روايات

رواية عودة الذئاب الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم ميفو السلطان

رواية عودة الذئاب الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم ميفو السلطان

رواية عودة الذئاب البارت الرابع والعشرون

رواية عودة الذئاب الجزء الرابع والعشرون

عودة الذئاب
عودة الذئاب

رواية عودة الذئاب الحلقة الرابعة والعشرون

هاج جابر ووقف يصرخ ….مين الكلب اللي يتجرأ يبعتلي تهديد في بيت أبو الدهب؟!مين اللي فاكر نفسه دكر عليا ؟!!ده يدخل بيتنا زي الحرامي ويبعت ورج؟! أنا هشرب من دمه!! سكت كتير وجولت عيل صايع فاقد انما اكده عيني عينه وبيشتم ويجلةادبه ..مين ده احنا مابيناش عداوه مع حد ”
إيده ضربت على سطح المكتب بقوة، كسر احد الأكواب البلوريه، وتناثر الزجاج على الأرض، كأن المشهد يعلن بداية عاصفة هوجاء.
الجد كان جالسا، ملامحه جامدة… لكن صوته الداخلي كان بيصرخ.
عنّيه دامعه ، بص لفاضي الكرسي المقابل… كأنه شايف حد من زمان.
شايف عامر قاعد بيبص عليه ونظره الاسي تحاوطه …وشايف الذنب اللي عمره ما فارقه.
جابر قرب من الجد، وهدر بفحيح:
– “سُاكت ليه؟!ده فاكر نفسه مين؟
بيتكلم كإنه يعرفنا… وبيقول حاجات عن التراب والحفر والدفن!!”
الجد عض شفايفه، وشال عينه من على الأرض بالعافية…
صوته كان مبحوح، مرتجف:
– “يا جابر… الله اعلم باللي جاي.”
جابر صرخ:
– “لا، ماهسيبهاش اكده للظروف واسكت ..
أنا عايز أعرف إيه اللي بيحصل؟
الجد سكت، بس قلبه ما سكتش.
كل نبضة فيه كانت بتفكره بولده “عامر”، اللي اندفن مقهور،
وبابنه الطفل… اللي عيونه شافت أكتر من اللازم. الطفله اللي الحرق معلم في قلبها قبل جلدها
دمعة سقطت من عين الجد، لكنه مسحها سريعا…
قال بصوت واطي، مكسور:
– “شكله جاي نار وطوفان.”
جابر اتجنن:
– “مين ؟نار ايه من مين ؟!أنا ابن أبو الدهب!مفيش حد يهددني واسيبه يعيش!!أنا هعرف مين ده… وهخلي اسمه لعنة يتحكي بيها للخراب!”
لكن الجد بص له نظرة فيها كل الحزن، كل الندم، وقال بكلمة واحدة:

– “ما تلعبش مع الديابه ..بكفياك بقه اسكت وخلينا ندعي الله يجيب العواقب سليمه … .”
جابر وقّف… اتجمد.
لأول مرة حس إن جواه حاجة اتكسرت… مش من الخوف،
لكن من إن اللي قدامه… عارف، ومش ناوي يحكي.
جابر عض شفته، وكتم الغضب ف صدره، لكن عينه ما خدتش من الرسالة إلا سطر واحد…
“الذئب راجع.”
ساب الورقة على المكتب، وطلع من الغرفة بخطى بطيئة، لكن كل خطوة فيها وعيد.
خرج من الغرفة، صرخ بأمر:
– “هاتولي كل الرجالة… الليلة دي مش هتعدي… إلا و’ نعرفه ونعرف مكانه… ونعرف ازاي ندفنه من جديد!”
اتكئ الجد على عصاه، وبص على باب القاعة، وهمس لنفسه:
– “ماحدش يقدر يدفن الديب مرتين… إلا لو كان غبي وعويل كيف مانت دايما .”
دخل مأمون، صديق الجد، عليه متعجبًا:
— “إيه يا عمران ايه الهيصه دي وجابر مجومها حريجه ؟ وبعدين ليك كام يوم مع المحامي ومش عايز تعرّفني؟ فيه إيه؟!”
تنهد الجد بحزن عميق، كأن الأيام كلها جثمت على صدره:
— “أعرّفك؟ دا اللي عرفته يشيب يا مأمون… دا جاي طوفان، طوفان ما حدش هيجدر عليه.
إني عايش رُعب، رُعب ما حدش حاسس بيه غيري.”
هتف مأمون، وصوته يتسلل فيه القلق:
— “فيه إيه طيب؟!”
صرخ الجد، وقد خرج الصوت من أعماق قلبه المشتعل:

— “فيه إيه؟! فيه طين! فيه ربنا هيحدف على عيلة أبو الدهب مَرار ودمار!
فيه ولاد عم هينهشّوا في بعض… وكل واحد، اللي يِجطع وينسِل، يلحَج ويطول!
فيه … فيه ناس مالهاش ذنب، هتدفع تمن ذنب الفاجر.
فيه رد حُجوج، وفيه جصاص من الظالم…
بس الخوف، كل الخوف، ليكون الجصاص دم، يا مأمون… دم!”
بهت مأمون، وقال بذهول:
— “دم؟! دم إيه دا؟!”
نزلت دموع عمران، ثقيلة، كأنها تسيل من جرح مفتوح لا يندمل:
— “دم الغالي… اللي عايز ياخد دم الرخيص.
دم نسل أبو الدهب… اللي هيتوه في بعضه.
جالك الجَهَر بالكوم، يا عمران!”
هنا نظر مأمون إليه بقلق، وقال مستغربًا:
— “انت عرفت حاجه، يا عمران، ومخبّيها عليّا؟!”
قال عمران بوجع، كأن الحروف تُقطّع روحه:
— “عرفت… آه، عرفت! عرفت إن فيه حاجه واعرة جاية…
بس إيه؟ ماخابرش. لاح الخراب من الرسايل اللي بتيجي بالكوم.
.. ربنا بعَت كتير، بعَت كتير يا مأمون…هحوشهم عن بعض إزاي؟!.. يا مرارك، يا عمران!الحنضل ملا خاشمك وماعارف تنطُج!
منك لله يا جابر… منك لله!انت السبب… انت السبب!”
وفي لحظة قاتلة…

دخل جابر مره اخري على أبيه، فصرخ بعنف:
— “هو انت؟! مافيش فيك فايده؟!اني في حزن وسواد وتهديد و لِساتك بتِنحّ على الحرامي جوز الغازيّة؟!”
صرخ الأب، تنهشه الحسرة، والخذلان في عينيه:
— “منك لله… منك لله يا ولدي!
انت السبب… ابني كان طيب، وأنا اللي سمعتلك، ووثجت فيك.
انت شر! انت وامك!انتو اللي خططتوا!ماعتش هسكتلك إيه فجرك ده؟ هيسرِج؟ ليه؟ هاه؟ جولي!ابني كان حافظ كتاب ربنا، يا جاحد! انت هتكدب وتصدج كدبتك النجسه.إني كان عَجلي فين؟!ولدي ماعملش حاجه!
حسبي الله ونعم الوكيل.يعاود يعاود ياخد حجه ..”
صرخ جابر، غاضبًا، ممتلئًا بالحقد:
— “بَرْضَك بتعيد وتزيد؟!
طب يا أبوي، عامر حرامي و لو عاوِد… هِجتله!وهِجتِل نسله! فاهم؟!
مش على آخر الزمن حالنا ومالنا يروح لولاد الغازية والحرامي!
اعرف… إني هِجطع خبره ونسله لو ظهروا!”
ثم خرج ورزع الباب، كأن الرعد انفجر في صدر البيت…
وقف عمران، ينظر إليه مذهولًا:
— “لأه يا جابر… مالِك هو اللي هيروح، وبُكره يتاخد جَلبك بسبب اللي انظلم.ربّك هياخد حُجته بمعرفته..دانت جايلك حزن اكوام من يدك .قابل بقه الليى هيجرالك.
وآخرها، أخش أداوي المجروح، ماليش حيل إلا أكده…”
ثم جلس، مُنكسر الظهر، ينتظر المصائب التي يعلم أنها ستحلّ.
*****

كان نديم جالسا والغضب ينهشه…
بيتكلم مع نفسه كإنه بيحاكمها:
“أنا كده خلاص.. أضرب ضربتي وأعلّم عليهم ونخلص.
مش هاسيب تخطيط السنين يروح هدر!
أنا اتوجعت كفاية!”
كان بيلف ف المكان زي التايه، نار جواه مش سايباه يهدى.
دلفت وجد في اللحظه دي …
رأته مشتعِل،انقبض قلبها .. مش نديم اللي تعرفه، ده نديم تاني!
كانت من آخر مرة قررت:
“أنا مش هسيبه، مش هسيب اللي بحبه يضيع مني، حتى لو واجهت نار طبعه وصمته القاسي، هتحمّل… لحد ما يعترف!”
قربت منه وهمست بلين:
– “فيه إيه؟”
ما نطقش.ولا رد عليها..
فمسكت يده، وسحبته برفق على الكنبة.جلست بجواره، تمسد عليه بحنان كأنه طفل موجوع.
همست تاني:
– “فيك إيه؟ مالك عامل كده ليه؟”
رفع عيونه فيها… عيون كانت تلمع مش بالدموع. بالوجع .
قال بصوت مش صوته:
– “حاسس إني هنجّلِط… حاسس إني هموت يا وجد!حاسس كإن فيّ سكاكين بتقطعني من جوه… إن الدنيا اتخلقت بس علشاني أتوجع فيها!

من يوم ما وعيت، وأنا بتغرز، والطعنات في ضهري بتزيد!
أنا هتجنن يا وجد… ليه؟عملت إيه؟!علشان باخد حقي؟ علشان برجع كرامتي؟ليه الغِلّ ده؟أنا عايز أصرخ… أصرخ لحد ما روحي تطلع!”
وفجأة قام وابتدى يكسر كل حاجة حواليه ويصرخ:
– “ليه؟! ليه؟! اتحملت كتير، شايل جبال فوق قلبي…والله يا رب مش قادر!”
اندفعت نحوه ، تحتضنه بكل قوتها:
– “بـطّل… والنبي بطّل!
خلاص يا نديم، إهدا، هيجرالك حاجة!”
احنى برأسه على راسها، كأنه وجد ضهرا يسند عليه،كأنها الحضن الوحيد الباقي له في هذه الدنيا.
جلس متهالك، نَفسه مقطوع،قربت منه، شدّت على إيده، وقالت:
– “نديم… كل حاجة هتتحل.بس بلاش تسلم قلبك للسواد .
أنا معاااك، بطّل كده.”
صرخ بقهر:
– “مفيش حاجة هتتحل!أختي بتحدف عليّا مصايب…كل يوم مصيبة!ده مش بلاء، ده ابتلاء ورا ابتلاء!”
قالت برقة:
– “قول الحمد لله إنك بخير، واللي حواليك بخير.وان فيه ناس بتحبك ”
صرخ:
– “بـحمده، والله بحمده!بس قلبي هينفجر من الوجع .. أنا هموت يا وجد!”
قالت وهي بتمسك قلبها :
– “طب قولي! قول إيه فيه؟”

صرخ وصوته زي الطلقة:
– “اللي فيه…جوايا نار . قررت آخد حقي، وأوجّع قلوبهم، وأعلّم عليهم…اللي خَد حقي، هيتوجع.أنا قلبي ماعادش قلب… بقى نار.
أنا نديم، هرُكّعهم، ومش هرحم حد!”
شهقت وقالت بخوف:
– “لااا! بطل، أنت مش كده!نديم، انت بقيت شبه أبويا وولاد عمي!
والنبي ارجع طيب، وانسى الوجع،ارجع نديم اللي عرفته اللي قلبه بيحس أنا هكون جنبك وهفضل جنبك…”
صرخ بغضب:
– “لأ!نديم اللي جوايا هو اللي هيقف ،هو اللي هياخد حقه بإيده . نديم بنفسه هيقف جنب نفسه!وهيعرف يخلع قلوب اللي كسروا قلبه!”
اتسعت عيونها بالخوف، وقربت ووضعت يدها علي صدره ،
– “لا… انت مش كده.بص جوا نفسك ..انت جواك خير.فيك حنيه وقلب كبير انا شفتهم فيك الانتقام مش دايم القلب لو مات مفيش حاجه ترجعه …بصلي، يا نديم… بصلي!”
أغمض عيونه بعند، كأنه بيهرب من النور اللي فيها.
قالت بقوة:
– “بصلي… بقولك!”
رفع وجهه اليها،
قربت منه، ولمست وشه بحنان، وقالت:
– “أوعي… أوعي يا نديم تتحول لوحش.أنا شفت ناس قلبها ميت…بس انت غير!…الحل في إنك تداوي قلبك، مش تزوّده وجع!”
عينها كانت دامعة، بس حبها طالع منها زي النور.هدأ شوية… قرب منها… يحس إنها نصفه الاخر.
ابتسمت وضمّت يده بين يديها:

– “حاسس بإيه دلوقتي؟أنا جنبك… وهفضل، حتى لو طلبت أبعد.”
تنهد بندم ووجع:
– “عمري ما هطلب منك تبعدي…ولا هقدر أصلاً! انتي بقيتي الحاجة الوحيدة اللي بتخلّي قلبي يدق.”
شدّ على يدها، وقال بهمس:
– “سامعة؟ بيدق… لما بتبعدي … ببقى مش أنا، ببقى وحش!”
ابتسمت ودموعها بتنزل:
– “وأنا عمري ما هسيبك، ولا اقدر ..
لف وشه عنها لحظة، مسك شعره بعصبية، صوته طالع مبحوح من نار قلبه:قرب منها، وعينه فيها وجع مالوش ملامح،كأنه بيقولها “أنا اللي بحبك” من غير ما ينطق.
قال بصوت خفيض:– “انتي بتفهميني؟أنا مشكلتي إنك مش أي حد.إنتي لما بتبعدي، أنا بتهد…ولما بتقربي، بحس إن فيّ حاجة بتتصلّح جوايا كل كسر السنين انت بتتصلحيه .”
قرب أكتر، مسك طرف إيدها بأطراف صوابعه:
– “انتي متعرفيش وجودك بيعمل فيّا إيه.كلامك بيلمّ قلبي، وغيابك بيكسره.وكل مرة بتقولي فيها إنك جنبّي…أنا ببقى واقف عالحافة، وبرجع بسببك.”
رجع خطوة، ووشه متقطع بين الغضب والحيرة:
– “بس أنا ما اقدرش اطلب منك حاجة انا انا ……وضع يده علي قلبه ونظر لها، وبعينه سؤال مش منطوق حبه جواه محبوس ومخنوق .
في اللحظة دي، وجد كانت تنظر له بدموع عينيها،حاسّة بكلامه اللي ما اتقالش،شايفة الحب اللي مستخبي ورا وجعه،بتحس بقلبه وهو بيصرخ من غير ما ينطق كلمة “بحبك”.أفضل الهدايا لأحبائكم
وجد فضلت ساكتة لحظة، ووشها اتغير…دموعها نزلت من غير صوت، كأنها أخيرًا سمعت اللي كانت مستنياه من سنين،مش “بحبك” بالحروف… لكن نبضها عرفها إنها اتقالت بالعيون.
قربت منه، وعيونها في عيونه،وهمست بنبرة هادية لكن وجعها واضح:

– علي فكره انا “شايفاااك من جوا وحاسه بكل حاجه …
من أول يوم شفتك فيه وأنا شايفاك.”
مدت إيدها ومسكت وشه، بصتله نظرة فيها حنية الدنيا وخوف العمر:
– “شايفا وجعك، وشايفا خوفك، بس كمان… شايفا اللي متقالش.شايفا اللي جواك حتى وانت بتخبيه عني.”قربت أكتر، وقالت وهي بتلمس قلبه:
– “لو انت متعود تشيل،أنا جايه أشيل ..”أنا جنبك…
حتى لو ما نطقتش ،أنا حاسه والله حاسه…
في اللحظة دي، نديم يحس إن صموده بيتكسر،وإنه لأول مرة بيخاف مش من الوجع…لكن من الحب اللي ما بقاش يقدر يخبيه.
بص لها، وماتكلمش.…
قال بصوت مش هو… :
– “في جوايا كلام كتير…بس ساكت…مش علشان ماعنديش،لأ…علشان لو قلته، هخسر كل حاجة، ويمكن أخسرك كمان.”
سكت لحظة، وعينه غرقت فيها:
– “انتي متخيّلة؟لما يبقي جواك حاجه عايز تقلها ومش قادر …أيوه، مش قادر أقولها،علشان خايف!”نزلت دمعة، مسحها بسرعة كأنه بيخجل منها:
– “خايف لو طلّعت اللي في قلبي…يضيع في وسط الدم،
يضيع جوّه الانتقام اللي آكلني سنين!”
قرب منها خطوة، وبص لها بعمق:أفضل الهدايا لأحبائكم
– “أنا كل يوم أصحى وأقول:بلاش أحس…أنا طريقي نار، وأنا داخل حرب…وأنتي مافكيش نار،انتي حته هادية من السما.”اتنهد بوجع وقال:
–انا ماشي على دم، واللي ماشي على الدم ماينفعش يحس يبقي ظالم لغيره.”
قرب أكتر، وقال وهمس صادق:
خايف لو طلع…يضيع في السكة،يضيع في صرخة وجع،

ولا في طلقة غدر،ولا في لحظة انتقام تاخدني .”
غمض عينه وقال بألم:
– “أنا مش خايف أحس،أنا خايف أحس… وأخسر اللي بحس معاه .”
فتح عينه عليها، بصوت راجف:
نظرة عيونه بتقول اللي لسانه خاف ينطق بيه:
“أنا بحبك… بس الحرب دي كبيرة، ومفيش فيها مكان لقلوبنا.”
وجد كانت واقفة قدامه، عنيها دامعة… بس المرة دي مش بضعف،
دي دموع وحدة سمعت “أهو بيحبني”، بس اتقالت بين سطور الوجع.
سكتت لحظة… ثم رفعت راسها، وبصتله بثبات:
– “يعني كل اللي جواك… هتدفنه؟كل الوجع اللي قلته ده…
قربت منه، والخوف في صوتها كان بيتحوّل لشجاعة:
– “خايف؟ما أنا كمان بخاف…بس عمري ما هخاف منك!”
لفت حواليه، وبصت له من الجنب:
– “انت شايف إن احساسك لو طلعته ممكن يضيع؟
طيب وإنت بتضيّعه بإيدك مش ده ضياع؟ولا الضياع بس لما تسيب ؟الضياع الحقيقي… إنك تمشي وتقتل احساس غيرك نفسه فيه ،… مستنيك تقول كلمه واحدة، ومابتقولهاش.”
سكتت لحظة، وعنيها فيه نار، نار خفيفة لكنها بتلسع:”بس أنا مش ضعيفة،
نظرت له بقوة، همست بصوت هادي لكنه قاطع:
– “أنا مش هقولك تعمل ايه خلاص…

مش هسهّلها عليك.لو فعلاً فيك إحساس زي ما بتقول،
قول انت.
وابتعدت خطوتين للخلف، ووقفت بثبات،
وقالت وهي بتخفي رجفتها:أنا هنا…لو عايز تقول، قول.
لو عايز تهرب، اهرب.بس وقتها… هيكون فات اوان كل حاجه
اللحظة سكتت…
والدنيا كلها بقت بين كلمته… وسكوته..
وشه مشدود، وعينه بتراقبها وهي واقفة قدامه بكل ثبات.
حاس بيها…شدّ نفسه، كأنه بيحاول يجمع فتافيت رجولته،
بس صوته خرج منه غصب… زي شهقة مكتومة:
– “بتطلبي مني أتكلم…؟
وأنا أصلاً كل يوم بصارع صوتي عشان ماينطقش !”
قرب منها ببطء، وعينه عِند قلبها، مش عند عيونها:
:– “أنا بحاول أخوّفك…
يمكن تبعدي، يمكن أرتاح،بس كل مرة بتخافي عليّا، مش مني…
كل مرة بتبقي سند…وأنا…
بص لها، وصوته اتكسر:
– “أنا مش عارف أحس زي البني آدمين…عارفه يا وجد شجن اختي ..الصغيره اللي بعاملها بقسوه ببقي نفسي اخدها بحضني واسيبها تعيط من وجعها .بقسي عليها مش كره مني لا بقسي عليها عشان تكرهني. عشان عارف اني ممكن اموت في اي لحظه غدر ..تعبو مني وتعبو من كل حاجه اتحطينا فيها ..المفروض ابقي سند وحبيب ليهم مهره قويه او انا خليتها قويه هتتحمل لو جرالي حاجه انما شجن غلبانه اغلب من الغلب ..ماعتش بعرف اتعامل معاها من قسوتي عشان لما اروح يبقي بركه يا جامع ..احساس يموت انك نفسك تحس وتخلي اللي قدامك يحس وخايف .،خايف لما يحس ويحب ويروح منه ينوجع وانا مش عايز اوجع ..كفايه انا ميت كفايه وجعي شايله جبل علي صدري مش عايز حد يحس بيا .

وجد كانت واقفة قدامه، وكل حرف طالع منه زي سهم…
ما قالش “بحبك”،
لكن قلبها سمعها… سمعها في رعشة صوته، في ضيق أنفاسه، في ضياعه ما بينها وبين نفسه.
خطت خطوتين ناحيته… .بصّت له بعيون كلها وجع مدت إيدها… ولمست وشه ببطء،
وبعدين نزلت إيدها على صدره…على قلبه.
ضغطت بإيدها عليه وهمست:
– “أنا حاسة…”
سكتت،
كأنها كانت هتقول الكلمة…
بس بلعتها عمداً.
سابت الكلمة تموت على طرف لسانها، وسابت وجعه يتولّد مكانها.
شدت نفسها فجأة،
وسابت وشه، ولفت ظهرها ليه…
قالت بصوت ناعم بس موجوع:
– “بس مش هفضل واقفة هنا،
مستنياك تختار تحس … ولا تنتقم.”
وقفت لحظة، وقالت وهي لسه مدياله ضهرها:
– “أنا مش هاخد خطوة مكانك كفايه لحد كده ، سكتت… واتنفست ببطء،
وبدل ما تقوله أو تمشي…

عملت حاجة محدش كان متوقعها.
قربت منه ببطء…
وبصت له، وهي بتشد سلسال بسيط حوالين رقبتها،
كان فيه مفتاح صغير دايمًا بتلبسه،
المفتاح اللي كان رمز لسر، لبيت، لأمان.
خلعته… ومدّته له.
إيده تهزّت… ما مدهاش في الأول.
قال بارتباك:
– “إيه ده؟”
قالت بهدوء يخوّف:
– “ده مفتاح نجدتي يا نديم …أمي سابتلي بيت من ورا ابويا عشان عارفه اد ايه هو جاحد واد ايه هو قاسي عليا . دي شقتي يا نديم .عارف فين في اكتر مكان بحبه ..علي النيل في الاقصر ..شقه فيها امان الدنيا لما كنت بنوجع كنت بروحها ماحدش يعرف عنها حاجه خالص ولا يعرف مكانها .فيها امي الوحيده اللي حبتني في الدنيا دي .،روحها جواها يا نديم ..نقت كل حاجه فيها .خدها يا نديم ..انت زيي مابتفرحش ولا عايز تفرح ..خدها
لو جرالي حاجة، إنت الوحيد اللي ليك فيه حق تدخلها.”
اتجمد، حس الأرض بتتهز تحت رجليه.
قال بانفعال:
– “إنتي بتقولي إيه؟ إنتي ازاي تديني حاجه كده .
مدت المفتاح في إيده… وضعته رغما عنه،
وقالت بصوت ناعم زي الحرير… لكنه بيوجع:

– “خده… يمكن تحتاجه، لو في يوم خفت من انتقامك وحبيت تحس ..انا ابويا خلاص هيموتني ويحدفني لاي حد من ولاد عمي ..هعوزها ليه ما خلاص النفس بيروح .صدقني.. لاني مت خلاص هدخلها .خدها جايز تداويك لما تفتكر انها كانت حلم لحد نفسه يعيش .”
سابت المفتاح في إيده وايدها جوه ايده …
نديم وقف،كأنه بيختنق،
كأنه شاف في اللحظة دي احتمال إنه يفقدها…
مش بس كأنثى، كـ”وِجد” اللي مابقاش ينفع يعيش من غيرها
عنيه فضلت معلّقة عليها وهي بتبعد،
كل خطوة بتاخدها كانت بتسرق منه نَفَس،
وكل ثانية ساكت فيها… كان قلبه بيصرخ بصوت محدش سامعه غيره.
نادى عليها فجأة، بصوت مش صوته، صوت قلبه الملهوف:
– “وجد… استني!”
وقفت…
ما استدارتش،
لكن جسمها اهتز من النداء.
قرب منها بسرعة،مسك إيدها من غير ما يفكر،
ولأول مرة… صوته كان راجف، مش غضبان،
حنين… ومكسور.
سحبها ناحيته، وشدّها لحد ما وشها بقى قدّام وشه،
وقال :

– “المفتاح ده؟…أنا هحطه على قلبي،لأن اللي جوّه هنا…هيجي في يوم يفرح بمفتاحك ويفرحك .”
**حط المفتاح على صدره،
وقال بصوت يشق صدره :
إوعي تكرريها…
إوعي تخليني أحس اني ميت تاني ببعادك ..اقترب منها وعشقه لاح في عينيه .. أنفاس ثقيلة وقلوب بتدق على مهل،
وللحظة… حسّوا إن الدنيا ممكن تقف،
إن مافيش حاجة تقدر تهدّ اللي بينهم تاني.
لكن…
رنّ تليفون نديم.
ما كانش ناوي يرد،
بس النغمة دي…
نغمة الخطر.
بصّ في الشاشة،
اسم واحد… كفيل يرجّع الدم لعينيه:
“عوض” – رجله اللي في وسط نار عيلة أبو الدهب.
ردّ، وصوته اتبدّل في ثانية:
– “أيوه؟!”
صوت متقطع، مستعجل:
– “اللي كنت مستنيّه حصل، يا نديم…وجابر لامم رجاله وبيدور عليا وعليك .واسمر دخل في القصه وهننكشف وتبقي نار واختك في خطر …

نديم وقف،
وشه تبدّل… ملامحه تشد بوش الانتقام من تاني،
إيده اللي كانت مسكها سابت،…بصّ لها،عينه اتحجّرت،
لكن قلبه لسه بيرتجف:
– “الحرب بدأت يا وجد…
ودلوقتي ماعادش في وِجه تاني.”
**حاولت تمسكه من إيده:
– “استنى… متندفعش!”
قالها بصوت هادي… لكن كل حرف فيه كان دمه:
– “اللي باعني… هركّعه،هشربه حنضل بنفس الكاس .” خلاص انا يا قاتل يا مقتول ..ادي اللي كت خايف منه.”
طفح الكيل منها واندفعت وشدته بعنف ..انت ايه يا اخي مابتحسش فاكرني هسيبك ولو سيبتك هتبقى نسخة من اللي أنا طول عمري بهرب منهم…نسخة من أبويا.”الجاحد اللي عايز يرميني
و يجوزني لابن عمي… براء أو… أسمر.”كاني كلبه لا تسوي فاكرني هسيبك تبقي زيه .
جحظت عيونه، وشه اتجمّد. تراجع قليلا…
قال بصعوبة:
– “مين؟ مين هيجوزك؟”
قالت وهي بتبكي …يهمك قوي تعرف …
– “براء يا نديم … براء ابن عمي سلطان.”
تصلب نديم… واتسعت عيونه، و…..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية عودة الذئاب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock