روايات

رواية نعيمي وجحيمها الفصل السابع عشر 17 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها الفصل السابع عشر 17 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها البارت السابع عشر

رواية نعيمي وجحيمها الجزء السابع عشر

نعيمي وجحيمها
نعيمي وجحيمها

رواية نعيمي وجحيمها الحلقة السابعة عشر

كتمثال من الشمع تجمدت محلها لا تتحرك ولا حتى ترمش بعيناها، لا تصدق أو تستوعب أن ماتراه إن كان حقًا أم أنه محض وهمٌ في خيالها وقد تشوشت الرؤية امامها، حتى عندما وصل إليها أباها ليقبلها من وجنتيها أمامه في عرض رخيص، اثار حنقها منه أضعاف ، قبل أن يسحبها من ذراعها لتجلس بجواره قريبًا من جاسر الذي كان يجلس مقابلهم بمسافة قريبة جدًا على الاَريكة البيضاء الضخمة بالغرفة الواسعة والتي تليق بجلوس جاسر مع كبار الزوار؛ وليس أباها الذي كان يهتف بسعادة:
– تعالي ياقلب ابوكِ تعالي، تعالي ياوش السعد انتِ، يكون في علمك ياجاسر بيه، زهرة دي جوهرة نادرة ومايعرفش قيمتها غير جواهرجي، واخد بالك ياباشا ؟
اومأ له بابتسامة عريضة جاسر:
– واخد بالي طبعًا يا عم محروس ، أمال انا اختارتها دونًا عن كل اللي اعرفهم ليه؟
خرج صوتها اَخيرًا بتساؤل لكليهم :
– هو في إيه بالظبط ؟ انا مش فاهمة حاجة.
– فيه الهنا وتحقيق الأماني ياحبيبة قلب أبوكِ، ياريت أمك الغالية كانت عايشة دلوقتِ، دي كانت هاتطير من الفرحة إهئ……
أردف محروس وقطع جملته يمسح بمنديله الدموع التي لم تراها زهرة ، ليكمل لجاسر الذي ظهر على وجهه التأثر:
– والله ياجاسر يابني ….
غمغمت الكلمة مع نفسها بعدم تصديق، تحدجه بنظرة نارية وهو يستطرد أمام جاسر الريان:
– مش انا بعز مراتي اللي هي على زمتي دلوقت ، لكن وربنا ماحبيت ولا هانسى أبدًا حبي لوالدة زهرة ربنا يرحمها يارب اهئ…..
قال جاسر أمام نظرات الذهول التي اكتنفت زهرة من الأفعال الغريبة لهذا الرجل المدعو أباها:
– ربنا يرحمها يارب ويصبرك ياعم محروس ، بس خلينا دلوقتِ بقى في المهم
– إيه هو المهم؟
سألت زهرة بنفاذ صبر ، فجاء الرد من جاسر:
– المهم يازهرة هو اني خطبتك من والدك ووافق .
ردت زهرة بتهكم وهي تنقل عيناها بين الاثنان:
– وافق على إيه بقى ؟ على جوازي منك في ألسر؟
– سر إيه يابنتِ ؟ هو احنا بتوع سر برضوا ؟ ايه اللي انتِ بتقوليه دا يازهرة؟
قال محروس بتشنج لم تصدقه زهرة والتي مالت اليه برقبتها ترمقه بنظره ساخرة قبل أن تلتفت على قول جاسر:
– أنا فهمت والدك يازهرة ظروفي ، احنا هانتجوز بمعرفة والدك وخالك واهلك اللي بتثقي فيهم ، بس هايتم في دايرة محدودة عشان الخبر مايوصلش للإعلام ، ودا طبعًا هايكون شئ مؤقت على ما اخلص أنا من مشاكلي مع بنت خالتي، اللي هي مراتي حاليًا .
– وأهلك ؟
خرج سؤالها بحدة ، فجاء الرد من جاسر بثقة:
– هاقول لوالدي ، أما والدتي فدي هاتتأجل شوية عشان بنت اختها ، لكن طبعًا هاعرفها بعدين على ما تهدى الدنيا والأمر يبقى واقع ، ها في حاجة تاني ؟
تدخل محروس بقوله:
– هايكون في إيه تاني بس ياباشا ؟ ماانت ظبطت الدنيا وكل حاجة تمام أهو .
بنظرة حانقة رمقت والدها قبل أن تلتفت الى جاسر تسأله:
– أيوة بس انت بتقول دايرة محدودة عشان مايوصلش الخبر للإعلام ، يبقى هاعرف ازاي انا بقى أهل حتتي وكل اللي اعرفهم ؟
أجاب بنظرة مسيطرة وهو يلوح امامها بسبابته :
– أنا قولت الناس الثقة من أهلك ، يعني مش اي حد وخلاص، وان كان على أهل حتتك؛ هما لازم يعني يشفوني ويعرفوا انا مين يعني ؟ ما كفاية عليهم يعرفوا انك اتجوزتي راجل مهم وخلاص .
– عندك حق ياباشا، دا انا ممكن حتى اقول إن اللي اتجوزها شيخ ولا أمير من الخليج، حد له عندنا حاجة؟
قال محروس وهو يدخل في الحديث مرة أخرى وأكمل على قوله جاسر بنظرة متحدية:
– انا كدة يبقى عملت كل انتِ طلبتيه يازهرة ، ولا عندك سبب تاني للرفض؟
أجفلها بسؤاله فانعقد لسانها عن الرد بكلمة مفيدة، فكيف ترد على شئ هي لم تفكر فيه من الأساس؟ فرفضها من البداية كان بناءًا على أمر يستحيل حدوثه مع عدم قبولها لدور الزوجة السرية ، أما الاَن فهو قرب المسافة بأسلوبٍ غريب جعله يرضى الطرفين، ولكن هي لم تحسب نفسها أبدًا طرفًا في قضيته !!
– هاا يازهرة ساكتة ليه ماتردي ؟
أجفلها جاسر بسؤاله الملح ، فجاء الرد من أباها :
– ودي عايزة مفهومية ياجاسر باشا ، دا حتى بيقولوا في الأمثال ان السكوت علامة الرضا ، ولا انت عايزني أفهمك ؟
أنشق ثغره بابتسامة فرحة ليقول بلهفة:
– خلاص يبقى نقرا الفاتحة ياعم محروس وخير البر عاجله .
– طبعًا ياباشا.
أردف بها سريعًا محروس قبل أن يرفع كفيه يقرأ بينهم سورة الفاتحة مع جاسر الذي انهاها سريعًا ليرمق زهرة بنظرة ظفر وانتصار لقرب حصوله عليها ، أما هي فكانت كالتائهة أو مخطوفة مما يحدث معها الاَن وهي لا تدري ان كان خطأ أو صواب.
……………………………..
بعد قليل
كانت جالسة على مكتبها تخطو بالقلم خطوطٍ كالدوائر على الورقة البيضاء أمامها ، مستندة بمرفق يدها الأخرى على سطح المكتب والتي استراحت عليها وجنتها وقد لف برأسها الشرود، بعد أن تركت جلستهم هاربة من شئ لازالت لا تصدقه ، تسأل نفسها عما حدث ، وعقلها لا يستوعب السرعة أو الطريقة التي تم بها خطبتها ؛ ياإلهي هى فعلًا أصبحت الاَن خطيبته ؟
– سرحانة في إيه؟
انتفضت عائدة برأسها للخلف وقد فاجئها بظهوره ، مقربًا وجهه منها وقد دنى برأسه نحوها ، تلعثمت في ردها مع هذا الوضع الغريب:
– ااا عادي يعني .
ردد خلفها بابتسامة بعرض وجهه:
– عااادي ؟ طب قومي يالا وحصليني على المكتب .
قال وذهب من أمامها على الفور ، بربرشت بعيناها خلفه تنظر في اثره باستغراب مرددة :
– هو إيه اللي بيحصل؟
…………………………….
في طرقة الطابق الأول للشركة كانت خارجة من إحدى الغرف التي سملت بها إحدى المهام الموكلة بها ، تتغنج بخطواتها كالعادة لتجذب أنظار الجميع اليها ، انتبهت على أحد الرجال من العملاء الذي التفت رأسه اليها وتركزت أنظاره عليها يشملها بنظرة إعجاب نثرت السعادة بداخلها، قبل أن يعود ليكمل طريقه دون الإلتفاف مرة أخرى أو التوقف وكأنه استكفى بالنظرة، زفرت داخلها بإحباط لعدم تحقيقها هدف حتى الاَن بهذه الشركة ، قبل أن تنتبه فجأة على رؤية خالها محروس وهو خارج من المصعد مع كارم مدير مكتب جاسر ريان في كل مجموعته وفي طريق خروجهم من الباب الرئيسي ، هرولت بخطواتها كي تلحقه ولكن المسافة كانت شاسعة ، ودت لو تخلع حذائها ذو الكعب العالي ولكنها تذكرت شكلها أمام عمال وموظفين الشركة ، فتحرك فمها بالهتاف بإسمه مع الحذر في نبرة صوتها :
– ياخالي استنى ياخالي ، ياخالي .
وصلت الى مخرج الشركة لتصعق برؤية خالها وهو يعتلي لداخل السيارة بجوار كارم؛ الذي انطلق على الفور ، دبت بقدمها على الأرض وقد اصابها الإحباط لعدم إشباع فضولها في معرفة مايحدث ، قبل أن تلتقي أنظارها بهذا الغليظ الذي كان متابعها وهو ينظر لها بابتسامته السمجة المعهودة ، همت لتتجاهله أو ترمقه بنظرة حانقة كالعادة ولكن عقلها أبى هذه المرة إلا أن يعلم بالذي يحدث من خلف ظهرها ، فردت وجهها تتصنع الإبتسام وهي تخرج من المخرج الرئيسي لتهبط الدرجات الرخامية القليلة حتى تذهب إليه ، انتبه هو فخطا مقربًا المسافة إليها :
– صباحنا نادي النهاردة، إيه ياقمر؟
اردف فور أن اقترب منها ، ردت هي تتصنع اللطف :
– صباح الخير ياا ، مرسي أوي على زوقك .
أطلق ضحكة ساخرة مرددًا :
– مرسي !! أخرابي ياما ههخخخ.
عضت شفتها غيظًا من هذا الرجل، والذي دائمًا مايشعرها بأنه يكشف ما بداخل عقلها ، تماسكت لتسأله :
– معلش يعني لو هاقطع عليك وصلة الضحك بتاعتك ، بس انا كنت عايزة أسألك عن الراجل اللي ركب العربية مع كارم دلوقتِ .
رد إمام على الفور:
– قصدك على عم محروس ابو الاَنسة زهرة ؟
برقت عيناها باللهفة بعد سماع كلماته فتشجعت تسأله :
– أيوة هو ، كنت عايزة اعرف منك بقى، إيه اللي جابه هنا ؟ وراكب مع كارم في عربيته كدا ازاي ؟
صمت قليلًا يدعي التفكير ثم انفغر فاهه بابتسامة مرحة يجيبها:
– ااا بصراحة معرفش .
ردت وهي تجز على أسنانها :
– يعني عرفت ان اسمه محروس وابو زهرة ، ومعرفتش السبب اللي جابه هنا ؟
– اَه .
قالها مقتضبة مع تساع ابتسامته ، مما أثار ازدياد حنقها منه ، وبدون كلمة استدارت وهي تتفتت من الغيظ منه، تطرق بكعبها العالي على الأرض الرخامية عائدة بعد أن فقدت الأمل باستدراجه في الحديث .
………………………….
فتحت باب مكتبه لتفاجأ بجلسته على طرف المكتب بابتسامة تنبؤها أنه كان في انتظارها ، استدرات لتغلق الباب خلفها وهي تتمتم داخلها :
– دا انا بايني هاشوف العجب في الأيام اللي الجابة.
عادت لتخطو نحوه بتردد ، وهي تموت خجلًا من نظراته المتفحصة لها ، حتى اقتربت منه تمُد يدها ببعض المستندات :
– اا دول عايزين إمضة.
تناولهم سريعًا ليُلقيهم بإهمال خلفه على سطح المكتب مرددًا :
– ودا وقت شغل دلوقتِ ، تعالي الأول اقعدي هنا قصادي عشان اكلمك .
برقت عيناها وهي تراه يمسك بكفها كأنه أمر عادي ليسحبها كي تجلس على الكرسي المقابل له أمام المكتب .
– إيه بقى وشك مخطوف كدة ليه؟
صمتت قليلًا قبل أن تُجاوب على سؤاله :
– لا يعني، بس انا مستغربة قوي اللي بيحصل ، لأنه بصراحة مكنتش اتوقعه .
اعتلى شفتيه ابتسامة رأئعة وهو يرد :
– لا صدقي وصدقي أوي كمان، انا طيارتي كمان ساعة أو اقل ، هاسافر أطمن على بابا واقوله بالمرة ، وبعد ما ارجع بقى كل حاجة هاتبقى رسمي.
إن كان يظن أن بكلماته طمأنها فهو واهم ، بربشت بعيناها وقد عاد دوار رأسها من جديد وهي تردد داخالها :
– رسمي!
انتبهت عليه ينهض فجأة يتناول حقيبته يلملم بها أشياءه ويهتف عليها :
– قومي يالا عشان أوصلك معايا في طريقي .
– توصلني فين ؟
سألت بعدم تركيز ، جعلته يضحك مرددًا لها :
– هاوصلك على بيتكم يازهرة ، أو بمعنى أصح السواق هو اللي هايوصلك بعد ما يوصلني انا على المطار ، قومي عشان تريحي في بيتكم ، انتِ شكلك تعبان .
لم تجادل معه ونهضت على الفور تنفذ أمره ، فاأقصى ما تتمناه الاَن ، هو الإستلقاء على سريرها او ان ترتمي داخل حضن رقية ملجأ أمانها .
…………………………………
كانت غادة تسرع بخطواتها كي تصل إلى زهرة بعد أن وصلت إلى طابقها ، لتسألها عن حضور أباها للشركة ، ربما وجدت عندها المعلومة التي ترضي فضولها ، التصقت بالحائط فجأة حينما رأتها تسير بجانب جاسر ، والذي تراه لأول مرة لا يسرع بخطوته كالعادة، بل ويتحدث بإريحية مع زهرة ، واضعًا كفهِ بجيب بنطاله ، تسمرت محلها تراقبهم حتى دلفوا لداخل المصعد فاشتعل رأسها .
– لااا انا قلبي كدة مش مطمن وحاسة أن في حاجة مش مظبوطة وبتحصل من ورا ضهري .
غمغمت بها قبل أن ترفع هاتفها لتتصل بوالدتها والتي أجابت على الفور:
– الوو … أيو ياغادة بتتصلي ليه؟
ردت على الفور :
– ايوة ياما ، في حاجات حصلت النهاردة في الشركة مجنناني وهاتخلي برج من نفوخي يطير.
– حاجات إيه يابت ؟
………………………………….
ترجل محروس من سيارة كارم أمام بناية منزله يردد بصوت عالي :
– اتفضل ياباشا اشرب شاي ولا خد واجبك .
اومأ له كارم بكفه وهو يتحرك بسيارته والاَخر يكرر بصوت عالي :
– طب ياباشا مع ألف سلامة ، مع السلامة .
ظل متابع السيارة حتى خرجت من الحارة ثم التفت على الجيران والبشر التي انتابها الفضول نحوه ، تنهد بصوت عالي وهو يسير بقلب الحارة منتفخ الصدر بزهو حتى وصل إلى القهوة مرددًا بصوت عالي أمام نظرات فهمي الذي كان يدخن الشيشة بجوار رجاله :
– واد ياحمامة فرق شربات على الحارة كلها ، حلاوة خطوبة بنتي ست البنات كلهم ، زهرة محروس .
صدرت الهمهمات مع ألأصوات المباركة وبعض الأسئلة الفضولية :
– الف مبروك يامحروس ، عريسها يبقى مين ؟ ياترى العريس من الحارة ، اومأ يرد بتفاخر :
– عريسها يبقى باشا كبير أوي من دولة عربية شقيقة .
القى جملته الغريبة فازدادت الأسئلة مع المباركات والتهنئة، وهو يجيب بزهو ويختلق قصص من وحي خياله ، حتى أجفله فهمي الغاضب ينكزه بكفه :
– هي مين اللي اتخطبت من الدول العربية ، انت بتتكلم بجد ياراجل انت ولا جاي تصيع علينا ؟
نفض كفه محروس يقول بشراسة :
– وانت مالك ان كنت بألف ولا اخترع حتى من دماغي ؟ فلوسك وخدتها عالجزمة القديمة ، لك إيه تاني بقى عندنا؟
توقف فهمي مزهولًا ، من فعل محروس الذي تجرأ عليه أمام البشر ، بوقاحة تأتي من ثقة بداخله .
تجاهله محروس وهو يبتعد عنه يردد بصوت عالي مرة أخرى:
– فرق يابني فرق وماتسبش حد من الحارة نهائي ، خلي الكل يعرف بالنسب اللي يشرف مش يعر؟
قال الاَخيرة وهو يرمق فهمي بنظرة معبرة ، زادت من غضب الاَخر ، والذي كان صدره يعلو ويهبط بتنفسه حاد
وفي الأعلى صفية كانت متابعة مايحدث من الشرفة ، التي تركتها لتذهب لرقية بالداخل هاتفة:
– اللحقي ياستي ، دا ابويا بيفرق شربات في الحارة ويقول ان زهرة اتخطب لراجل مهم من دولة عربية .
رددت خلفها رقية بعدم فهم :
– دولة عربية إيه يابت؟ وكلام فارغ إيه اللي بتهلفطي فيه؟ هو ابوكي اتجنن ولا اتلحس في عقله ؟
ردت صفية:
– والله ما اعرف ياستي ، انا بقولك على اللي شوفته وانا باصة من البلكونة حالًا دلوقتِ عالشارع تحت .
صاحت عليها رقية بغضب
– شارع! لهو كمان نشرها في الشارع، انزلي يابت روحي اندهيلوا بسرعة ، ولا هي حصلت كمان يخطبها من غير مانعرف، ناقص بقى يجوزها من غير علمي عشان اطين عيشته ان شاء الله بالمرة.
……………………………
بجوار مطار القاهرة الدولي ، توقفت السيارة التي تقلها معه ، وهي مازالت على حالتها من الصمت والشرود ، تومئ برأسها وهي تستمع إلى حديثه وحكاياته القديمة في السفر ، وسرده بعض العادات والطقوس الغريبة لبعض الشعوب ، حتى إذا سألها عن شئ ليسمع صوتها تجيبه باقتضاب ، وعدم تركيز ، فعقلها لا يستوعب حتى الاَن الشخصية الجديدة له، مازالت تبحث عن الرجل المخيف به
– إيه بقى ؟ احنا خلاص وصلنا كدة، يعني انا حالًا هانزل واسافر .
اومأت برأسها تقول له :
– تسافر وترجع بالسلامة ان شاء الله.
ردد بفرح :
– الله يازهرة حلوة الدعوة دي منك، كدة هاتخلي الواحد يسافر وهو مبسوط مرتين ، مرة عشان الدعوة اللي تجنن دي ، ومرة تانية عشان مجيتك معايا قبل ما اسافر ، ثواني كدة .
اردف الاَخيرة وهو يخرج من جيب سترته هاتفه ليفاجأها بالتقاط عدة صور لها ، ثم قال متغزلًا وهو ينظر للصورة:
– قمر ، رغم ان الأصل أحلى برضوا.
ردت بشبه ابتسامة صامتة وقد توقف عقلها من كثرة الصدمات ، حتى أجفلها بالقاضية حينما التقط كفها وقبلها مودعًا قبل أن يترجل من السيارة ليلحق بطائرته.
ظلت لعدة دقائق تنظر لكفها التي قبلها منذ قليل بذهول ، لا تصدق أن هذا هو بنفسه جاسر الريان .
…………………………….
حينما وصلت اَخيرًا وتوقفت ألسيارة أمام بنايتها ، ترجلت بصعوبة من هذا الدوار الذي أصاب رأسها بفضل الصدمات التي تلقتها اليوم ، شكرت السائق من قلبها أنه توقف أمام مدخل البناية تمامًا ، فقدرتها على السير أصبحت بالكاد تكفيها لتصعد الدرج وتصل إلى سريرها الحبيب ،
انتبهت على بعض الهتافات من خلفها فالتفت برأسها وهي تلج لداخل العمارة :
– الف مبروك يازهرة ، الف مبروك ياست العرايس ،
اومأت برأسها الى الجيران دون صوت رغم دهشتها ، لتعود بضعفها تكمل الطريق وهي تغمغم داخلها :
– هو لحق أبويا ينشر الخبر والناس تصدقه ؟ دا انا نفسي مش مصدقة .
حينما وصلت اَخيرًا للمنزل وجدت رقية في انتظارها متخصرة بتحفز وتقول :
– أهلًا بالسنيورة ، اللي بتتخطب من برا برا ولا اكن ليها بيت ولا أهل ربوها ؟
…………………….
– قرا فاتحتك وبقيتي خطيبته بجد؟
هتفت بالسؤال كاميليا بعدم تصديق، أكملت على قولها زهرة :
– وأخدني في عربيته إللي وصلتوا للمطار وباس على إيدي دي كمان وهو بيودعني .
قالت الاَخيرة وهي تلوح بكفها أمامها ، سألتها كاميليا بدهشة :
– طب ومالك طيب بتهرشي فيها كدة ليه ؟
– مش عارفة، بس هي بتاكلني من ساعتها .
سمعت الجملة كاميليا وانفجرت في الضحك على صديقتها التي مازالت تهرش بأظافر يدها الأخرى على كفها، تردد مابين ضحكاتها :
– على النعمة انتِ التوتر بتاعك دة هايجننك ويخلص عليكِ .
زفرت زهرة غير مستجيبة للضحك مع كاميليا وهي تشعر بصواب جملتها رغم مزاحها ، فقالت :
– ما انا حاسة فعلًا إني هاتجنن في الاَخر على فكرة .
توقفت كاميليا فجأة عن الضحك تسألها بتخوف:
– اعوذ بالله، ليه بس يابنتِ بتقولي الكلام ده ؟
تنهدت زهرة واضعة كفها على جبهتها وهي ترفع راسها للأعلى قبل أن تعود بأنظارها لكامليليا قائلة بتعب :
– طيب اعمل إيه ما انا تعبت ، دماغي متشوشة؛ كل ما افتكر الكروتة اللي تم بيها الموضوع، بحس ان اتعمل عليا كماشة ، خصوصًا كمان لما نبهتني رقية انه كان لازم يجي هنا البيت ويطلبني منها ، بس دا هايجي ازاي بس في بيتنا ده ، دا ممكن يخاف ما يدخله ليقع عليه ، انا كان مالي انا بالجواز أساسًا ووجع القلب دا كله، لا وكمان لما يحصل ، اتجوز واحد زي جاسر الريان ، الفرق بيني وبينه ، فرق السما من الأرص مابيني وبينه !
اقتربت كاميليا تهدهدها بلطف كي تخفف عنها:
– طب خلاص إهدي طيب، مش مستاهلة النكد دا كله ، اعوذ بالله انتِ اتحسدتي ولا إيه ؟ دا الحارة كلها هنا قايمة على سيرتك ، من ساعة ماوصلت ودخلت عندكم بعربيتي .
أردفت زهرة :
– مش موضوع حسد ياكاميليا ، انا الشعور دا حسيته من ساعت ماشوفت ابويا وهو قاعد قصاد جاسر في المكان دا اللي مخصصه لكبار الزوار عنده في الشركة ، حاجة كدة في منتهى الروعة ، وابويا زي ماانتِ عارفه لا شكله ولا لبسه يناسب القعدة وو…..
– يابنتِ مش كدة هاتعقدي نفسك.
قاطعتها كاميليا بحزم تُوقفها وتابعت :
– اتعلمي تفرحي بقى كدة شوية وزيحي الفكر الوحش دا من دماغك ، اللي انتِ فيه ده حاجة كبيرة أوي ، غيرك هايموت على نصها، طب انتِ مش عاجبك جاسر؟ او حاسة ناحيته بأي إحساس؟
صمتت قليلًا تفكر قبل أن تجيبها :
– هو بغض النظر عن إني دايمًا بخاف منه ومن هيبته كدة وشخصيته القوية أوي دي، بس انا أبقى عامية ومعنديش نظر لو قولت عليه وحش، دا عامل زي نجوم السيما ، دا غير كمان نبرة صوته التخينة دي تحسي كدة كلها رجولة و….
قاطعتها كاميليا تهتف بمرح:
– وإيه تاني يابنتِ ؟ ما انتِ حلوة اهو وعندك نظر كمان وبتفهمي ، أمال أيه لزوم بقى التعب ووجع القلب دا كله؟
ابتسمت لها زهرة بخفة قبل أن تتذكر :
– طب انا هاعمل إيه بقى مع رقية ؟ دي قالبة وشها مني ومش راضية تكلمني، ولا خالي دا كمان هاقنعه ازاي بقى بالموضوع ده ، وانا أساسًا مقلقة .
هتفت كاميليا وهي تنهض عن التخت وتجذبها من يداها لتنهض معها:
– بس بقى بلا مقلقة بلا زفت ، تعالي معايا وانا هاقنع رقية ان شاء الله وبعدها نشوف صرفة لخالك اخلصي يالا .
………………………..
وعند إحسان التي عادت من زيارة شقيقها لتعلم بالحقيقة الكاملة منه ، بعد سماعها للأخبار التي تواترت في الحارة بالإضافة إلى ما سمعته من غادة صباحًا والتي استقبلتها بلهفة سائلة:
– ها يامُا إيه الأخبار ؟
رمقتها إحسان بنظرة غامضة قبل أن تكمل طريقها حتى تجلس على اقرب المقاعد الذي وجدته أمامها ، تخلع شالها لتجفف به عرقها .
– في إيه ياما ؟ هاقعد ساعة مستنياكي ، ماتجاوبيني بقى وتريحيني .
هتفت بها غادة بنفاذ صبر ، ردت والدتها من تحت أسنانها :
– عايزاني اقولك إيه يابت الهبلة ؟ اقولك بقى ان العريس اللي بيقول عليه خالك من دولة عربية ، طلع هو نفسه البيه بتاعكم وإن زهرة اللي كنتِ بتتريقي عليها عرفت توقعه وتجيبه على بوزوا .
وكأنها صعقت بماسٍ كهربائي ، نهضت بجسد مهتز ، جاحظة العينان، فاغرة فاهاها بقوة ، لعدة لحظات قبل أن تتمكن من الهمس اَخيرًا:
– جاسر ياما ؟ انتِ تقصدي جاسر ولا حد غيره ؟
ردت إحسان بامتعاض وهي واضعة سبابتها على وجنتها :
– وانتوا عندكوا كام بيه بقى يابت الهبلة ؟
صرخت تندب وتضرب بكفيها على قدميها وقد اخرجتها الصدمة عن شعورها
– اهو دا اللي انا قلبه حس بيه من الصبح وكدبت نفسي ، اهو دا اللي كنت خايفة منه واهو حصل ياما.
هتفت إحسان بخوف عليها :
– براحة شوية لا تتلبسي ولا تأذي نفسك ، ساعتها هاتخسري وتخيبي أكتر ماانتِ خايبة .
توقفت تبكي بحرقة مرددة :
– طب اعمل ياما في حظي المايل ؟ دا انا مخلتش حاجة ، مكياج ، لبس ، شياكة ، حلاوة زي ما انتِ شايفة كدة ، ناقصني ايه بقى عشان هي تسبقني؟ دي مابتتعبش في حاجة خالص ، يعني ممكن تطلع كدة غاسلة وشها بس على الحجاب الكبير ده ، حتى من غير ما تظبطه على الموضة ، هي بتسحر يعني للرجالة ولا أيه بس؟ ثم انه هو دا كمان ازاي يرضى بيها؟ وهو بيشوف الستات اشكال وألوان ولا مراته ، اه صحيح مراته ، مراته ياما عارفة ولا لأ؟
صرخت بالاَخيرة بإدراك ، فكان رد والدتها بهدوء:
– لا يااختي مش عارفة ، عشان المحروس مش ناوي يقولها ولا يقول لامه كمان ، يعني هايخلي الجوازة عالضيق ، حتى أهل الحارة ماهيعرفوش بيه ، امال خالك النهاردة شاع في الحارة ان العريس باشا من دولة عربية ليه ؟
ردت غادة بغل:
– حلو قوي، يبقى انا بقى هاقول لمراته واوقف الجوزاة من أولها .
– عشان اكتم نفسك بإيدي واخلص عليكِ بالمرة.
تفوهت بها إحسان بقوة أجفلت غادة التي توقفت على قولها مندهشة وتابعت إحسان :
– ياخيبة ياهبلة ، سوا قولتِ لمراته او ماقولتيش الجوازة هاتمشي ، عشان شكل البيه بتاعك ده واقع في البت او عايز يطولها مش فارقة ، المهم احنا فايدتنا فين ؟ ولا انتِ فاكرة يعني لما تقولي لمراته انها هاتديكِ جايزة مثلًا ولا تجوزهولك انتِ ؟
– قصدك إيه ياما مش فاهمة؟
سألتها غادة بتشتت ، أجابت إحسان بمكر:
– هاقولك ياختي ، ماهو المثل بيقول إيه؟ من جاور السعيد يسعد ، ومين عارف ؟ مش يمكن اللي خلاه يبص لزهرة، يخليه برضوا يبصلك انتِ ؟
انطلقت غادة مهللة بلهفة:
– بجد يامُا ، طب ماتفهميني والنبي ، ينوبك فيا ثواب ياشيخة.
اومأت لها إحساس بخبرة وحنكة تقول:
– هاقولك !
…………………………..
في القرب من منتصف الليل كانت في سُبات نومها العميق حينما صدح الهاتف بجوارها بدوي صوت ورود مكالمة، ظلت للحظات تقاوم الإستيقاظ ، ولكن مع استمرار الصوت رفعت رأسها عن الوسادة بنصف وعي تتناول الهاتف من اعلى الكمود بجوارها لترد بصوت ناعس دون أن تنظر لرقم المتصل :
– الوو… ايوة مين ؟
– انتِ لحقتِ تنامي ؟
على الفور انفتح جفناها بإدراك بعد سماعها لنبرة صوته الأجش، ابتلعت ريقها لتسأل بريبة رغم علمها الأكيد بصوته وقد ذهب النوم بلارجعة :
– مين معايا ؟ جاسر بيه؟
وصلها صوت ضحكة مسترخية منه قبل ان يرد :
– يعني عرفتيني اهو ، طب ايه لزوم السؤال بقى؟
صمتت تعض على شفتها السفلى من الحرج، واستطرد هو :
– عاملة ايه ؟
قطبت مندهشة من سؤاله الغريب في هذه الساعة المتأخرة من الليل ، ثم أجابت برسمية :
– الحمد لله كويسة حضرتك .
– إيه حضرتك دي ؟
أردف بالسؤال وتابع لها :
– هو احنا في لسة مابينا رسميات ولا إيه؟ إيه يازهرة ؟.
– ايوة ياجاسر بيه .
اجابت بسجيتها لتفاجأ برده :
– إسمي جاسر بس يازهرة ، تعرفي تقولي جاسر بس ؟ عايز اسمعه منك دلوقتِ.
– هو إيه؟
– إسمي يازهرة، هو انتِ سرحتي مني ولا إيه؟
عضت على شفتها تكاد أن تدميها مع شعورها بالنبرة المتسلية في صوته، ليصلها هتافه باسمها مرة أخرى:
– زهرة !
– أيييوة.
خرجت من فرط توترها بنفاذ صبر ، رد هو بهدوء يغيظ:
– ياللا بقى اندهيني بإسمي من غير حضرتك ولا بيه.
جزت على أسنانه وهي ترفض قول شئ تشعر بثقله على لسانها .
– زهرررة .
– اممم
هذه المرة وصلها صوت ضحكته قبل أن يردف بتصميم :
– ماليش دعوة انا عايز اسمع اسمي حالًا منك دلوقت .
قالت بمرواغة :
– طب ماتخليها بكرة بقى عشان انا تعبانة قوي ونفسي أكمل نومي ؟
– تكملي إيه يابنتي ؟ انت لحقتي امتى تنامي أصلًا ؟ دي الساعة بتوقيت مصر يدوبك تجيب ١١ الليل .
– عادي طبعًا، انا أصلًا دايمًا بنام بدري .
قالت بعفوية التقطها هو يرد بمكر :
– والله ، طب جهزي نفسك بقى عشان انا من دلوقتِ ورايح هاعلمك السهر .
وصله صوت شهقتها فجلجل بضحكة مقهقًا ، جعلها تضرب برأسها على الوسادة مرددة مع نفسها بغيظ :
– دا إيه الوقعة اللي انا وقعت نفسي فيها دي بس ياربي ؟!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نعيمي وجحيمها)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *