رواية عودة الذئاب الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم ميفو السلطان
رواية عودة الذئاب البارت الخامس والعشرون
رواية عودة الذئاب الجزء الخامس والعشرون

رواية عودة الذئاب الحلقة الخامسة والعشرون
ما إن لفظت “وجد” ما قالت… حتى تجمّد في مكانه، وشعر بقلبه ينشطر نصفين، كأن الزمن توقف داخله، وانكمش الكون فجأة في صدره.
اقتربت منه بلين، وهمست بصوتٍ مرتعش:
– بلاش تبقى زيهم، وتجوز أختك غصب عنها يا نديم… ما تعملش زي أبويا!
ابتعد بخطوة مفاجئة، كأنها مسّت جرحًا نائمًا في عمقه، ثم وقف يحاول أن يتحكم في أعصابه، يهتف بتلعثم وغضب مكبوت:
– إنتِ… إنتِ أبوكي صاحب شركات! مش محتاج يجوّزك! إنتِ قولتيلي شركة إيه؟!
قالت الكلمة التي شطرت روحه نصفين، وعرّت كل شيء كان يحاول أن ينساه:
– شركة أبو الدهب للاستثمار…وحتى لو مش محتاج، أبويا جاحد… وما بيهموش غير الفلوس و…
كانت تثرثر، بينما هو انسحب من اللحظة، عاد إلى زمنٍ مضى، إلى عمّه، إلى سياط القسوة التي نُقشت على ظهره وذاكرته، عاد إلى ساحة القصر، حين وقف، واستدار، وأقسم على الانتقام.
عاد إلى أول الألم… إلى أول الوجع.
كيف تكون هي؟!
كيف تكون ابنة جابر؟!
كيف تخترق حصنه وتصل إلى عقر داره؟!
جابر أبو الدهب… وَجد جابر أبو الدهب.
وضع يده على الندبة في جسده، فشعر بلسعةٍ سلخت قلبه، رجفته، كأنها نبّشته من تحت جلده.
“وجد أبو الدهب عندي… وجد بنت جابر.”
عقله تصلّب، قلبه تجمّد، وشريط حياته مرّ أمام عينيه، يمحو كل عطف، كل ضعف، كل لحظة كانت فيها روحه لينة.
جاء شيطان الانتقام دفعة واحدة، أزاح ما بالنديم من لينٍ وسماحة، أطلّ عليه ببشاعة، لينخر في رأسه، ينهش، يهمس، يصرخ.
نعم، كان مريضًا… مريضًا بداء الانتقام، مصابًا من فرط الجحود.
وعاد نديم، لكنه لم يعد كما كان… عاد بدائرة انتقام جديدة، انتقام يحمل في قلبه تلك الفتاة….
…….وجد……
وجد جابر أبو الدهب.
__انصرف عقله إلى فكرةٍ واحدة، فانطفأ قلبه الذي خفق ولو للحظة، ولم يكن يُدرك تلك التي تمسّد على يده بحنان، تحاول أن تنتشله من غرقه.
نظر إليها، كانت تمسّه كأنها هدية على طبقٍ من ذهب.
قطّب جبينه، وحدّق في الفراغ…
براء وصل لأختي… طب ودي؟! دي وصلتلي إزاي؟!
يكونش؟!
يكونش ده لعب جابر؟!يكون عارف مخططي وبعت بنته؟!
وهو هيمنعه إيه؟! ده راجل بلا أخلاق، بلا شرف.
ولا تكون صدفة؟! صدفة من دهب؟!
عقله كان يغلي، يفور، يطحن كل شيء، لكن ليس بينه وبين قلبه… فالقلب؟ خُطف، ذهب بعيدًا، اختطفه شيطان الانتقام.
كان ساهماً حين لمحت يديها تمسد عليه من جديد، قالت بصوتٍ مختنق:
– ماتعملش زيهم… أنا لو حصل كده، والله هموت نفسي!
ظلّ ساكنًا، لا ينطق.
أكملت هي، بصوت ينهار في نهاياته:
– نديم، بتفكر في إيه؟!
أنا ماليش حد… أختك ليها سند، ليها اللي يحميها..؟!
حرام تجوّزها، انا ماليش سند زيها ماليش حد …
استدار فجأة، كأن صاعقة ضربته، وهدر بصوتٍ انفجر من صدره:
– مين قال إنك مالكيش حد؟!
قطّبت جبينها، ونظرت إليه بذهول:
– نديم…؟
أكمل بقوّة، بلهيبٍ يتسرّب من عينيه:
– وانتي فاكرة إني هسيبهم ياخدوكي مني؟!
جحظت عيناها، وخفق قلبها بعنف:
– نديم… إنت بتقول إيه؟!
اقترب منها، شدّها إليه، حتى التصقت أنفاسها بصدره:
– إنتِ بتاعتي يا وجد… فاهمة؟!واستحالة أسيبهم يجوزوكي لحد غيري!
شهقت، قلبها كاد ينفجر من الفرح:
– أخيرًا نطق العاشق… نديم!
“إنت… إنت عايز تتجوزني؟ بجد؟!”
ابتسم، وكانت ابتسامته رخوة، لكن نيتها ملساء من الزيف، وقال:
– “هتجوزك بجد…إنتِ بتاعتي يا وجد، ومش هتكوني لحد غيري.”
“عارفة؟! حتى لو السما اطربقت، مش هتكوني إلا ليا!”
ضحكت بسعادة، دموعها تلمع في عينيها، نظرت إليه بنظرة من حلم:
–” أنا مش مصدقة…أنا؟! أنا وجد؟!”
“مش مصدقة إن دنيتي هيبقى فيها فرحة بجد!”اندفعت تحضنه، وكأنها تحتضن الحياة نفسها.
ضمّها بقوة، شدت على جسده، وشهقت بالبكاء:
– كنت خايفة، خايفة أترمي لابن عمي زي ورقة مالهاش تمن!
همس بحزنٍ دفين، لم يجرؤ أن يُظهره:
– إنتي بتعيّطي ليه؟! دي طريقة تستقبلي بيها قربي ليكي؟
رفعت وجهها، عيونها تبرق بدموع تتلألأ في مقلتيها :
– عشان مش مصدقة…
أنا عشت عمري كله خايفة، وعمري ما حلمت أعيش مشاعر…
كل اللي حلمت بيه، إني ألاقي حد يحس بيا.انت مش عارف كان مصيري ايه .. اترمي لواحد جاحد مابيحسش ..كنت خايفه اموت وعمري ماهعيش قصه السندريلا ..اعيش مشاعر ..
عارف يا نديم لما شفتك حسيت انك هتكون نصيبي اه والله ..رفعت عيونها تنظر بداخل عيونه ….. طول عمري احلم بالامير اللي هينجدني من عيلتي ومش هيبقي زيهم.طول عمري بقول انا ماستحقش كده ..جوايا حب كبير ماستحقش ماعيش فرحته .
كنت رايحة للكفن، وإنت رجّعتلي روحي.
خلاص… جيتلي يا نديم، أخيرًا جيت. مش مصدقه انك حسيت بيا قول …قول بجد عايزني انا ..نديم انا ماعشتش قولي .قول لوجد ان ليها قلب وتستحق تفرح .
شدها بعنف خبطت في صدره بقوه ضمها يعتصرها يحاول ان يسكت قلبه ..حاوطها اكثر ولم ينطق كان بداخله مراجل تشتعل كان ينكر وجود مشاعر لها بداخله يميت اي لين سابق .كان داخله بركان يتمزق.يريد أن يصرخ.أن يعترف.أن يقول لها… شيء.لكنه خاف من نفسه.؟
، أفكار تتصارع، صراع بين العشق… والانتقام.
بين النديم… والنديم.
أغمض عينيه، تمسك بها، وجلس.
اقتربت منه، أمسكت وجهه، وهمست برجاء:
– لا لا، بالله عليك… ماتغمّضش!
سيبني أبص في عينيك، أفتكر اللحظة دي، يوم ما ردّيتلي روحي!
جوايا حب كبير، نفسي أعيشه.
قول… قول إنك عايزني بجد،
قول إنك هتاخدني منهم، وإنك مش هتبقى زيهم!
انسَ انتقامك، وعيشني…
ضغط عليها باحضانه لعل ما بداخله يصمت …قال في داخله، بصوت لا يُسمع:
“اهدَ يا نديم… إنت اتجننت، ولا هتتجن.
إنت نديم اللي قلبه حجر…
دي فرصتك.
آه، إنت مالكش في المشاعر… بس خلاص.
كان يبرر لنفسه انه ليس له في المشاعر حتي لو تغير قليلا بقربها ليعود ذلك الجاحد الذي بلا قلب . نديم عامر ابو الدهب اتاه حقه علي طبق من دهب. ابنه العدو الذي عاش عمره يحلم بأن ياخذ حقه منه. ابنه من سهر سنين يخطط كيف يخلع قلبه في احضانه. رجف قلبه استحوزت فكره الانتقام علي عقله …
وهنا…
قالها، بصوتٍ اندفع من صدره كرصاصة:
– وجد… أنا مش هسيبها للظروف
إحنا هنتجوز حالا..
شهقت، اتسعت عيناها بخوف، وصوتها خرج مرتجفًا:
– إنت بتقول إيه؟! إنت… إنت عايز أهلي يموتوني؟!
قال بهدوءٍ قاتل، يبتسم ابتسامة خفيفة كمن يُخفي خنجرًا خلف ظهره:
– وهيعرفوا منين؟
أنا هضمن إنك مراتي… لحد ما أجي لأهلك وأطلبك رسمي.
نظرت إليه بارتباك، وخوفٌ لم ينجح في خنقه تسرّب من بين كلماتها:
– بابا مش هيوافق… أنا خايفة، هيقول ما نديهاش للغريب.
ضحك بسخريةٍ ناعمة، وشدها إليه باندفاع مفاجئ:
– أنا مش غريب…
إنتي هتبقي مراتي، وهما قدّام الأمر الواقع، واستحالة أسيبهم ياخدوكي مني.قومي! هنتجوز دلوقتي!
شهقت من شدّة المفاجأة، وقالت بتوتر:
– إنت… إنت اتجننت؟!
احتضنها، نظر إلى عينيها نظرة حبٍ مزجها بسمّ، ثم همس كمن يعلن سطوته:
– بتحبيني؟ ولا لأ؟
لمعت عيناها بالعشق، صوتها خرج كأنها تعترف أمام ربها:
– من أول ما شُفتك… آه، بحبك يا نديم والله .
تنهد وكأنه أخذ قرارًا لا عودة فيه، ثم همس:
– خلاص… هنكتب دلوقتي.
خافت، وترددت، فابتسم بمكر خفيف، وقال بهدوء مشبع بالدهاء:
– هكتبلك شركة الديب قبل كتب الكتاب… وهجهّز الورق.
شهقت، نظرت إليه بذهول:
– إيه؟! بتقول إيه؟! تكتبلي شركتك؟!
اقترب منها، داعب وجهها بخفة، وقال بصوت ناعم:
– عشان تطمنيلي…
تنهدت، وصوتها خرج حزينًا، كأنها عاتبة على قدرها الجميل:
– إخص عليك… اطمّن إيه؟! ده أنا أسلملك روحي!
نديم… أنا حاسة إني طايرة في السما، بجد بتحبني؟ وهتحميني منهم؟
نظر إليها، عينيه حملت ألف زمن من الصراع، ألف جرح لم يندمل.
شدها إليه أكثر، وسهمت عيناه في ماضٍ موجع، وفي حاضرٍ أشدّ وجعًا، ليتوحّش نظره فجأة، وهو يهمس للمستقبل الذي لا يعرفه:
– هحميكي…وهتشوفي نديم هيعمل إيه.
قومي بقى… لازم نتحرّك.
قام سريعًا، هاتف المحامي، أعدّ الأوراق.
كانت تجلس أمامه، خائفة، مرتعشة، قلبها بين ضلوعها لا يهدأ.
نظرَت في الأوراق، فارتجف قلبها، إذ وجدت عقدًا ابتدائيًا ببيع شركته لها.
نظرت إليه بذهول:
– نديم! إنت بجد هترمي شركتك كده؟!
إنت مجنون؟
أمسك يدها، ابتسم وهو يقول:
– شركتي؟!
ده كلي ومالي تحت رجلك… عشان تصدقي إني مش هأذيكي.
ضحكت، دموع الفرح في عينيها:
– إنت عبيط… ده أنا أديك روحي!
بس… بس بلاش الشركة، أرجوك!
قال وهو يبتسم بثقة:
– ده مهرِك!هاخدك ببلاش يعني؟!
ولازم أبوكي يفرح… إنك جبتي راجل عنده كل حاجة، وادّاكي كل حاجة.
ابتسمت بامتنانٍ وحب، ثم وقّعت على الورق، وابتسمت في وجهه كمن سلّم قلبه، دون قيد أو شرط.
مدّ لها ورقة أخرى…
ورقة الزواج.
تنهدت، مدت يدها ووقّعت، حضر الشهود، وقعوا، مر وقت لتتفاجا بدخول احد الشيوخ تم استدعاؤه.
قطبت جبينها، وسألته:
– إيه ده يا نديم؟ مش إحنا كتبنا عرفي؟!
فيه إيه؟
قال بهدوءٍ مطمئن:
– ماتقلقيش… أنا باخد كل الاحتياطات.
مش هسيب حاجة للظروف.الأول عرفي، وبعدها رسمي…
افرضي كتبوا عليكي، وقالوا ده عرفي ومالهوش لازمة؟!
قالت مترددة:
– أنا مش فاهمة حاجة…
ضحك وقال بثقة:
– طب إنتي مش واثقة فيا؟
أجابت دون تفكير، بسرعة القلب لا العقل:
– خالص! والله واثقة، واثقة يا قلب وجد!
أمشي وراك وأنا مغمّضة!
ابتسم، ومسح على خدها:
– أهو كده…امشي ورايا وانتي مغمّضة، وهتعيشي سعيدة.
وبكرة أعلنها… شركة الديب ليكي، وأسجلها باسمك.
قالت برجاء:
– نديم، بطل كده، بالله عليك.أنا مضيت… ومش عايزة حاجة.اوعي تعمل كده.
قال بحزم وابتسامة حنونة:
– لا!
مرات نديم الديب لازم تكون قبله… تملك كل حاجة.
عشان أبوها يفتخر بجوزها. شركه الديب ملكك تعملي مابدالك تحاسبي تتحاسبي كله ليكي ولابوكي .
نظرت إليه بعين عاشقة، ما صدّقتش لسه، وهمست:
– طب… هنعمل إيه دلوقتي؟
جلس، وسحبها على قدمه، ثم همس بخفة: الايه دي انا هعملها انت هتروحي وماتجيبيش سيره لحد ما اجي لابوكي.واحنا شركا اصلا اكيد هيوافق.
قالت بلهفه ….هيوافق لان كل همه الشركات انما انا لا ..،بس مهمه عندك انت يا قلب وجد مش كده..
اغلق عينيه يهرب من عشقها احتضنها بقوه اقتربت وقبلت خده احس بنغزه في صدره فهو يريدها بشده …هب مسرعا ..
همست برهبه …ايه فيه ايه .
شدها وقال – إحنا؟
إحنا هناخد بعض، ونقضي يومين مع بعض… أنا وانتي، وبس.
شهقت، وضحكت بخجل… انت اتجننت خلاص…شدها اليه بقوه…. بيكي..
نطقها نديم كأنها اعتراف أخير، كأن كل جدار داخله اتكسر دفعة واحدة.
، عيناه ممتلئتان بتوسُّل خفي:
– “إنتِ هتسافري؟ وأنا مش هقدر أتحمل بعدك يا وجد… عايزك جنبي. يومين… يومين أعيش فيهم بني آدم بيحس، مش حجر.”
كان بيهرب، أيوه بيهرب.
مش من انتقامه، ولا من الناس…
كان بيهرب من نديم اللي جواه، نديم اللي قلبه اتعجن بالقهر وانتفخ بالحقد.كان عايز ينسى…ينسى اللي مات، واللي خان، واللي وجع.ينسى خطط السنين اللي سكنت صدره بدل القلب.عايز يحس انه عايش وبعدين يسلم روحه بس قبل مايسلمها ياخد نفس سعاده في دنيته .
ابتسمت وجد، نظرة عينيها كان فيها عشق موجع …
أحنت راسها بخجل أنثى أول مرة تتشاف بجد.
شدها أكتر، قرب منها وكأنها الملاذ:
– “اليومين دول… هنسي إني نديم اللي جواه كل حاجة قاسية… وهعيش معاكي وبس. عهد عليا ان انا وانت هنسافر اتنين تانين ..نديم اللي نديم يعرفه هيموت هناك وهيبقالك نديم تاني .نديم عايزك وهيتجنن عليكي ”
نظرت له، والدموع بتترقرق في عينيها فرح وخوف:
– “هتبقى أميري… نديم اللي خطف قلبي من غير ما يدري.”
حاوطها وعيونه ساهمه لا تري الا جابر وجلدات جابر ….اليومين دول بس هبقي اميرك ومافيش غيري اميرك ”
********
دخل أسمر إلى المجلس بخطواتٍ غاضبة، فكان عمه جابر كعادته واقفًا كمن اشتعل الغضب في صدره، يهتز صوته بحنق ومرارة، بينما كان الجد يجلس في صمت ثقيل، كأن الحزن قد نحت على ملامحه أثر السنين.
هبّ جابر واقفًا يهتف بعنف:
ـ هتفضل جاعد اكده؟ وعمك بيتمجلتو عليه في كل حتة؟هتسيبني أغلي من جوّاي؟!
خلاص… الهيبة راحت…عيلة أبو الدهب بقت بتتهدد رسمي!
رفع أسمر عينيه نحوه، نظراته تتقد بنار لم تطفأ:
ـ ومين جالّك إني ساكت يا عمّي؟هو حد جالك إن أسمر جليل والا عويل؟
مايعرفش يحامي عن عيلته؟!
صرخ جابر، وصوته يجلجل في المجلس:
ـ أمال ماجبتوش ليه متربّط تحت رجلي؟
ولا خلاص؟ شكلك نخيت… ومابقيتش فاضي إلا تلف ورا النسوان!
انفجر أسمر كبركانٍ ظلّ مكتومًا، فهب واقفًا، صوته كالرعد، يخترق جدران المجلس:
ـ عمي! احفظ كلامك…واجف مكانك واعرف بتكلم مين. ماتخلنيش أجلب الجلبة السوده. أسمر… ماحدش يكلمه كده!
ارتبك جابر للحظة، ابتلع ريقه،فهو يخشاه بشده.. تراجع بنصف خطوة:
ـ إني… إني ماجصدتش. بس الناس بتتكلم… وبيجولوا أسمر بقى مسخرة،والعالم بتهزأ فينا!
اقترب أسمر، وعيناه تقذفان شررًا:
ـ لو الكلام ده اتجال من حد تاني
كنت دفنته مطرحه. أني مش ساكت، وهجيبلك اللي عمل ده متربط كيف ما جولت. أسمر أبو الدهب… اللي يقرب من عيلته، يمحيه
يمحيه مهما كان!
قهقه جابر بسخرية:
ـ آه؟ هتمحيه؟ أما نشوف يا فالح!
هنا، تدخل الجد أخيرًا، صوته كان هادئًا… لكنه كالسيف:
ـ هو انت مابتعرفش تجعد إلا لما تجومها حريجة؟انت إيه؟ شر فيك الشر كله؟
صرخ جابر، والغضب ينهش صدره:
ـ بجولك خليني ساكت!أني حاسس… إنك بتخطط لحاجة من ورا ضهري. ولو اللي في بالي طلع صح…هتخليني شيطان عالكل!
أجابه الجد بنبرة باردة كالجليد:
ـ أخليك شيطان؟ أمال إنت إيه؟أعوذ بالله منك!
صرخ جابر، يمدّ ذراعيه في الهواء:
ـ انت بتحرك من ورايا وحاسس …
والمحامي دايمًا معاك… ليه؟ ليه يا بوي؟
جول… انطج!
تحرّك أسمر بخطواتٍ غاضبة، وتوقف بينهما:
ـ كلم جدي كويس يا عمي. ما تسمحش لنفسك تتجاوز. جدي ليه احترامه
وبلاش تحاسبه وكأنك بتحاكمه!
صرخ جابر، كأن كل ما في صدره انفجر دفعةً واحدة:
ـ أحاسبه؟ أمال أحاسب مين؟اسمع يا أسمر…
العيلة في خطر…وأنا حاسس بمصيبة جاية
ماعرفش إيه هي…بس هو! هو حاسس ومخبّي!
نظر أسمر إلى جده… كان الجد قد أحنى رأسه، كأن فوقه جبلاً من الهمّ.
تنهد أسمر وقال:
ـ جدي هيخبّي إيه؟جدي عمره ما يسمح بحد يأذينا مهما كان.
رفع الجد رأسه ببطء، ونظر إلى حفيده بعينٍ تعرفه جيدًا:
ـ هو يا أسمر…لو حد أذاك يا ولدي، وغصب عنه…وكان غلبان وموجوع…هتسامح؟
هتسامح لو الإذية دي طالتك إنت وعيلتك؟
صرخ جابر، وكأنه وجد ضالته:
ـ اتفضل! اهوه!أني جولتلك… فيه مصيبة!
إيه؟ مين هيدينا كف يا ابوي وتتبسط انت؟
وتبقى عايز أسمر يوافج؟
ـ (يقترب من أسمر ويهتف بتهكم)
ـ هتاخد على وشّك، وتروح لجدك تجول له “مسامح”؟!
نظر إليه أسمر بنظرة قاتلة:
ـ يا عمّي، عيب اكده. ماتجومنيش بكف ولا طين. هو حد يطدر يقرب مني؟ده أني اسمر … أدفنه مطرحه!
زفر الجد من الوجع، ثم قال بصوت منخفض:
ـ حتى لو غصب عنه… يا ولدي؟
هدر أسمر، جسده يتفجر غضبًا:
ـ الغصب؟اللي يغلط فـ عيلتي، يتحمل عواجبها، حتى لو مجروح اللي يهدّ عمود البيت… يندفن،هو وصنفه!
أغمض الجد عينيه كأن قلبه انكسر:
ـ “هو وصنفه”؟…على جُولك… يلا
خليها تطربق ع الكل! كله من عمايل السُوّ ده…
صرخ جابر، وكأن النار شبت في قلبه:
ـ بتدخلني ليه؟!أنا مالي؟مافيش عدوات بيني وبين حد!
وقف الجد ببطء، ونظر إليه نظرة اشمئزاز:
ـ مافيش عدوات؟ده انت العدوات نفسها!
ما بتعملش غيرها…واحنا اللي نشيل الحزن وراك.. أجول إيه؟ حسبي الله!
(ثم غادر المجلس)
سكت أسمر لحظة ثم قال:
ـ انت عملت فيه إيه؟ماله جدي… مجهور كده ليه؟
صرخ جابر، وكأنه يحاول التبرير بالصوت لا بالحجة:
ـ أعمل إيه؟!سيبه… خلاص، عجلة اتلحّست
على ولاد الحرامي والغازية! اسكت! بل حزن.
تنهد أسمر،:
ـ يا عمي…جصة واتجفلت. انت مابتصدّج تمسك صاجات!هو راح لحاله…الله يسامحه!
لكن جابر انفجر كالقنبلة:
ـ يسامحه؟!عمك فضحنا وسط الخلج!جاب غزية يتجوزها.. وسرج دهبات أمّك ومرتي
كان بيصرف عليها في الموالد!
اشتعل وجه أسمر، وقال:
ـ يا عمّي…أني مابحبش السيرة دي
جفلها بقى…ما ناجصش جرف، اتجرسنا زمان وخلاص!
لكن جابر لم يسكت، فتابع وهو ينهش في الماضي:
ـ زمانها رجعت ترجص…ولا علمت بناتها الرجص. وعمك بيطبل لهم.. هيكونوا إيه يعني؟أحفاد أبو الدهب رجاصين؟جايز الواد طلع هجام ولا جتّال! ولا همك اللي في وشك البت الفاجره إللي ضربتني تلاجيها رجاصه والواد هجام ببسرجو من خلج الله
منك لله يا عامر!
صرخ أسمر، وانفجر غاضبًا:
ـ كفاية بقى!من السيرة الحزن دي! إنت إيه جولت مابطيجش الطين ده.. الله!
(واندفع خارجًا، لا يريد أن يسمع أكثر فابيه وعمه كانو قد اوغرو صدره من.ناحيه عمه وزوجته ..)
خرج أسمر من المجلس، والخطى تسبق أنفاسه، تجلجل بداخله أصوات لم يستطع إسكاتها، كأنها أشباح الماضي تنهشه من الداخل…)
أسمر (بينه وبين نفسه):
“هيفضلوا اكده يرموا الطين على عيلتي،
واللي مات مابيتنسيش… جدي ساكت… وعمي بيزود النار.أني واجف في النص،شايل عيلة، وشايل وجع، وشايل سكوت مايتحملش. بطفي في جرس وفضائح وبس.
عايش أحاسب ع اللي راح واعدل الماليه ؟
والطين ده راخر إللي بيهدد.. جه لأجله.. توحشت عيناه …
بس لاه….
اللي يقرب من عيلة أبو الدهب… يندفن.
أنا الأسمر…
اللي لو نطط، الأرض تتهز،واللي لو غضب…مايعاودش الا و الجرح ينزف دم.. وادعسه برجلي .”
شد قبضته… كأن الهدوء لا يليق به، ويمضي في طريقه، لا يعلم إلى أين، لكنه يعلم أن اللعبة… ما خلصتش…
يا خوفي منك يادي الجدع … والواد اللي فوق خد البت علي فين دا مرار راكب جرار …والطراحه وحبيبتي شايله الطراحه ..حسره عليها يا حسره عليها….
منكو لله رجاله بقه 🤣🤣🤣🤣نكمل بجيت الحزن بكره .ماتنسوش تدعو علي جابر ..
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية عودة الذئاب)