رواية بحر ثائر 2 الفصل الحادي عشر 11 بقلم آية العربي
رواية بحر ثائر 2 الفصل الحادي عشر 11 بقلم آية العربي
رواية بحر ثائر 2 البارت الحادي عشر
رواية بحر ثائر 2 الجزء الحادي عشر

رواية بحر ثائر 2 الحلقة الحادية عشر
ماذا لو لا يراك العالم
ماذا لو لا يراك غيري…
ماذا لو؟؟؟؟
بِوِدِّي لو كنت ساحرا…
لأسجنكِ في مصباح…
لا يعرف سِرَّهُ غيري
بِوُدِّي لو أخفيك عن الناس…
في أعماق روحي يا أغلى الناس…
ويلي وويل قلبي لو فقدتك…
لم ينهيني أي شعور
لم تنهيني أي جروح…
غيابك وحده فقط من سينهيني…
فكيف أعيش في دنيا لست فيها…
فكيف لا أحرق دنيا عليَّا تتآمر…
تهددني بك..
فقط لأنك أنت الساكنة في الخاطر…
كوني القوة والسند لي..
يا امرأة السلام…
أشعلي لأجلي الحروب…
لا تشعليها ضدي…
وأنا المنفي احتضنت في عينيك وطني..
يكفي الحروب التي يشعلها بعدك عني
فكوني بالقرب دوما…
أشعر بالسلام وأنت بهذا القرب دائما…
( بقلم فيروزة)
❈-❈-❈
صباحًا
استيقظت دينا بحماسٍ كبير ، اليوم ستذهب مع بسمة إلى الشركة لتبدأ أولى أيام عملها ، تقف ترتدي ملابس مهندمة راقت لها كثيرًا .
تنظر لهيأتها برضا استمر للحظات وحينما حدقت في عينيها أسرعت تتوارى هربًا وتلتفت باحثة عن حقيبتها كي تغادر الغرفة .
لن تسمح لهذه الأفكار أن تعطلها ، حتى لو كانت قد أخطأت في حق شقيقها في نهاية المطاف قد فعلت ذلك لتصل إلى ما تريده .
يجب أن تكون أولوياتها في الحياة هي طموحاتها وأحلامها ، يجب ألا تتنازل عنها ، حتى شقيقتها ديما حينما بدأت تحلق بحثًا عن أحلامها فُتحت لها أبواب السعادة ، وهي ستفعل .
ستعمل مع بسمة في شركة الرواي وتكتسب المزيد من الخبرة التي ستنقلها إلى شركة شقيقها وخطيبها لتكون السبب في علوها وتضع اسمها عاليًا في سماء الأعمال .
سيفتخرون بها ، حتى شقيقها الذي يقيدها بخوفه سيعترف أمام الجميع أنه كان مخطئًا ، وأما عن صالح فهو يحبها وتعلم ذلك جيدًا لذا سيتركها تحقق ما تريده ، ستفعل وتحقق كل ما تتمناه ، هي ليست أقل شأنًا من بسمة الراوي أو ديما الصابر بل أنها ستتفوق عليهما وليرى الماضي من هي دينا الصابر ، تبغض هذا اللقب الملتصق بها ولكن ماذا تفعل؟
خرجت من غرفتها لتجد الجميع يجلسون على مائدة الفطور ، اتجهت تطالع وجوههم حتى استقرت عند وجه داغر المسدل والحزين ليوخزها قلبها ولكنها عنفته وادعت البرود وهي تجلس قائلة بخفوت :
– صباح الخير .
ردت عليها بسمة فقط ، باغتتها منال بنظرة عتاب ولوْم لتشعر بالضيق ، ولكنها قررت التجاهل .
انتهى الفطور ونهض داغر ينظر إلى بسمة ويردف بملامح جادة :
– هنزل استناكوا تحت مع محمد .
أومأت له فالتفت لوالدته مسترسلاً :
– لو عوزتي حاجة ابقي كلميني يا ماما .
تحرك يغادر بعدما ودعته منال ودعت له ولم تحتمل الصمت بل نظرت لابنتها وصاحت موبخة :
– إنتِ ماعندكيش دم ؟ مش وافق ع اللي انتِ عايزاه ؟ كمان مقموصة بدل ما تحاولي تراضيه ؟ اتعدلي يا دينا احسنلك واوعي تفكري أنك كبرتي على أخوكي اللي رباكي وشقي علشان سيادتك تيجي النهاردة وتتكبري عليه .
باغتت منال بنظرة حانقة وبرغم قلبها الذي يؤكد على كلمات منال إلا أنها صاحت مستنكرة بتبجح :
– يعني مطلوب مني اعمل إيه ؟ بتعايروني مثلًا ؟ ولا أدفن أحلامي واسمع الكلام من سكات ؟ ع العموم أنا هرجع اشتغل أهو واللي صرفتوه عليا اعتبروه دين .
التفتت تنظر إلى بسمة وتستطرد وهي على وشك البكاء :
– يالا يا بسمة .
اندفعت بعدها تغادر ومنعت منال نفسها بصعوبة عنها لتحاول بسمة تهدئتها قائلة بتريث :
– روقي يا خالتو وانا هتكلم مع دينا ، علشان خاطري إنتِ عارفة إنها بتيجي بالسياسة مش بالعصبية ، سبيها عليا وانا هكلمها .
زفرت منال بضيق وأومأت بملامح منزعجة لتستل بسمة حقيبتها وتنهض لتغادر هي الأخرى .
نزلت للأسفل لتجد دينا في انتظارها عند مدخل المنزل وعلى ملامحها تجهم واضح ودموع معلقة لذا أردفت بسمة بترقب ورسمية زائفة :
– لا معلش افردي وشك كدة ده أول يوم شغل ليكي معايا .
طالعتها دينا بتمعن وحاولت أن تتنفس مطولًا وتخفي ما بها لذا قالت بزيف :
– أنا تمام يا بسمة ، يالا علشان مانتأخرش .
أومأت وتحركتا نحو السيارة تستقلانها وتغادران وخلفهما انطلقت سيارة الحارس ومعه داغر الشارد في أمر شقيقته .
❈-❈-❈
( ها أنا أعلن استسلامي ، رفعت راية الحب للتو ، تزوجت ممن اقتنع بها عقلي وقلبي واكتملت بها روحي ، هذه التي تشبهني في العرق والهوية، الكاتبة المصرية ديما الصابر .
يالها من سيدة استطاعت هدم قوانيني ومعتقداتي وأعمدتي التي شيدتها على مدار سنوات ، لقد ابتعدت عن بلدي ناقمًا على أفعالها ، رأيت صدفتها القاسية ولم أرَ لآلئها المكنونة ، هي من أخذت بيدي إلى الأعماق وعلمتني كيف أبصر لأرى الدواخل معها .
انتقدت المرأة العربية واتهمتها بطمس الهوية وقلة الخبرة لتأتي هي مجددًا وتصفع أقوالي ومعتقداتي بثقافتها ووعيها وأخلاقها التي أنارت دربي ، وأدركت أنني لم أكن أتقدم بل كنت أسقط.
لحقت بي قبل أن أصل إلى القاع الغربي منبهرًا به ، لتثبت لي من خلال مناظراتها أن القمة تكمن في الهوية والأصالة والحضارة التي تتميز بها بلادي ، هي المرأة العربية التي علمتني معانى الحب وأولها حب نفسي ، لقد تزوجت من السيدة مارتينا ارتوا وظننت أنني وجدت الحب معها ولكن كيف أظن ذلك وأنا لم أكن أعرف ملامحه ؟ كان هذا غباءً ، كيف أقول وجدته وأنا لا أعرف ملامحه ؟
هي فقط الحبيبة ، هي الوطن الصغير ، هي الزوجة التي لا يمل منها السلام ، بل هي امرأة السلام كله)
كتب هذا المقال على صفحته الرسمية باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية وأرفق معه صورتهما التي التقطاها في الأمس والتي يظهر فيها بهيبته وأناقته في حلته السوداء وقميصه الأبيض الناصع مع ربطة عنق منمقة وتقف ديما تجاوره برسمية وأناقة ، كانا كشعاعٍ ثاقب يستهدف عين كل حاقد ، وقد كان حينما التفت يديه حول خصرها يحتويها بتملك صريح، ونظرته لم تكن موجهة نحو الكاميرا بل كانت تحمل تهديدًا مدويًا لأعدائه بألاّ يقترب منها أحد ومن يفعل فقد فتح على نفسه أبواب الجحيم .
ترك هاتفه بعدما قام بنشر المقال والتفت ينظر لها حيث تنام وتواليه ظهرها ، منذ ليلة أمس وهو يشعر بما يؤرقها ، يقرأها ، يستنتج أفكارها بعد مصارحته ، ويتفهم ما تمر به .
يريدها قوية ، لا تضعفها فكرة ولا تسيطر عليها رغبة ، ولا تقيدها وسيلة ، يريدها حرة ومنطلقة دومًا .
يدرك أن اعترافه بوقف كتابها أثار ريبتها ولكنه إن لم يعترف بذلك لم يكن ليرتاح خاصةً وأنه قرر ألا يخفي شيئًا ، كذلك يدرك أن قرب مارتينا منه آنذاك أزعجها ، وأوهمتها غيرتها عليه بأشياءٍ ليس لها أساسًا من الصحة ، لذا قرر مصالحتها فانحنى عليها يزيح خصلاتها التي تخفي وجنتها عنه وطبع قبلة عليها ثم اتجه نحو أذنها يردف بهمسٍ وحب وارتياح نبع من صفاء ذهنه بمصارحتها :
– هتفضلي مخصماني كدة كتير ؟
لم تجِبه بل ادعت النوم ، نعم حزينة وتفكر فيما هما مقبلان عليه ولكن تؤرقها فكرة ماذا إن لم يأتِ ذلك الاتصال ؟ هل هناك احتمالًا ضئيلًا أن يفعلها ؟
– لاء .
أجابها يهمس مجددًا في أذنها ويعانقها بقوة كعقابٍ ، كأنه قرأ أفكارها وتساؤلاتها ليسترسل ويده تضغط على جسدها بحب يود لو يدخلها في ضلوعه :
– لو اتصال توماس ماجاش كنت هستعمل الخطة ب وهخليها تفقد وعيها وهحقنها بالمخدر اللي معايا وبعدين أخلص مهمتي وأرجع لها تاني ولما تفوق هقولها أي حجة ، لإني مطالب بعدم كشف هويتي مهما كان علشان كدة ربنا بعت لي اتصال توماس في الوقت ده .
تنفس بعمق واسترسل برجاء :
– علشان خاطري بلاش تفكري في حاجة ملهاش وجود لإن أنا أولًا بحب ديما ومش هكسر قلبها ، ثانيًا الست دي أنا بقرف منها فوق ما تتخيلي ، ماتخليش الشيطان يدخلك ويزعلنا من بعض .
ها هو قلبها يرق طواعيةً لكلماته وقربه لذا تنفست بعمق والتفتت تقابله وتردف بتحشرج وعيون لامعة :
– ماشي .
صُدم حينما لمح دموعها وتساءل باستنكار :
– إنتِ كنتِ بتعيطي ؟
فركت عينيها بكفها ثم عادت تطالعه وتردف بمراوغة :
– لاء أبدًا ، أنا بس كنت بفكر هنعمل إيه في موضوع توماس ؟
أسقطته على أرض الواقع فتجهمت ملامحه وأجابها بنبرة صارمة وهو يزفر وينهض معتدلًا :
– هتتواصلي مع اللوا رشدي وتبلغيه إنك مش هتدخلي في الموضوع ده .
بتوترٍ وحذرٍ اعتدلت تجاوره ونظرت له بعمقٍ وقالت :
– أنا دخلت فعلًا يا ثائر ، أنا هعمل اللي المفروض أعمله علشان نخلص من البني آدم ده هو واللي وراه .
لم يوافق على حديثها برمته ونطق معترضًا بتأكيد :
– لا مش هيحصل يا ديما ، مش هسمح تشاركي في حاجة زي دي .
تنفست بعمق وأجابته بحكمة وثقة :
– بس أنا كدة كدة دخلت جوة الأمر ده يا ثائر ، ده عدوك وعلشان يكسرك هيدور على نقطة ضعفك وطبعًا مستحيل يقرب من معاذ لأنه في الأول والآخر حفيد ارتوا ، بس ممكن يحاول يأذي عيلتك ، معنى كدة إن أنا فعلًا جوة الأمر ده علشان كدة الأفضل إني أحارب معاك وننتصر عليه مافيش قدامنا حل تاني .
مدت يدها تتناول كفيه المقبوضتان بقوة على أثر غضبه وتملس عليهما محاولة تهدئته واسترسلت :
– هتعرفني كل حاجة وتدربني كويس جدًا وتقولي المطلوب وهنقدر عليه يا ثائر هو واللي وراه ، أنا واثقة في ده جدًا ، مش هنسمحله يقرب من عيلتنا ولا من ولادنا ولا حتى يهدد بلدنا مهما كان هو مين ، لازم نكون مع بعض في الأمر ده .
سحبها إليه يعانقها بقوة ويخفيها داخله وتسلطت نظرته نحو البعيد ، نظرة توعد وثقة بأنه سيفعل وبأنه لن يسمح لأحدهم بالمساس بها أو بعائلته ووطنه ، هذه حربه وسينتصر .
❈-❈-❈
وصلها إشعارًا بمنشور ثائر وليته لم يصل .
ذلك العقل الذي ابتاعته خصيصًا لبقائها في مصر قد تبخر وحل محله الجنون المركز خاصة عند كلمة ( ظننت أنني وجدت الحب معها ) ، يعترف أمام كل متابعيه أنه لم يحبها قط ، يعلن الحرب عليها ؟ يتحداها ؟ يعترف بحبه لتلك الفرعونية ؟
لم تتحملها الغرفة التي تمكث بها لذا حينما اندفعت تغادر منها بغضبٍ عارم ارتد الباب يُغلق كأنه يتمنى لو أنها لا تعود مجددًا .
تحركت نحو غرفة توماس تصفع بابها الذي يصرخ مستنجدًا فخلصه توماس حينما فتح يطالعها بغضب فصاحت بنبرة حارقة وهي تعرض عليه هاتفها :
– هل رأيت ؟ قرأت ماذا يقول ذلك الحقير عني ؟ أقسم سأقتلهما الليلة .
تبدلت ملامح توماس الباردة إلى عدوانية من تهورها الذي سيعقد ويكشف خطته لذا انتزع منها الهاتف يقرأ ما كُتب لثوانٍ ، نظر للصورة المرفقة ، نظر لعيني ثائر والتقط تهديده بنجاح لذا ابتسم وحوّل بصره إلى ملامح ديما كأنه يتحداه .
انتزعت مارتينا منه الهاتف واسترسلت بحدة وغيظ حينما وجدته يبتسم :
– لا تضحك أيها الغبي ، يجب أن تجد لي حلًا سريعًا وإلا سأحرق الجميع معي .
عادت ملامحه تتجهم وقبض على رسغها يسحبها معه نحو المصعد ويغادران للأسفل .
ثوانٍ حتى وصلا وخرجا من الفندق واتجه يستقل سيارته التي اشتراها وجاورته لذا قاد يبتعد إلى مكانٍ مناسب ، توقف بعد دقائق والتفت ينظر لها بنظرات غاضبة لتباغته بمثيلتها لذا أردف دون مقدمات :
– يجب أن تعودي إلى فرنسا في أقرب وقت .
ضحكت بسخرية وتكتفت تتساءل باستفزاز :
– وإلا ؟
هز كتفيه ونطق ببرود ليقنعها :
– ليس هناك وإلا ، أعلم أنكِ مجنونة وجنونك هذا لن يفلح معه تهديد لذا اعتبريه رجاءً ، عودي إلى فرنسا وأعدك سأنتقم لكِ .
بابتسامة تهكمية أجابته :
– أنا لا أصدق الوعود .
طرأ على عقلها فكرةً ما لذا عادت تسترسل بترقب :
– ولكن أتعلم ، أنت محق ، يجب أن أعود إلى فرنسا لأصلح ما أفسده هذا المنشور ، ليعرف ثائر ذو الفقار من هي مارتينا إرتوا فيبدو أنه قد نسي ، لذا سأعود إلى فرنسا غدًا ولكن انتظرني هنا ، وهذه المرة لن أترك مصر دون انتقام ، وسأسترد كل ما هو لي .
ابتسم بمكرٍ يليق به ونطق مرحبًا بفكرة سفرها المؤقتة :
– بكل سرور .
باغتته بتفحص تريد استكشاف ماذا يخفي ولكنها لن تنجح تلك المرة ولا تهتم لذا عادت تنظر للأمام وتفكر في خطتها ، ستستغل الصحف الفرنسية في نشر الإشاعات لتسيء لاسم ثائر ذو الفقار ولتريه كيف هي الحرب معها .
بينما شرد توماس في المهمة المقبل عليها والتي من المفترض تنفيذها قريبًا لذا يجب أن يصفي ذهنه لها دون تراهات مارتينا ، سينجز تلك المهمة ثم سيصب كامل تركيزه لاصطياد تلك الفرعونية .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ
اندمجت دينا في العمل سريعًا ، المكان هنا مزدحم والكل يعمل على قدمٍ وساق ، أخبرتها بسمة أن اليوم سيأتي وفدًا صينيًا لعقد صفقةٍ ما .
تعشق العمل لذا فهي تشعر أن ذهنها يصفو ، الآن يمكنها مراضاة داغر .
رن هاتف مكتبها فرفعته تجيب لتجدها بسمة تخبرها بضرورة مجيئها لذا نهضت تتحرك نحو مكتبها .
مرت على السكرتيرة التي سمحت بها بالدخول فطرقت الباب ودلفت لتجد بسمة تتحدث عبر الهاتف ، اتجهت تقف أمامها مباشرةً وتنظر للمكتب وتفاصيله حتى استقرت عند بسمة التي أشارت لها بالجلوس ولكنها لم تفعل ، بل سافرت بأفكارها تتمنى لو أصبحت ذات يومٍ ما مديرة شركة كبيرة كهذه .
انتهت بسمة ووضعت هاتفها ثم نظرت إلى دينا ببعض التوتر وتحدثت :
– دينا في حاجة عرفتها حالًا وحقيقي ماكنش عندي علم بيها .
ترقبت دينا بتوتر وجلست تتساءل فتابعت بسمة بعد تنهيدة :
– الوفد الصيني اللي هنعقد معاهم اجتماع بعد ساعة تبع شركة ( شيون شي ) ، وده مالكها يكون جوز أخت لوتشو .
شهقت دينا وفرغ فاهها للحظات قبل أن تردف بتوتر :
– وهو جاي معاهم ؟
أومأت بسمة توضح :
– أيوة ، أنا حقيقي ماكنتش عارفة المعلومة دي ، إنتِ أكيد عارفة الفترة اللي فاتت وضع الشركة وكنت بحاول أعمل إيه علشان أرجعها تاني علشان كدة فيه حاجات بسيطة مسألتش عنها لإنها مش مهمة بالنسبالي زي دي .
أومأت دينا بتفهم ولكنها نطقت بخوف :
– تمام بس داغر لو عرف هتبقى مشكلة يا بسمة ، خلينا مانقولش خالص ، هو كدة كدة هيحضر الاجتماع ويمشي وأنا مش هظهر خالص .
شردت بسمة تفكر كيف ستخفي أمرًا كهذا عن داغر ولكنه إن علم ربما تهور ، لذا ستحاول جاهدة ألا يحدث أي توتر ، تنهدت واسترسلت بتريث :
– طيب يا دينا ارجعي ع المكتب وأنا هحضر الاجتماع وبعدين هنتكلم .
أومأت دينا ونهضت تغادر وتفكر ، هل يمكن أن يكون ذلك اللوتشو علم بوجودها هنا لذا سيأتي من أجلها ؟ أم أنها تخلط الأمور ببعضها ؟
زفرت وتوجهت لمكتبها لتباشر العمل وهي تدعو ربها ألا يعلم داغر ويمنعها من العمل .
❈-❈-❈
اصطحب أمجد علياء ومعاذ إلى النادي بحجة الترفيه .
بينما اتجه ثائر وديما معًا إلى غرفة المكتب الخاصة بأمجد ، جلسا سويًا يجاوران بعضهما أمامهما الحاسوب الخاص به لتسأله بتوتر :
– إنت هتدربني هنا يا ثائر ؟ يعني علشان أهلك ؟
– ماتقلقيش ، كل حاجة متأمنة كويس ، تعالي .
قالها وتنهد تنهيدة حارة ثم قام بتشغيل الحاسوب وبدأ يعرض أمامهما صورًا ومعلومات عن توماس وحياته ودراسته ونشأته ويشرح لها نقاط ضعفه ونقاط قوته ومهاراته .
التفت يطالعها ليجدها تنظر على الشاشة بتركيز ، مد يديه يتمسك بكفيها فانتبهت له وطالعته فأردف باستفهام :
– حاسة بإيه ؟
يدرك أنها متوترة من خلال كفيها الباردين ، يدرك أنها تواجه صعوبة فيما يحدث ، يدرك أنها تخشى الفشل لذا عليه أن يحفزها بكل ما أوتي من إيمان وانتماء .
أجابته بعدما ازدردت ريقها :
– أنا نفسي اعمل أي حاجة لبلدي بس خايفة ماقدرش ، خايفة افشل ، وخايفة جدًا على أولادنا ، خايفة على أهالينا ، وخايفة عليك .
ابتسم بخفة وقرر أن يغذيها بحديث لم يخبر به أحدًا من قبل ، دومًا تحدث عكسه ، وكتب تضاده ، وادعى نفيه ليبقى شعوره الحقيقي بين أسوار قلبه مقيدًا والآن فقط سيبوح لها به لذا أردف :
– هقولك على حاجة ولازم تفهميها كويس ، إحنا بنعيش مرة واحدة بس ، حياة واحدة بس ، عمر واحد بس مقسم على كام سنة وكام شهر وكام يوم وكام ساعة والقرار لينا إحنا ، يا إما نقضيهم في إصلاح أو إفساد ، يا أبيض يا أسود مافيش وسط ، كلنا لينا وقت محدد في الدنيا وهنمشي وبما إن ربنا ميزنا بالعقل والحكمة يبقى نقضي وقتنا واحنا بنحاول نصلح أي حاجة مش مظبوطة علشان أولادنا لما يستخدموها بعدنا يكونوا مرتاحين ومافيش أعظم من إننا نصلح أو نساهم في تأمين بلدنا .
تستمع إليه بتركيز تام وتتابعه حينما تنهد يستطرد :
– من أول ما اختاروني إني أكون عميل سري وأنا حسيت بفخر كبير ، وكنت خايف من الفشل زيك بالضبط ، بس مصر تستحق التجربة وتستحق المجهود الكبير ، أي مواطن في الدنيا هيشوف بلده أفضل بلد بس إحنا شايفين مصر أم الدنيا ، شايفينها عظيمة، مميزة لإن ربنا تجلى عليها بنفسه .
ابتسمت بفخر والتمعت عينيها بانتماء شديد وهي تجيبه موضحة بحب :
– اتسمت بأم الدنيا لإنها حاضنة لأي حد بيطلب حمايتها واتسمت بمقبرة الغزاه لإنها على مدار السنين انتصرت على الهكسوس والمغول والتتار والانجليز وأخرهم الكيان المحتل ، انتصرت على أعداء الداخل والخارج .
أومأ مؤيدًا يسترسل :
– ولحد دلوقتي بيحاولوا يركعوها ، بيستنزفوها ، عايزينها تقع زي ما عملوا مع دول عربية كبيرة وليها قوتها ، مخططهم دولة يهودية من النيل للفرات وعينهم كلها على مصر دلوقتي لإن إخضاعها معناه تحقيق هدفهم ، وقوع مصر معناها وقوع الوطن العربي لأنها عصب الأمة دي ولو ده حصل وعملوا دولتهم هيبلعوا بقية الدول ويقضوا على الوطن العربي ، بيحاولوا يولعوا حدودها بس مخابراتنا عينها عليهم ودايما سابقينهم بخطوة، ولما فهموا إن مستحيل غزوها من أي محتل بيعملوا المستحيل علشان يوقعوها من جوة ، بينشروا الفتن والمؤمرات بين أهلها ، بيدسوا وبيمرروا أجندات تدمير للشباب عن طريق استدراجهم لبرامج ومواقع إباحية وقمار وغيره ، استغلوا الموبايلات والتكنولوجيا وتقدمهم فيها علشان يسيطروا على عقول أولادنا ، بيحاربونا وبيحاربوا عقيدتنا وإيماننا حرب أقوى من النووي ، بيحاربونا بقضايا إنسانية وبيورطوا شعوب المنطقة وبيستغلوها عاطفيًا علشان بس ينفذوا خططهم، علشان كدة لازم يبقى عندنا وعند ولادنا وعي وترابط ، في شعب مصر ناس ربنا بيختارها لمهام صعبة وبما إن الاختيار وقع عليا وعليكي يبقى إحنا قدها ، طول ما إنتِ عندك ثقة في نفسك هتقدري ، طول ما إنتِ بتتمني من قلبك تعملي حاجة لمصر هتعملي ، طول ما إنتِ عايزة فعلًا تنجحي هتنجحي ، أهم حاجة لازم تعرفي كويس إن العميل الصح لازم يتمتع بالمعرفة ويتسلح بإيمانه ، ولازم تعرفي كويس إن فيه خونة في أي مكان ، وسهل جدًا العميل يتحول لخاين ويبيع نفسه للي يدفع أكتر علشان كدة المهمة اللي إحنا هنعملها دي هتكون لله وللوطن ولأولادنا ، مش هيكون لينا أي مصلحة تانية .
أومأت مرات متتالية تطالعه بنظرات فخرٍ عظيمة وعلى محياها تكونت ابتسامة خفيفة ليتابع :
– عميل المخابرات أهم حاجة لازم يتمتع بالثبات الانفعالي ، مهما حاول اللي قدامك يستفزك لازم تتعاملي بذكاء وحسب الخطة ، لو هو عارف عنك إنك بتحبي بلدك يبقى انفعالك هيظهر بس مش انفعال حقيقي ، كله حسب الخطة ، ولو عارف عنك بتنتقدي بلدك يبقى مهما قال لازم تتحكمي في انفعالك ، وخليني اقولك حكاية بسيطة كمثال كدة ، كان فيه رئيس وزراء لبريطانيا اسمه تشرشل بعد الحرب العالمية مركزه السياسي بدأ يبقى غير مستقر وكان ليه خصم سياسي معروف ، الراجل ده كان في يوم طالع السلم في مكان عام والصحافة كانت موجودة فقابل خصمه اللي حاول يستفزه فوقف قصاده كدة وقاله ( علمني والدي ألا ابتعد ليمروا الكلاب) ، بابتسامة باردة رد عليه تشرشل وقاله ( على عكس ما علمني والدي تمامًا) وقام موسعله الطريق علشان يعدي ، فهمتي حاجة؟
أومأت وعينيها تعبر عما يدور في خُلدها نحوه لذا زفر يوضح مستكملًا حينما ولته الاهتمام الكامل :
– لازم العميل يتحكم في شهواته ، العميل الصح هو اللي محدش يعرف يمسك عليه نقطة ضعف ، ياما عملاء كتير وقعوا بسبب نقط ضعف زي الفلوس والستات ، الحب ممكن يكون سلاح فتاك وممكن يوقع أقوى بلد ، بيستخدموه كجاسوس قوي وساعات بينجح وبيحوّل المُخلص لعبد ليهم ، هما تلاتة يا ديما لو اتحكمتي فيهم صح هتنجحي ، المشاعر ، العاطفة ، الغريزة .
عادت تطالعه بفخرٍ مضاعف لتدرك أنها أمام رجلٍ عظيم بارع في تأدية المهام ، تنفست بعمق ثم التفتت تنظر نحو الشاشة ثم عادت تسأله :
– طيب والخطة اللي هنوقعه بيها عبارة عن إيه ؟
أغمض عينيه للحظات يحاول ابتلاع فكرة تجنيدها ثم عاد يبصر ويميل عليها موضحًا بثقب :
– الدور المطلوب منك إنك تحولي العداوة اللي بيني وبينه لصداقة ، وتسبيني أنا أتصرف بعدها ، وده هيحصل عن طريق رحمة اللي هتستغليها وتحاولي تكوّني معاها صداقة بحجة إنك عايزة تعرفي معلومات عن مارتينا من خلال جوزها ، إنتِ بس هترمي طعم مارتينا لرحمة وبعدها ــــــــــــ .
عبأ صدره بتنهيدة معذبة وضاق صدره وهو يوضح بإدراك وعيون مشتعلة :
– توماس هو اللي هيحاول يتواصل معاكي ، طبعًا أنا هكون حواليكي في أي وقت بس كل ما صديتي محاولات ال **** ده للوصول ليكي كل ما خطتنا هتنجح أكتر ، لإنه بيفرح أوي كل ما كان هدفه صعب ، وكمان ده هيبعد شكوكه عننا .
أومأت بتفهم برغم توترها الذي لم يزُل ولكنها تحاول أن تتحلى بالثقة والهدوء خاصةً بعد كلماته لذا زفرت وعادت تنظر حولها ثم أردفت بثقب والقليل من المرح :
– تعرف لما قولت تدريبات فكرت إنها تدريبات قتالية وكدة ، قلت هتعلمني مثلًا النشان والملاكمة .
ابتسمت وبادلها يردف بترقب :
– ماعنديش أي مانع أعلمك فنون قتالية بس أنا مش هسمح إنك تتعرضي لموقف يتطلب ده وأنا موجود ، صدقيني يا ديما إنتِ داخلة المهمة دي غصب عني ، حاولت بكل قوتي أبعدك بس للأسف ماقدرتش ، بس وعد هنخلص منه ونرتاح ، مش هسمح لأي حد إنه يمسك بسوء .
نظرت له بتمعن وفخر خاصةً مع رؤيتها لعينيه واستشعارها بصدق كلماته لذا نطقت بتأكيد :
– أنا واثقة من ده ، وواثقة إننا هنقدر عليه بإذن الله .
ابتسم ورفع كفه يحاوط وجنتها ويتعمق في ملامحها لثوانٍ قبل أن يردف بترقب :
– طب يالا قومي البسي ، هاخدك مشوار مهم .
– فين ؟
تساءلت بترقب ليجيبها بثبات وهو يغلق حاسوبه وينهض :
– بلاش أسئلة ، يالا وهتعرفي .
❈-❈-❈
لم يعد يطيق العيش هنا ، ضاقت عليه المدينة ذرعًا ، يشعر أن عمره ينقضي بلا هدف وبلا معنى ، حتى صغيريه انجرفا نحو تيارٍ لا يعلم عواقبه ، أحيانًا يسأل نفسه من هو ؟
هل هو أحمد ذاته الذي كان يحب الالتزام ؟ يضع المبادئ ويخطو نحوها ؟ تستفزه تصرفات شقيقه الطائشة ؟ أين هو الآن ومن هذا الذي يسكنه ؟
أحيانًا يقع المرء في بؤر الأخطاء التي يكرهها ويبتعد عن السبل الآمنة بإرادته وبغير إرادته في آن ، يتمنى أن يكون الأفضل ويفعل الأسوء ، يقع في خطيئة أبيه آدم ثم يتمنى التوبة ثم يفعل ثم يعود لضعفه إلى أن تأتي لحظة فارقة.
إما أن يكون أكثرهم حظًا ويستقيم أو أن يصبح أكثرهم خسارةً ويسقط .
يمسك بهاتفه ويستمع إلى حديث أسما كالعادة ، بنبرة مؤثرة وملامح فاتنة ونظرة تتوارى خلفها الكثير من الخبايا قالت :
( أوعى تسيب الحياة تقودك ، ماتشغلش نفسك بالدنيا وتنسى دورك الحقيقي كأب أو كزوج أو كإبن أو كأخ ، إنت مش مخلوق علشان تتصارع على الأرزاق هي كدة كدة متقسمة ونصيبك هتاخده ، ماتنساش نفسك واللي حواليك ، أيوة اسعى وأيوة اشتغل لان العمل عبادة بس لازم تعرف إن بين العمل وطلب الرزق وجري الوحوش شعرة لو اتقطعت مش هتعرف ترجّع اللي راح )
باتت كلماتها بالنسبة له كأنها خريطة يستعملها للبحث عن راحته ، منذ أن ظهرت في حياته وقد بدلت مفاهيم كثيرة .
يفكر جديًا في العودة بعدما كان هذا القرار يستحيل تنفيذه ، ولكنه حينما ينظر لنفسه من خارج نافذته سيجد أنه فشل في دور الأب والزوج والابن والأخ، ولهذا في قلبه غصة لن تزول إلا إذا حاول أن يصلح ما أفسده الزمن .
❈-❈-❈
انتهى الاجتماع القائم بين شركة الراوي والوفد الصيني وتم الاتفاق على إبرام الصفقة بنجاح ، وقفت بسمة تودع العملاء ومن بينهم لوتشو الذى قال بترقب :
– معذرةً ، أريد أن استعمل الحمام .
أومأت له بسمة ونظرت لمديرة مكتبها لتساعده وبالفعل تحرك معها ترشده على مكانه ، أرشدته فشكرها وغادرت وادعى الدخول ولكنه انتظرها حتى ابتعدت وتحرك يخطو نحو الردهة المؤدية لمكاتب الموظفين وعلى محياه ابتسامة خبيثة ، أخيرًا سيراها بعدما حاصرها شقيقها لأيام .
وصل إلى المكتب الذي تجلس داخله ليراها من خلال الحائط الزجاجي لذا ابتسم ووقف يتأملها ، جميلة كما عهدها ، رقيقة وعنيدة في آنٍ ، تدعي الشراسة ولكنه يعلم جيدًا أنها أضعف من ذلك بكثير .
تحمحم لتنبته ولكنها لم تفعل لذا رفع هاتفه يحاول الاتصال بها ، رن هاتفها بالفعل فانتبهت له فالتقطته تنظر للشاشة لتجد رقمًا غير مسجل لذا تجاهله وعادت تستكمل ما تفعله على الحاسوب ، لذا وجد أن لا مفر من التقدم .
تقدم عدة خطوات حتى بات على عتبة الباب ليردف بشكل مفاجىء :
– كيف حالك دينا ؟
انتفضت حينما سمعت صوته ورفعت بصرها تطالعه بتوتر ليبتسم ويشير بكفيه قائلًا حينما انتبهت له زميلتا عملها :
– لا داعي للتوتر ، كنت أمر ورأيتكِ هنا فقلت ألقي التحية ، كيف الحال .
ازدردت ريقها وأومأت وعادت تتحلى بالجدية والجسارة الزائفة وهي تشبك كفيها وتجيبه :
– أنا كويسة ، شكرًا .
كاد أن يبتسم ولكنه لاحظ خاتم خطبتها لذا تجهمت ملامحه وتبدلت كما رأتها من قبل لذا أسرعت تخفي كفها بالآخر وكاد أن يحدثها بغضبٍ ولكن جاءت من خلفه مديرة مكتب بسمة تحدثه بالصينية :
– سيد لوتشو السيد هيون سي في انتظارك .
منع نفسه بصعوبة وأومأ يردف بتوعد :
– حسنًا ، لنا لقاءً آخر .
قالها وتحرك يبتعد ليتركها خلفه تجلس متحفزة بكفين مرتعشين والخوف سيطر على عقلها مجددًا لتفكر ، هل هذا ذنب شقيقها ؟
❈-❈-❈
توقف بسيارته في شارع مُشجر أمام بوابة كبيرة ، أطلق صوت بوقها ففتح الحارس البوابة يرحب به فأومأ ثائر يحيه وتحرك للداخل تحت أنظار ديما المتعجبة التي استنكرت حدسها وتساءلت :
– ثائر إحنا جايين لمين هنا ؟
ابتسم بخفة ولم يجِبها بل توقف وأردف وهو يستعد للترجل :
– انزلي يالا .
ترجلت معه تغلق باب السيارة وتحركت نحوه تتمسك بكفه وتنظر لهذا المنزل الرائع ، فيلا عصرية بتصميم معماري فريد جمع بين اللونين الأبيض للجدران والبني للأخشاب المستخدمة بطريقة احترافية رائعة .
خلفها يصدر خرير مياه النافورة التي تتوسط حديقة من الزهور الملونة البديعة .
التفتت له تتساءل بعينيها ليبتسم لها ويدس يده في جيبه يخرج مفتاحًا ويناولها إياه قائلًا :
– ده بيتنا يا ديما ، دي المفاجأة اللي كنت بحضرهالك وانجبرت إني أخفيها عنك الفترة اللي فاتت ، تمن غربة 13 سنة ووحدة وكلام كتير مكتوب ع الورق وكلام أكتر محبوس جوايا ، ده البيت اللي عايز أعوض فيه كل اللي اتحرمت منه معاكي .
عانقته بقوتها الناعمة قبل أن تلتقط منه المفتاح ، لا تمتلك كلمات تستطيع بها مواكبة ما يفعله معها ، هل حقًا جهز واشترى هذا المنزل ؟
المفاجأة كانت سعيدة وأكبر مما توقعت لذا لم تجد ما تفعله سوى العناق ، أبعدها عنه قليلًا دون حل وثاقه وابتسم يردف بحبٍ وهو يتفحص ملامحها :
– يالا افتحي عايز أوريكي بقيت المفاجأة .
بنظرة امتنان وحبٍ أومأت وتقدمت معه حتى وقفا أمام الباب ثم دست المفتاح لتفتح ودلفا سويًا لتجد بهوًا واسعًا .
يشبه تلك الأماكن التي كانت تقرأ عنها في رواياتها ، يشبه تلك الصور التي كان يصورها لها عقلها .
هناك على تلك الأريكة كانت ترى البطلة تجلس تقرأ كتابها وتنتظر عودة بطلها ، وفي ذاك الركن كانت ترى البطل يحتوي حبيبته ويسرد لها قصة ، وهنا تقف بطلتها تستعد لتودع صغارهما للذهاب للمدرسة .
وقفت مشدوهة تنظر حولها وتتساءل ولسان حالها يردد ( هل حقق لها الخيال ؟ هل سيجعلها تعيش روايتها التي ظنت أنها للقراءة فقط ؟ )
التفتت تطالعه حيث يقف ينتظر حديثها لتلتمع عينيها وهي تردف بحالة فريدة من التشتت المُبهج :
– مش عارفة أقولك إيه ؟
أشار برأسه وعينيه نحو غرفةٍ ما فتعجبت وتحركت نحوها وتبعها بترقب حتى وصلت وأدارت مقبضها .
فتحت ودلفت لتشهق حينما وجدتها مكتبة تحوي الكثير من الكُتب ، وقفت أمام الرفوف وبدأت تدور حولها لا تصدق أنها تقف الآن في مكتبة أحلامها ، الكثير من الكُتب وركنًا يحتوي على مكتب بمقعد رئيسي ومقعدين فرعيين .
في المقابل أريكة جلدية كبيرة وعلى جانبيها أخرتين صغيرتين وعلى اليسار هناك باب ربما لم تنتبه له من دهشتها بالمكتبة .
اتجهت نحو رفٍ ما ومدت يدها تستل كتابًا لفت نظرها لتجدها روايتها مترجمة بالفرنسية ، ابتسمت وأعادته لتستل الآخر لتجده كتابًا يحمل مناظراتهما سويًا .
في هذا الركن وعلى هذه الرفوف كتبها مترجمة لخمس لغات تجاورها كتبه ، جميع كتبه جمعها هنا .
كتاباته التي دونها منذ أن بدأت يده تخط مقالات وكتابات ، في السياسة ، الشعر ، التنمية البشرية ، علم النفس ، النصائح الزوجية، وغيرها الكثير .
احتل المكر مشاعره وأطلق سراحه الآن يتقدم منها حد الالتصاق ثم مد يده يستل كتابًا ورديًا تابعًا له ، خاصًا بالزوجين ويحتوي على نصائح هامة تستهدف المشاعر لذا عرضه عليها حينما التفتت له وتساءل بعينين ثاقبتين :
– قرأتي ده ؟
ابتسمت تدرك مكره وانتشلت منه الكتاب فتحته و قلبت صفحاته متسائلة بنبرة عابثة بينما نظرتها تتوارى عنه :
– قرأته ومش عارفة إنت قدرت توصل للعمق الأنثوي ده إزاي ، عرفت إزاي تشرح وتتعامل مع مشاعرنا كلها ؟
حاوط خصرها ونطق بعبثية ومشاعر تتلاعب على أوتارهما :
– عيب عليكي ، لازم أكون دارس نقاط ضعف وقوة الأنثى كويس ، ده غير إني كتبته وأنا بفكر فيكي ، في الزوجة والحبيبة اللي هتيجي تنور الأوضة الضلمة اللي كنت محبوس فيها وتحررني من القيود اللي محاوطاني ، كتبت كل كلمة كنت عايز أعيشها معاكي واستنيت أمنيتي تتحقق ، واتحققت الحمد لله .
نجح في عزف مقطوعة حالمة على أوتار مشاعرها ، خاصةً وأنه الكاتب والزوج والحبيب لذا رفعت نفسها قليلًا تبادر بقبلة على شفتيه وارتكزت بكفيها على قلبه ثم مالت قليلًا عند أذنه تهمس بالنصيحة التي حفظتها من كتابه :
– بحبك ، بحبك لإنك عارف كويس إزاي تخليني أحبك ، بحبك علشان إنت بتفرح بحبي ليك فبتعمل حاجات كتير تفرحني ولما بفرح بحبك أكتر ، أنا وانت حبنا هيفضل يدور في نفس المدار ومش هيكون ليه نهاية أبدًا وده وعد وربنا شاهد علينا .
دقت طبول اشتياقه ورغبته تعلن عن حفلة صاخبة لذا همس بالحب وحملها بشكلٍ مفاجئ فشهقت تبتسم وتتعلق برقبته متسائلة بسعادة :
– لسة فيه مفاجآت ؟
ابتسم وتقدم نحو الباب الذي لم تلحظه ليشير لها نحوه فمدت يدها تفتحه فدلف بها لتتفاجأ بغرفة مجهزة لليالي العشق والشوق .
بنظرة استيعابية طالعته تتساءل كيف ومتى جهز كل هذا ؟ ولكن هذا السؤال الخاطئ ، هو الآن لا يريد سوى افتراسها .
❈-❈-❈
مساءً عاد إلى المنزل
تعمد أن يعود متأخرًا حتى لا يتقابل مع شقيقته ، لقد أحزنته كثيرًا ، أحزنه تكبرها عليه وعدم شرائها لخاطره .
دلف غرفته واتجه لخزانة الملابس ليستل منها أخرى نظيفة ثم تحرك نحو الحمام ليغتسل .
عاد بعد وقتٍ مقررًا النوم مباشرةً ولكنه تفاجأ ببسمة تجلس تنتظره في غرفته على طرف الفراش وتضع صينية الطعام أمامها .
رآها فتعجب فابتسمت له تردف بنبرة عاطفية توغلت إلى قلبه وهي تشير نحو الطعام :
– جهزت العشا علشان نتعشى سوا ، ماعرفتش اتعشى من غيرك .
انتشلت جزءًا كبيرًا من حزنه لذا بادلها بابتسامة رائعة وتقدم منها يجاورها ويردف بحب وهو ينزع المنشفة عن عنقه ويلقيها جانبًا :
– تسلم إيدك ، أنا كنت جعان فعلًا بس ماليش نفس ، لكن بما ان القمر هيتشعى معايا يبقى الشهية تتفتح غصب عنها .
ابتسمت وناولته الخبز تردف بتودد بعدما قررت تجاهل الحديث عن دينا :
– طب يالا بقى .
– بسم الله .
نطقها ونبدأ يأكل معها فقررت أن تسأله عن عمله فقالت :
– وصلتوا لفين يا داغر ؟ قربتوا ؟
هز منكبيه يجيبها بعدما ابتلع لقمته :
– لسة طبعًا يا بسمة ، التنفيذ على أرض الواقع أصعب مما تخيلت ، ومصاريف جامدة .
نطقها بعفوية فتقبلتها بالمثل لذا مدت يدها تربت على كفه بمؤازرة وتردف بتأكيد :
– هتنجح وهتعدي بالفترة دي بإذن الله ، إنت عندك إرادة وعزيمة ده غير إنك باش مهندس كبير وفاهم بتعمل إيه كويس أوي ، أنا واثقة فيك جدًا .
أنعشت حواسه وطالعها بعيون هائمة وابتسم بصدق يردف بامتنان :
– طب أنا بحبك بقى .
– مانا عارفة أصلًا .
أجابته بثقة وتباهٍ بمحبته التي تراها بوضوح ليبتسم ويرفع كفه يصفعها بخفة عند مؤخرة رأسها لذا تأوهت مفتعلة الألم ليرفع كفه مجددًا ويتلمسها بنعومة قائلًا بمرح :
– لاء اجمدي كدة يا بسوم ده التقيل لسة جاي .
باغتته بنظرة متفحصة تتساءل :
– اللي هو إيه ده ؟
لكزها في كتفها يردف مدعيًا اللوْم :
– يابنتي عيب ، ماتفكريش في الحاجات دي دلوقتي ، اصبري لما نشوف الشقة الجملي دي هتخلص امتى .
ابتسمت بخفة تسايره وتومئ قائلة :
– ماشي مش هفكر .
انزعج واقترب قليلًا يستطرد مطالبًا :
– لاء فكري ، دانا طالع عيني علشان أنجز ونفكر وننفذ سوا .
ضحكت عليه وطالعته بنظرة صارمة تردف بحدة زائفة :
– طب كُل بقى اللا .
أومأ واستأنف طعامه معها لتستطيع انتشاله من حالة الحزن التي كانت تقبض على صدره .
دقائق قليلة ونهض يحمل الصينية فنهضت لتأخذها ولكنه أوقفها قائلًا بهدوء :
– اقعدي إنتِ يا بسمة أنا هوديها واجيلك علشان عايزك في موضوع .
أومأت له بترقب فتحرك ليضعها في المطبخ بينما هي وقفت تفرك كفيها وتفكر وتتمنى ألا يسألها عن شقيقته ، هي لا تريد أن تكذب عليه .
عاد بعد ثوانٍ ليجدها كما هي فتعجب ولكنه ابتسم واتجه يجلس منفردًا على السرير ويردف مشيرًا لها :
– تعالي جنبي .
توترت ولكنها فعلت واتجهت تجاوره تستند بظهرها على الوسادة فابتسم ومال يتمدد ويضع رأسه على ساقها لينظر مباشرةً في عينيها ويتساءل :
– يومكوا مشي إزاي ؟ في أي حاجة حصلت تضايق ؟
تعلقت في عينيه وقد تجلت نظرة التوتر في مقلتيها ، سبحت في نهرٍ جارف من الأفكار تفكر إن أخبرته بمجيء لوتشو سيتبدل هدوءه على الفور وسيثور ولن يهدأ ولن يرتاح ومن المؤكد أن أول قرار سيتخذه هو منع دينا من استكمال عملها لذا …
طال تحديقها به فتعجب وناداها لتنتبه له لذا ابتسمت وتحركت أصابعها تتلاعب بخصلاته وتردف بنبرة مهتزة والندم يتآكلها على إخفائها ما حدث اليوم :
– لاء كله تمام ، خلصنا ورجعنا علطول .
أومأ وتنفس بارتياح ليغمض عينيه على أثر لمساتها لذا مال يضطجع على يساره مطالبًا بالمزيد .
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية بحر ثائر 2)