر زجاجات، ولا قناني صغيرة، بل من خلال أجساد خدمه.
كل من يدخل الغرفة، يحمل جزءًا من العطر عالقًا في أطراف ردائه.
أحدهم عبر الممر محمّلًا صينية الشراب، وبين طيّات سترته التصقت خيوط العطر.
وآخر — وهو يبدّل شموع الحائط — نفح بكمه الجسد الدافئ للغرفة بنسمةٍ خفيفة منه.
حتى الأحذية، وقد مشت فوق السجاد المشبّع بهواء الأثير، حملت الأثر معها كخطواتٍ واهنة لا تُمحى.
لم يكن السيد يراهم يُلقون قنينةً أو يُشعلون مبخرة.
كانوا يدخلون، ينحنون، يُسلّمون بما في أيديهم، ويغادرون… مخلفين وراءهم ظلًّا شفيفًا من ذلك العبق الملعون.
بمرور الليالي، أصبح عطر الأثير جزءًا من غرفة السيد.
ينام على الأغطية.
يقبع خلف ستائر السرير.
يتسلل إلى ألياف الوسائد.
ويتشبث بخشب الأثاث العتيق.
وبدأ السيد يلحظ التبدّل.
استفاق ليلةً على نغمةٍ فرنسية اعتادها، فوجدها أكثر بطئًا، كأنها تنبع من جوف بئرٍ معطلة.
شعر بأن الهواء يضيق، والرائحة صارت أثقل، تشتبك مع أنفاسه كعنكبوتٍ خفيّ ينسج خيوطه حول جسده النائم.
وحين أدار وجهه على الوسادة، باغتته نكهة الأثير… لا كرائحةٍ عابرة، بل ككيانٍ يقطن وسادته.
دفع الغطاء عنه ونهض، يحدّق في أرجاء الغرفة.
لا أحد.
ومع ذلك… عطر الأثير هناك.
تعلق في جدران المكان، في نسيج الثياب التي وُضعت له بعناية، حتى في منديله الشخصي.
صار القصر كله — حتى جناحه — يتحرك بنبض عطرٍ لم يأذن له بالدخول.
عندما دخلت لارينا مساء تلك الليله لم يوليها السيد أدنى أهتمام تركها تسرد تقريرها اليومى حتى همت بالانصراف
فطلب منها ان تقترب وتجلس على ساقيه
ثم ابتسم السيد بسخريه وهو يلعق عنق لارينا
انصرفى الان
أمرها السيد ثم امسك قلمه ودفتره والابتسامه لا تفارق محياه
فتح شرفته وحدق بالحديقه وعقله يعمل بطريقه جد مزعجه
كيف فاته كل ذلك ؟
ترك السيد غرفته وقصد المكتبه وأمر الا يزعجه إى شخص
هناك بين الكتب القديمه
ظل السيد أكثر من يومين لا يبارج المكتبه يقراء ويلتهم كتب ألعطر القديمه
ثم خرج اخيرا وفى فمه سيجاره الفاخر ،احضرو لى الخادمه راما دى فلور

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية فتيات القصر)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *