روايات

رواية دموع على ارض الصعيد الفصل الثالث 3 بقلم نور الشامي

رواية دموع على ارض الصعيد الفصل الثالث 3 بقلم نور الشامي

رواية دموع على ارض الصعيد البارت الثالث

رواية دموع على ارض الصعيد الجزء الثالث

دموع على ارض الصعيد
دموع على ارض الصعيد

رواية دموع على ارض الصعيد الحلقة الثالثة

تسمرت روح في مكانها وقد تجمد الدم في عروقها عندما التقت عيناها بوجهه… وجه لم تعتقد أنها ستراه من جديد فخرجت شهقتها مكسورة وبالكاد نطقت:
إنت… مستحيل.. انت اي ال جابك اهنيه وعايز مني اي عاد
دخل الغرفة ببطء والابتسامة الباردة ترتسم على شفتيه تلك الابتسامة التي طالما كرهتها كان طويلا عريض المنكبين عيناه سوداوان كغياهب الليل فـ تقدم منها خطوة ثم أخرى، حتى بات على بعد أنفاس منها وابتسم قائلا بصوت خفيض مشبع بالحقد:
مش مستحيل ولا حاجة… انتي ال جولتيلي بنفسك إنك بتؤمني إن الدنيا صغيرة… أهي لمتنا تاني يا روح
ارتعشت شفتيها وهي تهمس:
أنت… كريم… انت عايز مني اي عاد
ضحك ضحكة قصيرة كأنها صفعة ثم قال بتهكم:
ايوه كريم…كريم ال كان خطيبك ال فضحتيه جدام الناس، وجولتي عليه خاين وميستاهلش كلمة راجل… ال لطختي سمعته وشوهتي صورته… والنهاردة أنا جاي أربيكي من اول وجديد واوريكي انا راجل ازاي. انتي كنتي تطولي اصلا اخطب واحده زيك.. دا مكنتوش لاجين تاكلو ولا تلبسوا.. بجا واحده زيك تعمل فيا انا اكده
ارتدت إلى الخلف وهي تصيح بانفعال:
ابعد عني… إنت مالك بيا.. أنا بكرهك… بحتقرك فاهم؟! مش ناسية إنك خونتني ودايما كنت تعايرني وبعتني من غير ما يرمشلك جفن… انت بالنسبالي ميت
القت روح كلماتها لكنه لم يتراجع بل اقترب فجأة كأن شيطانه قد استيقظ فيه ورفع يده بعنف ليكمش ذراعها ثم جذبها إلى السرير الخشبي المهترئ ودفعها بعنف عليه وصوته يعلو كأن كل جنونه قد انفجر دفعة واحدة وهتف:
أنا هعلمك… هفرجك أنا ممكن أعمل فيكي إي… ال تجرسني وتكسرني جدام الناس مينفعش أسيبها تعيش مرتاحة
صرخت روح وهي تحاول أن تتخلص من قبضته لكنه أمسك بحبل كان ملقى في أحد أركان الغرفة وقبل أن تتمكن من الهرب كانت يداه توثقان يديها إلى قوائم السرير وعيناها تمتلئان بالذهول والرعب حاولت أن تتكلم أن تستجدي أن تقاوم لكن كلماتها خرجت كأنها تنهار من بين شفتيها:
كريم… إنت بتعمل إي؟! إنت اتجننت؟! سيبني… بالله عليك سيبني!”
لكنه لم يسمع. كان قد أُغشي على عقله والظلمة التي سكنت قلبه جعلته لا يرى سوى الانتقام… لا يسمع سوى صدى إهانته القديمة ولا يشعر إلا بالرغبة في التمزيق وهي مربوطة اليدين وفي مكان اخر في زاوية المكتب المظلم، جلس رائف خلف مكتبه الكبير ويداه تعتصران رأسه بين كفيه و الأضواء الخافتة تعكس على وجهه ملامح الإرهاق والضيق بينما الساعة تشير إلى اقتراب منتصف الليل فـ دخلت فريده بخطوات مترددة ووقفت عند الباب قائلة بنبرة خافتة:
يا بشمهندس رائف… أنا خلصت كل اللي طلبته… والوجت اتأخر ممكن أمشي
رفع رائف رأسه ببطء ونظر إليها بنظرة حادة كأنها أيقظته من كابوس ثم قال ببرود مشوب بالاحتقار:
انا لسه موجود… يبجى انتي تفضلي موجودة
تلعثمت فريده قليلا قبل أن تقول بخوف:
بس أنا اتأخرت جوى وأهلي هيقلقوا عليا… لازم أمشي بسرعه
وقف رائف من مكانه فجأة واقترب منها بخطوات غاضبة لكن قبل أن ينبس بكلمة واحدة دفع الباب بقوة وظهرت اميره واقفة بثقة الطفولة الممزوجة بالعناد:
رائف… واحشتني
تراجع رائف قليلا ونظر إليها مندهشا قبل أن يعقد حاجبيه قائلا:
يا بنتي اميصحش كده… وبطلي الهبل ال بتعمليه دا انتي جاية اهنيه لوحدك في الوجت ده إزاي … ازاي اصلا تخرجي دلوجتي
تنهدت اميره بضيق وهتفت:
بدور على كاسر… تليفونه مجفول ومش لاجياه في أي مكان.. جولي اخوي فين
ثم التفتت إلى فريده وقالت:
اعمليلي نسكافيه لو سمحتي
نظرت فريده إلى أميرة بضيق قبل أن تحول نظرتها المتأففة نحو رائف فهز رأسه بإشارة باردة تدل على الأمر لا الطلب فاضطرت إلى الخروج وجلس رائف على طرف المكتب وقال بصوت منخفض:
وهو انتي طول الوجت ماشيه ورا كاسر كده؟ ما تتعلمي تعيشي من غيره شويه
اميره بضيق:
هو أخوي… ومجدرش اعمل اي حاجه من غيره.. لازم يبجي طدام عيوني اكده دايما
لم يرد واكتفى بالنظر بعيدا إلى أن عادت فريده تحمل كوب النسكافيه الساخن ووضعته أمام أميرة على المكتب فـ أخذته أميرة دون أن تشكرها وارتشفت رشفة واحدة… ثم عبست فورا ورددت:
هو إي ده…. فيه سكر كتير جوي انا عامله دايت
وفجاه قذفت بالكوب على فريده فارتد النسكافيه المغلي على يدها وصرخت سهى وهي تتراجع وقد احمرت يدها من الألم فـ نهض رائف فجأة واندفع نحوها بقلق واضح وأمسك يدها برفق:
فريده… إيدك… وريني اكده سخن عليكي.. تعالي نروح للحكيم
سحبت فريده يدها بسرعة ونظرت له بعينين دامعتين:
دي حاجة بسيطة… شكرا
ثم خرجت من الغرفة بسرعة ووقف رائف لحظات يراقب الباب المغلق ثم نظر لأميرة بعينين تشتعلان بالغضب، وقال:
يلا… جومي أهوصلك… كفاية دوشة وفضايح لحد اكده
نهضت أميرة دون رد وبعد فتره كانت روح ممددة على السرير الخشبي مقيدة بحبال خشنة غليظة تركت أثرها على معصميها والهواء في الغرفة ثقيل والرعب يخيم على كل زاوية وصوت خطوات يقترب ببطء قاتل ومع كل خطوة كانت أنفاسها تتسارع أكثر…فـ دخل رجل غريب الملامح واقترب منها وعيناه تلمعان بنوايا لا يحمد عقباها و مد يده نحوها فصرخت بكل ما تبقى في صدرها من قوة:
ابعد عني بالله عليك متقربش مني … سيبني يا بني آدم انت. عايز مني اي عاد
كانت تتلوى وتحاول الفكاك تبكي وتصرخ وتناشد لكن لا فائدة فـ اقترب أكثر وهم بلمسها…وفجأة انفتح الباب بقوة ليهتز معه الهواء واندفع كاسر إلى الداخل كإعصار هائج لا يرى أمامه إلا وحشا وردد:
إنت بتعمل إي عاد
صرخ به وهو يهوي على الرجل بقبضة من نار وظل يضربه حتى سقط الرجل أرضا بلا حراك ثم ركض نحو روح و فك قيودها وهو يردد:
انتي كويسه.. حد لمسك… جوليلــي
وقفت روح في صدمة وعيناها معلقتان به غير مصدقة أنه أمامها…وقبل أن تنطق بكلمة أخرى انطلق صوت تكة معدنية…ورجل آخر خرج من العتمة يصوب مسدسه نحو كاسر فصرخت روح بكل ما فيها، وبلا أي تفكير أو تردد،
ألقت بجسدها أمامه لتتلقى الرصاصة في صدرها بدلاً منه…ودوى صوت الطلقة ثم تبعه صوت ارتطام جسدها بالأرض فاقترب منها كاسر وحملها وخرج بسرعه وفي صباح يوم جديد
داخل أروقة المستشفى…وقف كاسر أمام نافذة زجاجية تطل على حديقة المستشفى الصغيرة ساكنا كأنه حجر يراقب حركة الناس بلا تركيز حتي اقترب منه رائف بهدوء وعقد ذراعيه أمام صدره وهو يسأله باستغراب:
بس انت مجولتليش… إزاي عرفت إنها هناك؟ كنت رايح فين عاد
استدار كاسر ببطء وغمغم بصوت خفيض فيه بعض الحدة:
كنت شايف تصرفاتها غريبة… وشاكك إنها ناوية تعمل حاجه في رحمه… فـ بدأت أراجبها… لحد ما شوفتها وحسيت ان فيه حاجة غلط
ضحك رائف بسخرية بسيطة وقال:
يعني رايح تنقذ ضحيتك؟ وهي ال أنقذتك… سبحان مغير الأحوال
وقبل أن يرد كاسر انطلقت خطوات سريعة نحوهما وظهرت اميرة تركض بعفويتها المعهودة لترتمي في حضن كاسر وهي تردد بلهفة:
كاسر… يا اخوي… إنت كويس أنا جلبي كان هيوجف من الخوف عليك
ضمها كاسر برفق وقال بابتسامة باهتة:
انا بخير يا أميره… جهزي نفسك علشان رحمه هتخرج من المستشفى النهاردة، والدكتور وافج خلاص
اتسعت عينا أميرة بدهشة وهتفت:
بجد؟! طب الحمد لله… وفين البنت ال بسببها كان ممكن يوحصلك حاجه… ال أنقذتها ومش عارف ليه أصلا والله
ثم اندفعت أميرة بخطوات غاضبة نحو الغرفة التي ترقد فيها روح ودخلتها دون استئذان. كانت روح جالسة على طرف السرير ويدها مربوطة بشاش أبيض ووجهها شاحب من الألم لكنها كانت متماسكة فـ أشارت أميرة نحوها بإصبعها وهتفت بسخرية لاذعة:
انتي بجد عندك وش تجعدي اهنيه .. اخوي كان هيموا بسبب بتاعه زيك ملهاش لازمه
نهضت روح فجأة ودفعتها بعنف وصرخت في وجهها:
ابعدي عني… انتي مين أصلا؟! وفاكرة نفسك إي علشان تكلميني بالشكل دا
اميره بعصبيه:
أنا أخت كاسر.. ال كان هيموت بسببك
روح بحده:
وأنا ال أنقذت حياته! فلو سمحتي… لمي لسانك بدل ما اجوم اربيكي من اول وجديد انا مش ناجصه وجع دماغ
وفجأة دخل كاسر ووقف بينهما ورفع صوته بغضب:
كفاية! أميره يلا مع رائف… روحي شوفي رحمه وخليكي بعيده عن أي دوشة تانية.. انا مش ناجص وجع جلب يلا
سحبها رائف بلطف وهو يومئ برأسه لروح بهدوء وخرج الاثنان من الغرفة فـ تقدم كاسر ببطء نحو روح ونظر إليها نظرة ناعمة لم يعتدها ثم قال بصوت صادق:
انا آسف… وشكراً… علشان أنقذتيني
رفعت روح حاجبيها وقالت بنبرة باردة:
وانا بشكرك علشان برضو أنقذت حياتي
ابتسم بخفة وقال:
رحمه هتخرج من اهنيه النهاردة… والحكيم جال لازم يكون معاها حد يرعاها وهي بتحبك… وطلبتك بالإسم… أنا مستعد أدفعلك أي مبلغ… بس لو توافجي تبجي المرافقة بتاعتها
سكتت روح للحظة لكن قلبها كان يرقص من الفرحة… فرصة دخلت من باب القدر بل من نافذة الانتقام فهذه هي اللحظة التي انتظرتها ورددت في نفسها:
أخيرا… هدخل بيت كاسر برجلي وهاخد كل حاجة… وأردهاله واحدة بواحدة
استفاقت على صوته وهو يسألها:
سرحتي في إي عاد
هزت رأسها سريعا وردت بابتسامة هادئة:
لع… مفيش… أنا موافجه
ابتسم كاسر بخفة وقال:
تمام… خليكي جاهزة. العربية هتكون مستنياكي بعد الظهر
وغادر الغرفة.
أما روح… فجلست على طرف السرير وحدقة عينيها تلمع بنار دفينة وهمست في داخلها:
اللعب ابتدى يا كاسر… وهنشوف مين فينا ال هيوجع التاني أكتر
ظلت روح جالسة على السرير تحاول تهدئة أنفاسها، لكن عقلها لم يكن ساكنا… كان يحفر في أدق التفاصيل. وفجأة شهقت كأن أحدهم ضربها على صدرها:
المحفظه
ثم تذكرت… في تلك الغرفة المهجورة وقبل أن تغلق عيناها من الألم… كانت هناك محفظة مرمية على الأرض… محفظة فرات.
فـ عقدت حاجبيها ورفعت رأسها في ذهول وهي تتمتم:
ازاي… إزاي محفظة فرات تكون في مكان ليه علاقة بكريم كريم…انا لازم أعرف المكان دا بتاع مين… ولازم دلوجتي
نهضت بسرعة وخرجت من المستشفى دون أن تلتفت وراءها و خطواتها كانت سريعة كأن الأرض تشتعل تحت قدميها وبعد ساعة تقريبا وقفت في أحد الشوارع الجانبية الهادئة تقابل شابا يبدو عليه الذكاء يحمل بيده بعض الأوراق فـ نظرت له بعينين تشتعلان بالقلق وسألته مباشرة:
ها؟ عرفت المكان مكتوب باسم مين
فتح الشاب الورقة ثم رفع نظره إليها وقال بنبرة ثابتة:
أيوه… عرفت المكان متسجل باسم واحد اسمه رائف… رائف السباعي
تجمدت روح في مكانها وعيناها تتسعان ببطء:
رائف…رائف السباعي
انسحبت الدماء من وجهها وضاعت ملامحها بين الذهول وفجاه ارتعبت عندما وجدت امامها و

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية دموع على ارض الصعيد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *