روايات

رواية مرارة العشق الفصل الرابع 4 بقلم دنيا

رواية مرارة العشق الفصل الرابع 4 بقلم دنيا

رواية مرارة العشق البارت الرابع

رواية مرارة العشق الجزء الرابع

مرارة العشق
مرارة العشق

رواية مرارة العشق الحلقة الرابعة

أَغمَضت عُيونهَا بِشدَّة بَعْد أن رنَّ الصَّوْتِ فِي أُذنِها ، كُلُّ خَليَّة فِي جسدهَا أَصبَحت تَرتَجِف مِن التَّوَتُّر والْغَضب خَوْف وَقلَق ، فَتحَت عُيونَهَا وحدَّقتْ بِه ، أَنَّه هُو ، رَاسِخ ، اَلأَب اَلذِي تَركهَا مُنْذ أَكثَر مِن أَثنَى عشر سنة يُحدِّق بِهَا وَهِي أَمامِه ، وسؤالهَا اَلوحِيد الذي يدور فِي عقْلهَا ” لِماذَا لَم تُحبْنِي يَا أَبِي ؟ ! ” اِرْتجَفتْ شَفَتاهَا وقالتْ بِهَمس خَافِت غَيْر مَسمُوع ” رَاسِخ ! ! ”
ارتجفتُ قدماها وبالكادِ استطاعتْ أنْ تضلَ واقفةً ، حدقتْ بهِ بينما نضرٍ راسخٍ إلى فارسِ وقالَ بضيقِ ” أحنا في مقبرةِ مشٍ في الشارعِ ” ثمَ استرسلَ بعدَ أنْ نضرَ إلى زمردِ ” المهمِ أنكَ جيدٌ يا ابني خدَ بالكَ منْ نفسكَ ”
ألقى بكلماتهِ وهتفَ إلى ابنهِ مغادرا ” أنا هسبقكْ على ما تجيْ ، منْ غيرِ مشاكلَ ”
كانَ وجهُ فارسِ مختنقٌ منْ كلماتِ والدهِ وحدقَ بزمردٍ بضيقٍ يودُ الفتكُ بها ، بينما هيَ لاتزالُ عالقةً في لحضهِ مرورِ والدها منْ جانبها ، صوتهُ الرنانُ لا يزالُ يتخللُ داخلَ ثنايا قلبها ، عادةُ عيونها تتلألأُ بالدموعِ مرةً أخرى ، وشعرتْ بالحزنِ والحسرةِ والضعفِ مرةً واحدةً ، الاستسلامُ عرفَ الطريقُ لفؤادها وجعلها ترتجفُ ، زفرَ فارسُ بحنقِ بينما يتفحصُ سيارتهُ ، ركلَ عجلةَ السيارةِ بقدمهِ بقوةٍ ، بعدُ أنْ لأحضَ أنها انفجرتْ صرخَ بانفعالِ ” منكَ للهِ شوفْ حصلَ إيهْ بسببِ ”
انتفضتْ زمرد على صوتهِ الذي انتشلها منْ أحزانها واستدركتْ نفسها تحدقُ بهِ بغيضٌ بعدَ أنْ أشهرتْ سبابتها في وجههِ ” أنتَ السببُ مش أنا ، الناسُ تسوق بالعقلِ وأنتَ شكلكَ ناسيةً ”
عضَ على شفتيهِ بغيض منها وقالَ بانفعالٍ ” أنتَ الليُ طلعتْ في وشيْ ، وقفتْ العربيةَ بسرعةِ بسببكَ واهي النتيجةِ الكوتشْ نامَ ”
هزتْ كتفيها بعدمِ اهتمامٍ وقالتْ بضيقٍ ” أعملكَ إيهْ ؟ ! غيرَ أنها مسألةٌ بسيطةٌ بسرعةِ تقدر تغيرهُ ”
حدقَ بها بلؤمٍ وقالَ بضيقٍ ” أصلحهُ أينَ دلوقتي ، أحنا في مقبرةٍ ” رفعتْ حاجبها بتعالي وقالتْ بتساؤلٍ ” وحضرتكَ فارد عضلاتكَ منْ الصبحِ ليهُ عليا ، افردها على العربيةِ وغيره عجلتها ”
نضرٍ لها بضيقِ فهوَ لا يعرفُ كيفَ يغيرهُ وليسَ لهُ أيُ درايةِ بهِ فأجابها بغيضٌ ” مشُ بعرفِ ”
نضرتْ لهُ بتهكمِ هلْ هذا هوَ مدللٌ والدهُ الذي كانَ يفضلهُ عليها ، لايستطيعْ حتى تغيرِ عجلةِ سيارتهِ ، تنهدتْ بيأسٍ منْ تلكَ المقارنةُ التي تضعُ نفسها فيها ككلِ مرةٍ ، وحدقتْ بهِ بجديةِ ” معَ أنكَ متكبرٌ بسْ هساعدكْ ”
نضر لها فارسُ بعدمِ رضى وقالَ باستفهامٍ ” أنتَ بتفهمٍ في العربياتِ ” أومأتْ لهُ وهيَ تتجهُ نحوهُ ، وقفتْ بجانبِ السيارةِ وانحدرتْ تتفحصُ العجلةُ ، كانَ يتابعها باهتمامِ فقالتْ بجديةِ بعدَ أنْ رفعتْ عيونها لهُ ” شايلْ معاكْ عجلةَ احتياطٍ ” أومأَ لها وقالَ ” آهٍ في عجلةِ والمفاتيحِ كمان ”
ابتسمتْ ساخرةً وقالتْ باستهزاءِ ” شايلهمْ ليهُ وأنتَ مشِ بتعرفٍ تستعملهمْ ”
شعرُ بنبرتها الساخرة وقالَ بضيقِ ” هتصلحها ولا هتقعدْ تهزأَ فيا ”
امتغصتْ ملامحَ وجهها بعدمِ رضى وتمتمتْ بكلماتٍ مقتضبةٍ قبلَ أنْ تستقيمَ وتتوجهُ نحوَ البابِ الخلفيِ للسيارةِ لتخرجَ العجلةُ ما أنْ رأى يامنْ ويوسفْ راسخا ، حتى غادرَ يوسفْ دونَ أنْ يلقيَ السلامُ بينما يامنْ مرَ منْ جانبِ أخيهِ دونَ كلمةٍ ، أوقفتهُ كلماتُ راسخٍ ” أنتَ نسيتُ حتى إني أخوكَ ؟ ! ”
غدق الحزنِ قلبَ يامنْ قبلَ أنْ يقولَ ” منْ يومِ ما طردتني منْ بيتكَ ”
ندم راسخٍ بشدةِ وقالَ بألمٍ ” كنتَ طائشا ”
ضحكَ يامنْ مستهزا وقالَ بتهكمِ ” خليكْ طائش ” رمى كلماتهِ وغادرَ
كانَ فارسُ يتابعُ حركاتها باهتمامٍ وإعجابٍ ، جدبتْ المفاتيحُ تفتحُ عجلةَ السيارةِ بعدَ أنْ رفعتها قليلاً بالرافعةِ واستبدلتْ العجلةُ بالأخرى ، انتهتْ منْ عملها وأعادتْ كلَ الأدواتِ مكانها تحتَ نضراتِ فارسَ الذي كانَ خائفا أنْ يكونَ مجردَ سارقٍ ، أقفلتْ بابَ السيارةِ الخلفيِ بعدَ أنْ انتهتْ ونضرةً لهُ وقالتْ ” خلصتْ يا باشا ، عربتكَ فلْ مية مية ”
ابتسمَ فارسُ على كلامِ الشابِ وقالَ بشكرٍ بعدَ أنْ أخرجَ بعضُ المالِ منْ جيوبهِ ” أنا متشكرٌ جدا ” ثمَ وضعِ النقودِ بيدها ، نضرةً لهُ وقالتْ باعتراضِ ” مشٍ محتاجٍ يا باشا ، أنا غلطتُ في حقكَ واعتبرَ تصليحُ العربيةِ ، اعتذارا عنْ الليِ عملتهُ ” كادَ أنْ يتكلمَ إلا أنها أعادتْ لهُ نقودهِ بعزةِ نفسٍ وغادرتْ بسرعةِ وتركتهُ مندهشا ، اصطدمتْ بجدارٍ قويٍ جعلها تتأوهُ بقوةٍ ، رفعتْ عيونها نحو يوسفْ فقالتْ دونُ وعيٌ ” هوَ يومُ منيلْ منْ بدايتهِ ” حدقَ بها بجديةِ وقالَ ” أسفُ يا زيدانْ ” أماتَ برأسها وقالتْ ” حصلَ خيرٌ ” غادرتْ تركضُ وقلبها يخفقُ بقوةٍ كادتْ أنْ تؤديَ بحياتها ، كما هائلاً منْ الصدماتِ في يومٍ واحدٍ ، يوسفْ وعائلتها في خمسِ دقائقَ ، زفرتْ بحنقِ بعدَ أنْ خرجتْ منْ المقبرةِ ، نضر يوسفْ إلى فارسِ الذي احتضنهُ بودِ ومحبهِ ، ثمَ سلمَ على عمهِ ، ابتسمَ فارسُ قائلَ ” الحمدِ للهِ على سلامتكَ غيبةً طويلةً ” ابتسمَ قائلاً ” ربنا يسلمكَ ” ثمَ استرسلَ بتساؤلِ ” الولدِ دا كانَ بيعملْ إيهْ هنا ” حركَ فارسُ أصابعهُ على دقنهُ وقالَ بمللٍ ” كنتَ هضربهْ بالعربيةِ ، – والحمدُ للهِ – حصلَ خيرٌ ” ابتسمَ يامنْ قائلاً ” المهمَ أنكَ كويسْ ” ثمَ نضرٌ لابنهِ ” يلا نمشي ” أومأَ لهُ فتحدثَ فارسُ باعتراضِ ” تعالٍ يا عمي للبيتِ ”
نفى برأسهِ قائلاً ” البيتَ هوَ بيتي أنا وابني ، أما بيتٌ أخويٌ طالما زمرد مشٍ موجودةٍ ، عمري ما أدخلهُ ” تنهدُ فارسِ بيأسٍ وقالَ بتفهمِ ” عارفْ يا عمي ، بسْ عشانِ خاطرُ خلودٍ تعالى اليوم عيدَ ميلادها ” ربتْ على كتفهِ قائلاً ” شكرا يا فارسُ مرةَ ثانيةٍ ” ثمَ ابتعدَ يخطوا إلى سيارةِ يوسفْ وركبَ بها ، حدقَ بهِ يوسفْ قائلاً ” أبوكْ ندمَ مشٌ عشانِ صابرةَ ولا بنتها ، عشانِ خلودٌ لازمها زمردٌ عشانِ تعيشُ ، أبوكْ أنانيٍ وأنتَ زيهُ ” تنهدَ فارسُ وقالَ بألمٍ ” أنا مشُ عارفْ إيهْ الليِ حصلَ زمانُ بالضبطِ ، ولا عارفْ زمردِ شافتْ إيهْ في السنواتِ دي ، بسْ كلَ الليِ أعرفهُ ، أنهُ خلودُ بتموتْ ، وزمردَ هيَ الحلُ ، أكيد توافقٍ تتبرعُ لها ” ابتسمَ يوسفْ بتهكمِ وقالَ ” يا ابني احذرْ تتعشمْ في زمردٍ ، عشانِ أبوكْ باعها زمانٌ هيَ ممكنٌ تبقى أسوأُ منهُ ” زفرَ فارسُ بحنقِ وقالَ ” إنْ شاءَ اللهُ نلاقيها الأولَ ” أومأَ باستسلامٍ ثمَ غادرَ بينما جلسَ فارسُ بالسيارةِ ينتضرْ والدهُ
جلسَ راسخٌ أمامَ قبرِ صابرةَ واضعا يديهِ على تربتها وقالَ بألمِ وندمِ قطعِ قلبهِ لأشلاءِ أنا عمري ما عدلتْ بينكَ وبينَ مياسينْ ، جريت وراءَ حبي ونسيتْ أراعي فيكَ ربنا ، ربنا انتقملكْ منيَ في بنتي ، بنتي بتموتْ يا صابرةُ ، مشُ عارفْ إزايْ أسيبكْ تسامحينني وأنتَ تحتِ الأرضِ ، أنا أحقرَ إنسانٌ وكنتَ قاسي ومتخلفِ معاكي ، ذنبكَ الوحيدُ أنكَ حبيتيني منْ قلبكَ وأنا مقدرتشْ الحبِ دا ، بالعكسِ أنا دستْ عليهِ وعليكي ، كنتَ معمى ، ربنا خدَ حقكَ منيَ وبنفسِ الطريقةِ الليُ بنتكَ دعتْ عليا بها زمانا ، بنتي بتموتْ وأنا لا أستطيعُ اعملها حاجةً ، زوجتي بتقولي أنهُ ذنبكَ ، الكلَ بقولِ أنهُ ذنبكَ ، سامحيني ، وانا وعدَ منيُ هلاقي زمرد ، هيَ غاليةٌ عليكي أنا هلاقيها واعوضها على الليِ عملتهُ فيها زمانٌ ، تساقطتْ دموعُ خضرتيهْ في وقتِ لنْ ينفعهُ بهِ الندمُ ، كيفَ ولا ، وقتُ الصفحِ قدْ دهبْ هيَ تحتَ تربتها وروحها عندَ خالقها ، فكيفَ لها أنْ تجيبهُ أوْ تصفحُ لهُ
**************************************************
بعدٌ حفلةِ خلودِ عادةِ صابرةَ إلى بيتِ أبيها ، وانهمكتْ في تصاميمِ أزيائها ، كانَ والدها يقرأُ قرآنهُ ويوسفْ يجلسُ بجانبهِ منشغلاً بحاسوبهِ ، قفلٌ يأمنُ المصحفُ بعدَ أنْ أكملَ آياتهِ ثمَ حدقَ بابنتهِ المنشغلةِ وقالَ بهدوءِ ” صابرهُ ” رفعتْ عيونها لهُ وتوقفتْ عنْ الرسمِ ابتسمَ والدها قائلاً ” فارسَ طالب أيدكَ ” نضرةً لهُ عدةُ توانٍ قبلَ أنْ تضحكَ بملأِ فاهها وقالتْ ” أنتَ تمزحُ يا بابا ؟ ! ”
نفى برأسهِ مردفا – بجديةٍ – ” لا يا صابرةُ ، فارسُ فعلاً طالب أيدكَ ، وأنا قولتلهْ أني هفكرْ وارد عليهِ ”
علتْ ملامحَ وجهها بالضيقِ وقالتْ – بجديةٍ – ” أنا عارفةٌ حياةُ فارسِ المشرفةِ ، قولهُ طلبهُ مرفوضٌ ”
اقفلْ يوسفْ حاسوبهُ وقالَ برزانةِ بعدَ أنْ حولَ نظراتهِ لأختهِ ” أديهِ فرصةً ”
نفتْ برأسها قائلةً ” فارسِ أنانيٌ ، غيرَ أنهُ بتاعْ بناتٍ ومصالح ، ولوْ فاكرينهْ طالبَ أيدي لوجهِ اللهِ تبقوا غلطانينْ ”
حدقَ بها والدها بعدمِ رضى قبلَ أنْ يقولَ يوسفْ بتفهمِ ” أنتي معاكي حقٍ ”
نضرٍ لهُ والدهِ بغيضٍ قبلَ أنْ يقولَ ” أنتَ عاجبكْ كلامها ”
أومأَ لهُ بإيجابِ فقالتْ صابرةُ وهيَ تجمعُ أوراقها بعدَ أنْ استقامتْ ” بلغهُ رفضي ” غادرتْ بعدها للأعلى بينما والدها تنهدَ بسخطٍ وقالَ بأسى ” البنتِ دي عنادية ” ثمَ حدقَ بيوسفْ الذي كانَ قدْ عادَ للانشغالِ بحاسوبهِ وأردفَ باستفهامٍ ” أنتَ موافقها ” أبعدَ يوسفْ بصرهُ عنْ الحاسوبِ وقالَ بعدَ أنْ نضرَ لهُ ” كلِ حاجةٍ بالرضى يا بابا ، غيرَ أننا كلنا عارفينَ أنهُ فارسُ نسخةً عنْ يامنْ ، محتاج مصلحتهِ لا غيرُ ”
حدق به مطولا قبل أن يقول بجديه ” ما أنا أخدت رأيها ،وهي رفضت ” ثم اضاف بتسائل ” أختك بتكرهه”
اومأ له قائلا ” لأنها فاهمة انه هو عايز يشتغل معاها عشان هي معرفة في السوق وتصاميمها دايما بتجيب ارباح ، غير بلاش تنسى انه فعلا بتاع بنات ”
زفر يامن بشدة وقال ” مش عارف ليه طالع لابوه ، هبلغه رفضها ”
أوما له وأعاد تركيزه على حاسوبه ، رن جرس المنزل ، نضر يوسف لأبيه وقال بإحترام ” خليك انت ”
ابتسم له قبل أن يستقيم يوسف ويفتح الباب ، رفع حاجبه بتعالى بعد أن نضر إلى جاويد اللذي يحمل حقيبة ملابسه ، إغتاض جاويد من نظرات التشفي تلك قبل أن يزيحه بغيض وقال ” يا اخي حتى قول السلام وعليكم ”
اقفل يوسف الباب وهتف بملل ” والله كنت عارف انك هترجع ”
زفر بغيض قبل أن يدلف للصالون ثم ابتسم ليامن الذي رحب به ” اهلا وسهلا يا ابني ”
ابتسم جاويد وجلس مردفا برحابة صدر ” شكرا يا عمي يامن ” ثم التف الى يوسف الدي جلس مقابله وقال بغيض ” أحسن من ابنك الى حتى السلام مش قالها ليا ”
نضر يامن لابنه وقال بعتاب ” عيب عليك ،دا ضيفك ”
اومأ لوالده وقال بإحترام ” معلش يا بابا ” ثم نضر إلى جاويد مردفا ” مشرفنا كتير ،على اساس مش هترجع ”
استقام يامن مردفا ببشاشة اسبكم مع بعض ثم غادر ، نضر جاويد الى يوسف وقال بعد أن تمدد على السرير ” هطلق من شرين ، جيت عشان اغير جو ”
اومأ له مردفا بإستفهام ” ايه السبب المره دي؟!”
حدق به بملل قائلا ” النسوية الى هي من حزبها ، حقوق ، وسهرات كإني مش موجود ”
اعاد يوسف راسه للخلف وقال بشرود ” انت عارف ان لاهي من دينك ولا من تقاليدك ،علاقتك بيها فاشلة من الاول بس انت اتحمست ، وعجبك الصنف الاجنبي ،اهي أخرتها ” ثم أعاد رأسه للأمام وقال بتسائل ” هتعمل ايه في بنتك ؟!”
اعتدلَ جاويدْ وقالَ بضيقِ ” هاخدْ البنتِ منها ، واجبها هنا ، وبعدها أشوفْ مربيةً ” أوما لهُ وقالَ بعدَ أنْ غلبهُ النومُ ” أتمنى المرةُ دي تختارُ صحَ ، شوفْ ليكُ بنتِ بلدكَ ، تصونكَ ، مشٌ واحدةٍ لا عارفْ بتجي منْ فينْ ولا بتروحْ فينْ ” زفرَ جاويدْ قائلاً ” تفتكرُ دا تخليصِ حقٍ ؟ ! ”
ابتسمَ يوسفْ ساخرا ” ، الليُ عملتهُ في بناتِ الناسِ بيتردْ يا جلالٌ ” لمْ يجبهُ بلْ كانَ ينظرُ للقصفِ إلى أنَ غلبهُ النومَ نضرٌ لهُ يوسفْ وقالَ بضيقِ ” مشِ عارفْ آخركَ أنتَ كمانُ ”
**************************************************
توالتْ الأيامُ بعدَ آخرٍ لقاءٍ لزمردِ بعائلتها ، مسحتْ زمردَ عرقِ جبينها منْ تلكَ الشمسِ الحارقةِ التي أهلكتها بينما تصلحُ السيارةُ ، زفرتْ بضيقٍ كبيرٍ بعدَ أنْ تذكرتْ لقاءها بوالدها ، سريعا ما شقتْ ابتسامةَ عريضةٍ وجهها بعدَ أنْ تذكرتْ يوسفْ ، ضحكتْ بخفةٍ وهمستْ ” بقيَ قمرُ أكثرَ منْ الأولِ ” جالتْ ببالها ذكرياتها معهُ وقالتْ بعدَ أنْ شدقتْ شفتاها ” أكيدَ إتجوزْ وخلفَ ”
نضرٌ لها رئيسُ عملها وقالَ ” خلصتْ يا زيدانْ ” انتشلها منْ أفكارها ، أومأتْ لهُ قائلةً باهتمامٍ ” خلصتها يا معلمٌ ، كانَ بسْ في مشكلةٍ صغيرةٍ في محركِ العربيةِ ، معَ داخلكَ لازمٌ يغيرها دي منْ زمنِ كليوباترا ”
ابتسمَ على كلماتها مردفا ” معلشْ أنتَ عارفْ الناسِ على قدها ”
أومأتْ لهُ بإيجابٍ وقالتْ ” اللهَ يكونُ في عونِ أيِ واحدٍ ” ثمَ استرسلتْ بتساؤلِ ” هتدفعليْ كم في دي ”
نضر لها بتمعنِ وقالَ ” خمسينَ ”
نضرةً لهُ باستنكارِ وقالتْ ” اللهَ اللهَ ، أنتَ بتهزرْ ، أنا طلعٌ روحيٌ فيها ”
حدقَ بها بغيضٌ ” أنا مشٌ كاسبْ فيها أصلاً عشانِ اديكْ أكترِ ، ما أنتَ بنفسكَ قلتها مشكلةً صغيرةً ”
تمتمتْ بغيضٍ منْ بخلهِ وقالتْ بضيقِ ” ماشي ، كلهُ منْ ربنا ” ثمَ استرسلتْ ” اللهَ وكيلكَ لوْ أكلتني في قرشِ إنْ شاءَ اللهُ محلكَ يولعُ ”
حدقَ بها بأعينِ متسعةٍ قبلَ أنْ يعطيها نقودها ويقولُ بتكبرِ ” روحُ يا زيدانْ ، أنتَ منْ غيري ولا حاجةً ”
زفرتْ تنظرُ لهُ بإشمأزازْ كادتْ أنْ تجيبهُ إلا أنها رحلتْ تسبهُ بأسوأ ما تعرفُ ، لعلَ اللهَ يخفي لها عملٌ آخرُ ، بهِ ألفُ خيرٍ عنْ ذاكَ
بدأتْ المشيَ نحوَ الحديقةِ التي تنامُ بها وجدتْ العمَ مرسي يجلسُ على الأرضِ ، حدقتْ بهِ بهلعِ وأسرعة نحوهُ ، جلستْ على الأرضِ ، أمسكتْ رأسهُ تضعهُ على ركبتها ، هتفتْ بخوفِ ” عمي أنتَ كويسْ ؟ ! ”
نفى برأسهِ وقالَ بصوتٍ متقطعٍ بعدَ أنْ أمسكَ قلبهُ ” خدي بالكَ منْ نفسكَ يا زمردٌ ، أوعي تفرطي فيها ”
نفتْ برأسها وعرفتْ الدموعُ طريقا لعيونها وقالتْ منْ شدةِ رعبها ، أنتَ هتبقىْ كويسْ خليكْ معايا
نفى برأسهِ وقالَ بصعوبةِ ” خليكي جدعهُ زيُ ما عرفتكَ قويةٌ مشَ بتتهزْ بحاجةٍ ”
أومأتْ برأسها ودموعها تتساقطُ وقالتْ بضعفِ ” متسبنيشْ ، مليشْ حدُ غيركَ بعدَ ربنا أنتَ أبويا وسندي ”
تألمَ على كلماتها وقالَ بأسى ” سامحيني مشَ هقدرْ أبقى معاكي أكترِ منْ كدهِ ” وقعتْ يدهُ منْ عليها مما جعلها تفقدُ النطقِ من صدمتها ، احتضنتهُ كما احتضنتْ والدتها وبكتْ ألما وحزنا ، تجمعَ الناسُ أثرَ صراخها يلتفونَ حولها ، اتصلَ أحدُ منهمْ على الإسعافِ بينما هيَ قلبها كانَ ينزفُ دماءً على فراقِ والدها الروحيِ
*****************************************************
دهبْ فارسِ للملجأ وقابلَ مديرتهُ ، جلسَ أمامها بتكبرِ بعدَ أنْ وضعَ قدمَ فوقَ الأخرى وقالَ ” يا أستاذةٌ أنا لوْ منكَ اقبلْ بالشيكِ دا وأخلصَ ، كذا كذا أنتَ مشُ هتخسري حاجةً نفتْ برأسها قائلةً ”
أنا فاهمةٌ الليِ زيكَ يا فارسُ بيهْ ، يكنْ في علمكَ أنا ضدُ أني أسيبْ الميتمِ ”
زفرَ فارسُ بضيقٍ وقالَ ” ممكنٌ ادفعْ لكَ أكترِ منْ كذا ”
استقامة المديريةِ فجأةَ وضربتْ على المكتبِ بيدها بقوةٍ وقالتْ بصراخٍ منزعجٍ ” اطلعَ برةً ، أنا لا يمكنُ اقبلْ بعرضكَ أوْ أسيبْ الولادْ ”
رفعِ كتفيهِ دونَ اهتمامِ لها وقالَ دونَ مبالاةٍ بعدَ أنْ استقامَ ” سواءُ بإرادتكَ أوْ منْ غيرها ، أنا أصلاً اشتريتْ الميتمُ ، عندكَ لحدِ بكرةٍ يا تفضينهُ ، يا ههدمهْ فوقَ دماغكمْ ” صرختْ بهِ مردفهُ ” الميتمَ لينا لا أنتَ ولا فلوسكَ تقدرُ تعملُ حاجةً ”
ضحكَ بتهكمِ قائلاً بعدَ أنْ عدلَ سترتهُ ” هنشوفْ ” رمى كلامهُ وغادرَ تاركا إياها تشتعل ، كانتْ سناءْ تجلس رفقةَ الأولادِ خائفةٌ منْ أصواتِ الصراخِ الصادرةِ عنْ الخارجِ ، فتحتْ المديرةُ البابَ ونضرتْ لها وللأطفالِ وقالتْ بلطفِ ” مافيشْ حاجةَ كلِ شيءٍ جيدٍ ”
أومأَ لها الأطفالُ ، فقالتْ لهمْ أنْ يعودَ كلٌ واحدٌ لما كانَ يفعلهُ ، أومأَ الأطفالُ مغادرينَ ، بينما نضرةٍ لها سناءْ وقالتْ بخوفٍ ” حصلَ إيهْ ؟ ! ”
نضرةً لها المديرةُ بحزنٍ وقالتْ الليَ اشترى الميتمُ عايزْ ياخدهْ ، ويرمينا برةً ” نضرةً لها بخوفٍ وقالتْ ” والعملُ ؟ ! ”
زفرتْ باستسلامِ قائلةٍ ” مش عارفةٍ ” فكرتْ قليلاً وقالتْ ” اتصلَ على زمردِ أشوفْ لوْ ممكنٍ تلاقي حلٍ ”
أومأتْ لها وغادرتْ بينما اتصلتْ سناءْ على زمردٍ تخبرها بما حدتْ ، لمْ تكنْ بحالِ أفضلَ فهيَ منهارةٌ بعد أن اخدت العم مرسي الى الدفن مع دالك حاولتْ إخفاءَ حزنها ، ما أنْ علمتْ ما حدثَ حتى أخذتْ عنوانَ مقرِ شركةِ فارسِ وغادرت لهُ
وقفتْ تتمعنُ في تلكَ الشركةِ تحدقُ بعلوها ودخلتْ ، نضر لها الحارسُ وقالَ بجديةِ ” رايحْ فينْ ؟ ! ” حدقتْ بهِ بضيقٍ وقالتْ ” محتاجةً أشوفَ فارسُ بهِ ” نضرٌ لها بسخريةِ وحدقَ بملابسها يطالعها بإشمأزازْ قبلُ أنْ يقولَ ” مشُ بشوفْ الأشكالُ دي ” حلٌ عليها الغضبُ وأمسكتهُ منْ ياقةِ ملابسهِ الأماميةِ ودفعتهُ بقوةٍ للداخلِ ، دخلتْ الشركةُ وصرختْ بأعلى ما لديها ” فارسَ ، فارسُ ” جدبها الحراسَ منْ يدها يبعدونها للخارجِ بينما هيَ تحاولُ الفرارَ منْ يدهمْ ، خرجَ فارسُ إثرَ تلكَ الفوضى وقالَ بانزعاجِ ” مين بصرخْ؟!”
حدقتْ بهِ زمردٌ وقالتْ بلهفةِ ” عايزة أكلمكُ يا بيهْ ”
تذكرُ فارسِ أنهُ نفسُ الولدِ بالمقبرةِ ، أشارَ الحراسُ بأنْ يتركوهُ ، ثمَ نزلَ متوجها نحوهُ ” حدقَ بهِ منْ الأسفلِ للأعلى وقالَ بضيقِ ” خيرٍ ، إيهْ المهزلةِ إلى عاملها !؟”
نضرةً لهُ زمردٌ وقالتْ بضعفٍ ” الميتمِ يا بيهْ بلاشِ تهدهُ ، دا كافلٍ أطفالِ كثيرٍ منْ غيرِ بيتٍ أو عائلة ”
زفرَ بمللٍ وقالَ بسخريةِ ” أنتَ شكلكَ خريجَ بيتِ الأيتامِ ” شعرتْ بسخريتهِ ولذاعة كلماتهُ وقالتْ بضعفِ ” فعلاً يا بيهْ أنا كبرتْ فيهِ ، وأخواتي فيهِ ، أبوسُ أيدكَ بلاشِ ترمينا برةً ”
هزَ كتفيهِ بمللٍ وقالَ ” أنا اشتريتهُ ، وأنتمْ فضوهُ عشانِ لازمني ، بكرهِ عايزهْ خالٍ ” حدقتْ بهِ لبرهةِ وقالتْ ” حطَ نفسكَ مكانهمْ هيروحوا فينْ دولِ أطفالٍ ” لمْ يلقَ لها بالاً وقالَ ” مشُ مشكلتي ، وانا ادتكمْ أربعَ وعشرينَ ساعةً عشانِ تفضونهُ ، دا منْ خيريٍ ، غيري كانَ رماكمْ في ساعتها بسْ أنا إنسانُ كويسْ ” ثمَ استرسلَ بتفكيرِ ” الوقتِ إلى بتضيعهْ معي روحُ دورِ فيهِ على مكانٍ يأوي المتشردونَ زيكَ ” كانتْ تنضرْ لهُ وللحضة بدأتْ ترى والدها ، نعمَ نفسَ قسوتهِ وتجبرهِ ، لاحة ابتسامةً ساخرةً حزينةً على ثغرها ونضرتْ لهُ بعيونٍ كلها حقدٌ وخيبةٌ وقالتْ بضعفٍ ” استقويتُ بفلوسكَ ، ولا فلوسَ أبوكْ ، بسْ افتكرَ هيجي يومَ لاينفعْ فيهِ مالٌ ولا بنونٍ ، وساعتها هتفتكرْ ضعفيْ قدامكَ وتعرفَ دنبْ مين ضربكَ ” كلماتها القليلةَ جعلتْ جسدهُ يهتزُ غضبا منْ دعائها داكْ رفعَ يدهِ ليضربها ، بينما عيونها منحدرةً للأسفلِ ، امسكْ يوسفْ يدهُ وظهرَ منْ العدمِ ، مردفا بحدةِ ” نزلَ أيدكَ يا فارسُ ” جدبَ فارسُ يدهُ وعيونهُ تشعّ احمرارا وشرا وقالَ بغضبِ ” الولدِ دا مشٌ متربي”
حدقتْ فيهِ زمردُ بتمردٍ وغضبٍ وقالتْ بصوتٍ عالٍ ” أنتَ الليُ مشَ شايفْ تربيةٍ ، وبتستقويْ بفلوسكَ ومكانكَ ، عايزْ ترمي عيالَ أكبرَ واحدٍ فيهمْ عشرُ سنينَ عشانِ معاليكَ تاخدْ بيتهمْ وتحطُ فيهِ مشاريعكَ ” ثمَ استرسلتْ بإشمأزازْ ” واحد حقيرٍ مشِ عارفْ معنى إنسانيةٍ ، يا أخي اعتبرَ أختكَ محتاجةً ملجئا وأنتَ تجيْ تدمرهُ ”
لمْ يرفْ لهُ جفنٌ وقالَ ببرودِ عرفَ بهِ رجالُ الأعمالِ القساةِ ” أعلى ما في خيلكَ اركبهُ ” ثمَ استرسلَ بتشفي ” أختي ليها بيت وعيلةً ، شوفْ أنتَ الليُ يمكنُ مشَ عارفْ أصلكَ لا أنتَ ولا الليُ معاركَ ”
احمرتْ عيونها وأمسكتْ بهِ منْ مقدمةِ ملابسهِ وقالتْ بصراخِ ” واللهِ أنتَ الليُ لا ليكُ أصل ولا غيرهُ يا ابن الحرامِ ، لوْ كانَ أبوكْ مربيكَ عمركَ ما تكونُ بالدناءةِ دي ، العيبُ مش عليكَ ما ولادْ الرقصاتُ دائما بيطلعوا كدهُ ” جدبها فارسَ منْ تلابيبِ ملابسها بقوةٍ وكانَ يرغبُ بالفتكِ بها فمنْ هوَ الذي يستطيعُ ادلالهْ واستحقارهُ وأهانتهُ ، كانَ يوسفْ ينضرْ إلى تلكَ المشاحنةِ وجدبها منْ يدِ فارسِ صارخا ” كفايةً لحدِ هنا أنتمْ الاثنينِ ”
حدقتْ بهِ زمردٌ بقوةٍ وقالتْ ” اعملها لوْ راجلٍ ، يا ابن الراقصةِ ” وقبل أنْ يردَ جدبها يوسفْ ودفعها للخارجِ بعنفِ حتى سقطتْ ، تأوهتْ بقوةِ بعدَ أنْ جرحتْ يدها ، ثمَ عادَ إلى فارسِ الذي كانَ قدْ وصلَ إلى حدِ الانفجارِ ، حدقَ بهِ بجديةِ وقالَ ” أهدى ، على ما أرجعَ ”
صرخَ بهِ بقوةِ ” وقسما باللهِ وبالليِ خلقني لأسيبهْ يتعفن في السجنِ ” علمَ يوسفْ أنهُ غاضبٌ فتركهُ وخرجَ ، بينما صعدَ فارسُ إلى غرفةِ مكتبهِ ، التي قلبَ أسفلها أعلاها منْ شدةِ غضبهِ ، لقدْ أهانهُ وأهانَ والدتهُ ، فكُ عقدةِ رباطِ عنقهِ ، وجلسَ على الكرسيِ بقوةِ زافرا الهواءُ وتوعدَ لزيدانْ بأبشع مصيرٍ
عادَ يوسفْ إلى الخارجِ ، وجدها تحاولُ الوقوفَ ، تنهدَ وتقدمَ نحوها نزلَ على قدميهِ وقالَ بعدَ أنْ نضرَ إلى يدها ” بتوجعكَ ؟ ! ” نفتْ برأسها وحدقتْ بهِ غاضبةٌ ، ابتسمَ على تصراتة وقالَ ” معلشْ فارسُ مشَ هيسيبكْ ، مشُ بشوفْ قدامهُ لما يعصبُ ، كانَ لازمٌ اعملْ كدهُ ” لمْ تجبهُ واستقامتْ منزعجةً منْ تعاملهِ ، استقامَ هوَ الآخرُ وقالَ بعدَ أنْ ابتسمَ على حنقِ الآخرِ وقالَ ” إيهْ الليِ وقعكَ في طريقِ فارسِ ”
نضرةً لهُ وقوستْ حاجبيها وقالتْ ” عايرز يهدمُ الميتمُ الليُ اتربيتْ فيهِ ، واحدَ واطي ”
رفعِ يوسفْ حاجبهُ بعدمِ رضى وقالَ بغلبٍ بعدَ أنْ لأحضَ يدهُ التي تنزفُ ” أنتَ ليكُ جميلِ معايا ، تعالى هاخدكْ للمستشفى نشوفْ أيدكَ ”
نفتْ برأسها وقالتْ بعدَ أنْ نضرتْ إلى يدها ” مش مهمٍ ، لازم أروحَ ، الولادْ هيكونوا خايفينْ ”
أومأَ لها وقالَ ” ممكنٌ أوصلكَ ، فينْ المكانِ ؟ ! ”
زفرتْ بحنقِ وقالتْ ” ممكنٌ تبعدُ عني ؟ ! ” نفى برأسهِ وقالَ باهتمامِ ” تعال معايا ” جحضتْ عيونها بعدَ أنْ جدبها منْ يدها يسيرُ بها للأمامِ ، أركبها سيارتهُ عنوةٍ ، ثمَ ركبَ وأقفلَ البابُ صرختْ بهِ بضيقٍ أنتَ مجنونٌ يا أخٌ ؟ ! لمْ يجبها بلْ ساقَ صامتا ، رنَ هاتفهِ ، فأمسكَ بهِ بينما يقودُ وأجابَ ، تغيرتْ ملامحَ وجههِ قبلَ أنْ يقفلَ ، أوقفَ السيارةَ وأغمضَ عيونهُ بضيقٍ
حدقتْ بهِ ترمشُ أهدابها عدةَ مراتٍ وقالتْ باستفهامِ ” مالكِ ياسطا ؟ ؟ ”
فتحُ عيونهِ وقالَ ” ضاعتْ مني ”
رفعتْ حاجبها فاسترسلَ ” بنتُ بدورٍ عليها ، الخيطُ الوحيدُ هوَ الرجلُ الليُ لقاها كنتَ محتاج أكلمهُ ، بسماتِ اليومِ ” جحضتْ عيونها وبلعتْ ريقها وقالتْ بتساؤلٍ ” يعني ، مشٌ هتلاقيها ؟ ! ” تأففٌ قبلَ أنْ يصلهُ إشعارٌ على هاتفهِ ، أمسكهُ وقراهُ ، ثمَ قالَ لها ” الحمدُ للهِ المهمِ عرفتْ المكانَ إلى أخذها ليهُ ” ثمَ استرسلَ بتساؤلِ ” عندكَ أيَ مشاغلِ اليومِ ؟ ! ”
كانتْ مثلٌ منْ تلقى صفعةً على وجهها ونفتْ دونَ وعيٍ ، أومأَ لها وقالَ ” هاخدكْ معي لازمٌ أروحُ بسرعةِ المديرةَ أكيدٌ تكونُ عارفةً مكانها ” بلعتْ ريقها ولمْ تجبهُ فحركَ سيارتهُ ، بينما هيَ ابتلتْ في ملابسها ، كيفَ والآنُ لمْ يعدْ بينها وبينَ كشفِ هويتها سوى دقائقَ ، أما يوسفْ فقدْ كانَ فرحا ، أخيرا وجدَ شخصا يعلمُ أخبارها بلْ إنها حيةٌ ترزقُ
وصلَ أخيرا أوقفَ سيارتهُ بعيدا ، فقالتْ زمردٌ بعدَ أنْ نزلتْ منها بسرعةِ ” شكرا يا باشا أنا عندي شغلَ هنا ” لمْ تتركْ لهُ مجالاً للإجابةِ وركضتْ منْ أمامهِ ، استغربَ يوسفْ إلا أنهُ نزلَ منْ السيارةِ عازما على العثورِ على غزالتهِ الضائعةِ ، ركضتْ زمردَ بسرعةِ عبرِ طريقٍ مختصرٍ حتى تصلَ قبلَ يوسفْ ، وتقولَ للمديرةِ أنْ تنكرَ وجودها حتى لا يعلمُ يوسفْ هويتها ، توجهتْ إلى الميتمِ ، لكنها توقفتْ فجأةً ، علقتْ عيونها على الناسِ الملتفينَ حولَ الميتمِ ، هلعُ قلبها منْ تلكَ النارِ التي تأكلُ المكانَ الذي تعيشُ فيهِ ، ركضتْ بأقصى ما لديها مثلٌ البلهاءِ تتخطى الناسَ ، تحاولَ الوصولَ إلى بابِ الميتمِ ، جدبها رجالُ الإطفاءِ بقوةٍ ، يبعدونها عنْ المكانِ حتى لا تتأذى ، صرختْ بأقصى ما لديها تنفي مايحدتْ ” لا ” ضلتْ تصرخُ بها ، الآنُ عادةً وحيدةً الآنِ – بالفعلِ – أصبحتْ دونَ مأوى أوْ ملجأٍ ، صرختْ وصرختْ ، قاطعها صوتُ سناءْ الباكي التي ظهرتْ منْ وسطِ الناسِ تحملَ ابنها وهيَ تركضُ نحوها بمنامهِ النوم خاضتها وجسدها مملوءٌ بالحممِ السوداءِ ، استقامتْ زمردَ بسرعةِ وركضتْ لها تحتضنها بقوةٍ هيَ وابنها تنهدتْ بارتياحِ قليلاً بعدَ أنْ وجدتْ أنها على تزال على قيدِ الحياةِ ، احتضنتها سناءْ وقالتْ بانهيارِ ” كلِ أخواتنا ماتوا ، بتنا راحَ ”
صدمتْ مما صدرَ عنْ لسانِ سناءْ ، ارتخى جسدها وسقطتْ على الأرضِ تنظرُ إلى البيتِ الذي أكلتهُ النيرانُ ولمْ ترحمْ أحدا بهِ ، تحطمُ حلمها واختفى عنْ الوجودِ ، خوفها منْ الوحدةِ ، عالها دمرَ مرةً أخرى ، نزلتْ الدموعُ منْ عيونها بشكلٍ مرهفٍ ، شعرتْ كلَ شيءٍ سعتْ لأجلهِ دهسٍ بحجرةٍ كبيرةٍ ولمْ يعدْ بالوجودِ ، ضحكاتُ إخوتها الصغارِ ترنُ بأذنيها ، عتابُ مديرتها ، شعرتْ زمردَ نفسِ شعورِ فقدانِ والدتها بلْ أكثرُ ، لكنْ كلُ ما كانَ منها هدهُ المرةَ هوَ الصمتُ ، هذهِ المرةِ لمْ تصرخْ أوْ تعلقُ على ما حصلَ لها بلْ كانتْ مثلٌ الصنمِ لا تتحركُ فقطْ تنظرُ إلى النارِ تأكلُ الميتمَ هيَ وسناءٌ ، يرونَ أحلامهمْ وأمانيهمْ تختفي وتمحى منْ الوجودِ ، العائلةُ الوحيدةُ التي احتوتهمْ مسحتْ عنْ العالمِ ما أنْ سمعَ أنَ الميتمَ قدْ اشتعلَ بالنيرانِ منْ المارةِ حتى ركضَ دونَ عقلِ خوفا على فقدانها مرةً أخرى ، لكنهُ وجدَ زيدانْ يجلسُ على الأرضِ حالتهُ مثلٌ الصنمِ ، حدقَ بهِ ، نزلَ يجلسُ بجانبهِ ، كانتْ تحدقُ بالفراغِ واللا شيءٍ خسرتْ معركتها ضدَ الخوفِ منْ الفقدانِ مرةً أخرى ، فقدتْ الأبَ الروحيَ لها مرسي والأمِ الثانيةِ مديرتها والأطفالُ اللذينِ بمتابة عائلةً لها ، جدبها يوسفْ لأحضانهِ بقوةِ بعدَ أنْ رأى حالتهُ المدمرةَ وتلكَ النضرةِ الخاليةِ منْ الروحِ ، شعرَ أنهُ يحتاجُ إلى منْ يقولُ لهُ أنهُ بجانبهِ وأنا كلِ شيءٍ سيكونُ بخيرٍ ، ما أنْ استشعرتُ داخلكَ الحضنُ الدافئُ ، دالكَ السندَ ، حتى انهارتْ حصونها وظهرَ ضعفها ، صرختْ بأقصى ما لديها مرةُ واثنانِ وتلاتهُ حتى كادتْ أنْ تتقطعَ حبالها الصوتيةَ ، انسابتْ دموعها بينما كانتْ سناءْ تبكي بالمثلِ البيتِ الذي كانَ مأوى لهمْ ، الأطفالُ اللذينِ كانوا عائلةً لهمْ كلِ شيءٍ ذهبَ مذهبُ الرياحِ ، أغمضَ عيونهُ متألما على ما حلَ عليهِ ، وقالَ بألمٍ مماثلٍ فهوَ الآخرَ فقدْ أخرَ خيطا يلاقيهُ بحبيبةِ قلبهِ ” كفايةً يا زيدانْ ، مشٌ أنتَ بسْ إلى خسرتْ ، أنا كمانٌ خسرتْ “

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية مرارة العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *