روايات

رواية حان الوصال الفصل الثالث عشر 13 بقلم أمل نصر

رواية حان الوصال الفصل الثالث عشر 13 بقلم أمل نصر

رواية حان الوصال البارت الثالث عشر

رواية حان الوصال الجزء الثالث عشر

حان الوصال
حان الوصال

رواية حان الوصال الحلقة الثالثة عشر

مرت من امامه اثناء ذهابه الى غرفة مكتبه، والتي بنفس الطابق الذي يضم القسم الذي تعمل به، ومع ذلك لا يراها الا نادرا، نظرا لعدم صلتها المباشرة بعمله،
لكنه دائمًا ما يصبر نفسه بلقائها في منزله على موعد مناوبتها او يسعده الحظ برؤيتها صدفة كما يحدث الاَن، لتفتح شهيته على اليوم بأكمله.
– بهجة.
هتف بأسمها امام عدد من افراد الموظفين المارة غير مباليًا بوضعه ولا بهيبته التي تثير الرهبة في قلوبهم أجمعين، ولكن معها ، هناك دائمًا استثناء.
برد فعلي طبيعي استجابت تغير وجهتها نحوه ثم لتتبعه، بعدما اشار لها بيده نحو غرفة مكتبه، كي تلحق به، لتمر على لورا التي وقفت بالتحية له ، حتى اذا وقعت عينيها على بهجة، خبئت ابتسامتها ولم تعلق على دخولها خلفه لغرفة المكتب، وهل تجرؤ في حضرته؟
❈-❈-❈
– افندم يا رياض باشا كنت عايزني في حاجة؟
صدر منها السؤال فور دلوفها، ليجلس هو خلف مكتبه على كرسيه بهدوء يجيبها:
– خير يا بهحة متقلقيش.
صمت برهة ثم تبسم مستطردًا امام ترقبها:
– ما قولتلك خير يا بنتي، انا بس استغربت لما دادة نبوية بلغتني بغيابك النهاردة عن مجالسة الهانم الكبيرة…..
ردت بلهفة:
– ايوة يا فندم، ما انا بلغتها عشان النهاردة معانا فرح ابن عمتي شادي اللي حضرت حنة خطيبته امبارح.
– اه
اومأ بهزة من رأسه، ثم اردف سائلًا:
– وهو الفرح مينفعش بعد ما تخلصي يا بهجة؟ ولا هو هيخلص على عشرة ؟
برقت خضرواتيها في اندماج واضح للرد عليه، جاهلة عن استمتاعه بوهجها المضيء وعفويتها في موضوع محسوم من الأساس ولكنها حجة للحديث معها:
– لا طبعا يا فندم، مينفعش بعد ما اخلص، امتى هلحق اتجهز انا واخواتي، دا مشوار القاعة نفسه محتاج وقت.
– وضع كفه بتسلية سائلًا:
– ليه بقى؟ وهي دي تبقى فين على كدة؟
اخبرته بطيبتها عن اسم القاعة وعنوانها بالتفصيل الدقيق، وهو يتحاور معها وكأنه من الحضور:
– ياريتني كنت معزوم معاكم يا بهجة، بصراحة انا من زمان نفسي احضر حاجة شعبية كدة، خصوصا وانتي بتقولي ان اهل العروسة صعايدة، يعني هتبقى ليلة.
– ايوة والله عندك حق يا فندم ، اصل شادي ابن خالي تعب كتير في حياته وصبر على عيا والدته، ربنا عوضه بعروسة أدب وجمال ، هو يستاهل كل خير…..
– خلاص يا بهجة.
صدرت منه بانفعال وعدم احتمال، فقد تبدل مزاجه في دقيقة، وكأنه لشخص آخر، ليتمالك بعدها بابتسامة ملطفا بعدما شعر بحرجها:
– انا قصدي بلاش كلام ع العريس نفسه، وخلينا في الفرح، هيبقى مزمار بقى وحصان ، لو كدة اعتبريني حاضر من غير عزومة.
ضحكت بخجل نافية:
– والله ما اعرف يا فندم، انا اخري معزومة زي اي حد، بس انت اكيد تشرف اي حد بحضورك.
– تسلمي يا بهجة على زوقك.
قالها بهدوء وتباسط لتتدارك هي للوقت، فتحمحمت تستأذنه في المغادرة:
– طب انا كدة بقى اخرج اروح على شغلي ولا في حاجة تاني؟
نفى بهزة رزينة من رأسه:
– لا يا بهجة مفيش حاجة تاني، اتفضلي روحي على شغلك.
اومأت تهديه ابتسامة ساحرة، قبل ان تستدير وتغادر الغرفة، لتتركه في حالة من الانتعاش لا تكتنفه مع سواها.
اما هي وقد خرجت من عنده ودقات قلبها تعزف الحانا ونغمات تطرب اسماعها، دغدغات بمعدتها، مؤجلة صوت العقل وما يخبرها به دائما عن استحالة حدوث هذا الأمر ، وان ما يصلها لا يزيد عن لطف من الرجل لا اكثر.
التقت عينيها بخاصتي لورا والتي تفاجأت بهدوئها المريب هذه المرة، رغم عدم ارتياحها لنظراتها العدائية دائما نحوها، فتواصل هي طريقها تغمغم داخلها:
– لا حولا ولا قوة الا بالله، ولا اكني قتلتلها قتيل.
❈-❈-❈
أما عن لورا،
فقد مطت شفتيها بابتسامة خبيثة تطالع اثر بهجة في الذهاب، وهي تعيد برأسها، حديثها بالأمس حينما التقت ببهيرة شوكت في النادي الاجتماعي مع والدتها عن قصد حتى اذا التقت بالمرأة، بالطبع سوف تسألها عن رياض.
مساء الأمس،
(( – اخبار رياض ايه بقى في الشغل؟ انا بسمع عنه من مصطفى اخبار كتيرة تبهر.
– بالفعل هو كدة يا طنت، ما شاء الله في الفترة الصغيرة اللي مسك فيها المصنع عمل انجازات تأهله يبقى الاول ع الجمهورية ، وع الشرق الأوسط كله كمان في السنوات اللي، بس ااا……
– بس ايه يا بنتي؟ هو لسة تعبان مع نجوان؟
سألتها باهتمام لتتنهد هي بقنوط، فيعتلي الأسى ملامحها:
– ما هي طنط نجوان دايما تعباه، من ساعة والده ما مات وهي تعباه، ورغم ذلك عمره ما أثر على شغله، دايما بيرفكت وبيعرف يفصل كويس بين مشاعره والشغل، لكن بقى…
– لكن ايه يا بنتي؟ ما توضحى اكتر عشان افهم، اللي حاصل مع رياض؟
صمتت هذه المرة لبرهة بسيطة ، ثم تلتقط فرصتها على الفور:
– بصراحة بقى هو الموضوع له صلة بطنط نجوان…. البنت اللي شغالة مع نبوية في رعايتها……
، مالها؟
– بيعاملها معاملة خاصة.
قطبت بهيرة تتراجع برأسها للخلف مستفسرة:
– تقصدي ايه بمعاملة خاصة مع واحدة بتشتغل عنده؟ جيبي من الاخر يا لورا..
تراقصا مقلتيها باضطراب تقصده، لتواصل بث فحيحها:
– انا مش عارفة الوضع بالظبط، هناك عند طنت ايه ظروفه معاها، دي واحدة بتتشارك معاه البيت في غياب نبوية، وطنت نجوان دي في دنيا تانية، يعني الله اعلم بقى بتعمل معاه ايه، المهم انه بقى متعلق بيها ورقّاها في المصنع من عاملة على مكنة لوظيفة مكتبية، رغم عدم وجود مؤهلات، بصراحة يا طنت انا بقيت خايفة ان قصة عمو حكيم الله يرحمه مع السكرتيرة بتاعته تتكرر كمان مع رياض والبنت دي…..
برقت عينيها بغضب دفين، تطرق بعصاها على الارض بعنف قائلة:
– وتتكرر الفضايح للعيلة من تاني ، انتى ازاي ساكتة دا كله ومبلغتنيش؟
اسبلت اهدابها عنها وبصوت خفيض مزجته بالمسكنة ردت تجيبها:
– يعني انا في ايدي ايه بس يا طنت؟ لا انا خطيبته ولا ليا صلة مباشرة بيه عشان اتدخل ولا اشكي، انا يادوب موظفة عنده، وهو اساسًا مش مديني فرصة على الاعتراض، دايما بينصرها عليا، من غير ما يراعي فرق المكانة ولا الترتيب الوظيفي ولا حتى القرابة اللي بتجمعني بيه.
احتدت عيني بهيرة، ناظرة للأمام ، وقد اشتدت خطوط وجهها بتجهم غير مبشر بالخير على الاطلاق، لتطرق بعصاها على الارض قائلة:
– يبقى انا لازم اشوف الموضوع ده بنفسي. ))
❈-❈-❈
دلفا الى منزلهما الجديد عائدين من رحلة المنتجع الساحلي وقضاء اسبوعين عطلة شعر العسل، ليضع الحقائب على الارض ، وينطق فمه اخيرا بعد فترة طويلة من الصمت.
– انا هروح اطمن ع الست الوالدة واطمنهم بوصولنا، ع العموم الشقة فيها كل حاجة، يعني لو حبيتي تاكلي الاكل جاهز فى الثلاجة، ولو ليكي غاية للطبخ، كافة شيء هتلاقيها في المطبخ ، عبير قامت بالواجب قبل ما نوصل.
– كتر خيرها، انا مليش نفس وهروح انام.
خرجت منها بصوت ضعيف يكتنفه الحزن، لتستدير متوجهة نحو غرفة النوم، فزفر هو متهدل الاكتاف فور رؤيتها على تلك الحالة، ولم يقوى على منع نفسه هذه المرة من ايقافها وجذبها اليه، يحتضنها مشددًا بذراعيه، يحتويها بغمرته، حتى بللت دموعها قميصه بصمت ابلغ من الف كلمة، فيستدرك هو بحجم جرمه:
– للدرجادى زعلانة مني يا أمنية؟ طب انا اسف يا حبيبتي، ممكن بقى تصفي؟
رفعت وجهها المغرق بالدموع قائلة:
– انا عمري ما اشيل منك يا عصام، كل اللي مزعلني هو زعلك، واللي بيدور في دماغك وتاعبك من الداخل، نفسي نعيش حياتنا طبيعي، بعيد عن اي ماضي ولا شيء راح وولى، التفكير في اللي فات مابيجيش من وراه غير كل الهم ووجع القلب، ليه توجع قلبك يا عصام وتوجعني معاك؟
زفر يتأملها بقلب يتمزق لحالتها تلك، فرق قلبه، ليطبع قبلة رقيقة فوق عينيها متمتمًا بصوت متحشرج:
– بعد الشر عليكي من الوجع يا امنية، انا لو مش بحبك مكانش دا هيبقى وضعي، بس حاضر، هحاول من هنا ورايح اشيل من راسي عشان نعيش حياتنا ومنوجعش بعض.
تبسم محياها بالفرح، لتشب على أطراف اصابع قدميها، فتباغته بقبلة على وجنته مغمغمة بامتنان:
– ربنا يخليك ليا يا عصام، لو انت بتحبني ف انا بموت في التراب اللي بتمشي عليه.
– يا قلب عصام.
خرجت منه، قبل ان يدنو فجأة ويرفعها بين ذراعيه مردفًا:
– لا احنا كدة نعمل معاهدة صلح ع السريع، الكلام ع الواقف كدة مينفعش.
لاحقته ضاحكة:
– طب مش هتخرج تطمنهم بوصولك؟
قطف ثغرها بقبلة شغوفة سريعًا، ثم تحرك بها مرددًا:
– معاهدة الصلح اهم في الوقت الحالي يا امنية، اي حاجة تيجي بعدها؟
❈-❈-❈
دوى صوت المزمار في قلب الحارة بصخب، ليتجمع معظم افرادها في الطرقات وشرفات المنازل ، لاستقبال هذا المتعجرف، والذي ترجل من السيارة يستقبل التهاني والمباركات وكأنه المظفر بالنصر بعد هزيمة الخصم، تصاحبه اصوات الزغاريد من النساء ووالدته التي كانت تصيح بأعلى صوتها.
– عقبال عندكم يا حبايب، ربنا نصفه بعد ظلمه، ندرًا عليا لاكون عاملة ليلة كبيرة الكل ياكل فيها لحمة، حلاوة ان ربنا فك كربته وظهر الحق؟ زغرتو يا حبايب وفرحوا قلبي .
صدحت الزغاريد مرة اخرى بعد مطلبها، وتنطلق المباركات للمرأة ودعوات التمني:
– عقبال فرحه يا سميرة ، وتعملي ليلة اكبر منها .
– ان شاء الله يا حبايب، ان شاء الله يارب، يلا يا واد ارقص وفرح قلبي بيك .
تلقى منها ابراهيم لينطلق مع مجموعة الشباب من افراد حارته ليرقص ويتمايل معها على انغام المزمار، مندمجًا في الدور، وعيناه تدور باحثة عن والده، الفرد الوحيد الغير موجود ، ليكتم غيظه بداخله، الا يكفيه امتناعه عن زيارته طوال مدة سجنه، ليكملها الاَن بعدم اهتمامه امام افراد المنطقة.
تمتم بالعبارات المتوعدة من داخله، لكن سرعان ما تحول كل ذلك الى مرح، حينما وقعت ابصاره على ابنة خالته رؤى، والتي كانت عائدة من جامعتها في هذا الوقت، لتكن المفاجأة من نصيبها.
ليزيد هو من تمايله امام الشباب مرددًا بعبارات الكيد:
– رقصني يا عم الزمار وعلي الصوت، خلي الناس كلها تعرف بخروج ابراهيم وفك حبسته، دا الحرية حلوة اوي يا جدعان، رقصني يا عم خلينا نكيد الاعادي.
انضمت معه والدته في وصلة فجة بالابتهاج المبالغ فيه ، وقد فهمت لمقصده، تنقل ابصارها نحو ابنة شقيقتها:
– ايوة يا حبيبي خلينا نكيد الاعادي..
اما عن رؤى فقد ضاعفت من سرعة خطواتها، تخترق صفوف البشر، دون ان تعير اي فرد منهم اهتمامها، رافعة ذقنها للأمام بإباء كي لا تظهر ضعفها ولا تأثرها ، حتى اذا وصلت لبنايتها ودخلت منزلها ، زفرت معبرة عن قهرها:
– الهي تنكادوا انتوا يا بُعدا، وما تشوفوا الفرح ابدا، قادر ربنا يخسف بيكم الارض ويوريني فيكم يوم.
– بتدعي على مين يا بت .
صدر صوت والدتها من جهة المطبخ، لتخطو سريعًا فتصل اليها هاتفه بغضب:
– بدعي على اختك وابن اختك اللي عاملين ظيطة وهوليلة في قلب الشارع وعمالين يرقصوا ولا اكنه بريء بحق، صدق نفسه ونسي ان ربنا يمهل ولا يهمل.
– صوت مصمصة خرج من شفتي والدتها دون ادنى تعقيب منها، تدعي الاندماج في تقطيف ورق الملوخية الخضراء امامها على سطح طاولة المطبخ، مما استرعى انتباه ابنتها للتساؤل:
– نعم يا ست ماما، لتكوني انتي كمان صدقتي وعومتي على عومهم، والله ما هستغرب لو سمعتها منك.
التوى فمها لتقلب عينيها بتململ قبل ان يخرج صوتها بما ليس مستبعد منها:
– يا ختي انا لا بقول ولا بعيد، اديني مرزوعة مكاني اهو في المطبخ، لا خرجت ولا حتى بصيت من البلكونة، بس اهي الحكومة برئته والمحامي طلع بالدليل انه ما موتش المرحوم الله يرحمه، يبقى ندعي عليه ليه بقى؟ ونحمل نفسنا ذنوب؟
– يالهوي عليا وعلى سنيني السودة، والله كان قلبي حاسس.
صرخت بها رؤى، تستطرد بغيظ شديد:
– يعني مكدبة اخواتي البنات الاتنين واللي سمعوا اعترافه بودانهم، وصدقتي ابن اخوكي البلطجي المجرم وامه اللي شبهه…….
افتر فاهها تتوقف عن الكلام امام سلبية والدتها المفرطة لتختم بتعب:
– انا بكلمك ليه اصلا؟ وانتي مفيش فايدة من الكلام معاكي……. انا رايحة على اوضتي وسيباكي ياما.
قالتها وخرجت تنجي نفسها من شلل مفاجيء قد يأتي لها رغم سنها الصغير، فوالدتها قادرة على ذلك بشخصيتها المتذبذبة وبقوة.
❈-❈-❈
خرجت من دوام عملها ، تسرع بخطواتها، متخذة طريقًا مختلفًا عن العادي ، لتقف في الوجهة المختلفة من الطريق تشير بيدها لسائقي السيارات الأجرة حتى يقف لها احدهم .
فتفاجأ بإحدى السيارات تقف امامها ، حتى كذبت نفسها في البداية ان تكن تلك التي تعلمها، ولكنه أكد لها حينما انزل زجاج النافذة بهيئته المهيبة يخاطبها:
– عاكسة طريقك ليه النهاردة يا بهجة؟ وراكي مشوار؟
شعرت بالحرج من خلف سؤاله، رغم بالونات المرح التي كانت صارت تراها تزين الأجواء من حولها لاهتمامه:
– لا ما انا مش مروحة ع البيت دلوقتي، المستشفى اتصلوا عليا وبلغوني بتصريح الخروج لايهاب، انا الفرحة النهاردة مش سايعاني وعايزة ألحق اروح اجيبه على طول.
– خلاص تعالي اركبي معايا اوصلك .
– نعم !
تمتمت بها بعدم تصديق ، ولكنه عاد يكرر مشددًا:
– بقولك تعالي اوصلك معايا في طريقي، وبالمرة اتصلك بعم علي يوصلكم ع البيت بعد كدة.
هذه المرة اعترضت بارتباك شديد:
– لا يا افندم اتفضل انت مينفعش.
سمع منها ليصدر رده بأمر غير قابل للنقاش:
– اركبي يا بهجة وبطلي عبط، انا مش بكرر كلامي كتير.
اضطرت مذعنة لطاعته، لتنضم في الامام بجواره، منكمشة على نفسها، شاعرة بكبر المقعد عن حجمها الصغير ، او انه ليس بمكانها، بداخلها رهبة منه لا تنكرها ، رغم تلك المشاعر التي تعبث بها بحضوره، لتدخلها في صراعات لا نهاية لها، لك الله يا بهجة.
وكأنه كان قارئًا لافكارها، فور ان انهى اتصاله بالعم علي تحدث بتباسط، كي يخفف عنها:
– تلاقي الفرحة النهاردة مش سايعاكي عشان خروج ايهاب.
سمعت منه لترد على الفور بلهفة انستها التوتر وما كان يكتنفها منذ لحظات:
– اه والله يا فندم، انا فرحانة كمان عشانه، لاني سألت الدكتور، قال انه ممكن يخرج ويروح مطرح ما هو عايز، اهم حاجة يحرص على نفسه ويلبس الكمامة لحد ما يخف نهائي. انا ممتنة ليك اوي يا رياض باشا.
جاء رده بروتينية:
– مفيش داعي للشكر ولا الكلام دا من اساسه يا بهجة.
– لا يا فندم ازاي بس؟
قالتها تبتلع رمقها، مرددة:
– انا مصرة برضو انى اسدد تمن المستشفى، اخويا طوّل هناك، ودا اكيد جر فلوس كتير اوي، مش معقول يعني كل ده تتحمله لوحدك؟
تطلع نحوها بنظرة غامضة وملامح مغلقة كعادته، ولكنها طالت حتى اخجلتها لتحيد ببصرها نحو الطريق امامها حتى وصلها رده:
– احنا اتكلمنا في الكلام ده قبل كدة وقولتلك بعدين، يبقى خلاص يا بهجة بقى، المهم دلوقتي ممكن تكلميني عن الفرح اللي هتحضريه؟
قطبت باندهاش سائلة:
– هكلمك في ايه تاني يا فندم؟ هو انا لسة حضرته من الاساس؟
– خلاص يا بهجة، يبقى انا كدة في انتظار انك تحكيلي عنه بعد ما تحضريه.
رغم تفاجأها إلا انها لم تجد امامها سوى الموافقة بإماءة من رأسها، يكتسحها خجل جميل، زين وجنتيها بالورود، وتوهجت له خضراوتيها، لتزيدها سحرًا فوق السحر.
❈-❈-❈
– خرج !
تمتم بها بعدم تصديق، فور ان سمع بالاخبار الجديدة من صديقه عقب لقاءه به، ليؤكد عليه الاخر :
– المحامي الفاسد يا عصام، قدر بأساليبه الملتوية، يجمع ادلة وبراهين مزورة مكنته يقدمها للقاضي ويحكم بخروجه، اصناف قذرة.
توقف امين بعدما رأى بأم عينيه، تصلب وجه الاخر، وخطوط وجهه التي اشتدت بغضب دفين، ليوضح محذرا:
– اسمع يا عصام، البني ادم ده تشيله من مخك مهما كان الخلاف ما بينكم، سيبني الله يرضى عنك اتكتكله وادور وراه براحتي، ما انا مش هسيبه.
– ولا انا هخليه يفلت من ايدي.
طالعه امين معترضا بتشدد:
– القضية دي بتاعتي من الاول يا عمنا، خليك انت في حالك ومتدخلش الامور الشخصية في الشغل.
ضغط يطرق بقبضته على سطح الطاولة بينهم مرددا:
– اوعدك اني مش هدخل الامور الشخصية بينا، بس بلاش تبعدني عن القضية دي.
تحدث امين برفض قاطع:
– وانا رافض يا عصام، احسنلك تنفذ امر رئيسك وتنشغل في القضية المسؤول عنها، وانا لو عوزتك هبقى ادخلك تشتغل معايا.
❈-❈-❈
خرجت من حمام غرفتها، تجفف شعر رأسها بالمنشقة الصغيرة، لتتوقف امام المراَة تتأمل وجهها المتورد بالسعادة، بعد تلك الساعات التي قضتها معه في عقد معاهدة الصلح، ما أجمله من رجل في ساعة الصفا، في جموح عشقه لها ، في كلمات الغزل التي يلقيها على اسماعها يدغدغ انوثتها ويدللها،
خرجت تنهيدة قوية منها تتمنى لو يظل على هذا الحال ولا يتغير ابدا.
القت بالمنشفة تهم بتمشيط شعرها، لكن وما أن شرعت ان تفعلها حتى دوى صوت الهاتف بالاتصال ، ف اقتربت على الفور تجيب الرقم الغريب، لربما تعرفه:
– الوو…. مين معايا؟
– الوو يا قلبي، انت لساكي برضو محتفظة بالرقم القديم…….
انتفضت تلقي الهاتف من اذنها على الأرض، وكأن عقرب لسعها بهذا الصوت الغريب، لا تصدق ما وصل لأسماعها..
– الوو يا أمنية، انتي روحتي فين بعيد عني؟
اغلقت على الفور المكالمة تتبعها بحظر الرقم من الأساس، وقلبها يضرب بفزع، وهي مازالت تكذب احساسها، حتى حسمت تتناوله مرة اخرى، تتصل هذه المرة بشقيقتها:
– الوو يا رؤى…… كويسة يا حبيبتي والحمد……. معلش بس انا كنت عايزة اسألك عن الزفت ابن خالتك ابراهيم……… انا كمان سمعت؟!، سمعت ايه مش فاهماكي……. يا نهار اسود خرج….. ازاي يا رؤى؟!
❈-❈-❈
عاد من الخارج وحالة السعادة برؤيتها مازالت تغمره، كلماتها الرقيقة وخجلها حينما يضيق الخناق عليها بأسئلته الفضولية، هذه الصفة ليست به من الأساس، ولكنه يكتشفها الان معها هي فقط،
تسمرت قدميه فجأة، منتبهًا للحاضرين الجدد لمنزله، وتلك الجالسة بشموخ امامه في زيارة لا تكررها الا كل شهور تقريبا، رغم قرب المسافة ولكن تملك الحجة بمرضها ، إذاً ما سر الزيارة الغريبة؟
– بهيرة هانم عندنا! طيب مش كنتي تتصلي ولا تبلغيني يا خالتو!
قالها مرحبا، ليقترب منها يقبل وجنتها بخفة قبل ان يجلس مقابلًا لها بجوار والدته المنكمشة على نفسها بمقعدها:
تبادلت معه التحية مرددة:
– انا لقيتك مش سائل، قول اجي اطمن انا بنفسي عليك وعلى اختي الحبيبة، واللي قاعدة قدامي دلوقتي خايفة ولا اكني هاكولها.
امتدت كفه على نحو والدته يلمس عليها بحنان لتهدا، وهو يبرر ملطفا:
– لا يا خالتو ايه الكلام دا بس؟ هي ماما مش عارفاكي يعني، يا نبوية.
هتف بإسم المرأة جليستها، وما ان خرجت اليه حتى تفاجأ بشقيقتها معها، ليعبر عن دهشته:
– ايه ده؟ دي دادة وصيفة كمان معاكي!
– ايوة يا رياض باشا، شوفت بقى المفاجأة؟
تبسم باضطراب يتقبل ترحيب المرأة ومزاحها قبل ان يأمر نبوية بسحب والدته لغرفتها، ثم توجه باستفهام نحو بهيرة والتي لم تتعبه في الانتظار:
– انا جايبة وصيفة تساعد مع نبوية في رعاية نجوان، بلاها من اي حد غريب احنا مش واثقين فيه.
مازال التوجس سيد الموقف بداخله ليواصل استفهامه:
– غريبة يعني انك تستغني عنها دلوقتي، انا عارف بمعزة وصيفة عندك، بالظبط زي نبوية عندنا.
ابتسامة ماكرة لاحت على محياها مبررة بكلمات مقصودة:
– دا حقيقي، بس في حاجات بقى بتجبر البني ادم انه يضحي، ع العموم انا عندي من الخدم كتير وكلهم تحت امري، الدور والباقي بقى على نجوان…
توقفت تخرج تنهيدة من العمق مستطردة؛
– مسكينة الحب ضيعها، ياريتها سمعت كلامي ولو مرة واحدة ، دي كانت اجمل بنات العيلة، اجمل مني انا شخصيا، كل الشباب كانوا بيتمنوا رضاها وسبحان الله هي ما اختارتش غير اسوأهم، عشان تعيش معاه مهووسة بحبه مهما يعمل فيها ، وفي الاخر تكتشف بعد فوات الأوان، بعد ما تنقلب بيه العربية مع عشيقته اللي يتضح بعد كدة انها زوجته، والمسكينة تفقد عقلها…..
-لزومو ايه الكلام ده يا خالتو ؟
هتف بها بانفعال ورأس مشتعل، بعدما عبثت بمكرها، داخل هذه الدائرة السوداء برأسه، والتي دائما ما يجاهد للخروج منها، وعدم تذكرها، لتواصل هي بمراوغة:
– انا مش قصدي حاجة طبعا يا حبيبي، بس تقدر تقول كدة افتكرت……
بنظرات يملأؤها الشك، صار يحدجها يصعد ويهبط بانفعال لا يخفيه، ف استطردت هي بتملق:
– حبيبي يا رياض انت عارف اكيد بمعزتك عندي، طول عمري اقول انك ابني التالت، لا ورثت العاطفة المبالغة من والدتك ولا غدر وفشل والدك الله يرحمه.
احتدت عينيه حتى صارت كلهيب جمر محترق، فواصلت هي بالطرق على الحديد الساخن:
– انا حتى بشبهك بمصطفى لولا بس عيبه انه اتجوز الممثلة دي اللي متناسبناش في اي شيء، بس نفعاه ع الاقل بعلاقاتها وشهرتها، مش ناوي بقى تشاركه وتكبر مصنعك؟
ضرب بكف يده على ذراع الاريكة باعتراض وتشدد:
– بس انا مش عايز مساعدة من حد يا بهيرة هانم ، حتى لو كان مصطفي نفسه، مصنعي هكبره لوحدي، واسمي هيبقى ماركة مسجلة في الشرق الاوسط وفي العالم كله….
تبسم ثغرها باتساع وقد وصلت لمبتغاها لتردف:
– هو دا اللي انا بتمناه وواثقة انك هتعمله يا رياض، وساعتها يبقى اللي ناقصك حاجة واحدة بس، هو النسب اللي يشرف، واحدة كدة زي ميسون مرات عدي، نسب يشرف وولادك يفتخروا بيه لما يجوا ع الدنيا، مش يلوموك على سوء اختيارك!
هكذا وبكل سهولة استطاعت بفحيحها، النبش في ذاك الجرح الغائر بدواخله، ذاك الذي مهما مرت عليه السنوات لا يندمل ولا يشفى أبدا، مهما تناول له من ادوية او حتى مسكنات.
❈-❈-❈
صدحت زغروطة كبيرة من صباح ، جلجت في قلب الحارة فور استقبالها لبهجة وشقيقها العائد اخيرا لمنزله بعد رحلة العلاج:
– يا الف الحمد لله ع السلامة يا هوبا، نورت بيتك ومطرحك.
قابلها الاخير بابتسامة ملوحًا بكفه لها بالتحية في الهواء، الله يبارك فيكي يا خالتي ، دا انتى اللي منورانا والله .
– لا يا اخويا منوراك دا ايه؟ انا صاحبة بيت.
قالتها بتباسط وهى تضم بهجة وتهنئها بعودة شقيقها، لتردف بعد ذلك بأمر:
– ولا ايه يا بت انتي، صاحبة بيت انا ولا واحدة غريبة؟
جاء رد بهجة ضاحكة:
– لا يا خالتي دا احنا اللي ضيوف عندك.
توقفت فجأة تطالع المنزل ونظافته لتعقب بمرح؛
– بس انتي تعبتي نفسك ووضبتي البيت ليه؟ كان يكفي بس اوضة ايهاب اللي هيريح فيها .
– يا بت ما قولنا اني مش غريبة، الله.
قالتها صباح بمرح لتتناول منها ذراع ايهاب وتتجه به نحو غرفته مرددة لها:
– روحي انتي بس اطفي من ع النار وانا هدخل ايهاب على اوضته .
– يالهوي عليا، انتي كمان طبختي!
تمتمت بها بهجة في اثرها بحرج شديد، لتهرول سريعًا نحو المطبخ، تطفيء نار الموقد الغازي، وتطمئن على الطعام قبل ان تلحق بهما داخل غرفة ايهاب الذي كان يتسطح على الفراش وهي تسحب الغطاء عليه، مخاطبة له بحنان:
– ريح شوية يا حبيبي من مشوار المستشفى على سريرك، ربنا ما يغيبك عن اخواتك ابدا تاني.
– يارب يا خالتي، انا فعلا عايز اريح شوية عشان افضي للمذاكرة المتأخرة عليا.
– ربنا يعينك يا بني.
قالتها وخرجت تغلق الباب عليه بخفة حتى لا تزعجه، لتجد بهجة هي الأخرى في طريقها اليها بعد مغادرة المطبخ، قائلة:
– خرجتي بسرعة يعني؟ هو ايهاب لحق ينام؟
جلست صباح على مقعد السفرة تشير لها على المقعد المجاور:
– انا اللي قولتله يريح، تعالي انتي عشان عايزاكي في كلمتين.
اقتربت تنفذ الامر وتسألها باهتمام:
– كلام ايه يا ست الريسة؟ في حاجة في الشغل.
نفت صباح بهز رأسها وبوجه واجم سألتها:
– قبل كل شيء انا عايزة اعرف، اخواتك البنات بيغيبوا لحد الساعة كام كل يوم كدة؟
ردت بهجة قاطبة بدهشة:
– على حسب مواعيدهم، جنات حسب المحاضرات، وعائشة حسب المجموعات اللي بتاخدها، ممكن يجوا بدري وممكن ييجو متأخر، بس هو الخميس دا عندنا معروف، جنات بيبقى يومها مزحوم بالمحاضرات وعائشة بتاخد دروس لبعد العشا.
– يعني انتي بس اللي بتيجي على ميعادك الساعة التلاتة، بما ان ايهاب كمان في المستشفى يعني.
اهتزت رأسها بمزيد من التشتت:
– ايوة يا ست الريسة، لزومها ايه الاسئلة دي؟
زفرت المرأة الواضعة يدها على وجنتها، لتنطق اخيرا بما اجفل بهجة:
– بسأل يا غالية عشان اعرف الحاجة اللي لقيتها مرشوشة دي قدام البيت مين المقصود بيها، واديني اتأكدت انها انتي .
– انااا؟ ….. حاجة ايه ؟ انا مش فاهمة حاجة يا ست الريسة.
تحدثت صباح توجهها بتحذير:
– من الاخر كدة يا بهجة، انا لما جيت هنا البيت، على حسب اتفاقنا، عشان اسبقك قي توضيب اوضة ايهاب وتعقيمها قبل ما توصلي انتي بيه من المستشفى، خدت بالي يا غالية من مية غريبة مرشوشة على عقب الباب، لولا اني مجربة الالاَعيب والوساخة دي من قرايب جوزي الله يرحمه، كانت هتعدي عليا ومكنتش هاخد بالي.
– يا نهار اسود.
تمتمت بها بهجة ضاربة بكف يدها على صدرها تردد بجزع وصدمة:
– يعني كان ممكن تضري فيها انتي كمان، او اي حد من أخواتي، طب اتصرفتي فيها ازاي؟ ولا هي لساها موجودة؟
قاطعت صباح هذيانها بلمسة من يدها توقفها:
– مفيش حاجة موجودة اطمني، بقولك الحاجات دي لان ياما عدت عليا من قرايب جوزي، يعني اكيد عرفت التصرف الصحيح معاها ازاي؟ المهم انتي يا حبيبتي، تخلي بالك كويس اوي ، اللي عمل العملة دي عارفكم كويس اوي وعارف خط سيركم ومواعيدكم بالظبط.
تابعت بإشفاق:
– انتي طيبة اوي يا بهجة، بلاش تخلي حسن النية اللي عندك يضرك، المرة دي جات سليمة وربنا صدرني اشيل الاذى من طريقك، المرة الجاية مش مضمونة، حطي عينك وسط راسك يا بنتي، أخواتك ملهمش غيرك، وانتي ملكيش غير نفسك.
اطرقت بهجة بحزن تهدلت له اكتافها، لتمتم بقهر:
– طب ليه يحصل معايا كدة؟ هو انا اذيت مين عشان يأذيني كدة؟
ربتت صباح بكف يدها على ذراعها بحنو تخبرها:
– شيلي من على قلبك يا حبيبتي، وهو اللي يتجرأ ويعمل الوساخة دي محتاج تبرير ولا مستنيكي تأذيه عشان يعملها؟ لا يا بنتي، اللي بيعمل كدة، دا بيكون قلبه مليان بالحقد والسواد ناحيتك، حصني نفسك انتي واخواتك والبيت كله، داومي على أذكار الصباح والمساء وزي ما قولتلك، برضو تبقى حريصة، وقادر ربنا يرد كيدهم في نحرهم الاوساخ اللي بيعملوا كدة.
اراحتها بكلماتها ، لتطالعها بامتنان شعرت به صباح، لتشاكسها مغيرة دفة الحديث:
– المهم سيبنا من الهم ده وخلينا في الفرح، قوليلي هتلبسي ايه النهاردة في زفة ابن عمتك؟
اشرق وجه بهجة وقد أسعدها فعل المرأة، لتجاري محاولاتها للترفيه عنها، فتخبرها بلهفة عن ما تنتوي فعله……..
❈-❈-❈
في المساء،
دلفت داخل القاعة بصحبة شقيقاتها عائشة وجنات اللتان تزينتا مثلها بالجديد ، بعد تيسر حالتهم الى حد ما بمبلغ النقود الذي اكتسبته بهجة من عملها الجديد كجليسة بمنزل رياض .
وقد ظهرت اليوم في ابهى صورة، بذلك الفستان الذي ابتاعته بعد فترة من الانقطاع، لتعيش عمرها الطبيعي
بتلك الهيئة الانثوية التي خطفت بها الانظار كعادتها، لتثير في قلب الحاسدين المزيد من السخط والكره.
– يا بت اللذين……
تمتمت سامية والتي سقط العصير من فمها فور ان وقعت أنظارها على ابنة عمها ، لتلكز والدتها المندمجة في الحديث مع احدى النساء، فتلفت انتباهها.
– شايفة ياما البت بهجة واللي عملاه في نفسها النهاردة بعد ما كانت راسمة دور الحجة، اقطع دراعي ان ما كانت جاية وراسمة تلقط لها عريس من البهوات قرايب العروسة.
مصمصت درية بغل وقد ارتكزت ابصارها على ناحية اخرى:
– ياريت يا ختي يحصل، ع الاقل تغور الصعيد وتريحني من خلقتها، أخواتك الاتنين عيونهم هتطلع عليها، دول مش بعيد يقتلوا بعض عشانها، يا خيبتك السودا يا درية هو العمل مشتغلش ولا ايه؟
غمغمت بالاخيرة بصوت خفيض وكأنها تحدث نفسها، ولكنها وصلت الى ابنتها التي اقتربت منها متسائلة بعدم فهم في البداية قبل ان تلقطها بذكائها؛
– عمل ايه؟…… هو انتي عملتلها عمل ياما؟
قرصة بخصرها تلقتها على الفور من والدتها التي همست تكز على اسنانها بتحذير:
– وطي صوتك يا زفتة ولمى لسانك، هتجيبلنا المصايب.
صمتت سامية ومن قراءة سريعة لملامح والدتها الجديدة، ايقنت بصحة ما سمعته، لتتبسم بانتشاء مطيعة لها:
– عيوني ياما هخرس خالص، بس هنكمل كلامنا في البيت.
التوى ثغر دورية ولم تعلق لتعود بأبصارها نحو مصدر همها، أبنائها الاثنان ومحاولاتهم الحثيثة في التقرب من هذه الملعونة ابنة عمهما، بصورة تفضح ما بداخلهما نحوها، لتتوعد هي بداخلها:
– ماشي يا بهجة، ان ما اشتغلش ده، فيه غيره، انا مش هستريح غير لما اخلص منك.
❈-❈-❈
اما عنها فقد كانت مستمتعة بفقرات الحفل التي على وشك البدء، في جلسة تجمعها على طاولة واحدة مع رحمة ابنة عمتها وشقيقة العريس مع بعض الافراد من عائلة العروس من نساء، ليتعارفوا بها، فتندمج هي بالحديث معهن، لتتغاضى عن محاولات ابناء عمها في التقرب اليها بحجج واهية ونظراتهم المسلطة نحوها تثير ازعاجها وتشعرها بالاختناق، لتعقب عائشة بفراستها ساخرة مما تراه امامها:
– عيال عمك الملزقين فاضل بس يقعدوا ع الطرابيزة جمبنا يا بهجة عشان يهمدوا من اللف حوالينا، ولا عمي خميس.. عايش الدور بعد ما لبس شبابي وزرع الصلعة، عينه مش سايبة بنت ولا ست ، يارب يعملها عشان اشوف درية وهي بتولع .
تمكنت بطرافتها ان تثير ضحكات شقيقتها، ورحمة التي لم تقوى على التوقف مرددة:
– يخرب عقلك يا عائشة دا انتي بلوة .
ردت بهجة هي الأخرى:
– انتي شوفتي حاجة، دي على رأي ابويا الله يرحمه سحبوها من لسانها.
– الله يرحمه مكدبش.
قالتها رحمة لتلتف نحو مصدر الموسيقى والإضاءة التي تغيرت للفقرة الرئيسية بالحفل، بتوقف شقيقها في انتظار عروسه والتي دلفت بصحبة احد اشقائها، ترافقها موسيقى واغنية حسين الجسمي للزفاف
إدخلي عمري بخطوتك اليمين
إضوي أيامي وعتمات السنين
قرت عيوني بشوفك مقبلة
يا الملاك اللين العذب الرزين
إسمعي نبضي وراء صوت الدفوف
من لمحتك ضيع الشوق الحروف
إسمعي نبضي وراء صوت الدفوف
من لمحتك ضيع الشوق الحروف
نورتي نورة حياتي دنيتي
يا ضيا عيني وأغلى ما تشوف
تابعت صبا بهيئتها الملوكية الساحرة، لتنتقل من يد شقيقها الأصغر، ثم للأكبر عمرا وهكذا من يد الى يد حتى وصلت الى ابيها الذي طبع على رأسها قبلة حانية قبل ان يسلمها لعريسها الذي كاد أن يفقد رزانته اليوم برؤية جنيته الساحرة،
بمشهد اثر ببهجة واصابها بالتحسر على فقدان والديها، وحرمانها بالتأكيد من هذه اللحظة التي اثارت القشعريرة داخلها بالتوق لها، لتستعيد رشدها بعد لحظات وتستغفر ربها ، ثم تندمج في فقرات الحفل والرقص على المزمار كما توقعت في الصباح في حديثها مع مديرها رياض….. يا الهي، ترى ما نهاية حكايتها معه هو الأخر؟
❈-❈-❈
اما عنه،
فقد كان يتقلب على فراشه في هذا الوقت، وكأنه على جمر مشتعل ، رأسه يكاد ان ينفجر من التفكير ، يعمل في كل الاتجاهات، منذ متى صار بهذا الصعف؟
كيف تغيرت خطته والطريق الذي رسمه منذ سنوات لا يذكر عددها للوصول إلى هدفه؟
يعلم ان خلف زيارة بهيرة شوكت طرف دفعها لذلك، ولكنه لا ينكر صحة قولها ، لقد واجهته امام نفسه، لتعيده الى ذاته، في ظل سيطرة هذه البهجة على تفكيره، لا ينكر سطوتها عليه رغم ضعفها، رغم لطفها ورقتها ، ولكن لابد له من ايجاد الحل، لا يمكن استمراره على هذه الحالة، لابد من الحسم؟
انتفض يعتدل بجزعه، حازمًا امره في تنفيذ ما طرأ بعقله دون تراجع، وكما قال المثل العربي القديم، وداوها بالتي كانت هي الداء.
لا يوجد حل سوى بها؟ علٌه بعد ذلك يستريح من هذا العذاب.
❈-❈-❈
داخل الفندق الذى تم عمل ليلة الزفاف بقاعته، ثم حجز هذه الغرفة كهدية له ولعروسه، بصفته انشط الموظفين به، جلست هي تنتظره على تختها بالفستان الضخم، حتى ينتهي من المباركات والتهاني من اصدقائه، والذين عملوا على خدمته، لما تجمعه من مودة بينهم.
ليلج اليها بخطوات متأنية متمهلة، يسترق النظر حتى وقف امامها تماما يتأمل خجلها وتلك الابتسامة المستترة خلف شقاوة يعلمها تمامًا، حتى في هذه اللحظة!
مال برأسه نحوها يسألها بنظرات كاشفة:
– بقالي ساعة بسلم ع الزمايل برا وبتقبل التهاني منهم، وانتى قاعدة هنا على سريرك، مغيرتيش فستانك يا صبا؟
ردت تجيبه ببساطة:
– عادي يعني، لفيت على صور السيشن بتاعتنا، ع التليفون، وخدني الوجت ونسيت.
زام بفمه بمكر مرددًا:
– يعني خدك الوقت ونسيتى الليلة والفرح وكله…..
ارتفع كتفيها وانخفضا بابتسامة متلاعبة، ليفاجأها بخلع سترته على الفور، ثم يشرع في خلع قميصه مرددًا :
– خلاص يا قلب شادي افكرك انا .
برقت عسليتيها بإجفال متسائلة:
– انت بتعمل ايه؟
– بفكرك يا قلب شادي.
وما ان انهى جملته حتى القى بقميصه على التخت، لتنتفض بخجل منه ناهضة لتهرول نحو المرحاض، وقد اصبح امامها عاري الجذع.
لحق بها يرفعها من خصرها والفستان الضخم سائلًا بجوار اذنها:
– ايه يا صبا، على فين يا قلبي؟
خرج ردها بصوت مهتز، وتراجع واضح عن التلاعب به:
– هغير هدومي يا شادي، ودي محتاجة سؤال .
قهقه بصوت عالي يديرها اليه:
– لا ما دا كان الاول يا صبا، انما دلوقتي…..
– ايه؟
– سألته ببرائة لتتلقى الرد عمليًا، حينما حطت شفتيه، ترتشف من شهد ثغرها، مشاعر مختلطة عصفت بها لا تدري لها مسمى، فلا هي بقادرة على منعه، ولا بقادرة على مجاراة جموحه، لتظل على هذا التخبط حتى افلت نفسه عنها بصعوبة يتأمل خجلها الشديد، وهي غير قادرة عن مبادلته النظر بعيناها، وكأنها اصبحت قطة وديعة بين يديه، ليعقب:
– ياااه يا صبا، دا انا نفسي نسيت، وشكلنا كدة هناخد وقت كتير على ما نفتكر….
وما كاد ان ينهيها حتى رفعها بفستانها متابعا بمزاح امام صمتها :
– ايه يا صبا؟ القطة اكلت لسانك .
لم تقوى على الرد سوى بقبضة منها تدفعه بصدره، ليقهقه عائدًا بها نحو التخت:
– هو دا اللي ربنا قدرك عليه مش بقولك هناخد وقت كتير عشان نفتكر.
❈-❈-❈
في اليوم التالي صباحًا،
وفور ان ترجلت بهجة من وسيلة النقل الحكومي، وصارت في اتجاه عملها وصلها اتصال برقمه، فردت تجيبه على الفور باندهاش:
– ايوة يا رياض باشا، نجوان هانم فيها حاجة؟
– لا يا صبا دا انا اللي عايزك ، غيري طريقك وتعالي ع الجهة الشمال، انا قاعد مستنيكي في العربية.
– عربية ايه؟
تمتمت سائلة ، لتنفذ متخذة الطريق الاخر، فتجد سيارته امامها بالفعل ، فتسائلت بتوجس:
– طب انت قاعد ليه في العربية ، ما الشغل قريب ، تقدر تقعد في مكتبك.
اجابها بحزم :
– بقولك عايزك في حاجة ضروري يا بهجة ممكن .
اضطرت لطاعته، حتى اذا اقتربت تنضم معه، تحرك سريعا بسيارته ليختفي بها من قلب المكان، فسرى القلق بداخلها، لدرجة جعلتها تندم، ولكنه فجأها بالتوقف، يباغتها بقوله:
– انا عايز اتجوزك يا بهجة.
صمتت قليلًا تستوعب ما التقطته اسماعها، لتردد بعدها بلحظات بعدم تصديق:
– تتجوز مين حضرتك؟ هو انت بتهزر يا رياض باشا؟
بجدية شديدة جاء رده:
– قبل ما تحكمي اني بهزر ولا بتكلم جد، ممكن تسمعي مني الاول؟
ضاقت عينيها قليلًا بتوجس، قائلة:
– اتفضل حضرتك انا سمعاك…..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية حان الوصال)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *