روايات

رواية سرداب الغرام الفصل الأول 1 بقلم ندا حسن

رواية سرداب الغرام الفصل الأول 1 بقلم ندا حسن

رواية سرداب الغرام البارت الأول

رواية سرداب الغرام الجزء الأول

سرداب الغرام
سرداب الغرام

رواية سرداب الغرام الحلقة الأولى

وقفت أمام المرآة تتأمل جمالها الخلاب بعينان راضية تمامًا عن مظهرها تنظر إلى انعكاس صورتها باستحسان كبير..
عينان مسحوبة لونهما غريب للغاية تحتار في وصفهما كل مرة، تماثل عيون القطة تمامًا نقطة سوداء في المنتصف يُحيطها لون رمادي غريب ثم خطٍ رفيع من اللون الأسود وأخيرًا بياض عينيها يُحيطها سيال من الرموش تُزيدها جمالًا..
تُسحر العقول وتسلب الإرادة نظراتها تخترق القلب تُلقي به سهام غرامها لتقع مُتيم بعشقها انخفضت إلى أنفها الصغير الذي يتناسب مع شكل وجهها الطولي شديد البياض الممزوج بلون ثمار التفاح الأحمر يشعل وجنتيها، أبصرت شفتيها المُكتنزة الملونة بحمرة صاخبة تناسب جمال وجهها وزينتها الخفيفة عدا شفتيها..
ارتفعت بيدها تُعدل خُصلات شعرها المُجعدة الغجرية ذو اللون الأسود المائل إلى البُني يتماشى مع لون حاجبيها، ظهرت آية في الجمال وكأنها انخفضت إلى الأرض من الجنة لا تشبيه يناسب جمالها سوى أنها خلقت منها…
أخفضت يدها إلى خصرها تمرر أناملها عليه مرورًا بجسدها إلى الأعلى ترى ذلك القميص يحتضن جسدها بطريقة مُغرية بلونه الأسود الذي عكس جمال لون بشرتها، بحمالات تُكاد تكون أرفع من الخيط وفتحة صدر واسعة للغاية تظهر مقدمة صدرها، يهبط إلى قبل ركبتيها يلتف على خصرها وكأنه قطعة من جسدها.. تتحرك بخفة أمام المرآة تُقيم مظهرها وجسدها الممشوق الساحر برضاء تام..
ابتعدت للخلف تنظر إلى المرآة نظرة أخيرة بابتسامة عريضة أظهرت بياض أسنانها الشديد وخرج صوتها بنبرته الرقيقة المغرورة:
-ملكة جمال العالم يا بت يا مهرة
تحركت في الغرفة بخفة، كانت تحتوي على فراش كبير يتوسطها على الطراز الحديث الراقي تماثله المرآة وخزانة الملابس التي كان بجوارها شرفة تنسدل عليها الستائر الراقية كانت غرفة متكاملة بها اثنين من مقاعد الانتريه يتوسطهما طاولة صغيرة..
أقتربت من الطاولة ترفع بيدها طبق كبير كان به ورود مجففة حمراء، أخذتها واتجهت إلى الفراش بخفة تنثرها عليه بكل حب وغرام تسرح بزوجها وحبيب عمرها وهي في انتظاره تتزين لأجله ولأجل إسعاده..
أخذت الطبق بعد أن أفرغت كل ما به وخرجت إلى صالة الشقة مُتوجهة إلى المطبخ لتضعه به تأخذ بيدها قداحة ثم عادت إلى الغرفة مرة أخرى تضعها على الطاولة جوار شموع كبيرة بأشكال مُختلفة رائعة منها واحدة تمثلت في شكل قلب..
نظرت إلى كل شيء بعيناها الساحرة لتشهق بعنف مُتذكرة أهم شيء لتتقدم من المرآة بخطوات واسعة تلتقط بيدها زجاجة عطر رفعتها إلى وجهها تنظر إليها بكل حب ثم بدأت تُعطر نفسها بها على الرغم من أنها لا تحتاج إلى ذلك ولكن هذه الزجاجة خصيصًا تُسكره وتسلب عقله منه، يعشق رائحتها التي تمتزج برائحة جسدها فتكن تركيبة فريدة من نوعها توقعه في شباك غرامها..
مرة أخيرة تتأمل كل شيء بابتسامة عذبة راضية عن كل ما فعلته مُتذكرة الطعام الذي طلبته من الخارج تأففت خوفًا من أن يأتي هو قبل الطعام، إنها تريد كل شيء يكون في انتظاره ولكن امتعاضها لم يدم طويلًا عندما استمعت إلى جرس الباب، التقطت روب لونه أسود يماثل القميص ارتدته سريعًا واحكمت إغلاقه عليها ليخفي كل شيء ظهر منها فلم يظهر إلا وجهها وخصلات شعرها الغجرية..
وقفت جوار باب الشقة وفتحت أحد الأدراج الموجودة في كومود جواره تخرج منه الأموال ثم تقدمت إلى خلف الباب تنظر إلى الخارج من تلك العين التي تتوسطه.. وجدته عامل الدليفري ففتحت الباب بخفة وطلت من تلك الفتحة الصغيرة تبسمت إليه بود وهي تقدم له النقود ليأخذها منها ويبادلها بأكياس الطعام..
عادت تدلف إلى الداخل وأغلقت الباب من خلفها مُتوجهة إلى المطبخ تضع الأكياس على رخامته من الخارج حيث كان المطبخ على الطراز الحديث مفتوحًا على الخارج.. فتحت الأكياس تقدم رأسها بها تستنشق رائحتها الشهية للغاية وعادت للخلف بعينان مغمضة أسكرتها رائحة الطعام وهي جائعة حقًا..
ارتفع رنين الهاتف داخل الغرفة فتركت الطعام وتوجهت للداخل تخلع عن جسدها الروب وتركته على الفراش مُتقدمة من الهاتف لتجد زوجها هو من يُهاتفها، أجابت واضعة الهاتف على أذنها لتخترقه بكلماتها قبل أن يتحدث هو:
-اتأخرت ليه يا يوسف
أتاها صوته المُرتبك قائلًا:
-مهرة حبيبتي أنا مش هقدر أجي النهاردة
ارتفع صوتها ذهولًا واتسعت مقلتيها صارخة به:
-نعم!… أنت بتستهبل يا يوسف
استمعت إلى صوته الرخيم قائلًا بنبرة حنونة محاولًا أن يتوغل أعماق عقلها:
-والله يا حبيبتي غصب عني أنتي عارفه إني مش بقدر أبعد عنك أصلًا بس غصب عني
وضعت يدها اليمنى تتوسط خصرها بامتعاض مُتسائلة بصوتٍ منزعج:
-غصب عنك ليه إن شاء الله
حمحم بخشونة ثم أردف قائلًا بجدية:
-أصل نورا بنت عمتي جاية من السفر وأنا اللي هستقبلها في المطار
جعل الغضب يتملكها بعدما استمعت إلى كلماته الجدية وكأن ما يتحدث به أمر عادي فصاحت بهمجية مُتخلية عن نبرتها الرقيقة:
-وأنا مالي ومال بنت عمتك.. يوسف قدامك نص ساعة تكون هنا
مرة أخرى تستمع إلى صوته عبر الهاتف بهدوء ولين مُصرًا على المحاولة لإخماد نيرانها:
-يا مهرة والله مش هعرف معلش هعوضهالك
قالت بصرامة وجدية شديدة لا تحتمل النقاش منه:
-يوسف أنت سمعت قولت ايه.. نص ساعة تكون هنا
تأفأف ضاربًا بيده على سطح المكتب وأتى الصوت يضج أذنها مع كلماته الراجية:
-طب ساعتين وابقى عندك
كررت كلماتها بعنف صارخة به:
-أنا قولت نص ساعة
امتعضت ملامحه أكثر بعدما استمع إلى حديثها ووقع في حيرة من أمره إن فعل ما تريده هي سيقع في ورطة كبيرة مع والده وأن فعل ما يريده والده فـ الأيام المقبلة عليه معها لن تكن إلا سوادًا حالكًا فحاول برجاءٍ ونبرة خافتة:
-نص ساعة ايه دي طيارتها هتوصل بعد ساعة.. اديني ساعتين علشان خاطري
وقفت غير مُعتدلة تضع إحدى يديها على خصرها تدق بقدمها على الأرضية بغيظٍ شديد وأجابته بحزم:
-والله العظيم يا يوسف لو مكنتش هنا بعد نص ساعة هنكد عليك عيشتك وأنت عارفني
تنهد بصوتٍ مسموع يصل إليها وزفر الهواء من رئتيه بعدما حبسه فوقف على قدميه لا يدري ما الذي يفعله مع تلك المرأة “القادرة” فحاول مُجددًا أن يستعطفها:
-يا مهرة….
لم تجعله يكمل حديثه تقاطعه بحدة غير راضية تمامًا عن أي شيء يقوله ولن ترضخ لطلبه مهما قال أو فعل ليستمع إلى صوتها الغاضب:
-نص ساعة ودقيقة أنت حر بقى
ضغط على الهاتف بيده بقوة تكاد تهشمه بين يده غيظًا منها ومن تصرفاتها الغير محسوبة ثم صرخ بعنف قاصدًا ليرسل إليها مدى غضبه:
-ماشي.. ماشي يا مهرة
أغلقت الهاتف ثم ألقته بقوة على الفراش مُتجهة إلى المرآة تنظر إلى مظهرها قائلة بهدوء:
-روقي دمك يا مهرة.. روقي دمك وعلميه الأدب بشويش
ابتعدت عن المرآة تجلس على الفراش ناظرة إلى كل شيء حولها خائفة ألا يأتي يتركها وحدها ويذهب إلى تلك ابنة عمته ليضيع كل ما فعلته لأجله ويذهب هباء ضاربًا ليلته معها عرض الحائط غير مبالي بها..
خرج صوتها مُتوعدًا وهي تنظر إلى صورته المعلقة على الحائط أمامها:
-ورحمة أمي لاعرفك يا يوسف لو ماجيت
لم تستطع الجلوس بل وقفت على قدميها مُتوجهة إلى الشقة تُسير بها من غرفة إلى أخرى تنتظره حضوره لها بنفاذ صبر..
دلفت غرفة كانت تماثل غرفة نومهم بها فراش وخزانة ملابس ومرآة فقط صغيرة قليلًا عن الأخرى، عبثت في ستائر الغرفة بيدها ثم زفرت الهواء بضيق خارجة منها إلى المطبخ لتأخذ أكياس الطعام تضعها على الرخامة الأخرى في الداخل..
خرجت إلى الصالون ثم نظرت إلى ساعة الحائط لتجد أن ربع ساعة فقط مرت وهي تتنقل من هنا إلى هنا تفكر به، ذلك الرجل الذي أسر قلبها عشقًا وأغلق على مشاعرها بأصفاد حديدية لتكن له وحده.. وقد كان يستحق ومن غيره “يوسف رضوان” يستحق أن تقع أسيرة لعشقه وهواه وأن تكون جارية في دروب سعادته لترضي مُبتغاه…
عادت إلى غرفة نومهم مرة أخرى عندما رأت أن الوقت يقترب لتقف أمام المرآة تعدل من هيئتها تضع الحمرة الصاخبة على شفتيها من جديد تمشط خصلات شعرها الغجرية وتنثر عطره المحبب على جسدها حتى تأسره هو الأخر..
أدار المفتاح بمزلاج الباب ليُفتح فولج إلى الداخل ثم جذبه واضعًا إياه على الكومود وأغلق الباب بهدوء حتى لا يصدر صوتًا، رجل فارع الطول، جسده رياضي مُتناسق بعضلات صدر ظاهرة من أسفل قميص حلته، وسيم للغاية بملامح جذابة خصلاته سوداء مُخالطة للبنية، بشرته بيضاء يمتلك عليها عينان بُنية صافية جذابة، وأنف حاد شامخ وشفتان رفيعة تُزينها لحية وشارب خفيف ناميان..
تقدم إلى الداخل بخطواتٍ بطيئة هادئة كي يقف أمامها فجأة ليقع قلبها في غمرته، وقف على باب الغرفة ينظر إليها تعطيه ظهرها تتمسك بالهاتف بيدها يبدو أنها ستهاتفه، أخرج هاتفه سريعًا من جيبه ليضعه على وضع الصامت وظل ينظر إليها رافعة الهاتف على أذنها ولكنه لا يجيب ابتسم بخبثٍ وهو يراها تلقي الهاتف بعنف على الفراش صارخة بغضب:
-بقى كده يا يوسف.. بتشتري خاطر بنت عمتك وأنا لأ
استمعت إلى صوته الأجش يأتي من ورائها:
-أنا أقدر أعمل كده في مراتي حبيبتي
شهقت بعنف وهي تستدير تنظر إليه بخضة فلم تتوقع أن يكون هنا خلفها يتابعها مُتحدثًا، المجت الصدمة لسانها لتجده يقترب منها قائلًا:
-يوسف يقدر يشتري حد غير حبيبة عمره وقلبه وملكة حياته كلها
وقف أمامها لا يفصل بينهم حتى هفوة الرياح لتعرف أنامله طريقها تغمر خصرها بمعزوفة فريدة من نوعها يتأمل جمالها الغير طبيعي الذي كان من حسن حظه له هو وحده..
مال على وجنتها اليمنى يقبلها برقة وشغف شديد ثم إلى وجنتها اليسرى، ثم وقف بوجهه أمام وجهها لا يفصل بينهم شيء واضعًا شفتيه على أرنبة أنفها يقبلها برقة بالغة، ثم هبط إلى شفتيها ناثرًا عليها ورود عشقه المُختلفة يروي ظمأ قلبه منها ومن غرامها ولهفته تجاهها..
تحركت يده تعزف مرة أخرى بطريقة مختلفة تمامًا عن الأولى يتعمق في نثر الورود على شفتيها ثم أصبح لا يدري ينثر عليها وروده أو يأخذ منها رحيقها ينعش نفسه به..
حركها ناحية الفراش خطوة واحدة لا يستطيع فصل قبلته عنها ولا يعرف طريق الإبتعاد، منذ عامان وهي سبيله الوحيد للتنفس، طريقة الوحيد ليطفأ رغبته الجامحة، سبيله الوحيد ليعبر عن عشقه ورغبته بها، طريقة الوحيد الذي يرمي به مرارة أيامه وركنه الأمن الذي يلتقط أحزانه بكل رحابة صدر لتبدلها إلى أفراح وسعادة..
حاولت دفعه بخفة فابتعد على مضض ناظرًا إليها بضيق وهي تقف بعيدة عنه يسألها:
-ايه
وضعت يدها بجانب خصرها تقف بزاوية تحرك قدمها على الأرضية ترمقه بتمعن ثم سألته بضيق:
-روحت تجيب بنت عمتك
خلع جاكت بدلته يُلقيه جواره على الفراش ينظر إليها باستغراب وأجابها بصدق:
-أروح إزاي وطيارتها أصلًا فاضل عليها ربع ساعة علشان توصل المطار
ضيقت عينيها عليه تسأله بشك:
-وخلعت منهم إزاي
أشار لها بيده مُتنهدًا بقوة:
-قولت لأبويا واحد صاحبي عمل حادثة ولازم أكون معاه وقولتله يبعت زيدان
أبعدت يدها عن خصرها ورفعتها تبعد خصلات شعرها إلى الخلف قائلة بسخرية:
-ما كان زيدان يروح من الأول
عاد إلى الخلف على الفراش يستند بمرفقيه يبصرها بجدية وأجاب بثبات:
-أنتي عارفه زيدان أخويا شايل ايده من كل حاجه غير مراته اللي بتغير عليه من الهواء الطاير على أساس أن مافيش زيه
أقتربت تقف أمامه بمظهرها الأنثوي الخلاب الذي خطف أنظاره وسلب لُبه منه تُشير بيدها إلى صدرها الأبيض البض قائلة بغنج ونبرة ملتوية:
-يعني مراته تغير عليه وأنا مغرش عليك
عاد يعتدل يُسيل لعابه وهو ينظر إليها بهذه الطريقة، إلى اليوم ومنذ عامان لم يشبع رغبته منها، ولم يمل من النظر إليها، إلى اليوم ومنذ عامان تتربع على عرش قلبه:
-دي واحدة مجنونة يا مهرة قلبي بتغير عليه من بنت عمته ومن أي حد
قالت بشراسة وحدة وهي تقترب تُميل عليه:
-أنا كمان مجنونة زيها وبغير عليك من نفسي
كانت تنحني عليه بجسدها فوضع يده الاثنين حول خصرها يقترب بوجهه منها يستنشق أنفاسها الشهية ليخرج صوته بلين:
-أنتي تعملي أي حاجه يا حبيبتي اتدلعي براحتك
دفعته للخلف ليبتعد إلى الوراء ممددًا على الفراش ثم صعدت على الفراش تجلس على قدميه تنحني عليه قائلة بقوة:
-تعرف لو مكنتش جيت والله كنت هنكد عليك لشهر قدام
رفع يده لتسير أنامله على وجنتها برقة تشعرها بلمسات الفراشات وأتى صوته العذب على أذنها يقول بعشق خالص:
-أنا أقدر مجيش يا حبيبتي.. وغلاوتك عندي اليوم اللي بنام فيه بعيد عنك بحس إني نايم في جهنم.. الجنة جنبك أنتي بس يا مهرة
ابتسمت باتساع وتغيرت ملامحها التي أنفرجت البهجة بها قائلة بحب:
-بتعرف تثبتني كل مرة يا چو
عقب بحب وحنان بالغ:
-قلب چو والله
غمزها بعينيه البُنية الوقحة مُشيرًا برأسه ناحية الفراش:
-تعالي بقى
أعتدلت وهي تجلس فوقه بتذمر ناظرة إليه بضيق وخرج صوتها المُمتعض:
-ايه اللي تعالي بقى.. ملفتش نظرك السرير؟ والشمع اللي ملحقتش أولعه؟ ملفتش نظرك شكلي!
أعتدل جالسًا على الفراش وهي تجلس على قدميه مُعاكسه لجلسته لتبقى أمامه فأحاط جسدها بيده مذهولًا:
-شكلك؟ أنتي مجنونة فعلًا بقى
سألته باستغراب ولم تفهم ما الذي يرمي إليه:
-ايه
وزع بصره على كافة ملامحها الجميلة الجريئة وخصلات شعرها الغجرية التي تجذبه إليها بكل حب وشغف فقال بغرام توصل إلى الجنون:
-أنتي مش عارفه إني مغرم بيكي وبشكلك
مال عليها أكثر ليستنشق رائحتها بقوة مغمضًا عيناه باستمتاع يكمل بهيام:
-وبريحتك
مالت برأسها عليه قائلة بشغف سعيدة بدلاله لها وغزله الذي لا ينتهي:
-علشان عمال تثبت فيا من وقت ما دخلت هدلعك.. النهاردة أنت بتاعي
قال بيقين يجيبها مُتأكدًا من حديثه:
-أنا كل يوم بتاعك
ابتسمت تعرف ما الذي يرمي إليه هذه المرة ذلك الوقح فتغاضت عن كلماتها وقالت بلهفة وشهيتها مفتوحة:
-جيبالك أكل هتاكل صوابعك وراه.. ناكل الأول بقى
استنكر قائلًا بقوة:
-هو أنا لسه هاكل.. تعالي هنا
أنهى كلماته مُبدلًا وضعهم سويًا يلقي بها على الفراش يقترب منها بلهفة وشوق شديد وكأنها المرة الأولى التي تكن بين يده، منذ عامان وهي هنا بين يديه وتحت أمره ولكن والله دون مبالغة في كل مرة يشعر وكأنها الأولى لا ينطفئ شغفه تجاهها ولا يقل شوقه لها.. لا يتغير حبه وعشقه لها إلا بالمزيد ولا يشعر بغرام تعدى غرامه لها..
كالأسد الجائع انقض على فريسة لم تكن سهلة الصيد أبدًا بل كانت تراوغ وتكابر تقترب تارة وتبتعد الأخرى تعلم كيف تأسره وتجذبه نحوها تروي ظمأ قلبه وتشعل رغبته تجاهها، تلقي الجمر على جسده بكل قوة ليشتعل مُطالبًا القرب منها أكثر من اللازم..
تعرف كيف تسعده وتلبي كل رغباته، تأخذه في جولات عديدة جامحة تجعله لا يرى غيرها، جريئة إلى الحد الذي جعله لا يريد سواها ولا تبصر عيناه غيرها بجمالها ورقتها..
كانت هذه إحدى الجولات الجامحة الفريدة من نوعها، بها يلقيان أنفسهم داخل أعماق مُحيط تتخبط أمواجه بشراسة شديدة ليسلب منهم أنفاسهم المحبوسة داخل صدورهما، ترفعهما الأمواج وتنخفض بهما إلى أن وصلوا إلى المرسى لتملأ أنفاسهم اللاهثة الغرفة بجموح لا مثيل له وكأنه شعور جديد لأول مرة..
اعتدل على الفراش يستند إلى ظهره يسترد أنفاسه الذي فارقته وهي بين يديه يأخذها بين ذراعه مُحتضنًا إياها بحب..
استكانت بهدوء تلتقط أنفاسها هي الأخرى ثم رفعت بصرها تنظر إليه تراه يفتح درج الكومود المجاور للفراش ناحيته يخرج منه علبة من السجائر ليأخذ واحدة يضعها في فمه ثم أشعلها يستنشقها بشراهة وأخذها بعدها بين أصابعه لينفث دخانها بمرح في وجهها بعدما نظر إليها..
ضربته بقبضة يدها على صدره قائلة:
-بطل رخامة
لم يجيبها بل ابتسم ناظرًا إليها بهدوء ليستمع إلى حديثها الجاد وهي ترمقه بتهكم:
-أنت بقى جيت علشان خوفت مني أنكد عليك ولا علشان ايه
أعتدل جالسًا يبعدها عنه ثم ترك السيجارة من يده على الكومود لينظر إليها بحدة وعصبية قائلًا:
-خوفت منك؟ أنا من امتى بخاف منك ولا من امتى ضعيف قدامك
أبصرته بجدية تنظر إلى تحوله الغريب والمفاجئ لتحرك شفتيها تود التحدث ولكنه قاطعها بحدة:
-أنا مجتش خوف ولا ضعف مني وأنتي عارفه كده كويس أنا جيت علشان متحسيش إني بقيت حد تاني عليكي مع أن كان ممكن يحصل مشكلة وأنتي عارفه ده كويس بس بردو جيتلك
أكمل ينظر إليها بقوة يخترق عيناها الرمادية ببنية عيناه:
-مش علشان سامحلك تاخدي راحتك معايا في الكلام وتتصرفي كأنك المتحكمة يبقى تقولي كده أنا ممكن أوقف كل ده في لحظة واحدة يا مهرة.. بس أنا سايب ده كله بمزاجي علشان مش عايز ازعلك
رفعت شرشف الفراش تغطي جسدها وهي جالسة أمامه تنظر إليه باستغراب جلي وخرج صوتها مبحوحًا:
-أنت قفشت ليه هو أنا بقولك كده قدام حد غريب أنا بكلمك أنت
أجابها برفض تام لحديثها بعصبية:
-لا قدامي ولا قدام حد غريب.. بلاش جنان واعقلي كلامك قبل ما تقوليه
أومأت إليه بضيق وانزعاج شديد تنظر إليه لا تصدق تغيره المفاجئ من بضع كلمات قالتها بسخرية ومرح:
-حاضر يا يوسف.. حاضر
همت بالإبتعاد عنه لكنه لم يسمح لها يجذبها نحوه مرة أخرى يغمرها بين ذراعه وجسده قائلًا:
-تعالي هنا رايحه فين.. مش جيت علشانك يبقى متقوميش من جنبي
رفعت بصرها إليه وخُصلات شعرها مبعثرة حول وجهها فقال بجدية محاولًا اغاظتها:
-بلاش قمص
تفوهت بحدة تخترق عيناه بقسوة:
-شوف بتتكلم إزاي
مد يده يأخذ السيجارة مرة أخرى واضعها بين شفتيه يستنشقها ثم زفر الهواء مُتحدثًا باتزان:
-وأنتي مش بتشوفي نفسك يعني ولا علشان بفوتلك يا مهرة قلبي
سخرت من تلقيبه لها بـ “مهرة قلبه” بعد أن هب بقسوته عليها:
-مهرة قلبك آه
جذبها أكثر إليه ويده تعبث بها قائلًا بغرام:
-وغلاوتك عندي مافي مخلوق في قلبي غيرك.. بلاش قمص بقى
أومأت إليه برأسها لتميل بها على صدره تحتضن خصره:
-ماشي
أغمضت عينيها بهدوء وهي محاصرة إياه شاعرة بالراحة والأمان جواره وكأنها تملك العالم بين راحتي يدها لا تريد أكثر منه ولا أكثر من قربه وحبه لها وذلك الغزل والعشق الذي يغدقها به..
دقايق مرت وهو يقضي على سيجارة ويأخذ الأخرى دون وعي منه لما يفعل فقد انشغل عقله بالتفكير، أخفض بصره إليها ليجدها قد ذهبت بالنوم تاركة إياه وحده، كيف سكرت بهذه الطريقة لقد كانت تتحرك بكل حيوية ونشاط ولم تكن تريد النوم.. ولكن وجودها جواره دائمًا يفعل ذلك عندما تشعر بالأمان..
شرد بعقله وهو يأخذ سيجارة أخرى يسترجع أخر نقاش خاضه مع والده منذ أسبوعين..
“دلف “يوسف” إلى مكتب والده في المقر الرئيسي لأفرع شركاتهم، أغلق الباب من خلفه وتقدم ليجلس أمامه على المقعد ينظر إليه باستفهام بعدما استدعاه
ظهر والده الذي كان رجل تخطى الستون من عمره، أكل الشيب رأسه، ملامحه حادة قاسية تزينها تجاعيد كثيرة، صارمة إلى الحد الذي يجعلك تهابه من نظرة واحدة..
سأله “يوسف” ينظر إليه باستفهام:
-في حاجه!.
جلس والده مُعتدلًا ورمقه بقوة ثم خرج صوته الصارم قائلًا:
-نورا بنت عمتك جاية من السفر بعد أسبوعين طبعًا أنت عارف هتعمل ايه
امتعضت ملامحه عندما علم ما الذي يتحدث به ولكنه راوغ في الحديث قائلًا:
-لأ مش عارف
سخر منه والده يُبصره بقوة وحدة:
-أنت هتتلائم عليا يا يوسف
عاد ينظر إليه بجدية شديدة ثم تقدم للأمام قائلًا بقوة وصوتٍ حاد:
-لأ مش بتلائم بس أنا سبق وقولتلك نورا مش مناسبة ليا وأنا رافض جوازي منها.. أنا مش صغير علشان أنت تختارلي شريكة حياتي
أجابه الآخر بلا مبالاة تامة لحديثه وكأنه لم يستمع إليه من الأساس:
-أنا أدرى بمصلحتك واختارت بنت عمتك علشان تتجوزها
سأله بقوة وغضب:
-مختارتش لزيدان مراته ليه
ظهرت التفرقة بين الأبناء من قِبل والدهم عندما قال ببرود وهدوء تام ينظر إليه بسخرية:
-زيدان يعمل اللي هو عايزة ومراته مناسبة لينا ولعيلتنا
هب “يوسف” واقفًا فلم يحتمل حديث والده الذي يأكل قلبه في كل مرة مفرقًا بينه وبين شقيقه على الرغم من أنه هو الذي يحمل على عاتقه أعباء العائلة ومشاغلها، صدح صوته المُرتفع الغاضب:
-اشمعنى هو يعمل اللي عايزة وأنا لأ.. أنا اللي شايل شغلكم كله فوق دماغي وهو حاطط ايده في الماية الباردة بس هو المفضل عندك وبراحته وعلى كيفه لكن أنا لأ ليه
رفع والده وجهه إليه يقول ببرود:
-أنت الصغير أنا أدرى بمصلحتك لازم أحافظ عليك
تهكم الآخر ساخرًا يلوي شفتيه ليصيح بهمجية:
-أنت بتحافظ على الثروة مش عايز عمتي تدي مالها لبنتها وبنتها تديه لحد غريب صح
وقف والده هو الآخر تتحول ملامح وجهه إلى أكثر من القسوة والحدة يصرخ عليه:
-أنت إزاي بتتكلم معايا بالجرأة دي
أخذ نفسٍ عميقٍ مُحاولًا أن يهدأ نفسه وزفره بقوة وعنف يبتعد عن والده ونظرته نحوه ثم شعر بالآسف تجاه صراخه عليه فقال:
-أنا آسف.. بس أنا مش عايز اتجوز نورا
هدأ الآخر عندما اعتذر منه وحاول أن يقنعه باللين مرة أخرى:
-نورا الوحيدة المناسبة ليك.. مال وجمال وبنت عمتك وإحنا عارفينها كويس أحسن ما تروح تجبلنا واحدة من الشارع
أقترب يقف أمام مكتبه مُتسائلًا بذهول:
-ليه من الشارع معرفش أجبلك واحدة بنت عيلة غيرها
ابتسم والده وتحركت تجاعيد وجهه وهو ينظر إلى سواد عيناه ونظرته المُرعبة نحوه مُتفوهًا:
-علشان أنت رمرام ومش بتحب غير بتوع الشوارع
أومأ إليه برأسه بعدما وجده مُصر على التكملة فيما قال وبدأ فتحدث “يوسف” وهو يبتعد:
-تمام.. أنا قولتلك اللي عندي أنا مش هتجوز نورا
أوقفته كلمات والده التي خرجت منه بنبرة صوت قاسية مشتعلة بالعنف والغلظة ضاربًا على سطح المكتب بيده:
-قسمًا عظمًا لو كلامي متنفذش لهوريك أسود أيام حياتك يا يوسف.. أنت عارف أبوك يقدر يعمل ايه
يعلم ما الذي يستطيع فعله والده، يعلم أنه تعدى مرحلة القسوة بكثير، رجل يحمل جبروت العالم أجمع وغلظة العالم بقلبه وإن فاضت تكفي الكون كله، يعلم أنه يستطيع أن يُمحيه من على وجه الأرض، استدار يرمقه مخترقه بعيناه يقول بسخرية:
-هتأذي ابنك مثلًا
أشار إليه بإصبع يده السبابة بمنتهى القسوة صارخًا:
-هأذيك أنت واللي خلفوك وبردو كلامي هيمشي في الآخر مش هيجي حتة عيل زيك يكسر كلامي..
تابعه بحدة ليكمل بغلظة وجمود:
-فكر كويس أنا في لحظة أسحب منك حياتك وفلوسك وكل الخير اللي أنت عايش فيه ده وعارف أن ده مش هيأثر عليك علشان كده مش هكتفي يا يوسف.. أعقل أحسنلك
ظل ينظر إليه، يتابعه باستغراب، أهذا والده!؟ بقيٰ ينظر إليه بذهول واستنكار لأمر أن يكون والده، لما يعامله بهذه القسوة؟ لما يفضل شقيقه عليه؟ على الرغم من كونه هو الذي يفعل لهم كل شيء يُلقي نفسه أسفل أقدامهم احترامًا لأجل أنهم أهله!..
ماذا إن رفض! يستطيع الرفض وبكل حرية، يستطيع أن يترك كل أمواله والخير الذي يتحدث عنه ولكنه لا يستطيع تركها…
ماذا إن حدث له شيء على يد والده! سيتركها وحدها؟ يتركها تعافر بين البشر وحدها؟ يتركها تدافع عن عرضها وشرفها تدعس الأقدام فوقها!..
حرك رأسه بقوة نافضًا تلك الأفكار عن رأسه ثم ترك والده وخرج من غرفة المكتب”
عاد ينظر إليها بين يديه نائمة بسلام وهدوء بملامح جريئة وخلابة يبعثر أنفاسه عليها لهفة لقربها ولمستها..
ضمها إلى صدره أكثر يشعر نفسه بوجودها جواره في كل الأوقات والآن بالتحديد وهو لا يستطيع الاختيار، يستطيع الرفض الآن ليس غد ولكن كل ما يشغله هي..
إن حدث له شيء حتى وإن لم يقتله والده لن تستطيع رؤيته، لن تستطيع أن تقف جواره وتكن معه وإلا كانت في عداد الموتى على يد ذلك القاسي المُتجبر..
لن يستطيع أن يقف أمامه فقط لأجلها، لن يظهرها لأحد ولن يدري بوجودها أحد، سيحاول أن يجد حلًا أخر غير الموافقة على هذه الزيجة ليبتعد عنهم، قلبه وروحه وجسده لن يستطيعوا أن ينظروا إلى إمرأة غيرها فقد ملكت قلبه وتربعت على عرشه إلى أن لقبها بـ “مهرة قلبه”..
قبل أعلى رأسها بحب وحنان يفكر بها هي.. هي فكرته الأولى والأخيرة لا يهمه أحدًا سواها ولن يشغله شعور أحدًا سواها..
“صدفة كانت عابرة ألقت به في درب الغرام فلم يستطع أن يخرج منه إلا عاشق ولهان، تحاربه الجنود بأسلحه قاتلة من جميع الإتجاهات فلم يفكر بحماية نفسه يومًا بل كان يحمي من وقع بعشقها قتيلًا حرًا مُخيرًا”
❈-❈-❈
فتح عيناه في الصباح بعدما اكتفى من النوم جوارها، رفع جفنيه ليجدها تتكأ بمرفقها على الفراش تنام عليه بجانبها تنظر إليه بهيام وعشق، ابتسم بوجهها ثم خرج صوته مبحوحًا من أثر النوم:
-أنا حلو للدرجة دي
أجابته رافعة أنامل يدها على وجهه تمررها بحنان ورقة بالغة تنظر إلى عيناه البُنية وملامحه الرجولية الوسيمة ثم أردفت تغازله:
-أحلى راجل في الدنيا والله
أمسك بكف يدها يرفعه إلى فمه ثم قبلها بحنو ورقة وقال بهدوء:
-بحبك يا مهرة قلبي
مالت عليه تقبل وجنته اليُسرى بشغف والحب يفيض منهما ثم أردفت بدلال وغنج:
-وأنا دايبة فيك
ابتسم إليها باتساع راضي تمامًا عن حياته معها وسألها بجدية متذكرًا عمله:
-الساعة كام
أجابته بهدوء:
-عشرة يا حبيبي
جلس سريعًا على الفراش عندما استمع إلى إجابتها قائلًا بذهول وهو يقف على قدميه:
-ياه دا أنا اتأخرت أوي.. أنا نمت كل ده
وقفت أمامه بالناحية الأخرى من الفراش تنظر إليه باستنكار تهتف:
-اتأخرت ايه يا يوسف لسه بدري وبعدين أنت مأكلتش امبارح أفطر معايا وأمشي
أبتعد يخرج من الغرفة سريعًا على عجلة من أمره ليدلف المرحاض المجاور لها فلم تكن تحتوي عليه في الداخل:
-مش هينفع يا مهرة عندي شغل واتأخرت هنا هاجي بالليل يا حبيبتي وناكل سوا
ذهبت خلفه تقف أمام باب المرحاض عندما وجدته دلف إلى الداخل قائلة برجاء:
-علشان خاطري يا يوسف خليك شوية
خرج بعد لحظات وجهه مبلل يجففه في منشفة صغيرة ثم رفع بصره إليها قائلًا بهدوء وصدق:
-حبيبتي خاطرك غالي بس مش هقدر بالليل هعوضك والله هاجي بدري ونتعشى سوا
استمع إلى ردها المُمتعض وهو يعود إلى الغرفة:
-طيب يا يوسف
وقف أمام الفراش يرتدي ملابسه على عجلة من أمره كي يعود سريعًا إلى الشركة قبل أن يكتشف والده تأخره:
-معلش متزعليش بس أنا اتأخرت في النوم
أومأت إليه برأسها عندما شعرت أنه مغلوبٍ على أمره ويريد أن يكون معها ولكن لا يستطيع:
-مش زعلانه خلاص
توجه إلى المرآة يمشط خصلات شعره ويهندم ملابسه ثم أخذ أشياءه الخاصة بيده سريعًا وتوجه إلى الخارج ولكنه عاد بخطوات واسعة يقترب منها ينحني ليقطف وردة من بستان شفتيها ثم رفع رأسه يقبل جبينها بكل حب وحنان وقال بلهفة:
-بحبك
ابتسمت تُبادلة تلك المشاعر التي تكوي قلوبهما ولكنها تغاضت عنها قائلة بمنتهى الحب:
-وأنا دايبة فيك
اتسعت ابتسامته وهو يبتعد مودعًا إياها ذاهبًا إلى عمله حيث إحدى شركات والده، أو بالأحرى شركات عائلة “رضوان” الخاصة بـ
ابتسمت بهيام تفكر به ثم جلست على الفراش خلفها تنظر في أثره لتجذب الوسادة التي كان ينام عليها ترفعها إلى أحضانها تستنشق رائحتها بوله مغمضة عينيها باستمتاع شديد شاعرة بأنها تمتلك كل ما تطالب به العالم بين يديها وهو معها..
عامين من الحب والغرام ولم يقل ناحيته يومًا بل يزداد إلى أن تضخم بقلبها فلم تعد تجد مكان به لأي شعور آخر، لا يحوي إلا حبه الكبير وتعلقها به، لا يحوي إلا قلقها عليه وتمسكها الشديد به..
لا يحوي قلبها أي شيء يخص أي أحد آخر غيره فهو العالم ومن به، هو لها الأمن والأمان الزوج والحبيب الأب والشقيق، كل ما يتمثل به البشر من صفات ومشاعر وجودية تمتلكها وفقط على يده هو..
عادت للخلف تُميل على الفراش ممدة وهي تحتضن الوسادة تفكر به وبعلاقتهما الفريدة من نوعها.. تفكر به هو فقط تنتظر عودته إليها على أحر من الجمر
❈-❈-❈
-أنا مش عارف أعمل ايه يا عز
نطق تلك الكلمات بحيرة وعاد إلى الخلف يستند بظهره إلى ظهر المقعد يمسك بالقلم بيده يحركه بين أصابعه وأبتعد بعيناه إلى الفراغ..
كان صديقة “عز” يجلس أمامه على المقعد المقابل له، صديقة المقرب والأحب إليه، أقرب إليه من شقيقه “زيدان” أخذ بقلبه هذه المكانة بعدما نجح في أن يكون فيها بدلًا من شقيقه..
أتاه الرد منه بمنتهى الجدية وهو ينظر إليه:
-أنت قدامك حلين اتنين مافيش غيرهم وكل واحد ليه نتيجة مختلفة
أومأ إليه برأسه بالايجاب متأكدًا من الحديث الذي سيلقيه عليه فهو يعلم الحلول الذي أمامه وتوابعها:
-عارف
تنهد الآخر يعتدل على المقعد ليوجه بصره بالكامل إليه، قال بهدوء وجدية يوضح له جميع النقاط المخفية لتكن ظاهرة أمامه على خريطة تفكيره:
-خليني اوضحلك يا يوسف.. الحل الأول هو إنك تتجوز نورا بنت عمتك على مهرة وتسمع كلام أبوك لأن أنا وأنت عارفين هو ايه ويقدر يعمل ايه كويس أوي وبكده تبقى بتتلاشاه
لوى شفتيه بيقين ثم أكمل حديثه بتأكيد:
-مهمتك لإقناع مهرة هتبقى صعبة أوي وممكن تطلب الطلاق بس أنت تقدر عليها هي ومتحاولش تخبي لأن البلد كلها هتعرف إنك اتجوزت وفرحك هينزل على السوشيال
تنهد مرة أخرى زافرًا أنفاسه بيأس وحزن على صديقه الذي وقع بين مخالب والده القاسي:
-أما الحل التاني إنك تعارض أبوك وترفض جوازك منها وقتها مش هيسمي عليك ولو حصلك حاجه أنت عارف أنها هتبقى لوحدها مش هتقدر حتى تطمن عليك ومن الناحية التانية أبوك لو عرف بوجودها مش هيسمي عليها هي
وقف “يوسف” على قدميه تاركًا القلم على سطح المكتب وتوجه إلى النافذة ينظر منها إلى الخارج لتخرج الكلمات منه بجدية وصدق:
-أنا تايهه. أنا مش ضعيف أقدر أخدها وأبعد عنه أقدر استغنى عن فلوسه وكل حاجه تخصهم بس أنا عارف هو واصل لحد فين
استدار ينظر إليه مجعدة ملامحه بالحزن والأسى مُعترفًا أن والده أقوى منه وهذا ليس عيبًا بل العيب أن يكابر ويقف أمامه دون أسلحة ليقع قتيلًا أسفل قدميه:
-هبقى بكدب على نفسي لو قولت إني أقدر أقف في وشه لازم أعترف أنه أقوى.. لازم أشوف الواقع اللي قدامي
أكمل بحزن طاغي على كافة ملامحه وهو يتذكر كل ما حدث معه:
-جبروته وقسوة قلبه عدت الحدود كلها.. أنا لو مكنتش راجل وقدرت اتخطى كل حاجه حصلتلي مكنتش هبقى واقف هنا.. ولا حتى كنت هفضل تحت طوعه وأيده اللي بيعتمد عليها.. واحد تاني غيري كان بقى قاسي.. كان يسيبهم ويمشي
تنهد بعمق يخرج من صدره الهواء الذي كتم به أنفاسه قائلًا بعشق خالص وحب لا نهاية له لا يمتلكه أحد بالعالم سواها:
-وكمان مقدرش أخسر مهرة.. أنا محدش حبني غيرها بس أنا خايف عليها
توجه ليجلس على المقعد مرة أخرى يستند بيده على سطح المكتب ناظرًا إلى صديقه قائلًا بصدق وحنان:
-والله مستعد أضحي بنفسي وحياتي علشان خاطرها.. خايف ابقى أناني لو رفضت اللي هو عايزة
أبعد يده إلى رأسه مخللًا أصابعه الغليظة بين خصلات شعره بقسوة زافرًا بعنف وغضب:
-أنا حاسس إن راسي هتنفجر من التفكير
تحدث “عز” بنبرة خافتة حزينة ولكنه حاول التخفيف عنه:
-سيبها لربنا يا يوسف.. هتتحل
أومأ إليه داعيًا أن تحدث المعجزة ويتحول والده، ثم أكمل على مضض بجدية:
-يارب.. بقولك ايه ابقى هات آية مراتك وتعالي عندنا شوية علشان كلت دماغي
وقف على قدميه متوجهًا إلى الخارج ليكمل عمله وأومأ إليه قائلًا:
-ماشي هجيبها ونيجي.. وأنت متفكرش كتير هتتحل
أجابه بهدوء واتزان:
-ربنا يسهل
تركه صديقه في ظلمات التفكير ورحل، دون أن يرشده إلى خريطة الحلول ليتوصل إليها ثم يعود خارجًا منه، تركه وعقله يكاد ينفجر يحدث نفسه بأن ما به ليس ضعف بل قوة لأنه اعتراف على عدم قدرته لمجابهة جبروت والده إلا إن قتله وهو لن يفعل ذلك..
يحدث نفسه بأنه يستطيع أن يقف أمامه ولكنه يخاف من عواقب تلك الفعلة عليها هي، ويخاف من أن ينظر لغيرها فلا يستطيع التكملة وتفصح عيناه عن عشقه لأخرى فتقع العائلة في ظلمات الشر..
❈-❈-❈
“في المساء”
استعدت لاستقباله، مُرتدية قميص أحمر قاتم يحتضن خصرها وجسدها بالكامل بحملات رفيعة وفتحة صدر واسعة لا يغطي ركبتيها، تترك لخصلات شعرها الغجرية العنان ناثرة عطره المحبب على جسدها لتغريه وتقع به أكثر في ظلمات الغرام والرغبة..
نظرت إلى نفسها باغراء حدث نفسها بكم هي جميلة دومًا ما تلقي هذه الكلمات على نفسها لتشعر بمدى جمالها وتلك العيون التي تأسر الذي يبصرها بلونها الغريب ورسمة القطة المسحوبة المسحورة..
تأخر كثيرًا في العودة على غير العادة حاولت أن تحدثه أكثر من مرة لا يجيب فأخذت الهاتف مرة أخيرة لتهاتفه..
رفعته على أذنها تستمع إلى جرس الرنين لتمر ثوان ثم يأتيها الرد ولكنه لم يكن هو بل كان صوت أنثوي ناعم يخرج بدلال:
-الو.. مين معايا
ضيقت عينيها على الفراغ وعقلها مُنشغل بتلك التي معها على الهاتف فأجابتها قائلة بجدية وقوة:
-مش ده موبايل يوسف رضوان
تحدث الأخرى بغرور واستهزاء قد وصل إليها:
-أيوه هو أنتي مين
غضبت عندما استمعت إلى تلك النبرة التي تتحدث بها فصاحت بعصبية:
-اديهولي.. هو فين
أجابتها بدلال وتهكم في نفس الوقت قائلة دون خجل أو حياء:
-يوسف في الحمام بياخد شاور.. تحبي اديله الموبايل يا مهرة.. مش مهرة بردو
اختنقت اوداجها عندما استمعت إلى حديثها الوقح القذر، كيف له ان يكون بالمرحاض يستحم وهي معه في نفس الغرفة وتجيب على هاتفه، كيف له أن يسمح بهذا الشيء..
مؤكد أنها ابنة عمته تلك الشمطاء التي كان يتوجب عليه توصليها، ستكون هناك معه كل لحظة وهي هنا بين أربعة حوائط تنعي حظها العثر الذي أوقعها بهذه الورطة لتكون في السرداب مخفية عن الأعين..
كيف؟ لقد اشتعلت عروقها بالنيران وتدفق الدم يجري بعنف وقهر والغيرة تنهش قلبها قسوة..
أحمر وجهها للغاية وتبدل حاله من ذلك الثبات والهدوء والنظرة الجريئة الخلابة إلى حال آخر يختلف مئة وثمانون درجة بعدما أغلقت الهاتف بوجهها تلقي إياه على الفراش قبل أن تتحدث معها بأشياء ستأخذ بهم إلى الجحيم سويًا..
“أتاها سرداب الغرام مُغردًا بأشعار وقصائد الحب، وافقت مغشوشة بنظرات الهيام والوله، دون أن تدري ولجت به فرحة بما أتاها منه لتجد نفسها في النهاية مغرمة مقتولة بين حائطين لا يسودهما إلا الظلام والألم، لا إعلان بالحب ولا دقة فرحة، هناك فقط طبول تقرع تذكرها أنها هنا في طي الكتمان”.
❈-❈-❈

يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سرداب الغرام)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *