روايات

رواية عودة الذئاب الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم ميفو السلطان

رواية عودة الذئاب الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم ميفو السلطان

رواية عودة الذئاب البارت الحادي والعشرون

رواية عودة الذئاب الجزء الحادي والعشرون

عودة الذئاب
عودة الذئاب

رواية عودة الذئاب الحلقة الحادية والعشرون

كانت وجد تصرخ فيه كأن قلبها ينزف، وأحست أنها لم تعد تحتمل مشاعرها، تريد أن تجعله يعترف بحبه.
تعرف مشاعره وتراها واضحة، كالنار تحت الرماد، ولكنها لا تراها أفعال…
كانت مهتاجة من تجنّيه، من غيرته عليها، ولكنه لا يصرّح بمشاعره…بدأت تبعده بعنف واستدارت تخرج.
فاندفع واحتضنها بقوة وهي مهتاجة، تصرخ كمن تُنتزع من صدرها الحياة…
“أوعي! أوعي! أنت مابتحسّش؟ أوعي يا أخي… أنت إيه؟ أنتو كلكوا زي بعض!
ماتفرّقش عن حد… أنا غلطانة، كنت فاكراك غيرهم!”
كانت تتملّص منه، كفراشة تحاول النجاة من اللهب، وهو يشد عليها…
فدفعته، وهمّت أن تبتعد، فصرخ بحرقة:
“لو سيبتيني… أموت!”
وقفت لبرهة، كأن الأرض تحتها اهتزّت، تشعر بالقهر، فنبرته تصدح بوجعه…
فصرخت به:
“كفاية! ماعتش هسمعلك… كفاية!
أنا همشي، وماعتش هتشوف وشي!
حد كان قالك إني اتخلقت أتعذّب وبس؟!”
اندفع وحاوطها بقوة، كمن يحتمي بها من نيران قلبه…
“اهدي… اهدي… أنا آسف، والله آسف…
أنا مش عارف قولت كده إزاي…
أنا… محروق.”
دفعته، وخبطته على صدره، وصرخت:
“إيه اللي حرّقك؟ انطق يا نديم!
إيه، مستكتر تقول؟ إيه اللي حرّقك؟
أنت إيه يا أخي؟!”
كانت دموعها تنهمر بعنف، كأن السماء انفجرت بداخلها،
فاقترب منها، فصرخت:
“ما تقربش! بقولك… كانت تنهج بشدة،
ولا تعلم ماذا تفعل في قلبها الذي يؤلمها…
كأنه ينزف بنداء لا مجيب له.
اقترب وقال بوجع…
“طب هو مين طيب اللي وحشك ده؟”
نظرت إليه بذهول، كأن ما حدث لم يمر عليه…
“برضه؟ مافيش فايدة… مافيش فايدة!”
اقتربت منه وقالت بغضب،”خطيبي يا نديم، إيه رأيك؟اللي أبويا خطبه لي، هاه؟
مبسوط كده؟ افرحلي بقى…زي ما أنت هتعمل في أختك،أبويا عمل خطيبي يا نديم!
هتشبك وألبس دبل، إيه رأيك؟أقول إيه وأكلم مين؟أنا تعبت…” واستدارت.
مسك يدها بعنف…
“أنت بتقولي كده عشان تحرقيلي قلبي؟”
فصرخت بجنون، كأنها تنفجر من الداخل…
“أنت هتجنّني، صح؟عايزني يجرالي حاجة؟
ليه؟ أحرقلك قلبك؟ليه؟ إيه السبب يا نديم؟
حرام والله، بطل…بطل تقولي كده، بطل توجعلي قلبي!”
كانت دموعها تسيل…وهمست:”أنا تعبت…
أنا بجد تعبت…مش قادرة أكمل كده…
أنا حاسّة بجحيم، والله…أنا اتكتب عليا أعيش متعذبة…عمري ما قلبي يدق…
ولو دق…”
اقتربت منه، ووضعت يدها على قلبها،
كأنها تحاول تسمع صوت الحياة فيه،
ومسكت يده وهتفت:”اتكتب عليا ده يدق لوحده!أنا كنت فاكرة إن قلبي هيلاقي وليفه، يا نديم…
بس للأسف… مش هيلاقيه… عمره.”
استدارت وهمّت أن تخرج.
اقترب، يحاوطها على الباب هامسًا…
“مين قال كده؟والله هتلاقي…وهتلاقيه مش بيدق بس،ده بيدق وبيقول كل اللي إنتِ عاوزاه…بس… ييجي وقته، والله… ييجي وقته.”
استدارت، ونظرت إليه بقهر، كأنها تنظر إلى وعدٍ تأخر عمرًا…
“ساعتها… جايز ماعتش يبقى فيه قلب أصلًا!
الدقّة ليها ميعادها، اللي بنفرح بيه…مش تيجي في وقت… ماعتش هنحس بيها…
ساعتها… جايز صاحب القلب يكون في حتّة تانية… لحد تاني…هيلاقيها فين… وهي راحت… وماتت؟
دمعت عيونها وقالت بنبره تقطر الما…. عارف يا نديم… كنت دايما اقول… انا محتاجه اب.. احس بيه.. بحنيته بحبه يخاف عليا.؟ .يدور عليا.. انا محتاجه اب يحضني ..محتاجه حضن.. بس ربنا مادانيش مادانيش.والله ماداني . قولت.. قولت هيجي حبيب يعوضني.. بس.. يا خسارة… يا ألف خسارة…”واستدارت وخرجت.
وقف هو غاضبًا، وكأن روحه تصرخ في جسده،رزع الكرسي أمامه…”كتير عليا!
ماعتش متحمّل… كتير!هموت عليها…
أعمل إيه؟ قلبي بيوجعني…أنا… البت اتملكت مني!أعمل إيه؟آخدها طيب؟
أنا ورايا جحيم…ماعرفش آخره إيه…ما جايز أروح في نصيبه…ولا أموت… أكون وجعتها بزيادة…يا نديم، انت مش كده!انت ماينفعش!ماينفعش… مش دنيتك…صرخ
ليه؟”
أزاح مكتبته بعنف، كأن يزيح قدَرًا لا يريده،
“ليه؟ليه اتكتب عليا الوجع؟ليه…؟”
وهنا انهار، وجلس، وقهره يتكاثر عليه كالجبل.
*********
دخلت مهره قاعة الاجتماعات، تقطب جبينها كأنها تستعد لمعركة داخلية، فوجدت إحدى الفتيات تجلس على طاولة الاجتماعات، منحنية على الأسمر.
شعرت بنارٍ داخلها، لهيبٌ سرى في عروقها كأنه انتقام خفي من قدرٍ لا ترضاه.لمعت عيناها، وضعت يدها على صدرها، تحاول إخماد النار المتأججة في قلبها.
دخلت وجلست بصمتٍ متصلب، والفتاة تضحك بصوتٍ عالٍ، كأنه سخرية من أنوثتها المجروحة.
وما جعل مهره تتجمد ،أن الفتاة رفعت يدها تمسك طرف قميص الأسمر، وقالت:
– “إيه يا أسمر، مش اتأخرنا عالحفله؟ يلا بقه، الناس مستنّينا.”
أحسّت مهره أن جسدها لم يعد يطيق البقاء، كأن جدران القاعة تنطبق على روحها.
فهبت وخرجت بصمتٍ مزلزل، ذهبت إلى الحمام، تشعر أنها تريد أن تصب الماء على وجهها وقلبها معًا؛ لعلّ هذا الغليان ينطفئ، أو حتى يهدأ لحظة.
ظلت برهة، وعادت لتجد أسمر جالسًا وعيونه منصبة عليها، وتلك الفتاة بجواره.
بدأ الاجتماع يمر، جلست مهره أمامه، وكلما رفعت عيونها وجدته يتفحصها، وعلى وجهه ابتسامة ساحرة كأنها سكين في صدرها.
تململت، ورفعت قدمها تحت الطاولة، فلمست قدمه غصبًا عنها.
نظرت إليه، تنهدت وأحنت رأسها، وفجأة تجمدت، فقد أخذ قدمها بين قدميه.
نظرت إليه، وهو كما هو، مبتسمٌ كأن شيئًا لم يكن.
نظرت إليه بغضب، فضحك وغمز لها.
شدّت قدمها، أرادت أن تهرب من نظراته، ومن تلك الحقيرة التي أوصلتها لحالة من الجنون.
وما إن انتهى الاجتماع، حتى قامت مهره، فهب أسمر ووقف أمامها.
– “استني، عايزك.”
اقتربت زهرة، واضعة يدها على كتفه:
– “اتأخرنا، يلا.”
نظرت إليه مهره، وعيونها تشع نارًا:
– “أظن وراك حاجات مهمة، نبقى نتكلم بعدين.”
أسرع أسمر:– “مش هتيجي الحفله؟”
ضحكت زهرة:
– “حفلة إيه يا أسمر؟ أعتقد المهندسة مهره مش بتاعة كده. الشغل ليه ناسه، والفرفشة ليها ناسها. اسمع كلام المهندسة مهره، هي بتحب تبقى راجل بزيادة، قولًا وفعلًا.”
وأطلقت ضحكة عالية، كأنها صفعة على كرامة مهره.
هتف أسمر بخشونة:
– “زهرة، خلي بالك من كلامك.”
كل ذلك، ومهره تغلي من داخلها، واستدارت بصمتٍ وخرجت.
استدار أسمر وهدر بصوت غاضب:
– “آخر مرة تكلميها اكده، فاهمة؟ واتفضلي بقه، عندي شغل.”
نظرت إليه زهرة غاضبة وخرجت، فأسمر في غضبه لا يرى.
خرجت مهره تغلي من داخلها:
– “راجل؟ أنا راجل؟ مش دي البِت اللي قال عليها جاية تشتغل عشانه؟ البيه لازقة فيه وقاعداله وبيروحوا حفلات؟ طب أنا هموت ليه؟ مالك؟ ما انت اللي بتبعدي، اهدي كده، يولعوا ببعض.”
ظلت تأكل نفسها، لكنها لم تستطع التحمل.
وهبت واقفة، وأخذت أشياءها، ونزلت إلى الأسفل.
كانت هناك صالة للألعاب خاصة بالشركة.
كانت تغلي من داخلها.
دخلت، وغيرت ملابسها، أخذت أحد الجوانتيات ولبستها، واتجهت إلى المكان المخصص للملاكمة.
كانت الصالة كبيرة، بها كل الألعاب مجهزة.
وبدأت تلعب بعنفٍ وقوة، تضرب الحامل كأنها تفرغ فيه كل وجعٍها وغيظها.
ظلت تدور وتضرب، تتذكر كلام تلك الفتاة…
سمعت صوتًا خلفها:
– “مش كل الغضب بيروح بالعنف، مش كل الوجع بيتحل في مكان زي ده.”
نظرت إليه ساخرة:
– “متهيألي انت مش فاضي تحلل غضبي، مش وراك حفله؟ المكان ده للرجالة، أو بالأصح، للناس اللي مالهاش في الفرفشة.”
تنهد وقال:
– “انتي اللي حاطة نفسك في المكان ده، ورافضة تخرجي منه.”
نظرت إليه بغضب، فتنهد وقال:
– “طب غضبانة ليه؟ أنا ما عملتش حاجة.”
اندفعت تخبط الحامل بعنف.
اقترب ومسك يدها:
– “يا ريتني أجدر أعرف غضبك، أخرجه واحتويه. انتي بقيتي لغز كبير بالنسبة لي، ولغز بيوجع. انتي وجعك لامسني، وأنا مش عارف أشيله.”
شدّت يدها بقوة:
– “ولا عمرك هتقدر تشيله يا أسمر.”
ابتسم، واقترب من وجهها:
– “بيبقى جوايا غضب الدنيا، ببقى عايز أخبط راسك في الحيطة. بس أول ما تجولي (يا أسمر)، بنسى كل حاجة، وببقى عايز آخدك في حضني ما تخرجيش منه. عايزك تصرخي، تخرجي كل اللي جواكي… وهيحصل.”
نظرت إليه بسخرية:
– “انسى، أخش حضنك؟ دي مش هتحصل.”
ضحك واستدار، وأخذ إحدى الكرات:
– “ما تبقيش تتكي على الكلام جوي. انتي مش كدّي، ولا كد التحدي.”
نظرت إليه، وبدأ يخبط الكرة ويدور حولها.
قطبت جبينها.
بدأ يداعبها ويشاكسها، لتلين غصبًا عنها وتضحك.
فقال:
– “يا بنتي، انتي مش قدّي.”
قطبت جبينها، واندفعت تأخذ منه الكرة، وبدأ يلاعبها ويشاكسها، ليتحول غضبها، وتلين، وتستجيب له ولمشاكساته.
بدأت تضحك من قلبها، وهو يزيد في تحديها.
مر الوقت عليه بسعادة، وعليها كحلم جميل.
أخذت منه الكرة، اقترب ليأخذها، وهي ترفض وتضحك، وهو تركها تنتصر عليه.
وفي النهاية، ضمّها إليه بقوة…
رجف قلبها…
– “من فرحتي ما عارفش أنطج. التحدي كسبته، مش تحدي فوز ولعب، لاه… تحدي إني أشوف فرحة عيونك معايا. أسمع ضحكتك. ألمح نظرة حب بتطلع بعفوية من جلبك، اللي حاطة عليه حجر وترباس. التحدي إنك دلوك في حضني، فرحانة ومرتاحه، ما بتفكريش إلا فيا وفيكي.”
ظلت تنظر إليه لبرهة.فهو علي حق نسيت معه الدنيا.
زحف إليها الخوف على الفور، فعفويتها جعلتها تعيش لحظة من أجمل لحظاتهم معًا.
دفعتْه على الفور وهربت، خوفًا من مواجهة تعلم أنها الخاسرة فيها.

كانت مهره تتجنب أسمر بعد آخر مرة، وهو يشعر بالجنون لذلك البعد.
فهي لا تقربه، والأصعب أنها تعامله بقسوة غير عادية، كأنها قُدَّت من حديد.
كأن خنوعها له، ومن قبلها دخولها في حلم السندريلا، حولها…
كأنها تتلبّس شخصيتين.
كان متخبطًا، كيف رأى داخلها الأنثى، ثم نفرت فجأة بلا سبب؟
وكلما قرّبها وتلينت، تعود وتبتعد أكثر وأكثر.
أما هي، فمن داخلها تشعر بالخيانة: لعائلتها، لأخيها، ولنفسها.
كلما لان قلبها له، كلما تاقت لقربه، وكلما حدث ذلك…
تقتحم ذكرياتها البشعة عقلها، لتؤجج نار غضبها منه.
تتحول إلى جماد.
وخاصة عندما تشاجرا مع نديم بسبب أخته، ليذكّرها بهدفهم الأساسي.
فتعود تلك المهرة الشاردة، النافره…
أتاها تليفون من جدّها، كان يتصل بها:
– “إزيك يا بتي؟”
ردّت بحنان كأنها تعانقه بكلماتها:
– “جدي عمران!”
سعد هو بها، ليقول بصوته الذي يحمل في طياته حنين السنين:
– “أيوه، حبيبتي، كنت عايزك… ممكن تجيلي؟”
فهبت بسرعة وبقلق يشبه ارتعاش القلب:
– “إيه فيك إيه يا حبيبي؟ إنت كويس؟”
ابتسم ابتسامة يخبّئ خلفها تعب الزمن:
– “يعني، بس تعبان شوية… وكنت محتاج أتكلم معاكي يا بتي.”
ابتسمت وقالت، بنبرة امتنان دافئة:
– “حاضر، عيوني… مسافة السكة.”
قامت مسرعة، يسبقها قلبها، وذهبت إليه، دخلت عليه ملهوفة:
– “خير، مالك يا جدي؟”
ابتسم على لهفتها، وكأنها جرعة حياة:
فاقتربت، ومسكت يده، فقال:
– “ما تخافيش يا غالية… اني بخير، اني بشكرك يا بتي إنك بتيجي تطلي عليا كل شوية. والله يا بتي، من يوم ما بت جابر مشت، واني جاعد من غير حنية… انتي مليانة حنية يا بتي، متلها بالضبط.”
ابتسمت، ومسكت يده وقبّلتها، وكأنها تطمئن قلبه بلمسة بنته الحنونة:
– “ما تقولش كده… دانا بفرح لما بجيلك. مالك؟ قولي.”
تنهد، وكان تنهّده كأنه أنين من جوف القلب:
– “ما عارفش… حاسس بوجع على عيالي كلهم… وجد، بت ابني، هنجوزها براء ابن عمها.”
نظرت إليه نظرة تفهم ودهشة:
– “طب ما ده عندكو الطبيعي… مش البت لابن عمها؟”
ابتسم وقال، وكأن داخله كلمة لم تُقال بعد:
– “يا ريت يا بتي يبقى كيف ما بتقولي، وتبقى لابن عمها… جابر كان عايزها لاسمر، بس هو يعني…”
قالت بلهفة مشتعلة:
– “إيه؟ هو كمان عايزها؟”
ابتسم:
– “مين؟ أسمر؟ …أسمر ما بيعوزش حد… ما عرفش نافر ليه أكده؟ عارفة… مستني أشوفه جلبه يجيبه، بس ما عرفش مين تجدر عليه.”
خفق قلبها، خفقة لم تفهمها، لكن جسدها شعر بها:
– “ليه يعني؟ عادي… ماله؟”
ضحك، ضحكة حزينة فيها مرارة التجربة:
– “ماله كيف! أسمر جلبه ده حجر… اللي توجعه تبقى فرسه عالية. لو حصل، اعرفي إن أسمر هينجلب نار، وما هيسيبهاش، مهما إيه حُوصل. ولدي، واني عارفه… يقطع حاله على اللي يخصه.”
تنهدت وسهمت، وسهوتها كانت كمن يغوص في بحر بلا قرار…
فابتسم هو:
– “ملاحظ حاجة كده… هو، بتيجي لي زي الهربانين ليه يا بتي؟”
قطبت جبينها، فقال:
– “إيه؟ أسمر بيضايقك؟”
تنهدت، ونظرت إليه، كأنها تهرب من ظلّ لا يُرى:
– “وأنا مالي بيه يا جدي؟”
رفع وجهها، وكأنه يُنقّب عن صدق غائب:
– “عيونك دي ما بتجولش الحِجيجة… عيونك دي ما هياش عيون بتي!”
بهتت من كلامه، ونظرت إليه بدهشة من كشف لم تتوقعه:
– “كيف عرفت إنها عدسات؟”
فقالت:
– “إيه؟ إنت… إنت بتقول إيه؟!”
ابتسم، ومسّد على يدها، بحنان كانه يمسح بها وجع قلبه:
– “اني عارف إن ده مش لون عيونك.”
ارتبكت، كأن قلبها انفضح، فقال:
– “نفسي أشوف عيونك يا بتي… ينفع؟ والله يا بتي، ما بعرف أتكلم مع حد من غير ما أحسه… واني بحبك، ونفسي أحس جواكي.”
تنهدت، فهَمَس برجاء يكاد ينكسر:
– “ممكن؟”
قامت، وأزالت عدساتها، ونظرت إليه، فدمعت عيناه… كأنّ ما رأى أعاده للوراء سنين:
قالت بلين يخالطه الوجل:
– “طب ليه طيب؟”
قال بحنان موجوع:
– “عيونك زي عيون ولدي.”
ابتلعت مهره ريقها بصعوبة، وقالت كمن يوقظ ذكرى نائمة:
– “ولدي الغايب… اللي راح وخلع جلبي؟”
همست هي:
– “ولدك؟”
قال بوجع يتفجر من قلب أثقله الذنب:
– “عارفة؟ أحنّ عيالي… العيل اللي كنت بحبه وبعشقه، العيل اللي اتظلم من خواته، العيل اللي نفسي يسامحني… وهموت واني مجهور عليه، هموت طالب مسامحته اللي ما خدتهاش.”
قالت بوجع، بلهجة تخنقها الغصة:
– “هو مسامحك.”
فاندفع بلهفة تشبه استغاثة:
– “بجد يا بتي؟ سامحني؟!”
فارتبكت، وقالت:
– “هاه… آه… أكيد يعني، لما يسمع كلامك ده، هيسامحك.”
تنهد، وقال بحب يفيض من عينيه:
– “ربنا يفرّح جلبك يا بتي… هعيش عمري مستني مسامحته ومسامحة ولاده، هعيش عمري طالب قربهم، وإنهم يعاودوا لحضني. إنت لو مكاني يا بتي، وزعلتي من جدك، وجه لحدك وجالك، وقالك سامحيني… هتسامحيني؟ والله يا بتي، ندمت… لما الندم بياكل جتتي…”
دمعت عيناها، وقالت بصوتٍ خافتٍ، كأنها تحاول انتشاله من قاع وجعه:
– “بطل تقول كده… آه والله، هسامحك على طول.”
تنهد بحبٍ وانكسار، وقال بصوتٍ أقرب للدعاء منه للحديث:
– “طب… وخواتك؟ هيسامحو برضك؟ ينفع؟”
تنهدت بأسى، وكأنها تحمل أثقال إخوتها فوق روحها:
– “أنا بتكلم عن روحي يا جدي… بس الله أعلم الباقي إيه. بس نفسي… نفسي يسامحك الكل يا جدي.”
تنهد، ومسك يدها كأنها حبل نجاته الأخير:
– “ادعيلي يا بتي… إن نارهم تبرد… إني أشوفهم في دنيتي… ما فيش صلاة إلا أما بسجد وببكي جهر، طالب من ربنا السماح… نفسي إني أشوف خلفهم ونسلهم الصالح قبل ما أجابل ربنا.”
ثم صمت لحظة، كأن نفسه تقطّعت بين الماضي والرجاء، ثم قال:
– “عارفة يا بتي؟ حِجّهم محفوظ… واني مراعي ده… ولدي هياخد زيه زيهم… اني مش ظالم. آه، ظلمته زمان… بس دلوك الندم بينهش جلبي.”
مسدت على يده، ونظرت إليه بنظرة تواسي وجعه، وقالت:
– “مش بالفلوس يا جدي… بالنفوس.”
أغمض عينيه لحظة، وتنهد تنهدًا كأن صدره يفرغ أحمال السنين، وقال:
– “بطلبها من ربنا يا بتي… إن النفوس تتراضى… يا رب، تتراضوا كلكوا.”
ابتسمت هي، ابتسامة حزينة كأنها تواسي شيخًا يبكي داخله، ثم استأذنت، وقامت، ونزلت.
نزلت لتجد “جابر” واقفًا أمامها، ينتظر كصخرة في طريقٍ لا تريد أن تمر به.
مرت بجانبه ولم تنطق، فهتف بصوتٍ غاضبٍ مشحونٍ بمرارة:
– “إيه؟ معدية علي يهود؟!”
وقفت لبرهة، كأن الكلمات صفعتها، ثم أكملت طريقها… لم ترد أن تحتك به، فهو أكثر من مرة احتك بها في الشركة بغباء وعناد، بسبب تلك الإمضاء التي جعلته متورطًا في دوّامة المكسب والخسارة.
اندفع نحوها، يمسكها بعنف، وكأن كبته انفجر:
– فصرخت… “إنت؟ إيدك فيه إيه؟!”
هدر غاضبًا، وقد تجمعت النيران في صدره:
– “إنت يا بت! إنت! مش مرتاحلك… جايه أهنه ليه؟ ليكي أهنه إيه؟ إنت؟!”
كانت الكلمات كطعنة في صدرها، لكنها تماسكت، وعيونها التمعت بالغضب المكتوم… لم ترد، لكن جواها كان يغلي، كأن ما سمعت لم يكن مجرد صوت، بل إهانة مكتوبة على جدار كرامتها.
وهنا… سمعت صوتًا قاسيًا، صلْصل كالسيف على صخرة، وما كان إلا أسمرها… يقف وعيونه تشعّ غضبًا، كأن النار توقدت في عيونه.
– “فيه إيه يا عمي؟ من ميّتة… بنتجبر على الحريم؟ وبيتنا مفتوح للغريب قبل الجريب؟! فيه إيه؟!”
اقترب منها، ومسك يدها من يد جابر، يبعدها عنه كأنما ينزع قلبه من بين أنياب ذئب، ووضعها خلفه، حاميًا إياها بجسده كجدار من نار.
قال جابر بغضبٍ مكبوتٍ:
– “ماعرفش بتاجي كتير لجدك… ما بعرف بينهم إيه، مش مطمّن.”
قطّب أسمر جبينه، وكان جهله بالأمر كصفعة باردة:
– “ضيفة جدي… هو حر. مالك انت؟ عموماً… خليك كريم يا عمي، احنا بيت كرم، والداخل ياخد حُج الكرم.”
واستدار، شدّ يدها وغادر بها مسرعًا، خشية أن يفتعل عمه شجارًا لا طائل منه.
خرج من البيت، وشدها خلفه، وهي تحاول أن تفك يدها، لكنه أسرع بها كمن يهرب بها من حريق داخلي. أخذها إلى الإسطبل، ودخل بها وكأن الأرض كلها ضاقت به إلا هذا المكان.
شدّت يدها غاضبة:
– “إنت جايبني هنا ليه؟! إنت شادد بهيمة؟!”
اقترب منها، وابتسم ناظرًا إليها بنظرةٍ ملتهبة، شهية مجنونة:
– “لاه… شادد فرسة… تخبّل.”
ارتبكت، فقد كانت تحاول الابتعاد عنه منذ مدة، تكتم مشاعرها كأنها تسجن قلبها، لكنها اشتاقت… اشتاقت له حد الوجع.
قالت بخفوتٍ متردد:
– “من فضلك… عايزة أمشي.”
فقال معاتبًا، نبرة صوته تحفر في داخلها:
– “لما إنت بتيجي أهنه… ما بتعرفنيش ليه؟!”
قالت ببرودٍ تمثّله، يخونها في كل حرف:
– “وإنت… يخصك في إيه؟ هتمنعني أشوف جدي؟!”
ابتسم، ومد يده يداعب وجهها كأنها طفلة يهوّن عليها بكفّه:
– “يخصني؟… أي حاجة تعمليها تخصني. كل حاجة… بتخصني.”
نظرت إليه بغضبٍ خافت:
– “هو إيه اللي كل حاجة تخصك؟! إنت عقلك فيه حاجة؟!”
اقترب، وحاوطها بالسور، صوته خرج واثقًا متملكًا:
– “ما تعرفيش… إنّي عارف خطواتك؟ والنفس اللي بتاخديه؟”
شعرت برهبة من كلماته، ضحك:
– “عارف بتروحي فين، وبتاجي منين… أنا حرمتي ما تتسابش اكده.”
همّت أن تعترض، إلا أن صهيلًا بجوارها أوقفها، التفتت، فوجدت فرسًا رائعًا خطف نظرها وقلبها معًا. فرسٌ أبيض، ذو غُرّةٍ سوداء، مكسو باللون البني، يبعث على الهيبة…
همست:
– “إيه الجمال ده…؟!”
قال وهو ينظر لها، كأنما يقصدها لا الفرس:
– “كل جمال… وله اللي يجدره. وكل فرسة… ليها مكانتها.”
اقتربت من الفرس، مدت يدها تمسده بحنانٍ وكأنها تلمس حلمًا قديمًا:
– “ده حاجة تاخد العقل…”
دارت حوله، وقلبها يدق كأنما يعود لحياةٍ أخرى.
– “كان نفسي أركب فرس بالجمال ده… طول عمري.”
اقترب منها، وأخرج قطعًا من السكر، أعطاها إياها، مسك يدها، قدمها للفرس، ليلتهم السكر ويداعب يدها، فضحكت بفرحٍ طفوليّ، لأول مرة منذ زمن.
وفجأة… شهقت، فقد حملها أسمر، ووضعها على الفرس، وقفز وراءها.
– “إنت بتعمل إيه يا مجنون؟!”
ضحك، وهمس بجوار أذنها:
– “يعني ينفع… مهرة الأسمر تطلب حاجة… وما تتنفذش؟”
رجف قلبها، الكلمة لامست روحها: مهرة الأسمر.
لم يعطها فرصة للرد، اندفع بها بقوة، تشبث بها كمن يُمسك بعمره. أزاح شعرها المستعار، شهقت:
– “أبوس يدك… اهدى.”
تنهدت، واستسلمت، كانت تفرح… تنبض… تشعر.
ظلّا ينطلقان وسط الحقول، شعرها يتغلغل في وجهه، وهي في حضنه، تشعر أنها ملكة، أنها تخص هذا الفارس، لا أحد سواه.
وحين وصلا لمكانٍ معزولٍ وسط الأراضي، توقف فجأة، نزل، وأنزلها بهدوء.
قلبها يدق طبولًا من وجعٍ غامض، همّت أن تبتعد، لكنه شدّها إليه، وهمس:
– “لحد ميته… هتحاربي الأسمر؟ لحد ميته؟! أنا ما بتحاربش… بس سايبك… أشوف آخرك.”
دفعته بوجع:
– “إنت… إيه؟ ما بتزهقش؟!”
تنهد واقترب منها:
– “لاه… ما بزهجش… حد يزهج من فرسته؟!”
قالت باستخفاف:
– “فرسته؟! مش رُحت حفلات… وانبسطت؟! إنت عقلك خفيف، باين.”
ضحك، واقترب منها:
– “في دي عندك حج… عجلي خف… من ساعة ما شفتك، وبقيت حد تاني… عايز أرمح وراكي لسنين.”
سكت، ثم بصوتٍ خافتٍ:
– “بس إيه؟ زعلانة إني بروح حفلات؟ ولا… ألف واحدة تملي عيوني غيرك؟!”
قالت بصدق:
– “إنت غريب على فكرة… وما تقولش بتحبني… عشان ما تبقاش كدّاب.”
نظر لها بعينين جادتيننظر إليها أسمر… ماعرفش أنا جوايا ليه،
لكن اللي أعرفه إنك بتاعتي… وتخصيني… ويس.
كإنه قلبه نطق قبل لسانه، وكأن روحه تعلقت بروحها دون ما يستأذنها.
نظرت إليه…
يعني عايز تفهمني إنك ماقابلتش حد تقرب منه عشان تحل عني بقه؟
نبرة صوتها كانت كأنها بتطعن وتترجى في نفس النفس.
ضحك…
لاه، فيه ناس عايزين يجربوا… وهيموتوا عليا كمان.
قالها وكأنه بيتباهى بناره، مش داري إنها بتحرق قلبها هي.
قالت بغيظ…ونِعم التواضع!ضحكت سخرية، بس عينها كانت بتلمع من وجع مختبي ورا الكلمة.
ضحك هو…
بنات أعمامنا كلهم عايزين ومستنين إشارة،
وزهرة عارفاها، إنت اللي معانا في الشغل، شغّالة مخصوص عشان اكده.
كأن الكبرياء لابس صوته، وكأن الغيرة بتكوي في صدرها.
قالت بغيظ…
ما تروح تتجوزها… وتحل عني يا أخي.
قالتها ودمها بيغلي، كأن قلبها يتمزق وهيا تبعده.
ابتسم هو واقترب منها…وهتتحملي إني أتجوز؟هتتحملي أسمر يروح لحد تاني؟
هتتحملي إن أسمر يكون ليه فرسة غيرك؟
كان صوته فيه سُم العشق، وكان يسحبها لحافة النار برجله.
شعرت بوجع من كلامه،استدارت ولم تنطق،
فاقترب واحتضنها…
مهره هيا وبس…
اللي مستنية تلبس الفستان،
وأسمر يوطي يلبسها أجمل فستان.
صوته كان حنين قاتل لقلبها
لتقاطعه بوجع …هتوطي تلبسني؟أسمر يوطي لوحده؟مش أسمر اللي عايز يجيب الكل تحت جزمته.
نبرتها كانت سيف، وعيونها كانت بتنزف كرامة طعنت في صغرها.
تنهد هو…
إنتِ مالك جافشة في الجملة دي يعني؟
أنا بجولها للجرابيع.
حاول يبرر، بس صوته كان بيقطعها من جرح صايبها.
فصرخت…مش كل الناس جرابيع!حتى لو جرابيع، مش من حقك تقول!إنت بتوجع من غير حق،الدنيا مش أسياد وعبيد،الظلم وحش يا أخي،ليه تبقى ظالم وتوجع كده؟
كلامها كان بركان، والحق ناطق في كل حرف، بتنزف وجعها
بُهت من غضبها،فتنهد…ممكن تهدي؟ مالك بس؟كان خايف يكمل كلمة، كأن كل صوت منها بيكسر في داخله حتة.
قالت بقهر…مالي؟… مالي كتير!من فضلك بقه، مشّيني، أنا تعبانة.
كانت بتسحب روحها من بين دراعاته، وكل خطوة بتبعد، كانت بتموت أكتر.
اقترب منها، فصرخت…ما تقربش بقه يا أخي!
كأنها بتبني سور من نار بين قلبها وقلبه.
فانفعل وشدها إليه ومسك وجهها…
طب اسمعي بقه وآخر كلام عشان أنا جبت آخري!أنا هقرب براحتي، وإنتِ تخبّطي راسك في الحيط وتنفلجي نصين أو تلاتة زي ما إنت عايزة!إنتِ بتاعة الأسمر، وانكتبتي على اسمه!انكتبتي، فاهمة؟خليني ساكت بلاش أجيبها حرايج!
إنتِ كلك ملكي، يبقى من الآخر كده، تعرفي إن آخرك حضني!إنتِ كلك بتاعتي، وأعمل فيكي ما بدالي، فاهمة؟
وتجولي حاضر وطيب، عشان يمين الله لأحبسك واهبدك علقة تخلص عليكي!
إنتِ إيه الغباء ده؟إنتِ طايحة اكده ليه؟
حد كان جالك إن أسمر مايعرفش يحكم حرمته؟
كلامه كان نار بتلسع، بس قلبه كان بيأن جُرح ووجع .
فصرخت…حرمته إيه يا مجنون إنت؟
صرخة مهزومة، كأنها بتحاول تطرد قدر مكتوب على جبينها.
فاحتضنها بقوة…
أيوه، حرمتي، وهعرفك إنك حرمتي…
وشدها ودفعها على إحدى الأشجار…
انهال عليها وهي تحاول أن تبعده،وهو لا يُفلتها،كان يشعر بالجنون،فهي تريده من داخلها،غير أن عنفوان الصعيدي لا يقبل أن ترفضه أنثى،فهلكت بين يديه.أحسّت أنها ستموت.
أبعدها وصرخ فيها…طلّعيلي مهره اللي جوا!
حابساها ليه؟ليه؟عايزاها؟مين منعك؟
مين؟
ولا أي حد يجف لينا، إحنا وبس، مفيش حد تاني!
أحسّت أنها ستنفجر،أنفاسها كانت بتتقطع،
كأن قلبها بيتخنق من كُتمته…لتنفجر في البكاء.
هَمّ أن يحتضنها…لترفع يدها، ترتعش…
وبدأت تترنّح كأن الأرض بتتهاوى تحت رجليها،كانت ستموت،تتنفّس بصعوبة ،وضعت يدها على قلبها،ركنت عالشجرة من قهرها،ووجع صدرها لم يعد يُحتمل،لتسقط بهدوء،كأنها وردة داسها الزمن تحت قدمه دون قصد.
تمددت،
تركت ظهرها على الشجرة،
ظلت تتنفس بصعوبة…اندفع إليها، كان منظرها مريع،كأن الحياة تفر من عروقها،
حاولت أن تتكلم فلم تستطع،كانت حالتها بائسة،تمزق القلب،كأنها تحتضر وسط النهار.
شدها بقوة…بطّلي، هتموتي!بطّلي، خلاص، هنكتم!اهدي… اهدي…
كان يعتصرها بين يديه وهي تشهق فقط،
وصوتها يأبى أن يخرج.كانت تنتفض، فقط.
كأن الروح بتتخبط في جدار صدرها تبحث عن مخرج!
إلى أن هدأت…وهو يمسّد عليها،يمسّد على شعرها…لم ينطق…ما أراد أن يزيد عليها،
كانت خلعت قلبه وجعًا.
ركن على الشجرة…أخذها في حضنه،
وعمّ الصمت،سوى من أنينها وتنهيداتها،
التي كانت تخرج كسكاكين من صدرها،
حسّ بها… هدأت، كان يُحسسها بوجوده فقط،وكلما تشنّجت…اعتصرها أكثر كأن ذراعيه ادعيه بتستغيث بيها.
لم يعلم كم من الوقت جلسا هكذا،وسط الحقول،ساعات نائمة في أحضانه،تشعر أنها لا تريد أن تخرج،كأنها وجدت مهربها بعد عمرٍ من الهروب.
أحسّت…لو ماتت ، هترتاح من دنياها،
ركنت على صدره…مسك يدها،رفعها على صدره،وقبّل رأسها بحنان،كأنها طفلة تايهة… أخيرًا لقت حضنها.
لترتخي أكثر،ولا إراديًا حاوطته بيديها،خفق قلبه بشدة،فهي تلتمس منه شيئًا يوجعه،
يريد أن يعلم ما بها،لتنام بين يديه لفترة،
وتتوه عن الدنيا،هربت منه إليه.هربت من كل شيء إلا من صوته،اللي كان بيطبطب على وجعها من غير ما ينطق.
كان صبورًا…أحسّ باسترخائها،قبّل رأسها ويديها…وهمس وجع:
ليه؟ليه إنتِ مجنونة؟متعجدة؟حد عمل فيكي حاجة؟طب أعالجك فين؟فيه إيه؟
نايمة بتتنفض بين دراعاتي ليه؟بتعملي في روحك كده ليه؟بتحاربي ليه بس؟
أحسّ إنها بها مصيبة…
حاسس بيها…صوتها ساكت،بس روحها بتصرخ…
ظل بجوارها حتى استفاقت.
فاقت،أحس بها،كانت بتحرك رأسها بحنان على صدره،ظلت صامتة، لم تتحرك،
تحاول أن تعود لنفسها،تجمّع شظاياها بعد انهيارها.
لتبتعد قليلاً،وهمست بلين مكسور:
ممكن أمشي؟
صوتها كان ضعيف،كأنها بتعتذر للحياة على إنها لسه عايشة.
تنهد هو،ما أراد أن يزيد وجعها،اقترب،
قبّل رأسها،وقام وحملها،رفعها على الفرس،
ظل يسير بروية،وهي راكنة على صدره،
تنظر للطريق،وبداخلها أنين شوق…
لا تريده أن ينتهي.كأنها رغم كل شي، مش عايزة تبعد.
أوصلها للعربية،نزلت من سكات،وهو يراقبها،
كأن النظر ليها بقى حياة.
صعدت إلى حجرتها،
أخذت منومًا،
ونامت…
تهرب من الصراع بداخلها،
كأنها بتحاول تطفي النار اللي ساكنة قلبها،
بس النار دي… كانت من أسمر،
ولكنها أيضا … من أجله
#####
كان براء يشعر بقهرٍ غير عادي، نارًا تتأجج في صدره، لكنه ما قدرش يتحمّل فكرة إن شجن تبقى لحد غيره. خطاه قادته من غير وعي لبيت نديم. وقف هناك، تحت البيت، عينيه مش بتغيب عن الباب. مر وقت، وبان له نديم من بعيد… عرفه من هيبته، من خطواته التقيلة.
تحرك براء بسرعة، وقف في وجهه كإنه بيقطع عليه الطريق. استغرب نديم من وجوده، وسأله بنظرة حادة:
– نعم؟
قال براء بصوت فيه رجفة مترددة:
– ممكن نتكلم؟
رفع نديم حاجبيه بشك، ورد بهدوء جاف:
– اتفضل.
قال براء:
– طب ممكن نجعد في حتة؟
استدار نديم بلا كلمة، ومشي على عربته. دخلها وجلس، وراه براء متردد، قلبه بيرقع في صدره.
جلس براء مرتبك، في حين كان نديم يتأمله بصمت… بصوت مهزوز بدأ براء الكلام:
– شوف حضرتك، أنا عارف إنك راجل شديد، وصعب، بس اللي حصل… ماكانش فيه حاجة غلط.
رفع نديم حاجبيه، نبرته فيها شك.
فقال براء بسرعة:
– أنا بتكلم عن شجن… عن شجن يا أستاذ نديم.
وهنا اتغير لون نديم، الغضب اشتعل في عينيه، ومن غير تفكير، مسكه من رقبته بقوة، وقال من بين أسنانه:
– مالك بيها؟ عايز منها إيه؟
صرخ براء بصدق وقوة:
– عايز أتجوزها!
بهت نديم للحظة… ما نطقش. كرر براء بثبات متحدي:
– أيوه، عايز أتجوزها. إيه المشكلة؟ بدل ما ترميها زي ما جولت، ادّهالي.
فرفع نديم حاجبيه.. بسهوله كده انت عارف انا مين ادهالك انت.
هتف براء بغرور.. واني مش أي حد انت كمان عارف انا مين…
ضحك نديم… هتكون مين.. يلا من هنا واستدار وخرج من العربه فاندفع براء وشده…
قال براء بعنفوان.. زي مانت عندك شركات اني عندي شركات وجصور واطيان… إحنا عيله إسمها يرن.. يهز الصعيد…
ضحك نديم… لا والله..ومين الحلو أبو عيله تهز.
وقف براء أمامه رفع راسه بتعالي … اني مش أي حد وعايز أختك بالحلال… اني من اكبر عيله في الصعيد… عيله ابو الدهب..تسمع عنها . تجمد نديم واحس بقلبه سينخلع… أكمل براء بقوه …
اني براء…. .براء سلطان ابو الدهب…
ياختاااااي يا حزنك يا نديم.. . الحقو نديم يا مجلوط يا قاتل يا مقتول…. ولعاااااات…. وهنط في إيه يا ولاااه…

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية عودة الذئاب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *