روايات

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم البارت السادس والثلاثون

رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء السادس والثلاثون

حبيسة قلبه المظلم
حبيسة قلبه المظلم

رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة السادسة والثلاثون

كان يقود سيارته بملامح شديدة الوجوم .. لا يصدق حتى الآن ما حدث وكيف كادت أن تصدمها السيارة بسببه ..
كلا هو ليس مذنبا .. هو تصرف بالشكل الصحيح وهي التي تصرفاتها بغيضة لا أخلاقية ..
توقف عند إشارة المرور يزفر أنفاسه بتعب يتأمل هذا الصباح المشرق والذي يتناقض مع عتمة روحه ..!!
نظر الى الساعة فوجدها تجاوزت الثامنة صباحا ليتسائل داخله اذا ما كانت حياة ذهبت الى الجامعة أم ما زالت في الشقة ..؟!
استدار الى الخلف يتأمل تلك التي تنام بعمق غير واعية لأي مما يدور حولها حيث فقدت وعيها بعدما كادت أن تصدمها السيارة دون أن يعلم اذا ما فقدت وعيها خوفا من الموقف ام لكونها كانت مخمورة تماما لكنه سارع يحملها ويتأكد من سلامتها ومعه السائق ليطمئن إن السيارة بالفعل لم تصدمها حيث كانت على وشك فعل ذلك لولا إن السائق تلافى الأمر في اللحظة الأخيرة ..
حملها بعد ذلك دون أن يعرف الى أين يذهب بها بعدما وجد هاتفها مغلقا ولا يوجد في حقيبتها اي شيء يدل على مكان إقامتها ..
لم يرغب في الذهاب الى المشفى فوضعها في سيارته وحاول إفاقتها بعدما جلب قنينة من المياه لكنها بالكاد تملمت وهي تأن بتعب وآثر الكحول يسيطر على عقلها كليا ..
انتبه الى اشارة المرور التي أصبحت خضراء ليدير مقود سيارته متجها الى شقته وهو يدعو ربه أن تتفهم حياة الأمر وتستوعب ما يحدث …
اوقف سيارته امام العمارة التي يسكن فيها فقادها نحو الكراج حيث اوقف سيارته هناك وهبط منها ليفتح الباب الخلفي ويحملها بين ذراعيه وهو يتأفف بصوت مسموع ..
شعر بعا تتململ بين ذراعيه فهتف بخفوت ورجاء :-
” استيقظي بالله عليك واذهبي الى منزلك …”
نظر الى السماء يشعر بمدى حظه العاثر وهو لا حل أمامه سوى الذهاب بها الى شقته حيث لا يعرف أين يذهب بها ؟!!
صعد بها الى شقته بعدما طلب من احد حراس العمارة أن يتبعه ليفتح له الباب ..!!
فتح الحارس له الباب فشكره ممتنا وهو يدلف الى الشقة ليزفر أنفاسه بتعب ثم يتأمل المكان حوله بحيرة مفكرا أين يضعها ..
نظر الى الكنبة وهم بوضعها هناك لكنه تراجع وهو يرى حجم الكنبة الغير مناسب ..!
تأفف مجددا وهو ينظر إليها متمنيا لو بإمكانه رميها خارجا دون إهتمام لكن لا يوجد في اليد حيلة ..
حسم أمره واتجه بها نحو غرفة حياة حيث وضعها على السرير وأخذ يتأملها بضيق وهو يحيط خصره بذراعيه وشعور التعب قد سيطر عليه فهو لم ينم طوال الليلة السابقة ..!
تثائب بتعب ثم عاد ينظر إليها مفكرا في ردة فعل حياة اذا ما جائت ورأتها ..
عليه أن يبقى مستيقظا حتى تأتي ويشرح لها كل شيء قبل أن تنصدم بوجودها في غرفتها ..
خرج من الغرفة واغلق الباب خلفه ثم اتجه نحو الكنبة يجلس عليها ينتظر قدوم حياة فينظر الى الساعة التي لم تتجاوز التاسعة بعد…
زفر أنفاسه بإرهاق تمكن منه وهو مفكرا إن الوقت ما زال مبكرا بالطبع على إنتهاء محاضراتها ..!!
لم يتحمل اكثر فنهض من مكانه متجها الى غرفته مقررا النوم لساعتين ثم يستيقظ بعدها قبل أن تأتي ليكون في إستقبالها عندما تأتي ويسارع في شرح القصة لها ..!!
……………………………………………………….
بعد اقل من ساعة ..
فتحت حياة الباب ودلفت الى الداخل .. أغلقت الباب خلفها ثم سارعت تتجه نحو غرفتها بعدما ألقت حقيبتها على الكنبة متأملة المكان الفارغ ففهمت إن نديم لم يعد بعد !!
فتحت الباب ودلفت الى الداخل حيث بدأت في فك أزرار قميصها دون أن تنظر ناحية السرير ..
كانت مستمرة في فك أزرار القميص حيث إلتفتت نحو الجهة الأخرى لتتجمد مكانها مما تراه ..
فتاة نائمة فوق سريرها بعمق وكأن الغرفة غرفتها والسرير لها ..
بالكاد أفاقت من صدمتها وبدأت تغلق أزرار قميصها وهي تتمتم العديد من الكلمات الغاضبة الحانقة الغير مفهومة ..!!
خرجت من غرفتها متجهة الى غرفة نديم حيث فتحت الباب بعنف لتجده نائما بعمق هو الآخر ..
” كم تبدو مسالما وبريئا ..؟!!!!”
قالتها بتهكم وهي تتأمل ملامحه الساكنة تماما قبل أن تندفع نحوه وتهزه من كتفه وهي تصيح عليه بصوت عالي ..
كانت تهزه بعنف وهي تنادي عليه صارخة لينتفض من مكانه بفزع ..
” استيقظ يا بك ..”
قالتها بغضب مخيف وملامح مشتعلة ليفرك عينيه بتعب فتصيح بقوة :-
” انت من جلبت تلك الفتاة بالطبع ..؟!”
وأخيرت بدأ يستوعب ما يحدث وهو الذي لم يغفُ لمدة ساعة على الأقل ..!!
اعتدل في جلسته مرددا قبلما يتثائب حيث وضع يده على فمه :-
” دقيقة يا حياة ..”
” كيف تسمح لنفسك بهذا ..؟!”
سألته بإنفعال واضح فمسح على وجهه بتعب فارتفع صياحها :-
” لماذا لا تجيب ..؟!”
نهض من مكانه يقف أمامها ويقبض على ذراعها مرددا بقوة :-
” هل يمكن أن تهدئي وتفهمين ما حدث اولا ..؟!”
” ماذا تقول انت ..؟! تريدين مني أن أهدأ بعدما رأيته ..”
قالتها بعدم تصديق قبل أن تضيف :-
” فتاة لا أعرفها .. في غرفتي .. وفوق سريري .. انا لا أصدق هذا ..”
” سأشرح لك يا حياة ..”
قالها بهدوء وجدية لتقاطعه مرددة بجنق :-
” ماذا ستشرح يا نديم ..؟! من تلك الفتاة ..؟! وكيف تجلبها الى هنا بل تضعها في غرفتي ..؟! كيف سمحت لنفسك بهذا ..؟!”
” لو تصمتين لدقيقة واحدة فقط كي أخبرك كل شيء …”
قالها بنفاذ صبر لتتأفف بحنق قبل أن تردد وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها :-
” تحدث هيا .. أسمعك ..”
تنهد بصوت مسموع ثم قال :-
” تلك الفتاة لا أعرفها .. إلتقيتها في احد البارات ..”
قاطعته بعدم استيعاب :-
” بارات ..؟! هل تسهر في البارات يا نديم ..؟!”
رد بجدية :-
” دعيني اشرح لك اولا واتركينا من هذا الأمر ..؟!”
نظرت له بخيبة سارعت تخفيها فأضاف بجدية :-
” انا لا أعرفها لكنها كانت ملتصقة بي طوال الليلة ..!! قررت المغادرة عندما حل الصباح بعدما نفذ صبري وقد كانت هي حينها مخمورة تماما .. ”
تنحتح مضيفا :-
” لحقتني تلتصق بي مجددا فدفتعها بغضب في نفس الوقت التي تقدمت به سيارة نحوها ..”
” ماذا ..؟!”
همست برعب ليهتف مكملا :-
” لكن السائق إستطاع أن يسيطر على سيارته في اللحظة الأخيرة فلم يصدمها لكنها فقدت وعيها .. حاولت إيقاظها عدة مرات دون فائدة فكانت مخمورة تماما لذلك احترت أين أذهب بها وانا لا أعرف عنها شيئا حتى اسمها ..”
أكملت نيابة عنه :-
” فقررت أن تجلبها هنا في شقتنا وتضعها فوق سريري ..”
قال متأسفا :-
” لم يكن أمامي حل آحر .. حتى هاتفها وجدته مغلقا ..”
” انا لا أصدق .. تسهر في البارت .. وتجلب فتاة من هناك .. ماذا بعد يا نديم .. ؟!أخبرني ..”
سألته بنرفزة واضحة ليرد بجمود :-
” لقد أخبرتك كل شيء بصراحة تامة .. اما عن موضوع سهري في البارات فهذا شيء يخصني ولا يحق لك أن تتحدثي عنه ..”
هتفت ببرود:-
” نعم ، اعلم إنني فقدت جميع حقوقي منذ قرار الطلاق ..”
” بالضبط ..”
قالها بجدية لتهتف وهي تشير الى الخارج :-
” حسنا ، تفضل من فضلك أيقظها ودعها تغادر …”
” هذا ما أريده أنا ايضا ..”
قالها بجدية قبل أن يهتف بتردد :-
” ولكن انت من ستفعلين ذلك ..”
” ماذا تعني ..؟!”
سألته بعدم فهم ليرد شارحا :-
” افهميني يا حياة .. تلك الفتاة تلتصق بي … أخاف أن تستيقط وتراني فتلتصق بي مجددا .. لذا انا سأغادر وانت دعيها تستيقظ وتغادر ..”
” ماذا تقول انت ..؟!”
هتفت بصدمة لتجده يجذب هاتفه ومفاتيح سيارته وهو يردد :-
” سأعتمد عليك في هذا الأمر …”
” ماذا تقول انت …؟! ستذهب وتتركني مع فتاة غريبة لا أعرفها .. ماذا سأفعل انا ..؟!”
” تصرفي انت ..”
قالها برجاء لتهتف بغضب مكتوم :-
” كيف سأتصرف أنا ..؟!”
” انظري سأذهب الآن حسنا ..”
قالها وهو يهم بالتحرك عندما قبضت على ذراعه توقفه وهي تردد بضيق :-
” أين ستذهب وتتركني معها ..؟! ”
هتف بتوسل :-
” بالله عليك تصرفي معها يا حياة .. لا أريدها أن تستيقظ وانا هنا ..”
” ما علاقتي انا بهذا ..؟! أنت من جلبتها أم أنا ..؟!”
سألته بغضب شديد ليرد بجدية :-
” ليس مهما من جلبها .. المهم أن أتخلص منها .. انظري سأغادر الآن وانت أيقظيها ودعيها تغادر وحينها اتصلي بي كي أعود ..”
انطلق بسرعة قبل أن يسمع كلمة اخرى بينما اخدت تصيح هي عليه دون فائدة قبل ان تهتف بعدم استيعاب :-
” اللعنة .. ماذا سأفعل أنا لوحدي معها ..؟! كل يوم مصيبة جديدة تقع فوق رأسي .. ما هذا الحظ ..؟!”
نظرت الى الباب المفتوح لتأخذ نفسا عميقا قبل ان تتجه نحو غرفتها مقررة إيقاظها والتخلص منها بسرعة ..!!
……………………………………………….
دلفت حياة الى غرفتها فأخذت تتأمل الفتاة حيث شعرها الأسود الفاحم وسمرتها الخفيفة وملامحها شديدة الفتنة ..
ملابسها المكونة من شورت اسود قصير فوقه تيشرت قصير يظهر جزءا صغير من بطنها المسطحة ذو حمالات رفيعة بينما ترتدي حذاء من نفس اللون الأسود ذو كعب شديد العلو …
تقدمت نحوها اكثر فشمت رائحة عطرها النفاذة للغاية ..
كانت تضع عطرا رائحته قوية جدا رغم إنها محببة ..
زفرت أنفاسها بضيق قبل ان تنحني نحوها تهمس بتردد جانب اذنها :-
” يا انسة .. استيقظي من فضلك ..”
لم تبدِ الفتاة اي ردة فعل فتأففت بصمت قبل ان تهزها من كتفها بخفة وهي تنادي عليها بصوت منخفض قليلا ..
لحظات وبدأت الفتاة تتململ في نومتها قبل أن ترمش عينيها عدة مرات ..
فتحت عينيها البنيتين أخيرا لتجد حياة تنظر إليها بوجوم فإنتفضت من مكانها تصيح لا إراديا :-
” من انت ..؟!”
تراجعت حياة الى الخلف مجيبة ببرود :-
” مرحبا .. انا حياة .. زوجة نديم .. الشاب الذي كنت تلتصقين به طوال ليلة البارحة ..!!”
ابتلعت الفتاة ريقها تردد بعدم استيعاب :-
” نديم !!”
أضافت تتسائل بحيرة :-
” هل تقصدين الشاب صاحب العيون الزرقاء ..؟!”
” نعم هو بنفسه ..”
قالتها حياة بتهكم لتزفر الفتاة أنفاسها بتعب ثم تمسح على وجهها بكفيها وهي تردد :-
” أفزعتني حقا ..”
” أعتذر حقا ..”
قالتها حياة بنفس النبرة المائعة تقلدها متعمدة لتنظر الفتاة إليها للحظات ثم ترسم إبتسامة على شفتيها وهي تنهض من مكانها تردد معرفة عن نفسها :-
” مرحبا .. انا ماذي ..”
ثم مدت كفها نحوها تحييها لتتأمل حياة كف الفتاة قبل ان تلتقطه وهي تردد :-
” اهلا ماذي .. ”
ابتسمت ماذي وقالت :-
” تشرفت بمعرفتك ..”
ردت حياة بإقتضاب :-
” الشرف لي ..”
مررت ماذي أناملها داخل شعرها ثم وضعت كف يدها فوق فمها تتثائب قبل ان تهتف بعدها :-
” أشعر بصداع شديد ..؟! ”
تأملتها حياة للحظات قبل ان تردد على مضض :-
” سأجلب لك دواء للصداع ..”
قالت ماذي بسرعة:-
” لا أريد مضايقتك حقا .. ”
أضافت تتسائل بحذر :-
” أين نديم ..؟! ”
سألتها حياة بحدة لا إرادية :-
” مالذي تريدنه من نديم ..؟!”
ردت ماذي ببرود :-
” أريد رؤيته وشكره على ما فعله معي ..”
ثم اندفعت خارج الغرفة تبحث عنه لتتبعها حياة بغضب تنادي عليها قبل ان تقبض عليها من ذراعها توقفها وهي تهتف بحنق :-
” ماذا تفعلين انت ..؟!”
رد ماذي وهي تمط شفتيها :-
” أبحث عن نديم ..”
قاطعتها حياة بغضب مكتوم :-
” نديم ليس هنا ..”
” هل خرج وتركني لوحدي ..؟!”
قالتها ماذي بإحباط لترد حياة ببرود :-
“‘الرجل لديه اعمال .. هل سيترك أعماله لأجلك ..”
توقفت عن حديثها وهي تراها تضع يدها فوق رأسها وتوازنها بدأ يختل فقبضت حياة على كفها تتسائل بقلق :-
” هل انت بخير ..؟!”
ردت ماذي بصوت مرهق خافت :-
” أشعر بدوار شديد ..”
” اجلسي هنا هيا ..”
قالتها حياة وهي تتجه بها نحو الكرسي لتجلس ماذي وهي تضع رأسها بين كفيها لتتسائل حياة بإهتمام :-
” متى آخر مرة تناولت بها الطعام .؟!”
ردت ماذي دون أن ترفع رأسها :-
” لا أتذكر .. تقريبا صباح البارحة تناولت فطوري ..”
هنفت حياة بضيق :-
” وتناولت الكثير من الكحوليات بالطبع ومعدتك فارغة .. يجب أن تتناولي شيئا ثم تشربين دواءا للصداع …”
أضافت وهي تتجه نحو المطبخ :-
” سأعد الفطور سريعا .. ابقي مكانك ولا تتحركي ..”
رفعت ماذي وجهها تتأملها وهي تتجه نحو المطبخ بصمت قبل أن تعود بجسدها الى الخلف وهي تتنهد بتعب ..!!
……………………………………………………..
بعد مدة من الزمن ..
كانت حياة تجلس أمامها تتأملها وهي تتناول الفطور بشهية شديدة فإرتشفت قليلا من الشاي خاصتها بصمت تتابعها وهي تتناول طعامها بأريحية مدهشة ..
انتهت ماذي اخيرا من تناول طعامها فهتفت تشكرها :-
” أشكرك حقا على هذا الفطور الرائع .. لقد كنت جائعة لدرجة كبيرة ولم أعِ ذلك حتى رأيت الطعام أمامي ..”
ابتسمت حياة بتصنع وهي تهتف :-
” بالهناء والعافية على قلبك ..”
ثم نهضت وهي تتجه خارج المطبخ لتعود بعد لحظات وهي تمد يدها بحبة من الدواء لماذي تخبرها :-
” اشربي هذه الحبة .. ستخفف صداعك باذن الله ..”
ابتسمت ماذي بإمتنان ثم اخذت الحبة وتناولتها مع الماء بينما بدأت حياة تلملم المائدة ..
نهضت ماذي بعدما وضعت قدح المياه جانبا لتهتف بجدية :-
” سأساعدك ..”
قالت حياة وهي تلتفت نحوها بسرعة :-
” كلا ارتاحي انت .. انا سأنهي كل شيء بسرعة ..”
قالت ماذي :-
” سأحمل الصحون عنك على الأقل ..”
ثم اتجهت تسارع بحمل الصحون ووضعها فوق المغسلة لتبدأ حياة بتنظيفها فتقوم ماذي بتنظيف المائدة بعدما انتهت من حمل الصفوف ..
انتهت حياة اخيرا من غسل الصحون والأكواب والملاعق فإلتفتت نحو ماذي تتأملها وهي تتقدم نحوها وتغسل يديها فتردد :-
” شكرا يا ماذي .. لم يكن هناك داعي أن تتعبي نفسك ..”
ردت ماذي بإبتسامة لطيفة :-
” لا تشكريني .. انا من يجب أن أشكرك أساسا .. شكرا على إستضافتك لي في شقتك وعنايتك بي ..”
” فعلت ما يتطلبه الواجب لا اكثر ..”
قالتها حياة بجدية لتهتف ماذي مبتسمة :-
” انت لطيفة حقا .. نديم محظوظ بزوجة مثلك …”
بالكاد إستطاعت حياة أن تبتسم ما إن ذكرت سيرة نديم لتضيف ماذي بخفوت :-
” منذ زمن بعيد لم أتعرف على شخص مثلك …”
قالت حياة بسرعة :-
” انت تبالغين .. انت حتى لم تتعرفي علي جيدا بعد ..”
ردت ماذي بجدية :-
” لا داعي للتعرف أكثر كي أحكم عليك .. اي واحدة مكانك تجد فتاة نائمة في شقتها لسارعت تجرها من شعرها وتلقيها خارج الشقة .. لا يمكن ان تتصرف اي واحدة مثلك .. توقظني وتعد الفطور لي وتجلب الدواء …”
قاطعتها حياة :-
” لإنني اعرف سبب وجودك هنا ..”
” حتى لو .. هذا لا ينفي مدى كرمك ولطفك …”
هتفت حياة محاولة تغيير الموضوع:-
” اذا ، هل تحتاجين لدواء آخر ..؟!”
قاطعتها ماذي :-
” كلا ولكن هل يمكن أن تعدين القهوة لي .. أحتاجها كثيرا فهي تساعدني للغاية في وضع كهذا ..!!”
” حسنا سأعدها ..”
قالتها حياة بجدية قبل أن تبدأ في إعداد القهوة تحت انظار ماذي التي سألتها :-
” منذ متى وانت متزوجة من نديم ..؟!”
ردت حياة :-
” منذ مدة قصيرة ..”
ابتسمت ماذي وهي تردد :-
” تليقان ببعضيكما كثيرا .. بالتأكيد تزوجتما عن حب ..”
تجمدت ملامح حياة للحظات وقد لاحظت ماذي ذلك قبل ان ترد بإختصار :-
” شيء كهذا …”
” كم عمرك ..؟!”
سألتها ماذي مجددا لترد حياة بجدية :-
” اثنان وعشرون عاما …”
” أووه صغيرة جدا ..”
التفتت حياة نحوها تسألها بدورها :-
” لماذا ..؟! كم عمرك انت ..؟!”
ردت ماذي بجدية :-
” تسعة عشر عاما وسأنهي عامي العشرين بعد إسبوعين …”
” ظننتك أكبر مني بكثير ..”
قالتها حياة بسخرية لترد ماذي بجدية :-
” تفاجئت لإن عمرك صغير على الزواج ..”
ردت حياة بصوت غير مسموع :-
” يبدو إنه بالفعل كذلك ..!!”
حملت القهوة وصبت في الكوب خاصتها وكوب آخر لماذي التي حملت الكوب وهي تبتسم بخفة فهتفت حياة :-
” دعينا نتناولها في الشرفة ..”
جلستا على الطاولة في الشرفة ترتشفان القهوة لتهتف ماذي بإستمتاع :-
” الجو رائعا اليوم وقهوتك أروع …”
ابتسمت حياة بصمت لتضع ماذي كوبها على الطاولة وهي تهتف بتردد :-
” حياة .. هل يمكنني قول شيء ما لك ..؟!”
” بالطبع .. تفضلي ..”
هتفت بها حياة بتوجس لتهتف ماذي :-
” في الحقيقة انا شعرت بالراحة اتجاهك .. لقد مر وقت طويل لم أقابل شخصا مثلك.. شخص يجعلني أرغب في التعرف إليه بشدة .. أعلم كيف هي نظرتك اتجاهي .. فتاة تقضي ليلها في البارات .. مخمورة تماما ..”
قاطعتها حياة بجدية :-
” انا لا أنظر إليك بأي طريقة لإنني لا أعرفك عن قرب .. وانا من عادتي ألا أحكم على شخص دون التعرف عليه بشكل جدي وعن قرب …”
ابتسمت ماذي قبل ان تهتف بصوت مبحوح والألم ظهر داخل عينيها :-
” انا لا اعرف لماذا اقول هذا .. ربما لإنني في هذه الوقت تحديدا وحيدة اكثر من أي وقت آخر …”
هتفت حياة بجدية :-
” أتفهم شعورك .. لقد عايشته لفترة بعد وفاة والدي وربما ما زلت أعايشه بالفعل لكن الفرق إنني تأقلمت نوعا ما ..”
” انا أعايش هذا الشعور منذ سنوات .. منذ أن ولدت ربما ..”
قالتها ماذي بشرود لتتسائل حياة بإهتمام :-
” لماذا ..؟! يعني مالذي يجعلك تشعرين بهذا ..؟!”
غمغمت ماذي بخفوت :-
” إنها قصة طويلة .. هل انت مستعدة لسماعها ..؟!”
تأملتها حياة بصمت للحظات قبل ان تهز رأسها بصمت لتهتف ماذي بجدية :-
” لكن عليك ان تعلمي إن ما أقوله لا يعلمه سوى القليل جدا .. لا أعلم لمَ سأخبرك بهذا وانا بالكاد تعرفت عليك منذ ساعة لكن هناك شعور غريب تملك مني تجاهك يجعلني أشعر بالحاجة للبوح لك انت تحديدا ..”
ابتسمت حياة تطمأنها لتبادلها ماذي إبتسامتها قبل أم تبدأ بالتحدث وحياة تستمع لها بإنصات …
………………………………………………………….
انهت ماذي حديثها وهي تمسح عينيها بأناملها لتهتف حياة بتعاطف :-
” حسنا يكفي .. ”
أضافت وهي تنهض من مكانها تحتضنها بشكل عفوي وقد تعاطفت تماما معها :-
” انا لا أعرف ماذا اقول .. ما مررت به كان صعبا..”
أضافت وهي تنظر الى وجهها :-
” لكنني حقا فخورة بك .. رغم صغر سنك إلا إنك فتاة قوية ما زلت صامدة رغم كل شيء..”
ضحكت ماذي تردد من بين دموعها :-
” نعم قوية .. قوية لدرجة إنني أقضي يومي بين البارات … كل يوم مع شاب جديد .. انا اهرب من واقعي يا حياة .. من واقعي المرير ..”
” لا تلومي نفسك .. انت مررت بظروف صعبة جعلتك هكذا ..”
قالتها حياة بمواساة تضيف :-
” ولدت يتيمة واختك التي تولت ترتبيتك لم تهتم بك ابدا .. لم تجدي حضنا يحتويك ..”
” اختي أذتني كثيرا دون أن تدرك .. لم تراعني يوما .. لم تهتم بي كما فعلتِ انت اليوم .. كل ما تفعله هو منحي الأموال ليس إلا ..”
أضافت ضاحكة :-
” حتى إنها لا تهتم بحياتي وعلاقاتي المتعددة .. تراه شيئا عاديا فلا تحاسبني ابدا ولا تسأل عني اذا تغيبت عن المنزل لشهور …”
هتفت حياة بتعاطف :-
” لا بأس .. ربما هي لا تجيد التعبير عن مشاعرها ..”
نهضت ماذي من مكانها تنظر الى حياة وتقول :-
” علاقتي مع ستيلا عبارة عن أريد مالا فتمنحني المال .. هكذا فقط .. هل تصدقين إننا نعيش في منزل واحد ولا أراها كل عدة ايام مرة فهي دائما مشغولة ما بين عملها وأصدقائها وبالطبع علاقاتها المتعددة ..؟!”
” ماذا تعمل هي ..؟!”
سألتها حياة بجدية لترد ماذي بخفوت :-
” عارضة ازياء .. مشهورة جدا في مجال عروض الأزياء حتى انها أسست شركة خاصة بها بعدما جنت الكثير من الأموال بسبب شهرتها ..”
أضافت بتهكم :-
” يمكنكِ البحث عنها وستدركين حجم شهرتها ..”
” هل يضايقك ذلك ..؟! يعني كونها مشهورة و ..”
قاطعتها ماذي :-
” لا يهمني الأمر من الأساس .. ألم تفهمي بعد يا حياة .. ؟! انا لا أمتلك أي مشاعر نحوها لإنني لا أعرفها من الأساس .. ”
” ربما لو تحاولي التقرب منها ..”
قالتها حياة بتأني لترد ماذي وقد كسا الجمود ملامحها :-
” فعلتها مرة وليتني لم أفعلها …”
” لماذا ..؟!”
سألتها حياة بتوجس لتشرد ماذي لا إراديا قبل ان تتحدث بلا وعي :-
” كنت في الرابعة عشر من عمري وأحتاج لوجودها معي .. حاولت التقرب منها فطلبت منها أن أصاحبها في مجال عملها وسفراتها العديدة .. وافقت على مضض وبدأت أرافقها بالفعل وكنت أسمع كلامها وألتزم بأوامرها …”
توقفت عن حديثها لتسألها حياة :-
” ثم ..؟!”
” لم تكن تهتم بي .. كانت مجبرة على أخذي معها .. كانت تمثل الاهتمام بوجود اصدقائها ومعارفها وعندما يذهبون تتجاهلني تماما حتى أخبرتني ذات مرة إنها لا تريدني وإنني عبء ثقيل عليها .. أخبرتني إنها ليست مستعدة لتأخذني معها دائما فأنا كبيرة وعلي أن أعتمد على نفسي ..”
” وانت منذ ذلك الحين تجاهلتها .. صحيح ..؟!”
سألتها حياة بحزن لتمسح ماذي العبرات المترقرقة داخل عينيها قبل ان تعاود الجلوس جانبها وهي تردد وقد ارتدت قناع الجمود مجددا :
” ذلك اليوم لا يمكنني نسيانه .. بعدما جرحتني بكلامها خرجت مسرعة من المنزل بأكمله .. ركضت دون وجهة محددة وبسبب ذلك ..”
ابتلعت ريقها بحشرجة بعدما توقفت عن الحديث لتتسائل حياة بتوجس :
” ماذا حدث بسبب ذلك ..؟!”
وضعت ماذي كفيها فوق وجهها للحظات قبل ان تزيل كفيها وهي تردد بصوت بارد :-
” تعرضت لمحاولة إغتصاب ..!!”
………………………………………………….
مدت حياة كوب الماء لها فتناولته ماذي تشربه قبل ان تضعه على الطاولة وهي تمسح دموعها بالمنديل ..
غمغمت حياة بجدية :-
” توقفي عن البكاء من فضلك .. انا اسفة .. لم يكن علي سؤالك ..”
هتفت ماذي وقد بدت منفصلة عن الواقع :-
” لولا ظهور ذلك الشاب وإنقاذه لي في آخر لحظة لكنت إنتهيت بالفعل .. انا ممتنة له حقا .. لقد أنقذني من الإغتصاب الحتمي ..”
” الحمد لله .. لقد سخره الله لك ..”
” نعم ، مهما فعلت لا يمكنني رد جميله …”
قالتها ماذي بشرود فهتفت حياة بجدية :-
” حسنا توقفي عن البكاء الآن .. لقد حدث ما حدث .. حاولي أن تتجاهلي تلك الذكريات المؤلمة وبالنسبة لأختك فتجاهليها تماما ..”
” انا أتجاهلها بالفعل .. بعد كل ما حدث معي بسببها … لا يمكنني تقبلها اساسا ..”
قالتها بنبرة بائسة قبل ان تضيف ببكاء :-
” لكنني لا يمكنني تجاهل تلك الحسرة الموجودة في قلبي .. حسرتي الشديدة على نفسي وحياتي وما مررت به .. حسرتي على عدم وجود أي أحد يحبني فحتي أختي لا تحبني …”
أدمعت عينا حياة فجذبتها نحوها تحتضنها لا إراديا لتتساقط دموع ماذي لا إراديا وهي تردد :-
” هل تعلمين ..؟! لقد سامحتها بعد تلك الحادثة .. نعم لا تستغربي سامحتها … لكن الأمر لم ينته هنا .. بعدما حدث بعامين فعلت شيئا كان النهاية الحتمية .. ما فعلته جعلني لا أتجاهلها فقط بل أكرهها وأحقد عليها وأتمنى كل شيء سي لها …”
تجمدت كفي حياة فوق شعرها لتبتعد ماذي عنها مرددة :-
” انا اكرهها يا حياة .. لقد دمرتني وسرقت مني كل شيء .. بسببها أصبحت ما عليه انا الآن …”
” حسنا اهدئي ..، توقفي من فضلك .. انت ما زلت صغيرة ويمكنك إصلاح كل هذا …”
اضافت حياة وهي تمد يدها لها بمنديل اخر :-
” امسحي دموعك هيا ..”
تناولت ماذي المنديل منها واخذت تمسح دموعها بينمت ابتسمت حياة لها تردد :-
” ما رأيك ان تبقي معي اليوم ونتناول الغداء سويا ..”
” لكنني لا أريد إزعاجك ..”
قالتها ماذي بتردد لتهتف حياة وهي تقبض على كفها :-
” لا يوجد اي ازعاج .. هيا انهضي وساعديني.. بسرعة هيا …”
ثم دفعتها أمامها من ظهرها نحو المطبخ محاولة منها لإخراجها من وضعها المتأزم في هذه اللحظة ..
………………………………………………………………
بعد حوالي ساعتين ..
فتح نديم باب الشقة ودلف الى الداخل ليغلق الباب خلفه ثم يتقدم نحو صالة الجلوس فيسمع صوت ضحكات عالية تنطلق من المطبخ ..
تجمد مكانه للحظات مستغربا صوت الضحكات الصاخبة فاتجه مسرعا نحو المطبخ ليتجمد مجددا مما رآه ..
حياة تجلس امام ماذي تتناول الغداء معها وهما تتبادلان الأحاديث والضحكات الصاخبة ..
” ماذا يحدث هنا ..؟!”
قالها بصوته الصلب القوي لتلفت الإثنتان نحوه فتهتف ماذي بسرعة وهي تنهض من مكانها متقدمة نحوه :-
” نديم ، واخيرا عدت ..”
ثم قبضت على كفه تهتم بإمتنان :-
” اشكرك حقا على ما فعلته لأجلي .. شكرا كثيرا ..”
نظر نديم الى حياة ليجدها مبتسمة بهدوء قبل ان تقول :-
” تعال وتناول طعامك معنا أم إنك تناولته خارجا …؟!”
” انت ..”
قالها بجمود لتبتسم حياة وهي تنهض من مكانه وتقول :
” سأجلب طبقا وملعقة لك …”
بينما جذبته ماذي تجلسه على الكرسي بينهما لتضع حياة الطبق أمامه وهي تردد :-
” أعتذر لإنني نسيت الإتصال بك كي تأتي لتناول الغداء لكن الأحاديث شغلتني ولم أنتبه لذلك …”
” انت تمتلك زوجة رائعة حقا يا نديم .. ”
قالتها ماذي بفرحة ليهتف نديم بدهشة خفية :-
” يبدو إن تعارفكما كان مثمرا ..”
هتفت حياة بصدق :-
” ماذي رائعة وصحبتها ممتعة جدا ..”
” ماذي …”
رددها نديم بدهشة لتهتف ماذي ضاحكة :-
” نعم ماذي يا سيد نديم ..”
اضافت وهي تشير الى حياة :-
” هو لا يعرف اسمي حتى الآن .. ”
ابتسمت حياة وقالت :-
” اسمها ماذي وفي التاسعة عشر من عمرها .. إنها لطيفة جدا وخفيفة الظل ..”
” بل أنت لطيفة للغاية ورائعة جدا ..”
اكملت وهي تشير الى نديم :-
” انت محظوظ بها حقا يا نديم …”
ابتسم نديم بعدم استيعاب بينما نهضت ماذي من مكانها فسألتها حياة :-
” الى اين ..؟!”
ردت ماذي بسرعة :-
” لقد شبعت .. سأذهب وأغسل يدي …”
سألتها حياة :
” هل تفضلين الشاي ام القهوة بعد الغداء ..؟! ام تريدين عصيرا باردا ..؟!”
ردت ماذي بسرعة :-
” عصيرا باردا بالطبع ..”
ابتسمت حياة تردد :-
” سأعده بعدما ينتهي نديم من تناول طعام الغداء وأنظف بدوري المائدة ..”
اتجهت ماذي خارج المطبخ بينما جذب نديم حياة من ذراعها مرددا :-
” ماذا تفعل هذه الفتاة هنا ..؟! أليس من المفترض أن تغادر منذ مدة ..؟!”
ردت حياة بسوعة :-
” توقف كي لا تسمعك .. سأشرح لك كل شيء فيما بعد ..”
ثم نهضت من مكانها لتسمعه يقول وهو ينهض من مكانه هو الآخر :
” لا اريد طعاما فأنا لست جائعا ..”
ثم خرج من المطبخ لتتأمله حياة بضيق لتصرفه الغير منطقي وكأنه لم يأتِ بنفسه بتلك الفتاة الى هنا ..
بعد مدة من الزمان أنهت ماذي تناول عصيرها تحت انظار نديم الذي نفذ صبره تماما وحياة التي كانت تتبادل معها الأحاديث ..
توقفت ماذي تردد:-
” لقد حان وقت ذهابي ..”
” ما زال الوقت مبكرا ..”
قالتها حياة بجدية ليرمقها نديم بنظرات نارية فإبتسمت ماذي مرددة :-
” بل تأخر الوقت كثيرا ويجب أن أذهب .. لكن سنلتقي مجددا بالطبع …”
” بالطبع …”
قالتها حياة بتأكيد وهي تسير جانبها وتودعها لتعود بعد لحظات فتجد نديم واقفا يرمقها بنظرات حادة فسألت بتوجس :
” ماذا حدث..،؟!”
هتف متسائلا بدوره :-
” انا من يجب أن يسأل .. ماذا يحدث هنا ..؟! ماذا تفعلين مع تلك الفتاة ..؟!”
ردت حياة بعفوية :-
” قمت بالترحيب بها وتعرفت عليها ووجدتها لطيفة حقا و …”
قاطعها بصرامة :
” حياة .. هذه فتاة مستهترة لا يمكنكِ أن تتعاملي معها .. انت لا تعرفين مدى إستهتارها ..”
قاطعته حياة بقوة :-
” بل انت لا تعرف عنها شيئا وتحكم عليها من تصرفاتها الظاهرة فقط مثلك مثل الجميع .. ولا تنسى إن تصرفاتها المستهترة تلك أنت تفعل مثلها بذهابك الى البارات الليلية ..”
همت بالتحرك ليوقفها مرددا بحزم :-
” انا أذهب واتناول القليل من المشروب وأعلم إن هذا خطأوإثم كبير لكنني لا أذهب لإصطياد النساء ..”
التفتت نحوه تردد بجدية :-
” أخبرتك إنك لا تعلم شيئا فالأفضل ان تصمت …”
بدأ نديم يسعل بقوة فجلس على الكنبة وهو يضع يده فوق صدره ..
سألته حياة بتوجس :
” هل انت بخير …؟!”
رد من بين سعاله الشديد :-
” أظن إنني مصاب بالإنفلاونزا ..”
ردت بسرعة :-
” كنت اعلم ذلك .. لقد انتقلت العدوى لك مني ..”
اضافت بسرعة :
” سأجلب الدواء لك حالا …”
ثم تحركت تبحث عن دواء تعطيه إياه يخفف من مرضه ..!!
………………………………………
مساءا …
كانت تعد طعام العشاء له وهو الذي تناول الدواء الذي أعطته له وخلد الى النوم فورا …
بعد حوالي ساعة بدأت حرارته ترتفع فسارعت تضع الكمادات له وتهتم به بعناية شديدة حتى إنخفضت حرارته بعد ساعات وهاهي الساعة تجاوزت الثانية عشر صباحا وهي تقف تعد الطعام له كي توقظه ليتناول طعام ثم يرتشف الدواءالذي اقترب موعده ..
انتهت من اعداد الطعام حيث صنعت له شوربة الخضار مع قطع من الدجاج المشوي والقليل من الأرز وبالطبع عصير البرتقال الذي سيفيده كثيرا …
حملت الصينية بعدما وضعت الطعام فوقها ورتبته بعناية ثم سارت نحو غرفته فدخلت لتجده ما زال نائما …
وضعت الصينية على الطاولة ثم اتجهت نحوه توقظه فإستيقظ اخيرا ليجدها امامه لتغمغم بسرعة :-
” اعلم انك متعب .. لكن يجب أن تستيقظ وتتناول الطعام ثم تشرب دوائك .. انت لم تتناول شيئا ابدا طوال اليوم ..”
هز رأسه وهو يعتدل في جلسته قبل ان يقول وهو يشعر بالحرارة والتعرق الشديد بسبب الحمى التي صاحبته لساعات :-
” سأخذ حماما سريعا اولا ..”
” كما تريد ..”
قالتها حياة بجدية لينهض من مكانه ويسير نحو خزانة ملابسه فيخرج ملابس بيتية مناسبة له ثم يتجه نحو الحمام بخطوات مرهقة تحت انظارها …
نهضت من مكانها واخذت ترتب الفراش وتلملم بعض الأغراض عندما حملت بعض الاوراق وهمت بوضعها في درج الطاولة جانب السرير عندما فتحت الدرج الاول ووضعت الأوراق لتنتبه الى تلك الصورة داخل الدرج فجذبتها تتأملها بعدم تصديق فقد كانت صورة لها وهي في سنتها الجامعية الاولى حيث كان شعرها طويلا لم تقصه بعد وملامحها مختلفة قليلا فكانت أقل نضوجا ووجها ممتلئ عن الآن ..
جلست على السرير تتأمل الصورة بدهشة وهي تتسائل من أين حصل عليها…
عادت تبحث في الدرج مجددا لتجد ألبوما من الصور جذبته بقلب خافق ثم فتحته لتجد العديد من الصور له ولكليهما من الخطبة والزفاف ..
متى حصل على هذه الصور ووضعها في الألبوم ..؟!
تأملت احدى الصور من حفل خطبتهما وتلك الإبتسامة التي تعلو شفتيه .. كانت تبدو كإبتسامة رجل سعيد حقا ..!!
هل كان سعيد حقا أم يدعي السعادة …؟!
اخذت تقلب في الصور حتى شعرت به يقف جانبها فإنتفضت من مكانها تردد بتوتر :-
” اسفة .. لم أقصد التفتيش في الدرج ..”
قاطعها بهدوء :-
” لا عليك …”
تأمل الألبوم الذي تقبض عليه بين أناملها فسحبه منها وهو يردد :-
” إذا لم يكن لديك مانع فهذا الألبوم لي … يعني أريد الإحتفاظ به ..”
” لم أكن أنوي أخذه أساسا ..”
قالتها بجدية قبل أن تشير الى الطعام :-
” اعددت الطعام لك .. عندما تنتهي من تناوله سأعطيك دوائك ..”
” حياة لحظة من فضلك ..”
توقفت أمامه تعقد ذراعيها أمام صدرها تسأله بإستفهام :-
” نعم ..؟!”
سألها بجدية:-
” ألن تشاركيني طعامي ..؟!”
ردت بجدية :-
” شكرا على الدعوة لكنني لا أتناول وجبة العشاء من الأساس ..”
همت بالتحرك لكنه أوقفها مجددا :-
” انتظري لحظة ..”
توقفت مكانها لتجده يسألها مجددا :-
” طالما إنك لا تتناولين العشاء عادة فلم يكن من الداعي أن تعدي الطعام لي … كنتِ أخبرتني وسأدبر أمري ..”
رددت بهدوء :-
” أعددت العشاء لك لإنك مريض قليلا وليس لأي سبب ثاني .. عندما تتعافى وتعود الى صحتك ستعد العشاء لنفسك اما وجبة الغداء فسوف نتشارك بإعدادها ..”
” ولمَ كل هذا التعب ..؟! المطاعم موجوده ..”
هتف بها وهو يضحك بخفة لترد ببرود هذه المرة :-
” اطلب من المطعم إذا أردت .. أما أنا فسأعد طعامي بنفسي ..”
أخذ نفسا عميقا ثم تسائل بتعب :-
” الى متى يا حياة ..؟!”
سألت مدعية عدم الفهم :-
” الى متى ماذا ..؟!”
رد بجدية :-
” إلى متى سوف تستمرين هكذا .. إلى متى ستتجاهليني وكأني مرض معدي ؟! وإلى متى ستتجنبين حتى التواجد معي في مكان واحد ..؟! الى متى ستتعاملين معي بهذا البرود ..؟!”
قاطعته بجدية:-
” هذا إسلوبي الجديد وهذه طريقتي الجديدة .. ”
قال رافضا :-
” كلا يا حياة .. أنت تفعلين ذلك عن قصد .. مرت العديد من الأيام بل الأسابيع وأنتِ ما زلتِ كما أنتِ .. كل يوم أستيقظ على أمل أن تخففي من برودك وجفائك معي او على الأقل تمنحيني الفرصة للتحدث ..”
” عن أي شيء ستتحدث ..؟! ماذا يمكن أن تقول ..؟! نديم انت لا تفهم .. الوضع لم يعد يناسبه مبرراتك .. هل تعلم لماذا ..؟! لإنني وبكل آسف إستوعبت إن زواجي منك كان خطئا .. خطأ لا مفر لي منه حاليا .. ”
تقدم نحوها يجذبها من ذراعها مرددا بقوة :-
” زواجنا ليس خطئا أبدا .. الخطأ الوحيد هو ما تفعلينه.. الخطأ يكمن في هروبك وإصرارك على تصرفاتك هذه دون حتى أن تمنحي نفسك حق السماع وتمنحيني حق التوضيح ..”
” لا أريد سماع شيء .. لا أريد سماع أي شيء منك .. لا أريد آمال جديدة كاذبة وأحلام لن تتحقق ..”
قالتها بعصبية وتشنج ليهتف بعدم تصديق :-
” انت لم تكوني هكذا .. لم يكن هذا تفكيرك .. مالذي غيرك فجأة بهذه الطريقة ..؟!”
” انا لم أتغير يا نديم كما تظن .. انا فقط إستيقظت .. إستيقظت من ذلك الوهم الذي بنيته في عقلي .. وهم لن يتحقق .. ”
أضاف بصوت متحشرج :-
” أنت معك فقط استخدمت قلبي .. انت الشخص الوحيد الذي بسببه وضعت عقلي جانبا وإستمعت لقلبي وحده والنتيجة إنني سقطت وتدمرت حياتي كليا ..”
سألها بعدم تصديق :-
” هل ترينني سببا في تدمير حياتك ..؟!”
ردت بسرعة تكتم دموعها :-
” أبدا .. انت لا دخل لك .. انا المسؤولة عن تدمير حياتي لإنني من دخلت علاقة غير ناجحة دون أن أدقق وأفكر كثيرا ..”
” ربما سننجح سويا ..”
قالها بصوت متأمل لتهز رأسها نفيا مرددة بعينين محتقنتين :-
” انا لن أتأمل شيء كهذا مجددا ..”
” حياة …”
قالها وهو يحاول التمسك بها لكنه حاولت دفعه وهي تردد بصوت متحشرج :-
” من فضلك اتركني ..”
قبض على ذراعها يقربها منه اكثر يردد وعيناه تحاصران عينيها :-
” لن أترككِ هذه المرة .. لقد منحتك وقتا طويلا تنفردين به تماما بعيدا عني ولكن هذا الوقت انتهى .. لن أسمح لك بتدمير كل شيء بيننا ولن أسمح لك أن تهدمي ما بنيناه ..”
صرخت وهي تضربه على صدره لا إراديا :-
” نحن لم نبني أي شيء .. أساسا لا يوجد نحن .. يوجد انت .. وإن كانت هناك واحدة سيقترن إسمها بك فهي ليلى ولست أنا ..”
ابتعدت عنه تهمس بتوسل :-
” اتركني ارجوك .. اتركني واذهب إليها ..”
وقبل أن تنهي كلماتها كان يقاطعها وهو يجذبها نحوه بقبلة مفاجئة اقتحمت شفتيها دون وعي منها ..
تجاوبت معه لا إراديا فهي تحبه رغم كل شيء لكن بعد لحظات دفعته مرغمة وهي تردد بصوت لاهث :-
” نحن نتطلق .. كيف تفعل شيئا كهذا ..؟!”
قبض على ذراعها مرددا :-
” نحن لن نتطلق ..”
همست بعدم استيعاب :-
” ماذا تقول انت ..؟! نديم لا تنسى اتفاقنا .. لقد اتفقنا على الطلاق وانت وعدتني ..”
جذب وجهها بين كفيه يردد وهو ينظر نحو عينيها بقوة :-
” نعم وعدتك لكنني أدركت الآن حقيقة إنه لا يوجد سبب مقنع يدفعنا للإنفصال لذا أعذريني فأنا لن أطلقك حتى يكون هناك سببا يستحق ذلك ..”
” لا تفعل ذلك يا نديم …”
قالتها بترجي ليهتف :-
” ماذا افعل يا حياة ..؟!”
ردت بتوسل والدموع تترقرق داخل عينيها :-
” لا تتسبب بإيلامي اكثر .. لا تكن سببا في تدميري …”
” متى ستتعلمين أن تثقي بي يا حياة ..؟! متى ستدركين إنني أخاف عليك أكثر من خوفي على نفسي ..؟!”
قالها بصدق وعيناه تحاصران عينيها لتهتف بتوسل باكي :-
” توقف من فضلك .. لا تفعل ذلك …”
لكنه لم يتوقف بل أكمل بنفس القوة والثبات :-
” متى ستفهمين ماذا تعنين لي ..؟! كم وجودك ضروري في حياتي .. ؟! كم إنني أريدك معي ..؟! أحتاجك جانبي ..؟! الى الابد ..”
أطلق تنهيدة طويلة قبل ان يقول وهو يقرب وجهه من وجهها أكثر :
” اريدك يا حياة انت دون سواك .. اريدك الى الابد … اريد الى ما لا نهاية ..”
تجمدت اطرافها عندما شعرت بشفتيه تلامس شفتيها فلم تستطع المقاومة هذه المرة وقد سقطت جميع أسلحتها أمامه ليميل بها فوق السرير وهو ما زال يحتضنها بين ذراعيه يقبلها برقة تجعلها تذوب تماما بين ذراعيه ..!!

كانت نائمة بين ذراعيه تتأمله وهو يغط بنوم عميق والسلام يسكن ملامحه ..
تذكرت آخر ما تفوه به وهو يجذبها بين ذراعيه يحاوطها بجسده قبل أن يغفو وهي بين أحضانه :-
” وأخيرا ستنامين بين ذراعي كما رغبت دائما …”
لا تصدق كيف حدث كل شيء فجأة وكيف استسلمت له ..؟!
أين ذهب قرارها بالإنفصال ..؟! ليس هذا ما عاهدت نفسها عليها .. ليس هذا أبدا …
كان عليها أن تمنعه .. أن توقفه عما يفعله بدلا من التجاوب معه بهذه السهولة وتسليمه جسدها وروحها وقلبها على طبق من ذهب …
لا تنكر إن كل شيء كان رائعا وإنه تعامل معها بطريقة جعلتها تشعر إنها فراشة تطير في الفضاء الواسع …
لا يمكنها أن تنكر هذا مهما حدث مثلما تعلم جيدا إن هذه الليلة طبعت داخل قلبها .. ليلة لن تنساها مهمت حدث .. تلك اللحظات التي قضتها بين ذراعيه جعلتها تحلق عاليا .. جعلتها تنسى كل شيء .. كل حائل يقف بينهما وكل ماضي وكل ظلام يملأ كيانه …
نست كل شيء ولم يتبقَ سوى هو وعشقها له فوجدت نفسها تتجاوب معه ببساطة .. تذوب بين ذراعيه …
ورغم برائتها وخجلها استطاع هو بكل بساطة أن يجذبها الى عالم مختلف تماما فلم تشعر بنفسها إلا وهي تنجرف معه وموجة من المشاعر المحمومة تقتحم روحها دون هوادة ..
لمست لحيته بأناملها تشعر بألم داخل قلبها ..
لم كل شيء عليه أن يكون معقدا الى هذا الحد ..؟!
لماذا كتب عليها أن تحب رجلا مظلما مثله ..؟!
رجلا يملك ماضي مؤلم وطويل ..؟!
لماذا كتب عليها أن تدخل في علاقة معقدة كهذه ..؟!
لماذا لم يكن نديم شخصا عادية أحبها وأحبته .. ؟!
لماذا لم تعش علاقة حب اعتيادية تكون نهايتها حفل زفاف بسيط يتبعه اطفالا نتاج عشقهم ..؟!
شعرت بدموعها تتراكم داخل عينيها فإبتعدت فورا عنه وسحبت جسدها من داخل جسده بخفة قبل ان تسارع وترتدي ملابسها وتتسحب خارج الغرفة تاركة إياه غارقا في نومه ..!!
دلفت الى غرفتها وجلست فوق سريرها تكتم دموعها …
كلا لن تبكي بعد الآن .. ليس بعدما حدث ..
ما حدث الليلة كان بكامل إرادتها وعليها أن تتحمل مسؤولية ما حدث مثلما عليها أن تعيد حساباتها وتفكر في قرارها مجددا ..
بعدما حدث ليس من السهل أن تتجاهل كل شيء كما أرادت وتعاود الإنغلاق على نفسها … لن يكون سهلا ابدا …
غطت وجهها بكفيه بعدما أخذت نفسا عميقا وعقلها المشوش يبحث عن القليل من السكون كي يتوصل الى قرار نهائي ومريح لكليهما … !!
نهضت من فوق سريرها تتجه نحو النافذة تنظر الى الظلام الدامس خارجا فتتذكر تفاصيل ما حدث بينهما مجددا فتضطرب مشاعرها بقوة …
تختلط المشاعر عليها بين الخجل والسعادة والضيق …!!
لا تعرف أي مشاعر يجب أن تستقر عليها وترضى بها ..
هل تفرح بما حدث ام تغضب منه ..؟!
هل تؤنب نفسها أم تعتبر تصرفها فرصة أخيرة لعلاقتهما ..؟!
أغمضت عينيها وهي تستند بجبينها على زجاج النافذة البارد تحاول ألا تفكر في تلك اللحظة بأي شيء ..
لحظات قليلة وشعرت بكفين يقبضان على كتفيها فإستدارت مجفلة تتأمله ليبتسم لها مرددا :-
” لماذا لم تبقِ معي ..؟!”
سألته بتلعثم :-
” متى استيقظت ..؟!”
رد وهو يمرر أنامله بين خصلات شعرها :-
” قبل لحظات وشعرت بالإحباط عندما لم أجدك بين ذراعي …”
ابتعدت عنه تحتضن جسدها بين ذراعيها عندما همس متسائلا :-
” ماذا يحدث يا حياة ..؟!”
اضاف متنهدا بتعب :-
” انظري انا لست مستعدا لسماع أي شيء يعكر سعادتي بعدما حدث …”
هتفت بصدق وهي تتأمله بعينيها العاشقتين :-
” آخر ما أريده هو أن أعكر سعادتك يا نديم …”
” كوني معي وسأكون سعيد دائما يا حياة ..”
قالها وهو يتقدم نحوها محيطا وجهها بين كفيه لتهتف بتردد:-
” نديم ، انا فقط …”
توقفت عن حديثها فسأل بقلق :-
” هل انت نادمة عما حدث بيننا يا حياة ..؟!”
ردت بنظرات مشتتة :-
” لا أعلم …”
ابعد يديه فورا من حول وجهيها وقد ظهرت الخيبة على ملامحه فقالت بسرعة مبررة :-
” لا تتضايق ارجوك .. كل شيء حدث بسرعة .. انت تعرف صعوبة ما مررنا به وانا فعليا تائهة في هذه اللحظة .. هذا لا يعني إنني نادمة ولكن ..”
قاطعها بصوت مرهق :-
” حسنا يا حياة .. تحدثي بصراحة وقولي ما تريدينه …”
ردت بخفوت :-
” لا يوجد شيء أريده يا نديم حتى الآن ولا يوجد ما أريد قوله حاليا ..”
اخذت نفسا عميقا ثم قالت :-
” ما حدث دمر كافة مخططاتي … اظن إن كلينا يحتاج الى التفكير جيدا في الوضع القادم …”
” فكري يا حياة .. فكري كما تريدين … القرار لك ..”
قالها بهدوء قبل ان ينسحب خارجا من غرفتها وملامح الخيبة واضحة على ملامحه ..!!
لقد خذلته مجددا وما أصعب خذلانها له …!!
…………………………………………………………………

في صباح اليوم التالي
دلفت مريم الى غرفة ليلى التي كانت تقف امام المرآة تصفف شعرها فتقدمت مريم نحوها تهتف بمرح :-
” صباح الخير ..”
ردت ليلى بإقتضاب :-
” صباح النور ..”
أضافت ببرود :-
” ألم أخبرك مسبقا أن تستأذني اولا قبل الدخول ..؟!”
مطت مريم شفتيها تردد :-
” يبدو إن مزاجك سيئا اليوم … ”
ردت ليلى ببرود :-
” على العكس .. مزاجي جيد جدا .. يكفي إن والدي سيخرج اليوم .. ”
” هذا رائع رغم إنني أشعر العكس ..”
قالتها مريم بنبرة ذات مغزى لتلتفت ليلى نحوها تهتف بحدة :-
” كفي عن تلميحاتك السخيفة يا مريم .. حسنا ..؟!”
قالت مريم بغضب :-
” ماذا حدث لكل هذا ..؟! ألا يمكنني المزاح معك قليلا ..؟! ”
اكملت ساخرة :-
” وتقولين إن مزاجك رائعا ..”
تخطتها ليلى وهي تخرج من غرفتها لتتبعها مريم بضيق حيث هبطتا درجات السلم لتجدا والدتهما تهم بالخروج فقالت ليلى بسرعة :-
” الى اين تخرجين وحدك ..؟! انتظريني لآتي معك …”
قالت مريم بسرعة :-
” وانا ايضا سآتي معكما …”
قاطعتهما فاتن بجدية :-
” ولا واحدة منكما ستأتي معي .. سأذهب مع السائق وهناك ستكون ممرضة تعاونني … انتما انتظرا هنا حسنا ..”
” لكن لماذا …؟! لتذهب واحدة على الأقل منا معكِ..؟!”
سألتها ليلى بتعجب لتهتف فاتن بجدية :-
” ستبقيان هنا .. انا سأجلب والدكما وأنتما كونا في استقبال خالكما وزوجته فهما سوف يأتيان بعد قليل …”
أضافت بتحذير :-
” وجهزا أخيكما ليكون في استقبال والده ..”
” هل ستخبريه اليوم ..؟!”
سألتها ليلى بحذر لترد فاتن :-
” بالتأكيد لن يعود الى منزله ولا يرى ابنه .. هل سأخفيه عنه وهو يعيش هنا أم أكذب عليه ولا أخبره بتصرف سهام ..؟! لا تقلقي لقد تحدثت مع الطبيب قبل أن أقرر إخباره بما حدث …”
هزت الفتاتان رأسيهما بتفهم لتغادر فاتن فتتجه كلتاهما نحو صالة الجلوس عندما قالت ليلى بجدية :-
” سأرى عبد الرحمن وأجهزه لإستقبال والدي …”
هزت مريم رأسها بعدم اكتراث لتتجه ليلى نحو غرفة اخيها حيث وجدته يلعب مع مربيته عندما وقفت تتأمله للحظات بشعره الأشقر وملامحه التي بدت تشبه ملامحها الى حد ما كما أخبرتها والدتها وهذا ليس شيئا غريبا فهي شبيهة والدها حيث أخذت عنه شقاره وملامحه …!!
تقدمت بحذر لتنهض المربية تحييها بإحترام فقالت ليلى :-
” جهزي الصغير ليكون في استقبال والدي ..”
هتفت المربية بفرحة :-
” بالطبع يا هانم .. سيكون جاهزا في غضون دقائق …”
ثم اشارت الى الصبي :-
” هيا يا عبد الرحمن .. بابا سيأتي .. ستتجهز لتكون في استقباله ..”
قفز الصغير بفرحة :-
” بابا سيأتي ..”
اضاف وعيناه تلمعان :-
” وماما ستأتي معه ايضا …”
تأملته المربية بإحباط بينما ظهر الضيق على ملامح ليلى عندما أخبرتها قبل خروجها :-
” جهزيه بسرعة ..”
ثم خرجت من غرفة ووقفت خارجها بملامح مضطربة تتسائل عن مدى استمرارية ذلك الجمود الذي تحمله ناحية من يكون أخيها ..
ذلك الطفل الذي لا ذنب له بأي شيء والذي يحمل نفس دمائها ..!!
احيانا ترغب أن تتقرب منه وتتعرف عليه بل وتتعامل معه كأخت حقيقية لكن شعور النفور يسكنها مجددا عندما تتذكر إنه ليس شقيقها من والدتها وعندما تتذكر والدته وما فعلته بوالدتها بل وحتى بوالدها …
افاقت من افكارها على صوت مريم ترحب بخالها وزوجته في الأسفل فقررت الهبوط للترحيب بهما حيث هبطت ورحبت بخالها وزوجته اللذين جائا خصيصا لإستقبال والدها ..
تذكرت لا إراديا ما حدث البارحة وتوسلها السخيف بزاهر كي يبقى ورفضه لذلك ..
لا تعرف كيف فعلت هذا فهي لم تكن ضعيفة يوما ولم تفعل ذلك مسبقا لكن مشاعرها المنهكة وقتها ورغبتها بوجود شخص داعم مثل زاهر غلبتها فتصرفت بتلك الطريقة الغبية ..
تشعر بالخجل من نفسها وهي تتذكر محاولته لطمأنتها وإعتذاره عن البقاء معها كونه مضطرا ان يغادر البلاد ..!!
عضت على شفتيها بقوة عندما استأذنت الجميع واتجهت الى الخارج حيث الحديقة لتأخذ نفسا عميقا هناك …
اغمضت عينيها تشعر بنسمات الهواء تلفحها فتبتسم وهي ما زالت مغمضة عينيها عندما سمعت صوتا يهمس جانبها :-
” أتسائل بفضول شديد عما تفكرين به في هذه اللحظة ويجعلك تبتسمين بهذه الطريقة …؟!”
فتحت عينيها والتفتت بسرعة تهتف بعدم تصديق :-
” زاهر ..؟!”
ابتسم مرددا :-
” نعم زاهر ..، مفاجئة أليس كذلك ..؟!”
سألته وما زالت الدهشة تسيطر عليها :-
” ألم تسافر ..؟!”
رد مبتسما بهدوء :-
” كنت على وشك السفر .. تراجعت في اخر لحظة ..”
سألته بإضطراب :-
” لماذا ..؟!”
رد ببساطة :-
” شعرت إنك تحتاجين لوجودي اكثر من عملي الذي ينتظرني ..،”
هتفت بتلعثم :-
” زاهر …”
رد بجدية :-
” لا تقولي شيئا .. لم أبقَ هنا لأنتظر منك شيئا ولا لأجبرك على شيء .. انا هنا لأكون جانبك .. كصديق او ابن خال .. كما تريدين .. المهم إنني معك وبجانبك … ”
هتفت بعينين محتقنتين :-
” انت كيف يمكنك ان تكون هكذا ..؟!”
رد مبتسما :-
” كيف يعني ..؟!”
هتفت بصوت مبحوح :-
” كيف يمكنك أن تكون رائعا لهذه الدرجة ..؟!”
ضحك بخفة ثم قال وهو يتأملها بعشق فشل في السيطرة عليه :-
” غريب ان تسألي ذلك وانت بكل هذه الروعة … زهرة خلابة محظوظ من ينال قربها .. قطعة من القمر لا ينالها أي شخص ..”
ضحكت بخجل وقد لمعت عيناها لا إراديا من كلماته ورغما عنها هناك شعور بالإطمئنان ملأ كيانها عندما وجدته جانبها مجددا ..!!
………………………………………………………
اوقف سيارته امام المقهى الذي اتفقا أن يتقابلا به ..
هبط من سيارته بملابسه الشبابية الأنيقة وتلك النظارة الشمسية التي تخفي عينيه وإبتسامة مرحة مرسومة فرق شفتيه وهو يطالع تلك الفتاة الجميلة التي مرت جانبه اثناء دلوفه للمقهى ..
دلف الى المقهى واخذ يبحث عنها بعينيه قبل ان يجدها تجلس على احدى الطاولات جانب النافذة الواسعة ..
ملامحها جامدة تماما وعيناها شاردتان .. تبدو بائسة بشكل مريب .. وجهها شاحب للغاية وكل شيء بها يدل على مدى تعبها وألمها ..
زفر أنفاسه بتعب وهو يتقدم نحوها يسحب الكرسي المقابل لها ويجلس عليه لترفع بصرها نحوه فتلتقي نظراتها الجامدة بنظراته المتسائلة الحذرة ..
كان يتسائل من خلال نظراته عما يحدث خاصة بعدما اتصلت به تطلب مجيئه بهذه السرعة …؟!!!
مالذي حدث معها وأرادت رؤيته سريعا ..؟!
اما هي فنظراتها ايضا كانت متسائلة وحائرة في نفس الوقت ..!! حائرة للغاية ..!!
هذا الرجل الماثل أمامها .. هذا الشاب الذي جمعتها به علاقة آثمة ستبقى موصومة بعارها الى الأبد ..!!
لم يعد هو نفسه الشاب الذي شاركها خطيئتها .. لقد نتج عن تلك الخطيئة جنين .. جنين ينمو داخل رحمها .. جنين نتاج ذنب عظيم وخطيئة ارتكبها كلاهما .. خطيئة لا تنسى ولا تغتفر ..!!
هذا الرجل هو والد طفلها الغير شرعي .. طفلها الذي لو علم فيما بعد كيف تكون داخلها لكرهها وكره والده وكره كل شيء يخصهما ..
جفلت لا إراديا وهي تتخيل المستقبل مع طفل من صلاح ..
صلاح الذي كان صديقا عابرا تلتقيه بين الحين والآخر ..
صلاح الشاب الطائش المستهتر ذو العلاقات النسائية المتعددة … صلاح بكل طيشه واستهتاره ولا مبالاته …
وماذا عنها ..؟! ماذا عنها وهي التي تعاني من الكثير من المشاكل التي لا نهاية لها ..؟! ماذا عنها وهي تائهة مشتتة طوال الوقت عاجزة عن الثبات على موقف محدد ..؟!
كيف يمكنها أن تنجب طفلا كهذا للحياة ..؟! طفلا سيولد لأب مستهتر لا مبالي وأم مهزوزة دائما …!!!
كانت أفكارها تقتلها دون رحمة وخيالاتها تتقدم نحو الأسوء بإستمرار حتى أفاقت على صوته ينادي عليها فهمست بخفوت وهي تخفض عينيها نحو الطاولة فلا تريد مواجهة عينيه :-
” نعم ..؟!”
هتف متعجبا :-
” لقد طلبت رؤيتي .. ماذا حدث ..؟! أخبريني …”
رفعت وجهها بسرعة وقد ظهر التوتر جليا على ملامحها وهي تفكر فيما ستقوله ..!!
هل ستعترف له ..؟! هل ستخبره الحقيقة ..؟! هل ستخبره بأمر حملها منه ..؟!
توترت ملامحها فهتف محاولا تهدئتها دون أن يفهم سبب هذا الإضطراب والتوتر :-
” اهدئي يا نانسي وأخبريني ماذا هناك …”
ابتلعت ريقها وأخذت تنظر اليه بعين مذعورتين للحظات قبل ان تهتف به :-
” عمي يريد رؤيتك …!!”
اخذ نفسه مرددا :-
” كل هذا التوتر لأجل ذلك ..؟!! لقد شعرت بالقلق من ملامحك حقا .. لا بأس .. سأقابله بالطبع ..”
هتفت بلا وعي :-
” ارجوك أقنعه بصحة زواجنا .. يجب أن نتزوج سريعا يا صلاح .. لم يعد يهمني رأي والدتي .. هي حرة في قرارها .. عمي هو ولي أمري .. ارجوك دعه يوافق ..”
قال صلاح بجدية :-
” سأفعل ذلك بالطبع .. لا تقلقي يا نانسي … انا وعدتك ..”
هزت رأسها بملامح مترددة قبل ان تقول :-
” لقد تحدثت معه البارحة .. كما أخبرتك هو طلب مقابلتك ليتحدث معك ..”
” جيد ، سأقابله متى ما يريد …”
قالت مضيفة :-
” لقد حدث شيء ايضا ..!!”
عقد حاجبيه متسائلا:-
” ماذا حدث ..؟!”
اجابت بتردد :
” لقد كنا انا وهايدي عنده وهايدي أخبرته إنك تعمل .. يعني بدأت فعليا بالعمل مع أخيك في شركة العائلة ..”
رفع صلاح حاجبه مرددا بعدم فهم :-
” شركة العائلة ..؟!”
اضاف بجدية :-
” نحن لا نمتلك شركة يا نانسي .. اخي اساسا طبيب .. واملاكنا وثروتنا عبارة عن عقارات واموال في البنوك وطبعا المشفى الذي يكون أخي شريف احد المساهمين الرئيسيين فيها …”
اكمل بجدية :-
” اما بالنسبة لمجموعة شركات الخولي فهي انتقلت ملكيتها لعمي حسين رحمة الله عليه بعدما باع كلا من أبي وعمي رحمة الله عليهما أسهمهما في الشركة له مقررين استثمار تلك الأموال بشكل مختلف بعيدا عن التجارة …”
قالت نانسي بحذر :-
” اعتذر حقا .. لقد قلنا هذا دون تفكير عندما سألنا عمي عن عملك .. ماذا كان بوسعنا ان نفعل ..؟!”
رد بجدية :-
” انا لا احتاج الى العمل يا نانسي .. لدي اموال كثيرة .. كما ان حصصي من اجارات العقارات والمحلات والعمارات وغيرها تجعلني أعيش ملكا ..”
قاطعته نانسي :-
” هذا الكلام لن يفهمه عمي يا صلاح .. أخبره إنك تعمل بالفعل .. لن تخسر شيئا ..”
زفر أنفاسه بملل قبل ان يهز رأسه وهو يردد بملل :-
” حسنا حددي موعدا لي مع عمك …”
قالت بسرعة :-
” سأتصل به حالا ..”
ثم اخرجت هاتفها تتصل بعمها بينما اشار صلاح الى النادل يطلب منه مشروبا ..
بعدما غادر النادل مدونا طلبه انهت نانسي مكالمتها ليتسائل صلاح بإهتمام :-
” هل حددتِ موعدا معه ..؟!”
اومأت برأسها واجابت :-
” بإمكانك الذهاب اليوم او في يومي العطلة صباحا وحتى العصر فهو متواجد في المنزل طوال هذه الفترة ..”
” يعني يمكنني رؤيتي اليوم ..؟!”
سألها بجدية لترد :-
” نعم .. هو قال ذلك ولكن هل ستذهب حقا لرؤيته اليوم ..؟!”
رد بأريحية :-
” ولم لا .. ؟! دعينا ننتهى من هذا الأمر بسرعة ..”
” اتمنى ان تنجح في إقناعه حقا يا صلاح وسأكون ممتنة لك …”
ابتسم بخفة دون رد ثم قال بعد لحظات :-
” سأتناول عصيري بسرعة ثم اغادر لمقابلته ..”
هزت رأسها وهي تبتسم له بإمتنان قابله هو بإبتسامة لم تصل الى عينيه .. ابتسامة كانت مصطنعة …!!
………………………………………………………….
جلس امام والده الذي اخذ ينظر اليه بإهتمام فتسائل نضال :-
” نعم أبي .. ماذا هناك …؟!”
تنهد أشرف ثم قال :-
” أريد أن أفهم ماذا سيحدث بعد الآن ..؟! ماذا ستفعل ..؟!”
” ماذا سيحدث يعني ..؟!”
سأله نضال ببرود ليرد أشرف بجدية :-
” يا بني لا تتصرف هكذا … سكوتك بهذه الطريقة ليس حلا على الإطلاق .. لقد حدث ما حدث ..”
” جيد إنك تعلم ذلك .. لقد حدث ما حدث ولا مجال للعودة ..”
قالها بإقتضاب ليهتف والده بقوة :-
” ولكن انا لن أسمح لك أن تبقى على حالتك هذه بسبب قرار طائش اتخذته والدتك .. لا أستطيع أن أبقى صامتا وانا أراك في هذه الحالة …”
رد نضال بهدوء :-
” لا تقلق .. سأكون بخير …”
اكمل مبتسما بإستخفاف :-
” كما إنه لا حاجة للقلق .. انا لست حزينا او بائسا .. انا فقط أردت الإنفراد بنفسي قليلا .. ترتيب أولوياتي … يعني نوع من المحاولة للوصول الى مرحلة جديدة ومختلفة !!”
” وهل وصلت لتلك المرحلة ..؟!”
سأله والده بإهتمام ليرد ببرود :-
” سأصل بالتأكيد .. لكن مهما وصلت الى مراحل مختلفة وجديدة ومهما فعلت وأنجزت سيظل السلام والإستقرار بعيد عني تماما ..”
” لماذا تقول هذا يا بني ..؟!”
سأله أشرف بقهر ليرد نضال بشرود :-
” ربما لإن كلاهما غادراني منذ سنوات ولم يعودا من حينها …”
” ألن تخبرني ما حدث قبل سنوات وما قصة رويدا تلك ..؟!”
سأله والده بجدية ليرد نضال مبتسما بمرارة :-
” لا أريد .. لا أريد التحدث ولا التذكر مع إنني لا أنسى ولو للحظة واحدة ..”
اكمل وهو ينظر الى والده بقوة :-
” لن أتخطى ذلك الماضي مهما حدث يا أبي … سيبقى ملتصقا بي الى الأبد .. هل تعلم ..؟! مرة واحدة فقط شعرت إن هناك أملا بنسيان ما حدث .. مرة واحدة فقط .. وحتى هذه المرة لم أنجح في الحصول عليها ..”
” عن أي مرة تتحدث ..؟! هل تقصد حياة ..؟!”
سأله والده بحذر ليبتسم نضال مرددا بشرود :-
” نعم حياة .. الوحيدة التي شعرت إنني وجدت بها ضالتي .. لولا القدر ولولا وجود حائل بيننا ربما وجودها في حياتي كان سيساعدني كثيرا .. هي الوحيدة التي شعرت إنها ستعوضني عن كل ما مررت به … هي الوحيدة التي رجوت منها أن تطهرني من كافة ذنوبي لكنها غادرتني هي الأخرى .. غادرتني بسرعة كبيرة … غادرتني قبل أن أستطيع الوصول إليها أو أجد الوقت للمحاولة حتى ..!!”
هم والده بالتحدث لكن دخول الخادمة وهي تخبره عن قدوم صلاح اوقفه فأشار لها ان تسمح له بالدخول …
دلف صلاح مبتسما بثقة متعمدة متقدما نحو اشرف الذي نهض لإستقباله معرفا عن نفسه :-
” صلاح الخولي …
رد اشرف وهو يبادله التحية :-
” اهلا يا صلاح .. ”
هنف صلاح بثقة :-
” سعدت برؤيتك يا أشرف بك …”
” انا الأسعد ..”
قالها أشرف وهو يتأمل ثقته بنفسه وطريقته بالتعريف عن نفسه بإعجاب مبدئي عندما أشار الى نضال :-
“نضال مختار .. ابني الكبير والوحيد ..”
التفت صلاح نحو نضال الذي نهض يحييه فحياه بدوره قبل ان يجلس قبالا له عندما سأله اشرف عما يحب أن يتناول فأخبره إنه يفضل القهوة المعتدلة الحلاوة …
بعد مدة من تبادل الأحاديث العادية تسائل أشرف :-
” إذا أين تعمل الآن يا صلاح ..؟!”
رد صلاح بجدية :-
” انا أعمل حاليا في شركات العائلة التي يديرها ابن عمي .. عمار الخولي .. بالتأكيد تعرفه ..”
ارد اشرف بجدية :-
” نعم بالطبع اعرفه .. ”
قال صلاح :-
” انت بالطبع تعرف يا بك سبب مجيئي .. انا اريد الزواج من نانسي .. انا وهي نحب بعضنا ونرغب أن نتزوج .. ”
” نعم ، أخبرتني نانسي بذلك ..”
قالها أشرف بجدية ليهتف صلاح مبتسما :-
” نعم أعلم مثلما أعلم رفض والدتها الغير مبرر لي ولهذا نانسي طلبت مني التحدث معك ..”
” والدتها تفكر من منطق أم تخشى على ابنتها …”
قالها أشرف بدلوماسية تحت انظار نضال المتابعة للحوار بصمت فهتف صلاح متسائلا :-
” هل تسمح لي بالتحدث اولا يا بك ثم بعدها يمكنك الحكم علي ..؟!”
” بالطبع يا بني ..”
قالها أشرف مبتسما وهو يتبادل النظرات مع نضال ليبتسم صلاح بدوره ويهتف :-
” انظر يا عمي .. سأكون صريحا في كل شيء أقوله .. انا شاب من عائلة ثرية .. خريج جامعي وفي السادسة والعشرين من عمري .. حياتي السابقة كانت عبارة عن سفر وسهرات وبعض النزوات .. نعم انا لن أخفي شيء عنك .. تصرفاتي لم تكن صحيحة لكن مثلي مثل أي شاب تصرفت بطيش لا أخجل من الإعتراف به .. انا اعرف نانسي منذ زمن لكن علاقتنا كان طفيفة .. يعني مجرد سلام وحديث عابر كونها كانت ابنة صديقة زوجة عمي واضافة الى ذلك هي زميلة لبعضا من أصدقائي في المدرسة والذين درسوا معها في نفس الجامعة .. مختصر الكلام منذ فترة حدثت مواقف بيني وبينها فبدأت مشاعري تتحرك نحوها ولإنني أعرف جيدا إن نانسي مختلفة وليست من النوع التي تحبذ العلاقات دون إرتباط رسمي قررت أن أفكر جيدا وأدرس مشاعري ومدى إمكانية دخولي في علاقة ناجحة .. يعني درست الموضوع من جميع الجوانب .. من جهة أردت التأكد من صدق مشاعري ومن جهة كان علي التأكد من قدرتي على بدء حياة جديدة ومختلفة كرجل مقبل على الارتباط …”
” تفكير رائع وعقلاني جدا ..”
قالها أشرف يتأمله بإعجاب ليضيف صلاح بنفس الثقة واللباقة :-
” قراري ليس وليد فترة قصيرة .. لقد اخذت شهورا طويلة قبل أن اتأكد من مشاعري وما أريده وقبل أن أصارح نانسي حتى .. انا بالفعل أحب نانسي وأريدها زوجة لي وسأكون الزوج المناسب لها .. أتفهم مخاوف والدتها لكن من غير العدل أن تحاسبوني على الماضي والذي يمر بها الكثير من الشباب .. المهم هو القادم .. المهم هو ما سأفعله مستقبلا .. الماضي انتهى وانا قررت التغير لأجل دخولة مرحلة جديدة في حياتي مع الإنسانة التي أحبها .. انا حتى بدأت العمل بالفعل … ”
قاطعه أشرف :-
” ما تقوله منطقي جدا .. أعجبتني صراحتك معي يا صلاح .. انا شخصيا اشجع التغيير واتفهم التغيرات التي يمر بها الجميع .. مثلما قلت الجميع يعيش فترات مختلفة من الطيش .. المهم النهاية .. وانت واضح جدا كم تريد نانسي وواضح مدى تمسكك بها ..”
هتف صلاح يسأله :-
” يعني أفهم من حديثك إنك موافق ..؟!”
رد أشرف :-
” نعم يا صلاح انا موافق .. طالما انت تريدها وهي تريدك وطالما ستتغير حقا لأجلها فأنا سأمنحك الفرصة بل سأمنح كليكما الفرصة ..”
هتف صلاح مصطنعا السعادة :-
” انا سعيد حقا .. متى أجلب عائلتي اذا ..؟!”
رد اشرف :-
” امنحني يومين فقط وسأخبر نانسي بالموعد المناسب .. فقط سأحاول التحدث مع والدتها اولا علي أقنعها بأمر زيجتكما ..”
نهض صلاح من مكانه مرددا :-
” حسنا اشرف بك .. سأنتظر موعدا منك اذا …”
” ان شاءالله ..”
قالها اشرف وهو ينهض مودعه ليغادر صلاح فينظر اشرف الى نضال يخبره :-
” يبدو جيدا حقا ..”
مط نضال شفتيه مرددا :-
” حديثه جيد ومقنع لكن لا يمكن الحكم عليه من بضعة كلمات منمقة …”
ابتسم اشرف بشرود مفكرا في صلاح وضرورة البحث خلفه وايضا ضرورة التحدث مع زوجة اخيه الراحل وإقناعها بالموافقة ..!!
…………………………………………………………..
كانت تسير داخل جناح الفندق ذهابا وايابا والتوتر يملأ كيانها بينما اختها تتابع بصمت حتى هتفت بضجر :-
” هل يمكن أن تجلسي قليلا .. ؟! لا أفهم ما سبب كل هذا القلق ..”
ردت نانسي :-
” صلاح في منزل عمي الآن .. وربما يدمر كل شيء ..”
” لماذا تعتقدين هذا ..؟! هل صلاح طفل صغير ليتصرف بطريقة تضايق عمي ..؟!”
هتفت بها هايدي بدهسة لتتجه نانسي وتجلس جانبها مرددة :-
” الأمر لا يقتصر على هذا يا هايدي .. هل نسيت أمر كذبتنا ..؟! قلنا إنه يعمل مع أخيه في شركتهما وأخوه اساسا طبيب ولا يوجد لديهما شركة ..”
ردت هايدي بلا مبالاة :-
” سيتصرف ويجد مبررا او نحن نجد مبررا لذلك .. لا أرى مشكلة كبيرة لهذا الحد ..،”
” انا مرعوبة يا هايدي وتعبت حقا من كل ما يحدث ..”
قالتها نانسي وهي تضع رأسها بين كفيها بإنهاك لتهتف هايدي بجدية :-
” يكفي يا نانسي .. حقا يكفي … انت تدمرين نفسك .. ”
أضافت بقوة :-
” حتى لو لم تحدث تلك الزيجة .. لن ينتهي العالم .. ”
نظرت نانسي اليها تتسائل بعدم فهم :-
” مالذي تقولينه يا هايدي ..؟!”
نهضت هايدي من مكانها تقول بقوة رغم ترددها :-
” اقول الحقيقة .. لن ينتهي العالم بسبب خطأ ارتكبته دون قصد .. نعم خطأ كبير لكنه لن يكون نهاية العالم .. اذا لم تتزوجي صلاح فيمكننا معالجة الأمر بأكثر من طريقة ..”
نهضت نانسي من مكانها تسألها بحدة :-
” كيف ..؟! كيف ستعالجينه ..؟!”
ردت هايدي بجرأة :-
” هناك اكثر من طريقة .. عملية بسيطة تعيد عذريتك .. طريقة سهلة جدا ولا تحتاج لكل هذا التضخيم ولا التوسل بصلاح بك ليتزوجك ..”
” انت جننتِ حتما ..”
قالتها نانسي بعينين متسعتين غير مصدقتين لترد هايدي :-
” على العكس تماما .. انا أفكر بعقلانية .. لو كنت مكانك لفعلت ذلك دون تردد بدلا من الجري وراء شاب وترجيه ليتزوجني .. اساسا لا أعلم كيف يمكنك الوثوق بشخص مثله ..؟! شخص مستهتر .. وفوق ذلك استغل عدم وعيك وسرق عذريتك ..”
” يكفي يا هايدي …”
قالتها نانسي وهي تشعر بالغثيان لترد هايدي مشددة على حديثها :-
” كلا لا يكفي .. مالذي يجعلك تقللين من نفسك وكرامتك لهذه الدرجة بل والتوسل بشاب غير أهل للثقة ابدا ..؟! ”
صاحت نانسي بتعب :-
” لإنه لا حل اخر امامي .. لإنني أخطأت معه .. لإنني خسرت شرفي يا هايدي .. من الواضح إنك لم تدركي بعد مدى صعوبة ذلك ..”
نظرت هايدي اليه بتردد لتضيف نانسي بقوة :-
” دعيني أخبرك الأقوى اذا .. ولإنني أحمل طفله ايضا ..”
سيطرت الصدمة على ملامح هايدي لتضيف نانسي بألم :-
” هل أدركت الآن حجم المصيبة التي وقعت بها ..؟! هل ما زلت ترينني أبالغ يا هايدي ..؟! هل لديك حل ايضا لتلك المشكلة ..؟!”
” انت تمزحين ..”
قالتها هايدي بعدم تصديق لتهتف نانسي بدموع حارقة :-
” لقد علمت بذلك البارحة .. انا حامل يا هايدي .. حامل من صلاح .. آثار تلك الليلة ونتائجها تزداد لا تنقص ..”
” يا إلهي ..”
قالتها هايدي بإنفعال قبل ان تجلس على الكنبة مرددة بنبرة مرتجفة :-
” ما هذه المصيبة التي حلت فوق رؤوسنا ..؟!”
قالت نانسي باكية :-
” الوضع يزداد سوءا وانا لا يمكنني التحمل أكثر .. انا مجبرة على اكمال هذه الزيجة .. مجبرة لست مخيرة يا هايدي ..”
نظرت هايدي اليها بصمت مريب للحظات قبل ان تردد بثبات مخيف :-
” سوف تجهضينه ..”
ارتجف جسد نانسي بالكامل مما سمعته فنهضت من مكانها تردد بعدم استيعاب :-
” ماذا تقولين يا هايدي ..؟!”
نهضت هايدي من مكانها تردد بنفس الثبات :-
” سوق تجهضين هذا الطفل يا نانسي …”
اكملت عندما لاحظت التردد بعيني اختها :-
” انت لن تنجبي هذا الطفل .. بالتأكيد لا تنوي أن تنجبي طفلا من رجل سيتزوجك فقط لكي يعيد لك شرفك الضائع … رجل لا يمكن أن يتحمل مسؤولية طفل لإنه لا يتحمل مسؤولية نفسه من الأساس .. انت لن تنجبي طفلا من رجل مثل صلاح ..”
اكملت بقوة وهي تلاحظ جمود ملامح شقيقتها :-
” ستتخلصين من هذا الطفل .. لأجلكِ ولأجل الطفل نفسه .. هذا سيكون أرحم من ولادته لأبوين تزوجا مجبرين … أرحم من أن يكون والده شخص كصلاح .. ارحميه وارحمي نفسك يا نانسي فأنت لا يمكنك تحمل مسؤولية كهذه خاصة في الوقت الحالي ..!!”
…………………………………………………………….
دلف الجميع الى القصر اولهم راغب تتبعه همسة وخلفهما زهرة يتبعهم فيصل وتوليب واخيرا مهند …
التفت راغب نحو مهند مرددا :-
” هل أعجبك ما حدث ..؟! الفتاة كادت أن تموت بسببك …”
قالت همسة بتوسل :-
” يكفي يا راغب .. هذا ليس الوقت المناسب ..”
التفت نحوها صائحا :-
” اصمتي انت .. انت لا تعرفين شيئا .. اخي المحترم جعلني رجلا كلمته ليست صادقة أمام عمار الخولي …”
هتف مهند بإستفزاز :-
” هذا ما يهمك اذا .. ليست جيلان من تهمك ووضعها .. ما يهمك هو إنني لم أوفِ بعهدك امام عمار وأحافظ على اخته ..”
” انظر الي ، كلمة اخرى وسأقتلك في مكانك …”
قالها راغب بغضب مخيف ليرد مهند ضاحكا بخفة :-
” يمكنك ان تفعلها .. مثلما يمكنك ان تفعل اي شيء كي تحقق ما تريد وتنال ما تريد وتجعل الجميع يتصرف كما تريد .. ”
” انتبه على كلامك جيدا يا مهند .. ”
قالها راغب بتحذير ليتسائل مهند بتحدي :-
” وإذا لم أنتبه ، ماذا ستفعل ..؟!”
” سأفعل هذا ..”
قالها راغب وهو يتقدم نحوه منقضا عليهما فتصرخ زهرة بقوة وهمسة بهلع بينما يحاول فيصل إبعاد راغب عن مهند ومعه توليب …
تقدمت زهرة تجذب راغب من ذراعه وهي تهتف به :-
” يكفي .. توقفا .. ارجوكما يكفي ….”
جذبت راغب بعيدا عن مهند تصرخ به بلا وعي والدموع تتساقط من عينيها :-
” يكفي حقا يكفي .. ألا تشعران بي أنتما .. تتقاتلان أمامي … تفعلان كل هذا وانا ووالدك ما زلنا أحياء لم نمت بعد ..”
هتف راغب بأنفاس لاهثة :-
” ابنك يحتاج الى تربيته من جديد يا امي …”
رد مهند بقوة :-
” انا احتاج الى تربية وانت تحتاج الى عقلية جديدة تماما …”
” قلت اخرس ..”
قالها راغب وهو يهم بالإنقضاض عليه لتصرخ زهرة وهي تقف بجسدها امامه :-
” هل جننت ..؟! ستضرب أخيك …”
” وأحطم رأسه أيضا إذا تجاوز حدوده معي ..”
قالها راغب بتجبر ليهتف مهند بقوة وهو يدفع فيصل الذي كان يقف امامه بعيدا متقدما نحو اخيه مرددا :-
” لا انت ولا عشرة منك يمكنهم فعل ذلك .. اذا كنت ل
انت راغب الهاشمي فأنا مهند الهاشمي … لن أسمح لأي مخلوق على وجه الأرض أن يحطم رأسي أو يؤذيني او يتحكم بي .. ”
هم راغب بالرد لكنه توقف على صوت والده يهتف بقوة :-
” ماذا يحدث هنا ..”
” عابد …”
قالتها زهرة بتوسل ليستدير الجميع نحوه فيتسائل عابد مجددا وهو يتقدم نحوهم ويقف امامهم مباشرة :-
” ماذا يحدث هنا بالضبط ..؟!”
كان الجمود يكسو ملامح كلا من راغب ومهند بينما التوتر يسيطر على ملامح البقية فصاح متسائلا بصرامة شديدة :-
” لماذا لا تجيبون ..؟! ماذا يحدث هنا ..؟!”
هتفت توليب بتردد :-
” جيلان تعبت قليلا وتم نقلها للمشفى …”
تسائل عابد بخوف شديد :-
” ماذا ..؟! متى حدث ذلك ..؟! وكيف وضعها الآن ..؟!”
تقدمت زهرة نحوه تقبض على كفه تردد محاولة تهدئته :-
” لا تقلق يا عابد .. هي بخير .. أصبحت بخير الحمد لله ..”
” ماذا حدث معها ..؟! لماذا تعبت ..؟!”
سأل زوجته بقلق قبل أن يمنح نظراته المتسائلة للبقية فقالت زهرة متلعثمة :-
” يبدو إنها تسممت و ..”
قاطعها راغب بقوة :-
” لا تكذبي من فضلك …”
نظرت له زهرة بتوسل ألا يتحدث لكنه أخبر والده :-
” جيلان انتحرت يا أبي … قطعت شرايينها … ”
تجمدت ملامح عابد بعدم استيعاب بينما نظرت همسة الى راغب بتأنيب لم يهتم به حيث بقيت ملامحه ثابته لا تتحرك …
” الفتاة بخير يا عابد .. والله بخير ..”
قالتها زهرة محاولة طمأنته بينمت توقفت انظار عابد على مهند الذي كان يطالعه بثبات فتقدم نحو ابنه بخطوات ثابتة قبل ان يقف امامه ويسأله بجمود :-
” ماذا فعلت بها ..؟!”
رد مهند ببرود :-
” فعلت ما كانت تستحقه أي واحدة بدلا عنها ..”
ما إن أنهى كلماته حتى هبطت كف والده على وجنته حيث صفعه بقوة جعلت فيصل يجري نحوه ويقف في وجه والده الذي ردد بأصابع مرتجف بينما وضعت زهرة كفها فوق فاهها بعدى تصديق :-
” ليتني لم أنجبك .. ليتني تبرئت منك ولم أسعَ يوما لإعادتك الى العائلة … ”
وضع مهند كفه فوق وجنته وملامحه يسيطر عليها الجمود بينما همست زهرة بصوت باكي مرتجف :-
” لماذا يا عابد …؟! لم يكن عليك فعل هذا ..؟!”
مسح عابد على وجهه وتحرك مبتعدا عن الجميع عندما سمع مهند يتحدث بقوة وصلابة :-
” هل ارتحت الآن ..؟! هل فرغت غضبك جيدا ..؟! ”
أضاف وهو يشير الى راغب :-
” وانت ..؟! هل شعرت بالإنتصار أخيرا …؟! حققت غرضك …”
اكمل بقوة :-
” إن كنتم تظنون إنني نادم على أي شيء فعلته اليوم او مسبقا فأنتم مخطئون .. وإذا كنت أنت يا أبي العزيز نادم على إنجابك لي فأنا ألعن نفسي كل يوم لإنني ولدت هنا في هذا القصر … انت تعلم جيدا إنني توقفت عن حبك منذ سنوات .. تعلم جيدا إنني أكرهك … وأكره كل شيء يتعلق بك وبعائلتك المبجلة .. مثلما تعلم إن عودتي الى القصر ليس حبا فيك او فيه بل لأجل مصلحتي .. مصلحتي انا يا عابد بك الهاشمي …”
التفت عابد نحوه يتأمله بعدم تصديق ليهتف مهند بجبروت :-
” انا اكرهك ولن أغفر لك يوما كل ما مررت به وعايشته بسببك … ”
” مهند بني ..”
قالتها زهرة بتوسل ليكمل مهند غير آبها بأي شيء :-
” وهذا الذي تراه كل شيء .. بكريك ووريثك الأول .. كبير العائلة من بعده .. هذا الذي تصفه بأروع الصفات ليس سوى شخص انتهازي استغل ابنة اخيك اليتيمة كي يحصل على الشركة التي تركها عمي .. كي لا يخسر أمام عمار الخولي .. فراغب الهاشمي لا يقبل ان يخسر امام أي احد ولا يتنازل عما يريده مهما يحدث ويفعل اي شيء لينال ما يريد حتى لو كان على حساب مراهقة صغيرة يتيمة لا حول لها ولا قوة ..؟!”
” ماذا تقول انت ..؟!”
صاح راغب بغضب ليرد مهند بثبات :-
” انا اقول الحقيقة .. حقيقتك يا اخي الكبير .. هل كذبت بشيء ما ..؟! ألم تستغل جيلان ..؟! ألم تزوجها لي رغم معرفتك بطباعي الحادة ومشاكلي التي لا تنهتهي بل وزواجي العرفي من تقى ..؟! رغم كل هذا قررت تزويجها لي ليس حبا فيها بل لأجل الشركة التي حلمت بضمها لشركات العائلة منذ زمن ولأجل أن تجبرني على العودة الى قصرك المبجل من جهة اخرى … ”
أكمل وهو ينظر اليهم جميعا :-
” لم يفكر بعمر الفتاة الصغيرة ولا بكونها يتيمة .. فكر فقط بمصلحته وبتلك الشركة .. طمعه الذي لا ينتهي ورغبته بالتحكم بي كما يتحكم بكم جميعا جعلته يزوجها لي … ”
” أيها النذل الحقير …”
قالها راغب بعصبية مدمرة ليرد مهند :-
” لماذا لم تزوجها الى فيصل ..؟! على الأقل هو اقرب لها عمرا وشخصيته تختلف عني ..؟! لماذا إخترتني انا تحديدا ..؟! لو كان لديك ذرة اهتمام بإبنة عمك ووضعها ما كنت لتفعل بهذا وتربطها برجل مثلي …!!”
اكمل وهو يشير الى والده :-
” ما رأيك يا عابد بك ..؟! ألا تتفق معي فيما اقوله ..؟؟ أم ستتغاضى عن حق ابنة اخيك وتتجاهل حديثي فقط لأجل تبرئة ابنك المفضل …؟!”
اضاف بقوة وعيناه تحاصران راغب :-
” لكن ليكن بعلمك مخططاتك فشلت يا أخي العزيز .. عمار الخولي علم بأمر زواجي العرفي وهو يريد استعادة ملكية الشركة كي لا يفضح الأمر .. يعني ستخسر تلك الشركة مجددا بل وتتوسل بعمار الخولي كي لا يفضح عائلتك المبجلة … ”
اكمل وهو يضحك ملأ فمه :-
” وسوف تتوسلني انا ايضا قريبا لعدة اسباب .. ”
قبل ان ينهي كلماته كان راغب ينقض عليه مجددا قبل ان تصرخ زهرةبإسم زوجته فيلتفت بسرعة ليجد همسة تصرخ متألمه وهي تضع يدها فوق بطنها …
تقدم نحوها بهلع يحيطها بذراعيها يحاول أن يفهم ما يحدث عندما صرخ فيصل بإسم والده الذي وضع يده على قلبه وعلا صوت صراخ اخته فيركض فيصل نحوه يتلقاه بين ذراعيه بعدما سقط جسده ارضا …
………….:……………………………………………
كان يجلس جانبها يتأملها وهي ممددة فوق سرير المشفى نائمة بلا حول ولا قوة ..
لم طوال الليل ينم لحظة حيث يجلس جانبها دون أن يتركها ولو ثانية واحدة يتأملها فقط …
يتأمل برائتها ، صغر سنها والعذاب المرسوم على ملامحها ..!!
هو من تسبب بكل هذا …
هو من دمرها …
تأمل معصمها المربوط جيدا فشعر بألم يشبه سكين حادة غرست في قلبه ..
سمع صوت الباب يفتح فإلتفت ليجد راجي يتقدم نحوه ..
تأفف داخله بضيق وهو لا يريد أي شخص من هذه العائلة أن يقترب من اخته ..
تقدم راجي نحوه ملقيا التحية قبل ان يفحص جيلان فيبتسم اخيرا قائلا :-
” سوف تستيقط بعد قليل بإذن الله ..”
لم يجبه عمار فأضاف راجي :-
” يمكنك أن تستريح قليلا .. انت بجانبها منذ البارحة ..”
قاطعه عمار بقوة :-
” انا لن اترك اختي وحدها لحظة واحدة ..”
” لم اطلب منك تركها لكنك ستتعب بالتأكيد .. كما إن جيلان ستحتاج الى وجود إمرأة جانبها معك .. يمكن لوالدتي او زوجة اخي أن …”
قاطعه عمار بحدة :-
” لا أريد أي أحد منكم أن يقترب من أختي .. لقد طردت الجميع بنفسي البارحة .. ماذا أفعل أكثر لتقتنعوا إنني لا أريد أيا منكم حتى أنت أيها الطبيب ..”
تقدم راجي نحوه مرددا بصوت محذر قوي :-
” انتبه على حديثك يا عمار … عندما تتحدث عن عائلتي فعليك التحدث بإحترام .. هل فهمت ..؟!”
رد عمار بقوة :-
” فلتذهب انت وعائلتك الى الجحيم ..”
قال راجي بثبات :-
” لولا إننا في مكان كهذا لا يسمح بأي تصرف غير مسؤول لكنت تصرفت بشكل مختلف معك لكن لا بأس سأحاسبك على حديثك هذا فيما بعد ..”
ابتعد متحركا خارج المكان عندما سمع عمار يهتف به:-
” اتمنى ألا نرى وجهك مجددا يا حضرة الطبيب .. هناك طبيب غيرك سيعتني بأختي حتى تتعافى تماما ..”
التفت راجي نحوه مرددا ببرود :-
” أختك ستتعافى بحالة واحدة وهي إبتعادك عنها ..”
اندفع خارجا لتشتعل عينا عمار بغضب وتوعد عندما سمع صوت آنين خافت فسارع يركض نحو جيلان التي بدأت ترمش بعينيها فجلس جانبها يردد :-
” جيلان حبيبتي .. استيقظي …”
سمعها تهمس بصوت خافت متألم :-
” ماما .. أريد أمي …”
تجمدت ملامحه تماما بل تجمد جسده بالكامل وهو يسمعها تنادي عليها …
ديانا … والدته وعشقه الاول ولعنته الأبدية ..!!
سمع صوت الباب يفتح و صوت الطبيب يدلف الى الداخل خلفه الممرضة ليطلب منه الخروج كي يفحصها ويساعدها على الإستيقاظ …
خرج بنفس الملامح الجامدة ووقف مستندا على الحائط وعادت الذكريات المبعثرة تحاوطه من جديد …
ذكريات لا مفر منها مهما حدث ..
أغمض عينيه بقوة وهو يعتصر قبضتي كفيه بقوة اكبر …
شعر بالطبيب يخرج فأفاق من افكاره متقدما نحوه محاولا السيطرة على مشاعره المضطربة فوجد الطبيب يبتسم قائلا :-
” لقد استيقظت اخيرا .. الحمد لله صحيا هي بخير لكنها تحتاج الى علاج نفسي سريع … ”
رد عمار بخفوت :-
” هناك طبيبة نفسية تتابع معها منذ مدة …”
” في الحقيقة هي تحتاج الى اخصائية جيدة جدا وتعرف كيف تتعامل معها …”
قالها الطبيب بعملية ليهتف عمار بجدية :-
” سأبحث عن افضل أخصائي في العالم وأجلبه لها ….”
ربت الطبيب على كتفه وغادر ليتجه الى الداخل فيجدها ممددة على السرير لكن الفرق إن عينيها مفتوحتان هذه المرة ..
تقدم نحوها يهتف بلهفة :-
” جيلان حبيبتي .. كيف حالك ..؟!”
تأملته الممرضة بشفقة وقالت :-
” لا تتحدث .. يبدو إنها ما زالت تعاني من آثار الصدمة ..”
ثم خرجت بعدما أخبرته أن يناديها اذا احتاج شيئا ما ليهمس بعد خروجها :-
” صغيرتي ، لماذا لا تتحدثين ..؟! انا هنا بجانبك .. لن اتركك ابدا بعد الآن ..”
لم يرَ أي استجابة منها فهمس متوسلا :-
” بالله عليك تحدثي .. قولي أي شيء يا حبيبتي .. أي شيء يا جيلان ..”
اكمل وهو يلمس على كفها بتوسل :-
” كلمة واحدة فقط يا جيلان .. بالله عليك …”
وجدها تحرك شفتيها ببطأ فدب الأمل في قلبه عندما همست اخيرا بنبرة متقطعة شديدة الخفوت :
” اريد امي … ”
تجمدت كفه فوق كفها عندما شعر بطعنة أكبر داخل قلبه فأخفض وجهه ولأول يشعر بدمعة حارة تهبط فوق وجنته ..!!
دمعة واحدة يتيمة لا غير لكنها تحمل ألف معنى …!!
……………………………………………………
وقفت امام مكتب سكرتيرته تخبرها :-
” أخبري فراس بك إن غالية الخولي في الخارج ..”
ابتسمت السكرتيرة وهي تتأملها بإعجاب وقد عرفتها على الفور فهي خطيبة مديرها ..
سارعت تخبر مديرها الذي سبقها عندما خرج مع تلك الشقراء التي زارته منذ اكثر من ساعة ..
تجمدت ملامح فراس عندما رأى غالية أمامه فتأملته غالية هو وأوليفيا التي تقف بجانبه فتقدمت نحويهما تردد ببرود :-
” مرحبا ..”
أضافت وهي تحيي أوليفيا مرددة :-
” مرحبا اوليفيا .. لم أرك منذ مدة ..؟! أليس غريبا أن أراكِ بعد كل هذه الأيام مع خطيبي ..”
ردت اوليفيا بحرج وارتباك :-
” اهلا غالية .. اعتذر لقد إنشغلت الفترة السابقة في عملي .. كيف حالك انت ..؟!”
ابتسمت غالية ببرود وقالت :-
” بأفضل حال كما ترين …”
ثم التفتت نحو فراس الذي قال بسرعة :-
” لقد جائت اوليفيا لأجل التقديم على وظيفة عندي ..”
” حقا ..؟! ”
رددتها بإبتسامة باردة ثم تسائلت وهي تحرك عينيها بينهما :-
” وهل ستعمل معك أم ينقصها بعض الخبرة ..؟!”
رد فراس بجدية :-
” ستبدأ في العمل منذ الغد ان شاءالله .. باركي لها …”
هتفت غالية بإقتضاب :-
” مبارك يا اوليفيا ..”
ثم اشارت الى فراس :-
” هل سنبقى واقفين هنا ..؟! ألن ندخل الى المكتب ..؟!”
” بالطبع تفضلي …”
قالها فراس بسرعة قبل ان يشير الى اوليفيا بعينيه والتي رمقته بإنزعاج قبل ان تغادر بينما تبع هو غالية حيث اغلق الباب خلفيهما فإلتفتت نحوه تسأله بثبات :-
” أليس من المفترض أن يكون لدي علم بما يحدث بينك وبين صديقتي ..؟!”
رد فراس بنبرة عادية :-
” ما يحدث هو مجرد عمل .. انت نفسك مدحتها امامي وعلى أساس ذلك انا قررت توظفيها ..”
هتفت بقوة تقطر من ملامحها :-
” ولماذا لم تخبرني إنكا تلتقيان بشأن العمل …؟! ”
أضافت بتهكم :-
” كم هو لطيف أن آتي لزيارتك في عملك فأتفاجئ بصديقتي عندك بل وبدأت العمل معك ايضا ..”
رد بحزم :-
” لم تبدأ بعد .. ستبدأ غدا ..”
” وكأنه يوجد فرق ..”
قالتها متهكمة ليردد بضيق :-
” ماذا يحدث يا غالية …؟! لماذا تتحدثين هكذا …؟!”
هتفت بنفس الضيق :-
” انت ماذا يحدث معك بالضبط ..؟! نتواصل بإستمرار بل ونلتقي ايضا ولم تفكر أو تخبرني إن صديقتي تتحدث معك وستعمل ايضا في شركتك …”
” ما المشكلة في ذلك ..؟! الفتاة تقدمت للعمل عندي وانا وافقت ..!!”
ردت بإقتضاب :-
” المشكلة لا تكمن في عملها عندك بل تكمن في عدم إخباري بهذا …”
“يكفي .. انت تبالغين حقا ..”
قالها بضيق لتتقدم نحوه تردد بقوة وتحذير :-
” تعلم جيدا إنني لا أبالغ .. قلتها سابقا وسأقولها مجددا يا فراس .. لا تعبث معي ولا تستخف بذكائي مهما حدث لإنك ستكون الخاسر الوحيد في النهاية ..
تحركت متجهة نحو باب المكتب عندما سمعته يتسائل ببرود :
” الى اين ..؟!”
تجاهلته وهي تخرج من المكانك وتغلق الباب خلفها بقوة وعصبية واضحة ..
………….:…………………………………………..
كان يقف أمام قبرها يتأمله بصمت …
لطالما حرص على زيارتها والتحدث معها ..
لكن هذه المرة كلما يريد التحدث يقف عاجزا امام قبرها …
لسانه يعجز عن التحدث …
” ماما …”
همس بها اخيرا بخفوت … خفوت مليء بالخجل …
كررها بضعف لا يظهر سوى هنا امام قبر المرأة الوحيدة التي شهدت ضعفه وانهيار جبروته ؛-
” امي … سامحيني … لم أصن أمانتك .. لقد فشلت في حماية أختي … دمرتها يا أمي … لم أنفذ وصيتك … أضعت أمانتك يا أمي … ”
أكمل وهو يحارب دموعه :-
” أخبريني ماذا افعل ..؟! كيف يمكنني إنقاذها ..؟؟ كيف يمكنني إحياء روحها الميتة مجددا ..؟! جيلان تريدك يا أمي وانا ايضا أريدك لكنني لا أستطيع التفوه بذلك حتى مع نفسي …”
أضاف وهو يمسح وجهه بقوة :-
” دائما كنت أحتاجك .. أشتاق إليك بقوة .. وأحتاجك جانبي … لكن اليوم وفي هذه اللحظة تحديدا إحتياجي لك فاق كافة المرات السابقة … ”
انحنى على قدميه امام قبرها يضيف :-
” إنها المرة الاولى التي أشعر بها بشيء كهذا .. شعور العجز .. العجز عن انقاذ اختي .. أختي يا امي .. الذكرى الوحيدة المتبقية منك لي .. أخبريني ماذا أفعل … ؟! ساعديني يا أمي ..؟!”
صدرت منه شهقة لا ارادية فإختنق حلقه ببكاء عارم خنقه داخل صدره وهو يجلس جانب قبر والدته يهتف بعينين محتقنتين تماما :-
” ليتك هنا .. ليتك لم ترحلِ … ليتك بقيت معنا .. ليتك تركتِ كل شيء وأخذتني انا وجيلان وعشنا سويا بعيدا عن الجميع …”
تأمل لا إراديا قبر والده الذي يقع جانب قبر والدته فهمس مرغما :-
” هل تتذكرين ذلك اليوم يا أمي ..؟! لم يرتح لي بال حتى دفنته جانبك … لم أكن أسمح أن يدفن جسده بعيدا عنك … تحديت كل شيء ونفذت ما أردته .. جمعت بينكما وأنتما ميتان بعدما فشلتما أن تجتمعا وأنتما أحياء …”
ارتخى بجسده جانب قبر والدته يضيف هامسا :-
” ورغم هذا كله لم أغفر له .. حاولت فعل ذلك لأجله لكنني لم أستطع .. لم أستطع أن أغفر له يا امي … ”
اكمل يبتسم بمرارة :-
” بالتأكيد هو الآن سعيد وهو جانبك بينما أنا أعاني مرارة فقدانك منذ سنوات .. هو مات واستقر جانبك وارتاح وتركني تائها بدونك .. ”
ارتخت ملامح وجهه اكثر عندما سمعت صوت هاتفه يرن فأخرجه مرغما ليجدها تتصل به …
اجابها ليأتيه صوتها القلق :-
” عمار ، هل انت بخير ..؟! اين انت ..؟! لماذا لا تجيب ..؟! لقد علمت بما أصاب جيلان ..؟! اين انت يا عمار ..؟!”
اجابها بعد لحظات صمت :-
” انا مع ديانا يا شيرين …”
انهى المكالمة واغلق الهاتف ثم ارتخى بجسده اكثر حتى نام جانب قبرها بالفعل ..

كان يجلس بجانب والده يفحصه بعناية بينما والدته تجلس بجانب زوجها على الجانب الآخر …
مهند وتوليب وفيصل يقفون أمام السرير بينما أخيهم الأكبر مع زوجته في جناحهما بعدما تعرضت لآلام في بطنها يبدو إن سببها كان الضغط النفسي الذي تعرضت له بسبب الشجار الذي حدث أمامها بين زوجها وأخيه ..
هتف راجي بجدية بعدما إنتهى من فحص والده :-
” الحمد لله .. وضعك مستقر حاليا يا أبي .. لكن ارجوك لا تنفعل بهذه الطريقة مجددا …”
هتفت والدته وهي ترمق مهند بعينيها :-
” كيف تطلب منه ذلك ودائما هناك من يجعله ينفعل بإستمرار ..؟!”
انسحب مهند من المكان بملامح جامدة بينما اتجهت توليب نحو أبيها تحتضنه باكية :-
” خفت عليك كثيرا …”
ربت عابد على ظهرها وهو يحتضنها مرددا :-
” لا تبكي يا صغيرتي .. ها أنا بخير أمامك …”
سألت زهرة ولدها :-
” ألن تعطيه دواءا يا بني ..؟!”
رد راجي بسرعة وهو يحمل سماعته :-
” لا داعي لذلك .. هو بخير تماما الآن …”
أكمل وهو يشير الى فيصل :-
” سأعطيه فقط دواء خفيف لحالات كهذه .. هات الماء يا فيصل ..”
اومأ فيصل برأسه وهو يتجه ويسحب قنينة المياه الزجاجية عندما انحنى راجي نحوه والده وهو يخرح دواء من جيبه مرددا بعدما انشغلت توليب في الحديث مع والدتها :-
” هذا دواء للصداع .. تناوله .. لن يؤثر بشيء .. لكن أحسنت حقا يا أبي .. لم أكن أعلم إنك ممثل من الطراز الرفيع لهذه الدرجة ..”
رمقه عابد بنظرات محذرة فيكتم راجي ضحكاته بصعوبة قبل ان يأخذ قدح الماء من فيصل ويعطيه لوالده ..
بعدما انتهى عابد من تناول الحبة ثم الماء قال راجي :-
” حسنا ، سأذهب واطئمن على همسة .. ”
أضاف يشير الى اخيه واخته :-
” وأنتما اتركا أبي يرتاح في جناحه ..”
قبلت توليب والدها من وجنتيه بينما سأله فيصل اذا ما كان يحتاج شيئا قبل أن ينسحبا من المكان ..
هم راجي بالإنسحاب عندما سمع والده يخبره :-
” تحدث مع أخيك يا راجي .. انت اهدأ بكثير من راغب وتجيد احتواءه أكثر منه ..”
هز راجي رأسه يخبره وهو يبتسم له مطمئنا :-
” سأفعل ذلك بالطبع .. لا تقلق …”
انسحب بعدها من المكان ليأخذ نفسا عميقا ثم يتجه الى جناح أخيه الاكبر ليطرق على باب الجناح فيجد راغب يفتح له الباب بملامح متشنجة ليهتف راجي وهو يدلف الى الداخل بعدما إستأذنه :-
” كيف حال همسة الآن ..؟!”
رد راغب بضيق خفي :-
” بخير .. لكنها ترفض الذهاب الى طبيبتها او الإتصال بها حتى ..”
قال راجي وهو يبتسم مطمئنا :-
” طالما لم يحدث أي نزيف او عارض آخر سوى تلك الآلام التي من الواضح لم تكن سوى تقلصات عصبية إعتيادية فلا داعي للقلق ..”
تنهدت همسة بتعب وقالت :-
” وانا قلت هذا ايضا ..”
” ما رأيك أن أقيس ضغطك يا همسة للإطمئنان مجددا ..؟!”
سألها راجي بإهتمام لتهز همسة رأسها موافقة فيشير راجي الى أخيه :-
” أخبر احدى الخادمات أن تجهز الحليب وبعض الأطعمة الخفيفة لها ..!”
هز راغب رأسه متفهما وخرج من الجناح ليخبر احدى الخادمات بذلك بينما هتفت همسة بجدية :-
” أخبره يا راجي إنني بخير ولا أحتاج لرؤية طبيبة نسائية … ”
ابتسم راجي وهو يفتح جهاز الضغط مرددا :-
” عليك أن تتحملي مسؤولية تلك التمثيلية التي قمتِ بها يا عزيزتي ..”
نظرت له همسة بدهشة ليلوي راجي فمه بإبتسامة خبيثة مرددا :-
” أنا أذكى من أن تمر علي كذبة كهذه ..”
زفرت انفاسها بتعب بينما بدأ راجي يقيس ضغطها وهو يلتزم الصمت حتى انتهى من ذلك ليحرر ذراعها وهو يردد :-
” رائع .. ضغطك مثالي في الوقت الحالي ..”
همست همسة بخفوت :-
” كانا يتقاتلان يا راجي .. لم يكن أمامي حل سوى هذا ..”
ابتسم راجي قائلا :-
” جيد ما فعلتيه .. لم يكن هناك طريقة لإيقافهما غير هذه ..”
توقف عن حديثه وهو يرى راغب يدخل تتبعه الخادمة لينهض من مكانه يخبره :-
” كل شيء بخير .. اطمئن ولا تقلق أبدا …”
اشار راغب الى الخادمة ان تتقدم وتضع صينية الطعام امام همسة بينما أشار راجي له أن يتحدثان خارجا ..
خرج الإثنان من الجناح لينظر راجي الى اخيه مرددا بجدية :-
” اتمنى ألا يتكرر ما حدث يا راغب .. لا انت ولا نحن مستغنين عن والدنا وبالطبع لا تنسى زوجتك الحامل ايضا واي تصرف من هذه التصرفات قد يؤثر على صحتها هي وجنينها ..”
” لقد استفزني يا راجي .. ألا تعرف أخيك ..؟!”
قالها راغب بجدية ليرد راجي :-
” أعرفه مثلما اعرفك .. لكن انت بالذات تعرف مهند وشخصيته ومدى عصبيته وكيف يتحول الى شخص اخر عندما يغضب .. كان عليك ان تحتوي الموقف بدلا من العراك معه ..”
” لقد استفزني يا راجي .. استفزني …”
قالها راغب بنرفزة ليتنهد راجي قائلا :-
” حسنا يا راغب .. اتركه حاليا .. لا تتحدث معه نهائيا .. ”
أضاف بجدية :-
” اتركني انا اتحدث معه هذه المرة .. ربما أصل معه الى حل ما …”
ضحك راغب مرددا بسخرية :-
” لن تصل لأي شيء معه ..!! ”
” سأحاول يا راغب .. وانت من فضلك لا تتعامل معه حتى يهدأ كلاكما …”
قالها راجي بتوسل ليهز راغب رأسه موافقا على مضض فيربت راجي على كتفه مرددا :-
” اذهب عند زوجتك وابق معها ..”
سأله راغب بجدية :-
” والدي بخير ، أليس كذلك ..؟!”
رد راجي بتأكيد :-
” لا تقلق .. إنه بخير .. حاليا تركته يرتاح في جناحه ومعه والدتي ..”
” حسنا ، سأراه غدا ..”
قالها راغب بجدية قبل ان يتجه مجددا الى جناحه حيث زوجته تاركا راجي يتابع آثره حتى اغلق باب الجناح ليزفر أنفاسه بتعب وهو يتجه الى جناجه ليحصل على قسط من الراحة بعد يومين طويلين وشاقين ..!!
……………………………………………….
كانت ليلى تقف في صالة الجلوس امام النافذة المطلة على الحديقة شاردة في أفكارها بعدما غادرت عائلة خالها المنزل منذ اكثر من ثلاث ساعات ودخل والدها الى غرفته ليرتاح بعد رحيلهم ..
احذت تتأمل الظلام الخافت متذكرة قدوم زاهر الذي صدمها وتصرفه معها ..
هل يعقل أن يوجد إنسان يمكنه أن يحب أحدا لهذه الدرجة …؟!
هل يعقل أن يوجد إنسان يضحي لأجل حبيبته التي لا تبادله مشاعره هكذا …؟!
تنهدت بتعب وهي تتذكر كلمات زوجة خالها التي انفردت بها قبل ذهابها مع خالها وزاهر عندما هتفت بقوة :-
” ابتعدي عن ابني يا ليلى ..”
شعرت بالضيق من لهجتها فردت ليلى بقوة مماثلة :-
” مالذي تقولينه يا زوجة خالي ..؟ انا لا اسمح لك أن تتحدثي معي بهذه الطريقة ..”
ردت زوجة خالها بقوة :-
” انت تفهمين ما أعنيه يا ليلى .. زاهر ابني الوحيد وانا لا أريد أن أراه تعيسا ..”
سألت ليلى بعدم استيعاب :-
” وهل أنا سأكون سببا في تعاسته ..؟!”
ردت زوجة خالها بجدية :-
” نعم … مع إنني أعلم جيدا إن الأمر خارج عن إرادتك ..”
تنهدت ثم اكملت :-
” انت تعرفينني جيدا يا ليلى .. انا صريحة للغاية ولا أعرف المجاملة مثلما تعرفين جيدا إنه لا توجدي لدي مشكلة خاصة معك .. على العكس تماما انا احبك انت واختك كثيرا كما أحب فاتن …”
أضافت بجدية :-
” ابني يحبك منذ سنوات وانت لم تشعري به وانا تفهمت هذا لإن الحب ليس بالإجبار .. لكن اسمحي لي .. زاهر ابني الوحيد وانا لن أسمح لك بجرحه .. تقاربكما يزعجني لإنني اعرف جيدا إنك لا تشعرين بشيء نحوه وانا لست مستعدة لأن يتسبب قربه منك بأي أذى له في مشاعره التي لطالما كانت موجهة نحوك ..”
” تأكدي إنني لا أريد هذا مثلك تماما …”
قالتها ليلى بعد صمت امتد للحظات لتهتف زوجة خالها بجدية :-
” إذا إبتعدي عنه من فضلك … اعتبريه رجاء خاص مني .. ابتعدي عن زاهر يا ليلى …”
انهت كلماته وتركتها وغادرت …
كلماتها ظلت تدور داخل عقلها فسيطر عليه شعور يجمع بين الضيق وتأنيب الضمير …
أفاقت من شرودها على صوت والدتها تتقدم نحوها وهي تسألها :-
” حبيبتي .. هل انت بخير ..”
التفتت ليلى نحوها تصطنع الإبتسامة مرددة :-
” انا بخير .. فقط مرهقة قليلا …”
جذبتها والدتها من كفها تقول :-
” تعالي واجلسي جانبي .. اريد التحدث معك بأمر مهم ..”
سألتها ليلى بإهتمام وهي تربت على كفها :-
” ماذا هناك يا ماما …؟! أقلقتني..”
ردت فاتن بهدوء :-
” بشأن شركات والدك التي إنتقلت ملكيتها لك ولأختك … اريد أن تعيدي كل شيء كما كان .. من فضلك يا ليلى ..”
قاطعتها ليلى بجدية :-
” لا تقلقي .. سأفعل ذلك بالطبع .. سأتحدث مع والدي غدا ثم مع المحامي ..”
توقفت عن حديثها وهي ترى والدها يتقدم ومعه مريم التي قالت :-
” لقد أصر على النهوض من فراشه والجلوس معنا …”
هتفت ليلى وهي تنهض من مكانها تتقدم نحوه مؤنبه :-
” لماذا يا أبي .. ؟! عليك ان ترتاح في فراشك ..”
رد احمد بجدية :-
” سأرتاح اكثر بينكن …”
جلس على الكرسي القريب منه بينما تبادلت مريم النظرات مع ليلى التي ابتسمت وهي تسأله متجاهلة نظرات اختها :-
” ماذا تتناول اذا ..؟! أي نوع عصير تفضل ..؟!”
رد احمد بجدية :-
” لا أريد شيئا الآن .. اجلسي وارتاحي …”
ابتسمت ليلى وجلست مقابله بينما جلست مريم بجانب والدتها عندما سألها والدها :-
” متى ستبدأ دراستك يا مريم …؟!”
ردت مريم بجدية :-
” الأسبوع القادم ان شاءالله ..”
” بالتوفيق ..”
قالها مبتسما قبل ان يلتفت نحو ليلى ويسألها هي الأخرى :-
” وانت يا ليلى .. ما أخبار العمل معك …؟!”
ردت بسرعة :-
” بخير …”
أضافت بجدية :-
” ولكنني اريد أن أعيد ملكية كل شيء لك يا أبي … كنا نتحدث انا وماما بشأن هذا ..”
قاطعها بجدية :-
” اتركينا من هذا الآن يا ليلى .. هناك ما أريد قوله …”
” تفضل يا أبي …”
قالتها ليلى بجدية ليهتف بملامح ظهر عليها التشنج ونبرة خرجت صادقة :-
” انا أعتذر منكن كثيرا .. أعتذر على ما فعلته .. أعتذر عما تسببت به لكن … لقد أخطأت بحقكن كثيرا .. أعلم إن إعتذاري ليس كافيا ولن يغير شيئا مما حدث لكنني إحتجت لقوله كثيرا …”
حل الصمت المطبق تماما والجمود كسا ملامح فاتن تماما بينما اضطربت ملامح مريم وتجمعت الدموع داخل عيني ليلى التي سيطرت على نفسها وهي تقول :-
” لا تعتذر يا أبي … لقد حدث ما حدث .. ارجوك دعنا ننسى الماضي … من فضلك …”
تنهد وهو يقول :-
” اتمنى أن أنساه حقا يا ابنتي … أود ذلك كثيرا .. لكن ما حدث معي والذي كنت أنا سببه يؤلمني حقا ويجعلني أشعر كم كنت شخصا أنانيا بتصرفاتي …”
تحدثت فاتن أخيرا بلهجة حازمة :-
” انت مجبر ان تنسى يا احمد مثلما مجبر أن تنهض بنفسك مجددا .. لأجل ابنتيك .. ولأجل ابنك الذي ما زال طفلا صغيرا يحتاجك جانبه ..انت تدرك إن في رقبتك يوجد طفل لم يتجاوز السابعة من عمره يحتاج لأبيه وطفل آخر سيولد بعد أشهر لهذا انت مجبر على التماسك لأجل ولديك وابنتيك بالطبع واللتين مهما كبرتا ستظلان تحتاجان لوجود أبيهما جانبهما …”
انهت كلامها ونهضت من مكانها بصمت خارجة من غرفة الجلوس تاركة الثلاثة يتطلعون إلى آثرها بحزن من كلماتها التي أثرت بهم رغم صدقها وصحتها ..!
…………………………………………………………..
هبطت من سيارتها تتأمل المقبرة بخوف .. لا تعلم كيف جازفت وأتت الى هنا لكنها فعلتها .. بعدما قاله تركها معقلة بين خوفها الشديد عليه من جهة ورغبتها في رؤيته وبين قلقها من تصرفها هذا وما سيترتب عليه لكنها حسمت قرارها في نهاية الأمر وقررت أن تجارف وتأتي ..
ارتجف قلبها وهي تدلف الى المقبرة تبحث عن قبر والدته التي سبق لها زيارته معه مسبقا ….
اخذت تبحث في الظلام وهي تتذكر مكان القبر عندما وجدته اخيرا فتجمدت مكانها وهي تراه جالسا بجانب القبر ورأسه منحني عليه ومغمض العين ويبدو غارقا في النوم ..
كتمت شهقة باكية كادت أن تخرج منها فسارت بعينين تملؤهما العبرات نحوه ..
وقفت امامه تتأمله وهو نائم بعمق فتساقطت العبرات فوق وجنتيها بغزارة فوضعت كفها فوق فمها تكتم شهقاتها ..
ظلت على هذه الحال لفترة حتى استطاعت ان تسيطر على بكائها فأخذت تمسح دموعها قبل ان تنحني نحوه تهزه من كتفه وهي تحاول ايقاظه :-
” عمار .. استيقظ .. لقد أتيت يا عمار …”
وجدته يرمش بعينيه حتى فتحهما ليندهش من وجودها فينهض من مكانه وهو يجذبها من كفها مرددا بعدم استيعاب :-
” ماذا تفعلين هنا يا شيرين ..؟!”
ردت بسرعة :-
” أتيت لأجلك … لم أستطع تركك هنا لوحدك …”
” لم يكن عليك فعل ذلك .. ما كان عليك أن تأتي هنا يا شيرين …”
قالها مؤنبا ليتفاجئ بها تقترب منه وتحتضن وجهه بين كفيها تردد بحنو شديد :-
” كيف تطلب مني عدم المجيء بعدما علمت بوجودك هنا وبعدما سمعت نبرتك تلك يا عمار ..؟! لم أستطع أن أمنع نفسي المجيء اساسا …”
اغمض عينيه يأخذ نفسه عدة مرات قبل ان يفتحهما مرددا بضعف احتل كامل كيانه :-
” جيلان ليست بخير يا شيرين .. سأفقدها هي الأخرى …”
قالت بسرعة :-
” لا تقل هذا … انت لن تفقدها ابدا .. جيلان ستصبح بخير …”
” عندما ترينها ستغيري كلامك هذا …”
قالها بملامح بائسة لترد بجدية :-
” سأراها بالطبع وستصبح بخير …”
هتفت بملامح محتقنة :-
” إنها تتألم .. تذبل تدريجيا … تموت بشكل بطيء .. ”
اضاف بصوت مبحوح مختنق :-
” لن أسامح نفسي ابدا اذا حدث بها شيء … لن أغفر لنفسي ذلك ..”
قالت شيرين بسرعة وألم مكتوم :-
” لن يحدث بها شيء .. ستتحسن أحوالها وتصبح بخير …”
هتف بعينين دامعتين :-
” انت لم ترها يا شيرين .. عندما ترينها ستفهمين ما أعنيه .. انا أفقدها يا شيرين .. انا على وشك خسارتها ..”
أضاف والدموع تتساقط من عينيه لأول مرة امام شخص :-
” انا لا يمكتني تحمل خسارتها يا شيرين .. جيلان بالذات لا يمكنني تحمل فقدانها ..، لا أريد ذلك يا شيرين …”
جذبته شيرين نحوها تعانقه بعفوية ليغمض عينيه والدموع تغطي وجنتيه فتهتف بدموع حارقة :-
” والله لن تفقدها .. ستصبح بخير .. لن تخسرها يا عمار .. لن تخسرها بإذن الله … كن واثقا بذلك …”
ظلت تحتضنه بقوة تحاول منحه القليل من السكينة والسلام داخل أحضانها عندما ابتعد عنها بعد لحظات يردد وهو ينظر نحو قبر والدته :-
” كلما أنظر إلى قبرها أتسائل داخلي ماذا لو كانت ما زالت حية ولم تمت …؟!”
أضاف وهو ينظر الى شيرين :-
” لقد ماتت وتركت خلفها شخصين محطمين يحتاجان لوجودها في كل لحظة ..”
” يكفي يا عمار … هذا الكلام لم يعد يفيدك بشيء .. ادعِ لها بالرحمة وحاول ان تقف بجانب اختك وتساعدها …”
اكملت بجدية :-
” جيلان تحتاجك الآن أكثر من اي وقت لذا عليك أن تكون قويا .. جيلان تحتاج قوتك وثباتك وتحتاج حبك وإهتمامك بنفس الوقت .. إمنحها كل هذا وهي سوف تستعيد عافيتها و سلامها النفسي بإذن الله ..”
” هل تظنين ذلك حقا ..؟!”
سألها بخفوت لترد بسرعة :-
” بالطبع .. انا واثقة من هذا …”
اكملت وهي تقبض على كفه :-
” والآن دعنا نغادر المقبرة ونذهب إليها .. هي بحاجتنا الآن ..”
اومأ برأسه بصمت لتضيف :-
” لنقرأ الفاتحة على روح والدتك اولا ثم نغادر ..”
وقفا بجانب بعضيهما يقرئان سورة الفاتحة على قبر ديانا قبل ان يتحركان بعدها مغادرين المكان عندما ألقى عمار نظرة اخيرة على قبر والدته ليأخذ نفسا عميقا قبل ان يدير وجهه متجها خارج المكان ..!!
………………………………………………..
في صباح اليوم التالي ..
اوقفت سيارتها قرب مركز الشرطة الذي يعمل به … هبطت من سيارتها تعدل هندامها حيث كانت ترتدي بنطالا من القماش الأسود فوقه قميص رمادي اللون تغطيه سترة سوداء اللون ايضا قماشها يماثل قماش بنطالها .. شعرها الطويل مرفوع من الجانبين ينسدل فوق ظهرها من الخلف …
ترتدي حذاءا ذو كعب عالي كعادتها وتضع مكياجا متناسقا يبرز جمالها …
سارت بخطواتها الأنيقة الى داخل المكان عندما سألت عن مكانه فأخبرها احد الضباط عن مكان مكتبه …
تقدمت حيث المكان الذي أخبرها عنه الضابط لتجد الباب مفتوح فتقدمت بحذر حيث دلفت خطوتين داخل المكان عندما وجدته بالفعل يلقي بعض الأوامر على احد الضباط عندما انتبه لوجودها فتجمدت ملامحه للحظات يردد بعدم استيعاب :-
” غالية ..”
ابتسمت مرددة بحرج :-
” مرحبا فادي …”
أشار فادي الى الضابط بسرعة والذي أخذ يتأملها متمعنا :-
” اخرج انت الان …”
خرج الضابط ليتقدم فادي نحوها يتسائل بضيق :-
” ماذا تفعلين هنا ..؟!”
نظرت له بعدم فهم قبل ان يكسو الجمود ملامحها وهي تجيب :-
” جئت لأسألك عن شيء ما .. شيء أحتاج لضابط شرطة مثلك كي يجيبني عليه ..”
هتف من بين أسنانه :-
” كان يمكنك أن تأتي الى المنزل وتتحدثي معي او تتصلي ونلتقي في مكان ما ..”
سألت بضيق :-
” انا لا أفهم أين المشكلة في مجيئي ..؟!”
رد بقوة :-
” مجيئك هو المشكلة .. فتاة مثلك ماذا تفعل هنا في مركز الشرطة ..؟!”
سألته بحدة:-
” ماذا تقصد بفتاة مثلي ..؟!”
رد متأففا :-
” افهمي مقصدي قبل أن تغضبي .. الفتيات عادة لا يدخلن الى هنا الا لسبب قوي … ”
” ما هذا المبرر ..؟! هل مكتوب على بوابة المكان ممنوع دخول النساء ..؟!”
قالتها بإستخفاف ليتسائل بتهكم متعمد :-
” لم أكن أعلم إنك معتادة على زيارة مراكز الشرطة .. اعذريني لجهلي ..”
ردت بقوة :-
” لست معتادة على ذلك .. لكن إذا ما إحتاجت لزيارة مركز الشرطة فسأفعل ذلك دون تردد ..”
اكملت وهي تشمخ برأسها :-
” على العموم انا المخطئة لإني أتيت إليك .. بإمكاني الذهاب لأي ضابط آخر وسوف يخبرني بما أريد معرفته ..”
همت بالمغادرة ليوقفها :-
” انتظري ..”
اكمل بجدية :-
” تفضلي هيا …”
قالت بحنق :-
” بعد كل ما قلته وتطلب مني الجلوس والتحدث معك ..”
رد بجدية :-
” كلامي كان لأجلك ليس إلا وهذا كان واضحا …”
زفرت أنفاسها بضيق بينما قال فادي :-
” هيا تفضلي .. ”
سارت على مضض نحو الكرسي المقابل لمكتبه وجلست عليه ليتجه نحو مكتبه هو الآخر وجلس عليه يتسائل :-
” إذا ما سبب مجيئك يا غالية …؟!”
ردت بجدية :-
” أتيت لسؤالك عن موضوع يخص أخي …”
اكملت :-
” اخي نديم .. تلك القضية وسجنه لسنوات ..”
قال متذكرا :-
” نعم تذكرت … كانت قضية بيع ممنوعات حسب ما أتذكر ، أليس كذلك ..؟!”
اومأت برأسها موافقة وهي تقول :-
” نعم وعلى أساسها سجن لخمسة اعوام تقريبا … وبالطبع تم سحب رخصة مزاولة المهنة …”
سألها :-
” هو سافر خارجا ، اليس كذلك ..؟!”
ردت وهي تهز رأسها :-
” نعم الى امريكا ..”
” عظيم … أظن إن هناك يمكنه ممارسة مهنته بعدما يحصل على موافقة النقابة …”
قاطعته بسرعة :-
” مجيئي الى هنا ليس لأجل الإستفسار عن هذا .. انا أتيت لسؤالك عن شيء آخر ..”
” شيء ماذا ..؟! تفضلي ..”
تنهدت ثم قالت :-
” تلك القضية .. اخي بريئا منها .. أعلم إنك من الصعب أن تصدق ذلك خاصة كونك ضابط و ..”
قاطعها بجدية :-
” على العكس تماما … انظري انا لا اعرف تفاصيل القضية في الحقيقة .. لكن بناء على معرفتي بمركز عائلتك ومستواكم المادي والإجتماعي ومستوى أخيك العلمي فلا أظن إنه بحاجة للقيام بشيء كهذا خاصة إنه كان حديث التخرج .. يعني عندما انظر الى الأمور من الخارج دون تعمق أرى إن الأمر فيه خطأ ما لكن بالطبع انا لا أدرك التفاصيل كاملة لذا لا يمكنني الجزم بشيء ..”
” ولكنه بريء … هو بالفعل لم يفعل ذلك ..”
قالتها بجدية ليهتف فادي بدوره :-
” ولكن جميع الأدلة كانت ضده وإلا ما كان ليصدر حكم كهذا في حقه ..؟!”
ردت بأسف :-
” هذا صحيح … رغم إننا حاولنا كثيرا البحث عن أي دليل يثبت براءته لكن كل شيء كان مرتب بطريقة لا يمكن التشكيك بها …”
” ما تقولينه يدل على إن هناك من تعمد الإيقاع بأخيك …”
قالها بإهتمام لتهز رأسها وهي تقول :-
” انا متأكدة من هذا .. ”
سألها مجددا :-
” هل تعرفينه ..؟!”
صمتت ولم تردد ليزفر أنفاسه وهو يتسائل :-
” هل تملكين دليلا ولو بسيطا ضده ..”
قالت بسرعة :-
” بالطبع لا …”
اضافت تتسائل :-
” ولكن اريد أن أعلم .. برأيك هل يمكن أن نجد دليلا يبرئ أخي …؟!”
رد بعملية :-
” لا يوجد شيء مستحيل ولكنه سيكون صعبا والأهم من أين سنجد دليلا فشلتم في الحصول عليه قبل سنوات ..”
همست :-
” لا أخد يعلم ما ستفعله الأيام القادمة .. ربما يحدث شيء ما يقلب الأمر تماما … حياة نديم تدمرت تماما .. الامر لا يتعلق فقط بسنواته التي ضاعت هدرا في السجن ولا بخسارته لمهنته فقط بل يتعلق بسمعته التي انتهت تماما …”
نظر إليها بتمعن ثم قال :-
” اذا كان هناك دليلا يمكنه المطالبة بفتح القضية مجددا .. ”
أضاف مكملا :-
” وإذا كنت تعملين من وراء هذا يمكننا أن نبحث خلفه عسى ولعل نجد شيئا ما يخصه يبرئ أخيك ويثبت تورطه بقضيته …!!”
” شيء مثل ماذا …؟؟”
سألته بحيرة ليرد :
” عندما يكون هناك شخص محدد تبحثين خلفه سيكون الأمر أسهل .. سوف تبحثين خلفه وتدورين حوله … ”
” بكل الأحوال يجب أن يكون هناك دليل ..؟!”
هتفت بها بخيبة ليرد بجدية :-
” بالطبع ودليل قوي ايضا او اعتراف الشخص نفسه بما فعله وهذا من سابع المستحيلات …”
” اعتراف مرة واحدة .. هذا بالذات لن يحدث سوى في الأحلام ..”
هتفت بها ساخرة قبل أن تتسائل مجددا بتردد:-
” لدي سؤال آخر .. في حالة حدوث معجزة واثبات براءة اخي من تلك التهمة .. الشخص الذي تسبب في ذلك .. ماذا سيكون عقابه ..؟!
أجاب بجدية :
” اذا ثبت تورطه في تلفيق التهمة لأخيك فسينال ضعف المدة التي قضاها أخيك داخل السجن .. هذا غالبا ما سيحدث ..”
” عشرة اعوام يعني ..”
هتفت بها بشرود ليهز رأسه مؤكدا فتنظر اليه بصمت وعقلها شارد تماما فيما سمعته ..!!
…………………………………………………………..
دلف الى مكتبه وسكرتيرته تتبعه حيث تخبره بما حدث خلال اليومين ليصرفها بعدما طلب منها فنجانا من القهوة السادة وهو يشعر بالإرهاق الشديد …
اغمض عينيه عائدا برأسه الى الخلف عندما سمع صوت الباب يفتح ففتح عينيه وهو ما زال على نفس وضعيته ليراها تتقدم نحوه وهي تهتف :-
” صباح الخير ..”
اضافت وهي تجلس على الكرسي المقابل له :-
” لم تأت الى الشركة منذ يومين …”
رد متسائلا :-
” هل حدث شيء مهم في غيابي يا غالية ..؟!”
ردت بجدية :-
” كلا ، انا اتسائل لإنه ليس من عادتك التغيب عن العمل ..”
رد بجدية :
” كان لدي أسباب تمنعني عن المجيء ..”
دلفت السكرتيرة تحمل القهوة له حيث وضعتها اماما قبل ان تسأل غالية اذا ما تريد تناول شيئا ما فهزت غالية رأسها نفيا عندما غادرت السكرتيرة فوجدت غالية عمار يتناول قهوته بسرعة ثم يتبعها بدواء للصداع حيث أخذ منه حبتين دفعة واحدة ..
سألته :-
” هل انت بخير ..؟!”
” نعم ، لماذا تسألين ..؟!”
سألها محاولا عدم اظهار مدى تعبه بل وآلمه لترد :-
” تبدو مرهقا .. ”
هتف بخفوت :-
” ربما لأنني لم أنم منذ يومين ..”
” لماذا ..؟! ماذا حدث ..؟!”
سألته بإهتمام ليرد :-
” اختي كانت في المشفى .. وانا كنت جوارها …”
هزت رأسها بتفهم قبل ان تسأله بتردد :-
” وهل أصبحت افضل الآن ..؟!”
رد بجدية :-
” نعم ..”
قالت بصدق :-
” الحمد لله على سلامتها ..”
شكرها بإختصار لتتأمله بملامحه الذابلة المنهكة فتهتف بعد صمت قصير :-
” إنها المرة الأولى التي أراك بها على هذا النحو …”
عقد حاجبيه يتسائل :-
” كيف يعني ..؟! ماذا تعنين ..؟!”
قالت موضحة :-
” لم أعهدك هكذا .. متعبا وحزينا .. الحزن يملأ عينيك والإنهاك يسيطر ملامحك …”
هتف بجمود :-
” ربما لإن أختي تمكث في المشفى يا غالية .. أليس من الطبيعي أن يحدث بي ذلك …؟!”
” بالطبع .. نحن نتحدث عن اختك ..”
قالها بجدية قبل ان تضيف :-
” كان الله بعونك .. شعور صعب للغاية أن يصيب أي مكروه شخص غالي عليك فكيف إذا كان هذا الشخص أختك ..؟!”
اكملت وهي تبتسم بألم :-
” يمكنك أن تسألني أنا .. انا اكثر من يعلم بمقدار صعوبة هذا الشعور …”
تأملها بجمود قبل ان يردد :-
” أتمنى ألا نفتح مواضيع لا داعي لها …”
” سأسألك سؤالا واحدا فقط …”
قالتها بملامح تشنجت كليا لتضيف وهي تحارب دموع عينيها :-
” عندما رميته في السجن .. عندما تركته يعاني لسنوات هناك وحده … ألم تتألم ولو قليلا …؟! ألم تشعر ولو بالقليل من الوجع على أخيك .. إبن أبيك … ”
اكملت وهي تأخذ نفسها تحاول منع دموعها من التساقط :-
” ألم تشعر ولو بجزء ضئيل مما تشعر به الآن ..؟!”
ضرب على مكتبه بقوة مرددا :-
” أخبرتك ألا تفتحي مواضيع لا داعي لها ..”
انتفضت من مكانها تردد :-
” اتركنا منه .. ماذا عني …؟! انظر الى حالتك.. انت تتألم وتعاني لإن أختك مريضة في المشفى .. ماذا لو كنت مكانها …؟! هل كنت ستتألم لأجلي …؟! هل كنت ستخاف علي ..؟! هل كنت ستترك عملك وتبقى جانبي …؟!”
تأملها بجمود للحظات قبل ان يجيب :-
” كلا ، لم أكن لأفعل ذلك ولم أكن لأشعر هكذا لإنك لست هي ..”
“‘ولكنني أختك ايضا ..”
سألته بدموع تساقطت على وجنتيها رغما عنها ليرد بقسوة :-
” اعلم .. اختي من ابي .. نحمل اسما واحدا ودماءا واحدا ولكن رغم هذا لا أشعر بأي مشاعر أخوك نحوك ..”
تنهد بقوة ثم قال :-
” في الحقيقة حاولت .. مع نديم لم أحاول لكن معك انت حاولت .. حاولت أن أشعر نحوك كأخت خاصة عندما كنت تظهرين مدى حبي وسعادتك بوجودي لكنني لم أستطع .. كلما حاولت لأجل ذلك تذكرت ابنة من انتِ فيقتحم الكره والحقد قلبي وعقلي فلا يترك مجالا لأي مشاعر أخوة تنشأ داخلي نحوك …”
ابتسمت بألم فنظر اليها بصمت دون رد لتمسح وجنتها بأناملها قبل ان تهتف بجدية :-
” لقد مررت بالكثير … اعلم ذلك جيدا … لكن انت ايضا عليك ان تعلم … عليك أن تعلم يا عمار إن الحقد يدمر صاحبه والإنتقام هو خط نهايتك الذي رسمته بنفسك دون أن تدري …”
………………………………………………………….
كانت تحاول الإتصال به دون فائدة …
هاتفه يرن لكنه لا يجيبها ..
ضربت الهاتف على الكنبة وهي تسبه وتلعنه بكل ما تملكه من غضب ..
حاولت الإتصال به مجددا لكنه لم يجبها .. يتجاهلها بشكل حارق للإعصاب ..
نهضت من مكانها على الفور وقررت الذهاب الى شقته علها تجده هناك ..
كلا لن تتركه وشأنه بعدما ورطها .. ليس بعدما فعلته ..!!
غيرت ملابسها وسارعت تخرج من شقتها وتركب سيارتها متجهة حيث شقته التي سبق وذهبت إليها ..
هناك وقفت امام باب الشقة تضغط على الجرس عدة مرات دون أن يرد حتى فتح بنفسه الباب لها ويبدو إنه إستيقظ من النوم بسببها ..
هتفت بغضب :-
” ونائم ايضا .. تتجاهل اتصالاتي طوال الثلاثة أيام السابقة لأجدك نائما في شقتك بعمق تاركا إياي أحترق مع نفسي ..”
” ماذا حدث ومالذي أتى بك هنا ..؟!”
سألها بغضب مخيف لترد بقوة :-
” هذا السؤال لا يمكنك أن تسأله لإنك تعرف جيدا ما بيننا …”
دفعته بقوة ودلفت الى الداخل تردد :-
” تعرف جيدا ما حدث … انت تتجاهل اتصالاتي رغم إن هناك اتفاق بيننا .. مالذي يفترض بي أن أفعله ..؟! بالطبع سآتي الى هنا دون تردد ..”
اغلق باب الشقة وتقدم نحوها مرددا بعصبية مخيفة :-
” ألا تفهمين انت ..؟! كونني لا أجيب على مكالماتك فهذا يعني إنني مشغول ولا أريد التحدث معك ..”
” نعم ، واضح جدا مدى إنشغالك …”
قالتها وهي تتأمله بتهكم قبل ان تضيف :-
” اسمعني جيدا .. هناك اتفاق بيننا .. لقد فعلت كل شيء أردته .. لا يمكنك أن تتخلى عني بعدما حدث .. لن أسمح لك بهذا من الأساس …”
صاح بحنق :-
” ألا تفهمين انت ..؟! أنا بوضع لا يسمح لي بالتحدث مع اي شخص .. أختي في المشفى منذ ثلاثة ايام وانت تريدين مني التواصل معك .. ”
سألته بتهكم :-
” حقا ..؟! وما بها ست الحسن والدلال …؟!”
هنف بتحذير :-
” انتبهي على طريقتك وانت تتحدثين عن اختي يا تقى ..”
” فلتذهب اختك الى الجحيم .. ما يهم هو وضعي انا وما سيحل بي ..”
اندفع نحوها يقبض على شعرها يصب جم غضبه عليها :-
” من تلك التي تذهب نحو الجحيم ..؟! كرري ما قلته هيا كي أقطع رأسك .. انت وعائلتك وعائلة الهاشمي جميعت تذهبون الى الجحيم بإذن الله … ”
دفعته وهي تصرخ ألما :-
” ماذا جرى لك ..؟! هل جننت ..؟!”
رد بملامح شرسة :-
” عندما يتعلق الأمر بأختي فأتحول الى مجنون لن يتوانى لحظة واحدة في قتلك وقطع عنقك .. واختي تلك التي تتحدثين عنها بهذه الطريقة هي سبب مساعدتي لك من الأساس .. لأجلها افعل كل هذا ..”
” حقا ..؟! جيد إذا … ليكن بعلمك كل شيء ملغي بيننا ومن الآن فصاعدا سأتصرف لوحدي .. سأذهب وأخبر مهند بكل شيء وسأدمر الجميع وأولهم اختك ..”
قالتها بعصبية لتجده يقبض على ذراعها ويسحبها خلفه :-
” اخرجي من هنا … هيا اخرجي ..”
” تطردني ايها الحقير .. سترى ماذا سأفعل ..؟!”
قالتها بغضب ليدفعها خارج الشقة وهو يهتف :-
” إفعلي ما تشائين .. أختي أعرف جيدا كيف أحميها منك اما عائلة الهاشمي فتصرفي معهم كما تحبين .. فلتذهبي انت وهم الى الجحيم وخاصة حبيب قلبك مهند .. أساسا كلاكما حثالة وتناسبان بعضكما.. ”
اغلق الباب في وجهها لتشتعل غضبا وهي تضرب الأرض بقدميهت قبل ان تندفع خارج العمارة بتوعد ..
بعد اكثر من نصف ساعة وقفت امام الباب الداخلية لقصر الهاشمي بعدما رنت جرس الباب ووجهها مليء بالتوعد ..
فتحت الخادمة لها الباب فدفعتها وهي تسألها :-
” اين مهند …؟!”
ردت الخادمة بخوف :-
” في جناحه …”
اندفعت الى الطابق العلوي حيث جناحه الذي تعرف مكانه جيدا حيث سبق وأتت الى القصر هنا عدة مرات أثناء فترة صداقتها بتوليب ..!!
اندفعت داخل جناحه لينتفض مهند من مكانه غير مصدقا قدومها الى جناحه بهذه الجرأة ليصيح بها :-
” هل جننت ..؟! ماذا تفعلين هنا ..؟!”
تقدمت نحوه تصيح بدورها :-
” اين انت يا بك ..؟! لم أرك منذ عدة ايام .. هل تظن إنه بإمكانك أن تزورني متى ما أردت وتتركني كالحيوانة عندما تمل مني …؟!”
” انت جننت تماما .. اخرجي من هنا فورا قبل أن يراك احد ..”
قالها بغضب شديد لتصيح بتحدي :-
” لن اخرج .. لماذا سأخرج أساسا وما المشكلة إذا رآني أحدهم ..؟! ألست زوجتك …؟! ”
” ماذا جرى لك يا تقى ..؟! هل انت بكامل وعيك ..؟! هل شربتِ شيئا ما قبل أن تأتي الى هنا ..؟؟”
ردت بقوة :-
” انا بكامل وعيي يا مهند .. ومن الآن فصاعدا لن أصمت ولن أتنازل عن حقي فيك .. انا زوجتك وانت عليك ان تحترم ذلك ..”
قال بصوت غاضب محذر :-
” لا تثيري غضبي وجنوني يا تقى …”
ضحكت بسخرية تردد :-
” بل سأثيره اكثر .. ما سأقوله حاليا سيكون قنبلة حقيقية .. مبارك لك حبيبي .. انا حامل …”
تجمدت ملامحه للحظات قبل ان يهتف غير مصدقا :-
” مالذي تقولينه انت ..؟! ”
ردت بحدية :-
” قلت إنني حامل .. انا حامل يا مهند … أحمل طفلك … ”
” كيف يعني حامل ..؟! ألم نتفق على ..”
قاطعته ببرود:-
” على ألا ننجب ..؟! أليس كذلك ..؟! نعم اتفقنا على هذا وأنا تراجعت عن هذا الإتفاق وحاليا انا حامل منك .. ماذا ستفعل .. ؟!”
كانت تسأله بإستخفاف ليقبض على عنقها يخنقها وهو يردد :-
” أيتها الحقيرة .. انت بالتأكيد تكذبين .. لا يمكن ان تكوني حامل ….”
حاولت ان تدفعه بينما هو يستمر في خنقها مرددا :-
” انت لا يمكنك ان تفعل ذلك .. لا يمكنك ان تدمري حياتي بهذه الكذبة .. انت كاذبة لعينه ..”
لحظات وشعر بشيء ما يرتطم برأسه ليسقط ارضا وهو يصرخ بألم بينما وقفت هي تتأمل تلك الفازة التي ضربت بها رأسه بعدما فشلت في إبعاده عنها ..
وضع مهند يده فوق رأسه الذي اندفعت الدماء منه بينمت جذبت تقى حقيبتها وفتحتها تخرج منها تقارير حملها وترميها في وجهه مرددة :-
” هذه التقارير امامك .. تثبت إنني حامل ولا أكذب ..”
ما إن أنهت كلماتها حتى اندفع راغب الى الداخل يتبعه فيصل لينظر لهما مهند بصدمة بينما التفتت تقى نحويهما تردد مبتسمة :-
” اهلا اهلا براغب بك .. جيد إنك أتيت .. انت تحديدا أنتظر مباركتك على هذا الخبر السعيد ..”
اتجهت تجذب التقارير وترفعها أمامه مرددة بملامح مليئة بالتحدي :-
” بارك لي ولمهند يا راغب بك .. انا حامل .. أخيك مهند سوف يصبح أب قريبا …!!”
……………………………………………………………
فتحت الباب لأختها وهي ترتدي ملابسها لتسألها شقيقتها :-
” هل انت جاهزة ..؟!”
هزت نانسي رأسها قبل ان تقول بخفوت :-
” أشعر إن ما نفعله خطأ يا هايدي …”
قالت هايدي بسرعة :-
” على العكس تماما … ما نفعله صحيح جدا .. ”
أضافت بجدية :-
” إذا كنت مستعدة لتحمل مسؤولية طفل صغير بوضعك هذا فيمكنك الإحتفاظ به لكن عليك أن تضعي في عقلك إن مسؤوليته سوف تقع على عاتقك انت فأبيه شخص مستهتر لا يمكنه أن يتحمل مسؤوليته …”
نظرت نانسي إليها بقلق فهمست هايدي وهي تتقدم نحوها وتقبض على كفها :-
” صدقيني هذا أفضل لك وللطفل المسكين … ما ذنب هذا الطفل ليولد في اجواء كهذه هذا غير الطريقة الذي حملتي من خلالها به …”
هزت نانسي رأسها دون رد فأكملت هايدي :-
” لتجهضيه اليوم وتنهي الأمر … ”
” اذا حجزت موعدا أليس كذلك ..؟!”
سألتها نانسي بتردد لتهتف هايدي بجدية :-
” نعم … موعدنا بعد ساعة بالضبط .. إنها طبيبة جيدة جيدا … لا تقلقي أبدا .. كل شيء سيتم بسرعة …”
هزت رأسها بصمت قبل ان تخرج من الجناح تتبع أختها …
دلفت بعد حوالي نصف ساعة الى داخل العيادة لتطلب منها هايدي الجلوس قبل ان تتحدث مع السكرتيرة ..
جلست على الكرسي تتأمل المكان حولها بجسد مرتجف وقلب ينبض بعنف ..
حاولت أن تقنع نفسها إن ما تفعله هو الأفضل لها ولذلك الطفل الذي تحمله داخلها ..
تقدمت هايدي نحوها تخبرها :-
” هيا تعالي .. الطبيبة تنتظرنا في الداخل ..”
نهضت نانسي من مكانها بمشاعر متوترة وما إن دخلت الى غرفة الطبيبة حتى شعرت بالبرودة تكسو جسدها ..
ابتسمت الطبيبة وهي ترحب بهما :-
” تفضلا .. اهلا وسهلا ..”
ردت هايدي تحيتها وهي تتقدم نانسي عندما جلستا مقابل الطبيبة لتهتف الطبيبة وتشير الى نانسي :-
” إذا أنت هي الحامل ، أليس كذلك ..؟!”
هزت نانسي رأسها بملامح مرتعبة فهتفت الطبيبة تطمأنها :-
” لا تقلقي .. الأمر بسيط جدا ولا يستدعي هذا الخوف ..”
أضافت بجدية وهي تنهض من مكانها :-
” دعيني أولا اقوم بفحصك وأخذ أشعة السونار لك مجددا كي أطمئن إنه لا توجد مشاكل لديك ثم نقوم ببعض التحاليل ايضا وبعدها ننتقل الى الغرفة الأخرى للقيام بالعملية …”
سارت نانسي نحوها بحركة آلية لتخبرها الطبيبة :-
” نامي هنا …”
وقفت هايدي جانبها تضغط على يدها بدعم بينما بدأت الطبيبة عملها حيث أخذت تنظر الى صورة الجنين بتمعن بينما أغمضت نانسي عينيها وأشاحت بوجهها ترفض النظر الى تلك الصورة ..
تحدثت الطبيبة أخيرا تتسائل :-
” كل شيء جيد لكن أخبريني هل تودين إجهاض كليهما أم ترغبين بالإحتفاظ بأحدهما ..؟!”
فتحت نانسي عينيها والتفت نحوها بعدم فهم بينما سألت هايدي بدهشة :-
” ماذا تعنين يا دكتورة …؟!”
” ألا تعلمان ..؟! ”
هتفت بدهشة قبل أن تشير الى نانسي :-
” انت حامل بتوأم … وفي منتصف الشهر الثاني …”
وذلك الخبر وقع كالصاعقة فوق رأس نانسي بل وأختها أيضا ..
………………………………………………………..

تقدمت نحو غرفته ووقفت أمام الباب تنظر إليها بتردد …
لقد فكرت طوال اليوم السابق .. عقلها لم يتوقف عن التفكير لحظة واحدة ..
بعدما حدث بينهما كان عليها الإنعزال تماما والتفكير جيدا بكل ما حدث ودراسة علاقتهما من جديد ..
وهذا ما فعلته .. إنعزلت داخل غرفتها لوحدها .. حتى هاتفها أغلقته ولم تفعل شيئا سوى التفكير .. التفكير في علاقتهما .. بما حدث بينهما .. بما جمعهما طوال الأشهر الفائتة وما ينتظرهما .. بوعودها له وتمسكه بها ..
كان عليها أن تفكر بكل هذا مرارا .. بكل موقف جمعهما .. بكل كلمة قالها لها … بكل شيء …
وبعد تفكير طويل حسمت أمرها وقررت أن تتخذ قرارا نهائيا تنهي به كل هذا التشتت الذي يسيطر عليها ..
قرارا صريحا وواضحا تنفذه دون تردد …
اخذت نفسا عميقا قبل ان تطرق على باب الغرفة لتشعر بنبضات قلبها ترتفع وهي تسمع صوت خطواته قبل ان يفتح لها باب الغرفة وهو ينظر لها بعدم تصديق …
” حياة ….”
قالها غير مصدقا لتبتسم بتوتر وهي تسأله :-
” هل يمكنني الدخول …؟!”
رد بجدية :-
” بالطبع تعلمين جوابي يا حياة … ”
دلفت الى الداخل على استيحاء لينظر اليها وهي تستدير نحوه تفرك كفيها ببعضيهما ..
” ماذا هناك يا حياة ..؟!”
سألها بإهتمام وهو يرى حالتها تلك لتهتف بجدية :-
” يجب أن نتحدث يا نديم .. ”
” أسمعك ..”
قالها بنفس الجدية لتجلس على الكنبة وهي تشير له :-
” هل يمكنك الجلوس …؟!”
” بالطبع ..!!”
قالها وهو يسير نحوها ويجلس جانبها لتهمس :-
” انظر سأتحدث بصراحة .. منذ يوم زفافنا وأعلم إنني تغيرت .. تصرفت ببعض الأنانية والكثير من تصرفاتي كانت غبية وربما سخيفة …”
نظر لها بصمت لتضيف بخجل :-
” نديم اعلم إنني لم أنفذ أيا من وعودي لك … أعلم إنني خذلتك عدة مرات .. أعتذر حقا .. لكن صدقني الأمر كان خارجا عن إرادتي .. والله كنت مجبرة على ذلك ..”
أضافت وهي ترفع عينيها نحوه :-
” نديم أنا أحببتك بصدق … وكنت صريحة معك .. حتى وعودي لك كانت نابعة من أعماقي … كنت صادقة معك ولكن ما حدث غصبا عني … ”
اخذت نفسا ثم اضافت :-
” تصرفت بأنانية .. نعم أعترف بذلك .. أردت حماية نفسي ومشاعري وقلبي … لكن صدقني فكرت بك ايضا .. أردت أن تفهم وتستوعب حقيقة مشاعرك وما تريد ..”
هم بالتحدث لكنه أوقفته بترجي :-
” ارجوك لا تقاطعني .. دعني اتحدث… دعني أقول ما يعتمل داخلي …”
تنهد وقال :-
” بالطبع يا حياة .. ”
ابتسمت بخجل واكملت :
” انا لم أكن أنوي على هذا ولكن ما حدث يوم زفاف وما علمته عن ليلى وتضحيتها لأجلك والكثير من الأشياء جعلتني أشعر إنني تسرعت وإنني سمحت لقبي أن يسيرني ولمشاعري أن تتحكم بي وهذا كان خطأ …”
” أتفهم ذلك جيدا .. تلك الحقيقة وإكتشافنا لها كان شيئا صعبا … صعبا جدا … ”
اومأت برأسها موافقة واكملت :-
” وما ترتب على ذلك إنني تصرفت بطريقة آلمتك كثيرا ولكن صدقني آلمتني انا ايضا ..”
نظر لها بصمت لتضيف :-
” انا اسفة على كل شيء … اسفة حقا .. بدلا من أن أكون جانبا وأدعمك أصبحت سببا في ضيقك وحزنك …”
” حياة انا تعبت .. تعبت كثيرا .. انت كنت الأمل الوحيد المتبقي لي .. ظننت إننا عندما نأتي هنا سنبدأ من جديد ولكن حدث عكس ما توقعته .. انظري حياة انا لم أعد أريد إجبارك على اي شيء .. انا ايضا لا يرضيني ان تتألمي .. كوني مرتاحة حياة .. كوني مرتاحة فهذا اهم شيء وأيا كان قرارك فأنا معك ..”
قاطعته بجدية :-
” انا بالفعل اتخذت قراري .. اتخذته بعد تفكير طويل وعميق .. اتخذته بعقلي هذه المرة لا بقلبي ..”
نظر لها بتأهب لتهمس بعدما أخذت نفسا عميقا :-
” سأمنح علاقتنا فرصة أخيرة يا نديم … ”
ظهر عدم التصديق على ملامحه عندما اضافت :-
” سنبدأ من جديد .. وسأكون جانبك هذه المرة كما وعدتك مسبقا … انا وانت نحتاج الى فرصة أخيرة … كلانا يحتاج ذلك .. لذا لقد أتخذت قراري .. سأبقى معك وجانبك .. كزوجة وصديقة وأي شيء انت تريده …”
” هل انت واثقة من قرارك يا حياة ..؟!”
سألها بعدم تصديق لما يسمعه لتبتسم بخفوت وهي تومأ برأسها مجيبة :-
” نعم واثقة يا نديم … ”
عاد يسألها :-
” هل ستعودين حياة القديمة المليئة بالحب والحياة والأمل كما عهدتك ..؟!”
أدمعت عيناها وهي تهز رأسها :-
” نعم يا نديم .. سأعود حياة القديمة كما عهدتها دوما …”
ابتسم وهو يردد بصدق :-
” اشتقت لك حقا يا حياة ..”
ادمعت عيناها وهي ترد بنفس الصدق :-
” وانا ايضا ..”
وفي لحظة كان يجذبها بعناق جعله ممتلئ بالأمان والسلام الذي إفتقده طويلا …

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *