روايات

رواية غابت شمسها الفصل الثامن 8 بقلم مايسة ريان

رواية غابت شمسها الفصل الثامن 8 بقلم مايسة ريان

رواية غابت شمسها البارت الثامن

رواية غابت شمسها الجزء الثامن

غابت شمسها
غابت شمسها

رواية غابت شمسها الحلقة الثامنة

مطعم بينوس المهندسين
جلست مرام فى مقعد مواجه للباب كي تستطيع أن ترى فودة فور وصوله .. كانت قد توقعت أن تجده ينتظرهما بالداخل وراحت تفكر طوال الطريق فى طريقة للتخلص من ليلي حتى تنفرد به فما بينهما لا تستطيع قوله أمامها .. نظرت الى ساعة هاتفها ووجدت الساعة قد قاربت الثالثة والربع
– هل تنتظرين شخصا ما ؟
نظرت الى ليلي مجفلة فتابعت ليلي قائلة
– أراك تنظرين الى هاتفك طوال الوقت وتراقبين الباب منذ وصولنا .
ردت
– لا .. لا أنتظر أحدا .. أتأمل المكان فقط فلم آتى الى هنا منذ وقت طويل .
جاء النادل وأخذ طلباتهما وانصرف , زفرت مرام قلقها وراحت تتحرك بتململ فى مقعدها وأصبحت أكثر حرصا وهى تنظر خلسة الى الباب وفجأة تجمدت الدماء فى عروقها وهى ترى صالح يدخل من الباب وخلفه مباشرة يقف فودة ينتظر دخول صالح قبله .
لمحهما صالح على الفور واقترب من مائدتهما مبتسما , استدارت ليلي الى الخلف وهى تسأل مرام وقد لاحظت أصفرار وجهها
– ماذا بك .. هل رأيت شبحا ؟
وعندما رأت صالح قالت
– من هذا ال ..
وصل صالح اليهما وقال محييا
– مرحبا .. مفاجأة أليس كذلك ؟
حملقت ليلي فى وجهه فاغرة فاها فى حين حاولت مرام رسم ابسامة سعيدة على وجهها وعقلها مشتت بينه وبين فودة الذى وقف يدير بصره فى المكان يبحث عنها وقد حجبها جسد صالح الطويل عنه
– نعم مفاجأة .. لم تخبرنى أنك ستلحق بنا على الغداء .
سحب الكرسي المواجه لمرام والذى كان بجوار ليلي التى مازالت على وضعها وقال
– أشتقت اليك فقلت آتي ونتناول الغداء معا .
ثم استدار الى ليلي وقال وقد اتسعت ابتسامته لرؤيته ذهولها
– مرحبا أنسة ليلي .. أم أنك الأنسة ميمي .
لمحها فودة فى تلك اللحظة وهم بالتوجه اليها ولكنها رفعت كفها بطريقة دعت الله أن لا تلفت النظر وأن يفهم فودة تحذيرها له من أن يقترب .. توقف فجأة فى منتصف المسافة وعقد حاجبية بعبوس وهو ينظر تجاه صالح وليلي فزمت شفتيها وأشارت لها برأسها كي يذهب فعقد حاجبيه بغضب قبل أن يستدير ويتوجه بخطوات واسعة الى الباب .. كادت مرام أن تزفر براحة ولكنها كتمت أنفاسها وحاولت تهدئة خفقات قلبها المتسارعة .. لو رأى صالح فودة لكانت ستكون كارثة فكلاهما قد تقابلا من قبل وقد يتعرف عليه صالح بكل سهولة .. سمعت ليلي ترد على صالح بحماس
– أنا ليلي .. ميمي ليست هنا .
نظر صالح الى مرام وسألها
– ألم تأتي صديقتكما ؟
همت ليلي بالرد فسارعت مرام بالقول
– غيرت رأيها .. كلمتنى فور تركك لي أمام بيت ليلي .
أشار صالح للنادل لكي يأتي وهو يسأل
– هل طلبتما شيئا ؟
ردت ليلي وتركتها مرام
– بلى طلبنا .
سأل صالح مرام
– بما تنصحينني .
سارعت ليلي بالرد مرة أخرى
– هنا يوجد طعام ايطالي ..
ثم راحت تعدد له الأصناف وبعد أن أنتهت قال ضاحكا
– سأطلب ما طلبته مرام .. فقد ضعت تماما .
أخبرت مرام النادل بالطلب بطريقة آلية ثم انصرف .. وقف صالح وهو يقول
– سأذهب لأغسل يدي ثم أعود .
وبعد أبتعاده نظرت مرام الى ليلي وقالت بسرعة
– أذهبي للخارج وابحثي حول المطعم عن فودة و ..
قاطعتها ليلي بدهشة
– فودة ؟
– نعم فودة .. كان من المفترض أن نتقابل هنا .. ولكن مجئ صالح غير كل شئ .
– اذن هو من كنت تنتظرينه .. لماذا أنكرت عندما سألتك ؟
– لا وقت لهذيانك الأن .. أذهبي اليه .. فلو رآه صالح لحدثت مشكلة فهو يغار خاصة من أصدقائي الشباب .
وقفت ليلي
– حسنا سأذهب .. ولكن ماذا سأقول له لو وجدته ؟
– أخبريه بأننى سأتصل به فور خروجنا من هنا ولكن أمنعيه من أن يظهر نفسه .
عاد صالح قبل عودة ليلي وسألها وهو يجلس
– أين ذهبت صديقتك ؟
– لقد نسيت شيئا ما فى السيارة فذهبت لأحضاره .
مال صالح الى الأمام وقال لها هامسا
– ماذا أشتريت من أجلي ؟
أحمر وجهها حرجا وقد تذكرت مكالمتهما الهاتفية وقالت
– تأدب .
قال مستنكرا
– لم تذكري شيئا عن التأدب ونحن نتحدث على الهاتف .
ابتسمت رغما عنها وقالت
– هناك فرق .. على الهاتف أكون جريئة ولكن ونحن وجه لوجه أصبح خجولة جدا .
تنهد بحسرة مازحا
– اذن فقد قطعت مسافة طويلة على لا شئ .. كنت أظن أننا سنتابع محادثتنا الشيقة .
وصل النادل يحمل أطباق الطعام ولكن طلب صالح سيتأخر قليلا بعد . كانت معدتها متقلصة وعصبية ولكنها أجبرت نفسها على الأكل ولتضييع الوقت راحت تشرح له مكونات الطبق وبحركة عفوية رفعت شوكتها ومدتها اليه ليتذوق طعامها فابتسم لها وأكل من يدها وألتقت نظراتهما لبعض الوقت فسألته برقة وهى غير قادرة على النظر بعيدا
– هل أعجبك ؟
كان متأثرا مثلها عندما أجاب
– جدا .. وكيف لا يعجبني وهو من يدك .
اتسعت ابتسامتها ثم عادت تولي أهتمامها للطعام تحاول تفسير عفوية تصرفها الحميم معه .
عادت ليلي وانتبهت مرام الى أنها نسيت أمرها وأمر فودة للحظات وقبل أن تصل الى المائدة مررت ليلي سيف يدها على رقبتها اشارة الى الأنتقام وهي تهز رأسها بغضب ففهمت أن فودة يتوعدها ورفض الأمتثال لطلبها
جلست ليلي وقالت وهي تنظر الى طبقها
– هل هذا لي ؟
سحبت الطبق أمامها وقالت
– أكاد أموت جوعا .
وهجمت على الطبق تأكل بأستمتاع وحسدتها مرام على راحة بالها .. أنتهت مرام وليلي من طعامهما أولا وكان صالح مازال يأكل عندما وقفت مرام ووقالت أنها ستذهب الى الحمام وطلبت من ليلي أن ترافقها وفى دورة المياة سألتها مرام على الفور
– ها .. ماذا قال لك ؟
ضاقت عينا ليلي غضبا
– نعم ذكرتني .. ذلك المدعو فودة أصبح مجنونا .. ماذا حدث له .. لم يكن هكذا أبدا ولم هو غاضب منك الى هذه الدرجة ؟ .. عندما طلبت منه أن يبتعد عنك الأن لأن خطيبك معك كاد أن يضربني .
تأوهت مرام .. لقد نسيت أن تحذر ليلي من أن تقول له شيئا عن خطبتها لصالح بالتأكيد جن جنونه الأن أكثر مما هو
– وماذا قال ؟
– قال أنه لن يتحرك من هنا حتى يراك ويتكلم معك .
وقفت مرام تفكر بقلق عن طريقة ما لكي تراه وفي تلك اللحظة دخلت فتاة صغيرة وأمها الى الحمام فقالت مرام لليلي وهى تسحبها الى الخارج
– تعالى معي .
خرجتا وقابلتا ذلك النادل الذي كان يخدم طاولتهم يمر من أمامهما فجاءتها فكرة ونادت عليه
– تحت أمرك يا آنسة .
سألته
– هل يوجد باب خلفي للمطعم .. أستطيع أن أخرج منه دون أن يرانى أحد من رواد المطعم .
أبتسم بخبث مرح
– نعم .. باب المطبخ يخرجك على الشارع الخلفي .
قالت بلهفة وهي تبتسم له
– دلني عليه أرجوك .
بعد دقيقة كانت كلتاهما تخرجان الى الشارع الخلفى للمطعم وأسرعت مرام الخطى وليلي فى اثرها ولمحت فودة واقفا عند موقف السيارات على الناحية الأخرى من الطريق وعينه على باب المطعم .. لوحت له مرام وبعد وقت رآها فاسرع يعبر الطريق متوجها اليها وعندما أصبح أمامها رأت الغضب المشتعل فى عينيه وشفتاه مضمومتان كخط رفيع ..شئ ما بداخلها كان حزينا على الشاب الذى كان دائم الأبتسام والذى كان يضحكها على اللاشئ .. حتى على مآسيهما فقالت
– كيف حالك يا فودة ؟
يبدو أن سؤالها ونبرة صوتها الحنونة أوقفتاه عم كان ينوي فعله .. أرتعشت شفتاه وكأنه سيبكي
– لست بخير يا مرام .
لقد بدا شاحبا وقد فقد بعض الوزن .. ربتت على ذراعه ثم نظرت الى ليلي وقالت
– أنتظر
ثم طلبت من ليلي أن تذهب وتنتظر قرب باب مطبخ المطعم وان ظهر صالح تنبهها , وافقت ليلي مرغمة وذهبت .. جذبت مرام فودة الى جانب الجدار
– أين كنت ؟ .. لقد سألت عنك فى كل مكان ولم أجدك .
– نعم عرفت .. أخبرني سامح وميمي وهذا ما شفع لك قليلا لدي .
قالت بغضب
– حقا ؟ .. شفعت لي .. هل نسيت أنك كدت تقتلني أيها البغل ؟
عبس بشدة
– وأنت ماذا فعلت .. غبت عنك بضعة ايام لأعود وأجدك قد طبقت أبي .
– وماذا كنت تريدني أن أفعل بعد أن سرقت نقودي واختفيت من على وجه الأرض .
شخر ساخرا بغضب
– فيكون الحل عندك هو أن تتزوجي من أبي دونا عن كل الرجال ؟
ردت بسخرية مماثلة
– ويكون الحل لديك أن تقتلني .
نظر اليها بحزن وندم
– آسف حقا .. لم أكن ساعتها في كامل وعيي .. وندمت بعدها وحاولت الأتصال بك لأعتذر ولكنك أختفيت ومعك المخدرات .
ثم نظر الى يديها
– بالمناسبة أين هى ؟
قالت بأستنكار غاضب
– هل أنت أحمق .. هل تريدني أن أسير فى الشارع وأنا أحملهم وكأنهما كيسين من السكر .. لولا ستر الله لتم القبض علي وأنا أنقلهما معي الى بيت أبي فقد أعترضنا كمين للشرطة على الطريق .
قال بغضب
– تعلمين أننى كنت أريدها وأنا هنا من أجلها .
– وكان علي أولا أن أتأكد من أنه أنت فقد أختفيت ولم يعلم عنك أحد أي شئ .
– بالطبع كان يجب أن أختفى فأصحاب البضاعة أشر خلق الله وكانت رقبتي ستطير لولا هروبي .
قالت بتوتر وهي تتلفت حولها بقلق
– أسمع يجب أن أعود الى الداخل فقد يذهب صالح للبحث عني .
أمسكها من ذراعها بقسوة
– أنتظري لحظة .. من صالح هذا .. وهل خطبت له كما كانت تقول صديقتك المخبولة تلك ؟
أبتلعت ريقها بخوف وهي تراه قد بدأ يفقد السيطرة على أعصابه مرة أخرى
– أسمع لا وقت للشرح الأن .. أتصل بي من أي هاتف آخر وسوف نتفق على ..
قاطعها وهو يضغط على ذراعها أكثر بطريقة آلمتها
– سنتفق الأن .. ستعطينى المخدرات لأعيدها لأصحابها وأخلص رقبتي وأنت ستتركين المدعو صالح و ..
قاطعته مرام وكانت خائفة فالوقت يمر ويجب أن تعود الى الداخل فقالت بسرعة
– أخبرني أين تختبئ ؟
– في فيلا صديق لي بالجونة .
قالت بسرعة وقد جاءتها فكرة
– سأكون فى الجونة بعد عشرة أيام وستكون أمانتك معي .
قال بأستنكار
– عشرة أيام ؟
– لا أستطيع نقلها بتلك السهولة .. ليس بعد ما تعرضت له فى أول مرة قمت بنقلها .. ولن أسير بها في الطرقات وأنا أحملها .. سيكون بصحبتي الشخص القادر على نقلها دون أن يثير الشبهات حوله .
– ومن هذا الشخص وكيف تثقين به لتخبريه بشئ كهذا ؟
– لم يعرف ولن أخبره بالطبع .. ولكن وجوده معي سيوفر لي الأمان .
أخيرا أقتنع فودة وتركها تذهب ووعدها بأن يرحل على الفور .
****
عاجلها صالح بالقول عندما عادت مع ليلي
– لقد تأخرتما كثيرا .
قالت ليلي وهى تضحك بطريقة مبالغ فيها
– تعرف الفتيات عندما ينفردا ببعضهم البعض تكثر النميمة ويضيع الوقت .
ودت مرام لو ترفسها بقدمها كي تصمت فقد أبتسم صالح ولكن ابتسامته أتسمت ببعض الريبة فقالت بسرعة
– هل نذهب ؟
دفع صالح الحساب وأوصلهما حتى موقف السيارات وقال لمرام
– هل بقى أمامك الكثير من الوقت فى التسوق ؟
– بالطبع هناك أهم شئ .. فستان الزفاف .
نظر اليها صامتا لبعض الوقت ثم ابتسم وقال
– حسنا نتقابل فى السابعة كما أتفقنا .
شيعهما صالح بعينيه حتى غاصت سيارتهما بين الزحام وقد أكفهر وجهه وهو يعود وينظر تجاه المطعم وقد ضاقت عيناه بنظرة حادة .
****
هبط الليل وكانت مرام تشعر بالأرهاق الشديد من اللف على المحال طوال اليوم وعندما جاء صالح لأخذها من عند بيت ليلي كانت بالكاد تستطيع أن تقف على قدميها وعلق صالح قائلا بسخرية مازحة وهو ينقل حقائب المشتريات الى حقيبة السيارة والمقعد الخلفي
– هل ظل شيئا فى المتاجر لم تشتريه ؟
قالت معلقه وهى تصعد الى المقعد المجاور له
– لعلمك فقط .. هذا لا شئ بجانب ما تشتريه العروس فى العادة .. فلا تنسى المفروشات والستائر وأدوات المطبخ والنيش و ..
قاطعها ضاحكا
– هذا يكفي .. حمدا لله أن هذه الأشياء قد أتفقت على شراءها والا كنا مكثنا فى القاهرة أسبوع على الأقل .
عندما أصبحا على الطريق السريع سألها صالح بعفوية
– أخبريني .. هل صديقتك ليلي لديها خطيب أو صديق ؟
سألته مرام بدهشة
– ولماذا تسأل ؟
هز كتفيه بلامبالاة ورد
– فضول لا أكثر .
عقدت حاجبيها ومر خاطر على بالها جعلها تسأله بحدة
– هل أعجبتك ؟
نظر اليها بدهشة ثم انفجر ضاحكا بشدة
– هل تغارين ؟
نعم كانت تغار ونظرت اليه غاضبة وسألته
– لماذا تسأل سؤال كهذا ان لم تكن مهتم بها ؟
قال بجد
– أنا مهتم بكل ما يمت اليك أنت بصلة .. وجدتها فتاة خفيفة بعض الشئ .
هاجس بداخلها كان يعمل كجهاز انذار راح ينبهها .. هناك شئ ليس عاديا خلف أسئلته هذه فقالت
– نعم .. هناك شخص ما وعلاقتهما شبه جديه .
رمقها بنظرة أهتمام
– حقا ؟
قالت بسرعة
– ولن أقول أكثر من ذلك فأنا لا أحب أن أتحدث عن حياة صديقاتي الخاصة
صمت للحظات ثم قال
– نعم معك حق .. آسف على تطفلي .
لم تقل شيئا وأخذت وضعا أكثر راحة وتظاهرت بالنوم وهي تفكر عن سبب أسئلته تلك وهل شك فى شئ ؟ وظلت هكذا حتى سقطت فى نوم حقيقي .
فكر صالح .. ان شكوكه لا يجب أن تفسد عليه حياته .. وعمله السابق لا يجب أن يسيطر على طريقة تفكيره فما حدث قد يبدو عاديا لبعض الناس .. فعندما تأخرتا فى دورة مياه المطعم شعر بالقلق لطول المدة التى قضيتاها فيه ولاحظ أحد الندل وهو يتهامس مع زميل له وينظران تجاهه .. تظاهر بعدم ملاحظته لشئ وجلس بصبر حتى عادتا وكان وجه مرام متوترا وصديقتها تثرثر بلا سبب وأثناء دفعه للحساب لاحظ تلك النظرة التى تبادلتها صديقة مرام مع ذلك النادل .. وبعد انصرافهما لم يستطع أن يقاوم حاسته البوليسية التى تخبره بأن هناك شيئا غير طبيعي قد حدث فرجع الى المطعم وعاد يتقمص شخصية ضابط الشرطة التى كان يظن نفسه قد نسيها وبسهولة جعل الشاب يتكلم .. وأخبره أن الفتاتان قد خرجتا من الباب الخلفى للمطعم وغابتا لبعض الوقت ولكنه لم يعلم ماذا كانتا تفعلان بالخارج .. وبسرعة فتح صالح تحقيقا شاملا مع العاملين وأخبره أحدهما أنه شاهدهما تقفان مع شاب عند أول الشارع فطلب رؤية كاميرات المراقبة .. أعترض مدير المطعم ولكن صالح لم يكن فى مزاج لتقبل الأعتراضات واستعان بأحد أصدقاءه فى مديرية أمن القاهرة وبمكالمة هاتفية منه سمح له بالأطلاع على التسجيلات وسجلت الكاميرات لقاء ليلي بأحد الشباب أمام باب المطعم الأمامي ولكن الباب الخلفي لم يكن عنده كاميرات ورأى ما يشبه الشجار كان يحدث بين ليلي والشاب الذى كان يولي الكاميرات ظهره فلم يرى منه صالح سوى جانب وجهه وهو ينصرف فطمأن نفسه أن الشاب ربما يكون صديق ليلي ولا علاقة لمرام بالأمر ومن الجائز أنه كان سينضم اليهما على الغداء ووجوده أفسد خطتهم لذلك تصرفا بأرتباك .
رمق مرام الغارقة فى النوم بجواره وتذكر اللحظة التى أطعمته فيها بيدها .. كانت نظرات عينيها تقول أن مشاعرها تجاهه صادقة وحقيقية فلا يجب عليه أن يشك بها ويظلمها .
****
مصنع طيبة
أنها الزيارة الثالثة لها للمصنع .. فى المرة السابقة زارت المصنع نفسه ولم يأتى بها صالح الى مكتبه وقد خرجا بعدها مباشرة , كان مبنى الأدارة الملحق بالمصنع صغيرا ولا شئ مميز فيه .. أنه ليس كشركة النجار بديكورها الفاخر والمكاتب الأنيقة وتساءلت عن مدى ثراء صالح .. لقد أخبرها أن أمه تركت والده لأنه كان فقيرا وقد عمل بعدها واجتهد حتى بنى نفسه ولكن الى أى درجة هى لا تعلم .. وقد أعطاها بطاقته الأئتمانية ولم يحدد لها مبلغا ولكن بالنظر لما حولها وحال بيت المزرعة فانهما لا يقولان أنه فاحش الثراء وهي ليست فى وضع يسمح لها بسؤاله .. على الأقل ليس الأن ربما بعد الزواج سيحق لها مناقشته فى الأمور المالية .
كان موظف الأستقبال الشاب سعيدا وهو يأخذها بنفسه الى مكتب صالح الذى تفاجأ بزيارتها وكانت رباب معه فى غرفة المكتب .. حيتها مرام ببشاشة لا تعكس الضيق الذى شعرت به وهى تراهما معا على أنفراد .. شعور الغيرة هذا جديدا عليها فهي لم تغار على رجل من قبل .. ربما يكون ذلك لأنها لم ترتبط برجل بصفة جدية كما هي الأن .. وقف صالح عن مقعده وابتسم لها
– زيارة غير متوقعة .. لماذا لم تخبرينى ؟
– ألم تسمع من قبل عن المفاجأة .. أردت أن أفاجأك وأدعوك على الغداء .
ثم أقتربت منه حتى كادت أن تلتصق به ورأت وجه رباب يشحب ونظراتها تظلم فشعرت بالرضا لذلك ويبدو أن صالح قد شعر بتأثر رباب فتراجع بعيدا عن مرام وقال
– أجلسى .. سأنهي بعض الأمور ونخرج بعدها .
أطاعته مرام وجلست على أحد المقعدين أمام مكتبه وجلست رباب على المقعد الآخر وعادا للعمل .. راحت مرام تراقب رباب خلسه وفكرت ساخرة أن تلك الفتاة فاشلة تماما فى أخفاء عشقها لخطيبها أو ربما هي تقصد ذلك لتلفت نظره اليها .
بعد نصف ساعة من الملل قد شعرت به مرام بسبب جلوسها تستمع فيها الى أرقام لا تفهمها .. لقد خرجت اليوم من البيت لأكثر من سبب أهمهم أنها لم تعد تطيق الضوضاء التى يحدثها الجميع .. فالعمال يعملون على قدم وساق فى الجناح الغربي لتجهيزه وفرشه قبل يوم الدخلة وفى الناحية الأخرى من المنزل لا تكف النساء عن الطبل والزغاريد وهم يجهزون الولائم ليلة الحنة وكتب الكتاب ويشاركهم الأقارب والجيران فأصبح البيت يمتلئ بهم على الدوام وودت مرام لو تعود الى الأسكندرية وتبقى عند خالها لهذه الأيام القليلة المتبقية ولكنها كانت تخشى أن يظهر عصام فى وجهها خاصة وأن خالها أخبرها بأنه لم ييأس ويفقد الأمل بعد فى عودتها اليه .. وأخبرها بأنه سيأتى بزوجته وحماته ليلة الحنا وكان صالح قد دعا نصف المدينة على الأقل مفسرا لها الأمر
– لأن معظمهم لن يحضر الزفاف فكان يجب أن أقيم مأدبة أدعو لها جميع الأقارب والمعارف أرضاء لهم كما أن هذه عاداتنا فى هذه الناحية من البلاد .
فتم تجهيز الذبائح واستعدت النسوة بتحضير ما يلزم .
نهضت رباب أخيرا وودعتهم ثم خرجت فسألته
– ما وظيفتها هنا ؟
– هي فى الأساس محاسبة ولكنها رئيسة قسم شؤون العاملين .
قالت ساخرة
– رئيسة ؟ .. بالوساطة بالطبع لأنها قريبتك .
رد صالح بهدؤ لا يخلو من الصرامة
– لا .. لأنها كفؤة وتجيد عملها .. بدأت موظفة أستقبال أثناء دراستها الجامعية وبعد تخرجها عملت محاسبة مع والدك ثم أنتقلت لتصبح مساعدة لرئيس قسم شؤون العاملين وبعد تقاعده أستلمت مهامة بكل أقتدار .
شعرت مرام بالغيظ من دفاعه عن رباب وتصويره لها كما لو كانت المرأة الخارقة , ألا يرى أفتتانها به ؟ هبت من مكانها بحدة فرفع حاجبيه بدهشة متساءلا فقالت بعصبية
– ألن نذهب أم ستقضي الوقت تتغزل فى مواهب أبنة عمك ؟
ضاقت عيناه
– وما معنى تلك العصبية ؟
ودت لو تصرخ فى وجهه وتلقى بأي شئ كبير وثقيل على رأسه ولكنها قالت من بين أسنانها بغيظ
– لا شئ .
دار صالح حول المكتب ودنا منها بخفة فشعرت بالضعف يصيب ركبتيها .. الأمور بدأت تفلت من بين يديها وان استمرت على تلك الحال هو من سيسطر عليها لا هي .
جذبها من يدها وقربها منه وهو يبتسم بمكر قائلا بصوت خمول
– تصبحين أكثر اثارة وجمالا وأنت تغارين .
تهدجت أنفاسها وقالت
– أنا لا أغار .
قربها منه أكثر فصارت أضعف ودقات قلبها أعنف .
كان شبه جالسا على حافة مكتبه الأن وهى قريبة منه لحد لا يحتمل ورأسها أصبح فى مستوى رأسه وعندما نظرت الى عينيه وجدتهما مظلمتين بنظرة جعلت الدموع تصعد الى عينيها .. دموع شوق وعجز .. شوق الى شئ لم تعيشه وتشعر به من قبل وعجز تام عن مقاومته والأبتعاد عنه .. ترك يدها وأخذ وجهها بين راحتيه وقال بصوت منخفض أجش
– كم تبقى على ليلة زفافنا ؟
أبتلعت ريقها وقالت
– ثلاثة أيام .
– سوف يكونوا كالجحيم بالنسبة لي .
هزت رأسها ولم تمنع نفسها من القول
– أنا أيضا .
ضحك متأوها
– قولك هذا لا يساعد أبدا .
وضع شفتيه على جبينها وقبلها بعمق ثم أبعدها عنه بحزم
– هذا يكفي .. سأفقد السيطرة على نفسي بعد ذلك وسيكون وضعا مؤسفا لو دخل أحد علينا خاصة والدك .
ذكره لوالدها أفسد عليها اللحظة فتراجعت بعيدا عنه وقالت بجفاء
– هيا نذهب اذا .
****
وهما فى السيارة سألته
– هل أنهيت حجز شهر العسل ؟
بعد عودتهما من القاهرة أقترحت مرام على صالح فكرة أن يقضيا شهر عسلهما فى الجونة ووافق صالح دون اعتراض وقد قفزت تلك الفكرة على خاطرها بمجرد أن أخبرها فودة بأنه يختبئ هناك فوجود صالح معها وهى تحمل المخدرات سيجنبها الشبهة كما حدث على الطريق
– نعم .. وفي فندق كما أقترحت .
تنهدت بأرتياح .. قريبا ستتخلص من ذلك الهم وتبدأ حياة جديدة بلا مشاكل ولا هموم .. غير وجود والدها الذى أصبح لا يطاق .. فهو دائم العصبية فى وجودها ونظراته اليها كلها حقد .. حاولت أن تتجنبه كما أنها لم تعد تضايق نهال فقد رأت أثر مضايقتها لها على صحتها فتوقفت .
وفى المطعم
قالت مرام بعد تردد
– صالح .
ابتسم لها فتابعت
– أريد بيتا لي وحدي .
أختفت أبتسامته وسألها
– لماذا ؟ .. البيت كبير وسيكون لنا جناح خاص بنا ونهال كما ترين لن تزعجك فى شئ .
– المشكلة ليست فى شقيقتك .. المشكلة فى أبي .
زفر صالح بضيق
– أعلم .. لاحظت طريقته ولم تعجبني ولكن ليس بيدي حيلة أنه فى مقام أبي ولا أستطيع تعنيفه من أجلك وأنتقالنا من البيت صعب بل مستحيل أنه بيت العائلة وهو ملكي .. ونهال أيضا لن أسمح لها بالخروج منه .
قالت بلهفة
– لا .. لا أقصد أي شئ من هذا ولكني كنت أفكر أن يكون لنا شقة فى الأسكندرية نلجأ لها عندما نشعر بالحاجة الى الأنفراد بأنفسنا والأبتعاد عن الضغط .
– لديك شقة بالفعل .
– نعم ولكنها صغيرة .
قال صالح بصبر
– لسنا فى حاجة الى شقة أكبر فى الوقت الحالى ولكني أعدك بمجرد أن تنصلح أحوالي المالية سوف أشتري شقة تطل على البحر وتقومين بتجهيزها كما تشائين.
سألته وهى عابسة
– ماذا تعني بأحوالك المالية ؟
شرح لها قائلا
– لقد قمت بتحديث المصنع وتجديد الماكينات مما أضطرني الى الأستدانة من البنوك لتغطية التكاليف وسيأخذ بعض الوقت حتى تدار الأرباح وأستطيع سداد ما علي وبعدها ستكون الأرباح خالصة لنا لنفعل ما نريد .
فكرت مرام بينها وبين نفسها قائلة .. أرجو أن تنصلح تلك الأحوال قريبا فأنا لن أتحمل العيش فى تقشف .. فيكفيني تقشفا .
سألها صالح
– والأن ماذا ستأكلين ؟
ردت بما يشبه الأحباط
– مثلما أكلنا فى المرة السابقة .
وبعد الغداء عرضت مرام موضوعها الثاني والذي قلب الجو بينهما الى حد الخصام فقد قالت له أنها تريد الحجز عند طبيب أمراض نساء فسألها عن السبب فأجابت بهدؤ
– أريده أن يصف لي وصفة لمنع الحمل .

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية غابت شمسها)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *