روايات

رواية زهرة الهاشمي الفصل الخامس 5 بقلم سمية رشاد

رواية زهرة الهاشمي الفصل الخامس 5 بقلم سمية رشاد

رواية زهرة الهاشمي البارت الخامس

رواية زهرة الهاشمي الجزء الخامس

زهرة الهاشمي
زهرة الهاشمي

رواية زهرة الهاشمي الحلقة الخامسة

“مكالمة هاتفية”

حينما تتوسل للهلاك أن ينأى بأنيابه عن أحب قطعة بقلبك فيبتسم بسخرية ثم تتغاير تعابير وجهه إلى الغضب المستعر ويزيد من انتهاشه فيدمي قلبك وينخر عظام عشقك ليجعلها تتهاوى حسرة؛ إنه الشعور الأسوأ على الإطلاق.
هكذا كانت تشعر خديجة وهي ترى حالة يونس التي ترمي قلبها بسهام من نار، لا تدري ماذا تفعل له وكيف تقنع قلبه بأنها لا تبغي في الدنيا سواه، نهضت من مقعدها للمرة الثالثة بعدما شعرت بسفر عقله إلى بلاد النوم، تسللت على أطراف قدمها بخفة وهي تقترب منه لتضع جهاز القياس في فمه بهدوء كي لا يشعر بها، وجدته يتقلب بإرهاق فانحنت ببدنها تتخفى خلف الفراش، بعد عدة ثواني لا تتعدى الثلاثون استمعت إلى صفير الجهاز الذي حمدت ربها أنه لم يسقط من فمه حين حركته، زفرت براحة وهي ترى انخفاض درجة الحرارة بنسبة مطمئنة عن السابق فجلست على المقعد المجاور له وعقلها يشرد في كيفية إقناعه بأنها لم تتأثر بأقاويل الآخرين وأن حياتها أكثر من سعيدة طالما ترافقه.

بعد عدة ساعات استيقظ من نومه شاعرًا بألم حاد في رأسه، عقد حاجبيه حينما رأى شيئًا متكومًا على المقعد المقابل له وسرعان ما اعتدلت ملامحه بتأثر بعدما تبينت له الرؤية وتيقن من هويتها، تجولت عيناه على خصلات شعرها البنية التي تناثرت حول وجهها بجاذببة ثم إلى عيناها اللتان تغمضهما بإرهاق، شعر بالضيق يراود قلبه لعدم تمكنه من النظر إلى أمواجها التي تغرقه بداخلها، نظر إلى أنفها المستقيم وسرعان ما اتسعت ابتسامته وهو يتذكر تذمرها من اتساع فمها التي تشبهه دائمًا بالمغارة، لا تدري بأن هذا الاتساع هو ما يضيف الخفة على معالم وجهها، فاق من شروده على تلك الركلة الشديدة التي ضربها عقله لقلبه المنحل فجعله يفيق مما كاد أن يرجعه عما انتواه، لا يصح له أن يتأملها هكذا، لا يجوز لقلبه أن يميل ويشتاق هكذا وهو الذي قد حرم عليه لذة الاشتياق.

دون إرادة قلبه وجد لسان عقله يصيح باسمها ففاقت تتلمس جبينه بقلق جعل قلبه يشفق عليها إلا أن حبر عهده الذي لم يجف جعله يهتف بغلظة
– قومي نامي جوة

بعدما زفرت براحة لاستقرار حرارته عقدت حاجبيها بعدم استيعاب لما يقوله إلا أن ملامح وجهه الصلبة أفهمتها ما يفعل فسألته باستنكار
– أنت بجد بقيت كدا إزاي؟ كل حاجة عندك بقت تبعدني عنك وخلاص من غير ما تقدر الموقف اللي إحنا فيه

-اتفضلي جوة
قالها ببرود فصاحت بغضب منه
– مش هدخل ومش هقوم من مكاني

لمعت عيناه بشرر من صوتها الذي علا عليه فقال
– أنتِ ملكيش الحق في اللي أنت بتعمليه دا… إحنا دلوقتي مُطلقين أنت مش مراتي

على قدر وجعها الذي صبه في جوف قلبها أجابته بلوعة
-أنت فاكر إن اللي أنت بتعمله دا هيخليني أسيبك؟ عشان إيه أصلًا؟ أنت فين إيمانك بربنا، دا التدين اللي أنا عرفتك عليه إما مش قابل بقضاء الله أومال بتخافه إزاي؟

