رواية بنات الحاره الفصل السابع عشر 17 بقلم نسرين بلعجيلي
رواية بنات الحاره الفصل السابع عشر 17 بقلم نسرين بلعجيلي
رواية بنات الحاره البارت السابع عشر
رواية بنات الحاره الجزء السابع عشر

رواية بنات الحاره الحلقة السابعة عشر
أسماء راحت على مكان شغل أبوها والدموع في عينيها.
بس شافت راجل غير أبوها، راجل قاعد على الكرسي، والرجالة شغالة على الأرض. راجل في ابتسامة على شفايفه، وحزن في عينيه.
لوحة متناقضة تمامًا : فرحان وحزين.
راجل كان بسيط، وكان شغال زيه زي الناس اللي في الأرض، بس كان راضي، وكانت عينيه فيها فرحة.
بس الراجل اللي قاعد ده ما تعرفوش. مستحيل يكون أبوها.
قربت منه…
أسماء : إزيك يابا؟
أبو حنان : أسماء يا حبيبتي، وحشتيني.
أسماء أول ما أبوها حضنها، انهارت وابتدت تعيط.
أبو حنان : مالك يا بنتي؟ فيكِ إيه؟
أسماء : آه يابا، حنان تعبانة، ليه يابا، ترجعها ليه…؟
أبو حنان كأنه خنجر غُرس في قلبه.
أبو حنان : بالله عليكِ يا بنتي، اللي فيا مكفيني. حنان نصيبها كده، كان لازم تتنازل علشان إحنا نعيش. شوفي كم رقبة شايلة. حنان ليها رب، ربنا يتولاها، المهم… نايمة وشاربة، ولابسة هدوم غالية.
أسماء : إنت عارف إن البيت اللي هي فيه جهنم حمرا مع فتنة؟ عارف إني رُحت أسلم عليها ومنعتها تطلع لي، ولا أنا أدخل؟ قال إيه؟ أوامر فتنة إن الزيارة ممنوعة. وكل ما أكلمها، التليفون مقفول.
أبو حنان : إسمعي يا أسماء، فكّري في نفسك يا بنتي، كمّلي دراستك. عايزك تكوني محامية شاطرة، وتاخذي قضايا الغلابة اللي زي حالتنا. يا بنتي، ده نصيبنا. حنان هي اللي راسها ناشفة، مش عارفة تمشي دنيتها. جوزها غلبان وبيحبها، بس هي مش عارفة تكسبه لصفها.
حماتها مهما كانت، مافيش حماة طيبة. المهم… إحنا عايشين، الحمد لله. أهو الحاج زوّدني فدادين، وجاب لي كم نفر يشتغلوا عندي، وغيّرنا بيتنا، وفيه فلوس جريت في إيدي. إنتِ كمّلي دراستك وماتشيليش هم.
نسرين بلعجيلي
أسماء : مبسوط؟ مبسوط إنك بعت ضناك؟ بيجيلك نوم وبنتك متهانة ومتبهدلة؟!
أبو حنان سكت… كأن الكلام جاي من قلبه بس مش قادر يعترف بيه.
مسك الطاقية من على دماغه ومسح عرقه، بس العرق كان بارد، زي ندمه.
أبو حنان بصوت مكسور : أنا راجل غلبان يا أسماء، وإنتِ عارفة، لما الغلب بيعض، بيعض اللي بيحبهم. أنا ما بعتش حنان، أنا خُفت أتباع معاها، وكنت أضعف من إني أقول لأ. وهي كانت أقوى منّي.
أسماء بعيون بتلمع : بس كانت مستنية تبقى قوي ليها، مش ضدها.
سكتت، ومسحت دموعها بإيدها، وبصّت حواليها.
أسماء : عارف إيه الفرق بينك وبينها؟ هي اختارت تدفع تمن كرامتها، وإنت اخترت تشتري راحتك بكرامتها.
سابت أبوها واقف، ولفّت تمشي… خطواتها ثقيلة، لحد ما ركبت القطار.
القطر كان بيجري على السكة، بس الوقت واقف جواها.
أسماء قاعدة جنب الشباك، عينيها على الزرع اللي بيعدّي بسرعة، بس قلبها مع أختها اللي سايباها في بيت ما ينفعش يتسكن.
الشنطة على ركبتها، وإيدها ماسكة الموبايل، تفتح على رقم حنان… تقفله… تفتحه… تقفله.
الناس حواليها نايمة، بس هي دماغها فيها حرب.
قالت لنفسها بصوت واطي :
“أنا مش هارجع وأقعد أنا هارجع وأبدأ. لازم أنقذ حنان.
بعد ما وصلت…
دخلت الشقة، رمت الشنطة على الكنبة، شربت مية من الكوباية اللي جنب الحوض، وبعدها خذت نفس طويل كأنها بتستنجد بالهوى.
مسكت الموبايل، وبعثت على جروب البنات : محتاجاكم ضروري… اللي فاضية تيجي.
بعد ساعة… كل بنت وصلت لوحدها.
نورهان جت وهي لابسة بيچامة، زينب كانت لسه راجعه من الشغل، صفاء جاية ووشها قلقان، رحاب كالعادة، جاية تشوف فين النار.
دخلوا الشقه كإنهم متفقين يوصلوا في نفس الوقت. أسماء وقفت قدامهم وقالت :
أسماء : أنا محتاجة تساعدوني. مش بكلام ولا دموع… أنا محتاجة نتحرّك.
نورهان : خير؟! في إيه خضتينا.
أسماء : أختي حنان محتجزة، ممنوعة من الزيارة، وتليفونها مش في إيدها، واللي حطاها في الوضع ده، ست إسمها فتنة،حماتها.
صفاء : محتجزة؟ تقصدي إيه؟
أسماء : مش حابّة أقول “سجن”، بس اللي شفته بعنيا… جحيم.
رحاب بصوت ساخر : وإنتِ ناوية تعملي إيه؟ نروح نكسر الباب وناخذها؟
أسماء بصوت ثابت : لو لزم الأمر، آه. بس قبله عايزة أفهم القانون بيقول إيه.
زينب : أسامة ممكن يفيدك، هو محامي وممكن يدلّك.
أسماء : عايزة أقابله.
رحاب قعدت على الكنبة وابتدت تضحك.
نورهان : بتضحكي ليه؟
رحاب : باضحك علشان كلام الهبل اللي سمعته. المصيبة طالعة من واحدة هتبقى محامية. يا هانم، أختك متجوزة، يعني تحت حماية جوزها، ودي حماتها.
أسماء : أختي إتجوزت غصب عنها، وهربت، وأبويا رجعها. أو الله أعلم إيه اللي حصل. بس أنا لازم أنقذ أختي.
وابتدت تعيط…
صفاء قامت حضنتها.
صفاء : يا حبيبة قلبي، إهدي كده واحكي لنا إيه اللي حصل.
أسماء إبتدت تحكي لهم كل حاجة.
زينب : يا ساتر يا رب! فتنة دي عاملة زي صفية، بس الفرق إنها مستقوية بالفلوس.
نورهان : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
رحاب : إسمعيني يا أسماء، عارفة إن كلامي مش هييجي على هواكِ،
بس هي دي الحقيقة. كلام أبوكِ صح. وأختك حنان لازم تبقى ذكية وتستغل طاقة القدر اللي اتفتحت ليها.
أسماء : نعم؟! طاقة القدر؟!
رحاب : أيوه. أختك اتجوزت حد بيحبها وفرضها على أمه وأبوه، وكمان غني، عايزة إيه أكثر من كده؟
عارفة الراجل لما بيحب بجد، بيكون عايز يشوف حبيبته سعيدة. جوز أختك غني، وجواز أختك جاب الخير عليكم. أبوكِ بقى من أصحاب الفدادين، وغيرتوا بيتكم، ومعاكم فلوس. فيها إيه لو أختك ضحّت شوية علشان إنتوا تعيشوا؟!
أسماء مسحت دموعها بسرعة، وبصّت لرحاب بنظرة حادة.
أسماء : يعني إيه ضحّت شوية؟ هي الكرامة دلوقتي بقت رفاهية؟ أختي كانت بتبعثلي مسچات تقوللي “أنا مش قادرة أتنفس” تخيلي. مش قادرة تتنفس!
رحاب بتتأفف : يعني نعمل إيه؟ نهدّ الدنيا؟
أسماء بنبرة غضب هادي : آه… لو الدنيا هي اللي خنقت أختي، أنا ههدّها.
زينب بتحاول تهدّي: يا بنات كفاية، أسماء مش طالبة مننا لا رأي ولا شفقة، هي عايزة تقف، وإحنا يا نقف معاها، يا نقعد نسقف للي بيكسرنا.
صفاء : أنا معاها. واللي هيتكلم في سكة تانية، أحسن له يسكت.
رحاب بصوت واطي : أنا ماكانش قصدي… بس أهو، قلت اللي عندي.
أسماء : وإنتِ حرة، بس أنا مش هرجع أختي لبيت ما فيهوش نفس.
أنا هكلم أسامة، وأشوف أبدأ منين.
نورهان بقلق : طب لو الموضوع دخل في محاكم، مش هيكون ضدها؟ يعني جوزها ممكن يطلّقها، أو يلفق لها حاجة؟
أسماء بحزم : مافيش حد أقوى من اللي عنده حق وساكت عنه كتير.
بس لما يقرر يتكلم، الكل لازم يسمعه.
لحظة سكوت، والكل باصص لأسماء كأنها لابسة درع.
زينب : أنا هروح معاك للمحامي.
صفاء : وأنا كمان.
رحاب بعد تردد: وأنا، مش علشان مقتنعة، بس يمكن أتعلم حاجة منكم أو إنتم تعرفوا إني على حق.
مكتب أسامة
بعد يومين…
أسماء دخلت المكتب وهي ساندة على نفسها، لكن عينيها فيها نار مصممة تطلعها. وراها دخلت زينب، صفاء، نورهان، ورحاب. كل واحدة لبسها بسيط، بس حضورهم ثقيل.
أسامة كان قاعد ورا مكتب خشب قديم، قدامه أكوام ورق مبعثرة. شاب وسيم، شعره ممشّط بنظام، نظرة عينه فيها هدوء، وصوته مريح، من النوع اللي يخلي الواحد يطمن له من أول جملة.
أسماء : شكراً إنك وافقت تقابلنا.
أسامة بابتسامة هادية : طبعًا، لما زينب قالتلي الموضوع، قلت لازم أسمع. إتفضلي، إحكيلي من الأول.
أسماء بدأت تحكي، كلمة بكلمة، من أول رجوعها من البلد، لباب البيت المقفول، لحنان اللي ظهرت من البلكونة وعيونها بتستغيث.
أسامة سمعها للنهاية، من غير ما يقاطع، وبعد ما خلصت، قال بهدوء.
أسامة : اللي بتحكيه ده يدخل تحت بند “العنف النفسي” و”العزلة القسرية”. القانون مش ساكت على ده، وأي ست ممنوعة من التواصل مع أهلها، أو محبوسة في بيت غصب عنها، ليها الحق تطلب حماية.
القانون ما فرقش بين بيت الزوجية والسجن. اللي يمد إيده أو يدفن الست جوه بيتها، يتحاسب.
رحاب رفعت حاجبها واعترضت : استنى كده، يعني إيه تتحاسب؟ هي مش متجوزة؟ مش المفروض تسمع كلام جوزها؟ وبعدين، مش كل مرة واحدة تقول “أنا مخنوقة” نروح نعمل بلاغ؟ ده كده كل بيت هيتخرب.
أسامة بصّلها من غير ما يرفع صوته: أنا فاهم منطقك يا آنسة، بس خليني أقولك حاجة مهمة :
الجواز مش تصريح بالإهانة، ومش إذن بعزل الست عن أهلها، ولا بمنعها من الكلام، ده شراكة، مش سلطة. واللي يقفل على مراته الباب، وياخذ موبايلها، ويمنعها تشوف أهلها، ده مش راجل، وده قانونًا إسمه “احتجاز”.
رحاب بصوت أخف : بس يعني ممكن تكون هي السبب خلت جوزها وصل معاها لي كده .
أسامة : حتى لو، مافيش سبب يبرّر العنف أو الحبس. الست ليها كرامة، ولو الجواز بيشيل عنها الحماية، يبقى إسمه سجن مش بيت.
أسماء بصوت ثابت : وأنا معايا شهود، وعندي رسائل، وهقدر أثبت اللي حصل. أنا مش جاية أشتكي، أنا جاية آخذ حقي، وحَق أختي.
أسامة بابتسامة فيها احترام : وإنتِ قدّها.
بصوا، في حالة زي حالة حنان أقدر أبدأ بـطلب رسمي لحمايتها من العنف الأسري، وده من خلال بلاغ في النيابة أو مخاطبة المجلس القومي للمرأة. لو ثبت إن الست في خطر، ممكن الدولة توفرلها مكان آمن مؤقت، وساعتها نرفع قضية “طلب تطليق للضرر” أو “حبس المتسبب في الأذى”، سواء كان جوزها… أو حتى حماته.
أسماء مصدومة: يعني ينفع نرفع قضية على فتنة؟
أسامة : طبعًا، لو عندك إثبات إنها حرمت حنان من حريتها، وده ممكن يتوصّف في القانون على إنه “احتجاز شخص بدون وجه حق”،
وده جريمة.
Nisrine Bellaajili
رحاب بصوت واطي: ده إحنا نخلص على فتنة قانونيًا قبل ما نحرك شعرة.
زينب رفعت إيدها ببطء: طب بعد إذنك يا أستاذ أسامة أنا عندي سؤال عن موضوع تاني، قضية نوارة لو لسه فاكر؟
أسامة نزل نظره على الورق قدامه، وبعدين بصّ لها
اسامه : طبعًا فاكر، أنا اللي رفعت الدعوى على أحمد، جوزها. القضية لسه مفتوحة، لكن للأسف… أحمد خرج بكفالة وهرب،
والبوليس مش قادر يوصله لحد دلوقتي.
زينب بحزن : بس بطة لسه بتمشي وتتكلم عادي كأنها ما عملتش حاجة .
أسامة بحسم : لأ، بطة خرجت من الحارة بعد ما الحاج عثمان هدّدها. وطالما مافيش دليل مادي مباشر يثبت تورطها، صعب نحبسها، لكن لو طلع شاهد واحد بس، أو دليل صغير، ممكن نعيد فتح الملف ضدها.
نورهان : هو فيه نص قانوني فعلاً يعاقب على اللي حصل لنوارة؟
أسامة : أيوه، اللي حصل يندرج تحت بند “الضرب المُفضي إلى الموت”، وده في المادة 236 من قانون العقوبات، وبيوصل الحكم فيه لحد 15 سنة سجن.
صفاء : حتى لو أحمد هرب؟
أسامة : أيوه، هروبه مش معناه إن القضية اتقفلت، هو دلوقتي إسمه “هارب من العدالة”، والقضية متسجلة، وأي وقت يقبضوا عليه، المحاكمة تتكمل فورًا.
زينب بصوت مليان وجع : يعني نوارة حقها مش هيروح على الفاضي؟
أسامة بثقة : لا…
فيه حاجات بتتنسى، بس في وجع بيقعد، لحد ما ياخذ حقه. ما تخافيش أنا متابع القضيه.
رحاب : إزاي الحاج عثمان هدد بطه؟ إيه اللي بينهم؟
هنا البنات بصوا ليها بقلة حيلة، رحاب هي رحاب عمرها ما تتغير.
بس السؤال بتاعها نبه جرس الخطر في عقل أسامه…
العنف مش تربية، والسكوت مش احترام… اللي يمد إيده مرة، هيكسرك ألف مرة، إلا لو وقفتله وقالت: كرامتي أقوى من خوفك.
“اللهم لا تجعل للذل طريقًا إلى قلوبنا، ولا للضعف مَدخلًا إلى أرواحنا، وانصر كل مظلومة محرومة من صوتها وحقها.”
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية بنات الحاره)