روايات

رواية في قبضة الأقدار الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار البارت الخامس والعشرون

رواية في قبضة الأقدار الجزء الخامس والعشرون

في قبضة الأقدار
في قبضة الأقدار

رواية في قبضة الأقدار الحلقة الخامسة والعشرون

جراحنا تلتئِم مع مرور الوقت و لكن تبقي الندوب لتُذكِرنا كم عانينا سابقًا و لـِ تردعنا عن الانسياق خلف أوهام العشق الوردية..

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

كانت خطاه تحمل لهفة قلبه الذي لأول مرة يترُك الحذر جانبًا و ينساق خلف رغبته المُتعطِشة لرؤيتها و الإطمئنان عليها. بينما هي كانت ترقد بهدوء يتنافى مع ألم جرحها الذي لم يلتئم بعد و قد زاد من انينه ذلك الوجع الذي بدأ يتسرب الي قلبها شيئًا فشيئًا وهي تستعيد ذاكرتها التي توقفت عند تلك الجملة ( حازم مكنش مريض يا جنة) ! كان بالنسبة لها دربًا من الجنون لم تكن بحياتها تتخيل أن تقع في فخ مثل ذلك.

الأسوأ من الغدر هو أن تتفاجأ بأن رُكنك الهادئ ماهو الا وكر ثعابين طالت قلبك سمومهم. أن تأتيك الطعنة من ذلك الذي أدرت له ظهرك مُلتحفًا بوشاح الحب فأجهز على طهارة قلبك متسلحًا بخنجر الخيانة.

كان الأمر أصعب من أن يوصف و اقسى من أن يُقال وتحمله كان أشبه بجمرة مُشتعله تحيا بقلبها ويضخها الي سائر جسدها الذي انتهكت حرمته بدون رحمة ولا شفقة ممن ظنته يوما حبيبها !
تسارعت أنفاسها و كأنها في سباق مع دقاتها حين تذكرت تلك المأساة التي اغتالت حياتها و حطمت عالمها الوردي

عودة لوقت لاحق

” ممكن اعرف مبترديش عليا ليه ؟”
هكذا تحدث حازم بحنق تجلى في نبرته و طريقة إمساكه بالهاتف فأجابته جنة بجفاء
” انت عارف مبردش عليك ليه و لو مكنتش رنيت من رقم غريب مكنتش هرد يا حازم .”

ازداد غضبه و لكنه حاول التماسك مختبئًا خلف ستار الضعف حين قال
” بتعملي فيا كده عشان عارفه اني مريض صح ؟ “

انقبض قلبها جراء حديثه وقالت بلهجة اهدأ من السابق
” بطل كلامك دا. انت عارف بعمل كدا ليه ؟”

حازم بانفعال زائف
“جنة أنتِ مش فاهمه. انا خايف . خايف من الجلسات دي. خايف شعري يقع زي ما بيقولوا. خايف اتحول لمسخ و وقتها هكرهيني و تسبيني…”

قاطعته بلهفة و نبرة لينة كحال قلبها
” ماتقولش كدا يا حازم أرجوك. قولتلك ألف مرة عمري ما هسيبك و اثبتلك دا بالدليل و انت فاهم قصدي كويس. “

نجح في استمالة قلبها فقالت بتخابث
– ” يعني وعد هتفضلي معايا و عمرك ما هتسبيني أبدًا؟”

جنة بخجل
” وعد عمرى ما هبعد عنك ابدًا والله ”
” طب ايه رأيك بقي اني حجزت عند الدكتور و هروحله النهاردة عشان احدد هبدأ الجلسات امتى بس طبعا أنتِ هتكوني معايا “

جنة بلهفه
” طبعا هكون معاك . قولي هتروحله امتا؟”
فكر قليلًا قبل أن يُطيع شيطانه و يقول بتخابث
” كمان ساعتين . انتِ فين ؟”

” انا في الجامعة .. خلاص ابعتلي العنوان و اسبقني علي هناك و أنا هجيلك.”
” لا طبعا مش هدخل المكان دا من غيرك. قلبي ببتقبض.”

فكرت لثوان قبل أن تقول
” طب انت فين و انا هستأذن من فرح وأجيلك ”
تحدث باندفاع غاضب
” لا فرح ايه ؟ انتِ بتهزري !! اوعي تكونِ قولتيلها علي تعبي؟؟”

جنة بجزع
” ايه يا حازم في ايه ؟؟ لا طبعا مقولتلهاش بس ايه المشكله لو قلنا لها مانتا هتبتدي علاج و هتخف أن شاء الله…”

قاطعها بغضب
” قولتلك لا يا جنة و قسمًا بالله لو حكتيلها حاجه لهلغي فكرة العلاج دي خالص فاهمه..”

قالت مُجبرة
” طيب يا حازم اللى تشوفه”

زفر بارتياح و قال بلهجة لينه
” هعدي عليكِ ونروح سوي “

كانت حزينه بقدر ماهي غاضبة ولكنها لم تفصح عن شئ بل اكتفت بالموافقه و داخلها تشتعل ألف حرف فهي بعمرها لم تكذب علي شقيقتها أبدًا و الآن فعلت الكثير من الأشياء الخاطئة على رأسها تلك الورقة علي مضت عليها مُكرهه بأمر من قلبها الذي أشفق على مرضه و قررت بأنها ستُكمل معه الطريق حتى النهاية فلن تستطيع أبدًا التخلي عنه .

بعد ساعتين كانت تقف معه أمام تلك البنايه و داخلها شعور قوي بالرهبة و هناك صوت في أذنيها يتوسل إليها بالهروب . قلبها منقبض بذعر و جسدها يقشعر كلما تقدمت خطوة و كان الصمت حليفها الي دخلت إلي الشقة و بجانبها حازم الذي كان يثرثر ولكنها كانت بعالم آخر تتمنى لو انها تعود أدراجها و تطلق ساقيها للريح و تغادر دون رجعة ولكنها حاولت استجماع شجاعتها و أخبرت نفسها بأنها تقف بجانب انسان في محنة وهي بعمرها لم تتخلى عن أحد.
” جنة. جنة. ”
تنبهت اي حازم الذي كان يناديها وهي غارقه بأفكارها فلم تنتبه له
” نعم .”
حازم باستفهام
” نعم ايه بقالي كتير بكلمك و انتِ ولا أنتِ هنا. مالك فيكِ حاجه ؟ “

كانت تود أن تخبره بأنها تريد الفرار من هنا و لا تعلم السبب ولكنها قمعت ذلك الصوت الداخلي الذي يتوسل إليها بالفرار و قالت بابتسامه باهته
” لا أبدًا أنا كنت سرحانه شوي .. كنت عايز ايه ؟”

لم يتسنى له الإجابه فقد أحضرت لهم الممرضة زجاجتين من العصير وهي تخبرهم بأن الطبيب سيقابلهم بعد قليل فتناولهم حازم منها وقام بإعطائها إحداهما ولكنها لم تكن تُريد فلاحظ ذلك وقال بحزن زائف
” جنة . انتِ ندمانه انك جيتي معايا ؟”

تنبهت جنة لملامحه التي لونها الانكسار و لهجته الحزينه فقالت بنفي
” ليه بتقول كدا؟ طبعا لا. ”
تابع تمثيله فنظر أمامه بحزن استطاع أن يتقنه ببراعة ويسكبه في لهجته حين أجابها
” بصي لشكلك في المراية وأنتِ هتعرفي دانتِ حتي مش طايقه تاخدي العصير مني..”

جنة بلهفه
” والله أبدًا انا متوترة بس. ازاي تفكر كدا.”
أومأ برأسه بطريقة توحي لها أنه مازال حزينا فتابعت بلهجة ودودة
” خلاص والله يا حازم انا مقصدش اضايقك. “

نظر إليها وابتسم أحدي ابتساماته الرائعة قبل أن يقوم بامساك زجاجة العصير و فتحها وهو يناولها إياها قائلًا بخفة
” خلاص يا ستي مسامحك.. اشربي بقي عشان تفكي من التوتر دا احنا لسه قدامنا مشوار طويل مع بعض مش هتفرهدي من اول مرة كدا..”

لم تنتبه لذلك المكر الذي يقطر من حديثه فقد ارتاحت حين رأت ابتسامته فهي تشعر بالشفقة علي شاب مثله أن يقع فريسه لذلك المرض اللعين و لا تعلم أنها هي من وقعت فريسة بين براثن ذئاب لا تعرف الرحمة سبيلا إلى قلوبهم فبعد عدة رشفات من العصير تراقصت الدنيا من حولها و آخر ما سمعته هو صوت تحطم الزجاجه التي سقطت من بين يديها.
لا تعلم كم من الوقت مر وهي نائمه ولكنها بدأت تستعيد وعيها شيئًا فشيئًا وكان أول شئ وقعت عينيها عليه هو سقف الغرفة الأبيض الذي كانت تراه بتشوش في البداية وبعد ذلك بدأت الرؤية تتوضح ليُهاجمها بعدها ألم قاتل أسفل جسدها فرفعت يدها تضعها فوق رأسها فتفاجئت بذراعها العاري! و بلحظة ضرب عقلها هاجس رفضته بقوة فأخذت تتلفت حولها بلهفه والعبرات تتساقط من مقلتيها بغزارة دون أن تشعر. فقد أدركت الآن حقارة ما حدث معها فتشنج جسدها و خرجت الصرخات المستمرة من فمها الذي أخذ يردد دون وعي
” لا .. لا .. لا.. انا بحلم .. دي مش حقيقية.. لا … لا… لاااااا”

توقفت صرخاتها علي أعتاب شفتيها حين رأت حازم الذي دخل الغرفه عاري الصدر وهو يُطالعها بنظرات غامضه و نبرة مختلفة عن سابقتها حين قال
” أخيرًا صحيتي ..”

كان هدوءه يوحي بمدى حقارته فقد كان هادئ وكأن شيئا لم يحدث بينما هي كانت تحترق بلهيب الغدر و الألم و الغضب معًا فصرخت به
” انت معملتش فيا كدا صح ؟؟ ”
لم يجبها حازم انما توجه الى اقرب مقعد وألقى بثقله عليه وهو يقول بهدوء
” لا عملت يا جنة. و اللي عملته دا مش غلط ولا عيب و لا حرام أنتِ مراتي..”

لم تستطيع تصديق إقرارا بذنبه العظيم و فجيعتها الكبرى و الأسوء من ذلك ان يتحدث بتلك الطريقه و يبرر جريمته النكراء فصرخت حتى جرحت احبالها الصوتيه
” انت حيواااان .. “

لم تشعر بنفسها وهي تمسك بقنينة مياة كانت على الطاوله بجانب السرير و تقوم بإلقائها في وجهه فتفاداها بصعوبة وتوجه ناحيتها بغضب انطبع علي مرفقيها حين امسك بهما يهزها بعنف
” اهدي و بطلي جنان. قولتلك الي حصل دا لا عيب و لا حرام أنتِ مراتي يعني كدا كدا كان هيحصل .”

بكل ما يعتمل بداخلها من قهر صرخت بوجهه
” اخرس.. انت حيوان وحقير..”
لم يتركها انما اقترب منها أكثر وهو يقول بلهجة بدت صادقة
” انا مش حقير ولا حيوان . انا بحبك وعمرى ما هتخلى عنك. ودي الطريقة الوحيدة الي هتخليكِ أنتِ كمان متبعديش عني..”

صعقتها صراحته الفجة و عدم إحساسه بأي ذنب جراء جريمته معها فعن أي حب يتحدث بعدما قضي عليها سالبًا منها أغلى ما كانت تملك في هذه الحياة.
فجأة هدأت ثورتها وجلست بمكانها وهي تقول بنبرة تقطع لها نياط القلب
” انت ضيعتني. حرام عليك.. حب ايه اللي يخليك تعمل فيا كدا..”

كان شعورًا عارمًا بالخزي جعلها تنكمش علي نفسها تحتضن كتفها الذي يظهر من ذلك الشرشف الذي يلفها و أخذت ترتجف كورقة أطاحت بها رياح الغدر حتي اسقطتها في بئر من الوحل فأخذت تضرب خديها بعنف الي أن امتدت يديه تحاول إيقافها وهو يقول بغضب
” خلاص بقي أنتِ مزوداها كدا ليه ؟؟ ما قولتلك دا لا عيب و لا حرام أنتِ مراتي افهمي “

لم تستطع تحمل وجوده أكثر و ثباته الذي يضفي نيرانا فوق نيرانها فنفضت يده بحدة وهي تصرخ بكل ما يعتمل بداخلها من وجع
” بكرهك… بكرهك يا حازم بكرهك..”

عودة للوقت الحالي

اختلط الحلم بالحقيقة للحظات شعرت بأنها في ذلك الجحيم مرة أخرى و تعاظم الألم حتي صار تحمله دربًا من دروب المستحيل فوضعت يديها فوق أذنيها حتي لا تسمع صوت صرخاتها الممزوجه بتبريراته السخيفه تريد الهرب حتى لا تراه مرة أخري أمامها فصارت تغمض عينيها بقوة و تردد دون وعي
” بكرهك .. بكرهك.. يا حازم بكرهك..”

كانت ملامحها المتألمه تحكي عن أي كابوس تعيش في تلك اللحظة. كابوس لا تستطيع تجاوزه أي فتاة و خاصةً هي. جسدها المرتجف كان يُعبر بطريقته عن رفضه لما حدث له و ما مر به. يعلم جيدًا أي شعور يجتاحها الآن فقد كان يُشارِكها الألم يشعر بالقهر لما حدث معها يتألم كما لم يتألم من قبل.
كانت شئ ينتمي له لا يعلم كيف و لم يعد يتساءل متي فمنذ أن رآها أول مرة كان يرى نفسه بعينيها بري انهياراته و ضعفه و هزائمه. كانت تُعبر عنه تشكو همه بلسانها تذرف عبراته التي تُثقِل جفونه وتؤلم قلبه الذي كان يحيط به كبرياء أعمى يمنعه من الإنهيار.
كان القدر يلقي بها دائماً في طريقه و كأنه يُعانده حتى أسلم قلبه رايته فأصبحت حربًا ضاريه يقف بها أمام قدره الذي أحكم قلبه بين كفيها ولم يعُد له سبيل للمقاومة و بالرغم من قوته و صلابته إلا أنه أضعف مخلوق أمام ضرًا يمسها.
و الآن يقف عاجزًا لا يستطيع أن يفعل لها شيئا وهو يراها تُنازِع ألمها وعذابها الذي كان هو جزءً منه.
فقط يتمني لو يضمها يمتص منها كل تلك الذكريات المؤلمه. لو يقاسمها ذلك العذاب الذي يلون تقاسيمها الرائعه. تمني لو يصرُخ بملئ شفتيه و بملئ العالم باعتذارات قد يكون فات أوانها. كانت تلك الأمنيات البسيطه أقرب إلي المستحيل منه.

لم يستطيع تحمل ألمها أكثر فاقترب منها يربت بحنو علي وجنتيها يحاول إخراجها من كابوسها المرعب

” جنة فوقي.. فتحي عنيكِ .. دا كابوس.. فتحي عنيكِ انا جمبك”
أخيرًا استطاعت أن تفتح عينيها حين وصلها صوته الذي بدا و كأنه قادم من بعيد. فأخذت ترمش بعينيها لثوان قبل أن تصطدم بجمرتين مشتعلتين بنيران دائمًا كانت تحرقها بألسنة اتهاماته المُروعه و التي لم تشفق يومًا عليها فحاولت استعادة نفسها للحظات لم تقطع تواصلهما البصري ثم نهرته بجفاء
” انت بتعمل ايه هنا ؟”

تراجع خطوة إلي الخلف بينما عينيه ما زالت مسلطة عليها و قال مستفهمًا بنبرة هادئة كانت غريبه علي مسامعها وخاصة منه
” عاملة ايه دلوقتي ؟”
غمغمت بخفوت
” الحمد لله.”

شعر بجفائها الذي آلمه ولكنه تجاهل ذلك قائلًا
” حمد لله على سلامتك..”
لم تتنازل بالنظر إليه بل أجابت باختصار
” الله يسلمك..”

كان جفاءها أمر متوقع ولكنه بالرغم من ذلك كان مؤلم. وللحق كان أقل بكثير مما يستحق هكذا حدثه قلبه و لإنه لم يكن متجبر أو ظالم بطبعه جذب المقعد و وضعه أمام مخدعها يناظرها بعينين لأول مرة تصفو سماءهم وقال بنبرة رخيمة
” جنة.. ممكن تبصيلي..”

لم تكن أول مرة تسمع اسمها من بين شفتيه ولكن تلك المرة كان مختلفًا بطريقة اربكتها و جعلت دقاتها تتقاذف بداخلها بعنف. وعلي عكس المتوقع أخفت كل ما يعتمل بداخلها ببراعة و أطاعته بهدوء و دون حديث فقط نظرات تتخللها السخرية بينما ظلت ملامحها جامدة ليعلم أن تلك الفتاة التي يراها الآن تختلف كثيرًا عن التي جاءت منذ خمسة أشهر لتعيش معهم فقد حولتها الصدمات و الآلام إلى أخرى لا يعرف إن كان يستطيع التعامل معها أم لا!!

” في كلام كتير بينا محتاجين نقوله.. يمكن الوقت دلوقتي مش مناسب بس..”
قاطعته بجمود
” فعلًا الوقت مش مناسب لأي كلام انا عايزة اشوف ابني واطمن عليه و ارتاح عشان تعبانه..”

تعلم جيدًا أنها تستفزه و أنه ليس برجل صبور وإن كانت تلك الطريقة التي ستسلكها معه فهو هالك لا محالة
” زي ما تحبي .. خلينا نأجل اي كلام بينا لوقت تاني تكون صحتك اتحسنت.”

بنبرة اقرب الي العادية تحدثت
” مفيش بينا كلام يتقال . عالأقل من ناحيتي معنديش حاجه اقولهالك. و معتقدش اني الي هسمعه منك مهم أو هيفيدني ..”

أيقظت وحوشه الكامنة بلامبالاتها و جمودها فهب من مكانه قائلًا بغضب
” لا في و هتسمعيني . حتي لو معندكيش اللي تقوليهولي. بس هتسمعيني. انا عارف اني غلطت في حقك..”

توقف للحظات لا يعرف كيف يبدأ أو يُعبر عما يدور بداخله لا يُريد نبش الماضي و لا خربشه جراحها المُلتهِبه مرة أخرى ولكنه تابع من أكثر بواطنه ألمًا
” انا كنت عارف ان حازم مش ملاك.. و كنت دايمًا بختلف انا وهو لحد يوم الحادث ساب البيت و مشي بسبب خناقتي معاه. بس كنت بقول شاب و طايش. لكن أنتِ..”

تعمقت نبرته و نظراته أكثر حين تابع

” أنتِ كان الوضع بالنسبالك مختلف. بنت حلوة.. جميلة…”

تلعثمت حروف الغزل المغايرة علي شفتيه فتوقف للحظات يشرد بعينيها و ملامحها التي نُقِشت بسهم الحُب المشتعل فوق جُدران قلبه فتسارعت أنفاسه للحظات قطعتها حين أدارت عينيها للجهة الأخرى وكأنها تستنكر نظراته إليها فتحمحم بخفوت قبل أن يُكمل
” و باين عليكِ انك بنت ناس. ليه تعملي في نفسك كده ؟ ليه تقبلي حاجه زي دي و تقللي من نفسك تحت مُسمى الحب. “

أيدته بلهجه قاسية
” عندك حق.. انا فعلًا قللت من نفسي. و مش ناوية اعمل كدا تاني.”

تشابهت ملامحها مع لهجتها في تلك اللحظة فعلم أنها مازالت تحت تأثير جراحها أو هكذا اقنع نفسه فاطلق الهواء المكبوت في صدره دفعة واحدة و اقترب من مخدعها مرة أخرى و أقر بهزيمته بنبرة هادئة
” انا بعتذر على كل كلمة قولتها ضايقتك. بعتذر علي كل حاجه حصلت مني و من.. “

تشنجات عضلاته و نفرت عروق وجهه وهو يتابع من بين اسنانه
” و من حازم.”

أجابته بجفاء و صرامه
” اعتذر في الي يخصك أما الي بيني و بين حازم دا هيفضل بينا ليوم الدين..”

كان يعلم مقدار حزنها و ألمها فبالرغم من جمود ملامحها و لهجتها إلا أن اهتزاز حدقتيها كان يوحي بطوفان العبرات الذي يختبئ خلف جفونها لذا تابع بقسوة
” اقسم لك بالله لو كان عايش كنت هجبلك حقك منه و مكنتش هعمل اعتبار لأي شئ و لا حتى أنه اخويا.. بس اوعدك هجبلك حقك من الشياطين الي ساعدوه..’

فاجأته حين أردفت ببساطه
” بس انا مش عايزالك تجبلي حقي من حد ..”
برقت عينيه للحظات وانكمشت ملامحه بحيرة من حديثها لتتابع بصوت متحشرج
” حقي عند ربنا. و لو فكرت اخده هاخده بنفسي. أما أنت عم ابني و بس. و دي حدود العلاقة بينا. اتمني تكون فهمت قصدي!”

نجحت في غرس سهمها في منتصف الهدف بقوة. و كان الضحية قلبه! فقد استشعر الآن معنى كلماتها حين أخبرته بأنه سيعُض أصابعه ندمًا علي ما فعله معها فهو الآن يود لو يطلق على رأسه ألف رصاصة قبل أن يخرج من فمه تلك الكلمات التي ألقت به في الجحيم و حرمته الجنة طوال حياته.
أخذ نفسا طويلًا قبل أن يقول بخشونة
” مش هلومك علي اي حاجه قولتيها دلوقتي لإني عارف اني غلطت! بس احنا مش هننتهي عند النقطه دي يا جنة. “

كانت نظراته تحمل اعتذارات و ربما توسلات لم يُفصِح اللسان عنها ولكنها لم تفلح في هدم ذلك الجدار الفولاذي التي أحكمت بناءه حول نفسها فتابع بنبره متحشرجة

” حتي لو الطريق كان طويل و صعب بس اكيد له نهاية. و أنا عمرى ما هستسلم أبدا..”

بعينين جامدتان و رأس مرفوع بعنفوان تجلى في نبرتها حين قالت
“الكلام دا لو انا قبلت امشي معاك في نفس الطريق.. طريقنا مش واحد. لحد هنا و كفاية..”

اقتصت من كبرياؤه القدر الذي مكنها من لملمه أشلاء كرامتها التي مزقتها اتهاماته المروعه فها هي الآن و لأول مرة منذ وقت طويل مرفوعة الرأس بكبرياء كامل لا ينقصه شئ و لا يشوبه شائبة و تستطيع مواجهته و مواجهة الجميع

***************

خيم الزهول والصمت علي الجميع حين ألقت فرح قنبلتها الموقوتة التي كان لآثارها أعراض هائلة حجبتها الصدمة التي قطعتها شهقة قويه من جوف تلك التي كانت تقف خلفهم ترى و تسمع ما يحدث بزهول تحول الي ألم ممزوج بالغضب حين تذكرت ما حدث قبل قليل

عودة لما قبل نصف ساعه من الآن

كانت تتجول بالحديقة بخطً مثقلة بالهموم التي تمتزج بنيران الغضب و الذنب معا تخشي مواجهة الأختان و تملك من الكبرياء القدر الكافي الذي يمنعها من الاعتذار و ايضا هناك جرح دامي في منتصف قلبها لايزال ينزف منذ أن رأته معها.
حتي تلك اللحظة لم تكن تدرك ماهيه مشاعرها نحوه و مقدار عمقها و الذي هو نفس مقدار ألمها الآن فبكل أسف هي قد وقعت بالمحظور. و عشقت هذا الرجل .

ما أن مر طيفه علي بالها حتي غاب العقل لثوان للحد الذي جعلها تتوهم حين رأته يقف أمامها في طريقه لباب القصر الداخلي فبعد أن حاول الاتصال بفرح طوال الأيام المنصرمه و كان هاتفها مغلق لم يستطيع الأنتظار أكثر و أخذ قراره بأن يأتي بنفسه للأطمئنان عليهم و وضع الأمور في نصابها الصحيح و ما أن وصل إلي قصرهم و هو في طريقه الي الباب الداخلي شاهد حوريته الصغيرة تتجول بخطً مبعثرة في الحديقه فقاده قلبه إليها قائلا بلهجه يشوبها اللهفة
” حلا .”

كانت تناظره بصدمه سرعان ما تحولت لغضب تجلى في نبرتها حين تحدثت برسميه ادهشته
” اهلًا يا دكتور ياسين..”

تجاوز عن رسميتها و ملامحها المُتجهمة فقد غلب شوقه لها كل شئ فقال بعتب
” مجتيش الجامعه ليه؟ انا عرفت انك فكيتِ الجبس من كام يوم؟”

كانت لهفة نبرته لها وقع خاص علي قلبها الذي تألم حين سمعت كلماته فمن المؤكد أنه عرف من تلك الفتاة أنها تخلصت من الجبيرة لذا تحدثت بمرارة
” و مين قالك اني مجتش؟ “

انكمشت ملامحه بحيرة تحلت في نبرته حين قال
” و مجتيش ليه عشان اشوفك؟ “

كادت تنفجر بوجهه وهي تخبره بأنه اول شخص توجهت إليه من فرط شوقها ولكنها تفاجئت برؤيته مع أخرى و لكنها كانت ذو كبرياء قاتل جعلها تقول بإختصار
” محبتش اشغلك. وبعدين مفضتش كنت مواعدة اصحابي نخرج سوى ..”

نجحت في إثارة غضبه جراء حديثها ولكنه تجاهل ذلك قالبًا شفتيه بسخرية قائلًا بنبرة عادية
” اه اصحابك .. تمام حمد لله علي سلامتك. “

غمغمت باختصار
” شكرا.”
باغتها حين قال بفظاظة
” فرح جوا ؟”

شهقت لصراحته الفجة و لسؤاله المباشر عنها دون اعتبار لأي شئ فصاحت غاضبة
” انت كمان ليك عين تيجي تسأل عليها هنا..؟”
ياسين ببساطه
” و ايه المشكله؟؟”

جزت علي أسنانها بغل تجلى في نبرتها حين قالت
” والله انا مشفتش بجاحه في حياتي كدا. مش كفايه سرمحتها معاك بره . لا و كمان جيباك هنا وراها…”
قاطعها هادرًا بعنف

” عندك.. خلي بالك من كلامك. اعرفي بتقولي ايه و بتتكلمي عن مين. الغلط عندي مش
مسموح بيه .. “

تلظت بآلام قاتله لم تختبرها مسبقا فصاحت باستهجان
” غلط.. الغلط مش عندي يا دكتور يا محترم. الغلط من عندك انت و حبيبة القلب.. “

رفع إحدي حاجبيه وقال باستنكار
” حبيبة القلب.. ”
هدرت بغضب و دموع أثقلت جفونها
” ايوا حبيبة القلب الي عمال تلف بيها في الجامعة و مش عامل حساب لشكلك قدام تلامذتك لا و كمان جاي تسأل عنها هنا”

فطن الي ما ترمي إليه ولكنه كان غاضبًا من لهجتها و أراد الحد من تهورها قليلًا لذا قال باستفهام ماكر
“انا ليه حاسس ان الموضوع دا مزعلك أوي!!”

رفعت رأسها بشموخ يوازي لهجتها حين حاولت أن تنأى بكبريائها عن مرمى كلماته
” بنت الوزان متخلقش الي يزعلها ..”

تابع حرب الأعصاب التي شنها عليها قائلا بتسلية
” و بنت الوزان مشافتش نفسها في المرايه وهي بتتكلم! اعتقد لو شوفتي نفسك دلوقتي هتعرفي انا اقصد ايه !”

تعاظم الغضب بداخلها فزمت شفتيها بحنق تكبت بجوفها طوفان السُباب الذي تود إغراقه به فتابع هو بلهجة مغايرة لهدوئه منذ ثوان
” فرح فين ؟”
” مع اختها بتولد في المستشفى “

ألقت بكلماتها في وجهه قبل أن تفر هاربة حتي لا تجعله يرى عبراتها التي أغرقت وجهها و ما آلمها أكثر حين وجدته يهرول الي سيارته فعلمت بأنه حتما سيتوجه الي المشفي و لم تستطيع منع نفسها من أن تتبعه .

عودة للوقت الحالي

وقعت تلك الحقيقة علي مسامعهم وقوع الصاعقة والتي كان أول من تخطاها هو سالم الذي كان فريسه للحظات بين غيرة عمياء لصلتها بهذا الرجل و بين حقيقة تلك الصلة التي لم يستطيع تقبلها فزأر بقوة
” عايز توضيح فورًا للي سمعته.”

كانت نظراته موجهه إليها في محاوله منه لتهميش ذلك المارد الذي كان يملك من الدهاء ما يجعله يفطن لما يحدث لذا ما أن حاولت فرح الحديث حتي امتدت يديه تتلمس مرفقها بلطف وهو يقول بنبرة صلبه كملامحه
” عنك يا فرح.. توضيح سالم بيه عندي انا ..”

نجح في فرض نفسه و بقوة أمام سالم الذي انتفخت اودجته غضبًا من تلك اللمسة العابرة التي كانت لها وقع الجمر علي قلبه المُشتعِل بنيران عشق اهوج و غيرة قاتله و لم يفته أيضًا ذلك التحدي الذي يقطر من لهجته فأعلن الوحش عن هياجه الذي حاول كبته بصعوبه حين قال بفظاظه
” هات الي عندك.. “

تجاهل ياسين فظاظته و نظراته و ارتدي قناع الجمود الذي غلف نبرته حين قال باختصار
” عمى محمود والد فرح و جنة كان عايش معانا في الصعيد لما كانوا البنات صغيرين و حصل شوية مشاكل بينه وبين جدي و سافر و ساب البلد و عاش بعيد عننا و للأسف مات قبل ما يتصالح مع جدي و من وقت موته و أنا بدور علي فرح و جنة و الحمد لله لقيتهم..”

كان يتعمد اختصار حديثه ليستفز ذلك الوحش الذي يحاول بشتي الطرق إخماد غضبه الذي تجلي في عروقه النافرة و عينيه الداكنة و التي تحوي رغبة قوية في لكم هذا الرجل و محو تلك الابتسامة البسيطة المرتسمه على فمه الذي لم يعطيه كل ما يريده ولكنه نجح كعادته في السيطرة على ما يعتمل بداخله قائلًا بسخرية يشوبها الكثير من الجفاء
” بالبساطة دي !!”

ياسين باختصار
” بالظبط.. و لو مش مصدقني اعتقد انك تقدر تتأكد من كلامي. و لا ايه يا سالم بيه ؟ معقول يكون السيط دا كله فنكوش !! “

كانت جملته الأخيرة كعود ثقاب على أرض مشبعة بالوقود لم يكن ينقصها سوى شرارة واحدة حتى تشتعل بنيران لن ينجو من بطشها أحد ولكن جاء تدخلها السريع في اللحظة القاتلة حين شاهدت تغير ملامح سالم الي أخرى مُرعبة فهبت قائلة
” اكيد طبعا سالم بيه يقدر يعرف في دقايق حقيقة الموضوع . و بعدين احنا اكيد مش هنكدب عليه .. “

كان بعينيها نظرات ضائعه مُرتبِكه لا يعلم ما بها لأول مرة يقف عاجزًا هكذا أمامها نفذ صبره الذي ظن أنه ليس له آخر و لكنها استنفذت كل ذرة جلد لديه فود لو يهزها بعُنف ملقيّا كل تلك الأقنعه التي أجبرته علي ارتدائها حتي يستطيع التعامل معها و بالنهاية لم تفلح أيضًا و لأنها كانت بداخلها تتضرع الي ربها حتي يمر هذا الامر بهدوء فقد أتاها صوت مروان المنقذ و الذي شعر بتلبد الأجواء حولهم حين قال ساخرا
” ياخي شوف القدر و ترتيبه. يعني عمال تدور عليهم ليك سنين و جاي تلاقيهم دلوقتي والله البنات دول مُرزقين ..”

زجرته امينه بنظراتها قبل أن تقول بوقار
” احنا اتشرفنا بيك يا دكتور ياسين. و كونك تبقي خال حفيدي دا شئ طبعا يفرحنا..”

تحديث ياسين بلطف
” دا من ذوقك يا حاجه.. ”
لم تتمهل حتي يُعاد تدوير الحديث مرة أخرى بل سارعت بالقول
” بقولك يا ياسين ما تيجي تسلم علي جنة هي فاقت..”

” ياريت. و أهو بالمرة نكسب وقت..”

لامست كلماته أوتار غضبه فقال باستنكار
” يعني ايه تكسب وقت مفهمتش!”

ياسين بتوضيح
” يعني يا سالم بيه حضرتك اكتر واحد تعرف الأصول و الأصول بتقول أن مينفعش بناتنا تقعد عند ناس غُرب اكتر من كدا..”

كان الأمر برمته كارثي منذ أن وطأت أقدامه المشفي و الإعلان عن هويته إلى تلك الحقائق الصادمة ولكن كانت نيته في انتزاعها منه أشبه بانتزاع قلبه من مكانه لذا تجاهل كل شئ و اقترب منه قائلّا بزئير أفزعهم جميعا
” اسمعني كويس عشان شكلك متعرفنيش. محدش هيمشي و لا هيروح في أي مكان . و لحد ما اتأكد من الأفلام الهندي دي مشوفش وشك قدامي “

نجح بجدارة في اغضاب خصمه و الذي ناطحه بقوة قائلا
” خلى بالك من كلامك..”

زمجر سالم مقاطعّا
” انا عارف كويس بقول اي و الي بقوله هو الي هيمشي و خلي بالي حتي لو كلامكوا طلع صح ابن الوزان هيتربي وسط أهله. دا شئ مفروغ منه “

تحدث ياسين بلهجه لا تقل عنه جفاء
” ابنكوا محدش يقدر يمنعوا عنكوا زي ما انت متقدرش تنمنع بناتنا يرجعوا لأهلهم . لو ليك فاانت عليك. و الوضع هنا ميسمحش بالكلام و اعتقد انك فاهم قصدي كويس. “

لم يخلق من يقف أمامه أو هكذا ظن لذا احتدت لهجته وقال بتهديد مبطن
” و عشان فاهم قصدك بقولك محدش هيروح في أي مكان. هيفضلوا معانا و تحت عنينا. و لو انت مش فاهم فدي مشكلتك.”

صدق حدسه فقد ظن أن هناك شئ من البدايه في نظراته لفرح لم يريحه لذا تابع بدهاء
” بالرغم من ان كلامك مرفوض بالنسبالي بس لو هنتكلم عن جنة و ابن اخوك فهلتمسلك العذر . انما فرح متجمعهاش معاهم. ملهاش مكان وسطكوا مكانها وسط عيلتها.”

نجح في نصب المكيدة للوحش و لم يحسب حساب لضراوته في الحصول علي مبتغاه فخرج زئير سالم مع اقترابه خطوتين ليبقي علي بعد عدة سنتيمترات من ياسين الذي لم تتحرك بداخله خلية واحدة علي الرغم من تفاجئه بسالم الذي هدر بعنف
” فرح تخصنا زي ماجنة تخصنا بالظبط..”

ياسين بقوة
” وضح كلامك. عشان معناه مش مفهوم بالنسبالي.”

سالم مغلولًا
” فرح خطيبتي! ”
انكمشت ملامحه بغضب و لم يجبه إنما نظر إلى تلك التي كانت تتابع ما يحدث بقلب مُرتعِب و لأول مرة بحياتها تشعر بالضعف للحد الذي جعلها تريد الهروب من المكان بأكمله فنظرات هذان الوحشان مُرعبة بحق و كل منهما ينتظر أن تنحاز له و هي تخشي النتائج فكانت تتضرع داخليًا الي ربها أن ينقذها و لكن زاد الطين بله حين قال سالم بلهجه يشوبها السخرية
” تقدر تسألها لو مش مصدق!”

كانت تريد لكمه بقوة ولكنها تسمرت بمكانها حين هدر ياسين بعنف
” حتي لو أكدت علي كلامك فالموضوع دا غير مقبول الي عايز واحده يروح يطلبها من أهلها و ناسها و اديك عرفتهم دلوقتي و الأصول متزعلش ولا ايه يا حاجه؟؟”

كان الوضع متأزما للغاية فقد تعاظم الغضب بداخله وخاصة حين وجدها صامتة هذا يعني أنها توافق علي حديث ذلك الرجل الذي يود لو يحطم رأسه في تلك اللحظه و تكورت قبضته حتي ابيضت عروق يده و كأنه يتأهب لأول مرة في استعمال العُنف حتي ينتصر في أحدي معاركه و لكنه تفاجئ بوالدته التي تدخلت قائله بوقار
” انت شايف الوضع يسمح بالي انت بتقوله دا يا دكتور ؟ بدل ما تدخل تطمن علي بنت عمك الي راقده جوا دي و حالتها متسرش “

تبدلت معالمه للقلق من حديثها وقال باهتمام
” مالها جنة ؟ حصل ايه؟”

” و أنت مالك بجنة ؟؟’
لم يكد يتلقي اجابه حتي باغته سؤال خشن مصدره سليم المتجهم الوجه مفطور القلب و الروح و الذي تفاجئ بوجود ياسين و سؤاله عن معذبة قلبه فكان أول من تحدث مروان الذي تمتم ساخرًا
” كملت. كانت نقصاك تيجي تنطحلك نطحتين أنت كمان..”

تحدثت امينه بنبرة يشوبها التعب
” دكتور ياسين يبقي ابن عم جنة و فرح ..”
تبدلت معالمه الي صدمه و استهجان فصاح مروان قائلًا بتهكم
” لا مفيش وقت للاندهاش مش هنعيد الليله دي كلها من تاني.”

تحدثت فرح بنفاذ صبر فقد بلغ منها التعب ذروته
“ياسين يالا ندخل لجنة نطمن عليها “

قطع ياسين حرب النظرات المُتبادلة بينها و بين الأخوين و تقدم قائلًا باختصار
” اتفضلي .”

حانت منها نظرة خاطفة لسالم الذي كانت عروقه النافرة و ملامحه الواجمه خير دليل علي غضبه الكبير و الذي كان يخيفها علي الرغم من أنها لم تخطئ بشئ أو لنقل أنها حاولت إقناع نفسها بذلك ولكنها كانت تعلم في قرارة نفسها انها علي وشك خوض معارك داميه أمامه فكل شئ تغير كليا..

******************

في الداخل كانت تحارب عبراتها التي كانت كالانهار لا تنضب ابدا مهما ذرفتها بل تتجدد كما تتجدد جراحها التي فقدت الايمان بأنها سوف تلتئم ذات يوم فقد كرهت كل شئ يحيط بها حتي نفسها و غبائها و قلبها الغض الذي كان يتحمل الكثير و الكثير لأجل اخفاء أمر ذلك الكاذب و المخادع الذي ظنت بأنها انسان و بالرغم من كل شئ كانت علي وشك مسامحته فقد أقسمت داخليا بأنها لن تحمل ضغينه لأي احد و خاصة هو من أجل طفلها الذي و بالرغم من أنها لم تكن تتردد ثانيه في أن تضحي بنفسها لإنقاذه ولكنها الآن تخشي رؤيته لا رغبة لديها في أن تراه تشعر بأنها حطام إمرأة لا تهوي اي شئ في هذه الحياة . يد قويه تقبض علي قلبها تعصره مخلفه آلام تغلبت علي آلام جسدها فاحتضنت نفسها بقوة وهي تنظر إلي الأعلى و تقول بنبرة تقطر وجعا
” يااارب.. ماليش غيرك.. خفف عني وجعي مبقتش قادرة اتحمله..”

تخبطت السحب بعينيها فأمطرت الما حفر وديان الوجع فوق خديها تزامنا من دخول فرح يليها ياسين الذي ما أن رآى مظهرها حتي اختلج قلبه بشعور قوي تجاه تلك الطفلة البرييئه ذات الأعين السوداء التي كان يحملها و يداعبها و كانت ضحكاتها تملئ بيتهم الكبير الذي اتشح بالسواد منذ رحيلهم و الآن تبدلت الي شابة أهلكها الوجع و أطفئ وجه ابتسامتها فصارت باهته لا حياة بها و لا روح.
تألم بشدة و لعن بداخله كل تلك العاهات و التقاليد التي فرقتهم عن بعضهم البعض لتطالهم يد القدر بتلك القسوة

” جنة..”
كان هذا صوت فرح الحاني الذي لامس قلب جنة التي فتحت عينيها المشوشه بعبرات الوجع فاقتربت فرح منها تحتضن وجهها بكفيها و تكفكف عبراتها قائلة بحنان
” فتحي عنيكِ و احمدي ربنا علي كل إلي يجيبه. ربنا دايما له حكمه في كل حاجه بتحصلنا.”
” الحمد لله على كل حاجه ”
كانت منخرطه في بئر اوجاعها فلم تلحظ ذلك الذي كان يتابع ما يحدث بقلب مفتور و ملامح متجهمه و لم يستطيع تحمل المزيد فتحمحم بخفوت قبل أن يقول بنبرة قوية
” حمد لله علي سلامتك يا جنة..”

تنبهت لوجوده فالتنفتت تناظره بصدمه و تفرقت عينيها بينه و بين شقيقتها التي قالت بلهجه هادئه
” في موضوع مهم لازم تعرفيه. بس اوعديني انك تفضلي هادئه و اوعي تخافي من أي حاجه في الدنيا و احنا جمبك..”

خربشت كلماتها فضولها للحد الذي جعلها تقول بلهفه
” احنا.. تقصدي أنتِ و مين ؟”
تشجعت و ألقت قنبلتها قائله
” انا و ياسين. ياسين يبقي ابن عمو وفيق. يبقي ابن عمنا يا جنة..”

******************

في الخارج كان الموقف علي صفيح ساخن خاصة بعد أن علم سليم هوية ياسين و نيته فهب صارخا بغضب
” دا بيحلم.. لو فكر يقرب منها خطوة واحده هدفنه مكانه..”

تخدث سالم الذي قال بفظاظة
” انا هفوقخ علي كابوس يليق بيه. ”
تدخلت أمينة التي قالت بنبرة حاده كالسيف
” اسمعني انت و هو كلمه واحده مش هتنيها ابن ابني مش هيبعد عن حضني لحظه واحده. الي فيكوا غلطان يصلح غلطه قبل فوات الاوان. و تحرموا عليا انتوا اللتنين ليوم الدين..”

تفاجئ الجميع من حديثها و نبرتها الغاضبه فتحدث مروان الذي كان يلاحظ حالتها التي تحاول اخفائها عن الجميع
” اهدي يا مرات عمى . أن شاء الله مفيش حاجه من دي هتحصل..”

” مروان تعالي ورايا عشان عايزك..”

هكذا تحدث سالم بجفاء فتبعه مروان دون حديث تزامنا مع مجئ الطبيب الذي هرول إليه سليم قائلا بلهفه
” نتيجه تحليل الورم ظهرت يا دكتور ؟”

الطبيب بعمليه
” لسه ظاهرة من شويه . للأسف الورم طلع
. و خبيث بس الحمد لله احنا قدرنا نكتشفه في وقت بدري اوي بسبب الولادة و إلا كان هيبقي في خطورة كبيرة أنها تشيل الرحم. “

استقرت كلمات الطبيب في منتصف قلبه الذي جفت أوردته للحظه من فرط الصدمه ولم يستطيع الحديث فتدخلت حلا التي لسبب تجهله تساقطت عبراتها وهي تتحدث مع الطبيب
” يعني يا دكتور فهمنا هي ايه وضعها دلوقتي . حضرتك لخبطتنا.”

” هشرحلك. احنا دلوقتي استئصلنا الورم بس لازم هتخضع لفحوصات عشان نتأكد إذا كانت هتحتاج كيماوي أو لا “

تدخلت امينه بنبرة مرتعبه
” يعني يا دكتور هي كدا. ممكن تخلف تاني و لا ؟؟”

الطبيب بعمليه
” طبعا الموضوع دا مستبعد جدا في الوقت الحالي. بس مفيش حاجه بعيدة عن ربنا.”

القي بقنبلته تزامنا مع خروج فرح و ياسين من الغرفة فتفرق الوجع بين الجميع كالفيروس القاتل الذي ادمي قلوبهم جميعا علي تلك الفتاة التي تمتلك أسوأ حظ في هذا العالم من وجهه نظرهم و لأن لكل شخص طريقته في التعبير عن ألمه و قدرته في التحمل خارت قوى امينه التي سقطت نغشيه عليها فتلقفتها يد سليم بلهفه وهو يصرخ برعب

” أمي…”

بعد مرور أسبوع استقرت أوضاع الجميع و لأول مرة يتفقون علي شئ ما و هو ضرورة عدم إخبار جنة بحالتها حتي يتأكدوا من الامر فلا طاقة لها باحتمال خبر كهذا خاصة و أنها تعاني من حالة انعدام الرغبة في كل شئ حتي أنها لم تطلب أبدا أن ترى طفلها. علي عكس امينه التي لم تستقر حالة قلبها سوي عندما علمت بأن حفيدها أصبح بصحة جيدة و سيغادر غرفة العناية بالأطفال اليوم و قد قرروا الذهاب لتسميته و لسوأ حظها أو لحسنه لا نعلم؟ فقد كان هو من أتى معها حتي يقدم الأوراق الرسميه و يقوم بكتابه الطفل و قد كانت تحمل هم بحجم الجبال عن اسئله ستواجهها و لا تملك لها أي اجابات في الوقت الحالي فأخذت تضم الطفل إليها بحنان تشتم رائحته علها تشتت تفكيرها الذي كان ينهش بعقلها و لكنه كالعادة يخلف ظنونها فقد التزم الصمت طوال الطريق و لدهشتها فقد اغضبها هذا التجاهل المُريع ولكنها تابعت الصمت الي حين وصلوا الي وجهتهم و لم يقطع صمته سوي سؤاله المقتضب
” جنة قررت تسمي الولد ايه ؟”

كان يناظرها شذرا و قد اغضبها ذلك للحد الذي جعلها تود أن تنفجر في وجهه لتخبره أن يذهب الي الجحيم ولكنها تراجعت في آخر لحظه و قد قررت اللعب علي طريقتها فقالت بمكر يغلفه الهدوء و شددت علي كل كلمه تفوهت بها
” ياسين.. جنة قررت تسمي البيبي ياسين ..”

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *