رواية كواسر أخضعها العشق الفصل السابع 7 بقلم نورهان آل عشري
رواية كواسر أخضعها العشق الفصل السابع 7 بقلم نورهان آل عشري
رواية كواسر أخضعها العشق البارت السابع
رواية كواسر أخضعها العشق الجزء السابع
رواية كواسر أخضعها العشق الحلقة السابعة
يحدث أن تسلُك كل الطرق للهرب من هيمنة شخص ما استملك كل ذرة من كيانك وطغى هواه للحد الذي يجعلك عاجزًا عن مقاومته، ولكن ما إن تغادره يجتاحك شعور مَضَّاء بالغربة وكأنك طير طَرِيد يشتاق لتراب وطنه.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
_ ألم يحن الوقت للعودة بعد؟!
هكذا تحدث “شاهين” بنبرة عالية يغلب عليها الامتعاض الذي لون معالمه، فلفت انتباه “هناء” التي التفتت تحتوي انزعاجه بعناق شغوف واضعه قبلة صغيرة على وجنته وهي تقول باستعطاف:
_حبيبي لا تقل أنك مللت فالسهرة ما زالت في بدايتها.
رمقها باستياء تجلى في نبرته حين قال:
_ لا أحتاج إلى أن أقول أنني مللت، أنتظر أن تلاحظي ذلك بنفسك.
تصاعدت أبخرة الغضب إلى رأسها ولكنها حاولت تجاهلها وإضفاء الحزن على لهجتها حين قالت:
_هل مللت مني؟!
ارتفع إحدى حاجبيه وكأنه يخبرها بأن خداعه ليس بالأمر السهل ولكنه اكتفى بتصحيح ظنها قائلًا بفظاظة:
_ لقد مللت من كل هذا الصخب وهذه الضوضاء.
_ “شاهين” أرجوك هذا شهر عسلي وأريد أن أستمتع قدر الإمكان.
هكذا تحدثت بحنق تجاهله فأخذ ينظر أمامه باستياء فلم يكن من محبين الضجيج أو الأصوات العالية بل كان أكثر من ينشد الراحة والهدوء وعلى ذكر الهدوء أخذ قلبه يستعرض بعضًا من ذكرياته معها.
عودة لوقت سابق..
_ حبيبتي هيا سنتأخر على الحفل.
هكذا صدح صوت “شاهين” وهو يدخل إلى الشاليه الخاص بهما في أحد المناطق الساحلية وأخذت عيناه تبحثان عنها في كل مكان إلى أن سمع صوت طرقات كعب حذائها يأتي من أعلى الدرج فارتقى بنظراته إلى حيث تقف ليتوقف الزمن به لثوانٍ وهو يبصر جمالها الأخاذ بذلك الثوب الأسود الرائع عاري الأكتاف والذي يحتوي تقاسيم جسدها الكُمثري مبرزًا بجود منحنياته الخلابة وينتهي عند حدود ركبتيها الوضاحة لينبلج ذلك التضاد بينهما بطريقة أججت نيران الشوق والرغبة بقلبه الذي تعانقت دقاته مع ضربات حذائها ذو الكعب العالي وهي تهبط الدرج الذي ما أن وصلت إلى نهايته حتى وهبته أجمل ابتسامتها التي لطالما زينها الخجل راويًا خديها فنبت الورود فوقه وعيناها المتلألئة بوميض العشق الذي أوقد الهواء حولهما فشعر بالاحتراق الهائل بين أوردته من مجرد نظرات عابرة إلى حُسنها الذي ضاعفته خصل شعرها التي تناثرت حولها بصخب وتحدٍ مهووس يشبه هوس قلبه بها.
_ لقد انتهيت من تجهيز نفسي، ما رأيك؟!
هكذا أجابته بلهجة خجولة متوترة من نظراته الجريئة وعيناه اللتان أظلمتا برغبة قاتله سرعان ما تحولت إلى غضب حارق تجلى في نبرته حين قال:
_أجننتِ يا “هدى”؟! هل تظنيني أخرق لأجعلك تخرجين بهذه الثياب أمام الرجال؟!
تجاهلت غضبه واقتربت منه بخطٍ وئيدة وعينان براقتان وهي تقول بنبرة خافتة:
_لا داعي لأن تغضب هكذا، لم أكن أقصد إزعاجك.
أجابها بفظاظة:
_ ماذا تقصدين إذن من ارتدائك هذه الثياب ونحن بصدد الخروج؟!
توقفت على بعد عدة خطوات منه وهي تقول على استحياء:
_كنت أفكر ماذا لو أقمنا حفلًا خاصًا بنا هنا؟
ضيق عينيه وهو يناظر بترقب توترها الملحوظ وشفتيها المذمومة برقة ويديها اللتين كانت تفركهما ببعضهما البعض وسرعان ما تبدلت نظراته إلى العبث وهو يقترب منها بخطٍ سلحفية وعيناه تأسران عينيها كما أسر خصرها بذراعيه حتى امتزجت أنفاسهما ليقول هامسًا أمام شفتيها:
_أشعر بأن أحدهم يفكر في مفاجأتي هل هذا صحيح؟!
بللت حلقها الذي جف من اقترابه منها بتلك الطريقة ثم بصعوبة حاولت إخراج صوتها ليبدو همسًا على أذنيه:
_ليس أحدهم، إنه أنا، ونعم أود مفاجأتك لو لم يزعجك عدم الخروج اليوم.
خجلها وهمسها وارتباكها وأيضًا خداها المتوردان كل تلك الأشياء تثيره حد الجنون الذي يحاول كبحه الآن حتى لا يفسد مخططاتها لذا مرر أنفه على ملامح وجهها إلى أن وصل إلى أذنيها فهمس من بين أنفاسه المحمومة:
_وجودك دواء فعال لكل أنواع الإزعاج، يكفي أن تكوني بجواري لأكون في قمة السعادة واللهفة.
صمت لثوانٍ يناظرها بشغف رأى وقعه على جسدها المرتجف بين يديه ثم أردف بخشونة:
_لذا هيا فاجئيني حتى أستطيع أن أروى ظمأي منكِ فأنا بالكاد أسيطر على شوقي الضاري لكِ.
تأجج قلبها من فرط السعادة بكلماته التي أكدتها نظراته المشتعلة نحوها وقامت بسحبه من يده دون حديث لتخرج به إلى الحديقة الخلفية للشاليه فإذا به يتفاجئ بروعة المكان الذي زينته بشموع حمراء وأخرى بيضاء على شكل ممر طويل ينتهي بقلب يتوسطه طاولة وضع فوقها قالب من الحلوى وبجانبه اثنان من الشمعدان مع أنواع عديدة من الشراب صُفت بطريقة منمقة جذابة وكذلك كان المكان بأكمله بسيط ورائع للحد الذي جعله يمد يديه بغتة لتحتضن خصرها بقوة رافعًا إياها بأحضانه حتى باتت أقدامها لا تلامس الأرض فأطلقت شهقة قوية من فعلته المباغتة ولكن سرعان ما علقت أنفاسها بصدرها حين اقتنص شفاها بخاصته في قبلة شغوفه تعبر عن مدى سعادته بما رآه… واشتد عناقه لها تأثرًا بتلك المفاجأة التي أدخلت السرور على قلبه… الذي تعثرت نبضاته بقوة من قربها فأخذ ينهل من رمقها بشغف إلى أن ضاقت رئتيهما وهاجت اعتراضًا فتركها لتسترد أنفاسها الهاربة، فأسند جبهته على خاصتها وهو يقول بصوتٍ أجش:
_ تلك المفاجأة لا تكفيها قبلة واحدة بل لن يكفيها عمرًا بأكمله لوصف مدى روعتها.
اغتبطت بقوة من كلماته التي توحي بمدى إعجابه بمفاجأتها فخرجت حروفها مبتهجة ومتلهفة حين قالت:
_سعيدة لأن مفاجأتي أعجبتك، فقد كان عيد ميلادك الأول ونحن معًا لذا فكرت أن أجعله مميزًا وأن يكن ذكرى جميلة بيننا بعيدًا عن صخب حفلات عيد الميلاد.
أجابها بسرور:
_فكرة رائعة تشبهك، وأنا أحب تكرار تلك الأفكار كثيرًا.
ابتسمت بخجل وقالت بخفوت:
_ أعلم أن الجميع ينتظرنا للاحتفال ولكن أعدك بأن لا نتأخر عليهم و…
قاطعها بلهفة وعينان شغوفتان تهيمان بها:
_فليذهب الجميع إلى الجحيم فذكرى مولدي أصبحت عيدًا؛ لأنكِ معي.
تهللت أساريرها وقالت من بين أنفاسها المتلاحقة:
_إذن لن تفتقد حفلتك الصاخبة التي تقيمها العائلة كل سنة؟!
“شاهين” بعذوبة وعينان يطلان منهما الهيام:
_صخب تلك الحفلات لا شيء مقارنة بصخب قلبي بحضورك.
كان كمن يعبث بإعداداتها وخاصةً حين غازلتها عينيه بتلك الطريقة فعرفت كفوفها طريقها إلى وجهه لتحتويه بحب انساب من بين حروفها حين قالت:
_ كل عام وأنتَ بخير ولتكن جميع أعوامك سعيدة.
صحح كلماتها بنبرة محمومة بوهج العشق:
_كوني معي إذن حتى تكون جميع أعوامي سعيدة.
همست بدلال:
_أنا معك دائمًا.
ابتلع باقي كلماتها بجوفه ليطفئ نيران شوقًا ضاريه لا تهدأ أبدًا.
عودة إلى الوقت الحالي.
_”شاهين”، “شاهين”؟!
أخرجه صوتها من عالمه الذي يحاول الفرار من بين براثنه بكل قوته فالتفت يناظرها بعينين حانقتين من ذلك القلب الذي لا ينفك عن تسميم عقله بذكريات باتت مؤلمة ليسحبه من واقعه إلى حلمًا جميلًا كانت أقصى أمنياته أن يدوم إلى الأبد.
_ماذا بك؟! وبمَ أنتَ سارح؟! ولمَ تنظر إليّ هكذا؟!
قاطع سيل استفهاماتها بقبلة قوية يحاول بها محو ذاكرة لعينة لا تبارح قلبه الذي يحاول تجاهل أنينه قدر الإمكان وعلى الرغم من أن قبلته كانت تُغذيها رغبة عاتية لا مشاعر دافئة ولكنها لم تهتم بل بادلته إياها بشغف حتى فصلها هو ليقول بصوتٍ أجش:
_هيا لنعود.
لهجته وملامحه وعينيه كانت توحي مقدار ما يعانيه من مشاعر مختلطة لا تود معرفة كنهها ولكنها كانت أذكى من أن تجعلها تتفشى أكثر بقلبه وتتملك منه خاصةً وهو برفقتها لذا اتكأت برسغها فوق كتفه فقد كان قريبًا منها نظرًا لأنه كان يجلس وهي واقفة وبيدها الأخرى لامست شفتيه أناملها بإغواء أتقنت تزيين نظراتها به وكذلك نبرتها حين قالت:
_إذن هل تعدني بأن تعوضني عن تلك السهرة بأخرى أكثر جمالًا عندما نعود؟!
كانت قريبة منه بدرجة كافية لتثير غريزته التي استفزتها تلك الذكرى اللعينة وخاصةً وهي تناظره بتلك النظرات المغوية والتي تعد بالكثير والكثير لذا امتدت يديه تجذبها من خصرها بقوة لتلتصق به أكثر وهو يهمس بخشونة بجانب أذنها:
_ أعدك بسهرة أكثر حرارة وشغفًا عزيزتي، الجمال تركته لكِ لتُمتعيني به.
***************
جاء الصباح وبعثرت الشمس أشعتها على ستائر الليل السوداء… فأضحت منيرة متوهجة تبعث الأمل في القلوب أن بعد الظلمات نورًا سيبدد عتمة الماضي وينير الحاضر… ولكن هناك من أحرقته نيران ذلك الماضي ونالت منه ظلمته للحد الذي جعلها تنطبع على ملامح وجهها وذبول عينيها التي ذرفت العبرات كما تذرف السحب أمطارها بعد أن قضت ليلتها بين أحضان رجل جاء من الجحيم ليُجهِز على ما تبقى من حُطامها.
كتمت شهقاتها بصعوبة حتى لا تصل إلى أذنيه فقد تسللت من بين أحضانه التي حاوطتها بعد ليلة مشتعلة قضتها بين ذراعيه مغيبة عن واقعها الأليم وهو أن هذا الرجل قتل والدها، شهقة خافتة خرجت من جوفها حين باغتها طرق قوي على الباب يوازيه قوة صوته حين قال:
_هل أنتِ بخير؟!
حاولت إيجاد صوتها لتُجيبه بنبرة حاولت جعلها ثابتة:
_ نعم، سأخرج بعد قليل.
_حسنًا.
لامست في نبرته شوائب الغضب ولكنها لم تُعلق بل أخذت تنظر بخزي إلى جسدها الذي أصبح خريطة حبرها قبلاته السخية التي لم تدع إنشًا واحدًا منها إلا وزخرفته بنقوش ستبقى آثارها طويلًا لتذكرها بمدى وضاعتها وخنوعها لعواطف حسية مندثرة وخاصةً حين داهمت عقلها كلمات والدتها التي تعلق عليها كل آمالها.
_عديني أنكِ ستأخذين بثأر والدك يا نور، عديني أنكِ لن تضعفي أمام هذا الرجل أبدًا.
همست بقهر وهي تشدد من احتضان كتفيها:
_أعدك يا أمي أنني سآخذ بثأر والدي وسأرسل “هاديس” إلى الجحيم الذي أتي منه.
أنهت حمامها وخرجت تتمنى لو تجد الغرفة خالية منه، وقد تحققت أمنيتها حين لم تجده، فتوجهت إلى غرفة الملابس لترتدي ثيابها وحاولت أن تخفي تلك العلامات بأدوات الزينة وهي تحاول ألا تتذكر شيئًا مما حدث أمس، وتركز على خطتها في تحقيق مآربها في والأخذ بثأرها مهما كلفها الثمن.
كانت غارقه بأفكارها وهي تغلق باب غرفتها للتوجه إلى الأسفل فوجدت “ساجد” يرفع “إياد” عاليًا والأخير يصرخ باستمتاع فهوى قلبها خوفًا من أن يفلت الصغير من بين يدي شقيقها فهرعت إليهما وهي تصرخ بانفعال:
_توقفا عن هذه الألعاب المؤذية.
لم تكد تنهي جملتها حتى التوت قدمها اليمنى أسفلها لتسقط أسفل الدرج وهي تصرخ بألم فهرول الصبيان إليها وهما يهتفان بذعر:
_”نور”.
اخترق اسمها أذنيه فأطلق لساقيه الريح لتحمله إليها بلمح البرق ليجدها تفترش الأرض مُتألمة والجميع حولها فهرول إليها وفي ومضة عين وجدته يجثو بجانبها وهو يتفحص كاحلها الذي ما أن لامسه بيده حتى تأوهت بألم اجتاز قلبه بقوة، فوثب قائمًا وهو يحملها بين يديه إلى الأعلى، بعد أن أمر “ساجد” بإحضار الطبيب ليتوجه بها إلى غرفتهما، وقد كانت قريبة منه للغاية للحد الذي جعلها تستشعر دقات قلبه الجنونية، وقد تحيرت في هذا الأمر كثيرًا هل هو خائف عليها لتلك الدرجة؟!
لم يفلح عقلها في الإجابة فقد وضعها على مخدعها برفق بينما لم تتركها يديه التي ظلت تحاوط كتفها بحنو لامست آثاره في لهجته حين قال:
_اهدئي.. سيأتي الطبيب في الحال.
اهتمامه بتلك الطريقة وحنانه معها وخوفه عليها أشياء ليست بالهينة أبدًا وخاصةً على عقلها الذي شعرت به يرسل إشارات خاطئة وكأن فيروسًا قد أصابه ليفقد قدرته على العمل فلم تلحظ نظراتها المتفحصة له ولا شفتيها التي كانت منفرجة بطريقة مغوية كان لها آثر ليس بالهين على قلبه الذي تلاحقت ضرباته واشتعلت عينيه وهي تبحر بتراخي على ملامحها لتمتد يده وتغلق فمها برقة تتنافى مع خشونة لهجته حين قال:
_هل تأذى لسانك في تلك الوقعة أم أنكِ ما زلتِ تخشين هاديس؟
أعادتها كلماته التي تتخللها السخرية إلى الواقع ولمسته التي ألهبت وجهها وكذلك مشاعرها فتحمحمت بخفوت قبل أن تقول بهمس:
_فقط أتألم.
لم تخلو لهجته من العبث حين قال:
_إذن لم تعودي تخشين هاديس؟
حاولت تجاهل ذلك الصخب بداخلها وقالت بلهجة بدت واثقة:
_ لا.
أفرجت شفتاه عن بسمة خافتة قبل أن يتابع إضرام نيران الخجل بداخلها أكثر:
_اممم، أظن أن ليلة البارحة بدأت تظهر فاعليتها منذ الصباح.
عند هذا الحد لم تستطع مجاراته فهي تعلم أنها كالعصفور الذي يقف في مواجهة أسد جسور ناهيك عن ألم قدمها الذي تفاقم أكثر؛ لذا همست بحنق وهي تدير رأسها إلى الاتجاه الآخر:
_مستفز.
سطعت بسمته تلك المرة أقوى وهو يشاهد حنقها الذي تحاول قمعه أكثر فأردف بخشونة قاصدًا إسهاب توترها:
_أملك الكثير من الخصال التي قد تُثيرك أكثر من الاستفزاز.
لم تفلح في الرد عليه فقد دق باب الغرفة معلنًا قدوم الطبيب الذي فحصها وأخبرهم بأنها لوت كاحلها بطريقة سيئة وقد يستغرق الأمر أسبوعًا قبل أن تستطيع الحركة بسلاسة مرة أخرى وقام بوصف بعض العقاقير التي تساعد في شفائه ومن بينهم مرهمًا شدد أن يُدلك به كاحلها يوميًا قبل النوم.
فالتمعت عيناها حين سمعته يقول بفظاظة:
_ لا تقلق أيها الطبيب سأتأكد بنفسي من أن يحدث ذلك.
أنهى جملته ثم شكر الطبيب وقام بإيصاله إلى الأسفل ليتركها حانقة على كل ما يحدث معها وخاصةً مشاعرها اللعينة بقربه ولكنه لم يمهلها أكثر من عشر دقائق فقد عاود أدراجه إليها وهو يقول بفظاظة:
_الخادمة ستحضر لكِ طعام الإفطار هنا، ثم ستتناولين أدويتك وترتاحين كما أمر الطبيب.
اغتاظت من لهجته الآمرة ومن هذا العبث والمكر اللذان يزينان نظراته فتعاظم الغضب بداخلها وتجلى بنبرتها حين قالت:
_فقدت شهيتي لا أريد تناول الطعام.
فوجئت حين اقترب منها ليتربع في مواجهتها على السرير وهو يقول بلهجة عابثة:
_إذن سأجعلك تستعيديها مرة أخرى.
تحدثت بترقب وهي تنظر إلى عينيه اللتين أظلمتا فجأة:
_كيف ذلك؟!
لم تكد تنهي جملتها حتى وجدته يهوي على شفتيها بقبلة كاسحة أضرمت النيران بقلبها ودكت ثباتها الذي تلاشى من فرط سطوته عليها وعلى جسدها الذي يخشع إليه دون ذرة مقاومة وصدرها الذي حلقت الفراشات بفضائه وكأن كل شيء يتآمر ضدها معه.
_هل عادت شهيتك الآن؟! أم أعيد المحاولة مرة أخرى؟!
هكذا تحدث بنبرة خشنة عابثه بعد أن فصل قبلته المحرورة وأخذ يروي عينيه من ملامحها المتوهجة بفعل قبلته ينتظر إجابتها بينما هي كانت صامتة تحاول استعادة جأشها بعد هجومه الضاري فباغتتها كلماته حين قال يُداعبها:
_هل أعتبر صمتك هذا دعوة لإعادة المحاولة؟
تململت بارتباك لتُفلت من بين يديه وبالكاد استطاعت إخراج صوتها حين قالت باندفاع:
_لا داعي لذلك، أستطيع تناول بضع لقيمات صغيرة.
لم تبتسم ملامحه ولكن عينيه فعلت فتعانقت نظراتهما لثوانٍ قبل أن تجده وثب قائمًا وهو يغلق أزرار بذلته قائلًا بلهجة آمرة:
_سأغادر إلى الشركة الآن، وسأعود قبل العشاء، لا داعي لأن أخبرك أن تتبعي إرشادات الطبيب.
لم تجِبه فقد كانت تغلي من الغضب الذي تعاظم أكثر وهي تجده يرفع إحدى حاجبيه احتجاجًا على صمتها فهمست من بين أسنانها:
_حسنًا.
**************
_هل تتحدث بجدية الآن؟! هل سنعود غدًا؟!
هكذا صاحت “هناء” بحنق قوبل بالجمود من ناحيته حين قال باختصار:
_نعم.
اهتاجت من فرط الغضب فلم يمضِ ثلاثة أيام على بقائهما هنا في هذا المدينة الساحلية الرائعة التي كانت من ضمن أحلامها التي لم تجرؤ حتى على تمني تحقيقها ولكنها تحققت معه والآن وقبل أن تستمتع بوجودها فيها يخبرها بأنهما سيعودان غدًا.
حاولت قمع غضبها قدر المستطاع واستبدلته بخيبة الأمل التي مزجتها بسحرها الذي مارسته باحترافيه وهي تتلمس صدره العاري:
_أرجوك حبيبي أخبرني أنك تمزح، فلم تتح لنا الفرصة للتمتع معًا بجمال المكان، وأيضًا ألم تعدني بقضاء شهر عسل كامل هنا؟؟
غمرت السخرية ملامحه وتجلت في نبرته حين قال:
_شهرًا كاملًا هنا! من أين أتيتِ بهذا الآن؟ أنا حتى بزواجي الأول لم أقضِ شهرًا كاملًا برفقة “هدى”.
ذكر اسم غريمتها كان سهمًا مشتعلًا أضرم نيران الحقد والغضب بأوردتها فتجمدت يديها على صدره للحظة قبل أن تتراجع باندفاع إلى الخلف وهي تقول بشراسة لم تستطع التحكم بها:
_ما الذي أتى على ذكرها الآن؟؟ ولمَ تتحدث هكذا؟ هل زوجتك الأولى أفضل مني أم….
قاطعها بفظاظة وهو يحاول قمع فيضان غضبها قبل أن يتمادى ويغرقهما:
_توقفي يا “هناء”، لا يستدعي الأمر كل هذه الضجة.
“هناء” بانفعال:
_حقًا! ذكر اسم زوجتك الأولي بيننا في شهر عسلنا وبتلك الطريقة لا يستدعي؟!
تفاقم غضبه أكثر فهدر آمرًا:
_إن قلت لا يستدعى معناها هو كذلك، كان الأمر في سياق الحديث فقط، ثم إني لا أحب تبرير أي شيء أقوله أو أفعله فلتعلمي هذا.
تجيد لعبة الشد والجذب حتى وأن وجدت الأمور بدأت تحتدم تسلحت بضعفها الذي هو خير وسائلها معه فقامت بإخفاض رأسها مطلقة العنان لعبراتها بالهطول ثم قالت بنبرة جريحة:
_حسنًا، سأجمع أغراضنا حتى لا نتأخر على الطائرة صباح الغد.
سر قوة المرأة في ضعفها فهو القشة التي تقسِم جبروت الرجل عن طريق استفزاز غريزته في حماية الأنثى حتى من الحزن فيتقهقر غضبه أمام عبراتها سالكًا كل الطرق لمراضاتها:
_لا تحزني، أعدك سأعوضك عن هذه الرحلة في أقرب وقت.
هكذا تحدث ويده تمتد لتمسك برسغها توقفها عن المضي وحين التفتت تفاجئ من ذلك الحزن الي تبلور في عينيها وتقاسيم وجهها الذي كوبه بين يديه يحاول أن يراضيها فرفرفت برموشها وهي تتحدث بحزن خالطه الدلال:
_ لقد أحزنتني في أكثر الأوقات التي من المفترض أن أكون سعيدة بها، ولن أسامحك
“شاهين” بخشونة:
_ستفعلين.
_ لن أفعل.
عاندته بدلال فتركها وهو يتوجه إلى الطاولة بجانب السرير ليخرج منها علبة من القطيفة الزرقاء وقام بفتحها لتبرق عيناها تزامنًا مع هذا البريق المطل من تلك الإسورة الماسية التي جعلتها تشهق من فرط جمالها:
_ يا إلهي، لا تقل أنها لي.
“شاهين” بسخرية:
_ حسنًا لن أفعل.
قالها وهو يغلق العلبة ليمازحها فقامت بانتزاع العلبة من بين يديه وهي تصيح:
_لا لا إنها لي.
قهقه بصخب على فعلتها واقترب يمازحها قائلًا:
_ هل ما زلنا متخاصمان؟!
التفتت تناظره وحين أوشكت على الرد توقفت لثوان واستعادت ملامحها الحزينة قائلة بنبرة يشوبها الأسى:
_ أجل ما زلنا.
“شاهين” بسخط:
_”هناء” لا تطيلي الأمر أكثر
اقتربت منه بنظرات مغوية ونبرة تشبهها حين قالت:
_تبقى أمرًا بسيطًا بهذا القدر.
كانت تشير بإصبعيها فاستفهم بجفاء:
_أخبريني ما هو؟!
“هناء” بدلال:
_أريد أن نذهب للسهر اليوم، رجاءً حبيبي لا تقل لا، فهذه هي أمنيتي الأخيرة.
بعد مرور خمس ساعات تحدث “شاهين” باستياء:
_هل يمكننا للمغادرة الآن فقد انتصف الليل.
اقتربت “هناء” تحيط خصره وهي تتدلل قائلة:
_حبيبي دعنا نبقى لبعض الوقت فالحفل ما زال في بدايته.
لون الامتعاض ملامحه قائلًا بملل:
_اللعنة على تلك الحفلات.
اقتربت تقبله على صدغه في محاولة منها للقضاء على ذلك العبوس الذي يلون تقاسيمه ثم قالت بغنج:
_هيا تخلص من هذا العبوس لا يليق بوسامتك حبيبي.
تمطى بكسل وعيناه تطلقان سهامًا عابثة قبل أن يقول بتخابث:
_هذه مهمتك وأنتِ لا تقومين بها على أكمل وجه؛ لذا احذري قد أبحث من بين أولئك الشقراوات عن واحدة تستطيع القيام بها بدلًا عنكِ.
يعلم كيف يُلاعِبها مثلما يُلاعِب القِط الفأر فقد انتفضت من بين أحضانه تنظر أمامها فوجدت مجموعة من الفتيات ينظرن نحوهما بنظرات تحوي الإعجاب فجن جنونها وبادلتهن النظرات بأخرى غاضبة قبل أن تهب من مكانها قائلة بحنق:
_أريد أن أغادر.
لون العبث ملامحه قبل أن يقول باستمتاع :
_لمَ! فالحفل ما زال في بدايته وأعتقد أن المرح قادم.
ابتلعت غصة حارقة في جوفها فهذا اللعين يعرف كيف يُسيرها كيفما يشاء ويتلاعب بثباتها بمنتهى السهولة مما جعلها تقول مغلولة:
_الجو أصبح خانقًا؛ لذا اريد الرحيل.
نصب عوده الفارع ومد ذراعه القوية ليجذب خصرها إليه بتملك أطاح بسائر غضبها وهو يقول بخشونة:
_ لكِ ما تريدين.
تمايلت معه أمام أعين تراقبها بحسد بينما هي تشعر بالسعادة الغامرة كون هذا الرجل يخصها من بين كل هؤلاء النساء.
***********
كانت نائمة على الفراش تتقلب وكأنها تتقلب على جمر مشتعل لا يهدئ أبدًا كتلك الأفكار التي تدور برأسها دون أن تجد لها أي إجابة فقد انقلب عالمها رأسًا على عقب منذ أن عاد، لم تقصد عالمها الخارجي فقط… إنما داخليًا لم تعد مستقرة وكأن إعصارًا ضربها ففجر بها كوامن الشعور التي لم تختبرها مسبقًا… كل شيء أصبح مختلفًا لا يشبه ما سبقه شعورها نحوه الذي كان يقتصر على الخوف فقط، تخللته مشاعر أخرى لا تعرف كنهها وتخشاها للحد الذي يجعلها تهرب حتى من التفكير بها.
انتشلها من بحر أفكارها طرق خافت على باب الغرفة فأمرت الطارق بالدخول فأطلت “هدى” برأسها وهي تقول بمرح:
_ هل لي أن أدخل؟!
“نور” بلهفة:
_أجل بالطبع.
دلفت إلى الداخل وأغلقت الباب خلفها متوجهه إلى “نور” وهي تقول بمزاح:
_علمت بأن الأميرة سقطت ولوت كاحلها والأمير الوسيم حملها وطار بها إلى هنا فجئت لأطمئن عليها.
تفاقمت دقات صدرها حين سمعت كلمات “هدى” عن أميرها الوسيم ولكنها رسمت الامتعاض على ملامحها وكذلك نبرتها حين قالت:
_لا تكوني لئيمة يا “هدى”، ليس أنتِ.
ابتسمت “هدى” على كلماتها وقالت تشاكسها:
_وأنتِ لا تكونين خجولة إلى هذه الدرجة فتفضحك وجنتاك فها هو محصول الطماطم بدأ بالظهور.
ابتسمت “نور” على حديثها وقالت مغيرة الموضوع:
_كيف حالك الآن؟!
تجاهلت الغصة التي تتوسط بلعومها وقالت بجفاء:
_كيف أبدو لكِ؟!
“نور” بشجن وهي ترى أبعد مما تريد “هدى” أن تظهره:
_تحاولين التظاهر بأنكِ بخير.
توقعت أن تجادلها ولكنها فوجئت ب”هدى” التي قالت بجمود:
_وهل أنجح في ذلك؟!
_ بالنسبة لشخص لا يعرفك نعم وبدرجة امتياز ولكن أنا…
قاطعتها “هدى” قائلة بجفاء:
_عزيزتي “نور” لا أحد يعرفني جيدًا حتى أقرب الناس إلي، وطبقًا لكلامك فإذن أنا على الطريق الصحيح.
تحدثت ”نور” بلهجة مشجبه:
_إلى متي ستطول لعبة التظاهر تلك؟!
“هدى” بجمود ينافي ألم عينيها:
_إلى أن أستعيد نفسي القديمة وأيضًا حين أستطيع أن أقف على قدماي دون أن أحتاج إلى أحد.
خربشت أنياب الفضول عقلها لذا قالت مستفهمة:
_ ماذا تقصدين؟!
_سأعمل.
“نور” بذهول:
_ماذا؟! هل تمزحين؟!
“هدى” بسخرية:
وأين المزاح في ذلك؟! ونعم سأعمل حتى أنني بحثت عن عمل في مجال دراستي ووجدت وسأذهب السبت القادم لإجراء المقابلة.
“نور” باندهاش من حديثها:
_هل يعلم “شاهين” بذلك؟! أقصد هل سيوافق؟!
ولد ذكره شحنات من الغضب داخلها ولكنها تجاهلتها وهي تقول بلا مبالاة:
_لم أفكر بإعلامه وموافقته هي آخر شيء أحتاج إليه.
“نور” بتعقل:
_”هدى” أنتِ تشعلين النار بينكما أكثر.
“هدى” بقهر أخفته خلف قناع الجمود حين قالت:
_النار كان هو أول من أشعلها وأنا أول من احترق بها والآن لنتبادل الأدوار.
أوشكت “نور” على الحديث فسبقتها “هدى” التي قالت باستهلال:
_الآن أخبريني كيف هي أحوالك مع “فراس”؟!
قشعريرة جارفة اجتاحت جسدها حين سمعت اسمه وازدهر الزيتون بنظراتها ولكنها حاولت الظهور بمظهر اللامبالاة حين قالت:
_عادية، لا شيء مهم لذكره.
شعرت “هدى” بأن هناك أشياء أبعد من العادي كما ذكرت “نور” لذا تدبرت كلماتها حين قالت:
_ إن أردت نصيحتي اجعليها غير ذلك.
“نور” باستفهام:
_ماذا تعنين؟!
واعظتها قائلة:
_”فراس” رجل لا يقدر بثمن، فهو شهم ونبيل وأيضًا وسيم وذو سلطة ونفوذ… أي امرأة في مكانك ستكون في غاية السعادة لامتلاكها رجلًا مثله؛ لذا حاولي أن تجعلي حياتك معه أكثر بهاءً، لا تعتمدي على عشقه لكِ فقط.
كانت تركز على كل كلمة تتفوه “هدى” بها وهي تستعرض ملامحه ونظراته وأفعاله معها ولكن عقلها توقف عند تلك الكلمة التي جعلت قلبها يرتج داخل صدرها للحد الذي جعل حروفها تخرج مرتبكة من بين شفتيها حين قالت:
_ماذا؟! عن أي عشق تتحدثين؟!
انكمشت ملامح “هدى” باندهاش تجلى في نبرتها حين قالت:
_ماذا بكِ “نور”؟! هل أصبتِ عقلك حين سقطتِ؟! أقصد عشق “فراس” لكِ.
للمرة الثانية التي تستمع إلى تلك الجملة التي تفعل الأفاعيل بقلبها الذي رفض هذا التخبط الذي ينتابه كلما ألقيت على مسامعه هذه الكلمات فتشدقت “نور” ساخرة:
_والله لا أعلم من منا الذي أصيب في عقله! أنتِ أم أمي؛ فهي أيضًا قالت تلك الجملة ولا أعلم على أي مصدر تستند لتتفوه بها والآن أنتِ.
أجابتها “هدى” بفطنة:
_أنا أتحدث وفق حقائق لامستها بنفسي ورأيتها بعيني.
عاودتها تلك الوخزات التي تفشت في جسدها بالكامل تلك المرة وهي تتحدث بترقب:
_أي حقائق تلك؟! وماذا تقصدين بما رأيته بعينك؟!
صمتت “هدى” لثوان قبل أن تعيد سرد أحداث من الماضي:
_أتذكر يوم ولادة “إياد” حين كانت حالتك خطرة كاد أن يجن في الخارج وأخذ يصيح هنا وهناك حتى أصابهم بالهلع فكان طاقم المستشفى بالكامل يدعو لكِ بأن تلدي بالسلامة، حتى أنه لم ينظر إلى “إياد” حينما أخرجته الممرضة على سريره وكانت أنظاره متعلقة على باب غرفة العمليات وكأنه يتوسل أن تخرجي منها على خير، وأيضًا كانت تلك المرة الأولى التي أراه يدخن بها ولم يكن الأمر عاديا فقد استهلك علبة تبغ كاملة في مدة لا تتعدى الثلاث ساعات، في تقييمي كانت محاولة للانتحار من جهته.
قالت جملتها الأخيرة بسخرية ولكن “نور” كانت في عالم آخر مع ذكرياتها في هذا اليوم فهي استيقظت وجدت الممرضة بجانبها وبعدها توافدت عليها العائلة بأكملها وكان هو آخر من جاء لزيارتها واكتفى بجملة قصيرة لا تسمن ولا تغني من جوع:
_حمدًا لله على سلامتك أنتِ والطفل.
ولم يمكث معها لأكثر من ربع ساعة بعدها اقترب مترددًا ليضع قبلة جافة على جبهتها وهو يخبرها أن لديه عمل ولا يستطيع التأخر عنه ثم غادر، جذبت أنظار “هدى” تلك المرارة التي ارتسمت بمقلتيها فتحدثت باستفهام:
_ ماذا هناك؟! لمَ وجهك تغير هكذا؟!
“نور” بمرارة:
_ لا لا شيء، ولكن ما ذكرتيه يتنافى كثيرًا مع حقيقة شعوره تجاهي فأنا في هذا اليوم لم أحصل سوى على قبلة جافة وجملة مقتضبة لا أتذكرها حتى؛ لذا فأنا لا أعول كثيرًا على هذا الموقف.
فوجئت “هدى” من حديثها ولكنها كانت متشددة تجاه حدثها لذا عاندتها قائلة:
_ وماذا عن ما فعله بأشرف؟ فالمسكين ما زال في المستشفى ليومنا هذا.
هدرت بحنق:
_إنه رد فعل طبيعي لرجل مثله عاد ليجد زوجته تُزف لآخر.
_كنت لأوافقك لو لم يخبره عمي زين بأنها كانت زيجة مدبرة من قبل العائلتين حفاظًا عليكِ وعلى إياد وأن أشرف لم يتجاوز حدوده أبدًا حتى أنها كانت المرة الأولى التي يراكِ بها منذ وفاته.
استرعى كامل انتباهها حديث “هدى” فهي لم تكن تعلم أن ذلك حدث وقد اندهشت كثيرًا من أنه وبالرغم من ذلك أقدم على معاقبة أشرف بتلك الطريقة:
_هل أنتِ متأكدة من حديثك هذا؟!
“هدى” بتأكيد:
_أجل متأكدة، هل أكذب في شيء كهذا؟! ثم إنه كان يومًا حافلًا فقد أخذ يصيح ويتوعد له بالهلاك وقد كانت السيطرة عليه أصعب من السيطرة على ثور هائج… وقد تعب عمي “زين” من محاولة تهدئته وانتهى الأمر به قائلًا أن من يتجرأ ويقترب منكِ سيدق عنقه، يعني في تفسيري لو قال من يقترب من امرأتي أو زوجتي كنت سأقول أنه رجل متملك ولكنه قال اسمك، أي يخصك أنتِ.
لم تأخذ فرصتها بالرد على “هدى” فقد آتاهما طرق قوي على الباب الذي انفتح وأطلت منه “فريال” لتنضم إليهما وقد تفرقت نظراتها المرتابة بينهما قبل أن تقول بفظاظة:
_أهلاً “هدى”.
لم تنتظر أن تجيبها “هدى”؛ لأنها التفتت إلى “نور” قائلة بجفاء:
_كيف أصبحتِ الآن؟!
استاءت من طريقتها مع “هدى”؛ لذا أجابتها بفتور واختصار:
_بخير.
أومأت برأسها وهي تنظر إلى “هدى” بطريقة توحي بأن وجودها لم يعد مرغوبًا وقد فهمت “هدى” الرسالة بطريقة صحيحة؛ لذا اقتربت تعانق “نور” وهي تقول بخفة:
_سأغادر الآن لكي لا أتأخر على أطفالي وغدًا سآتي لأطمئن عليكِ.
ابتسمت “نور” بحرج وهي تودعها إلى أن خرجت وأغلقت الباب خلفها فالتفتت تنظر إلى “فريال” بحدة تجاهلتها وهي تقول بجلافة:
_ لم يكن وقت تمثيليتك السخيفة الآن يا نور؟
تدلي فكها من فرط الصدمة حين وقعت على مسامعها حديث “فريال” التي تجاهلت صدمتها وتوجهت لتقف أمام الشرفة فجاءتها كلمات “نور” المستنكرة:
_أي تمثيلية سخيفة تقصدين؟!
“فريال” بجفاء:
لم يأتِ التواء كاحلك في الوقت الصحيح فهناك أشياء كثيرة ستتعطل الآن بسببك.
تعاظمت صدمتها وتبدلت نظراتها إلى أخرى ضائعة كنبرتها حين قالت:
_ما الذي تقصدينه بتلك الكلمة هل تظنين أنني حين سقطت كان الأمر متعمدًا؟!
“فريال” بسخرية:
_ألم يكن الأمر كذلك؟!
تحولت صدمتها واستنكارها إلى حزن جلل ولكنها حاولت السيطرة على حزنها وهي تقول بجفاء:
_لا لم يكن كذلك وأنا لا أفعل مثل هذه الأمور أبدًا.
أومأت “فريال” برأسها دلالة على عدم اقتناعها فأرجأت “نور” تغيير الموضوع حتى لا يحدث صدام بينهما فهذه والدتها وهذه طباعها التي لم تتغير:
_ثم ما هي تلك الأشياء التي تقصدين أنها تعطلت بسببي؟!
ناظرتها “فريال” بجمود تجلى في نبرتها حين قالت:
_تدمير “فراس”، الأخذ بثأر والدك، لقد أعددت خطة للقيام بذلك بصورة مُرضية؛ لذا عليك الشفاء بأسرع وقت حتى تشرفين على نهاية ذلك الشيطان بنفسك.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية كواسر أخضعها العشق)