روايات

رواية هواها محرم الفصل التاسع 9 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم الفصل التاسع 9 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم البارت التاسع

رواية هواها محرم الجزء التاسع

هواها محرم
هواها محرم

رواية هواها محرم الحلقة التاسعة

فـ لولا أنه كان من العاشقين المندفعين العابثين الذين تقودهم أفكاراً هوجاءً مشاغبة والذين إذا عشقوا فشلوا في السيطرة على أفعالهم ؛ لما عاش هذا القدر من السعادة والحماس والحمِيّة الآن .
فمن قال أنه يسعى للبحث عن عقله ، فليحيا الجنون ما دامت معه .
❈-❈-❈
دلف فيلته يسحبها خلفه كالشاة المذبوحة يقبض على معصمها ثم أفلتها وهو يلقيها أرضاً فسقطت متألمة فانحنى بلا مبالاة ينتزع حقيبتها منها ويردف بجنون وهو يبعثر محتوياتها أرضاً :
– أنا هعرفك إزاااي تستغفليني .
كانت تتألم وترتعش وتطالعه بعيون جاحظة وهي تراه ينتشل هاتفها من وسط المحتويات ثم يعتدل ويحاول فتحه فلم يفلح لذا انحنى مجدداً يقبض على خصلاتها من أسفل حجابها بقبضة قوية جعلتها تصرخ وهو يقول بنبرة متجبرة محركاً رأسها بعنف :
– افتحي البــــــــــاسوورد .
حاولت رفع رأسها تطالعه ويدها تحاول تخليصها منه قائلة بقهر مكبوت :
– مش فتحاااااه ابعد عنـــــــــــــي .
زاد إصرارها جنونه ليترك شعرها ويمسك فكها يعتصره دون رحمة مردفاً بتوعد مرعب :
– بلاش تختبري صبري دلوقتي ولو باقية على حياتك افتحي الزفت ده ، بعتيله رسالة يقابلك صح ؟ ، نفسك تشوفيه أوي ؟
هزت رأسها وهي تحاول نزع وجهها من قبضته وتقول بصراخ وألم :
– آااااااه ، ماحصلش طبعاً ماحصلش .
– افتحــــــــــي اخلصي .
انهارت وانهمرت دموعها من الألم والقسوة ثم مدت أصابعها تفتح له هاتفها باستسلام وقهر فنفضها بعنف ونهض يعبث به فلم يجد به أي رسائل أو مكالمات فجن جنونه أكثر ورطم الهاتف بقوة في الحائط الذي أمامه ليسقط متهشماً ثم التفت يطالعها بجنون وهي تبكي وتحاول النهوض فأسرع يقبض على رسغها ويسحبها خلفه نحو الأريكة ثم دفعها لتسقط عليها فحاوطها ومال إليها يقول بنبرة حادة قاسية جنونية :
– أعملك إيه أكتر من كدة علشان تحبيني ؟ ، أعمــلك إيـــــــــــــــــــه ؟
أماءت بالسلب مرتعبة من حالته ودموعها تتساقط فاعتدل ينظر حوله ويعرض ذراعيه قائلاً بتباهي جنوني :
– اشتريتلك أحسن فيلا وأغلى فرش وخليتك أميرة بجد .
عاد يسدل ذراعيه ثم طالعها بعيون مشتعلة تطلق شرراً ثم مد يده يقبض مجدداً على رسغها وسحبها خلفه دون اكتراث لحركتها المتعرجة يصعد بها الدرج ويخطو نحو جناحهما حتى دلفه ومنه إلى غرفة الملابس وألقاها على مقعد جانبي ثم اتجه بخطوات جنونية إلى الأرفف وبدأ يعبث بكل ما عليها ويلقيه أرضاً قائلاً بجنون وصراخ :
– أغلى لبس وأغلى ساعات وأغلى مجوهرات علشان تحبيني وترضي .
التفت من وسط هذه الفوضى يطالعها بعيون كادت أن تخرج من مقلتيها صارخاً :
– عاااايزة إيه تاااااني ، هيقدملك إيه أنا ماقدمتووووش ، انطقـــــــــــي .
أجفلت تبكي وتومئ بالسلب مراراً وتكراراً من جنونه وبات جسدها يرتعش بقوة فاحتمت به بذراعيها فعاود يصرخ بجنون أكبر كأنه على وشك أن يقتلها :
– انطقــــــــــــي بقووووول لك .
تحشرجت بنشيج حاد وقالت بضعفٍ وخوف :
– طلقــني .
تجمد مكانه يطالعها بنفس النظرة لثوانٍ قبل أن يضحك بهستيرية ويضع كفيه في جيبيه مردفاً بهدوءٍ مرعب :
– اطلقك ؟ ، عايزة تخلصي مني ؟ ، فكرك إني لو طلقتك هسمحلك تتجوزيه ؟ ، دا أنا اقتلك وأسيب جثتك تتحلل هنا قدامي ولا إنه يلمحك .
تحرك خطوتين يدوس أغراضها بقدمه ويتابع بقسوة استهدفت قلبها :
– ولا عايزة ترجعي على بيت أهلك اللي أصلاً مش طايقينك ولا طايقين عمايلك ؟.
اعتصرت عيناها بألم ثم تحدثت وهي مغمضة تحاولة تجنب رؤيته قائلة بروحٍ مدمرة :
– طلقني وأنا مش هرجع عند أهلي ، وأوعدك مش هفكر في الجواز تاني ولا هشوف يوسف تاني بس طلقني .
انتفض بقسوة وهو يصرخ كالمجنون :
– ماتنطقــــــــــيش اسمـــــــــــــه .
انكمشت تردف بذعر وتلعثم وارتعاش أصاب كامل جسدها :
– تمام تمام تمام تمام تمام ، مش هقول حاجة بس كفاية بقى أنا مبقتش مستحملة .
قالتها بانهيار فاقترب منها وشعرت به فانكمشت فرفع يده يمسدها على خصلاتها بحنو منافي تماماً لحالة الجنون تلك قائلاً بنبرة هامسة كأنه يعاني انفصام :
– هششششش ، اهدي ، اهدي وانسي ، أنا بحبك يا أميرة ، إنتِ ملكيش مكان غيري ، إنتِ من غيري ملكيش أي قيمة ، خلاص انسي اللي حصل ، مش هتخرجي تاني أبداً ، تمام .
ترتعش بقوة وألم كأنه يقبض على نصلٍ حاد ويقطع روحها ، مشمئزة منه ومن همسه ولمسته وأنفاسه لذا استسلمت للسقوط وسقطت أرضاً علي قدميها تردف بخوفٍ :
– ابعد عني ، ابعد عنــــــــــــــي .
كور فمه وزفر بقوة يحاول أن يعود لشخصيته ثم انحنى ينظر لها نظرة شملتها والتفت ينظر لأثر الفوضى التي أحدثها فعاد يزفر وخطى للخارج ومنه للأسفل يغادر ويتركها تواجه الواقع وحدها ، لتتكور على نفسها وتجهش في بكاءٍ متألمٍ وحزنٍ أهلك قلبها وبات ملازماً لها كأنه أقسم على عدم تركها أبداً .
❈-❈-❈
ما إن فتح عمر الباب ودلف هو ومايا حتى وجدا المدعوة إيمان وهي تنكمش بالقرب من والدها باكيةً تردف بنبرة ماكرة تغلفها الحسرة الكاذبة وهي تشير بسبابتها نحو مايا :
– هي دي يا بابا .
نظرة متفحصة من عين سمير نحو مايا التي تسمرت مكانها تطالعه بخوف لولا جسد عمر الذي توقف حائلاً بينهما لمنع وصلة أنظاره ويطالعه هو بعيون محذرة قائلاً :
– هي دي يا بابا إيه ؟ ، قصدك هي دي يا بابا اللي إنتِ ضربتيها وبهدلتيها قدام زمايلها ؟ ، وأنا عايز حقها حالاً يا دكتور .
كان يتحدث لها ولوالدها ولعميد الجامعة أيضاً أما عيناه فسلطت على سمير بثباتٍ وثقة فتحدث سمير غاضباً باندفاع :
– بنتي متضربش حد غير لما يكون اتعرضلها ، وأنا عايز أفهم الموضوع إيه بالضبط .
تحدث العميد بنبرة تقريرية واضحة :
– لا يا سمير بيه مش مقبول إنها تضربها مهما يكن الأسباب ، إحنا هنا معانا الأخصائيات علشان لو حصل أي خلافات بين الطلبة يحلوها إنما ضرب وإهانة ده ممنوع تماماً ، وبنتك غلطت في حق زميلتها .
تحدثت ايمان بجرأة اكتسبتها من دفاع والدها قائلة بنبرة وقحة :
– يعني يا دكتور تقول عني كلام محصلش وتتهمتي بالسوء وتسبني في شرفي واسكت ؟
ثار سمير جاحظاً عينيه يردف وهو يحول نظراته بينها وبين تلك المنكمشة خلف ظهر عمر الشامخ قائلاً :
– شرفك ؟ ، ده يومها مش فاااايت ، يعني إيه الكلام ده ؟ ، قالتلك إيه يابت انطقي .
وقف العميد يحاول تهدأة الأوضاع قائلاً بتعقل :
– لو سمحت مينفعش كدة ، اقعد حضرتك علشان نحل الخلاف من غير تصاعد .
هاج سمير ولم يبالِ بأحد وصاح يردف متوعداً :
– تصاعد إيه يا حضرة ، بتقولك سبتها وأنا عايز حق بنتي حالاً يا إما هقفلكوا الجامعة دي النهاردة .
نظر له العميد ببعض القلق ولكنه أردف بنبرة عادلة :
– لو بنتك ليها حق هتاخده ، بس اهدى واسمع من الطرفين .
طالعه بغضب ونفخ ثم التفت يرمق مايا بنظرات متفحصة فتحدث عمر بنفاذ صبر بعد هذا العرض التمثيلي موبخاً :
– انت بقى بتتبع المثل اللي بيقول خدوهم بالصوت ، بنتك ضربت خطيبتي وأهانتها وإنت جاي تدور على حقها ؟ .
تبخر غضب سمير ليحل محله البرود وهو يعاود الجلوس ويضع ساقاً فوق الأخرى قائلاً باستفزاز وهو يشير بذقنه نحو مايا :
– وهي اللي تلبس كدة وتمشي بالمنظر ده يبقى ليها حق ؟ ، روح ربي خطيبتك الأول مادام أهلها معرفوش يربوها وبعدين تعالى دور على حقها ، بنتي مغلتطش وأنا قايلها اللي يتعرضلك بالكلام ربيه .
انتفض عمر بغضب وهو يقترب منه حتى كاد أن يهجم عليه لولا تدخل العميد والمشرفتين لمنعه لذا قال محذراً بسبابته :
– احفظ أدبك يا راجل إنت أنا محترم سنك بس يظهر إنك متعرفش الاحترام وده واضح من تصرفات بنتك الهمجية .
تخصرت إيمان وتحدثت موبخة إياه أمام الجميع بعدما نفش والدها كتفيها بتباهي :
– مين دي اللي همجية يا جدع إنت ماتخليني ساكتة أحسن ما انشر غسيلكم المعفن قدام الناس .
كانت منكمشة خلف ظهره خائفة بعدما انهارت قوتها المزعومة ، خائفة من هذا الرجل ومن هيأته وملامحه ولكن ما إن تفوهت إيمان بهذا الكلام المهين حتى خرجت تجابهها قائلة بحدة وعيون مشتعلة :
– اخرسي قطع لسانك يا كدابة ، إنتِ مفكرة الناس كلها زيك .
ثم التفتت تطالع هذا الرجل الذي يرمقها بنظرات كره وازدراء قائلة تحاول سلب حقها بنبرة مقهورة :
– بنتك كدابة وأهانتني قدام كل زملائي وقالت عني كلام كدب ولما صارحتها بحقيقتها ضربتني .
رمقها من أعلى لأسفل كأنه ينظر لشيء مقرف ثم بصق الكلام بنبرة مهينة :
– كلام كدب إزاي يعني ؟ ، قالت إيه عنك ؟
لم ترتح لنظراته لذا التفتت تنظر نحو عمر الذي تحدث محذراً موجهاً حديثه للعميد :
– لو مايا حقها متردلهاش حالاً قدام كل زمايلها والبنت دي أخدت إنذار ومش هقول رفد أنا هاخد خطيبتي واطلع حالاً ع القسم أعمل محضر باللي حصل .
نهض سمير مجدداً وصاح به بغلظة وجمود قائلاً :
– أعلى ما في خيلك اركبه ، يالا خد خطيبتك دي وروح شوفلها جامعة تانية انقلها فيها بلا قرف .
لم يحتمل عمر المزيد من الإهانة في حق مايا حيث تجسدت أمامه شياطين الغضب وكاد أن يلكم هذا الشخص لكمة تعبر عن غضبه ولكنه تمالك أعصابه حتى لا يفقد حقها وأردف من بين أسنانه :
– احترم نفسك بقولك بدل ما أخليك تندم على إهانتك دي .
طالعه سمير ببرود يثير استفزازه بينما تحدث العميد وهو يرفع سماعة هاتف مكتبه بعدما تفهم موقف عمر :
– اهدى يا أستاذ عمر وبلاش بلاغات واحنا هنحل الموضوع .
تحدث لأحدهم قائلاً بترقب :
– ابعتيلي اتنين طلاب من اللي كانوا موجودين في الكافتريا .
أغلق ونظر إلى مايا برأفة فهي لا تشبه أبداً تلك الفتاة الوقحة التي تقف عند والدها تطالعها بنظرات خبيثة منتصرة ومتشفية بينما الأخرى ترمقها بغضبٍ واضح وحزن وتختبيء خلف عمر الذي تتأجج نيرانه غضباً من هذان اللذان سقطا من شجرة الوقاحة لتوهما .
❈-❈-❈
يجلس في مكتبه يتقلب على صفيحٍ ساخنٍ بعد أن غادر المطعم مع صديقيه اللذان أوقفاه بقوة حتى لا يزيد الأمر سوءاً .
ولكن ملامحها وسحبها من قبل ذاك المختل بتلك الطريقة يثيران جنونه ليوقن أنها من المؤكد تعنّف وتهان منه .
يجلس متآكلاً لا يعلم ماذا يفعل وكيف يتصرف ولكن نيرانه مشتعلة ليخبره شيطانه أكثر من مرةٍ بأن يذهب إلى منزلها ويقتحمه وليحدث ما يحدث ولكن تغلبه طباع التعقل والحكمة التي يعرف بها مستنتجاً أن تلك الطريقة ستتسبب في أذيتها أكثر .
وأخيراً اهتدى عقله لمهاتفه شقيقته حنان فرفع الهاتف ينتظر ردها فأجابت بعد ثوانٍ بهدوء وحنو :
– السلام عليكم ، أزيك يا جو ؟
زفر وتحدث بنبرة هادئة تنافي ثورانه وغضبه :
– إيه يا حنون ؟ ، عاملة ايه ؟
تفحصت نبرته بخبرتها الأخوية وتساءلت بقلق :
– صوتك ماله يا يوسف ؟ ، حصل حاجة؟ .
تحمحم يتنفس بعمق ثم تحدث باستفاضة :
– عايزك تكلمي أميرة حالاً يا حنان وتطمني عليها .
تملكها القلق والتعجب فتساءلت بتوجس :
– أميرة ؟ ، خير يا يوسف إيه اللي حصل ؟
تحدث بنفاذ صبر قائلاً :
– كلميها بس يا حنان كإنك بتطمني عليها وبلاش تجيبي سيرتي خالص وبعدين طمنيني .
أومأت كأنه يراها وتحدثت دون نقاش :
– حاضر يا يوسف هكلمها واطمنك .
أغلقت معه وحاولت الاتصال بها ولكنها وجدت هاتفها مغلقاً ، حاولت مرة أخرى ولكن كانت نفس النتيجة لتزفر بيأس ثم تعيد الاتصال بيوسف الذي أجابها متلهفاً فأردفت بإحباط:
– موبايلها مقفول يا يوسف ، عرفني بس فيه إيه ؟
أطرق بيأس والتهمه القلق أكثر ليقول بنبرة منزعجة :
– اقفلي دلوقتي يا حنان .
أغلق معها وجلس يضع كفيه بين راحتيه ويفكر كيف يستطيع أن يطمئن عليها .
❈-❈-❈
في منزلٍ جمع بين الماضي والحاضر والمستقبل .
منزل نُحت داخل صخرة كبيرة مطلة على البحر جدرانه من الصخر والخشب ونوافذه زجاجٍ ويحتوي على كل وسائل الراحة والرفاهية .
صمم ليكون فريداً من نوعه حيث لا يمكن لأحدهم رؤيته إلا من يسكن فيه أو من يكن على متن يخت تابعاً له .
وبرغم كل تلك المميزات فهو عبارة عن مطبخٍ واسعٍ وغرفةٍ كبيرةٍ وحمامٍ واحدٍ فقط أما باقي مساحته فصممت لتكون مسبحاً أنيقاً وحديقة راقية مزدهرة .
لنستنتج أن هذا البيت صمم بطلبٍ خاص ومبلغٍ باهظ كي يستوعب اثنين فقط لا ثالث لهما .
اثنين جاءا إليه عبر البحر أحدهما يحمل الآخر على كفوف الراحة .
تحت سطح مياة المسبح يغوص سابحاً كطائرة تسير فوق الغيوم دون قيود .
يذهب ويأتي منتعشاً والماء الدافيء يعانقه بعدما جاء بها إلى هنا ، وبرغم أنها ما زالت غائبة عن الوعي وبرغم تيقنه أن لحظة استيقاظها ستكون انفجاراً وبرغم حالة الجنون والفوضى العارمة التي تركها خلفه إلا أن سعادته لو وضعت في كفة مقابل سعادة العالم لرجحت كفته .
متباهياً بإنجازه العظيم في الدفاع عن حبه بكل الوسائل والسبل ، فصقر ليس أفضل منه ليختطف حبيبته ، بل وأنه سبقه بدرجاتٍ حيث اختطفها ليتزوجها ولن يغادرا هذا المنزل المتطرف إلا وهما زوجان وستسير الأمور بحذافيرها كما خطط تماماً لها .
ارتفع فجأة محدثاً توتراً شديداً في سطح المياة وظهر بجذعه وهو ينفض المياة عن رأسه وخصلاته فتتناثر هنا وهناك .
زفر بقوة ثم تحرك يستند بكفيه على الحائل الرخامي ليقفز برشاقة نحو الخارج فتساقطت منه المياة العالقة على جسده فوق الزرع الأخضر الذي يحتضن المسبح .
تقدم خطوات لينتشل كأس المشروب الذي قدم له من خلال الفندق البعيد نسبياً عن البيت .
وضع الكأس على فمه يرتشف المشروب في جرعة واحدة ثم رفع رأسه ينظر نحو الغرفة الزجاجية وتنهد تنهيدة حارة تنافي برودة جسده ، لتعود هيأتها تستحوذ على عقله فيتمنى لو صعد للغرفة وتمدد جوارها واستمتع معها وليحدث ما يحدث فليس على العاشق حرج .
ملامحها البريئة وهالتها الإيمانية تجبره بقوة على التوقف بعيداً وتأملها كأنها نجمة لامعة تسكن الفضاء ولكنه لا يعلم أنها محصنة تحميها الملائكة .
زفر ووضع الكأس على الطاولة محدثاً قرقعة تشبه قرقعة قلبه الصاخب الذي برغم كل سعادته إلا أنه ينتظر استيقاظها بقلق وترقب .
لقد وصلا إلى هنا منذ سويعات قليلة وصعد يمددها على السرير فوراً ثم غادر الغرفة ولم يدخلها بعدها أبداً بل يجلس هنا في هذه الحديقة الرائعة يشغل وقته بالاستمتاع بهذه الأجواء التي كان يعدها لقضاء شهر عسلٍ بها منتظرها حتى تنهض وتعنفه بصراخٍ فهو يشتهي رؤيتها بأي شكلٍ كان .
وها هي تلبي له أولى أمنياته وتبدأ في انكماش أهدابها وتجعد خطوط وجهها ببطءٍ كأنها تصارع كابوساً ودت لو كان حقاً كابوساً .
تفتح عينيها بثقلٍ حاد كما لو كانا جفنيها من صُلبٍ ، رؤيتها مشوشة تماماً لا تشعر بأي عضوٍ من أعضائها وكأن جسدها أصابه الشلل .
رويداً رويداً بدأت تتضح الرؤية وتدريجياً انسحب التخدر من جسدها كأنه غطاء ينسحب من فوقها .
لتحاول تحريك ذراعيها المتجمدتان وساقيها كذلك بتمهل وقلق .
قلقاً بدأ يتوغل إلى عقلها وهي تستعيد ما حدث معها ، وما إن استعاد عقلها المشهد كاملاً حتى تضاعفت طاقتها وانتفضت مجفلة تنظر حولها بصدمة وجحوظ .
قلبها ينبض بصخب وانكمشت على الفراش كأنها قطة مذعورة من كل شيء محيط بها .
تبحث بعينيها المتسعة عنه قبل حتى أن تستكشف المكان ولكنها لم تجده بل وجدت أمامها جدراناً ونوافذاً جديدة لم تتعرف عليها أو تلمحها يوماً سوى في إحدى المجلات أو عبر شاشة هاتفها .
طنين بدأ من أذنيها ليقتحم جانبي رأسها لذا مدت كفيها تضغط على عقلها بقوة عله يهدأ وهي تئن ثم تبخر الألم كأن هذا آخر مفعولٍ للمخدر .
عادت تبصر حولها وقد اتضحت الرؤية تماماً لذا نظرت لنفسها مسرعة فوجدت ملابسها كما هي وحتى غطائها جاء معها فاحتمت به وظلت متكورة تلتصق بالوسائد وتنظر هنا وهناك مترقبة مجيئه في أي لحظة وقد تحولت من فتاة متعلمة ومثقفة هادئة لأخرى طرزانية سقطت في مكانٍ جديد لا تعرفه أبداً وتخشى اكتشافه وحتى أنها ترفض التفكير في الواقع .
❈-❈-❈
جاء الطالبان وتوقفا أمام العميد ينظران نحو إيمان بتوجس بعدما باغتتهما بنظرة محذرة فهم جميعاً اشتركوا في فضح أمر مايا لذا تحدث أحدهم ورأسه مطأطأ :
– إحنا منعرفش إيه اللي حصل بالضبط في الأول يا دكتور بس سمعنا مايا وهي بتهين إيمان بكلام مش كويس ف إيمان هجمت عليها .
احتقن وجه عمر وصاح به غاضباً بسخرية لاذعة وهو يثق تماماً في حديث مايا :
– متعرفش إيه اللي حصل مع مايا بس عارف كويس إيه اللي حصل مع إيمان ، ماتسترجل يالا .
توتر الشاب وابتلع لعابه ونظر للعميد قائلاً بتبرم :
– يا دكتور أنا بقول اللي حصل .
تحدث الآخر بعدما أشار له العميد قائلاً بنوعٍ من الحياد :
– هما الاتنين غلطانين يا دكتور بس اللي بدأت إيمان .
نهض سمير يطالعه بغيظ كمن شهد ورأى وقال مندفعاً كأنه يبصق الكلمات :
– أيوة اللي بدأت إيمان مانتوا رباطية بقى .
ثم صاح غاضباً لينهي هذه المسألة وتحدث وهو يطالع العميد :
– انتهى الكلام لحد هنا ، يا إما البنت دي تترفد من الجامعة نهائي يا إما الجامعة كلها هتتقفل .
لم يحتمل عمر تعالي هذا الرجل وغلظته وقسوته وقد نفذ صبره وتعقله المعهود لذا فجأة هجم عليه يقبض على رأسه باغته بروسية قوية مفاجأة وهو يقول :
– طب خد دي بقى علشان إنت راجل مهزأ .
ترنح جسد سمير لثوانٍ قبل أن يصرخ ممسكاً برأسه ويقول بجبنٍ ووعيد وابنته تسرع إليه :
– شاهدين ؟ إن ما وديتك ورا الشمس مبقاش انا سمير العدلي ، أنا هعرفك إنت والزبالة اللي معاك ، يالا يا بت .
قالها وسحب ابنته يغادر مسرعاً خاصةً بعدما رآى غضب عمر الذي أخافه فهو من أولئك الذي يخافون ولا يخجلون .
بينما من في الغرفة انتابتهم فرحةً من مغادرتهما يحاولون إخفائها وتجلى ذلك في نبرة العميد حين قال معاتباً :
– ينفع كدة يا أستاذ عمر ؟ ، تصرفك فرق إيه عن تصرف بنته ؟
تحدث عمر باستفاضة ونفاذ صبر :
– يعمل اللي هو عايزه ، وبردو حق خطيبتي هيرجع وحضرتك لازم تعمل اللي عليك .
نظر لمايا قائلاً بضيق :
– يالا .
تحركت معه وغادرا نحو الخارج حتى توقفا أمام السيارة ففتح لها الباب الأمامي قائلاً بملامح جادة غاضبة :
– اركبي .
أومأت بحزن وصعدت تحت أنظار الجميع المتفحصة فأغلق الباب والتفت هو يستقل مكانه ويقود .
❈-❈-❈
في منزل رضا العدلي .
تجلس انتصار واضعةً ساقاً فوق الأخرى بتعالٍ وتتابع التلفاز حينما جاءت مدبرة المنزل تقدم لها القهوة قائلة :
– اتفضلي يا ست هانم .
لم تنظر لها بل تناولت فنجان القهوة ورفعته إلى فمها ترتشف منه القليل ثم وضعته جانبها وعادت تطالع هذا المسلسل الذي تتابعه .
رن هاتفها فقطع اندماجها بالأحداث الدرامية لذا زفرت بضيق وتناولته تنظر للمتصل فوجدته عاطف لذا امتدت يدها تلتقط جهاز التحكم وتخفض الصوت ثم أجابته قائلة :
– أزيك يا عاطف ، عامل إيه ؟
أجابها وهو يقود بتجهم :
– سيبك مني دلوقتي وقومي روحي لبنتك ، اتخانقنا وسبتها ومشيت .
زفرت تقلب عيناها بملل ثم قالت بتهكم :
– تااااني يا عاطف ، انتوا مش بتزهقوا من الخناق كل شوية ؟ ، وبعدين معاكوا ؟
كور قبضته يلكم المقود ثم تحدث بغضب :
– الكلام ده تقوليه لبنتك ، أعملها إيه أكتر من كدة علشان ترضى عني .
هزت رأسها باستنكار من وضع ابنتها المتمردة وقالت بتساؤل :
– إيه اللي حصل المرة دي ؟
زفر بقوة ثم بدأ يسرد لها ما حدث كما رآه لتعتدل في جلستها وتقول بغضبٍ وحقد :
– يوسف تااااني ؟ ، هو أنا مش هخلص منه ولا من أمه أبداً .
تحدث عاطف بنفاذ صبر :
– خلصيني من الحوارات دي وروحي شوفيها واتكلمي معاها ، عرفيها إن صبري عليها قرب ينفذ .
تحدثت بلا مبالاة وبدون ذرة ضمير منها أو منه قالت :
– لا راحة ولا جاية خليها مع نفسها كدة تعرف غلطها ، دي كأن بيني وبينها تار أول ما بتشوفني بتهب فيا وأنا ممكن معرفش أمسك أعصابي وامد إيدي عليها إنت عارفني ، لو عايز حد يكلمها ابعتلها أمك .
زفر بضيق وأغلق معها فقلبت عيناها وعادت تجلس كما كانت وتتناول قهوتها وباليد الأخرى تعيد رفع صوت التلفاز ولكن أتت ابنتها على عقلها تجبرها على التفكير بها ، لتعود للماضي وتتذكر ما حدث فتجهمت ملامحها بغضب وغيرة وهي تقول بهمس من بين أسنانها :
– لسة بتفكري في ابن مشيرة وبتتأمري على عيشتك يا بنت بطني ؟ ، هتفضلي غبية طول عمرك .
استمع إلى همسها ياسين ابنها وهو يخطو ليغادر فتعجب قائلاً وهو يطالعها :
– بتتكلمي مع نفسك ولا إيه يا ماما ؟
تحمحمت تطالعه ثم تنهدت بعمق وقالت بملامح منزعجة :
– أعمل إيه في أختك اللي ناوية تقضي عليا ، لا ريحتني وهي هنا ولا وهي متجوزة في بيت جوزها..
زفر بملل وتحدث وهو ينظر لساعة يده :
– خيير ، عملت إيه تاني أميرة هانم ؟
لم ترد إخباره بأمر يوسف حتي لا يجن جنونه وقالت مراوغة :
– مش مريحة جوزها ، علطول معنداه ومجنناه .
ابتسم بتهكم ثم قال وهو يتجه نحو الخارج بلا مبالاة وجحود :
– سبيه يطلع عينها بقى وماتدخليش بينهم ، تستاهل .
قالها وغادر وتركها تعاود التفكير في أمر سلفتها التي لا تبغض شيئاً مثلها وتلعن ابنتها التي تسببت لها في تلك الحالة الغلاوية .
❈-❈-❈
كانت في حالة من اللا وعي ، عدم الاستيعاب ، تتوهم أنها ستستيقظ الآن في منزلها الجديد أو ربما القديم فكل ما تعيشه خلال تلك الأيام مزعجاً ويخنقها .
من المؤكد هي داخل كابوسٍ الآن وأن عينيها تخدعاها وأن عقلها هذا ما هو إلا عقل باطني ينسج خيوط حلمٍ لن يتحقق ، لن يسمح والدها بهذا ، لن يسمحا والديها باختطافها .
هكذا تفكر وهي منكمشة في غطائها الذي هو أكبر دليلاً على هذا النسج من الأفكار وكأنها تتخذه ذريعةً لتقنع نفسها أنها داخل حلم .
ضاقت أنفاسها بل انسحبت للأسفل كأنها تتخلى عنها وهي تتذكر ملامحه وأنفاسه وكلماته قبل أن تغفو ، تذكرت تلك الوخزة التي شعرت بها لذا امتدت يداها تعاود تتحسس ذراعها بذهولٍ أسدل أهدابها للحظات قبل أن تعاود النظر وتسقط منها دمعة تلو الأخرى حتى أصبحت تبكي ودموعها تتساقط دون قيود .
نظرت أمامها فوجدت خزانة ملابس خشبية فتعلقت عيناها عليها .
أزاحت غطاءها وتحركت بحذرٍ وبطءٍ ونهضت تخطو نحوها ، خطواتها متخبطة كمن تنام منذ دهر ولكنها وصلت إليها ومدت يدها تفتحها لتجد بها عدة ملابس لا تمت لملابسها بصلةٍ وهذا دليلاً ثانياً أكد لها ظنها ؛ أنها مازالت داخل حلمٍ .
بحثت عن شيءٍ ما تخفي به جسدها وشعرها حتى وجدته وانتزعته ثم أسرعت ترتديه ، تعجبت من وجود أحجبة هنا ولكن يظل هذا حلماً .
التفتت حولها لتجد أثاثاً رتيباً ونظيفاً بشكلٍ يجعله براقاً لتلتفت للجهة المقابلة حيث نافذة زجاجية بل جدار زجاجي كاملاً يظهر الجزء المتبقي من الجبل والبحر الذي ليس له نهاية تُرى .
تقدمت ببطء وحذر إلى هذا الجدار ومع كل خطوة تتقدمها يظهر أمام عينيها شيئاً جديداً من جمال هذا المكان حتى ظهر لها الجزء المنحدر من هذا البيت ، حديقة رائعة تحاوطها الصخور ومسبح و ….
إنه هنا ؟؟
شهقت وعادت للوراء خطواتٍ متعثرة حتى كادت أن تسقط وهي تراه يتمدد على مقعدٍ منفرد ويتناول مشروبه كأنه يقضى صيفه على الجزيرة وهذا ما يحدث بالفعل ، فبرغم برودة الجو إلا أنه اعتاد البرودة سواء كانت في حرارة جسده أو أفعاله .
أثناء عودتها لم تنتبه لتلك الطاولة التي وضعت عليها مزهرية أنيقة فأحدثت بها خللاً كخلل أفكارها أدى إلى سقوطها ولكنها لم تنكسر ، يبدو أن كل شيءٍ هنا لا ينكسر إلا قلبها .
التفتت تطالعها بصدمة مبالغ بها ثم أسرعت تبحث بعينيها عن مخرجٍ أو بابٍ فلم تجد سوى باباً واحداً ركضت إليه وفتحته لتجده حماماً وليس مخرجاً ، وقفت جاحظة تلتفت حولها بعبث ، ما هذا المكان وكيف لمكانٍ كهذا أن يشيّد من دون أبواب ؟ .. ولكنها تذكرت أنه حلم ؟ ، تكرار تلك الجملة على عقلها جعلها تبكي خوفاً من تبدده لواقع .
الباب الوحيد هنا هو من خلال هذا الجدار الزجاجي الذي رأته منه حيث لا مخرجاً سواه .
أما هو فكان شارداً يفكر فيها حينما اقتنصت أفكاره صوت ارتطام شيئ ٍ ما في الأعلى ليدرك أنها استيقظت .
نهض مسرعاً يخطو باتجاهها ثم صعد عبر درج خشبي ذو مصاطب قليلة مزينة بسياجِ زهور متفتحة ومع كل درجٍ تزداد ضربات قلبه عنفاً ويدفء جسده المكشوف حتى وصل إليها حيث كانت تواليه ظهرها حينما ناداها بترقب :
– خديجة .
أجفلت منتفضة تلتفت له ثم أسرعت تعود لوقفتها وتلف وجهها عنه قائلة بذعر وقشعريرة تملكتها :
– إلبس حاجة .
تعجب من ردة فعلها السريعة ولكنه نظر لجسده حيث لم يكن يرتدي سوى شورت سباحة فقط لذا زفر بغرابة من حالتها وتقدم نحو نفس الخزانة وفتحها ينتشل من إحدى أرففها تي شيرت أسود ويرتديه مسرعاً ثم يردف بترقب وهو يخطو نحوها :
– ممكن نتكلم .
كانت تبحث بعينيها وهي تتكتف عن أي وسيلة دفاعية أو ربما قتالية لا يهم ولكن عندما شعرت به خلفها التفتت مجدداً وابتعدت عنه تردف بعيون متسعة محذرة قائلاً من بين أسنانها وهي ترفع سبابتها :
– متقربش مني ، أوعي تقرب .
رفع كفيه مستسلماً أمامها يردف بهدوء وتريث :
– تمام ، اهدي ، إنتِ في أمان .
هزت رأسها استنكاراً وبدأت تسقط على أرض الواقع ونظراتها توزع عليه وعلى المكان من حولها ثم عادت تستقر عنده قائلة بشراسة حادة :
– أنا عايزة أروح ، لازم ترجعني حالاً زي ما أخدتني .
قالتها وهي تسارع انهيارها كي تظل ثابتة بينما هو تحدث بعيونٍ حذرة :
– اهدي خديجة .
أسدلت جفنيها للحظات ثم عادت تطالعه وتذكرت أمر والديها لتقول وهي على وشك البكاء :
– بابا ؟ ، دلوقتي بيدور عليا ، إنت عملت إيه ؟
تكتف أمامها وتحدث بنبرة باردة متجرداً من قلقه قائلاً :
– هتفهمي لما نتكلم .
ضيقت عيناها تطالعه لثوانٍ ذاهلة من بروده ثم احتدت نظرتها قائلة بتصميم وثبات وبنبرة قوية نطقت برغم ارتجافها خوفاً :
– مافيش حاجة اتكلم فيها معاك ، مافيش أصلاً كلام بينا بعد اللي عملته ده ولازم ترجعني حالاً .
زفر ينظر جانبه على المقعد الهزاز ثم اتجه يجلس عليه بأريحية ويفرد ظهره وذراعيه ويتأرجح قائلاً باستفزاز :
– مش هنرجأ يا خديجة ، هنتكلم وهنتفق حتى لو بقينا هنا طول الؤمْر .
تجمدت تطالعه فوجدته يغمز لها بثبات وهو يتأرجح كأنه يخبرها أن كل المحاولات فاشلة لذا نظرت حولها بضياع وشرود ، هل تثور وتصرخ وتهجم عليه ؟
اهتدت للتروِ وزفرت بقوة باكية وهي تستغفر ربها وتطلب عونه ثم بعد ثوانٍ من الصراع الفكري تحركت نحو الفراش تجلس عليه وتضع رأسها بين راحتيها لتهدأ قليلاً ولترى ماذا يريد أو كيف ستعود من هذا المكان الذي لا تعرف له سبيلاً .
❈-❈-❈
يجلس بهجت أمام الشرطي منذ نصف ساعة يحاول شرح الأمر له قائلاً باستنزاف وروحٍ مجهدة :
– يا باشا بقولك تليفونها في مكانه ، وبطاقتها وجواز سفرها مش موجودين ، وقبلها بكام يوم كان عاملنا مشكلة وجيت بلغت عنه هنا ، يبقى هو اللي خطفها أكيد مش محتاج أفكر مرتين ، لو سمحت شوف طريقة والحقوا بنتي قبل ما يأذيها .
تحدث الشرطي بنبرة قانونية غير مكترث بمَ يقوله :
– يا أستاذ إحنا مينفعش ناخد أي إجراءات غير بعد ٢٤ ساعة وقتها نبدأ نتحرك ، وبعدين حتى سجل الكاميرات ممسوح ومافيش أي أثر يدل على كلامك ده وحضرتك جاي تقولي لحافها وبطاقتها طب ما ممكن تكون هي اللي مشيت؟ .
رمقه بهجت بنظرة صادمة ثم أردف مدافعاً :
– لاااااء ، خديجة مستحيل تعمل كدة ، دي بنتي وأنا حافظها ، وبعدين موبايلها زي ما هو مكانه ، هو خطفها صدقني .
زفر الشرطي ثم نهض يتحرك ويتركه يجلس بضياعٍ وتشتت ويجاوره مازن يحاول تهدأته بالرغم من حزنه هو الآخر .
نهض بهجت فعلى ما يبدو أن الأمور هنا تسير حسب القوانين والأدلة لا العواطف لذا فقد تحرك نحو الخارج هو وابنه يستقل سيارته ويقود بغير هدى ، لا يعلم أين يذهب أو عمّ يبحث لذا فإنه يشعر بالقهر والعجز .
وعندما يشعر الرجل بالقهر والعجز معاً فإنه على شفا حفرةِ من ارتكاب جريمة .
فماذا عن أبٍ سعى بكل الطرق للحفاظ على ابنته من وحشٍ كاسرٍ وفي نهاية الأمر استطاع انتشالها من بين أحضان عائلتها دون أن يشعر
❈-❈-❈
في فيلا آسيا
توقف صقر بسيارته وتجاوره نارة التي التفتت تطالعه قائلة :
– هتروح فين يا صقر وهتعمل إيه ؟ ، لازم نعرف هو أخدها وراحوا على فين .
زفر يوميء بضيق قائلاً :
– هحاول يا نارة ، المشكلة إن المتخلف ده مستحيل ياخدها على أي مكان ممكن أنا اتوقعه ، ربنا يستر .
زاد قلقها بينما هو أدرك ما قاله لذا التفت يطالعها ويزم شفتيه ثم قال بتروٍ :
– انزلي انتِ ومتقلقيش هعرف أخباره وهطمنك .
ابتسمت بحزن توميء له ثم فتحت الباب وترجلت تغلقه خلفها ولوحت له تودعه والتفتت تدلف ولكنه تذكر أمر عائلتها فناداها قائلاً :
– نارة ؟
التفتت تطالعه وعادت تقترب منه مجدداً فقال بترقب :
– هتعملي ايه في مقابلة النهاردة ؟
هزت رأسها تقول بنفي كأنها تمسكت بذريعة مناسبة للرفض :
– مش هينفع يا صقر ، مش هينفع أروح مشوار زي ده وبالي مشغول على خديجة .
أومأ لها متفهماً ثم قال :
– تمام ، أنا هبلغ ابن عمك ونأجل المشوار لحد ما نلاقيها .
أومأت والتفتت تدلف وتحرك هو إلى شركته ليجتمع ببعضٍ من رجاله ومعارفه كي يساعدوه في العثور على ماركو .
❈-❈-❈
نهضت تلملم شتات نفسها بنفسها كعادتها دوماً فقد يأست من إيجاد يدٍ تربت على جسدها وتداوي جراحها لذا فهي من باتت تنتشل نفسها من مستنقع الحزن هذا .
توجهت تنتزع ملابس لها ثم اتجهت نحو الحمام لتستحم وتزيل أثار القسوة والقهر من عليها .
خرجت بعد عدة دقائق تخطو متجهة للأسفل بخطواتٍ هادئة فاقدة لأي شغفٍ ثم اتجهت نحو أغراضها المبعثرة أرضاً وانحنت تجمعهم ثم اتجهت تلتقط أجزاء هاتفها وتحاول جمعها بملامح ثابتة بعدما ارتدت قناع اللا مبالاة .
تدعو الله في نفسها أن يعمل الهاتف وهي تحاول تشغيله وبالفعل فُتحت الشاشة لتكن للمرة الأولى سعيدة حظٍ .
ما إن عاد يعمل حتى أسرعت تعبث به وتسجل رقم حنان التي دوماً تحذف مكالماتها لها ، وقبل أن تهاتفها وجدت إشعار رسالة فتفحصته لتجد أن حنان بالفعل هاتفتها مرتين .
أسرعت تحاول الاتصال بها وانتظرت إجابتها ففتح الخط بعد ثوانٍ وأردفت حنان بنبرة قلقة ولهفة :
– إيه يا أميرة فينك ؟ ، إنتِ كويسة ؟
زفرت بقوة وأغمضت عيناها تجيب بهدوء وتخفي ما أصابها :
– كويسة يا حنان ، الفون كان بيشحن ولما فتحته لقيتك رنيتي مرتين ، فيه حاجة ؟
تنهدت حنان وتحدثت بمراوغة :
– لا لا ، أنا بس كنت بطمن عليكي .
صمتت أميرة تستشعر حديثها فتابعت حنان بتوجس :
– أميرة هو إنتِ شوفتي يوسف النهاردة ؟
إذا كما توقعت واتصالها هذا لم يكن من فراغ لذا تساءلت دون لفٍ أو دوران :
– يوسف اللي قالك تكلميني يا حنان ؟
زفرت حنان باستسلام قائلة بصدق :
– أيوة هو يا أميرة بس أنا مش فاهمة في إيه ؟
مسدت على وجهها واتجهت تجلس على الأريكة بشرود ثم قالت بنبرة غامضة :
– أنا كويسة جداً يا حنان ، بلغيه إني كويسة جداً .
أغلقت معها ونظرت للأمام متوعدة ، لن تستسلم مجدداً ولن تتهاون وستطلق منه عاجلاً أم آجلاً ولن تلتفت للوراء مجدداً .
من الآن وصاعدا ستغلق صمام قلبها فلم تعد تريد لا عشقاً ولا رجلاً .
ستكون أنثى فقط تحيا وتنجو بنفسها من هذا البئر الذي سقطت فيه عنوةً بعد تجبر عائلتها .
ستحيا من رمادها ولن تضعف مرةً أخرى لأي رجلٍ كيوسف أو شبيه رجلاً كزوجها .
أنت لا تعلم عزيزي الرجل ماذا تفعل القسوة بالأنثى .
قلب الأنثى يتبع خطواتك ويسير حسب دروبك ، يلين إذا كنت ليناً هيناً وينتعش إذا دللته .
ولكن كن حذراً حينما تقسو عليه فإنك تحفر لنفسك مقبرةٍ ستسقط فيها دون أن تدري .
❈-❈-❈
يقود هو وابنته في طريقه إلى فيلته قائلاً بتوبيخ حاد وهو يتحسس رأسه المكدوم :
– كله منك انتِ ، مالك إنتِ ومال الأشكال ال **** دي ، ماتخليكي في حالك ، عاجبك كدة لما حتة عيل *** زي ده يضرب أبوكي بالروسية ؟ ، بس وديني مانا سايبه .
كانت تبكي بكاءاً مخادعاً وهي تقول باندفاع :
– أنا مالي يا بابا أنا ماليش دعوة بيها ، هي اللي دايماً حطاني في دماغها من أول السنة ونفسها تستفزني بأي شكل ، بتغير مني علشان البنات بيحبوني .
زفر يهديء من حدته ثم نظر لها قائلاً بنبرة متفاخرة :
– بس جدعة إنك علمتي عليها ، بنت أبوكي بصحيح ، وأي حد يفتح بؤه بحرف معاكي بعد كدة متسكتلهوش ، أنا اللي بقولك أهو .
كفكفت دموعها وابتسمت بخبث ثم التفتت تطالعه قائلة بترقب وسعادة وانتصار :
– هو إنت صحيح يا بابا هتقفل الجامعة لو ماترفدتش ؟
صاح متباهياً :
– طبعاً اقفلها واقف لـ عشرة زيها ، والبنت دي ماهتدخلش الجامعة تاني وبكرة تشوفي .
نظرت للنافذة وابتسمت بتشفي دون أي ذرة ضمير تراودها مثلها كمثل والدها الذي يخطط ليرد لذاك العمر الصاع صاعين .
❈-❈-❈
أما عمر فكان يقبض على الطارة بقوة ناتجة عن غضبه ، متعجباً من هؤلاء البشر وكيف يتعايشون بين الناس بهذا الضمير الأبكم .
كانت مايا تجاوره شاردةً تفكر فيما حدث وتستعيد تلك الذكرى التي لن تزول من ذاكرتها بسهولة .
التفت يطالعها فلمح الدموع معلقة في عينيها تأبى النزول فتنهد بقوة وانزاح ستار جموده وهو يقول بمرحٍ مستفز :
– تعرفي كان شكلك حلو وانتِ منكوشة .
أجفلت تطالعه بتعجب وغيظ فأومأ دون النظر إليها يتابع :
– أول مرة أشوفك منكوشة كدة ، أول ما شفتك أصلاً كنت هضحك بس تمالكت نفسي قدامهم .
شردت تقلب عيناها وتتذكر هيأتها وهيأة تلك الفتاة التي كان حجابها مهرولاً تتمرد من خلفه بعض الخصلات الفوضوية بطريقةٍ مضحكةٍ لذا تبدد غيظها وابتسمت تنظر أمامها وتتنهد قائلة من بين حزنها :
– كان شكلنا بيئة أوي أنا وهي ، ميلقش إن واحدة زيي تكون خطيبتك .
التفتت تطالع صمته وتابعت بترقب :
– هو إنت ليه قلت إني خطيبتك ؟
التفت يطالعها بتفحص قائلاً بسؤال :
– مش عاجبك ولا إيه ؟
تنهدت بعمق تهديء من انقباض رئتيها ثم تحدثت بهدوءٍ حزين :
– نتكلم بجد يا عمر ، ليه قلت كدة ؟ ، علشان الكلام اللي اتقال عني ؟ ، مكنتش مجبر على فكرة .
زفر بقوة وشرد لثوانٍ ثم تحدث متسائلاً بتوجس بعدما حان وقت الحديث :
– هو إنتِ مش موافقة على خطوبتنا ولا إيه ؟ ، ولا الحقيقة اللي ظهرت أثرت على حبك ليا ؟
تفاجأت من حديثه وجديته ونبرته فالتفتت له تضيق عينيها قائلة باستنكار ودلال :
– أنا اللي اتأثرت يا عمر ؟ . أنا غلطت واتصرفت بغباء بس إنت كنت هتسيبني اتخطب لأمير ، كنت آخر اهتماماتك يا عمر وده وجعني أوي ، إنت اللي اتأثرت واتغيرت معايا وحسستني أد إيه أنا ماليش خاطر عندك .
مسح بكفه على وجهه ثم تحدث وهو ينظر أمامه وينعطف بتروي :
– يعني إنت شايفة إن لما تقفي قدامي وتقولي لأمير إنك موافقة عليه وإني مبقتش الحارس بتاعك وتقطعي وتنهي كل اللي بينا في ثانية ده يبقى اسمه غباء ؟ ، مشاعرنا عندك مجرد غباء يا مايا ؟ ، بتلعبي بالقلوب كدة عادي وعايزة تعتذري بعدها وكل حاجة ترجع زي الأول عادي ؟
نعم هي أدركت بشاعة فعلتها لذا أطرقت رأسها بخزي وصمتت لثوانٍ ليلاحظ أنها بدأت تبكي فزفر بقوة وتوقف على جانب الطريق ثم التفت يطالعها قائلاً بتريث :
– مايا بصيلي .
رفعت أنظارها إليه حيث كانت دموعها معلقة والبعض منها متساقطاً وقالت بنبرة متحشرجة مؤثرة :
– عمر أنا بحبك ، وانت عارف ده كويس ، بحبك ومافيش أي حقيقة سمعتها أثرت على حبي ليك بس اتوجعت منكوا علشان خبيتوا عني ، عمر إنت جيت احتليت مكان بابا في قلبي ومبقتش اطمن غير بوجودك ، كل حاجة بتكون حلوة طول ما إنت شايفها حلوة ، اتغيرت علشانك لإنك اقنعتني بده ، إنت كنت مركز اهتماماتي يا عمر عايزني اتقبل انك تخبي عني حاجة زي دي إزاي ، ومش من وقت قليل يا عمر ده من أول ما دخلت حياتي ، كان صعب عليا أوي ، كنت عايزة أوجعكوا بس كنت أنا اللي بتوجع بردو .
زفرت بقوة تنظر أمامها وتتابع ببكاء وحزن :
– النهاردة لما البنت دي اتكلمت عني كنت هروح اشتكيها بس لما اتكلمت عنك مستحملتش ده ورميتها بالكلام علشان استفزها علشان كدة هجمت عليا ، وبعد كل ده بتسألني هو حبي ليك اتأثر ولا لاء ؟
لم يتوقع أن يسمع منها تلك الكلمات وفي تلك اللحظة لذا تنفس بقوة كأنه يستنشق حديثها ويملأ به قلبه الملتاع المشتاق للحب .
تعمق في عينيها ثم التفت ينظر أمامه ويعاود القيادة بصمت فتعجب متسائلة :
– مش هتقول حاجة ؟
تحدث بثباتٍ فاجأها :
– لما نروّح نتكلم .
❈-❈-❈
نهض خالد من مقعده الهزاز بعدما وجدها مستكينة تتكئ وتخفي وجهها عنه لذا قرر التوجه نحو المطبخ المفتوح مع الغرفة ووقف يعد وجبةً لها تتناولها .
لم يكن محترفاً في الطهي مثل صقر لذا فقد طلب عدة وجبات جاهزة وها هو يضع إحداهما في طبقٍ ثم يخطو نحوها قائلاً وهو يضع الطبق جوارها ناطقاً بالإنجليزية لأول مرة أمامها :
– هيا خديجة حان وقت الطعام .
سمعته وتعجبت من تغيير لغته بالرغم من أنها فهمتها جيداً ولكنها لم تعطِ أي ردة فعل بل ظلت كما هي فابتسم بخبث واتجه يجلس جوارها فأجفلت ثم نهضت تبتعد وترمقه بنظرة تحذيرية فابتسم باستفزاز يتابع وهو يتكيء على الفراش بأريحية قائلاً :
– لا تجفلي حبيبتي فالليلة سننام سوياً هنا .
فرغت فاهها وجحظت عينيها تطالعه بصدمة فابتسم على هيأتها وعاد يعتدل زافراً وهو يقول مستمراً في نبرته :
– إن لم تأكلي سأفعلها .
نهض يخطو نحو الحديقة فأوقفته قائلة بنبرة حادة وبنفس اللغة الانجليزية التي تتقنها :
– أرغب في التحدث مع أبي .
لم يلتفت لها بل تحدث ويده تنحني لتنزع عنه سترته قائلاً بعبثٍ :
– الطعام أولاً .
أسبلت جفنيها والتفتت حتى لا تراه بينما التفت هو يطالعها بطرف عينيه قبل أن ينزل الدرج الخشبي ومنه إلى المسبح يقفز داخله ليبرد نيران عشقها التي تتآكله مع كل حركةٍ أو كلمةٍ منها .

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية هواها محرم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *