روايات

رواية عودة الذئاب الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم ميفو السلطان

رواية عودة الذئاب الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم ميفو السلطان

رواية عودة الذئاب البارت الثالث والعشرون

رواية عودة الذئاب الجزء الثالث والعشرون

عودة الذئاب
عودة الذئاب

رواية عودة الذئاب الحلقة الثالثة والعشرون

كانت شجن جالسه قلبها يأن وجعا لم تعد تحتمل اشتاقت لمن خلع قلبها ..لبست ملابسها ونزلت الشارع اتجهت الي أحد المحلات واستاذنت الرجل ان تتكلم في التليفون .
مسكت الخط ووقفت جانبا وكتبت نمرة براء ارادت ان تسمع صوته ارادت ان تتنفس رغم ما تحس به من عار ..اتصلت به ومسكت التليفون بكلتا يديها …انفتح الخط واتاها صوت روي قلبها المدبوح حتي لو كذبا ..سمعته يرد كتمت صوتها تسمع صوته تتخيله معها ودموعها تنهمر …
كان براء يجلس في القصر لتاتيه تلك المكالمه لم يعلم لماذا شعر بضيق في نفسه ظل يتسال من المتصل بلا جدوي …مر عليه اسمر وقال بصوت عالي ….براء عمك مستنيك عايز يتكلم في تفاصيل الجواز ماتتوخرش عليه عايز تستناني ماشي اني رايح المكتب .
كانت شجن تسمعهم علي الناحيه الاخري قفلت مسرعه وخرجت تعدو من المحل تشهق… تشهق بعنف احست انها ستموت …صعدت علي الفور واندفعت لحجرتها بزعر حقيقي ….خلاص خلاص …
راح كل ..كل ..حاجه ..را را راحت ..خ خ خلاص خلصت خلصت …سقطت ارضا وتكورت علي نفسها تأن بأنين صامت موجع القلب ..
اتصلت مهره بها، وما إن عرفت الأخيرة أنها مهره، حتى انفجرت في البكاء.
صرخت مهره، صوتها يحمل خليطًا من القهر والغضب:
– “إنتِ بتعيّطي على إيه؟! ده زبالة… وراح!”
كانت شجن تنتحب بحرقة، تتنفس كأن الهواء يخونها،يخنقها وارتجفت كلماتها المرتبكة:
– “مهره… من..من فضلك، أنا..انا بموت… حاسّة إن هيجرالي حاجة!”
صرخت مهره بقوة، بقلب موجوع لا يحتمل:
– “ده واحد واطي! البلد مقلوبة عشان هيتجوز بنت عمه… متفقين وبيعدّوا للجواز!
-شجن بنحيب “”خلاص يا مهره هيتجوز امال جاي ليه لنديم ليه “.
صرخت مهره “انت ليكي عين تسالي عليه ..هيتجوز بنت جابر وجابر ماشي يقول براء هيكلف وهيجيب وهيعمل فرح البلد كلها تحلف بيه .انما انت جاي ياخدك في الدرا .يرمي لاخوكي قرشين ..حسبي الله فيهم ..جابك منين يا زِفْتَة؟! يا دي المصيبة!”
انفجرت شجن في بكاء أكثر، ولم تعد قادرة على النطق… فهدأت مهره، خوفًا على أختها، وانكسر صوتها قليلًا:
– “طب يا شجن، احنا خلاص… قربت أخلّص وهاجي، أنا عارفة إنك تعبانة… جايلك يا حبيبتي.”
قالت شجن وهي تشهق، تتقطّع أنفاسها بين الكلمات:
– “ما… ما تسيبنيش يا مهره، أنا حاسّة إن قلبي بيتقطّع.”
صرخت مهره، فجأة، كأنها طُعنت في روحها:
– “إنتِ حبّيتيه… يا زِفْتة؟!”

انفجرت شجن في بكاء أشد، لتشعر مهره بوجع أختها… وجع كان يسكنها هي أيضًا، لكنها كانت تحاربه في صمت.
فهي تُصارع مشاعر عنيفة، تُولدت داخلها تجاه الأسمر، مشاعر تخشى الاعتراف بها، فخنقتها داخل صدرها وهتفت بصوت حنون مشروخ:
– “شجن… اهدِي، أنا جنبك، ومعاكي يا حبيبتي… وبكره هكون عندك.”
-شجن بألم كالنزيف ظهر في صوتها “مهره اناخايفه من نديم ..اناانا ….”
-تنهدت مهره ..اهدي انا جنبك جايالك ياقلب اختك ”
أغلقت الخط، وجلست بين حطامها، حطام قلبين تُحبهما بصدق، قلب أختها… وقلبها الذي يُداري جُرحًا لا يراه أحد.تشعر بنيرانٍ داخلها… وقفت مهزوزة، تتأرجح كما تتأرجح شمعة في مهبّ الريح. لم تعد قادرة، فمدّت يدها، وكسرت الزجاج بيدها، كأنها تكسر صمتًا طويلًا يسكن صدرها.
كانت تريد أن تتألم، أن تُحدث لنفسها وجعًا حقيقيًا، لعلّه يُبرر ما لا يُبرّر، ويمنحها سببًا تصرخ من أجله.
وقفت وسندت على الحائط، تخبط رأسها كمن يحاول أن يُفرغ روحه من بركانٍ لا يخمد.
نظرت حولها، وخلعت حذاءها، ثم تهالكت كزهرة ذابلة أسلمت أوراقها للريح. أحسّت بدوار، وكأن الأرض تدور بها، والألم يُمزّق أوتار عقلها.
شدة الأعصاب تكاد تذبحها من الوريد، وتُفجر شرايينها كأنها خيوط حريرٍ شُدّت حدّ الانفجار…
لم تكن تظن أن حياتهم ستنقلب إلى تعاسة، بسبب ما دخلوا فيه.
“يا ترى، يا مهره، لسه فيه وجع أكتر من كده؟”
وضعت يدها على قلبها، كأنها تحاول تهدئة وحشٍ هائج بين ضلوعها، ثم تمتمت:
“ماعتش فيه مكان للوجع… ماعتش…”
قامت مهتاجة، كما تقوم العاصفة، وظلت تصرخ وتكسر في المكتب:
“ليه ليه ..ليه يا جدي ليه ..الفلوس تساوي كل ده عملنالك ايه ..ليه يارب كان ابنه زيهم اختار اتنين وموت قصادها كام .،موت عيله اب وام وعيال “..تهالكت بقهر ..
“عيال ..ماكانوش عيال عمرهم ماكانو عيال “..كانت تهذي وترتعش ..”خلاص خلاص كفايه قوي قصتهم ..همشي! هنمشي ونختفي وننساهم! ننساهم؟ أيوه، هننسى! هناخد حقنا… وننسى!”

“أنا ماعتش عارفة أتنفس، قلبي بينعصر، كأنه بيتعصر بإيد حديد مابترحمش…لازم نخلص، لازم نرتاح.ننسي لازم ننسي ..”ظلت تكرر تلك الكلمه لعلها تحس بها ولكن هيهات
أغمضت عينيها بقهر، ومرت أمام عينيها ذكرى مبللة بالحلم والمرارة؛
تذكّرت حين اشترى لها اسمر الفساتين، وأجبرها أن تلبسها كعروسٍ حالمه ولكنها كانت للعرض، لا للفرح.
تذكّرت ذلك اليوم… بجماله الكاذب، ووجعه الساكن في ثناياه.
لم تستطع أن تتنفس، اندفعت إلى الخارج متناسية حذاءها، تفرّ كأنما تهرب من جدران قلبها.
وفي ذلك الوقت، كان “أسمر” يخرج من مكتبه، فلمحها بتلك الحالة، تشبه غزالة مذعورة وسط غابة من الذئاب.
لكنها اختفت من أمامه كطيفٍ خاطف… نزل مسرعًا ملهوفا خلفها يبحث عنها.
كانت تعدو باتجاه النيل، واندفعت كالرمح، تعدو دون حذاء، حافية كأنها تُعلن تخلّيها عن كل شيء…
خلعت الباروكة، رمتها بعنف، واندفعت تسرع، وشعرها يتساقط على وجهها كشلالات من الذكريات.
أما هو، فقد ركب العربة واندفع يبحث عنها، يطارد ظلّها كمن يبحث عن روحه التائهة.
لمحها تعدو… أوقف العربة، وذهب إليها مسرعًا، فوجدها تتهالك على أحد المقاعد، تنهج بشدة، منهكة، جسدها ينهار كأنما فقد كل قواه.
اقترب منها بلين، وضع يده على كتفها، وهمس بخوفٍ يكاد يُسمع من رجفة صوته:
“مهره… إنتِ كويسة؟”
تجمّدت هي، واستدارت كأنها اصطدمت بالماضي، لم تكن تتمنى في ذلك الوقت أن تراه، فهي عارية من قوتها، منهارة كأنها مدينة بعد زلزال اجهز علي مافيها .
اقترب منها، ومسكها، فهبت صارخة، كأنها تنزف من روحها:
“ابعد عني بقه! ابعدوا! إنتو إيه؟ عايزين مننا إيه؟ تموتونا؟ ما إحنا ميّتين يا أخي!
إحنا متنا… بقينا جثث بتتنفّس! بتخططوا لإيه؟
ابعدوا بقه! ابعدوا!”

ودفعته بعنف، واندفعت تعدو، ولكن خطواتها خانتها، فسقطت مغشيًا عليها، كدمية أنهكها من يتلاعب بها .
اندفع، وحملها على الفور، قلبه يسبق خطواته، أخذها إلى العربة، وذهب بها إلى إحدى استراحاته، بعيدًا عن أعين العالم.
وضعها على الفراش، وجلس يتأملها، يحاول أن يفهم ما بها، لكن الألم لا يُفسَّر. جلس بجوارهاابتسم بحنان مد يده واخرج دبله براقه ومسك يدها قبلها ووضعها بها احس برجفه داخله ..نشوة امتلاك غير عاديه …همس” دي بدايه بس .”
بدأت هي تفيق، فتحت عيونها، وجدته ينظر إليها، فهبت تنظر حولها، وصرخت بكل ما في صدرها من صدمة:
“إنت جايبني فين؟! إنت إزاي تجيبني هنا وتنيمني على سريرك؟!”
تنهد، وردّ بسخرية لاذعة تُخفي ارتباكه:
“يعني كنت نايم جنبك؟! ما تهدي، بيكي إيه؟”
صرخت:
“ما بيش! ما بيش!”
واندفعت تخرج، ذهب وراءها، يحاول أن يهدأها، لكنّها كانت كريحٍ هائجة لا يُهدئها شيء.
كان قد قفل الباب خوفا عليها ، ظلت تصرخ وتكسر:
“خرجني من هنا! مش عايزة أشوف وشك! مش عايزة بقه يا أخي! مش قادرة!”.
هدر بجمود …،،مش هتخرجي ..حالتك صعبه اهدي ،،
اهتاجت وبدات تكسر ما حوله صارخه وهو يتاملها بجمود يتركهاتفرغ ما بداخلها.
إلى أن توقفت فجأة… رأت أسفل المنضدة ذلك الحذاء، حذاؤها، الذي كانت ترتديه مع الفستان.
اقتربت منه، نزلت على الأرض تمسكه، وهو ينظر إليها وقلبه يخفق كمن سقط من هاوية.شدت الحذاء بعنف حذاء السندريلا .،ولكنه حذاء اسود بطعم المرار ..مرار المهره .
بدأت تصرخ وتضرب الحذاء بعنف:

“ده يُترَمي! ده يُترَمي! سايبه معاك ليه؟! ده مالوَشْ مكان…”
بهت من حالتها اندفع واحتضنها، يحتضن الحطام يلملم اشلاؤه:
“اهدي… اهدي…”
بدأت تتهاوى بين يديه، أخذها وأجلسها، مرت اللحظات كأنها دهور، وهي منهكة، متعبة، ضائعة…
جلست ساهمة، وبدأت دموعها تنهمر، كأنها تطفئ نارًا أشعلها العمر كله.
تمتمت بمرارة:
“بكره تعرف إن ده مش ليا… بكره تعرف إن مهره… مالهاش ده، مالهاش…”
تنهد ومسكها بلين .،،”اهدي والله خلاص تعالي بس اهدي اكده ..مسكها وذهب بها للحمام يرطب وجهها بحنان يعاملها كاميره برقه غير معهوده منه “.انتهي واخذها جلست لفتره تركن علي الكنبه .وهو بجوارها لا ينطق ولكن حضوره طاغ عليها يوجعها .
قامت مرة واحدة، فتأرجحت كأنها ورقة تسقط من شجرة يابسة.
شدّها، وأخذها بأحضانه، اندفع يحيطها كمن يحاول أن يُلملم انكسارها،
فانهارت، وركنت على صدره، ظلت تبكي بصمتٍ موجع،
رفعت يدها، تتمنى أن تحاوطه، أن تحتفظ به للحظة…
كانت تعلم أن هذا آخر قرب، نهاية لنبضٍ لن يعود، نهاية لحبٍ وُلد واندفن في اللحظة ذاتها.نهايه دنيا حلمت ان تعيش فيها .
ركنت على صدر “الأسمر”، الذي بعد أن تختفي، سيتحوّل إلى نار تحرقهم.
ذلك الصدر الذي يضمّها الآن، سيصبح جمرًا تنتظر لسعته.
ظلت هكذا لفترة، عقلها يصمت، تودّع دنيا تمنّتها،
تودّع صدرًا لن يحتضنها بعد اليوم…ولكن صدرا سيمتليء غلا قادما كهشيم نار مستعر .
ضغطت برأسها على صدره وغرزت باظافرها تقام شهقاتها ، فحاوطها بشدة، وكأنّه يحاول أن يحتفظ بها داخله.شعر أن بها شيئًا كبيرًا، جرحًا أعمق من أن يُقال،لم يستطع أن ينطق، فالكلمات تاهت في حضرة ذلك الوجع.

مرّ الوقت، تشدّدت هي، قامت، وقفت تنظر بعيدًا، لا تقوى أن تنظر إليه.
قالت بهدوء موجع:
“أنا آسفة…”قطب جبينه، تنهدت:”تعبتك… عن إذنك…”
اندفع نحوها، لكنها رفعت يدها، تمنعه برجاء مهزوز :
“أرجوك، بجد… فعلاً مش قادرة، عايزة أبقى لوحدي.”
تنهد بوجع يكسر القلوب:
“مهره… إنتِ عمرك ما هتبقي لوحدك، خلاص. انت ماتعرفيش حاجه.انت اتربطي بيا عمرك اي حاجه بينا هتروح ”
أحنت رأسها بوجعٍ لا يُحتمل، تمتمت بنبرات تعلن انتهاء قصتها :”بكره تعرف… وتفهم رغبتي، يا أسمر بيه.بكره هيبقي فيه سور.. جبل ..سد منيع ساعتها مش هتقول كده ”
واستدارت في سُكات، وخرجت من الباب.
شدت الباب برفق تمنّت لو تضع ألف باب بينهم…
لعلها تخرس قلبها، بين ضلوعها، …خرجت “مهره” من الباب، ببطءٍ يكاد يكون وقوفًا.كأنها مكبله نفسها بحجاره ، وكأن كل خُطوة كانت معركة عاتيه… معركتها مع نفسها تتنصل من حلمها .
صوت الباب خلفها يُغلق،فارتعشت كتفيها دون أن تلتفت…
كأنها سمعت صوت قلبها بيتهشم من داخلها ،
الهواء بارد حولها اهو احساسها ام ماذا …. زحف البرود لداخلها . وجع في نظرتها، وانكسار في هيئتها.
همس داخلي انين حارق – بصوت المهره:
“أنا خرجت…بس قلبي لسه جوّا، محبوس…أنا مشيت، بس رجليّ بتسحبني للورا،كأن الوجع لسه ماسكني من ضهري…كأني لابسة حزن مش عايز يقلعني.”مش مسموح اتلفت تاني وارجع خلاص…

همت ان تسير احست بانين تراجعت خطوه ولمست الباب بضهرها لاخر مره… ثم شدت جسدها ورفعت هامتها واكملت طريقها ..طريق الذئاب .
نزلت هائمه ظلت تسير في الضلمه لا تعرف اهي ضلمه حياتها ام قلبها .وقفت تحت عمود نور، ضوءه خافت، يشبه روحها…
رفعت وشها للسماء، لكن السما كانت كاحله،كايامها القادمه.
مدّت يدها للفراغ،
كأنها بتودّع قصتها… قصه ما جاتش، حدّ ما حضنهاش،
حدّ ما وقفش في ضهرها وقت ما وقعت.
“كل حاجه راحت…روحي بردت،أنا مين؟ومين لسه فاضل منّي؟”
نزلت دمعة، سابت أثرها على خدّها، بس هي ما مسحتهاش…
خلّتها تنزل برحتها، يمكن الدمع يقول اللي محبوس جوا معرفش يقوله.
قعدت على طرف الرصيف، خدت نفسها بصعوبه،ضمّت ركبتيها، وسندت راسها، وعيونها ساهمه بالارض كمن تاهت مع نفسها تهذي …
“كان نفسي أعيش… مش أستحمل بس،كان نفسي أتهنّى، مش أعدّ وجعي وبس…أنا ما كنتش عايزه كتير ..كنت عايزه اقل من القليل .بس الظلم بيطلب منّا نضحّي بكتير… أوي.”
لفّت نفسها بذراعيها،مش عشان تدفا…لكن عشان تحسّ إن لسه في حضن، حتى لو حضنها لنفسها.
الصوت يتلاشى على همستها الأخيرة:
“أنا مهره… اللي اتكسرت، ومحدّش لحّقها…
ولا حتى هي لحّقت نفسها.”انا الوحيده طول عمري .انا ..انا …انا اللي اندفنت حيه بختم النار .
لقطة وحيدة، تحت نور ضعيف، في شارع فاضي، والدنيا ساكنة… إلا قلبهايضج بضجيج عاتي .لقطه تلخص مجلدات تلخص ظلم مجسد نهش قلوبهم .
كانت تظن انها بمفردها ولكن لكل مهره حامي فارسها الذي يعلم متي يرحل ومتي يكون في الضهر حتي لو من بعيد …انه الاسمر يقف في الظل يراقب من بعيد وبداخله الف تساؤل .يديه في جيبه يستشعر بعض الدفيء و، لكن قلبه ليس بداخله ..قلبه عند جميلته التي تجلس وحيده شارده في الأرض، اللغز اللي عمره ما فهمه…صفحة فيها ألف كلمة، بس ما فيش كلمة مفهومة.

تنفس ببطء…
لكنه بداخله… غرق عميق .يريد ان يتعلق بمن ملكت قلبه .ولكن هناك سد منيع حولها لا يفهمه .
وبصوت خافت، متكسر:
“هي بتعيط ليه؟وبتوجع كده من إيه؟أنا السبب؟ولا الدنيا هي اللي خدت روحها ودهستها؟دي مهره…القويه بيها ايه .بتبكي… ومش عايزة حد يشوف،بس أنا شايف… وشايف قلبي بيتهزّ قدّام دموعها.”
اقترب خطوة… لكنه تراجع.
كأن قلبه بيقوله “روّح..امشي”، بس روحه مش قادرة تسيبها.
هي موجوعة… من جواها زيي،بس الفرق… إن أنا ساكت، وهي بتنزف بصوت مخنوق.”
يتنفّس بقهر، يشد نفس طويل كأن نفسه الأخير،
يغمض عنيه… ويقول همس:
“أنا مش عارف أرجعها لنفسها…يا تري فيه ايه .بس بعد ده كلو برضه ..انت بتاعتي مهمي بنيتي وعليتي ..
******
…….في قصر ابو الدهب …
الجد جالس على الكرسي الكبير، ضهره متقوّس، ووشه باين عليه الوجع، يده تتحرك ببطء على عصاه، كأنه بيحسب بيها ما بداخله من هم الهم .
دخل شاب غريب، ماحدش يعرفه، ملامحه هادية لكن عينه فيها غرض.
وقف قدّام “جابر”، اللي كان واقف ورا الجد، داير ضهره ومتكبّر كعادته.
قال الشاب بصوت رخيم:
– “رسالة وصلت مخصوص، تتسلم لإيد جابر ابو الدهب … بس الجد لازم يسمعها.”
الجَد ارتعش، بص له بنظرة فيها خوف، كأنه حاسس الرسالة دي هتفتح باب كان مقفول من سنين.

جابر شد الرسالة من يد الشاب، فتحها بإيده بلا مبالاه …لكن الحروف اللي جوّاها ما كانتش حبر… كانت نار تجمد الاوصال .
بدأ يقرأ بصوت مسموع، وبهدوء مرعب:
إلى ابن “أبو الدهب”
اتيتك من بعيييد ..من حيث لا تتوقع، ومن بين الظلال التي
حسبتها صامتة… تصلك كلماتي.من شخص ظننته مات في حفرته لكنه عاد. من شخص اكله الزمن بأكلك له .
جئتك بنصيحة ذئب لعلها تعطيك درسا كضربه تعيدك للوراء : إذا حفرت حفرة لغيرك، فاحفرها عميقة، مظلمة، بلا مخرج…
لأنك إن تركت فيها ثغرة، ولو بحجم زفرة، ونجا منها خصمك…
فلن يُسقطك فيها فقط، بل سيهال عليك ترابها ويدفنك فيها حيا بضحكة المنتصر…
اعتقدت اننا نسينا.. غفلنا عن وجهك القبيح .
تأتي إلينا بالقُبيح تجدنا اقبح ،،نرد عليك بما لا يحتمله قبحك.
تظن أنك تملك الجمال والهيبه ؟ ونحن من يصنع فتنة الجمال في ليل صراع بداناه.
اصبر والصبر حنضل حتي تري ماتفعله ايدينا بالجمال حين يكون بها سلاح الذئاب.
لكن لا عجب… فمن لا يعرف النور، لا يراه حتى لو أحرق عينيه.
اعلم ان الطوفان قادم …نحن نورٌ لمن اهتدي، ونارٌ لمن اعتدي.
الذئاب لا تنام… بل ترصد.
والابتسامات التي تراها حولك…
ليست سلامًا، بل أنيابٌ تُخبّأ خلف الشفاه. اتيناك مبتسمين و لففنا حولك حبال الجحيم.
فلا تخدعك الزينة، والاشكال المستعاره ولا تُسكر قلبك الكلمات الناعمة…
فالسكين دومًا أنعم ملمسًا قبل أن تغرس في ضحيتها.

تعلم الدرس يا ابن أبو الدهب…
الثقة لا تُمنح، بل تُنتزع… ولا تُمنح إلا لمَن نعرف صمته قبل صوته.
أما أنت… فكنتَ عابرًا. وستُعامل كالعابرين.وثقت غصبا بما هم لا اهل ثقه وستكافيء علي ذلك .
انتظر يابن ابو الدهب ..انتظر طوفان هادر سيقضي علي الاخضر واليابس .نعلم ان لا عندك اخضر .و لا تعلم الا لون واحد ..الاسود الذي يشبه سواد قلبك .
اتاك الرد والكف والختم .
أتاك من حيث لا تحتسب ..إنتظر بأعين مفتوحه كديب مغدور …ولكنه غُدر من ديب قُد من نار ..نار خرجت من بين يدك .ولا تظن أني أعود لأحاور….
أنا اعود لأُنهي ما بدأتموه بخسه.، وأُعيد الميزان بدم ما نُسي. إن كنت تظن أن الذئاب تنسى.
فانتظر ستعرف…………. ان الذئب لا يعود الا لينهش قلب من خان القطيع.هذه رساله من دخان فقط.. انتظر قريبا رسالها من نار .نار كهشيم ستثري حولك وتضع ختمها علي يدك .
سلامٌ عليك… إن كنت تعرف للسلام طعماً.
إمضاء:
“ذئب”……………..
يعدّ لك أنيابه. ذئب لم يمت بل تربى في صمت وخذلان …..وعاد ………
” ليعلمكم الصراخ.”””
سكت جابر لحظة بعد ماانتهي من قراءة الرسالة… صمت قاتل ساد القاعة، حتى من صوت عقرب الساعة .
الورقة وقعت من يد جابر،ليست ضعف ولكن لسعا، كأنها تحولت لجمر، صعب يمسكه.
جابر فجأة شد الورقه، كرمشها بعنف، ورماها في الأرض وصرخ بعلو صوته …….:
صوت الاهي نصوت عليك يا بعيد ..رساله عظمه يا ديمو …بحبه الواد ده ….

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية عودة الذئاب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock