رواية هواها محرم الفصل التاسع عشر 19 بقلم آية العربي
رواية هواها محرم الفصل التاسع عشر 19 بقلم آية العربي
رواية هواها محرم البارت التاسع عشر
رواية هواها محرم الجزء التاسع عشر
رواية هواها محرم الحلقة التاسعة عشر
الصمت . . .
هو سكوت اللسان
وسكون المشاعر وصفاء الذهن من الأفكار
الصمت أن تكون موجودًا دون أثر على وجودك
الصمت هو أن تكون حرفًا لا يُكتب
وكتابًا لا يُقرأ وثرثرةً لا تُسمع وصوتًا لا تُقاس إهتزازاته
الصمت لغة متمردة و عملة نادرة
لا تصرف في بنوك الحروف و الأرقام .
❈-❈-❈
يختتم صلاته في ركنه الآمن داخل غرفته والذي اتخده كمحرابٍ خاص به وبزوجته ليؤدي صلاته بخشوع .
هنا يبكي على أيامٍ ود لو خلعها كما يخلع المرء ثوبه المتسخ لتكن دموعه هذه ما هي إلا بردًا وسلامًا تغسل فؤاده من بقع الماضي .
سلّم ثم نظر للأمام وشبك كفيه وشرد يفكر في تلك التي كانت سببًا في خلاصه ، حبها الذي أرسله له الله كطوقِ نجاةٍ له من الغرقٍ في مستنقعٍ ملوث ، حكمتها التي استطاعت بها إدارة شؤونه حتى رضخ مستسلمًا للعبور معها من بوابة الأمل .
والآن تحمل في رحمها ابنته التي كان يتمناها ويدعو الله بها جهرًا .
لقد انتهى للتوِ من الدعاء لها ، نعم هي تستحق رضاه برغم أنها أحزنته أمس حينما أخفت عنه وكذبت عليه ولم تثق به كما كان يعتقد .
ربما إن كانت شاركته أمر ابنة عمها تلك لكان استطاع تقديم المساعدة ولكنها للمرةِ الثانيةِ تثق في عمر عنه .
زفر بقوة وتساءل علّه يهتدي لمَ كل هذا التصميم على مساعدة تلك الأميرة ؟
هو يعلم جيدًا فطنتها وحكمتها ومن المؤكد هناك أمرًا ما ولكن عقله يرفض وبشدة تقبل فردًا من تلك العائلة .
تنفس بقوة ونهض يطوي سجادته ويضعها جانبًا ثم اتجه ينتقي لنفسه حلّةً سوداء يرتديها وهو يبتسم بحزنٍ على نفسه فمنذ أن تزوجها وهي من تختار له ثوبه يوميًا ما عدا تلك الأيام السيئة الذي ابتعد عنها فيها .
لقد ظن أنها ربما تهاتفه أمس وتعتذر أو تراضيه كما عهدها حنونة ولكن خاب ظنه ولم يدرك أنها باتت قاسية القلب هكذا .
نعم ربما أخطأ ولكن خطؤه أتى كرد فعلٍ على ما فعلته أمس .
انتشل ملابسه واتجه يلقيها على السرير وبدأ يخلع ثوبه وهو يستعيد ما حدث أمس بينه وبين عاطف .
فلاش باك .
بعد أن أوصلها وعاد إلى شركته وجد هاتفه يعلن عن اتصالٍ من عاطف ولكنه لم يجبه .
لقد انشغل باجتماع خاص به وبـسامح شقيقه وموظفي الشركة لهذا أجّل الرد لحين الانتهاء من اجتماعه وما إن انتهى حتي اتجه إلى مكتبه وتناول هاتفه يهاتف عاطف .
أجابه الآخر متلهفًا يتحدث بنبرة غاضبة لا يستطع اخفاءها :
– آسف ع الإزعاج يا محمد بيه بس مراتي هربت من المستشفى ، دورت في كل مكان مش لقيها، لو مدام نارة ليها يد في اللي حصل أنـــــــــــــــــ .
– إنت إيه ؟ ، ماتنساش نفسك ، اهدى كدة واتكلم مضبوط .
بالفعل استطاعت كلمات صقر أن تلزمه حده وتحمحم يتابع بنبرة أقل حدة وتوترٍ :
– ماقصدش اللي وصلك طبعًا بس لازم تعرف إن آخر حد تواصل مع أميرة امبارح هي مدام نارة ، وأنا بقول إن ممكن أميرة هي اللي كلمتها أول ما خرجت من المستشفى .
ظل صقر صامتًا يربط الأحداث ببعضها وكلام عاطف أقرب منطقيًا له خاصةً مع تغيير حالتها المزاجية التي شك بها بينما تابع عاطف بخبث ونبرة خافتة :
– أميرة حالتها النفسية مش مستقرة والدكتور قال إن عندها اكتئاب ، ده غير موضوع إجهاض البيبي ، مهما حصل بينا مش هقدر أسيبها ، لازم ألاقيها لإن ممكن تؤذي نفسها ويمكن فعلًا مدام نارة ساعدتها في الهروب .
استمع له صقر ثم تحدث بثبات :
– تمام ، دقايق وهتواصل معاك تاني .
أغلق معه وهاتف رجاله الذين يؤمنون منزل آسيا ليسألهم عمّا حدث ليؤكدوا له أنه بالفعل دلفت سيدة مع عمر في الصباح وخرجت مع السيدة آسيا منذ ساعتين .
أغلق مع الحرس وهو يشعر بالخذلان لأول مرة من زوجته التي لا يعشق غيرها لذا لم يأخذ وقتًا كثيرًا وهو يعاود الاتصال بـ عاطف الذي أجاب متلهفًا فقال صقر بنبرة جادة مبطنة بالحزن :
– مستنيك في الشركة .
أغلق معه وما هي إلا نصف ساعة ليجده صقر أمامه يطالعه بعيون حمراء فقدت هداها وصوابها ثم اتجه يجلس أمامه ويستند بذراعه على المكتب قائلًا بنبرة تحمل توسل خبيث :
– ها يا محمد بيه ؟ ، عرفت حاجة ؟
زفر صقر وشعر بالضيق حيث كان في موقفٍ لا يحسد عليه ، لأول مرة يكون مدينًا لأحدهم بالحق والسبب في ذلك هي حبيبته لذا تحدث بهدوء ينافي زحام أفكاره :
– مدام أميرة هي اللي كلمت مراتي تساعدها ، ولإن مراتي عاطفية صعب إنها ترفض ، يعني ياريت تدور على السبب اللي وصل مدام أميرة لكدة وتحاول تعالجه بعيد عن مراتي ، تمام ؟
تعمق عاطف في عينيه فـ لمح نظرة تهديد خفية لذا ارتدى قناع الهدوء وتحدث بمكرٍ :
– فاهم طبعًا كلامك بس أظن إن الكلام ده مش بس يتقال لمراتي ، ولا إيه ؟ .
تملكه الغضب الذي تجلى في قبضة يده المضغوطة بينما نظراته ثابتة وهو يطالع عاطف ثم نهض ينتشل مفاتيحه وتحرك خارج مكتبه وهو يقول :
– يبقى كل واحد عارف هيعمل إيه كويس ، اتفضل معايا .
نهض عاطف يستشعر ريبةً في شخصية هذا المحمد ولكنه ادعى الثبات وتحرك معه يغادران الشركة .
انتهى الفلاش باك .
كان قد انتهى صقر من هندمة نفسه وزفر يتطلع إلى الفراش الخالي ليعاود النظر إلى مرآته ينظر داخلها لانعكاس المكان من خلفه فلم يجدها تقف خلفه كالمعتاد لذا التهمه قلبه اشتياقًا وحبًا فأطلق زفرةً قويةً وهو يتحرك مغادرًا ليذهب إلى مكانٍ يخطط للذهاب إليه منذ عدة أيام .
❈-❈-❈
أتعرفون التخاطر ؟
حينما يرتبط قلبان وعقلان في رباطٍ متين فيفكران سويًا في بعضهما ويتخاطران ويرسلان رسائل حبٍ مشفرة وتصل مهما كانت المسافات .
هي أيضًا مثله لم تذق طعم النوم ، تجلس على سريرها مستندةً على وسادتها وفي غرفتها الدائمة التي خصصتها لها آسيا .
تشعر بالأرق والإرهاق ومع ذلك تبتسم وهي تقص على صغيرتها حبها لأبيها ، تسرد لها بنبرة ناعمة وتخبرها كم هو مميزًا في كل شيء .
تنهدت تتابع ويدها تتحسس رحمها بحنانٍ :
– تعرفي يا لولي ، أول مرة ينام من غيري ، قبل كدة طلبت منه أنام هنا عند ماما رفض وصمم وقال مش هيعرف ينام من غيري ، بس امبارح عرف .
قالتها بنبرة باكية كطفلة صغيرة تمارس دلالها على أبيها ، نعم هي طفلة معه برغم سنينها وعقلانيتها ولكنها طفلته ، نعم تشعر بالحزن الشديد لما فعله بها أمس .
غادر وتركها دون أن يستمع لها ، جاء بذاك الشخص المريض فجأةً ولم يعر خاطرها أي اهتمام ، نظراته أمس كانت حادة كسهامٍ أصابت قلبها فتملكه الصقيع وفقد دفئه .
أيعاقبها على لين قلبها ؟ ، أيعاقبها على مشاعرها التي لا دخل لها بها ؟ ، أتتخلى عن مظلومٍ وتمضي كأنها لم ترهُ ؟ ، هو يعلمها جيدًا ويعلم من هي وكيف تفكر لذا كان عليه أن يدعمها ، لقد خذلها أمس وحقًا شعرت بالقهر والضيق يتملكانها ويقبضان على أنفاسها وحينما لم يأتِ ولم يتصل علمت أنها معاقبة ولكنها لن تقبل بهذا العقاب .
❈-❈-❈
ساعة واحدة مرت عليه شعر فيها أنه غير آدمي ، أنه لا يسعى سوى لإمتاع رغباته ونفسه فقط .
ساعة واحدة يحاول إيقاظها بكل الطرق وقد جن جنونه عندما تحسس نبضها ووجده شبه معدوم .
ليحملها بين يديه ويصرخ في وجوه الجميع كوحشٍ كاسر ينازع إصابته لا يعلم كيف استقل السيارة ووصل بها إلى ذلك المشفى .
لم يعترض على المسعفين ولا الأطباء وهم يتناولوها منه كالهدية المغلفة يقدمها لهم بتهمل وقلبه معها وقد تناسى تمامًا غيرته وتملكه وصب كل إرادته في نجاتها ، ماذا إن توقف قلبها ؟ ، لا هذا لن يحدث وإن حدث سيقتل الجميع ثم يموت ، لا وجود للعالم من دونها ، بالنسبة له هي الدائرة الآمنة التي تحيطه وتفصله عن سائر الوحوش .
كان هائجًا بطريقة يصعب على أحدهم التعامل معها أو تحملها لذا فالجميع بات يتجنبونه فقط يحاولون إسعاف تلك الغائبة عن الوعي .
وبعد دقائق مرت عليه كسنوات ضوئية وقف فقط يطالعها وهم يسعفونها ولم يقبل أن يغادر الغرفة أبدًا بدأت نبضاتها تنتظم عبر جهاز مؤشر نبضات القلب .
وكأن قلبه هو الذي انتعش حيث التقط نفسًا قويًا كان قد حبسه ، من يراه يظنه أنه قد أقسم ألا يتنفس إلا حينما تعود .
ابتلع لعابه بصعوبة كأنه أصبح صدئًا ونظر للطبيب يتأكد منه متسائلًا بلهفة :
– هي بخير أليس كذلك …
نطقها كأنها تحمل تهديدًا برغم نبرته الواهنة لذا أجابه الطبيب بعملية ورسمية :
– بخير اهدأ ، فقط هبوط حاد في ضغط الدم أدى إلى ضعف نبضها بهذا الشكل ، ستكون بخير وبعد دقائق ستستعيد وعيها .
عاد يتنفس من جديد وأومأ له ثم نظر لملامحها بتفحص ونظرات ترسل أشعة الندم والاعتذار بينما تحرك الطبيبان إلى الخارج وتركاه يقف بالقرب منها .
خطى نحوها واتكأ على ساقيه حتى أصبح أمام وجهها الشاحب حيث بدأت الدماء تعود لمجراها شيئًا فشئًا ورفع يده يتحسسه بحنانٍ وينادي بنبرة متلهفة وعيناه تسبح في نهر ملامحها :
– خديجة ؟ ، هيا يا شهية افتحي عينيكِ لأراهما .
لبت نداءه على الفور كأنه أمرٌ أتى من حاكم المدينة وبدأت أهدابها ترتعش مرارًا حتى فتحت عيناها تطالعه فوجدته يبتسم لها وانحنى على الفور يقبلها من وجنتها ثم ابتعد قليلًا يقول :
– حسنًا فهمت أن قلبكِ ضعيفٌ ولن أكررها .
التقطت أنفاسها والتفتت تنظر للأعلى ومن حولها ثم عادت إليه متسائلة بوهن :
– إحنا في المستشفى ؟.
هز رأسه يردف بجدية مزيفة ويده تتحسس حجابها المهمل :
– لا نحن ما زلنا معلقان في الجو خديجة ، هل نكمل السقوط أم نتوقف هنا ؟
مدت يدها تلكزه بخفة في كتفه قائلة بحنقٍ ضعيف :
– رخم .
تنهد بارتياح كأن تلك الكلمة واللكمة أعادتا إليه شريان الحياة ثم نهض يقف ويده ما زالت تسافر على رأسها قائلًا بهدوء :
– حسناً ارتاحي الآن ، سأذهب لأسأل الطبيب متى يمكننا المغادرة .
أومأت له وبللت بلسانها شفتيها التي جفت فعادت تلتمع أمام عينيه الجائعة لها باستمرار ليتنهد بقوة ويطالها بتحذير فهمته وهو يقبض على كفيه قائلًا كلمة بالمصرية التقطها من بهجت الذي كان يرددها أمامه :
– صبرني يارب .
تحرك نحو الخارج وتركها تبتسم عليه ثم مالت تستكين على الوسادة لترتاح قليلًا بعد تلك التجربة السيئة التي كانت تود اعطائه الشعور بالمتعة ولكن هذا الأمر خارج حدود إرادتها .
❈-❈-❈
طوال ليله يجلس في مكتبه ويتابع اتصالاته كي ينفذ خطته ويخرجها من البلاد قبل أن يحدث مالا يحمد عقباه .
نهض حينما رأى من خلال كاميرا المراقبة شرطيان يتحدثان مع حراسه .
تحرك نحو الخارج حتى وصل إلى الباب فوقف يطالعهما بتعجب وعيون ضيقة وهو يشير لحراسه أن يسمحوا لهما بالمرور .
دخل الرجلان وتقدما منه فأردف أحدهما :
– صباح الخير ، ممكن ناخد من وقتك دقايق .
مال برأسه متسائلًا بشك :
– خير ؟
نظر الشرطي لرفيقه ثم عاد له وتابع برسمية :
– إحنا جايين بعد ما المدام بلغت إنك بتعتدي عليها بالضرب وقالت إنها أجهضت بسبب سوء معاملتك .
كاد أن يتحول في لحظة ليصبح كالوحش برغم الصدمة التي أفقدته النطق وهو يفكر كيف ومتى فعلتها ، ليتابع الشرطي منتبهًا لصمته وتوتره :
– عاطف بيه ممكن تنادي على المدام نتكلم معاها ؟
عاد لوعيه يطالعه بغضبٍ قابله الشرطي بتفحصٍ ثم أفسح لهما المجال مضطرًا وهو يقول من بين أسنانه :
– اتفضلوا .
دلف الرجلان يتفحصان المكان بأعينهما وتتبعهما يبتسم سرًا على حظه حيث أجبر چيچي على العودة لمنزلها أمس ولو كانت هنا لكان الأمر مزعجًا .
توقف أمامهما وتحدث بهدوء يخفي توترًا :
– أنا مش عارف طبعًا البلاغ ده بناءً على إيه بس يمكن لإن أنا والمدام اختلفنا امبارح فهي حبت تدلع شوية ، إنتوا عارفين بقى الحريم وهرموناتهم .
أومأ أحدهما وتحدث بهدوء :
– تمام ممكن نتكلم معاها ؟
أومأ يشير لهما إلى الأرائك قائلًا :
– تمام اتفضلوا اقعدوا بس معلش بردو محتاج افهم البلاغ ده امتى وإزاي .
جلس الشرطيان وتوقف يراقبهما بتمعن فقال أحدهما موضحًا :
– المدام جت إمبارح هي وواحدة تانية وبلغت إنك بتضربها وكنت سبب في إجهاضها وقالت إنها هربت من المستشفى علشان كدة مافيش معاها أي أوراق .
وقف يبدي تعجبًا على ملامحه بينما الغضب يتفاقم داخله ثم نظر لهما وتحدث بابتسامة مستنكرًا :
– طيب إزاي ده حصل ؟ ، مافيش أي عنف في الموضوع والإجهاض سببه إننا كنا في رحلة ومانعرفش بموضوع الحمل أصلًا .
كانت في الأعلى تستعد للنزول حينما شعرت بالعطش ولكن استمعت لهذا الحديث الدائر بين زوجها والشرطيان لذا غلفها الأمل مجددًا ونزلت مسرعة تتجه نحوهم وحينما لمحها أقتمت نظرته يطالعها محذرًا نظرت له بتحدٍ ثم نظرت للشرطيان الذي وقف أحدهما يتساءل بترقب :
– مدام أميرة ؟ ، إنتِ بلغتي إمبارح إن الأستاذ عاطف بيعتدي عليكِ بالضرب واجهضتي بسببه ؟
أومأت وهي تحتضن جسدها حتى لا تسقط وتحدثت بضعف وهي تنظر نحوه والدموع معلقةً في مقلتيها :
– أيوة ، كل حاجة قلتها صح وأكتر من كدة كمان .
نهض منتفضًا يطالعها بغضبٍ ثم تحرك نحوها ورسم ابتسامةً سمجة وهو يقترب ليعانقها قائلًا بتوترٍ :
– أميرة إيه الكلام ده بس يا حبيبتي ، معقول إنتِ لسة واخدة على خاطرك مني ؟
نفضته عنها وابتعدت خطوة للخلف ثم تابعت باستفاضة كأن مخلصها قد أتى :
– لاء هو بيكدب ، أنا فعلًا كنت حامل وتقدروا تتأكدوا من المستشفى .
تحركت تشير إلى غرفة مكتبه قائلة ببكاء وقهر وهي تخطو بغير هدى :
– هنا ، هنا في أوضة حبسني فيها بعد ما ضربني علشان طلبت يطلقني لإنه اتجوز ، وبسبب حبسه ليا والإهمال اجهضت ، أنا بكرهه .
لم تعد تحتمل بل أصابتها هيستيرية وباتت تصرخ وتردف بقهرٍ ودموعٍ تتطاير :
– أنا بكرهه وبكره أهلي ، أنا عايزة اطلق منه ، اعملوا أي حاجة ، خدوني واحبسوني عندكم بس ماتسبونيش هنا ، لو سبتوني هنا هيموتني ، أنا بكرهكوا كلكوا .
قالتها بانفعال تجمد له الشرطيان ووقف هو يطالع انهيارها بتعجب كأنه متفرجٌ وليس مخرجًا ومسؤولًا عما يحدث ، ولكن عاد الغضب الذي سيطر عليه ويود أن يتجه نحوها ويريها كيف يكون التعنيف .
نظر الشرطيان لبعضهما بينما هي خرت أرضًا فلم تعد تحملها قدماها والتفت حول نفسها تجلس القرفصاء وتتحدث مرارًا بعلقة صدأة ومرّة تسد مجرى تنفسها :
– بكرهكوا كلكوا ، انتوا مش هتسعدوني ، إنتوا هتسبوني هنا .
نعم هكذا شعرت بيأسٍ يتملكها كليًا وعادت تستكين في ركنٍ وتضع رأسها بين ساقيها وهدأت تمامًا كأنها نائمة .
طالعها لثوانٍ قبل أن يتحرك نحو الشرطيان المتصلبان وتحدث وهو يخرج محفظته من جيبه :
– آسف جدًا على اللي حصل ده ، أظن إنكوا شفتوا حالتها وإنها في حالة اكتئاب حاد .
كان يتحدث وهو يخرج من جيبه دفتر شيكاته وقلمه حينما استشف نوعهما وبدأ يدون مبلغًا ما ثم ناوله لأحدهما ولسوء حظها كان هذان الشرطيان من ذاك الجزء المعدوم ضميره في خدمة الإنسانية ، ليبيعا ضميرهما ببضع عملات لا تسمن ولا تغني من جوع .
أومأ أحدهما وتحدث وهو يحث الآخر على التحرك :
– واضح جدًا يا عاطف بيه إنها فعلًا عندها اكتئاب والموضوع مش محتاج بلاغ ، ياريت تعرضها على طبيب نفسي .
ابتسم عاطف وعادت له شخصيته المهيمنة خاصةً بعدما اطمئن وتحدث بتعالٍ :
– أكيد هعرضها ، نورتوا .
غادرا كما جاءا وتركاه يقف يطالع هذه المسكينة بانتصار دومًا يلازمه في كل فرصةٍ تحاول التخلص منه فيها ولكن إلى متى .
اتجه نحوها ثم انحنى يتكئ ومد يده يملس على رأسها وتحدث بهدوء منفصل عنه :
– حبيبتي ، مشيوا خلاص ، يالا تعالي .
لم تجبه فزفر وجلس أرضًا ملتصقًا بها ثم مد يده يحاول رفع وجهها التي تدفنه في ساقيها وتحدث :
– إيه رأيك لو أسامحك على كل اللي عملتيه ده وانساه تمامًا ؟ .
لم تزح رأسها بل تجمدت فزفر بضيق وأبعد يده ثم تابع بابتسامة انتصار وتباهي :
– هنسافر أنا وانتِ من هنا ، هبعدك عن هنا خالص ، إيه رأيك ؟ ، وهناك هنبدأ حياة جديدة وهترجعي تحملي تاني ويبقى عندنا أولاد كتير .
لم تجبه ولم تعطِ أي ردة فعل فتابع كأنه يرسم أحلامه :
– هبعدك عن هنا ، هبعدك عن عيلتك اللي بتكرهيها ، هبعدك عن اللي اسمها نارة ، وهبعدك عن يوسف .
وهنا تحول تمامًا كأنه ثعبانٌ غير جلده ليظهر بشكلٍ أكثر حدة وأكثر سُمّية وهو يمد يده نحو يداها وينزعهما بعنفٍ وقسوة :
– هتطلعيه من أفكارك خالص ، فاهمة يعني إيه ؟ ، هفتح دماغك دي واشيله من عقلك ، إنت ســــــــامعة .
استطاع إبعاد ذراعيها عنها فرفعت رأسها تطالعه لثوانٍ لتجد بركانًا يتفاقم في عينيه فأومأت بهدوء وعيناها شبه مغلقة وقالت بوهن شديد :
– تمام ، موافقة .
لم يصدق ما سمعه واتسعت نظرته وتملكته فرحة جعلته يردد متسائلًا بشك :
– موافقة ؟ ، يعني هنبدأ من جديد أنا وانتِ ؟
ثبتت أنظارها عليه وباتت تفكر في أمرٍ تعلم جيدًا عواقبه وأنها الخاسرة الوحيدة فيه ولكنها أومأت له تؤكد ظاهريًا فوثب منها يتمسك برأسها بين كفيه وانحنى يقبلها معبرًا عن فرحته بموافقتها فلم تعطِ ولم تمنع ولم تحرك ساكنًا لذا لم تدم قبلته لحظات حتى ابتعد عنها ينفض رأسها بقوة ليصطدم في الحائط وينهض قائلًا بصراخ وهو يركلها بقدمه :
– كداااابة ، مش هتنسيـــــه ، كدااااابة .
تركها وتحرك يغادر الفيلا فباتت تطالع أثره وعلى ملامحها شيئًا من الاستسلام ، استسلامًا من نوعٍ آخر وهي تردد :
– سامحني يارب ، سامحني .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ كانت بين يديه يحملها ويدلف بها الفيلا بعد أن عادا من المشفى واطمأن عليها .
دلف بها والتفت يطالعها ويغمز لها قائلاً بمشاكسة :
– أرى أنني زوجًا لا يشوبني شائبة ، أحمل زوجتي المريضة دون ملل أو كلل .
باغتته بعيون ضيقة تردف باستنكار ويديها متعلقة برقبته :
– ماذا ؟ ، من يسمعك يظن أنني مريضة منذ أمد ، ثم لا تنسى أنك المتسبب في حالتي هذه .
انحنى يجلسها على الأريكة بحنانٍ وهمس بوقاحة أمام وجهها قبل أن يبتعد :
– ومن أين لي أن أعلم أنكِ هشةٌ هكذا ؟، لقد ظننتُكِ بطلةً كما أنتِ معي .
عادت الدماء إلى وجهها الشاحب وزمت شفتيها تطالعه بحدة ممزوجة بالخجل فاعتدل ينهض ضاحكًا ومد يده يقرص وجنتها بخفة قائلًا بتنهيدة مريحة :
– نعم هذا التورد هو ما أريده .
ابتعد عنها يضع أغراضهما جانبًا وتحرك نحو المطبخ وهو يتساءل بعلوٍ :
– هل أعد لكِ شطيرة ؟
هزت رأسها تردف برفضٍ هادئ :
– لاء شكرًا .
تجاهلها كأنه لم يسألها وتحرك يعد الشطائر لهما وكوبان من العصير الطازج .
بعد ثوانٍ رن هاتفها الذي وضعه على الطاولة أمامها فتناولته لتجده والدها فسحبت شهيقًا قويًا تعزز به رئتيها ثم فتحت تجيب بنبرة جعلتها هادئة وتجلى بها الاشتياق :
– السلام عليكم ، ازيك يا بابا ، وحشتني أوي .
تحدث بهجت بلهفة كأنه شعر بها متسائلًا :
– خديجة ؟ ، إنتِ كويسة يا بنتي ؟ ، قولي الحقيقة وريحي قلبي ، قلبي مقبوض من الصبح وبحاول أرن عليكِ من فترة مش بيجمع .
انتابها حنين قويًا لعناقه وتجلى ذلك في نبرتها وهي تردف لتطمأنه :
– أنا كويسة يا بابا اطمن ، طمني عنك وعن ماما ومازن ، وحشتوني أوي .
يستشعر شيئًا ما في صوتها لذا قال بقلبٍ منفطر :
– خديجة كلميني فيديو ، معلش يا حبيبتي عايز أشوفك .
ابتلعت لعابها وكادت أن ترفض حتى لا يرَاها على تلك الحالة ولكنها لم ترد تضخيم قلقه لذا قالت بقبولٍ :
– حاضر يا بابا .
أغلقت معه وفركت وجهها بيديها ثم عدلت حجابها بتروٍ ثم عادت تتناول الهاتف وتهاتفه مكالمة مرئية ففتح بهجت على الفور وقد كان يمكث في غرفته وحيدًا وما إن رآها حتى انشرح صدره وابتسم قائلًا بلهفة وسعادة وعيون كادت أن تدمع :
– وحشتيني يا خديجة ، وحشتيني أوي ، البيت وحياتي ملهمش طعم من غيرك .
ابتسمت بسعادة وفرت آلامها وكادت أن تجيبه ولكنها تفاجأت بهذا الذي قفز يجاورها ويحمل في يده شطيرة ثم التصق بها يعانقها أمام عين بهجت ومال برأسه يشير بيده عبر الهاتف قائلًا بنبرة استفزازية تخفيها ابتسامة ماكرة :
– أزيك يا همايا ، آمل إيه ؟
تجهم وجه بهجت الذي كان يبتسم ثم زفر بضيق وتحدث بهدوء :
– بخير الحمد لله .
قرب خالد الشطيرة من فم خديجة وأردف بحب صادق وخبث متعمد :
– هيا حبيبتي تناولي طعامكِ .
لم تعترض بل أحبت حركته أمام والدها لذا التفتت تبتسم له وقضمت لقمة منها تلوكها بهدوء أمامه فبرغم عدم شهيتها لـتناول أي طعام ولكن هذه فرصتها لتثبت لوالدها أنها سعيدة مع خالد وأنها بخير وأنه يدللها .
لم تكد تلتفت لترى والدها حتى وجدت يدي خالد تثبت رأسها لتطالعه وهو ينحني مقبلًا إياها قبلة كانت كزلزالٍ مفاجيءٍ جعلها تجحظ وتتصلب حتى أنها لم تستطع إسقاط الهاتف فبقى معلقًا في يدها ليرى بهجت ما يحدث بتجمد لحظي قبل أن يسرع ويغلق المكالمة بصدمة من فعلة هذا الجريء وهو يقول بحرج وتوتر :
– إنسان وقح معدوم الاحترام .
أما عند خالد فلم يحل وثاق قبلته حتى بعدما تأكد من إغلاق المكالمة بل تعمق فيها أكثر وأكثر حتى أنه تذوق طعم الشطيرة التي تلوكها وكم أشعلته تلك القبلة وبات يطالب بالمزيد برغم عدم نيته في قربها الآن .
وليس هو فقط الذي اشتعلت مشاعره حيث ارتخت سائر أعصاب خديجة بعدما كانت متحفزة ليسقط الهاتف من يدها دون إرادة بل وتلقائيًا امتدت يدها إلى رأسه تتلاعب بخصلاته كدعوة منها ليتعمق أكثر في قبلته وهذا ما فعله حيث امتدت يده لتفك حجابها وتفرد خصلاتها ولم يتوقف هنا بل أكمل هجومه بطريقة حنونة ومراعية لحالتها برغم صعوبة تحكمه في مشاعره حينما تصبح هي مسكنه .
اندمجت معه جسديًا وعاطفيًا وروحيًا ، هو يعلم جيدًا كيف يجعلها ترغبه وتشتهيه كما تفعل هي دون علمٍ منها ، وهذا ما أراده تحديدًا ، لا يريدها أن تهتم بغيره ، لا يريدها أن تشتاق لغيره ، لا يريدها أن تحن إلا له ، أولم يكتفِ هذا البهجت بالسبعِ وعشرين عامًا التي قضتهم معه ؟ ، إنه حقًا طماع .
❈-❈-❈
وصل صقر بسيارته إلى ذلك البيت القديم المتهالك .
ترجل بعدما صفها جانبًا وتحرك نحو البيت يطرق بابه بترقب .
ثوانٍ فقط وفتحت له سوسن تطالعه بتعجب دام للحظات قبل أن تصدم من رؤيته ، إنها تعرفه وقد رأته عدة مرات قريبًا من ابنها عمر فهو نسيب تلك العائلة التي يعيش معها عمر ، نعم إنه هو .
نغزها قلبها بخوف ولكنها تحدثت بتوترٍ لم يغب عن عين صقر :
– اتفضل !
كان يتفحص ملامحها جيدًا وأدرك أنها رأته من قبل لذا قال دون مقدمات وبعيون حادة ثاقبة :
– تعرفي ايه عن سمير العدلي وبتراقبيه ليه ؟
تفشى الخوف في قلبها بسرعة الضوء لذا نطقت بنبرة متلهفة قريبةً من الصراخ :
– ابني ؟ ، هو عرف مكانه ؟
ثبت صقر نظراته عليها وبدأ يحاول ترجمة شفرة حديثها ولكن لم يهتدِ لشيء لذا تساءل بذكاء :
– لو حكتيلي كل حاجة بالضبط أوعدك هساعدك .
نظرت له بقلق ثم التفتت تنظر حولها هنا وهناك ثم عادت تطالعه وتفسح له المجال قائلة ببكاء وخوف :
– اتفضل .
أومأ صقر ودلف فأغلقت الباب وتبعته حيث كان يتفحص المكان بعينه ثم ثبت نظراته عليها وقال بنظرته المعهودة :
– سامعك .
حسنًا لم تعد تحتمل ، ستخبره فهي أرادت أن تنتقم ولكنها إلى الآن لم تفلح ولم تستطع تنفيذ انتقامها من هذا الذئب البشري الخبيث ، ستخبره علّه ينفذ وعده ويساعدها في رد حقوق ابنها من عين ذاك السمير فهي تيقنت أنها أضعف من تنفيذ ما تسعى إليه .
رفعت أنظارها عليه وباتت في تناقضٍ وخوفٍ من هذه اللحظة التي أتت دون مقدمات لتكشف عن حقيقة دفنت منذ زمن ، عزمت أمرها وتحركت نحو غرفة والدتها النائمة تغلق بابها ثم عادت تقف جواره وتحدثت بهمسٍ وقلبها يعصف بقوة :
– عُمر ، عمر يبقى ابني .
تجلت الصدمة على ملامح صقر التي تبدلت تمامًا من الصلابة إلى الذهول وهو يميل برأسه مرددًا :
– عمر ! ، ابنك ؟
أومأت له وهطلت دموعها وهي تتابع بأنفاسٍ خافتة وقلبها كاد أن يخرج من مكانه :
– وابن سمير العدلي .
صدمة أخرى أفقدته النطق وتخبطت الأفكار في رأسه فبات مشوشًا ولكنها تحدثت وهي تشير له على الأريكة :
– اقعد يا بيه وأنا هحكيلك .
وقف مشدوهًا لثوانٍ يطالعها بذهول ثم خرج من حالته واتجه يجلس حيث أشارت لزفر وتتحرك نحو الأريكة تجلس عليها وتطالعه بقهر ثم بدأت تسرد عليه ما حدث معها .
مساءًا
جلست على المرحاض تبكي قهرًا وهي تُمسك بشفرة حادة وعلى وشك ارتكاب جريمة بشعة في حق نفسها .
تستعيد شريط حياتها كامًلا وتتذكر الأيام السعيدة بها لذا ابتسمت بألم ، لو أن الأعمار تحسب بالسعادة فهي الآن حديثة الولادة .
طوال حياتها لم ترَ سوى القسوة ، فقط بعض الأوقات الجميلة من قِبل عمها حسن وعائلته ، هم فقط الذين كانت تهرب إليهم من عنف وقسوة عائلتها ولهذا هي تعلقت بيه ، أحبته لأنه يشبه عمها في حنانه واحترامه لزوجته ، نعم تمنت أن يرزقها الله زوجًا كعمها لذا تجسدت أمنيتها في يوسف ولكن للقدر رأي آخر ، تبحث عن خطأٍ أوصلها لهذه الحياة ربما هي المذنبة فيها ولكنها لم تستدل ، تركض في حلقةٍ مفرغة ولم تجد سوى أنها ضحية .
وضعت الشفرة على معصمها وهي تفكر ، لم تعد تحتمل أبدًا ، مأساة لو تجسدت لدمرت بلدة بأكملها رأسًا على عقب ولكن هل حقًا إن خلصت نفسها بهذه الطريقة ستجد الراحة ؟
هل ستجد الخلاص حقًا ، هل ستجد النعيم والسكينة اللذان سيعوضانها عن كل ما عاشته ؟
صرخت باكيةً بقهرٍ ثم نفضت الشفرة بعيدًا عن يدها وهي تهز رأسها مراتٍ متتالية وتعتصر عيناها ودموعها تتطاير ، لن تفعلها ، ستخسر الدنيا والآخرة .
كيف ستحتمل ؟، خسارة دنياها كاملةً تهون ، علّ الله يجبر كسرها ويعوضها خيرًا ، نعم ربما وصلت لمراحل ضعفٍ غير مسبوقة ولكنها لن تيأس من رحمته ، عليها أن تثق به وسيخلصها ، عليها أن تلجأ له ، له فقط ولا أحدًا سواه .
مسحت وجهها بكفها ونهضت تتجه نحو المغسلة ثم توقفت تطالع ملامحها في المرآة ، لم تعد تتعرف على ملامحها فالحزن غطاها وجعلها تبدو كالمسنةٍ ولكنها عزمت أمرها ، ستقوى مهما كانت النتائج ، ستنهض مجددًا فلا سبيل لها سوى النهوض .
فتحت المياه وجمعت حفنةً منها ثم غمرت وجهها تغسله وتبكي بتحشرج على ما كادت أن تفعله وبدأت بعد ذلك تستغفر ربها وتدعوه أن يخلصها .
❈-❈-❈
منذ أن غادر من منزل تلك السيدة وهو يقود على غير هدى ، لا يعلم ما عليه فعله ، توقف جانبًا يصارع أفكاره .
عمر ؟ ، أيعقل أن يكون ابن هذا الرجل ؟ ، أيعقل أنه ابن عم نارة ؟ ، أي أن القدر جمعهما سويًا في دارٍ واحدةٍ ؟
سبحان الله حقًا .
تلك العائلة تحتل المرتبة الثانية في الحقارة بعد عائلة موراكو ، ولكن لحظة صقر
مسح على وجهه بحزن وتعب ، يفكر ويفكر ماذا سيفعل وكيف سيحل كل تلك العقد ؟
ماذا عن زوجته وتصميمها على مساعدة تلك الأميرة وهل حقًا هي ضحية ؟
صراعات تواجهه وعليه أن يفكر جيدًا ويعلم ما عليه فعله ولكن أولًا ….
تناول هاتفه يهاتف شخصًا موثوقًا به وتحدث بعدما فُتح الخط :
– عاطف سليمان . خليه تحت عينيك من غير مايلاحظ ، وعايز واحد من رجالته اللي بيحرسه فيلته ، شوف هتعمل إيه ووصلني بيه .
أغلق بعدما سمع موافقة الآخر وتنهد بقوة ثم تحرك بسيارته عائدًا إلى منزله لينام هذه الليلة أيضًا بدونها ، يعلم جيدًا أنه لن يجد النوم في كل أنحاء الفيلا ولكنه لا يستطيع الذهاب إليها بعدما علمه اليوم واحتمالية ظلم تلك الأميرة تزداد داخله خاصةً ونارة لم تحاول مهاتفته منذ أمس .
❈-❈-❈
في اليوم التالي وبعد أن تحسنت خديجة نسبةً لدلال زوجها لها دلالاً لا يشبه أي دلال ولكنه عمل على تفعيل الدورة الدموية في جسدها بشكلٍ مميز حتى تسترد عافيتها .
كان عاطفيًا بشكلٍ فاجأها ، كان رومانسيًا ، كان مشاكسًا ووقحًا كعادته .
ها هي تقف في الحمام أمام المغسلة ترتدي قميصًا يصل إلى ما قبل ركبتيها .
تُنظف أسنانها وتنظر لملامحها في المرآة بسعادة .
جاء من خلفها بجذعه العاري بعد أن ارتدى سرواله عقب حمامهما والتصق بها يطالعها في المرآة ثم مد يده يتناول فرشاته ويضع عليها من معجون الأسنان ليبدأ هو الأخر في تنظيف أسنانه .
كانا يطالعان بعضهما بعيون تحكي ما بداخلها ، عيونًا تعود بذاكرتها للحظاتهما معًا لذا أبعدت خديجة عيناها بخجلٍ عنه وانحنت تغمر حفنة مياه لتغسل بها فمها واعتدلت تطالعه ثم التفتت تقول :
– هنزل أعمل الفطار .
خطوة واحدة لها قبل أن يقيدها بيده التي حاوطت خصرها وانحنى يغسل فمه سريعًا ثم اعتدل يطالعها ويسافر بنظراته على ملامحها حتى استقر عند فمها الذي أصبح كـ ظلٍ له .
مال يقبلها قبلة الصباح الرومانسية ثم ابتعد يردف بغمزة :
– قبلة مميزة بطعم النعناع .
هزت رأسها بقلة حيلة واستمتاع وتحدثت بنعومة وابتسامة :
– ألن ترحم شفتاي ؟
مال عند أذنها يقضمها بخفة ثم همس بأنفاسٍ على وشك الاشتعال :
– وهل يرحم الهمجي معذبه ؟
أغمضت عيناها تأثرًا به ثم تنفست بقوة وتحركت قبل أن يكبلها مجددًا قائلة وهي تسحبه معها بعدما رفعت كفه من فوق خصرها :
– طب تعالى نفطر علشان النهاردة لازم نخرج ونروح أبو ظبي وتعوضني عن اللي حصل امبارح .
تبعها بطاعةٍ كحملٍ وديع حتى نزلا وتوجها نحو المطبخ فجلس على مقعد يلتصق بطاولة رخامية واتجهت هي تحضر فطورًا شهيًا لهما .
❈-❈-❈
صف سيارته وترجل ليجد عمر يتجه نحوه مرحبًا .
وقف ينظر له والأفكار تتقافز إلى عقله وهو إلى الآن لا يصدق أن هذا الشخص الخلوق الملتزم ابن ذاك الشخص الذي بات يشمئز منه .
رحب به عمر فبادله بودٍ وتحرك بعدها نحو الفيلا ليراها ، تلك الوحيدة القادرة على إخماد صراعاته وإجابة تساؤلاته .
ما إن وصل إلى الباب حتى وجدها تفتح له وتستقبله حيث علمت بقدومه واستشعرته وأكد لها صوت سيارته .
تبادلا نظرات العتاب لثوانٍ قطعها وهو يقول بنبرة حبٍ متملكة :
– يالا ؟
رفعت حاجباها متعجبة وكادت تنفلت منها ضحكة على كلمته ولكنها التزمت الجدية حينما تذكرت نومه بدونها ليلتان لذا تحدثت بنبرة هادئة مبطنة بالحزن :
– خلينا نتكلم الأول يا صقر لو سمحت .
كان يعلم جيدًا أنها سترغب في التحدث أولًا وقبل أي شيء لذا أومأ قائلًا :
– تمام خلينا نتكلم .
أومأت له وتنهدت وهي تضع يدها على بطنها بتلقائية وتفسح له لمجال للمرور قائلة :
– تمام اتفضل .
نظر ليدها المرتكزة على رحمها ثم ارتفع لعينيها يخبرها بنظراته أنه اشتاق لها فتوترت نظرتها وأبعدت يدها تنتظره فدلف يتقدم منها وجلس في بهو الفيلا وجلست أمامه وتحدثت بهدوء ودون مقدمات :
– ليه ماقولتش إنك هتجيب عاطف وتيجي ؟
– لإنك خبيتي عني إنك ساعدتيها .
نطقها بوضوح فحزنت وقالت بعتاب :
– يعني واحدة قصاد واحدة ؟ ، طيب والمسكينة دي ذنبها إيه ؟
زفر بقوة واعتدل يتابع بتروٍ :
– اسمعي يا نارة ، عاطفتك ومشاعرك خلوكي تتحركي غلط تمامًا ، ماينفعش تساعدي واحدة متجوزة وعلى ذمة راجل وتجبيها تقعد هنا وتفكري إن جوزها هيسكت ، سواء جبت عاطف أو لاء هو كان هيوصلها وكان ممكن يعرضك إنتِ وآسيا هانم لمشاكل .
تعلم أنه محقٌ وبرغم ذلك كل ما تجلى إلى خاطرها آنذاك هو تقديم المساعدة والدعم النفسي لتلك الأميرة ، تحدثت مدافعة بهدوء :
– ماشي ، إنت صح ، بس إنت مش مصدق إنها ضحية وإن عاطف ده بيمارس عليها عنفه وساديته ، هي فعلًا محتاجة مساعدة ولو إنت كنت دعمتني في مساعدتها أنا ماكنتش أخدت أي خطوة من غير ما أرجعلك .
– يعني إنتِ شايفة إنك مش غلطانة يا نارة ؟ ، لجوءك لعمر مرة تانية مش غلط في حقي ؟
قالها متساءلًا بترقب فتنهدت بقوة وتحدثت دون مكابرة :
– غلطانة ، غلطت أني خبيت عنك بس احترمتك جدًا والتزمت بده ، إنما إنت غلطت في حقي يا صقر لما تعمدت تردلي اللي عملته وغلطت في حق أميرة لما رجعتها للإنسان ده .
زفرت مطولًا تطالعه بعمق وتلتمس الجزء الخفي فيه وتابعت :
– أنا فهماك كويس جدًا يا صقر وعارفة إن تحذيرك ليا جاي من خوفك عليا ، بس إنت اتهمت واحدة إنها خاينة لمجرد إن عيلتها مش كويسة ومن غير أي دليل وكنت عايز تمنعني أتواصل معاها ومش متقبل تساعدها بأي شكل وهي أصلًا عايشة مع عاطف ده في جحيم ده غير عيلتها نفسها اللي رموها بايدهم في الجحيم ده ، كنت هقولك إزاي إنها هربت وطلبت مساعدتي ؟ ، وكنت هتجاهلها إزاي بس ! ، ماقدرش يا صقر وإنت عارف كدة كويس .
يعشق نقاشها برغم أنه يخرج منه خاسرًا ولكن الخاسر في هذا النقاش قوّامًا لذا نطق ليراضيها بتنهيدة قوية :
– حقك عليا .
نظرت لعينيه فرأت حنينه الذي اعتادت عليه دومًا لذا أخفضت نظرتها وتحدثت ببساطة مماثلة :
– حصل خير .
داخلها ما ذال قلقًا يتساءل عن حال أميرة وتريد أن تعبر عمّا بداخلها ولكنها تعلم أنه لن يتقبل لذا فهي لم تشعر بالراحة الكاملة وعليها استكمال الحديث بينهما ولكن كأنه قرأ أفكارها لذا تحدث مطمئنًا :
– أنا هساعد أميرة .
رفعت أنظارها إليه تطالعه لتتأكد فأومأ لها يتابع بصرامة :
– بس بشرط إنك تبعدي تمامًا عن الموضوع ده .
ظلت تطالعه مطولًا بامتنان وودت لو أسرعت تعانقه ولكن لتؤجلها لوقتٍ لاحقٍ لذا تحدثت متسائلة :
– طيب هتساعدها إزاي ؟
– خلى عندك ثقة فيا ، هساعدها وهعرفك كل خطوة بخصوصها بس من غير أي تدخل منك ، وإلا إنتِ كدة هترجعيني للمكان اللي أخدتيني منه .
نطقها بثبات ونظرة ثاقبة فطالعته لثوانٍ لتتأكد أن ذاك العاطف مختل عقليًا لذا أومأت قائلة بهدوء يميزها :
– تمام يا صقر ، أنا واثقة فيك .
نهض بعدها وتقدم منها وعلى حين غرّةٍ امتدت يده يسحب رأسها إليه ويدنو مقبلًا إياها بطريقةٍ أشد حنانًا لـ تطييب الخاطر الممزوج بالحب ثم ابتعد قليلًا عنها حتى لا ينجرف في عناقه بعدما توغلت رائحتها إلى أنفه وهو يجزم أنه اشتاق لها ولكل ما فيها لذا ابتعد وتحدث بجدية محافظًا على هيبته :
– يالا اطلعي البسي علشان نروح .
– تمام .
نطقتها وتحركت بسعادة وطيب خاطر تصعد لتبدل ثيابها وتخبر آسبا أنها ستعود معه .
❈-❈-❈
توقفت السيارة في الساحة الخارجية لـ جامع الشيخ زايد الكبير في إمارة أبو ظبي .
هذا الصرح الإسلامي الرائع والذي يعد ثالث أكبر مسجدٍ في العالم .
كانت منبهرة بشكلٍ حابسٍ للأنفاس وهي تترجل معه متجهان نحو الداخل .
تحركا سويًا في أروقة المكان الأكثر من رائعة والتي تبعث في النفس السكينة والراحة وهذا ما تستشعره هنا .
يجاورها وعينه تطالع المكان وتفاصيله بانبهار مماثلٍ لها .
لقد سمع عن هذا الصرح وقد ظن أن المكان هنا مملًا بعض الشيء خاصةً مع اللون الأبيض ولكنه كان مخطئًا تمامًا .
فهنا كأنها تمطر راحةّ استشعر بها بسحرٍ جعله يلتزم الصمت ويتابع معها .
بعد دقائق رفع آذان العصر بصوتٍ تقشعر له الأبدان ، صوتٍ لم يسمع خالد مثله من قبل .
التفت ينظر لها فوجدها تردد مغمضة العينين فتعجب وانحنى يهمس مستفسرًا :
– خديجة بتقولي إيه ؟
فتحت عيناها ومالت إليه تردف :
– بردد الآذان ، اعمل زيي .
مط شفتيه بتعجب ثم تحركا سويًا يكملان سيرهما حتى وصلا إلى أحواض المياه الكبيرة والتي تعكس لونين الأبيض والذهبي فبدت رائعة .
توقفت خديجة تطالعه بسعادة وهي ترى ملامحه ثم تساءلت بترقب :
– إيه رأيك في الجامع ؟
رفع نظره عاليًا ينظر للزخارف الإسلامية والخطوط العربية قائلًا بانبهار يتجلى على ملامحه :
– حسنًا لم أكن أتوقع أن يبدو بهذا الجمال ، إنه رائع .
ابتسمت برضا وتحدثت بلطف :
– وفيه كمان المسجد الحرام والمسجد النبوي وإن شاء الله هنعملهم زيارة بس لما تتعرف أكتر عن الإسلام .
عاد يطالعها متعجبًا ثم تساءل :
– لمَ خديجة ؟ ، لم يجب أن أتعرف أكثر عليه ؟ ، أولم يكفِ أنني أصبحت مسلمًا ، لمَ هذه القوانين والمعتقدات كلها ؟ ، لتكن الأمور أقل بساطة .
– هي كذلك ، هي أقل بساطة ولكن كيف يمكنك أن تنشئ مدرسةً دون أي ضوابط ؟ ، كيف يمكنك أن تحافظ على الأمن دون وضع قوانين ؟ ، كيف يمكنك أن تعيش كإنسان دون التميز بنقاطٍ معينة ؟
هكذا أجابته ليشعر بأنه مشتتًا ومتخبطًا بأفكاره لتسرع قائلة بهدوء :
– أتعلم ما هي أول سورة نزلت في القرآن الكريم ؟
هز منكبيه بلا فمن أين سيعلم لتتابع مجيبة :
– إنها العلق ، بدايتها بسم الله الرحمن الرحيم ( إقرأ بسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ) .
تنبه لها فتابعت شارحة :
– الله يريدنا أن نتعرف عليه أولًا ثم نتبع قوانينه ، ولن نتعرف عليه إلا إذا قرأنا ، الله يحثنا على العلم والقراءة حتى نهتدي إليه .
– أتظنين أنني جاهل ؟ ، لقد تعلمت في أفضل المدارس .
نطقها متباهيًا فأومأت قائلة :
– نعم أعلم أنك لست جاهلًا ولكنك تعلمت أنواعًا محدودةً من العلوم ، هناك المزيد والكثير لنتعلمه خالد .
تحركت بعدما توقفا فتحرك معها فتابعت وهي تشعر بالسعادة :
– إذا أردت أن تصل اقرأ ، اقرأ واسأل وستصل .
هو لم يرد الوصول لأي شيءٍ سواها ، يكفيه أن تظل هكذا نصب عينه ومعه وبعدها لا يريد أي شيء .
كانت سعيدة به خاصةً وأنها تشعر بتقدمها معه حتى لو كان ضئيلًا لذا عادت تتوقف وتطالعه في عمق عينيه مسترسلة :
– إن الله لا يُعبد عن جهل ، العبادات لابد أن يسبقها علمٌ وعقيدة
الصلاة دون علم وعقيدة تصبح مجرد رياضة ، والصيام دون علم وعقيدة يصبح رجيمًا ، والتجارة دون علم وعقيدة ستخلط الحلال بالحرام ، وحتى الجهاد دون علمٍ وعقيدة سيجعل المجاهدين مجرد قتلة وقطاع طرق ، الإسلام أكثر دين يدعم العلم والثقافة، والكتاب الذي بدأ بـ اقرأ لا يرضى لأصحابه أن يكونوا جهلة ، قبل أن تكون متدينًا كن متعلمًا لأن العلم سيقودك إلى معرفة الله ومعرفة الله ستقودك إلى العبادات الصحيحة وليس تعاليم البشر السيئة التي شوهت الاسلام .
حقًا بات متعجبًا من قوة تصميمها في التزامه ، ومتعحبًا أكثر من معلوماتها حول ما يتعلق بالإسلام ، معلومات لأول مرةٍ يسمعها ولكن ما هذا الإصرار على تعليمه ؟ .
زفر وتحدث وهو ينظر في ساعة يده بهدوء :
– حسنًا خديجة ، أعدك سأقرأ ، والآن هيا لنعود .
زمت شفتيها مستشعرة بشيءٍ من اليأس ولكنها تنفست بقوة تجمع طاقتها ثم تحدثت بهدوء والقليل من الإحباط :
– تمام ، هدخل أصلي العصر مع الحريم وإنت لو حابب تصلي ممكن تنضم للرجالة .
لم يرد تركها أبدًا وكيف سيتركها لذا قال باندفاع :
– لاااا ، هيا خديجة ولتصلي عند عودتنا ، هيا .
نظرت له بصرامة تجلت في ملامحها ونبرتها وهي تعيد حديثها :
– هدخل أصلي مع الستات وإنت لو مش عايز تصلي استناني لما أطلع .
تحمحم وأومأ يقطب جبينه ثم أشار لها قائلًا :
– حسنًا هيا سأنتظركِ .
❈-❈-❈
بعد عدة أيام
قضياها خالد وخديجة بين الترفيه والعشق والعبث .
دلف عليها الحمام وهي تقف أمام المرآة تضع على وجهها كريمًا مرطبًا بعدما اغتسلت لتوها .
كان عاري الصدر يرتدي سروالًا كعادته واتجه يعانقها ويحاوط خصرها بذراعيه ثم انحنى يقبل عنقها ونظر لها عبر المرآة قائلًا وهو يستنشق عبقها الشهي :
– ماذا تفعلين .
ابتسمت له وتحدثت ويدها ترتكز على يده والأخرى تمسح على وجهها قائلة :
– أضع كريمًا مرطبًا .
لفها يحملها ليجلسها على رخامة الحوض فارتفع ثوبها الحريري كاشفًا عن ساقيها لذا فوضع يديه عليهما يتحسسها بنعومة وقرب وجهه منها قائلًا بتأثر وهيام ومشاكسة لطيفة :
– حسنًا ضعي لي أنا أيضًا ، فبشرتي بحاجة للترطيب .
ابتسمت إليه ومدت يدها تتناول العبوة من جوارها ثم أخذت منها القليل من الكريم ثم رفعت يدها وبدأت تضعه بنعومة أصابته في مقتل خاصة ويديها تدلك أسفل عينيه وخديه حتى وصلت إلى قرب شفتيه وكم أثارتها ملامحه وأنفاسه التي تباطئت ولكنها توقفت عند ذقنه النامية لتتحسسها قائلة بهمس :
– خالد إيه رأيك أحلقلك دقنك ؟
أومأ لها بطاعةٍ وهو مسحورًا بها فتحدثت مشيرة على خزانة الأغراض الشخصية قائلة :
– طيب ممكن تجيب مكنة الحلاقة من هناك ؟
سحب نفسًا قويًا ثم فتح عينيه يطالعها بعمق والتفت يتحرك خطوتين ليأتي بالماكينة ويتجه عائدًا إليها يناولها إياها بثقة قائلًا وهو يقرب وجهه منها ويديه تعود لتتحسس ساقيها بأنفاسٍ مشتعلة تلفح وجهها :
– شذبيها كما تحبين .
ابتسمت عليه ومالت تطبع قبلة جانب فمه وليتها لم تفعل فما إن ابتعدت مللي حتى وجدته يقترب بقوة ويقبلها بنهمٍ وشغفٍ قبلة كادت أن تدخلهما في تجربة لا يمل ولا يكل منها ولكنها أوقفته وهي تضع يديها على صدره تبعده وبصعوبة فصلت نفسها عنه قائلة بهمس وتأثر بكل ما يفعله بها :
– خااااالد استنى بقى .
توقف بالفعل مغمض العينين متضخم القلب والمشاعر وقال بمغزى وقح :
– حسنًا سأتوقف قليلًا فقط شهيتي .
نظرت له بتعجب من موافقته ، فهي من مجرد قبلة منه تسافر معه على الفور وتسقط في بركان مشاعر صارخة ، هو قادرٌ بسهولة على إشعال شراراتٍ بسائر جسدها لا تعلم كيف يفعل ذلك ولكن كل ما تعلمه أنها حينما يقبلها ويدللها لا تريده أن يتوقف كما قالت الآن ، هي فقط قالتها لترى ماذا سيفعل ولكنه أحبطها بموافقته .
أما هو فكان يطالعها بخبث خاصة ونظرتها انطفأت ولكنه ادعى الثبات الكاذب ليرى ما في جبعتها وقال وهو يبعد يديه عن ساقيها ويرتكز بهما جانبها :
– هيا خديجة شذبي هذه الذقن جيدًا ، ولكن احذري أن تحلقيها كاملةً أنا لا أحب مظهري بدونها .
أومأت له وبدأت بتشغيل الماكينة وتمريرها على ذقنه بتركيز وهو مستسلمًا لها .
كان ينظر لعينيها وهي تسافر على ذقنه ولكي يلهي عقله عن أفكاره الوقحة تحدث متسائلًا حينما تذكر أمرًا ما حدث ليلًا حينما كانت تصلي وهو في طريقه إلى النوم :
– خديجة ، أمس سمعتكِ ترددين كلمات أثارت فضولي ، هل لي أن أعرف معناها ؟
تنبهت له وقالت وهي تكمل ما تفعله :
– كلمات إيه ياخالد ؟
شرد يتذكر ما قالته ثم قال يردد ما سمعه منها :
– لا إله إلا أنت سبحانــــــــــــــــ.
قاطعته واضعة يدها على فمه تمنعه من إكمال جملته قائلة :
– استني ، لما نطلع من الحمام هقولك ، مينفعش نقول الكلام ده هنا .
تعجب لها ومط شفتيه في حيرة وعاد يتساءل بفضول غلبه وعيناه تنطق بالصدق قبل لسانه :
– حسنًا ولكنكِ لستِ ظالمة ؟ أنتِ ملاك .
تعمقت في عينيه ورأت فيهما تساؤلات طفلٍ يتعلم حديثًا فأحبت هذا كثيرًا وتجدد داخلها أملًا أكبر لذا ابتسمت له قائلة بحب صافي صادق :
– أنا أحبك .
ربما لم تقلها هكذا من قبل لذا كان تأثيرها عليه عظيمًا حيث ظل يطالعها بعمق وكاد أن ينسى خطته الخبيثة ويندمج معها ولكنه توقف على حافة هاوية مشاعره وابتسم يقول بثباتٍ كاذب :
– وأنا أيضًا أحبكِ يا شهية .
ابتسمت له وعادت تنشغل بذقنه التي انتهت منها بعد دقيقتين واتجه هو يغسل وجهه في الحوض ثم اعتدل يتطلع لنفسه في المرآة ويدلك بيده مكانها ثم رفع حاجبيه بإعجاب وعاد لها قائلًا :
– أو ، أنتِ جيدة يا فتاة ، من أين تعلمتي هذا ؟
ابتسمت بفخر قائلة وهي تحرك ساقيها كالأطفال :
– كنت بحلق لبابا بس الكلام ده من فترة طويلة قبل ما اتخرج من الجامعة .
اغتاظ وتوغله التملك لذا زفر واتجه مجددًا يحاوطها متسائلًا بنبرة جادة متملكة :
– ولمَ لا تفعلها والدتكِ ، لمَ أنتِ ؟ .
هزت كتفيها قائلة بتعجب :
– عادي ، بابا كان بيحب إني اظبطله دقنه ، وقلتلك الكلام ده من كذا سنة .
أومأ زافرًا بضيق فتعجبت ثم تابعت بمَ تستنتجه قائلة بتروٍ :
– خالد ياريت إنتِ وبابا تتفقو ، أنا بجد بزعل أوي لما بتتخانقوا سوا ، أنا بسبب عملتلك آخر مرة مش عارفة أكلمه ومحرجة منه جدًا ، وهو كمان مكلمنيش من يومها وماما هي اللي بتكلمني ، لو سمحت يا خالد ياريت تتعامل مع بابا كويس .
جال على ملامحها ثم زفر ومد يديه يتمسك بخصرها ثم أنزلها قائلًا بتجاهل متعمد :
– حسنًا هيا تعالي لتشرحي لي معنى تلك الكلمات .
زفرت ببعض الضيق من تجاهله المتعمد التي بدأت تلاحظه كلما رغب في الهروب من شيءٍ ما ولكنها غضت الطرف عنه واتجهت معه للخارج ثم نزلا للأسفل نحو المطبخ ليعدا الفطور سويًا وبدأت تشرح له معنى كلماتها قائلة بلغة أجنبية يفهمها بشكلٍ أدق وهي تتحرك معه وتحضر الطعام :
– هذا يسمى دعاء وليست كلمات ، هذا دعاء نبي الله يونس وهو في بطن الحوت ، كان يردده دومًا وكان هو سبب نجاته ، فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون .
استمع لها متعجبًا ثم قال بنبرة مشككة لا يفقه شيئًا :
– أتعلمين أحيانًا أشك أن هذه المعجزات من اختراعات البشر .
توقفت عما تفعله ونظرت له بصدمة .
كادت أن تحتد مدافعة ولكنها تذكرت جيدًا كيف عليها أن تتصرف معه لذا تنفست بقوة وقالت بنبرة مماثلة :
– لا ، بالفعل هناك أمورًا تفوق عقلنا ، مثلًا لو نظرت حولك لوجدت الطبيعة كذلك ، كل شيء حولنا إن تدبرناه جيدًا وكيف تمت صناعته فلن نصل إلا لمعجزة .
شرد قليلًا في ملامحها فتابعت :
– إن تدبرت القرآن ستجده أقوى معجزة .
قالتها بثقة وثبات لا يعتاده فزفر وعاد يكمل ما يفعله ويفكر في حديثها .
❈-❈-❈
في اليوم التالي صباحًا قررا سويًا الذهاب إلى الشاطيء .
تحركا سيرًا على أقدامهما حتى وصلا إلى شاطيء قريب تقام بالقرب منه حفلة وهناك تجمعًا للسياح التي وقفت خديجة تطالعهم بضيق خاصة مع ملابسهم المكشوفة لذا التفتت إلى خالد الذي يتتطلع إلى المياه بحماس ليرى مدى ارتفاع الأمواج .
لاحظت شروده فنادته فانحنى لها لتهمس له قائلة :
– خالد مينفعش نروح شاطيء تاني غير ده ، أنا مش قادرة أشوف المناظر دي .
رفع نظره نحوهم يتفحصهم فلكزته تحذره بعينيها فابتسم وعاد ينحني منها قائلًا حينما لاحظ شبابًا وزحامًا :
– حسناً معكِ حق ، هيا تعالى لنذهب لمكانٍ هاديء .
ابتسمت توميء متحمسة وتحركت معه إلى عدة أمتار حيث مكان هادىء نوعًا ما حتى وجدا كرسيين ومظلة فاتجها يجلسان عليهما وانسجمت هي مع نسمات الهواء ومنظر البحر الرائع ولكنه لم يعد يحتمل حيث نهض ينظر حوله باحثًا عن شيء فتساءلت :
– بتدور على إيه ؟
تحدث من خلف نظارته وعينيه تبحث عن مبتغاها :
– أريد لوح ركوب الأمواج .
شهقت والتفتت تنظر للمياة فوجدت الأمواج عالية لذا عادت تطالعه مسرعة وتقول :
– خالد الموج عالي ، بلاش .
ابتسم والتفت لها ثم تحدث بهدوء :
– حسنًا لا تقلقي لن أجبركِ على الركوب معي فقط اجلسي هنا وشاهدي زوجكِ وهو يتلاعب بتلك الأمواج .
قالها غامزًا فانقبض قلبها بخوف وتجلى ذلك على ملامحها وهي تقول بتروٍ متسائلة :
– حسنًا ولكن هل فعلتها من قبل ؟
– أووو ، كثيرًا جدًا حبيبتي ، هذه أقرب الألعاب حبًا لي ، سأعلمكِ إياها ذات يومٍ .
هزت رأسها تنفي سريعًا :
– لاااااا ، لن يحدث ذلك .
زفر وعاد يجلس أمامها ثم قال بنبرة تحمل بعض الضيق :
– خديجة حقًا أنتِ تبالغين ، لنستمتع بالحياة سويًا ، أنا أريدكِ أن تشاركيني كل شيء فيها ، كفي عن الخوف هذا فالخوف لن يجعلكِ تستمتعين أبدًا ، لا يوجد أروع من المغامرات .
لم تقتنع بكلامه فهي اعتادت على حياة هادئة عقلانية شغفها يصب في القراءة والكتابة والعبادات وحبه وقربه فقط ولا تريد شغفًا آخرًا ينضم لتلك القائمة ولكنها زفرت تحاول تفهم نمط حياته السابقة وأقنعت نفسها أنها كي تبدل حياته السابقة بحياة تريدها عليها تقبل شغفه لذا تحدثت بهدوء :
– حسنًا ، جربها أنت يمكن أن أحبها .
ابتسم ونهض قائلًا بحماس طفلٍ يعشق البحر والأمواج :
– سأذهب لأحضر لوحًا وأعود إليكِ في الحال ، أو لتأتين معي أفضل .
اعترضت قائلة بهدوء :
– لاء هناك دوشة هستناك هنا بس متتأخرش عليا .
غمزها وتحرك نحو الجهة الأخرى حيث مكان تجمع عددًا من السائحين فتوقف يسأل عن مكان تأجير الألواح فدله أحدهم عليه .
تتبعه حتى وصل إليه ليجد عددًا من الألواح والبدل الجلدية الخاصة بهذه الرياضة وعلى اليمين وجد مكانًا لبيع المشروبات .
تلألأت في عينه الرغبة في تناول مشروبٍ ما خاصةً وأنه لم يتذوق طعم الخمر منذ أسبوعًا تقريبًا وهذا لم يحدث من قبل .
لف نظره نحو الجهة التي تجلس عندها خديجة كأنه يتأكد من عدم قدومها إليه ثم أخذه شيطانه وتحرك نحو المكان يستند على حافته قائلًا للبائع :
– مرحبًا ، ناولني كأس نبيذ أبيض .
أومأ البائع وبالفعل أسرع يحضر له طلبه ويناوله إياه فتجرعه على الفور ثم وضع الكأس على الحافة ونفخ بفمه مستمتعًا ثم أغراه الطعم لتناول المزيد لذا قال مجددًا :
– كأسًا آخر فضلًا .
أومأ له البائع بطاعة وأسرع يناوله كأسًا آخر فتجرعه أيضًا وانكمشت ملامحه ثم عاد يزفر بقوة وترك حسابه ليتحرك مرغمًا واتجه يختار لوحًا ولباس سباحة ثم تحرك بهما إلى مكان خديجة بعد إرشادات من المدرب له .
وصل إليها فوجدها تجلس شاردة تتطلع على البحر وترتدي نظارتها فجلس جوارها قائلًا بحب :
– حبيبتي هل يمكن أن تساعديني في ارتداء هذه البدلة ؟
التفتت تطالعه بتفحص ثم أومأت مبتسمة ونهضت إليه ثم جردته من التيشيرت فنهض وبدأت تساعده قائلة بقلق :
– خالد انتبه من فضلك .
أغلقت سحّاب لباسه فابتسم وانحنى فجأة يقبلها قبلة غير متوقعة خاصة في هذا المكان العام وابتعد قبل أن تستوعب حاملًا لوحه وغمزها ثم تحرك نحو البحر ووقفت هي متجمدة بعد أن توغل إليها طعم ورائحة المشروب الذي لم تحتاج إلى مجهود كي تستشكفه قائلة بهمس وصدر منقبض :
– خمرة ؟
❈-❈-❈
كان يركب الأمواج بطريقةٍ مميزة ويتراقص معها كأنهما عاشقين ، كان مستمتعًا كثيرًا ، أحيانًا يسقط فتنتفض واقفة بقلبٍ منفطر فتراه يطفو ملوحًا لها فتعود وتجلس زافرة بضيق يعتلي صدرها خاصةً وأنها باتت متأكدة من تناوله المشروب .
ظل حوالي ساعة يتراقص مع الأمواج تارة ويلوح لها ويصرخ باسمها بحماس تارة أخرى
جلست يتوغلها الخوف شيئًا فشيئًا من احتمالية عدم تغييره .
ماذا إن كان والدها محقًا بشأنه ؟
خرج أخيرًا بعد أن شعر بالتعب وطالبه جسده بالراحة وخطى يقترب منها حاملًا لوحه ثم وصل إليها وألقى باللوح جانبه وهو يضحك بسعادة قائلًا بنوعٍ من المتعة والتباهى :
– ما رأيكِ بي ؟ ، أرأيتِ كيف أتلاعب بالأمواج ؟
تنفست بقوة تدعم رئتيها ثم قالت دون استطاعتها إخفاء الأمر أكثر وعيناها مسلطةً عليه بترقب :
– خالد هو إنت شربت خمرة ؟
تعمق في عينيها فوجد نظرة خذلانٍ يخفيها التوسل ، تتوسله أن ينكر ولكنه زفر واهتزت نظرته والتفت يتلاعب بلوحه ليتجنب عينيها قائلًا :
– نعم كأسًا فقط .
انسحب قلبها بل وقع بين قدميها وتجلى الحزن سريعًا على ملامحها ولم تتمالك نفسها حيث نهضت تجابهه وتقول بصوتٍ حزين هادىء نسبيًا :
– يعني إيه كاس واحد ؟ ، ليه يا خالد ، تعمل كدة أصلًا ؟
شعر بالضيق والحصار من استجوابها فزفر ونهض يطالعها قائلًا بنبرة متهكمة :
– خديجة اهدئي ، كل ما في الأمر كأسًا فقط ، لا تبالغي ، لا داعي حقًا لأفعالكِ تلك .
نظرت له بصدمة لثوانٍ ، لم تكن صدمة بقدر ما كان خوفًا توغلها .
اقترب منها خطوة فابتعدت توقفه بيدها ثم تكتفت تقول بنبرة حادة يشوبها الحزن وهي على وشك البكاء :
– تمام ، ممكن نروح ؟
بدأ ينتابه الغضب وكاد يتحدث لولا صوتًا أتى من خلفه يقاطعه ناطقًا بمَ جعله يتجمد ليصبح مثله كمثل اللوح الذي يجاوره حينما سمعه يقول بالإيطالية :
– ماركو ؟
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية هواها محرم)