تنهد بقوة أثر تلك القشعريرة التي أصابت بدنه من كلماتها التي تلفظت بها، هو منذ بداية تفكيره بطلاقها يقنع عقله بأنه لا يقصد الاعتراض على قضاء الله، ولكنه لا يريد أن يظلمها وشتان بين الاثنان هو يريد أن يعطيها فرصة لتعيش حياتها بسعادة وهي تخبره بأنه هكذا ينتزع السعادة من قلبها، عندما لم تجد منه رد على كلماتها أيقنت جيدًا تفكيره فيما قالت فتفوهت لتزيد من الضغط عليه
– أنت عايزني أتجوز واحد تاني؟ طب وبعدين هتقدر تعيش بعد كدا وأنا مع حد غيرك؟ أنت لحد دلوقتي يا يونس مبتخليش حد يتكلم عن زواجي الأول ولو حد جاب سيرته مبتسكتش

-خديچة
صرخ بها بقوة حينما ذكرته بذاك الشبح الذي يؤرق عليه مضجعه كلما خطر على بال قلبه فتوقفت بارتعاب جلى على وجهها، زفر بقوة واستغفر عدة مرات بعدما رأى ملامحها تلك، يصعب على قلبه أن يراها تنازع لاستكمال علاقتهم وهو الذي يجبرها بكل قوته أن تتخلى عنه، نهضت هي من مقعدها بعدما تيقنت من تحسن حالته ثم غادرت الغرفة بعدما أيقظت تلك الوحوش الضارية التي كان قد أوشك على قتلها.

بعد اختفائها عن عينيه فرت منهما دمعة لو رآها قلبها الذي يسكن بأضلعه لمات وجعًا لأجله ثم هتف لسان قلبه باختناق
– اللهم ارحم قلوبنا من بلاء لا نستطع عليه صبرًا.

استمع إلى رنين الباب الذي علا في غير وقته، حاول النهوض من فراشه كي لا يجعلها هي تفتح للطارق ولكن بسبب بطء خطواته التي أجبره عليها مرضه لم يستطع أن يواكب سرعتها فاستمع إلى صوت والدته يصدح في الخارج
ابتسم بمحبة على تلك المرأة الحنون التي يعلم أنها لم تغفل لها عين طالما كانت تعرف بمرضه. شعر بالامتنان لعائلته التي التفت حوله بعدما عانقه الجميع وتفحصوه بقلق، حاول كثيرًا إبعادهم عنه خشية عليهم من العدوى ولكن الجميع أبى مغادرة الغرفة ففتح الدرج المجاور له وجذب إحدى الكمامات وعقدها حول أنفه وفمه، ظل الجميع يتحدثون عن أمور عامة حتى تطرقوا إلى خطبة زهرة التي يتورد وجهها خجلًا كلما ذكر أحد شيء عن هاشم، اتسعت ابتسامة الشيخ منتصر هاتفًا وهو ينظر إلى هاتفه
– أهو جبنا سيرة القط اتصل

شعرت بالقلق من اتصاله ولا تدري لما وعلى الرغم من أن والدها كثيرًا ما كان يحادثه قبل خطبتهما دون أن تعرف أنه هو من تعشقه ولكن راودها الزعر هذه المرة من اتصاله لا تعرف لماذا ولكن ربما لأننا دائما ما نشعر بالارتعاب من فكرة عدم استكمال ما نرجوه بقوة.

شرد عقلها مع والدها الذي خرج من الغرفة ليستطيع محاورته ولم تستفيق سوى على صوته الذي يصيح باسمها

بتوتر شديد وفضول أكبر ذهبت لإجابة والدها فوجدته يسألها عن وقت مناسب للذهاب لشراء الذهب ومستحضرات الخطبة كي يخبر هاشم والدته التي تلح عليه لتحديد الموعد.

أخبرت والدها بأنها لا تعلم أي المواعيد أنسب فوجدته يقدم الهاتف إليها بعدما قال بهدوء
– طيب خدي شوفي الميعاد المناسب ليكوا انتو الاتنين أظن أنتِ عارفة أنا بكون فاضي إمتى

كادت عينيها أن تخرج من محجريها بعدما استمعت إلى ما طلب منها والدها، كانت تعلم أنه ليسمح لها ببعض المكالمات التي تكون تحت عينيه ولكن لم تكن تتوقع أبدًا أن تكون بهذه السرعة، رغمًا عنها شعرت بيديها ترتعشان لا تعلم أمن قلقها السابق أم من خجلها من الحديث معه، فاقت على والدها الذي هتف باستعجال
– خدي يا زهرة

تناولت الهاتف من يديه وعيناها تنظران إليه بارتباك فأومأ إليها مطمئنًا، وضعت الهاتف على أذنها اليمنى دون أن تتحدث، فارتفعت ضحكات والدها الذي هتف بمرح
– اتكلمي يا بنتي
-السلام عليكم
قالتها بحياء وصل إليه من نبرتها المتلجلجة فأجاب بهدوء شابه بعض الحياء هو الآخر
– عليكم السلام ورحمة الله وبركاته عاملة إيه
– الحمد لله
أجابت وهي ترمق والدها الجالس أمامها بخجل فقال الآخر
-أنا بعتذر عن اتصالي دلوقتي بس أكيد عارفة الأمهات مش بترتاح إلا ما تنفذ اللي عايزاه

أومأت مبتسمة بتفهم وكأنه يراها فتابع الآخر حديثه
– شوفي ميعاد مناسب تروحوا تشوفوا فيه الفستان والحاجات دي
– أي وقت أنا معنديش حاجة ومش بروح الجامعة إلا عند اللزوم
– طيب تمام مناسب بكرة بعد العصر

-تمام
– طيب والدهب يوم الجمعة الساعة خمسة مناسب ولا عندك اعتراض

ابتسمت بعدما شعرت أنه يقصد بجملته الأخيرة اعتراضها المرح على ميعاد الخطبة فأجابت بخفوت
– لو مناسب لأبي تمام بس لو يونس بقا كويس

عقد حاجبيه بتساؤل وهو يقول
– يونس ماله؟

كادت أن تجيبه إلا أن والدها أشار إليها بالنفي كي لا تقلقه على شقيقها الذي تحسنت حالته فأجابت بهدوء
-مفيش هو بس كان تعبان شوية بس الحمد لله دلوقتي بقا كويس

– ردد الآخر الدعاء له بالشفاء ثم سألها عن والدها فأعطته الهاتف ودلفت إلى الغرفة مرة أخرى دون أن تعلم بوعد الآخر أبيها بزيارة يونس.

بعد العصر كان الجميع قد رحل ولم يتبقَ سوى زهرة التي مكثت لتعطي أخيها الحقن لأن زوجته لا تستطيع إعطائها له، جلست في بهو المنزل جوار خديجة بعدما انتهت من إعطاء يونس دوائه ولم تكد تتحدث بأول كلمة حتى تهادى إلى مسامعها رنين جرس الباب فقالت خديجة برجاء
– معلش يا زهرة أنتِ لابسة افتحي الباب قبل ما يونس يقوم عشان مبيحبش إننا نفتح وعلى ما ألبس هيكون قام

نهضت الأخرى بعدما أومأت بإيجاب وبعدما فتحت لم تجد أحد أمامها

رفعت حاجبيها باستعجاب ثم نطقت بهدوء
– مين؟

أتاها صوته الذي تحفظه عن ظهر قلب قائلًا بخجل
– يونس موجود

– برقت عينيها بصدمة ثانية منه بنفس اليوم، لا تعلم أحقًا ما استمعت أم أن قلبها المنحل هو ما جعلها تعتقد أنه هو، لا تدري كيف رجعت قليلا إلى الخلف قبل أن تهتف بخفوت
– اتفضل
دلف بحياء وعيناه لا تفارق الأرض، وقف في المنتصف لا يدري ماذا يفعل شاعرًا بالخجل من عدم وجود رجل في استقباله فأشارت إلى إحدى الجهات قائلة
– الأوضة اللي على اليمين

هز رأسه متمتمًا ببعض الكلمات التي لم تفهمها ثم ذهبت إلى الغرفة التي تجلس فيها خديجة

سألتها خديجة بفضول بعدما رأت صدمتها البادية على وجهها فأجابتها بنبرة خالية من أي شيء
-هاشم
عقدت خديجة حاجبيها من هذا الاسم الجديد عليها وهي تسألها
-هاشم مين
ارتبكت بخجل فهزت خديجة رأسها بتفهم بعدما توصلت إلى هويته من حالتها

دلفتا الاثنتان إلى المطبخ لتجهيز شيئًا باردًا يقدمونه إليه وبعدما انتهت خديجة منه قالت لها بابتسامة متسعة
– يلا
عقدت زهرة حاجبيها بعدم فهم فقالت الأخرى وهي تضحك بخفوت
– دخليها
طالعتها زهرة بتحذير فقالت بخوف مصطنع
– أنا مالي مفيش حد هنا إلا إحنا وهو وإن كان غريب لينا إحنا الاتنين بس هو خطيبك أنت على الأقل وكدا كدا ساعات بتقعدي معاه لكن أنا لو دخلت أبا الحاج هيموتني هيموتني

قالت الجملة الأخيرة بمرح شديد شامتة في زهرة التي تعلم جيدًا أن لا أحد سيدخل سواها

بضيق منها وخجل اعتاد على زيارتها في الأونة الأخيرة جدبت طبق التقديم منها وذهبت به نحو الغرفة، طرقت الباب بخفة وهي تقول بخفوت
-السلام عليكم
رد الاثنان السلام عليها ثم قال يونس بإرهاق
– كدا يا زهرة بتعرفي هاشم هو الموضوع مستاهل يعني

كادت أن تجيبه بأنها لم تكن تقصد فسبقها هاشم
– مكانش قصدها تقول وبعدين إيه يا عم مش عايزني أشرب عندك حاجة ولا إيه دا أنت بخيل أوي يا أخي
قال جملته الأخيرة وهو يشير إلى بخله بتعابير مضحكة فابتسم يونس قائلا
– مكنتش عايز أتعبك بس

هز الآخر رأسه قائلا
– يا عم أديني خدت من وراك حسانات
– ماشي يا عم
قالها يونس وهو يتابع بعينيه زهرة التي وضعت الطبق الموضوع فيه المشروب بجواره على الطاولة وانصرفت بخجل قصته خطواتها

بعد قليل استأذن هاشم للذهاب وكم ارتاح حينما نهض يونس معه وأوصله إلى الخارج

بعد ذهابه خرجت زهرة وخديجة إلى بهو المنزل حيث مكان يونس فسألهن بحدة
– بتفتحوا الباب ليه؟ مش عارفين إنه جاي يعني
هزت الاثنتان رأسهما بالنفي فقال بضيق
– بعد كدا لو الباب خبط تنادوني أفتح حتى لو كنت بموت فاهمين

أومأت الإثنتان إليه ثم شعرت زهرة بالخجل من وجودها بين أخيها وزوجته بمفردها فاستأذنت بالذهاب

طلب منها يونس أن تنتظر لحين يأتي والدها وتغادر برفقته ولكنها أخبرته بأنه لن يأتي سوى في المساء وأنها تريد الذهاب الآن

أومأ إليها بإيجاب خاصة وهو يعلم أن منزل أبيه لا يبتعد عن منزله كثيرًا وجميع الناس يعرفونها، نزلت على الدرج برفق ولصدمتها وجدت هاشم مازال واقفًا على إحدى الدرجات السفلية يعقد رباط حذائه الذي لم يروق له أن ينفك سوى الآن.

تحير عقلها ولم تعلم ماذا عليها أن تفعل في مثل هذا الموقف، شعرت به يبتعد قليلًا ليفسح الطريق لها دون أن ينظر إليها فمرت من جواره بارتباك شديد دون أن تهمس بشيء

من فرط توترها وقعت الحقيبة التي كانت تحملها على أحد كتفيها بمكان قريب منه فتركتها بمحلها وعزمت على تركها والوقوف بمكان قريب لحين ذهابه ثم العودة لأخذها.

نظر إلى ذلك الشيء الذي أصدر صوتًا بالقرب منه فوجدها حقيبتها، هنا رفع نظره عليها ليرى إن كانت ستأخذها أم لا فوجدها تسير بطريقها وكأنها لم تشعر بسقوطها، أراد تنبيهها إليها ولكنه خجل من مناداتها بإسمها، فكر كثيرًا ماذا عليه أن يفعل ودون أن يدرك وجد صوته يصدح قائلًا
– يا شيخ منتصر

ظلت تلتفت حولها تبحث عن أبيها بسعادة لتطلب منه أن يأتي لها بحقيبتها ولكنها لم تجده، التفتت مرة أخرى تبحث حينما جدد الآخر النداء ولكنها لم تجد أبيها فأدرك عقلها أنه يناديها هي باسم أبيها فبرقت عينيها بصدمة ولسانها يردد بخفوت متعجبًا
-يا وقعتك البيضة يا زهرة!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية زهرة الهاشمي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock