روايات

رواية بيت البنات الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم أمل صالح

رواية بيت البنات الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم أمل صالح

رواية بيت البنات البارت الثالث والعشرون

رواية بيت البنات الجزء الثالث والعشرون

بيت البنات
بيت البنات

رواية بيت البنات الحلقة الثالثة والعشرون

في صحراء واسعة خالية من البشر أجمعين، تسير بتيهٍ وضياع، كلما رأت وجهًا تعلقت به وكأنه طوق النجاة، تسارع بالهرولة تجاهه، بسعادة وأمل ورغبة كبيرة بالحياة، معتقدة أنها وأخيرًا وجدت منقذها في هذا الوجه الغريب ولكن، أَ كل ما يُدركه المراء صحيح؟ هل دائمًا ما تتماشى توقعاتنا مع واقعنا؟!
وقفت بسملة أمام عمر بزهول لرؤيته، يقف أمام دراجته النارية يستند عليه عاقدًا ذراعيه أمام صدره، إبتسم بتوتر ما إن رآها واعتدل بسرعة في وقفته؛ يخشى ردة فعلها بعد ما حدث آخر مرة، يود الاعتذار لها مئة مرة حتى تغفر له فعلته، يريد الاقتراب والتبرير ولكنه لا يستطيع.
توسعت عيناها بسخط والتفت متحركة للأمام حيث بوابة السكن وبخطوات سريعة تشبه الركض، تحرك من مكانه بسرعة مقتربًا منها وبصوت مترجي تحدث: بسملة! بسملة ارجوكي تسمعيني، إحنا لازم نتكلم يا بسملة.
اعترض طريقها فاضطرت للوقوف، دفعت طرف ثوبها الطويل والذي كانت تتمسك به كي لا يعرقلها، نظرت له بوجه مكفهر وخرج صوتها غاضبًا مكتومًا: وسع من طريقي يا عمر.
ابتعد خطوة للخلف دون أن يزيح نفسه من طريقها كي لا تغادر، نظر لها يتوسلها بعينيه وحديثه: اسمعيني لو سمحتِ، لو سمحتِ لازم أتكلم معاكِ!
واستطرد بسرعة قبل أن ترد هي حتى: أنا آسف، عندي استعداد أعتذرلك مليون مرة بس تسامحيني وتسمعيني!
هدأت من روعها وارتباكها الذي تصاعد برؤيته، نظرت له صامتة ولم يهدأ غضبها أو حنقها فتابع بتعجل بعد أن رأى استجابتها: أنا والله والله ما أنا اللي بعت الصور، أكيد قريبِك ده قالِك و والله أنا بنفسي رميت الكلب اللي عمل كده في السجن، عارف إن اللي عملته لما شوفتِك غلط بس أنا مسكت إيدِك وقتها عشان محدش يشوفك، مسكت إيدك عشان أدخلِك الشارع بس مش أكتر!
نظر لعينِها بعد أن أنهى حديثه، يتمنى أن ترى صدق حديثه النابع من قلبه، وجدها صامتة، تعلو الدهشة وجهها؛ إذا لم يكن عمر مَن أرسل لها فمَن فعل؟!
تناست كل شيءٌ لثواني ونظرت له تسأله بحدة وعدم تصديق لتلك الحجج الفارغة: أومال مين هيعمل كده؟ مين ليه مصلحة في كده غيرَك يا كذاب؟
ابتلع إهانتها دون أن يعقب مقدرًا وضعها وما تمر به، وبإيجاز واختصار شديد قص عليها أمر صديقه أيمن سبب كل هذا وما كان منها سوى أن ابتسمت بسخرية وتهكم كبير: وعايزني أصدقَك؟؟ ده كلام تضحك بيه على حد غيري يا أستاذ عمر، أنا غلطت من البداية لما افتكرت إن أمري يهمك، طلعت بتسلي وقتك الفاضي بواحدة عبيطة زيي.
قالت آخر كلماتها وغزت الدموع عينَها ولكنها أبت أن تُنزلها أمام عينيه، تنهد عمر بثقل وأردف بصدق: والله ما كذبت عليكِ في حرف واحد، بسملة أنا بحبك بجد ولو أنا فعلًا بتسلى مكنتش جيت برجلي تاني بعد تهديدات قريبِك ليا، أنتِ مش عبيطة يا بسملة أنتِ نقية!
احمرت عينيها بشدة وهي ترفض هبوط دموعها كي لا تجرح كبرياءها، رمقته بقلب ممزق جراء ما تمر به وهتفت بصوت قوي منافي لهيئتها الضعيفة: أنا ولا نقية ولا زفت، ما تورينيش وشك تاني عشان بعد كدا رد فعلي مش هيبقى بالهدوء ده، شوفلَك نقية غيري يا سي عمر.
قالت الأخيرة بإستهزاء وتابعت سيرها، دفعته بكتفها في ذراعه وتخطته للأعلى وظل هو واقفًا في مكانه، تطلع للفراغ بشرود وسكون، يدفعه قلبه لفعلِ شيء متهور ولكن عقله ينهره برفض لتلك الفكرة.
رفع رأسه وحدّث ذاته بإصرار: ماشي يا بسملة، يا أنا يا أنتِ!
وعاد أدراجه لدراجته النارية، وضع الخوذة للأمان وبعزم تحرك في طريقه بعد أن انتصر القلب قائد مملكة المشاعر والأحاسيس على العقل قائد الحكمة والرصانة.
بالأعلى، وقفت أمام باب الغرفة الخاصة بهما وطرقت الباب بأيدٍ مرتجفة، وغفلت تمامًا عن المفتاح بين يدها، فتحت لها بسنت التي بدى عليها النوم وكأنها للتو استيقظت.
اندفعت بسملة للغرفة وأغلقت الباب خلفها بقوة، لن تسمح لأحدٍ أن يشهد لحظات ضعفها، لم ترد حتى على تساؤلات بسنت التي حاولت فتح الباب والقلق ينهش بقلبها لحالة تؤامها.
جلست خلف الباب منفجرة في البكاء، بكاءٍ تنشطر له القلوب، الفتاة التي دائمًا ظهرت في ثوب الكبرياء والقوة اليوم ترفع رايةً بيضاء تعلن بها إستسلامها.
سئمت تلك القوة الواهية التي يراها الجميع بها، تود الصراخ بالجميع، تود البوح بالكثير والكثير الذي يجوش بصدرها ولكن هناك ما يقيدها.
– افتحي يا بسملة بقولك!
صرخت بسنت وهي تضرب فوق الباب بعنف وهي تتخيل الكثير من المشاهد البشعة والسيئة، سرت الدموع فوق وجنتيها وازدادت دقات قلبها الذي يتألم وبضعف هي الأخرى قالت مترجية: عشان خاطري افتحيلي يا بسملة.
ودقائق معدودة مرت بين بكاء بسملة المرير ورجاء بسنت المتألمة، حتى فتحت لها الباب فأسرعت بسنت بالإقتراب منها، أخذت تتفحص كل إنش بها تتأكد أنها على ما يرام ولم يلحق بها أذى: مالك يا بسملة؟ أنتِ كويسة؟؟ في حاجة وجعاكِ؟؟
انتهت من تحققها لجسدها واستقر بصرها فوق وجه تلك المنهارة ذات العين البنية فتفاجئت بها تلقي بنفسها داخل أحضانها، تلك التي تكره الاحضان ولم تجعل حتى لأعز الناس على قلوبها بالاقتراب وضمها تلقي نفسها اليوم بعناقها.
شددت بسنت عليها بكل قوتها، وتضاعف ألم قلبها بشكل غريب وكأن ألم الماثلة بأحضانها تسرب ليستقر داخلها، مسحت على رأسها وهبطت دموعها بصمت وهي تستمع لصراخاتها بقلب مفطور.
تحدثت من بين بكائها وشهقاتها التي أضعفت وتيرة تنفسها: تعبت يا بسنت تعبت، بقيت حاسة نفسي زي الشحاتة، ماشية أدور على أي إهتمام وحب من أي حد، مفكرتش في أي حاجة وأنا بعمل اللي عملته، مفكرتش فيكم ولا في ماما وبابا…
شهقت واستأنفت وهي تنفي برأسها: ولا ربنا يا بسنت، مفكرتش إن ده حرام ومينفعش، كنت .. كنت مبسوطة بالإهتمام اللي غرقني بيه، مبسوطة بكلامه اللي أول مرة اسمعه وأفعاله اللي … اللي أول مرة اشوفها، كنت عايشة حاجات كتير أول مرة أعيشها، كنت طايرة وحاسة نفسي مش محتاجة حاجة من الدنيا..
ودفنت وجهها في أحضان شقيقتها الدافئة واسترسلت: كان نفسي اعيش كل ده مع بابا أو ماما، كان نفسي أحس إن في حد بيحبني، كان نفسي احس إني مهمة عند حد!
عادت لتبكي بقوة كالبداية، جذبتها بسنت لأحد الأسِرَّة بالغرفة وجلست وهي بجوارها لم تبتعد سنتيمترًا واحدًا عنها، وبسنت مستمرة في التربيت على كتفها بحنان، لا تفهم شيئًا مما يحدث ولكن فليحترق العالم بأسره إن تسبب بكل هذا لغاليتها.
ابتعدت بسملة عنها وهي لازالت تبكي، تابعت حديثها وقد قررت أن تنهي اليوم الحـ.ـرب بداخلها فأردفت بنبرة متهكمة: بقيت أحب أي حد يعاملني بطريقة كويسة، أي حد يقولي كلمة حلوة بقيت أرسم معاه أحلام وخيالات، كنت غبية ومصدقة إنه فعلًا بيحبني، طلعت مغفلة وتسلية..
والآن فقط استطاعت بسنت ترجمة بعض حديثها، تنهدت بحزن وعادت تواسيها ببعض الكلمات الصغيرة لتهدأ من انهيارها أولًا قبل أن تفهم الأمر كاملًا.
وبعد دقائق كانت بسنت تخرج من المطبخ وبين يدها تحمل كوبًا من خليط الماء والسكر، ناولته لتلك التي توقفت نهائيًا عن البكاء ولكن تستمر شهقاتها بالخروج بين الحين والآخر.
جلست بسنت على الفراش المقابل وتابعتها بعينها وهي تشرب المشروب دون رغبة وقبول تختلص النظر بحرج لشقيقتها التي تراقبها بصمت.
مدت لها يدها بالكوب بعد أن أنهت محتوياته فأخذته منها بسنت بهدوء، وضعته أرضًا بعيدًا عن أقدامهم وعادت لتنظر لها.
ابتلعت بسملة اللعاب بفمها بتوتر لتلك الأنظار المسلطة عليها ولم تتجرأ وترفع رأسها عن الأرض لشدة الخجل لما حدث منذ دقائق.
تنهدت بسنت وبادرت بالحديث بعد أن علمت أن هذا الصمت لا نهاية له إن لم تقطعه هي: فهميني يا بسملة!
كانت بسنت لأول مرة ترى بها أختها بهذا الوضع، تجلس أمامها مطأطأة رأسها وكأنها معاقبة من معلمتها على نسيانها لفرضها المنزلي.
فركت الأخرى يديها معًا وهي لا تعرف كيف تبدأ وماذا تقول، مسحت أنفها بظهر يدها وبدأت تقص عليها كل شيء بصوت خافت ولم ترفع رأسها عن الأرض خلال هذا ولو لمرة واحدة.
وكانت بسنت تستمع لها بصدمة أخفتها خلف ثباتها وهدوئها؛ لا تريد أن تزيدها همًا بدهشتها وردة فعلها، يكفيها ما تمر به وما تعانيه، ولكن رغم هذا لن تتهاون معها أو تُمرر الأمر مرور الكرام.
انتهت بسملة فرفعت وجهها تنظر لبسنت التي كانت جامدة لا تبدي أي فعل، دقيقة من الصمت مرت عليهما قبل أن تتحدث: وأنتِ صدقتي إنه بيحبك؟
تطلعت بسملة لها بجهل لما ترمي إليه وتابعت الأخرى بحدة وصرامة: ‹وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها› وفي آية تانية ‹وَلَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا›، ده لو عنده ذرة حب ليكِ مكنش فكر يفتح كلام معاكِ بدون علم أهلِك، كان على الأقل يبقى في أي رابط بينكم لو حتى مجرد إنه يعرف بابا إنه عايزِك.
جف حلق بسملة وشعرت بانسحاب الهواء من حولها، نظرت بطرف عينيها لتلك الغاضبة والقت ما جعل ذلك الغضب يتضخم ويتزايد: أنا اللي رفضت إنه يكلم بابا، أنا … أنا اللي قولتله نخلي علاقتنا سر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
داخل شقة ندى وناصر حيث سحب شقيقته للحديث معها بعيدًا عن والدته وكلماتها السامة التي ترميها بالوجوه دون مراعاة.
خرجت ندى من المطبخ على صوت إغلاق الباب تفاجئت بوجود هايدي رفقة زوجها، تطلعت لها هايدي بضيق وأشاحت بوجهها عنها فنظر ناصر لندى معتذرًا بعينيه وبنبرة حنونة وبسمة قال: كوبايتين شاي من ايدكِ الحلوين يا ندى ليا أنا وهايدي.
– مش عايزة حاجة!
زفر رامقًا شقيقته بغيظ، عاود الابتسام لزوجته التي تنهدت بضيق وقال: خلاص ابقي اشربي أنتِ يا نودي كوبايتها.
ابتسمت بخفة وبصعوبة منعت نفسها من الضحك، أولتهم ظهرها وعاودت أدراجها للمطبخ بينما اصطحب ناصر هايدي لغرفة مجهزة لإستقبال الضيوف.
جلست فوق إحدى الارائك وجلس هو على أخرى جانبها، قالت بفظاظة وهي تضع قدمًا فوق الآخر: لو سمحت قول عايزني في ايه عشان ورايا مذاكرة.
وقبل أن يجيب تابعت بسرعة: ولو هتكلمني في موضوع اللي اسمه عادل ده ملوش لزوم لأني خلاص قررت.
رفع قدمه بغيظ ودفع قدمه اليمنى عن اليسرى بقوة آلمتها: طيب ملحوظة بس يا حبيبتي رجلينا مبتتحطش في وش اللي أكبر مننا كده عشان دي اسمها قلة ذوق.
تحسست قدمها وصاحت بضيق: رجلي يا ناصر في ايه براحة شوية!
تحدث وكأنه لم يستمع لما قالت وببرود: وتاني حاجة أنا عايزِك تسمعيني أسبابِك لرفض عادل، أو أسبابِك لرفض الجواز بصفة عامة لأني فاهم دماغك كويس أوي..
رفعت رأسها بشموخ وأجابت: مش عايزة اتجوز، أنا هخلص دراستي وأشتغل واحقق كل اللي نفسي فيه…
واستأنفت وهي ترفع طرف شفتها بنفور واشمئزاز: مش أروح أتجوز واحد يقعدني جنبه أربيله وانضفله ويقولي مفيش شغل، بعدين عادل ده مستحيل أتجوزه، أنت متعرفش الولية أمه عاملة إزاي، اللي بيقولها إزيك بتقف تردحله، ولية قادرة!
رفع يده وسار بها على خصلاته وبصوت حاني قال: طب ما أنتِ كمان قادرة يا روحي!
رفعت كتفها ببساطة وردت: خلاص هي في قُدرها وأنا في قُدري، ويا دار ما دخلك شر.
– يبقى حرام عليكِ نفسِك يا هايدي..
تطلعت له بعدم فهم فاستكمل ناصر بجدية: حرام يجيلِك واحد بأخلاق عادل وترفضيه، غير أخلاقه الراجل ما شاء الله ليه اسم في شغله وشكله عايزِك بجد وشاريكِ، فلما ترفضي كل ده يبقى حرام..
وصنع دائرة وهمية بالهواء متابعًا بلوم: هتفضلي حابسة نفسِك في دايرة الماضي لحد امتى؟ عدى ٧ سنين وأنا مصبر نفسي على أمل أختي الصغيرة ترجعلي، كل يوم كنتِ بتزدادي سوء عن اليوم اللي قبله لحد ما ضيعتي وسط في وش جديد غير وشك وصفات غريبة.
وابتسم بحنين وهو يذكرها عله يلمس بكلماته قلب ذات الخمسة عشر عامًا بداخلها: كنتِ بريئة وعلى نياتِك، البسمة الحلوة مش بتفارق وشِك، كنت تيجي من المدرسة تناديلي من على أول الشارع…
رقق صوته وهو يقلدها بمزاح: يا أبيه، خدت شهادة تاني يا أبيه!
وتابع مداعبًا اياها بغمزة صغيرة من عينه: فاكرة لما كنتِ بتناديني أبيه؟ مش دلوقتي، اصحى من عز نومي على صوت بهيمة صغيرة بتجعر وتقول يا ناصــر.
ابتسمت بخفة على طريقته ودون شعور منها دمعت عينها، اهتزت شفتيها وقالت بألم حقيقي: الدنيا دي مش عايزة لا البريء ولا اللي على نياته يا أبيه، لازم تبقى جاحد عشان تعيش.
تنهد بحزن مربتًا على قدمها: الوضع دلوقتي مختلف يا هايدي، عادل مش عبد الحميد ولا أنتِ هايدي العيّلة اللي عندها ١٥ سنة، وأنا موجود!
نظرت له فتابع مؤكدًا لها: سكت زمان لأن أنتِ اللي قولتِ إنك موافقة، سكت لما لقيتك مبسوطة ومعندكيش مانع، رغم اني اتكلمت معاكِ وحاولت أفهمك لكن امك وقتها طلعتني وحش ومش عايز مصلحتِك، ودلوقتي أنا واقف قصادِك مش وراكِ ولو عادل أنا شايف فيه حاجة وحشة مكنتش اتكلمت معاكِ بخصوصه، وأمه لو فكرت تعملك حاجة هو أول واحد هيقف معاكِ ضدها.
هبطت دموعها وتحدثت بصوت مختنق: كنت غبية، ماما فهمتني إني هعيش اسعد ايام حياتي، زغللت عيني بالفلوس وإن كل حاجة هطلبها هتجيلي وانا كنت طفلة صغيرة فرحت وقولت خلاص كل اللي نفسي فيه هجيبه لحد ما وعيت على كابوس أسود وأيام سودة.
ونفت رأسها تمسح وجهها متحدثة بتصميم: لو سمحت تعرف الأستاذ عادل برفضي عشان ميبقاش عنده أمل على الفاضي، عرفه ان العيب مش فيه وإني عايزة اكرس حياتي لشغلي وحياتي بس..
وقفت تغادر المكان بأكمله وظل هو في مكانه حزينًا على ما آلت إليه الأمور مع أخته الغالية، ولجت ندى وهي تحمل كوبين من الشاي وضعت واحدًا أمامه واحتفظت بالآخر بين يديها.
جلست في مكان هايدي وقالت: ما رضيت أدخل وأنتوا بتتكلموا، في حاجة ولا إيه!
أخبرها بما يحدث بإيجاز فربتت على كتفه وتحدثت بإبتِسَامة صغيرة: اللي ربنا عايزه هيكون، عادل ابن حلال وطيب ولو فعلًا بيحبها هيعافر عشانها..
نفى برأسه مرتشفًا قليلًا من الكوب خاصته: المشكلة مش في عادل يا ندى، هايدي دماغها ناشفة!
ابتسمت ندى وأجابت ببساطة: إحنا كبنات قلوبنا بسيطة خالص يا ناصر، أي إهتمام ولو صغير بيعلم في قلوبنا وبيفتح أبواب المحبة، إحنا بنحب اللي يهتم بينا ويهتم بكل تفصيلة فينا، حب من غير اهتمام ومعافرة صدقني ولا بيعمل حاجة في قلوبنا، الحاجات الصغيرة البسيطة دي هي اللي بتسيب أثر..
ابتسم على حديثها ووضع الكوب على طاولة أمامه ملتفتًا لها، أسند رأسه على يده وسألها باهتمام حقيقي: زي ايه؟؟
وضعت كوبها هي الأخرى وأجابت بحماس: هقولك، رسالة صغيرة وسط شغلك تقول فيها إنها وحشتَك، تدخل عليها وأنت راجع من الشغل بشوكلاتة أو نوع حلويات هي بتحبه، تاخد بالك من شكلها لو عاملة حاجة جديدة سواء بقى عاملة مونوكير أو لابسة حاجة جديدة أو مغيرة قصّة شعرها، إحنا هنحب إنه افتكرنا وسط شغله، هنحب إنه حب يفرحنا بالحلويات، فاهم؟؟
ختمت وهي تنظر إليه فوجدته يتطلع إليه مبتسمًا، ضمت شفتيها ورمشت بأهدابها مرات عديدة وبسرعة التقطت كوب الشاي وأبعدت وجهها عنه فضحك عاليًا وهو يرى تبدل حالها بعد أن تداركت نفسها.
تحمحمت وتابعت حديثها بشأن هايدي وعادل في محاولة لتغيير مجرى الحديث: سيبه يعافر عشانها عشان قدام يعرف قيمتها، وسيبها تشوفه وهو بيحاول عشانها وبتلقائية هيتولد جواها حاجة ناحيته..
– طب وناحيتي يا مسكرة!
قال بمكر ومراوغة فوجدها ترفع الكوب تنهي ما به دفعة واحدة، توسعت عيناها بزهول وقال سريعًا وهو يمد يده لأخذ الكوب منها: صلي على النبي ونزلي الكوباية يا ندى، يخرب عقلِك الشاي مولع!
هكذا كانت ردات فعلها كلما غازلها، حتى بعد عامين زواج لازالت تخجل من كلماته ولازال تخرج منها ردات فعل غريبة، كتلك الآن!
نظرت له بأعين دامعة للألم الذي انتشر بلسانها فضحك عاليًا وحاوط كتفها يوقفها متحركًا بها للمطبخ: أنتِ الواحد ميهزرش معاكِ خالص كدا؟؟
ساعدها في وضع قطعة من الثلج فوق لسانها ولازالت البسمة تتراقص على ثغره يحاول إخفاءها كي لا تغضب ولكنها رأتها بالفعل..
لكزته بغيظ فانفجر في الضحك وهو يقترب منها معتذرًا: خلاص حقِك عليا متبقيش قفوشة كده..
عانقها ضاممًا رأسها لصدرها ثم وضع قبلة عليه هامسًا: مسكرة برضو على فكرة.
لكمته بخفة بيدها فوق صدره فشدد عليها وهو يقول ضاحكًا: خلاص والله متزعليش!
وبعد دقائق، كان يجلس على المقعد في المطبخ وهي تتحرك أمامه تقوم بإعداد وجبة الغداء، أغلقت إناء مليء بالصلصة والتفت له: وأنت إيه رأيك، تفتكر هعرف أرجع بعد السنتين دول؟؟
إبتسم ورفع كتفه: والله أنتِ وشطارتِك، موضوع تعيينك في المدرسة ده سهل وبسيط وسيبيه عليا، الباقي بقى عليكِ، اثبتي نفسِك في المدرسة وواحدة واحدة لما يكون ليكِ طلاب بتحب شرحِك ابدأي إدي دروس..
واستطرد وهو يرى شرودها: المهم أنتِ يا ندى، أنا شايف إن الموضوع ده هيملى وقتِك فترة شغلي، تعاملك مع الناس والأطفال هيضيف كتير لشخصيتِك وكله يرجع ليكِ برضو.
ابتسمت وحركت رأسها بالإيجاب قبل تواصل ما كانت تفعله وهو معها يشاركها الحديث بمواضيع عشوائية ومزاح من بين الحين والآخر حريصًا على ألا يجعلها تختلي بنفسها وبأفكارها..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت تركض بسرعة،
تنظر خلفها كل ثانية وأخرى،
تستمع لأصواتِهم من خلفها وهم يطاردونها.
خمسة أسود يزأرون بصوت شق سكون الليل، يلحقون بفريستهم لليوم، يتضورون جوعًا وفقط لحمها سيخمد هذا الجوع.
وقعت أرضًا وتباطئت خطواتهم في الاقتراب،
زحفت للخلف وهي تنفي برأسها بخوف،
تحاول الصراخ وطلب النجدة لكن صوتها لا يخرج.
تبتعد ويقتربون،
لم يعد يفصل بينها وبينهم سوى متر واحد.
وبسرعة لم تتوقعها هجموا خمستهم عليها ينهشون بلحمها يشبعوا رغباتهم الحيوانية.
فتحت “منة” عينيها صارخة بفزع، أخذت تتحسس جسدها بإرتعاب وهي تتأكد أنها بخير، تشعر بالألم في جميع أنحاء جسدها، وكأنه لم يكن مجرد كابوس!!
امسكت رأسها تضغطه بقوة وذلك الصداع يكاد يفتك به، تنهدت بضيق واختناق لا سبب لهم ونظرت للغرفة حولها، فارغة كحال قلبها.
حتى ابنتها لم تكلف نفسها عناء رؤيتها والاطمئنان عليها، انكمشت ملامحها وغلى الدـم بعروقها عندما تذكرت ما فعلوه وأمر ذلك الشيخ، عن أي تلبس يتحدثون هؤلاء المعاتيه!
إنني بخير!
بالخارج كانت تجلس نرمين التي استمعت لصرختها تلك، أرادت الدخول والاطمئنان عليها لكنها خشت أن تكون بحالتها تلك فظلت في مكانها تتلو آياتًا من كتاب الله وهي تغمض عينيها بخوف.
انتفضت في مكانها بخوف عندما فتحت منة الباب وخرجت من الغرفة، نظرت بسخرية لإبنتها وقالت: كتر خيرك والله افتكرتِ إن ليكِ بيت النهاردة ولا ايه؟؟
وقفت نرمين بسرعة وعادت خطوة للخلف ولاحظت منة تلك اللافتة، تحدثت بتلعثم: حضرتك كُـ … كنتِ بتصرخي ليه؟؟
– إيه؟ خايفة أهجم عليكِ؟؟
قالت منة بتهكم وتابعت بغضب وهي تقترب منها: أنتِ مصدقة الكلام العبيط اللي بيقولوه ده؟؟
أومأت بالإيجاب وقالت مؤكدة: أنا شوفتِك، شوفتِك وأنتِ في مش وعيِك، حاولتي تئذيني.
أشارت على نفسها وصرخت: أنا.! أنا هأذي بنتي؟؟
اقتربت نرمين خطوة للأمام وهي تذكر ذاتها بحديث عمها بضرورة إفهام والدتها الأمر كي تستجيب لهم: والله ما بكذب يا ماما، أنتِ اللي ضربتي راسِك لحد ما فتحتيها، إمبارح الصبح سيبتِك ودخلت المطبخ ورجعت بعد شوية لقيتِك بتعملي حاجات غريبة وتقولي حاجات أغرب…
واقتربت أكثر مترجية: عشان خاطري أنا يا ماما، عشان أكون مطمنة وأنا معاكِ..
توسعت عيني منة بغضب وصرخت بها بإنغعال ووجه ممتعض: غوري في ستين داهية أنتِ وهم، أنا فاهمة كويس هم بيعملوا كده ليه؛ عايزين يداروا على أخوهم الزبالة، تلاقيهم ضحكوا عليكِ وأنتِ زي العبيطة صدقتي، غوري من وشي!
قالت الأخيرة وهي تتخطاها للمرحاض فتحركت نرمين لغرفتها بخيبة أمل والقليل من الراحة لعدم فعلها لأي شيء غريب..
وفي منزل توفيق، تحدثت وجيهة وهي تنظر لجنى التي تنظر تنظر أرضًا بضيق: يابنتي الواد ما شاء الله زي العسل وميعبوش حاجة، وإن كان على موضوع عصام فهنعرفه يستنى شوية عشان الناس وكلامها.
قلبت عينيها بملل وهي لا تعرف كيف تخبرهم أنه ترفض الشخص نفسه وليس من أجل حديث الناس، ذلك الذي أطلق عليها بأول مرة رآها “حتة العباية السمرا” كيف لها أن تتقبله بعد تلك الكلمة!
رغم أنها تشعر براحة كبير بالنظر لوجهه وملامحه المشاكسة، وأيضًا أحبت موقفه مع السيدة بالمشفى وكيف كان قلقًا حيالها إلا أن تلك الجملة ليست بشيء هينٍ لها.
– لو سمحتِ يا ماما متضغطيش عليا، بلغوا دكتور عثمان بجوابي وإني مش بفكر في الجواز الفترة دي نهائي خصوصًا إني لسة طالعة من تجربة فاشلة!
أجابت وجيهة بإنفعال: أومال هتفكري امتى بس يابنتي! أنتِ داخلة على السبعة وعشرين سنة أهو!
تحدث توفيق الذي كان يستمع لهما بصمت موجهًا حديثه لوجيهة أولًا: خلاص يا وجيهة اللي هي عايزاه…
ثم نقل بصره لابنته: قومي أنتِ يا جنى شوفي كنتِ بتعملي إيه، واللي أنتِ عايزاه يابنتي هيكون.
– متشكرة لحضرتك.
قالتها وتحركت لغرفتها وتركت خلفها والدتها التي دعت لها بالهداية ووالدها الذي أخذ يفكر كيف يخبر عثمان برفضها وبالأخص أنه بدى متلهفًا لموافقتها.
وابتسم بخفة عندما تذكر جلسته منذ قليل مع ابن شقيقه سامر الذي تقدم بطلب لزواج ابنته..
حيث ولج المنزل وكأنه منزله صائحًا: اتنين شاي وواحد جبنة على حلاوة يا مراة عمي.
لكزه توفيق: داخل قهوة ياض؟؟
وضع سامر يده فوق قلبه: بعشق شاي مراة عمي يا عمي، بينزل في معدتي يعمل مهرجان جوة..
جلس توفيق وأشار له على الاريكة المقابلة ضاحكًا: طب اقعد يا كَييف اقعد..
وبعد أن جلس سأله توفيق: خير يا باشمهندس سامر، سبب الزيارة دي ايه؟؟
سقا شقت ابتسامة واسعة طريقها نحو ثغره ودون اي مقدمات قال: جوزني بنتَك يا عمي..
توسعت عيني توفيق بدهشة وتابع الآخر بنفس البسمة: بسنت.
عاد توفيق من شروده مبتسمًا أكثر وهو بسعر بشيء غريب داخله، ألم وغيرة!
هؤلاء الشبان يريدون سرقة جواهره الغالية، أما يكفي واحدة يريدون أخذ البقية؟!
تنهد ومسح دمعة كادت تفر من عينيه ونظر جانبه لوجيهة التي تتمتم بغيظ، أشار للمطبخ وقال بمزاح: خلاص يا ام ندى قومي كملي الأكل متتعبيش في قلبك!
وبالفعل وقفت متحركة للمطبخ وبقى هو في مكانه، دقائق واستمعوا لصياح قادم من الخارج، تحرك بسرعة وفتح الباب فمرت من أمامه سيدة ترتدي الأسود مهرولة ومن بعدها نرمين التي صرخت: اقفل البوابة ياعم صبحي، ياعم صبحي!
خرج الجميع من شققهم وهبطوا للأسفل، وكذلك حارس البوابة صبحي الذي أغلق البوابة بسرعة امتثالًا لطلب نرمين التي وقفت تلتقط أنفاسها أمام تلك السيدة.
اقترب منها طارق وشقيقه متحدثًا بغضب وقلق بآن واحد: في ايه يا نرمين، الست دي عملتلك حاجة؟؟؟
كانت هيئتها تدعي القلق، ملامح وجهها القاسية وعينيها السوداء الحادة والتي ازادات قتامتها بذلك الكحل الموضوع بشكل مفرط.
التفت لعميها توفيق وحامد بلهفة: هي دي، هي دي اللي كانت بتيجي لماما دايمًا يا عمي..
إنها هي .. الساحرة التي تسببت بكل هذا.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية بيت البنات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *