روايات

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل الرابع والأربعون 44 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل الرابع والأربعون 44 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم البارت الرابع والأربعون

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الجزء الرابع والأربعون

عذرا لقد نفذ رصيدكم
عذرا لقد نفذ رصيدكم

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الحلقة الرابعة والأربعون

كُلما رأيته أشعر بالأمان، كما لو أنني بمنزلي، كأن الحياة توقف بها الضجيج، قادرٌ على زرع الدفء في قلبي بإبتسامة صغيرة، هو هُنا! فلا حاجةَ لي بالعالم هو عالمي الوحيد.
#مقتبسة
منذُ أن أخبرتهُ أنّني أنطفئ ، وهو لايتوقف عن دورِ الشروق ، إنّهُ وعلى الدّوام بوسعهِ أن يحوّل بحنانه بقعةً جافةً في قلبي الى عشبٍ نديّ.
#مقتبسة
أحببتك بصدق فخذلتني بهدوء كأن شيئًا لم يكن كأن قلبي لا شيء.
#مقتبسة
________________
تصرخ كالمجنونة!!
وما الفارق بينها وبين المجانين؟!!
هو يفقدها عقلها بمرور الوقت…..
على الأغلب…
لملم شتات نفسه ونهض من فوق الفراش الذي كان يجلس فوقه وقتها، وتوجه إليها هاتفًا ببساطة شديدة وكأنها لم ترى ماذا يفعل…
وما يشاهد؟؟!!!
أقترب حمزة منها هاتفًا وهو يحاول أن يجعلها أن تتوقف عن الصراخ، وهو يقف معها في الرواق:
-اهدي يا سامية…
صاحت وصرخت بجنون وهي تهتف بنبرة هستيريا:
-متقوليش اهدي، متقوليش اهدي أنتَ فاهم، مفيش فايدة فيك لسه بتتفرج عليهم، ولسه…
لم تستطع نطقها بأنه كان بالفعل يمارس عادة يشبع بها نفسه دون أي مبرر لذلك!!
وهل هناك مبرر لها؟؟؟
كان هناك مبرر واهي كما أنه ضعيف جدًا، كانت تسمعه بأنه قد يحتاج إليها الشباب إذا لم يتزوج…
لكنه متزوج بها بالفعل!!
ما الذي ينقصه؟؟!
كانت تسأل نفسها هذا السؤال مرارًا وتكرارًا لا تعرف أنه لا ينقصه شيئًا هو يمارس عادة يبررها لنفسه واعتاد على فعلها وزينها شيطانه له، أبعده عن الاستمتاع بلذة العلاقة الفطرية والطبيعية…
سمعت منه أكثر رد أغضبها في الحياة مثل ردوده المعتادة التي تجعلها هي المخطئة دون سبب حقيقي وواضح:
-مش من حقك تفتحي عليا الباب كان المفروض تخبطي قبلها..
قالت من وسط صدمتها لا تصدق وقاحته حقًا:
-أنتَ بتقول إيه؟؟؟؟…
أردف حمزة بثبات شديد دون أن يرف له جفن:
-بقول اللي سمعتيه، مش من حقك تفتحي عليا الباب وتقتحمي خصوصيتي، ولما تعملي كده هتشوفي طبعًا شيء مش هيعجبك ده شيء طبيعي…
-أنتَ اللي مش طبيعي ومجنون….
قالت تلك الكلمات متوجهة صوب غرفة نومها تجر حقيبة السفر التي كانت تتواجد في أحد الاركان، فتحت الخزانة وأخذت تلقي الملابس في الحقيبة بشكل عشوائي جدًا، مما جعله يتحدث غاضبًا:
-أنتِ بتعملي إيه…
غمغمت سامية بنبرة عالية وأعصاب منهارة حقًا:
-رايحة لبيت أهلي أقعد أنتَ واعمل واتفرج على القرف اللي أنتَ عايزة المرة اللي فاتت اديتك فرصة وأنتَ معرفتش تستغلها لكن أنا مش هستحمل اعيش معاك بعد كده الموضوع خلص..
ثم سألته ووجهت له السؤال الذي يحتلها ويزلزل كيانها:
-إيه اللي ناقصك علشان تعمل كده؟؟ إيه اللي ناقصك علشان القرف ده…..
قاطعها تلك المرة مُنفجرًا وقد انفلتت أعصابه ولم يعد يتحكم بذاته ولسانه كما كان في السابق، قناع الهدوء اختفى وحاول أن يثبت على موقفه بل ويعززه ويضع له أسباب جديدة عن الأسباب الذي تفوه بها المرة الفائتة وبأنه مجرد اعتياد وشيء قد اعتاد على فعله أراد قهرها، وأن يجعلها هي المذنبة، يعطي لها وجهة نظر تربى ورأي وشاهد كل ما هو غير حقيقي، مشاهد غير حقيقية ولا واقعية تعطيك منظور مختلف تمامًا عن شريكك وعن علاقتكما الخاصة…
-ناقصني إني اتبسط واتمتع، ناقصني حاجات كتير أوي، أولها تبصي لنفسك وعلى جسمك في المرايا وأنتِ تعرفي ناقصني إيه، واضح اوي أنك متعرفيش الستات بيكون شكلها عامل ازاي، ناقصني واحدة تمتعني وتفهمني..أنا غلطان يعني إني مرضتش اصارحك من الأول وأن المشكلة كلها فيكي…
نظرت له وقد أصابتها صدمة غير مفهومة حقًا!!
أصابها وبشدة…
دمر ثقتها بنفسها في موضع حرج..
سامية التي كانت ترى نفسها فوق الجميع الآن دمرها، وذبحها بطريقة مهينة لها و لأي أمرأة…
أراد تلك المرة بألا يحمل العبأ وحده..
بل يستحمل حيلة الرجال المعروفة في تلك اللحظات…
لما يحمل العبأ بمفرده؟؟
بالتأكيد هي شريكة له دون أن تدري…
وأراد أن يقنعها بتلك الطريقة…
استمرت في وضع الملابس في الحقيبة ودموعها تخرج من عيناها بشكل غير مسبوق ولم يحدث من قبل…
حتى أنه انعقد لسانها..
لم تستطع أن تنفي التهمة عن نفسها بل حديثه ذبذبها وجعلها تشعر بانعدام الثقة والأمان وهذا شيء كبير حقًا..
ارتدت عباءة سوداء ليس بعادتها، فهي لا تفضل ارتداء العبائات بشكل عام ولم يمنعها هو من الرحيل بل زاد من الطين بلة وهو يصيح:
-لو عايزة تمشي براحتك الباب يفوت جمل يا سامية….
بالفعل رحلت، لا تدري حتى كيف سحبت الحقيبة وأخذت هاتفها ومفتاح سيارتها، كانت تسير بجسدها لكن روحها مفقودة….
شيء كبير فقدته…
هبطت من المنزل ثم وضعت الحقيبة في سيارتها التي كانت مصفوفة أمام البناية، ثم قادت سيارتها متوجهه صوب منطقتها….
استغرق الطريق أقل من ساعة تقريبًا فقد تخطت الساعة الثانية بعد منتصف الليل، والطرقات شبة فارغة..
وقفت أمام البناية بالسيارة وكان هناك من رأى سيارتها في الوقت الذي يجلس فيه في المقهى مع أصدقائه، كان يظن بأن الوقت مازال مبكرًا قد اندمج في اللعب مع أصدقائه دون أن يدري بالوقت…
لكن حينما رأي الساعة، توجه صوبها في رد فعل تلقائي اقترب نضال من السيارة هاتفًا:
-إيه اللي جايبك متأخر كده يا سامية في حاجة ولا إيه؟.
كانت شردت بعدما توقفت بالسيارة ولم تشعر بشيء وكان صوته هو ما انتشلها من أفكارها المعتمة..
ردت عليه سامية بفظاظة وهي تفتح باب السيارة ليبتعد قليلا عن الباب برد فعل تلقائي وهبطت منها بهيئة ليس معتاد رؤيتها عليها، للحق يقال سامية من أكثر النساء التي تهتم بنفسها ومظهرها حتى في أبشع اللحظات، لكن يبدو أن تلك المرة غير…
الأمر مختلف تمامًا….
وهي أرادات كبش فداء حتى تخرج فيه كبتها والحالة التي تتواجد بها بسبب الكلمات المهينة والمسمومة التي سمعتها من زوجها…
-وأنتَ مالك، أنا عايزة عمي وبس…
في الحقيقة كان يرغب في أن يسمعها ما لا قد تهضمه أبدًا، ولكنه أشفق على حالتها وكان يريد معرفة ما حدث معها….
في النهاية هي ابنه عمه، وأن تأتي في هذا الوقت بـ تلك الهيئة ليس شيء هين…
ولجت سامية إلى البناية وصعدت على الدرج ودخل هو خلفها ووقف على الدرج بينما هي ظلت تستكمل صعودهت إلى حينسمعها توجهت صوب شقة والده ثم ضغطت على الجرس حتى بعد مرور دقائق فتح زهران لها فـ لم يكن قد خلد إلى النوم بعد وقبل حتى أن تجعله يستوعب أنها هنا وبتلك الهيئة قالت كلمتين فقط:
-أنا عايزة اطلق..
______________
في اليوم التالي…
بعدما تم قبولها بشكل رسمي تقريبًا بعد المكالمة التي أتت لها في الصباح من المستشفى…
قررت أن تخبر والدتها وشقيقها بذلك التطور الذي لم تخبر به أحد وبأسبابه الحقيقية كلها سوى شقيقتها الصغيرة حور…
كانت تجلس مع الجميع تتناول الغداء ما عدا حور تناولته منذ ساعة، وتجلس في الحجرة تذاكر فهي في فترة الامتحانات…
جواد وجنى في الحضانة سوف تذهب من أجل أن تأتي بهما بعد ساعة تقريبًا….
اليوم كان الغداء مبكرًا على غير العادة لأن إيناس لم تذهب إلى عملها ودياب هنا السبب الأساسي في تأخر موعد الغداء…
صارحتهما برغبتها في أن تترك العمل وكان أول تعقيب خرج من فم دياب مندهشًا:
-مقولتيش يعني أنك روحتي عملتي انترفيو في مستشفى تانية ولا قولتي حاجة يعني؟.
ردت إيناس على تساؤل شقيقها المتوقع بنبرة منطقية وهي تنظر له بعدما ابتلعت الأرز والخضار التي كانت تتناوله:
-عادي محبتش اشغلكم غير لما يكون في حاجة أكيدة….
أردفت والدتها باستغراب هي الأخرى:
-وليه عايزة تسيبي الشغل كده مرة واحدة ده أنتِ لسه من كام يوم بتقولي أنك مرتاحة ومبسوطة هناك وبدأتي تاخدي على المشوار وعلى الشغل..
عقلها توصل لها بأن حتى عملها في تلك المستشفى لم يكن من قبيل الصدفة بما أنه قد تدخل في كل شيء، ليس من الممكن أن يتم تعيينها هكذا من دون أي خبرة، ورُبما لهذا السبب خضعت لفترة تدريب طويلة أكثر حتى من الفتاة الأخرى التي أتت بعدها..
هتفت إيناس بنبرة جادة:
-المشوار بياخد ساعة ونص رايح وساعة ونص جاي بالميت ده لو معداش ساعتين لو الدنيا زحمة يعني أنا بتهلك في المواصلات وبرجع ببقى عايزة لسه اساعدك في الاكل غير طبعا جواد وجنى اللي بيهلكوني، اه أنا مش هنكر المكان هناك المرتب الضعف تقريبًا وانظف وتأمين وغيره لكن المشوار لوحده متعب..
سألها دياب سؤال مباشر لا يدري لما خطر على عقله أن طليقها أفتعل شيئًا جديدًا رغم استبعاده الأمر:
-في حاجة لازم اعرفها يا إيناس؟ في حاجة حصلت.
هي لا تأخذ الأمر على محمل الجدية..
وحتى لو كانت تشعر بشيء تنكره أو تنكر مشاعره هو شخصيًا إلا أنها ترى بأنه لا فرصة أبدًا بينهما هذا كله هراء، لذلك لم يكن في عقلها بأن تخبر شقيقها بشيء..
تحدثت إيناس بانفعال رغمًا عنها:
-لا مفيش هيكون في إيه يعني يا جماعة؟؟؟ أنا مش مرتاحة وبتعب في المشوار وكده هيكون أحسن…
رد عليها دياب بنبرة جادة:
-مفيش حاجة وبعدين أحنا ظروفنا أحسن من الأول بكتير لو عايزة تسيبي الشغل خالص سبيه لو ده هيريحك، اعملي اللي يريحك يا إيناس محدش فينا له دخل احنا بنفهم منك بس مش أكتر، أنتِ حرة في الأخر..
تنهدت ثم أردفت بنبرة حاولت جعلها هادئة:
-لا مش لدرجة إني اقعد من الشغل أنا اخدت على الشغل وأن يكون في حاجة بعملها، قعدة البيت بالنسبالي مش هقدر عليها تانيز والمهم في موضوع تاني عايزة اقوله ليكم..
عقبت حُسنية بحنان على حديث ابنتها:
-قولي يا بنتي..
قالت إيناس بنبرة جادة محاولة أن تجعل صياغة حديثها جيدة ومنطقية إلى أبعد حد:
-بما أني هسيب الشغل ومرتبي هيقل أكيد، فأنا شايفة أنه نغير مكتب المحامي اللي بنتعامل معاه، ونشوف محامي تاني كده كده هو نفسه قالنا أن القضية سهلة يعني مش صعبة ممكن نشوف حد أتعابه وأتعاب المحامين اللي عنده تكون معقولة شوية..
رغم أنها لا تدفع القيمة الحقيقية رغم أن المبلغ بالنيبة لهما كبير، لكن من اجله يه تدفع النصف تقريبًا دون أن تدري…
لكن حطم دياب آمالها كله وهو يخبرها:
-مدام مشينا مع حد مش هنغيره في النص وخدي بالك لو جيبتي محامي تاني هيشتغلك أكتر دي شغلتهم، مدام بدأنا طريق هنكمل فيه وبعدين في عز ما احنا كانت ظروفنا صعبة كنا معاه هنسيبه لما أمورنا اتحسنت؟؟؟ متشليش هم حاجة يا إيناس أنا موجود ولو في حاجة محتاج اعرفها عرفيني..
تحدثت وهي تنفي أن يكون هناك شيء رغم أنها ممتلئة بالكثير:
-مفيش…
هذا الشيء الوحيد الذي قد يطمئنها تلك الفترة وهو وجود عائلتها وشقيقها معها…..
_________________
منذ ليلة أمس سألتها والدتها ألف مرة لكن لم تجد منها إجابة..
أو أن الإجابة الحقيقية وسبب الشجار ليس من الممكن أن تتفوه به، هي مازالت لا تهضمه من الأساس…
حطمها وجعلها تشك بذاتها، بأنوثتها..
أفقدها ثقتها التي لم يجرؤ مخلوق على فعل هذا الأمر لها….
لقد نجح وتفوق على الجميع…
حتى أنها لم تخبر عمها بأي شيء ليلة أمس..
فقط كل ما أخبرته به بأنها ترغب في الطلاق…
لم تجاوبه على أسئلته كلها…
بل عادت إلى شقتها واندهشت والدتها من إتيانها لكن زهران أخبرها بأن تتركها لـ تمر تلك الليلة ورُبما في الغد تخبرهم بما حدث…
هي الآن تحاول أن تخرج الكلام منها..
فهي تشعر بالقلق الشديد كأي أم…
لا تستطيع فهم تلك المصطلحات الجديدة وهي..
-سيبوني في حالي أنا قولت اللي عندي أنا عايزة أطلق يا جماعة، ومش عايزة احكي حاجة احترموا خصوصيتي ورغبتي.
تمتمت انتصار محاولة أن تستمر في هدوئها قدر المُستطاع:
-يا بنتي في حد هيخاف عليكي وهيعوز ليكي الخير قدي؟؟ أنتِ بنتي الوحيدة اللي مليش غيرها، أنا خايفة عليكي وعايزة اساعدك يا حبيبتي…
ثم ابتلعت ريقها ووضعت يدها على فخذ ابنتها الجالسة أمامها على الفراش متحدثة بنبرة هادئة:
-أنا عارفة أنه كان اختيارك ومكنش على هوانا، علشان كده أنتِ مش بترضي تتكلمي في أي حاجة ولا تقولي حاجة علشان بتخافي نلومك أو نعاتبك ونقولك اختيارك، أو نشمت فيكي أنا عارفة أنك حاطة في بالك كده….
نظرت لها سامية بنظرة حائرة فهي بالفعل تشعر بذلك وهذا السبب الذي جعلها من البداية تواجة مشاكلها معه دون أن تخبر أي شخص بها….
كما أنها كانت تظن بأن تلك المشاكل طبيعية بين أثنان في أولى سنوات زواجهما، أستطاع أن يجعلها تضع هذا في عقلها بما أنه يخبرها به مرارًا وتكرارًا…
أسترسلت والدتها حديثها بحنان مُفرط:
-عمرنا ما نشمت فيكي أنا امك يا سامية هعوز إيه في الدنيا غير سعادتك؟؟ وعمك وعياله وخالك دول أهلك يا حبيبتي يعني عمرنا ما هنشمت فيكي وكل دي مجرد أوهام في دماغك…
حديث والدتها أثر بها لكن ياليتها تستطيع أن تخبرها بشيء، لكن الأمر صعب، هو ليس مجرد شجار أو خلاف في وجهات النظر…
الأمر أكبر من هذا بكثير…
هذا ما يجعل أمر اخبارها صعب جدًا…
تمتمت سامية بعد تنهيدة خرجت منها:
-ماما أنا بجد مخنوقة ومش قادرة أتكلم لما اقدر اتكلم هقولك، ممكن تسبيني بعد إذنك شوية أنام عقبال ما تعملي الغداء.
قالت انتصار باستسلام واضح:
-خلاص اللي يريحك با حبيبتي أنا موجودة أي وقت علشانك، لما تعوزي تتكلمي أنا موجودة، هقوم أحضر الغداء وبعدين اصحيكي.
-ماشي، تمام ولو حمزة اتصل بيكي مترديش عليه لأنه كلمني أكتر من مرة وبعتلي رسائل وأنا مردتش.
هزت رأسها بهدوء ثم غادرت انتصار الحجرة، واستلقت سامية على الفراش تستعد للنوم لعل تلك الكلمات الجارحة التي سمعتها منه تذهب من عقلها في وقت نومها…..
قبل أن تخلد للنوم سمعت صوت هاتفها يعلن عن وصول رسالة، فتحتها وكانت من المختبر التي ذهبت له قبل شجارها معه بيوم..
شكت في أنها قد تكون حامل بسبب بعد التغييرات فيها، وقررت أن تجري تحاليل في المعمل وقد ظهرت النتيجة تؤكد لها أحساسها…..
_______________
يجلس زهران على الأريكة في الشقة التي تجلس فيها ابنته…
هي حتى الآن لم تجلس معهم في الشقة هو ونضال…
كانت تحضر الغداء بما أن نضال ليس في المنزل سوف تتناوله مع والدها بمفردهما، كان نضال خرج لتناول الغداء مع سلمى في الخارج…
يتناول زهران أرجيلته لكن تلك المرة ليس بمزاج رائق أبدًا بل هو يفكر بما حدث ليلًا فهي لم تنطق بحرف..
ما الذي حدث وجعل سامية تأتي إلى هنا ولا تخبرهما بما حدث؟ لا يظن بأنها تمتلك من الصلف والكبر ما يجعلها لا تقص موضوع تافة أو طبيعي قد يحدث بين الأزواج بل الأمر أكبر مما قد يظن أي شخص…
لكنها لا تتحدث!!
صدع صوت هاتفه الموضوع أمامه على الطاولة فالتقطه ليجد أن المتصل هو أكثر رجل يزعجه في الفترة الأخيرة…
“حـمـزة”.
تجاهل الاتصال الأول لأنه يعلم بأنه سوف يتبعه اتصال أخر….
بالفعل صدق حدسه وهو يجده يتصل للمرة الثانية تلك المرة أجاب وتزامنًا مع أجابته جاءت وفاء من المطبخ..
-ألو..
جاءه صوت حمزة من الهاتف:
-صباح الخير يا عمو زهران…
“عمو” تخرج من فمه بشكل يزعجه لكنه تخطاها وهو يرد عليه:
-ناموسينك كحل يا حبيب عمك صباح إيه؟ ده العصر أذن من بدري، وبعدين الخير هيجي منين وأنتَ نسيبي؟؟ الخير هيجي منين وبنت أخويا جاية في أنصاص الليالي عينها وارمة من العياط..
تمتم حمزة بتوتر:
-والله هي اللي كانت مصممة تمشي وكانت عماله تعيط ومصممة تمشي ومعرفتش أمنعها..
صاح زهران تحت أنظار وفاء التي كانت تجهل بإتيان سامية..
-يعني إيه معرفتش تمنع مراتك يا دكر مهما كان الخلاف، كان لازم تخليها تستنى الصبح، الصباح رباح ووقتها كانت تعمل اللي هي عايزاه.
-اسمعني وخليني اشرحلك، علشان سامية وامها محدش بيرد عليا نهائي وكلمتهم كتير محدش بيرد…
تحدث زهران بنبرة ساخرة بعدما سحب نفس من أرجيلته:
-بيفهموا، احنا معندناش كلام نقوله في التليفونات يا حمزة باشا، تعالى ونتكلم راجل لراجل ونشوف اللي حصل، غير كده معندناش كلام نقوله بيتنا معروف وأنتَ تعرفه ولو نسيته في ألف واحد يدلك بيت خطاب فين، كلام الرجالة وش لـ وش مش في التليفونات؛ سلام…
هكذا أنهى زهران الاتصال معه، أغلق المكالمة دون أن يسمع رد لحديثه وهنا أخذ يلعنه..
سألته وفاء باستغراب:
-هو في حاجة ولا إيه؟؟.
رد عليها زهران بنبرة لم تكن عالية لكنها منزعجة:
-الله يعكر مزاجه، الزفت اتخانق مع بنت عمك ومعرفش اتخانق معاها ليه كانت جاية شكلها مبهدل ومعيطة وقال لسه عايز يشرحلي في التليفون راجل ****، الله أعلم عمل إيه وصل سامية لكده، أصل انتِ متعرفيش سامية بت جامدة وقادرة وأنها تتوصل للحالة دي معناه أن الموضوع كبير…
ثم قال مرة واحدة كأنه لم يكن غاضبًا منذ لحظات:
-خلينا نقفل على السيرة دي أحسن، إيه رأيك نعزم سلمى ونتجمع كلنا بكرا؟؟.
____________
في يومٍ جديد…..
قام زهران بالاتصال بها ودعوتها إلى الغداء معه ومع العائلة ليلة أمس، حاولت الرفض كثيرًا فهي مازالت تشعر بأنها لا ترغب في التواجد مع الكثير من الناس في وقت واحد، لكنها وافقت لأن جميع حججها لم يترك لها زهران مجال لمناقشتها أو الدخول فيها…
كان مُصرًا إلى أبعد حد…..
لذلك ذهبت في تمام السادسة مساءًا تقريبًا…
ها هي تجلس على المقعد أمامه في الطاولة الصغيرة التي تتوسط المطبخ، تقوم بلف ” ورق العنب” معه، كانت محترفة في تلك النقطة مثله، أرادت مساعدته فهي تشعر بأن تركه هو يفعل كل شيء أمر لا يشعرها بالراحة لذلك تساعده ولعلها تلهي نفسها…
تتوقف عن التفكير الذي يقتلها كل ليلة منذ حدوث تلك الفاجعة….
تحدث نضال يحاول أن يتجاذب معها أطراف الحديث كونه يشعر بأن صمتها قد طال:
-تعبناكِ..
ردت عليه سلمى بنبرة هادئة:
-مفيش تعب ولا حاجة أنتَ أصلا عملت كل حاجة لوحدك بس غريبة يعني أنك يعتبر مخلص كل حاجة إيه اللي جابها في بالك تعمل محشي دلوقتي؟..
ابتسم لها نضال مغمغمًا بنبرة جادة:
-حماكي العزيز هو اللي طلبه، وكان لازم أنفذ طلبه وإلا هكون ابن عاق وحتى دلوقتي أنا بالنسباله ابن عاق برضو….
ابتسمت سلمى وهي تستمر في لف الورق بـ مهارة وسرعة هذا ما جعله يعقب وهو يضع ما انتهى منه في الطنجرة:
-لا طلعتي شاطرة فعلا بتلفي أسرع مني كمان..
حاولت أن تضيف جو من المرح رغم نفسيتها المدمرة:
-اهو أي حاجة أعلي بيها عليك…
تحدث نضال مُلحًا في نظرها:
-قولتي إيه في اللي اتكلمنا فيه امبارح؟..
لم يخطر على بالها إلا شيء واحد ومع ذلك حاولت أن تنكر هذا متحدثة بنبرة عادية وهي ترفع بصرها تنظر له وهي متشحة بالسواد في ملابسها وخِمارها وهو يخشى أن تغرق فيه…
-اتكلمنا في إيه مش فاكرة؟!.
فهمها ولكنه تحدث ببساطة كأنه يذكرها:
-موضوع أنك تقعدي مع جهاد هنا، علشان متبقيش أنتِ لوحدك ولا هي لوحدها وكده هكون مطمن عليكي أكتر وده وضع مؤقت لغايت ما نخلص الشقة موضوع التكسير والبناء دخلنا في حوار تاني أطول..
-نضال أنا مش هرتاح في حاجة زي دي، محدش بيرتاح إلا في بيته وياريت متضغطش عليا في الموضوع ده بالذات لأنه بيضايقني جدًا..
هو لا يريد إزعاجها حتى لو رغمًا عنه….
هي في فترة حرجة وهو يدرك ذلك..
تحدث نضال بنبرة ناضجة:
-خلاص نبقى نتكلم وقت تاني متزعليش مني أنا مش قصدي أضايقك…
هزت رأسها بإيجاب، وكادت أن ترد عليه لكن قاطعهما صوت نداء جهاد التي كانت تنظر لها من مسافة بعيدة نوعًا ما..
-موبايلك بيرن، مروة بترن…
نهضت سلمى من مكانها ثم توجهت إلى الحوض متمتمة بعدما فتحت الصنبور لغسل يدها ثم سحبت منديل ورقي:
-هروح ارد عليها وهاجي أكمل معاك..
تحدث نضال بنبرة عادية فهو لا يرغب في إرهاقها على أي حال:
-خلاص فاضل صف واحد هخلصه أنا متجيش توسخي ايدك وتتعبي نفسك وأنا هولع على المحشي وبعدين هاجي أقعد معاكم..
ابتسمت له ثم غادرت وأخذت الهاتف ذاهبة إلى الشرفة حتى تستطع أن تتحدث بخصوصية قليلًا وبعد بضعة دقائق جاءت من الشرفة ثن اقتربت من موضع جلوس شقيقتها ووفاء أما زهران كان قد هبط إلى الجزارة من أجل مقابلة رجل ما..
نضال مازال في المطبخ يبدو أنه لم ينتهِ بعد…
قالت وفاء تخبر جهاد بنبرة عادية لم تكن خافتة ولا مرتفعة لكن يسمعها من يقترب منهما:
-سامية غضبت وجت أول امبارح وواضح أن المشكلة كبيرة هي متكلمتش بس طالبة الطلاق…
ولم تتحدث أكثر من ذلك بسبب رؤيتها سلمى كونها كانت على وشك أن تتحدث في أمر حمزة من ناحيتها، ابتسمت لهما سلمى بهدوء ثم توجهت صوب المطبخ وكأنها لم تسمع أي شيء رغم أنها شعرت بالغليان…..
بعد مرور ساعة ونصف تقريبًا…
كان يجلس الجميع على الطاولة في شقة المعلم زهران خطاب، زوجة أخيه وابنتها، نضال، سلمى، وفاء وجهاد…..
جاءت سامية بعد إلحاح كبير من عمها ووالدتها بأن تنهض ولا تظل جالسة بتلك الطريقة تتحسر على ذاتها بل تجلس مع عائلتها وتلك فرصة جيدة من أجل أن يجتمع الجميع فيها…..
تحدث زهران مقتحمًا الصمت الذي حل على الجميع:
-جرا إيه يا بت يا سلمى يعني ما تقعدي مع اختك تونسوا بعض بدل ما هي قاعدة لوحدها، وكده هتفضل تزن على ودن الواد وهو بيشتغل في الغربة لو اتسابت لوحدها وساعتها مش هتعرف بقا تطلع العيل وتحطهولنا في السبت زي الشبكة..
حاول زهران أن يضيف جو من المرح أثار ابتسامة وضحك الجميع ماعدا سلمى التي عقبت بنبرة لم يفهمها الكثير إلا من كان يشعر بتطاير النظرات بينها وبين سامية..
سامية التي تشعر بالانزعاج الشديد كونها طاوعت والدتها وجاءت للجلوس هنا..
هي تؤكد لذاتها خسارتها حتى ولو كان من أجل الحب الذي ضحت من أجله لكن الطرف الأخر جعلها في دوامة غير مفهومة ومن الصعب الخروج منها..
– هبات معاها…..
نظر لها نضال الذي كان يجلس بجوارها وشعرت بنظراته تخترقها بعدما اعتدل بـ مقعده، فحاولت سلمى الإسراع وهي تسترسل حديثها، حتى لا تظهر أمام الجميع تلك المرأة التي تشعر بالغيرة، أو الأهم القلق من فقدان من تحب:
-النهاردة هبات معاها علشان متزعلش أنا مقدرش على زعل جهاد.
كانت سامية تشعر بنظراتها فعقبت بابتسامة صفراء:
-ربنا يصبركم ويخليكم لبعض سامحيني لو مجتش بعد العزاء كنت مشغولة في الشغل وفي البيت…
كأنها أرادت ذكر العزاء والندبة التي حدثت لها ولا تزول رُبما لكنها ردت عليها بثبات ونبرة قوية:
-طنط انتصار عملت الواجب وزيادة…..
_____________
اليوم لم تأخذه أجازة بل ذهبت وأكملت يومها على أكمل وجه وفي نهايته أخبرت مديرتها المباشرة “نادين” بأنها ترغب في ترك العمل، من حسن الحظ أنها في نهاية الشهر تمامًا…
الحقيقة أنها لم تأخذ منها رد مباشر بل أخبرتها بأن تأتي في الغد إلى حين أن تفكر في هذا الأمر..
كان ردها غريب جدًا ولكنها فهمت بأنها تعلم جيدًا أو تشعر بشيء رُبما لذلك تركت القرار له، قرار إيناس لم يكن في يدها هي أو هي من تقرره….
هذا الشيء ازعجها جدًا…
عادت إلى المنزل وتناول الجميع الغداء ثم ذهب دياب إلى المقهى ووالدتها تجلس بالأسفل مع السيدة بهية؛ أما عن حور فهي مع هدير تذاكر معها في شقتها في بيت خطاب وحينما تنتهي سوف يأتي بها دياب…
لذلك أصبح المنزل لها ولأطفالها في ذلك الوقت، كانت تركت بعد الألعاب من أجل جنى، أما جواد يلعب في هاتفها كعادته لعله يصمت….
تقوم بغسل الصحون في المطبخ وترتيبه فقد أخذت قيلولة بعد الغداء ولم تفعل أي شيء….
يسير جواد في الرواق وهو يتحدث في الهاتف الذي يحمله بيده الصغيرة واليد الأخرى يضعها في جيبه يمشي بثبات وغرور لا يدري من أين يأتي به الطفل..
رُبما يقلد دياب في مشيته…
“أنا الحمدلله كويس”.
“اه، أنا بروح الحضانة وبنام بدري وبطلت اندومي، أنا كبرت، وبأكل أكل صحي”
“مش فاضي بروح الحضانة نبقى نشوف”.
هي خرجت من المطبخ حينما سمعت صوت طفلها من الرواق والذي كان قريبًا جدًا منها وهنا تحدثت بعدم فهم:
-أنتَ بتكلم مين هات الموبايل..
نظر لها جواد بضيقٍ وكأن أحدهم قد أعطى أمر لرجل قد تخطى الأربعين من عمره، ثم قال بنبرة طفولية:
-ماما هتكلمك…
أخذت منه الهاتف ثم ركض، ونظرت هي على الهاتف كان رقم غريب لا تعرفه، هل عاد طليقها يتصل مرة أخرى؟؟؟!!!!
فهي توقفت منذ مدة عن الرد على الأرقام الغريبة صدقًا لا ترغب في حدوث أي مشكلة جديدة بين شقيقها وبين أي شخص بسببها…..
-الو، مين معايا..
رد عليها بنبرة دافئة وهادئة معرفًا نفسه من دون ألقاب:
-أنا جواد، فاضية أخد من وقتك خمس دقائق.
كانت ترغب في أن ترد عليه ردود ليست جيدة بالمرة رافضة الحديث ولكنها حاولت أن تكون على الحياد، لأن خير الأمور الوسط لذلك..
-اتفضل.
رد عليه جواد بنبرة هادئة:
-أولا بلغوني في الشغل أنك عايزة تسيبي الشغل في أقرب فرصة وأنا مش فاهم أنتِ ليه رابطة دي بـ دي؟؟ مش من الصح أن تسيبي شغلك علشان مجرد عرض أنتِ رفضتيه، وأكيد مش أنا الشخص اللي ممكن يتعرض ليكي بشكل يضايقك في مكان شغلك…
حديثه واضح وبسيط..
صدقًا هي تتعجب من حديثه السلس الذي يتفوه به وكأنه لم يتفوه بأي شيء رغم قوله الكثير من خلاله……….
حاولت إيناس أن تتحدث بنبرة متوترة تحاول أن تنفي أنه السبب الوحيد رغم أنه كذلك بالفعل:
-المشوار بعيد عليا وأنا عندي أولاد ومسوؤليات، أكيد مش حضرتك السبب الوحيد.
جاءها صوته الهادئ وهو يجلس في مكتبه تقريبًا فهو وصل إلى المستشفى حديثًا أغلب عملياته بعد منتصف الليل اليوم، لذلك وصل هنا في غضون الساعة الثامنة ونصف وبعد حديثه مع نادين اتصل بها على الفور…
-أنا كلمتك علشان أنا مقولتش حاجة المرة اللي فاتت أنا قولت كلمتين قولتي قصادهم عشرة، ومدتنيش فرصة أتكلم على الأقل..
لم تكن وقحة وهي ترد عليه بنبرة حاسمة رغم ارتباكها الشديد كونها تتحدث معه على الهاتف ولا تعرف من أين أتى برقمها لكن الأمر ليس صعبًا بكل تأكيد إذا وصل لكل شيء، لن يصل إلى رقم هاتفها ونصف زميلاتها في المستشفى تعرفه!!
-حضرتك قولت عرضك وأنا رفضت إيه اللي لسه هتقوله أو كنت محتاج تقوله مش فاهمة؟؟؟.
هي تتعامل بطريقة واقعية عن عرضه الحقيقي التي مازالت تشعر بشكوك نحوه، كأنه مزحة لكنها تتعامل مع الأمر بطريقة منطقية…
رد عليها جواد بنبرة واضحة:
-معاكي حق بس برضو أنتِ مسمعتنيش وكنتي بتتهميني تقريبًا أو مش فاهم أنتِ واخدة موقف مني ليه؟؟؟ أنا كنت متجوز وكنت عايز اتجوز تاني لأسباب كتيرة اكيد تعرفيها بما أن حضرتك على علم بكل حاجة بس هقولها ليكي من غير ما ادخل في تفاصيل…
أبتلع ريقه ثم أسترسل حديثه وهي تسمعه بإنصات رغم معرفتها لأغلب الحديث عن لسان شخص أخر:
-أنا معملتش أي حاجة غلط، كنت متجوز وعايز اتجوز تاني ولا كنت عايز أصاحب واحدة ولا غيره وأول يوم عرفتها فيه، تعرف إني متجوز ولما عوزت اتجوزها قولتلها أني عايز اتقدم ليها أنا معملتش حاجة غلط ولا لعبت بيها ولا عملت أي حاجة تخليني متهم، هي كانت بتماطل كتير وكنت بديها أعذار لأسباب كتيرة منها أنها هتكون أول جوازة ليها لراجل متجوز فأكيد ده مش سهل.
أسترسل حديثه بصراحة شديدة ومطلقة:
-هي كانت بتستغل الوضع وأنا سايبها بمزاجي قولت مش مشكلة في الأخر هنتجوز وهتكون مسؤولة مني، لما الموضوع طال أنا وقفته وقولت مينفعش نفضل مكملين مدام هي مش عايزة تتجوز وعايزة تضيع وقتي ووقتها….
تنزعج من أن تسمع تلك التفاصيل منه وعلى لسانه رغم أنها تعرفها خير المعرفة، واندهشت بأنه حاول قول الحقيقة لكن بشكل لطيف أيضًا…
-أنتِ معايا؟؟.
لأنه تحدث مطولًا ولم يسمع شيئًا منها قال هكذا وهي ردت عليه تطمئنه:
-معاك، سمعاك وسايباك تتكلم زي ما أنتَ عاوز…
-كويس، هكمل..
ثواني وكان يسرد لها شيء هي لا تعرفه:
-أنا سيبتها وطلقت مراتي واخدت حقوقها كاملة، أنا ولا ظلمتها ولا ظلمت حد مش بشهادتي ده بشهادة الناس علشان لو شهادتي يمكن تشكي إني بحاول أحسن صورتي قدامك، وبعدين الللي فهمته من كلامك أن علاقتك بيها مقطوعة ليه سبب رفضك الوحيد اللي قولتيه في وشي هو أحلام؟؟..
أرادت منه الصراحة لذلك ردت عليه بنبرة واضحة مثله لكنها كانت جارحة ترغب في أن تخبره بأنها لم تتخطى زيجتها كأنها تؤكد لها أن احتمال تجمعهما صفر:
-أنا مطلقة مكملتش سنة، عديت بظروف صعبة كتير ولسه بعدي وبحاول استوعب اللي حصل في حياتي واتخطى، ووجود ولادي معايا أهم حاجة بالنسبالي دلوقتي، وأي حاجة هتعرضني إني ممكن ميبقوش في حضني لأي سبب من الأسباب أكيد هرفضها، وحتى لو ده كله مكنتش حاصل أنا كنت صاحبتها وعارفة شكل علاقتك بيها ده سبب كافي جدًا أرفض..
ثم أسترسلت حديثها بنبرة واضحة تحاول أن تجعل هذا الحديث ينتهي تمامًا:
-أحنا مختلفين جدًا عن بعض ومينفعش لأسباب كتيرة هي مش السبب الوحيد مع أنه كفايا…
قاطع حديثها وهو يرد عليها بنبرة قوية في عُمقها أكثر:
-أنتِ متعرفيش أحنا مختلفين ولا لا، ولا تعرفي عني حاجة وحتى تجاربي اللي تعرفيها عن طريقها او أنا اللي قولته ليكي دي مش كفاية تخليكي تعرفيني كويس وتعرفي أنا شبهك ولا لا مع أن ده مش مقياس أبدًا، مش لازم نكون شبة بعض علشان ننفع لبعض..
حديثه متناسق بشكل يُذهلها..
منمق إلى أبعد درجة..
حتى يجعلها عاجزة عن إيجاد رد يشبه ردوده…
لكنها حاولت:
-أنا معرفش حضرتك ليه فكرت فيا من أساسه..
وكان الرد منه سريعًا ولوهلة شعرت بأنه يقرأ من شيء أمامه؛ بسبب سرعته لكنها لا تعرف بأنها يخرج بالفعل من أعماق قلبه:
-أنا كمان معرفش ليه فكرت فيكي، ليه بتيجي على بالي كتير، ليه بحاول اساعدك بغض النظر أنك فسرتي مساعدتي غلط، أنا معرفش ليه ارتحتلك وليه بتيجي على بالي وليه حاسس أنك ليا.
أسئلته كانت صادمة لها وله…
هو نفسه لم يتفوه بتلك الطريقة أمام أي أمرأة..
حطمت جواد العملي وأخرجت منه جواد أخر أكثر شاعرية…
تنهدت إيناس وكلماته من كثرة صدقها لمستها، وصلت إلى أعماقها، وجدانها….
أنوثتها التي تمت إهانتها مرارًا وتكرارًا…….
أسترسل جواد حديثه بنبرة أكثر جدية:
-أنا اخدت من وقتك أكتر من خمس دقائق، وعندي كشوفات، أنا مش هقدر أجبرك ترجعي شغلك في النهاية دي حياتك وأنتِ حرة فيها لكن على الأقل ترجعي لغايت ما يلاقوا حد مكانك، وأنا اوعدك إني مش هضايقك بأي شكل أو أسبب ليكي حرج زي ما فهمت من طريقة تفكيرك، أنا اخر راجل ممكن يعمل حاجة تضايق واحدة أو تحرجها.
ردت عليه إيناس بنبرة متوترة:
-هرجع لغايت ما يلاقوا حد وبعد كده هسيب الشغل.
-اعملي اللي يريحك ومعتقدش الموضوع هيخلص لما تسيبي الشغل وكده هتخلصي مني، أنا شخصيًا حتى لو مكنتيش في الشغل معتقدش إني هنساكي مثلا وعرضي زي ما هو، وأنا شايف أنك متعرفنيش كويس……..
ابتلع ريقه ثم غمغم:
-سجلي رقمي أي وقت غيرتي رأيك، أو حتى لو مغيرتيش رأيك، أي وقت تحتاجيني فيه لأي سبب رقمي معاكي، مع السلامة…
هذا ما استطاعت أن تنطق به حتى تنهي تلك المكالمة الصادمة:
-مع السلامة..
_______________
تقف معه في المطبخ تحاول مساعدته قدر المستطاع وعلى الأقل تهرب من الجلوس مع سامية التي كانت عيناها لا تفارقهما لحظة تراقبهما من بعيد……
تراقبهما بأعين تشعر بـ ندم تنكره…
تذكر ذاتها بأنها تحب حمزة وأحبته بالفعل لكن هناك شيء لا يسير على ما يرام، ورُبما حملها ورسائله الطويلة الذي يعتذر فيه على ما قاله قد أصابتها باللين حتى ولو بنسبة ضئيلة…….
لكنها مازالت مجروحة بشكل كبير…
افقدها جزء كبير من ثقتها بنفسها..
هي التي دومًا كانت ترى نفسها أفضل وفوق الجميع، كما كانت تسعى دومًا أن تعتني بنفسها ببضعة كلمات فقدت ثقتها بنفسها…
تلك الكلمات لم تكن من شخص عادي أساسًا بل من زوجها التي تحبه، والشخص الذي من الممكن أن يكسرك مهما كنتي تبلغين من القوة أو حتى لو قمتي بإدعاء العكس….
اعترض نضال طريقها وأوقفها في المطبخ متمتمًا:
-هتكسري الأطباق..
-لما اكسرها أبقى اتكلم…
تحدث نضال بنبرة عادية وهو يتأملها:
-وأنا لسه هستنى لما تكسريها، وبعدين يعني غيرتي رأيك بسرعة مع أن بوقي كان شوية وهيتعوج من كتر المحايلة عليكي بقالي يومين….
كان يعلم ويشعر بغيرتها هو ليس بأحمق لكن لما لا يعبث معها؟! هذا شيء يسعده ويروق له…..
تمتمت سلمى وهي تنظر متحدثة بنبرة هادئة وثابتة:
-هبات مع جهاد النهاردة ده بيت اختي وهي لوحدها، وبعدين أنا حسيتها عايزاني أبات إيه المشكلة بقا ؟!.
سألها نضال بنبرة ثابتة وهو يضيق عينه:
-وإيه اللي اتغير خلال ساعة تقريبًا وخلت دماغك كبيرة كده…
تحدثت سلمى بنفاذ صبر محاولة استعمال الهجوم وسيلة للدفاع عن مشاعرها وتخبطها لكنها مازالت تحافظ على نبرتها التي لا يسمعها سواه، لذلك من تشاهدهما تظن بأن هناك قصة حب مشتعلة في الأجواء تحديدًا بسبب وضعيتهما كونه قريب منها إلى حد ما..
ويقف أمامها يمنع تحركها وخلفها الحوض والرخام الذي يمنعها من الابتعاد..
-في إيه يا نضال هيكون في إيه يعني؟ وبعدين هل أنا فايقة للي بتعمله وكلامك ده؟..
-ماشي وبعدين هو أنا عملت إيه أنا بتكلم معاكي، اهدي شوية..
قالت سلمى بنفاذ صبر وهي تعترف بطريقة غير مباشرة:
-اهدى أنتَ الأول ومتعملش حاجة أو تحاول تلمح لحاجة أنتَ عارف أنها صح وهضايقني…
قبل رأسها واتبع فعلته تلك بجملته التي تربت على قلبها ” حقك عليا متزعليش “….
بينما هي تحاول إبعاده لشعورها بالخجل الطفيف، فسرت سامية الأمر بطريقة أخرى اشعلتها حتى أنها نهضت من مكانها متمتمة:
-عن اذنكم أنا هروح ارتاح شوية..
هتف زهران بهدوء:
-اذنك معاكي يا حبيبتي…
وتزامنًا مع رحيلتها وخروجها من الشقة تحدث زهران بعدما سحب نفس من أرجيلته….
وكان صوته مرتفعًا:
-يا أستاذ نضال يا اللي غطست الشاي الله يكرمك…
بينما تحدثت انتصار وهي تنهض من مكانها:
-أنا رايحة بقا ورايا شوية حاجات اعملها وهبقي اجي تاني….
فهم زهران بأنها ترغب في أن تكون بجوار ابنتها فغمغم:
-ماشي..
رحلت انتصار فأشار زهران إلى وفاء التي كانت تتحدث مع جهاد بكلمات لا يسمعها أحد وهي تعبر عن شكوكها نحو حمزة أن بالتأكيد فعلته قوية:
-قومي ساعدي اخوكي علشان هو مش فاضي باين بيعطف ويلطف…..
______________
بعد المعركة الصامتة التي حدثت بالأسفل…
التي انتهت بموافقتها التي اندهش منها الجميع، فهي وافقت على المكوث تلك الليلة مع جهاد…
كانت في الحمام تأخذ حمام دافئ وأخذت ملابس منزلية من شقيقتها فهي لم تأتِ من أجل البيات ولم يكن لديها نية للأمر لكنها في النهاية الظروف التي حكمت، لذلك لم تأتِ بملابس…
والظروف هي سامية….
وجودها هنا في المنزل وشجارها مع زوجها وطلبها للطلاق شيء لا يجعلها يشعر بالراحة أبدًا…
لكن إلى متى سوف تظل هنا؟!
هل ستجعل نفسها حارس أو مراقب له؟؟
صدقًا هي لا تعلم شيء هي فقط أخذت القرار في لحظة كانت الغيرة تسيطر عليها فيها..
خرجت من المرحاض متوجهة صوب غرفة شقيقتها وهي تلف خصلاتها بمنشفة…
شقيقتها كانت تضع الهاتف على أذنيها فسألتها سلمى بعفوية:
-بتكلمي مين؟؟..
-سلامة..
هزت سلمى رأسها بتفهم ثم أخذت مجفف الشعر الذي يتواجد على الفراش التي حضرته لها جهاد، وغادرت الغرفة وكان ما تفوهت به قبل خروجها:
-أنا هروح انشف شعري، سلمي عليه..
هزت جهاد رأسها بإيجاب ثم قالت بعدما رحلت سلمى وأغلقت الباب خلفها تعطيها من الخصوصية كما تشاء:
-سلمى بتسلم عليك..
قال سلامة محاولًا أن يمرح معها:
-ده كده الواحد يقلق..
-ليه يعني..
رد عليها سلامة بمنطقية:
-عادي انا بقلق من سلمى ومن صاحبتك، بحسهم ضرايري، هو الراجل ملهوش ضراير بس أنا عندي اتنين والله..
ابتسمت جهاد بإرهاق ثم سألته:
-أنتَ قولتلي أنك هتخرج من الاسانسير وترجع تكلمني، رايح فين في الوقت ده؟!..
رد عليها سلامة بهدوء:
-عادي قولت أنزل امشي رجلي زهقت من القعدة وبالمرة أجيب أكل، صحيح كنت ناوي إني اطلبه بس قولت أنزل أحسن.
ضيقت جهاد عيناها ثم سألته باستغراب:
-غريبة يعني مش قولت أن عمة واحد معاك عايشة هناك وهتبعت ليكم أكل وكنت مبسوط أنك هتأكل أكل بيتي..
قال سلامة بحسرة وهو يرد عليها يوضح لها الأمور:
-أنا مش عايز أقول حاجة في النهاية هي نعمة ربنا بس والله الأكل ما كان يتأكل ابدًا، تخيلي أن المفروض هي تتعلم الطبخ منك، أنتِ متخيلة أن أكلك أحسن منها؟ يعني متخيلة الوضع كان سيئ ازاي؟؟..
أردفت جهاد بانزعاج جلي:
-بلاش غلط فيا أنا أكلي حلو يا حبيبي وبعدين كتر خيرها أنها عبرتكم أحمد ربنا..
-أنا بحمد ربنا وان شاء الله محدش يفكر يوجب معانا تاني لو الواجب هيكون بالمنظر ده….
ثم أسترسل حديثه بنبرة هادئة:
-سلمى ماشية ولا إيه؟؟.
-لا هتبات معايا…
لم يصدق سلامة فتحدث مندهشًا:
-بجد؟؟ طب والله كويس جدا أنها فكرت صح هي تقعد معاكي بدل ما كل واحد يقعد لوحده، الحمدلله أنها سمعت الكلام..
تحدثت جهاد بنبرة خافتة وهي تخبره بما تشعر به:
-هي بتقول هتقعد النهاردة وبس، وغيرت قرارها مرة واحدة رغم أنها قالتلي ألف لا، وقالت زيهم لنضال وعم زهران..
سألها سلامة بعدم فهم:
-أومال إيه اللي خلاها تغير رأيها فجأة؟.
تحدثت جهاد بنبرة موضحة أكثر:
-سامية هنا متخانقة مع جوزها وحاسة أن ده السبب، وياريت سامية تطول علشان سلمى تقعد معايا ومتمشيش لأني مش حابة أنها تقعد لوحدها والسلم هناك صعب عليا، موضوع سامية بصراحة جه في وقته.
ثم شعرت بأنها قد تكون إنسانة سيئة فأردفت:
-أنا مش وحشة ولا قصدي أنها تفضل متخانقة مع جوزها، بس يعني هي الحاجة الوحيدة اللي ممكن تخلي سلمى تقعد..
أردف سلامة متفهمًا وهو يخبرها بنبرة هادئة:
-أنا فاهم قصدك يا حبيبتي، بس خليني أقولك حاجة يمكن تكون النهاردة سلمى قعدت فعلا علشان غيرانة على نضال…
ابتلع ريقه ثم سمعت صوته من الهاتف وهو يقول مسترسلًا حديثه:
-بس يعني طول السنين دي ومعرفتي بـ سلمى أنها مش هتقعد معاكي علطول أو تقعد معاكي فترة إلا لو فعلا هي عايزة تقعد معاكي ومتسبكيش ومش حابة تقعد لوحدها لكن معتقدش موضوع سامية هيخليها قاعدة حتى لو سامية قعدت العمر كله.
-أنا وهي ملناش غير بعض وهكون مطمنة لو هي جنبي الفترة دي مش حابة أكون لوحدي وأنا حامل وفي الظروف دي من غيرك ومن غيرها…
تألم لأنه يعرف التحديات والآلام التي تمر بها زوجته بالفعل هو نادم على سفره، لكنه أتخذ قرار ولا يستطيع العودة منه إلا حينما يوصل لنهايته..
في النهاية لكل شيء ثمن……
-وسلمى أكيد هتفهم ده ومعتقدش أنها هتحب تفضل قاعدة في الشقة هناك لوحدها ده هيتعبها أكتر.
_______________
جاءت اليوم في الصباح الباكر من دبي…
عادت إلى المنزل ثم ظلت نائمة حتى وقت العشاء حينما وصل والدها.
كانت تجلس معه على الطاولة يتناول كلاهما الطعام في صمت إلى قرر أن يتحدث والدها بعدما توقف عن الطعام:
-من بكرا بقا ترجعي الشغل أو بعد بكرا بالكتير..
هزت رأسها بإيجاب فهي أصبح تعمل في المقر الرئيسي الخاص بشركات والدها وقت الإجازة كون أن امتحاناتها انتهت….
قالت ريناد بتساؤل:
-كنت بتقول وأنا في دبي أن في موضوع عايز تكلمني فيه وكل ما اقولك في إية تقولي لما تيجي…
-كنت هقولك بعد العشاء بس مدام فتحتي الموضوع دلوقتي نتكلم..
نظرت له بفضول لتسمعه يقول:
-في عريس متقدم ليكي…

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock