روايات

رواية نعيمي وجحيمها الفصل الأربعون 40 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها الفصل الأربعون 40 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها البارت الأربعون

رواية نعيمي وجحيمها الجزء الأربعون

نعيمي وجحيمها
نعيمي وجحيمها

رواية نعيمي وجحيمها الحلقة الأربعون

برأس مثقلة رفعتها عن الوسادة تطلعت حولها في الغرفة الغريبة عن غرفتها، الأثاث الغير المرتب مع الفوضى المنتشرة في كل شئ حولها، حتى وقعت عيناها على فستان سهرتها بالأمس وهو مُلقى على الأرض بإهمال، فتذكرت جميع أحداث ليلتها، من وقت رقصها الجامح في الملهي مع مارو، حتى مجيئها إلى هنا بصحبته، تأوهت لترفع جسدها وتشد الغطاء عليها، وخرج صوتها المتحشرج من أثر النوم:
– مارو يا مارو .
لم تنتظر كثيرًا وسمعت صوته على الفور وهو يلج إليها لداخل الغرفة قائلًا؛
– هاي ياقلبي هو انتِ صحيتي؟
ردت وهي تخرج لها سيجارة من العلبة لتضعها بفمها:
– انت كنت فين كدة ع الصبح وسايبني؟
أجابها على الفور بحماس
-كنت ع الفون وبكلم والدي عن قصة حبنا دا فرح قوي، وسألني بقى عن ميعاد جوازنا.
فغرت فاهاها حتى سقطت السيجارة من شفتيها، وقالت بدهشة:
– جوازنا ازاي يعني؟ هو انت بتتكلم بجد؟
– طبعًا ياميري، هو الكلام دا برضوا فيه هزار، ولا انت فاكراني عيل صغير عشان ماتخديش بكلامى، لا يا ست ميري لازم تفهمي إني راجل أوي .
قال كلماته بجدية كادت أن تضحكها ولكنها تماسكت لتجيبه بمهادنة:
– لا طبعًا ياحبيبي انا عارفاك راجل وسيد الرجالة كمان، بس انت عارف ان ظروفي متلخبطة؟ دا غير اني لسة في شهور العدة كمان ولا انت نسيت؟
مط بشفتيه يقول بتفكير:
– لأ طبعا مانستش، انا عارف ان الست بيبقا ليها عدة بعد ما تطلق أو جوزها يموت، تقريبًا في حدود اربع او خمس الشهر باين.
اعتلى ثغرها ابتسامة متسلية وهي تومئ برأسها إليه كي تجاريه دون ان تصحح له معلوماته، ولكنه أجفلها بقوله:
– الفترة دي هاتبقى يدوب على ماجهزنا عش الزوجية بتاعنا، إن كان هايبقى عندي ولا عندك، دا بابا مُصمم ان فرحنا يبقى اكبر حدث في مصر.
مسحت بباطن أناملها على عظام فكها بتوتر، ثم قالت وهي تجاهد لتُخفي ضيقها:
– وإيه اللي دخل والدك معانا بس واحنا لسة مدخلناش في حاجة رسمي؟ ثم انه ازاي يوافق على جوازك قبل ماتخلص جامعتك اساسًا؟
اعتدل في جلسته واضعًا قدم فوق الأخرى يقول بزهو :
– مش محتاجة تفكير ياقلبي، هو عارف ومتأكد إن ابنه جامد، وشهادة الجامعة دي، خدتها أو مخدتهاش مش هاتفرق معايا، انا مش فقير عشان ابنى مستقبلي على وظيفة بيها، والحقيقة كمان اسم والدك وفر عليا كتير أوي في اقناعه.
– اممم .
زامت بها وهي تشيح بوجهها حانقة ثم التفت بابتسامة صفراء تقول:
– اهي المشكلة بقى يا مارو في والدي، لأني عارفة ومتأكدة كويس، إنه لايمكن هايقبل يجوزني طالب في الجامعة وأصغر مني بست سنين.
شددت على عبارتها الأخيرة فانتفض أمامها بانفعالٍ أجفلها :
– وافرضي يعني ياميري ما وافقش، انتِ برضوا ما ينفعش تستلمي، قاومي وافرضي رأيك عليه، لازم يفهم ان احنا بنحب بعض ويوافق على كدة.
عادت لرسم ابتسامة صفراء على وجهها، وقد علمت بعقم الجدال معه، فيبدوا ان جموح جنونه الذي كان من أهم أسباب انجذابها اليه في البداية، هو نفسه ما يجعلها اليوم تشعر بالقلق منه، مالت تتصنع النعومة في صوتها لتنهي الحديث بقولها:
– طب ممكن ياقلبي نأجل الكلام في الموضوع دا بعدين، عشان دلوقتِ الصداع هايفرتك دماغي ونفسي في مج كببر من الكوفي الجميل بتاعك تعملهولي ممكن؟
– اميرة حياتي كل اللي تطلبه مُجاب .
قالها بحماس ونهض على الفور يلثم شفتيها بقبلة خاطفة واكمل وهو يخطو لخارج الغرفة:
– ثواني واحضرلك الفنجان تشربيه عشان تفوقي كدة معايا.
تابعته حتى انصرف لتزفر بارتياح مع خروجه، ثم تناولت الهاتف لتلقي نظرة به، توسعت عيناها متفاجئة بكم الإشعارات التي عليه، لتجد أمامها الخبر الأهم وبيان جاسر الريان عن زوجته يتناقل في الصفحات بصورة غير طبيعية، قرأت نص البيان بأنفاس متهدجة من الغضب مع كل كلمة به، ثم الاراء المشجعة، والتي تُثني على جرأة الرجل في اختيار زوجته دون النظر إلى الفارق المادي، واستشاط عقلها بنيرانه وهي تقرأ كم التعليقات الساخرة من زوجته الأولى، فلم تشعر بصرختها المدوية وهي تخرج من عمق حلقها، ولا بالهاتف الذي دفعته بطول ذراعها حتى اصطدم بالحائط؛ ليقع على الأرض متهشمًا لعدة قطع متناثرة، ولا بشهقة الزعر التي صدرت من مارو وسقط على أثرها فنجان قهوتها الكبير من يده، ليكمل على فوضى الغرفة، وخروجه مهرولًا خوفًا هيئتها.
❈-❈-❈
تتابع الأخبار وما يتناقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بهاتفها وهي تهبط الدرج وابتسامة تعتلي محياها مع كل كلمة تقرأها، فقالت بإعجاب وهي تتجه نحو طاولة السفرة التي يتناول عليها زوجها وجبة إفطاره:
– يانهار ابيض يا عامر، ابنك المجنون طلع بيان قالب الدنيا، وخلي معظم الناس في صفه، ابن اللذينة جاب الفكرة المجنونة دي منين؟
ظل صامتًا على وضعه، فتابعت غير منتبهة:
– يخرب عقله، دا إسمه النهاردة بقى ترند، لكن انت كنت على علم باللي عمله دا ياعامر؟!
رمقها بنظرة غامضة وهو يرتشف من فنجانه لعدة لحظات، ثم رد باقتضاب:
– عايزاني اقولك ليه؟ وانتِ مالك؟
أجفلها رده المباغت، فتلعثمت تجيبه بحرج، وقد وصلها مقصده حينما تذكرت شجارها معه بالأمس:
– أنا مالي ازاي بس يا عامر؟ مش معنى ان معجبنيش تصرف ابني في الأول، يبقى مش هافرحله لما إسمه يعلى من تاني .
رد وسهام عيناه القوية تخترقها بقوة:
– يعني حضرتك كنت حاسة بالعار امبارح عشان كسرناك انا وابني بجوازته اللي عرتك قدام بهيرة شوكت بنت سلطح باشا ، والنهاردة بقى رفعتي راسكِ، لما شلة المنافقين اللي حواليكِ، بعتولك يمشوا مع الموجة، ويعبروا عن جرأة ابنك وحكمته! في اختيار البنت الفقيرة وقصة الحب الجميلة مابينهم.
صمت برهة وعيناه اشتدت حدتها يكمل:
– وبرضوا في الحالتين انت مايهمكيش غير مظهرك وشكلك قدام الناس، وسعادة ابنك ولا زعل جوزك، في المرتبة التانية بعد الناس
ابتعلت ريقها بتوتر لم يخفى عليه، وعيناها لا تقوى على مواجهته ولا تجد من الكلمات التي تصلح للرد، فلا هي تملك تبرير موقفها لتمتص غضب زوجها الذي تعلم العلم أنه تعدى أقصى مراحله منها، ولا هي تقوى على الإعتذار عن شئ توقن في قرارة نفسها أن لديها كل الحق فيه، وكأن صفحة وجهها الشفافة انبأته بصراعها من الداخل، وقرأ عليها مالم تبوح به بلسانها، زفر من أعماقه مطولًا ثم نهض ينهي حديثه ليرحمها من صراع نفسها، تاركها محلها كالطفل المذنب وحزنه هو يزداد أضعاف.
❈-❈-❈
كف يدها بين يديه، يغمرها دفء راحته، والسعادة تشرق منها فتبدوا ظاهرة لكل من يراها، خرج بها من مصعده الخاص وقد أصبح مكانها جواره في أي خطوة تخطوها معه، يسير بها في رواق الشركة وابتسامة على وجهه بعرض وجهه، تزيد من غرابة الاستيعاب لكل من يعلمه سابقًا، لا يهمه ثرثرة الموظفين وهمهاماتهم المتعجبة من حال رئيسهم، الذي كان دائمًا متجهم الوجه، جامد الطبع، خشن المعاملة سابقًا، في تحوله الغريب إلى هذا الشخص المخالف تمامًا له.
ومن الطابق الأعلى كانت تتابع عرضهم، ويدها مستندة على الحاجز الزجاجي مضيقة عيناها بغموض صامتة، وهي تستمع الى الأصوات خلفها، بعض الموظفات الاَتي يحسدن زهرة عليه وإعجابهم بشطارتها التي أوقعت رجل بحجم جاسر الريان نفسه.
– يالهوي ع الكهن، فضلت راسمة فيها دور المؤدبة لحد اما جابت الراجل على بوزو.
– لا وتخطيط تمام، مشيت معاه في السر لحد اما اتمكنت وبعدها نترت بنت وزير عشان تمد وتدلدل رجليها على كيفها.
– ايوة ياختي ايوة، جاتنا نيلة في حظنا الهباب.
التفت بطرف عيناه على السيدتين لبعض اللحظات، ثم تحركت لتتركهم في ثرثرتهم، حتى وصلت لغرفتها، صدرها يصعد ويهبط بعنف، بريق عيناها الذي يومض بشكل مخيف ينبئ عن حجم النيران المستعرة بداخلها، على نفس هدوءها المُريب توجهت للنافذة الكبيرة خلف مكتبها، تتطلع في الفضاء الواسع أمامها بأعين شاردة في ذكراها البعيدة معه منذ أكثر من سنة.
” ولجت لداخل الملهى الليلي مع أحد أصدقائها القدامى، فلمحت عيناها شبح جسده من الخلف جالسًا امام رجل البار، يجترع في كؤوس الشراب بلا توقف، اقتربت تحيه بلمسة على ظهره:
– هاي ياجاسر، انت هنا من أمتى؟
رد التحية بشبه ابتسامة فاترة:
– أهلًا ياميرفت .
– قاعد لوحدك يعني النهاردة، طارق صاحبك مش موجود بقى ولا إيه؟
قالتها وهي تجلس بجواره على البار، فرد يجيبها باقتضاب وهو يتناول من طبق المسليات أمامه:
– لأ ، عشان سافر لعيلته .
– اممم
صدرت منها بارتياح لتجدها فرصة لتكمل الجلسة معه، متخلية عن الجلسة مع صديقها الذي وجد صحبة أخرى ليندمج معهم، منعت بأسلوبها الجاف تقرب أي فتاة من عاملات الملهى إليه، وهو يزيد من شربه في الخمر وهي لا تكف عن الحديث معه في شتى المواضيع، حتى نهض فجأة مقررًا العودة لمنزله، أصرت على مرافقته مستغلة عدم اتزان رأسه باهتزاز جسده من تأثير الخمر، مع علمها الأكيد بسفر ميري برحلة سفاري مع أصدقائها في الشمال، دلفت معه لداخل المنزل وأصبحوا وحدهم مع انصراف الخادمة ووجود الحراس في الخارج، سقط هو من تعبه على أقرب كنبة وجدها أمامه يمسك برأسه بين راحتيه، فاقتربت هي
تجلس بجواره لتلمس براحتها على ظهر كفه تدعي القلق:
– الف سلامة عليك، هي لدرجادي دماغك بتوجعك؟
أومأ برأسه دون ان يرفع عيناه إليها فزادت من قربها حتى أصبحت ملتصقة به، وقالت بمسكنة:
– ياقلبي ياجاسر، حاسة بيك وتعبانة على تعبك، أنا أكتر واحدة تعرف باللي يألمك.
انتبه على جملتها والتي كانت تحمل في طياتها عدة معاني، فرمقها بنظرة بمتفحصة يستنبط مقصدها، مع قربها الغريب، فقد كان وجهها لا يفرق عن وجهه سوى مسافة قليلة جدًا، واستطردت هي بحديث عادي ولكن بنبرة مغوية:
– انت مستغرب ليه؟ انا بتكلم عن تجربتي في جواز فاشل مع راجل شخصيته ضعيفة وغبي، يفتقر للرجولة اللي بتتمناها أي واحدة ست، مش انا شخصيتي قوية، لكن احب جوزي يبقى هو المسيطر والقائد.
أكملت بنعومة أكثر :
– الرجالة اللي بالصفات دي بقوا نادرين قوي، والست المحظوظة هي اللي بتقع على واحد فيهم، لكن لو ما حافظتش عليه واهملت، يبقى تستاهل كل اللي يجرالها
قالت الأخيرة وهي تقرب وجهها اكثر لتفعل ما تمنته كثيرًا، انتفض جاسر يدفعها عنه واستقام واقفًا يمسح بكف يده أثر قبلتها على فمه، وهتف غاضبًا:
– سكرتي ولا إيه يا ميرفت؟ انت مش دريانة باللي بتعمليه؟
وقفت تقابله قائلة بثقة:
– إيه اللي انا بعمله بقى؟ شئ عادي جدًا بيتم بين أي اتين بينجذبوا لبعض، ولا انت مجربتش؟
عقد حاحبيه يسألها بريبة:
– جربت إيه؟
أكملت وهي تقترب على حذر:
– مش محتاجة أوضح ياجاسر، ولا انت عايز تفهمني ان البنات اللي بتسحبهم يوميًا معاك وتيجي بيهم هنا في غياب ميري، بتجيبهم عشان ينظفوا البيت؟
كلماتها السامة جعلته يستفيق حتى محت كل أثر للخمر من رأسه، فقال يرد عليها بهدوء:
– لأ يا ميرفت، انا بسحبهم فعلًا على هنا او اروح بيهم الفندق عشان غرض معروف جدًا بالنسبالي، بس تفتكري يعني ان أخلاقي تسمحلي اعمل كدة معاكِ انتِ صاحبة مراتي؟
– وفيها إيه؟
قالتها ببساطة وأكملت :
– مدام انت عاجبني وانا عجباك، ايه اللي يمنع؟ مراتك غبية و ماتستهلش نظرة واحدة منك حتى، لا عمرها حست بيك ولا حتى هاتفهمك، يبقى ليه نعمل حسابها بقى؟
أومأ برأسه ورد مضيقًا عيناه بتفكير:
– هي فعلا غبية عشان مصاحبة واحدة زيك، بس تعرفي بقى انا ممكن امشي على كلامك على فكرة واكمل الليلة معاكِ، بس من البداية كدة انا ماحبش اخد حاجة من غير تمن.
قطبت جبينها تسأله باستفسار:
– قصدك إيه؟
مال نحوها بابتسامة قاسية يجيبها:
– قصدي مدام جيبتي سيرة البنات، فا انا على استعداد إن احل إشكال ميري اللي واقفة مابينا، بإنك تاخدي حق الليلة زيهم، إيه رأيك بقى؟
احتدت عيناها وتوحشت ملامحها بشراسة تهتف غاضبة بوجهه:
– انت قد كلامك دا يا جاسر، بقى بتشبهني أنا، بشوية الحثالة أولاد الشوارع دول؟
توسعت ابتسامته يقول بتأكيد:
– شوية الحثالة دول عندهم مبرر عشان يبيعوا نفسهم، إنما انتِ بقى، مبررك إيه للخيانة؟ أخرجي من هنا دلوقتِ ورحي على بيتكم ياميرفت.
تسمرت محلها وهي ما تزال لم تستوعب الصدمة، فتخصر جاسر يشيح بوجهه عنها وكرر مطلبه غير عابئ بهيئتها:
– بقولك برا يا ميرفت واخرجي حالًا.
مع صيحتها الهادرة تحركت أقدامها للمغادرة من منزله، وشعور بالذل اكتنفها لم تقابله في حياتها، حتى وصلت لسيارتها لتسيل من عيناها دموعٍ عزيزة بل نادرة، مسحتها سريعًا لتعود لطبيعتها القاسية على الفور تردد لنفسها وهي تهم بتدوير المحرك:
– ماشي يا جاسر يا ريان، مسيري ارد حق كرامتي منك”
عادت لواقعها الاَن على طرقة خفيفة على باب غرفتها، أصبحت تعلمها وتعلم بصاحبتها، حركت رأسها لتجلى عنها ذكريات الأمس ومرارتها بحلقها، وخطت لتجلس خلف مكتبها، تدعي الثبات قائلة:
– أدخل .
فتحت غادة بهيئتها المبالغة في الإناقة والزينة وابتسامة تفضح ما يدور برأسها وهي تجيبها برقة:
– صباح الخير، انا قولت اجي اطل عليكِ، فاضية.
ردت برسم ابتسامة لتخفي حزنها:
– حتى لو مش فاضية افضيلك نفسي، اتفضلي ياغادة.
دلفت بخطواتها المتأنية لتجلس أمامها بأدب قائلة؛
– كنت عايزة اشكرك على حفلة امبارح، اصل بصراحة انبسطت فيها جدًا.
هنا صدرت منها ابتسامة حقيقية، لترد على كلمات غادة:
– إيه يابنتي اللي بتقوليه ده؟ بتشكريني على حفلة كنت عاملاها عشان صحابي وحبايبي، ولا انتِ مش معتبرة نفسك صاحبتك.
ردت بلهفة على الفور:
– لا أبدًا والله، دا انتِ قلبي من جوا
اعتدلت ميرفت في جلستها تعود لطبيعتها وهي تخاطب الأخرى قائلة:
– بس انتِ إيه الحلاوة دي، دا ماهر اخويا كان هايتجنن عليكِ امبارح، الولد اتفاجئ بحلاوتك حرفيًا
كتمت شهقة بحلقها وهي ترد بقلب يرتجف بالفرحة:
– مش لدرجادي يعني يا ميرفت؟ دا البنات الحلوين كانوا مالين الحفلة إمبارح .
– لا لدرجادي وأكتر كمان، خليكِ واثقة من نفسك ومن جمالك، دي ناس أقل منك بكتير اهي واخدة حظها والدنيا كلها بتتكلم عنها.
قالتها بمكر لم تفهمه غادة فظهر على وجهها التساؤل، فتابعت ميرفت
– إيه بقى؟ هو انتِ ما شوفتيش البروباجندا اللي عاملها النهاردة جاسر الريان بإعلان جوازه من بنت خالك.؟
استدركت غادة ترد وهي تلوي بثغرها:
– ما انا قولتها من زمان يا حبيبتي، حظوظ.
وكأن كلمتها جائت على موضع الجرح، رددتها من خلفها تقصد كل حرف منها:
– هي فغلًا حظوظ.
❈-❈-❈
داخل غرفة مكتبه، دلفت بابتسامة توسعت فور أن رأت إشراق وجهه نحوها، فتقدمت ترسم الجدية لتضع الملفات أمامه تقول برسمية:
– الملفات دي عايزة إمضتك حضرتك.
– حضرتك!
ردد خلفها ضاحكًا، وتابع يشير لها بيده:
– طب تعالي تعالي، وبلاها من الرسمية دلوقتِ
-التفت لخلف المكتب تُطيعه وهي تخاطبه بتعجب:
– طب عايزني في إيه طيب فهمني؟
فور وصولها إليه نهض فجأة ليرفعها من خصرها ويجلسها على سطح المكتب أمامه، فرفست بأقدامها باعتراض:
– ياجاسر مايصحش نزلني ماينفعش كدة.
شدد عليها بين يديه يقول بحزم:
– بس بقى اهدي كدة، يصح ولا مايصحش، دا مكتبنا واحنا حرين فيه، اهدي عشان تسمعي عايز اقول إيه؟
توقفت عن مقاومتها واضطرت صاغرة لمطلبه على مضض، فشاكسها بمرح:
– وافردي بوزك دا عشان اعرف اكلمك كويس.
أومأت ترسم ابتسامة مضطربة، فاستطرد يسألها:
– عرفتي اني أمرت بصرف مكافأة نص شهر لكل الموظفين بمناسبة الشراكة الجديدة؟
أومأت برأسها تقول:
– اَه عرفت، دي البت غادة كانت هاتموت من الفرحة وهي بتكلمني
تبسم يسألها:
– وانتِ بقى مسألتيش عن مكافأتك ليه؟
هزت بأكتافها تجيبه:
– واسأل ليه بقى؟ هو انت مخليني محتاجة حاجة ولا بصرف قرش حتى من مرتبي؟
تطلع إليها صامتًا يتأملها للحظات ثم تناول كف يدها،
ليسألها برقة:
– طب انا عايز أكافئك بحاجة مختلفة عن الفلوس، نفسك في إيه بقى؟
عقدت حاجبيها قليلًا بتفكير، ثم قالت ومقلتيها يتراقصان أمامه بحيرة:
– مممم مش عارفة ياجاسر، أصلك مش منقصني من أي شئ شالله يخليك ليا يارب.
ضحك من قلبه يقبل كفها بعمق، فهذه المرأة ستُذهب بعقله يومًا ما برودودها الغير متوقعة، ثم تنهد مطولًا ليقول:
– طب بقولك إيه؟ انا هاجيبلك من الاَخر واقولك إني قررت ياستي اَراقيكي…
شقهت متفاجأة تردد بتساؤل غير مصدقة:
– ترقيني أنا ياجاسر، طب ليه؟ وازاي دا بقى؟
أجابها مرة أخرى ضاحكًا:
– ليه إيه؟ أنا صاحب الشغل يابنتي، يعني ارقي واوظف على كيفي، المهم بقى، جيبي انتِ اسم الإدارة اللي عايزاها وانا اخليكِ تمسكيها.
– كدة على طول!
قالتها لتقهقه غير مستوعبة ثم تذكرت وخبئت ابتسامتها وهي ترد بقلق:
– بس الموظفين كدة ممكن يكرهوني، ويقولوا دي اترقت بواسطة جوزها، لا بلاش ياعم .
تغير مرح وجهه لينقلب لتجهمه القديم ورد بصرامة على كلماتها:
– وما يقوله اللي يقوله يازهرة، إنت هاتوقفي حياتنا بقى عشان كلام الناس، أنا لو عندي شك واحد في المية انك مش كفاءة، ماكنتش سألتك، سيبك بقى من العالم الوردي بتاعك دا ياقلبي وخليكِ معايا، الناس ما بتسيبش حد في حاله، يعني ماتجيش على نفسك ولا توقفي طموحك عشان حد.
صمت برهة يتابع رد فعلها على كلماته، وقد بدا على وجهها الإقتناع، فا ستطرد:
– ياللا بقى جاوبي على سؤالي وقولي ع اللي نفسك فيه.
همت لتجيبه على الفور عن إدارة الحسابات، ولكن تذكرت رئيسها السابق، فقالت بتهرب:
– طب ممكن تخليها وقت تاني، على ما افكر .
– تمام .
تفوه بها بعملية ثم أردف:
– خدي وقتك براحتك في التفكير، عشان تختاري كويس ، الإدارة اللي تحسي انك هاتسبتي نفسك فيها ، اهم حاجة ماتبعدش عن الشركة وعني، وعلى فكرة انا حطيتلك مبلغ كدة في حسابك، مكافأة مؤقتة.
هتفت معترضة:
– تاني ياجاسر، وانا مالي بالفلوس دي كلها أساسًا؟
جعد أنفه يمازحها بقوله:
– مزاجي كدة ياستي فيها حاجة دي؟ ياللا قومي بقى شوفي شغلك، ولا انت استحليتي قعدة المكتب.
شهقت محرجة تنزل بأقدامها على الأرض، بابتسامة مستترة لكزته بقبضتها على كتفه، تأوه ضاحكًا يقول بسخرية:
– دي كانت ضربة دي ولا زغزغة؟
بس بقى؟
قالتها وهي تستدير لتغادر ولكنها تذكرت سبب دلوفها الأساسي، فالتفتت تخاطبه:
– اَه صحيح ياجاسر انا كنت عايزة اروح النهاردة عند ستي عشان خالي اتصل بيا وقالي عايزك ضروري.
سألها قاطبًا:
– عايزك في إيه يعني؟
مطت بشفتيها تقول بابتسامتها:
– هو مقالش، بس ممكن يكون بسبب اللي انتشر عني وعنك، ما احنا بقينا نجوم خلاص.
هزهز برأسه بعدم اقتناع يقول:
– يمكن! بس استني هنا يازهرة.
– إيه؟
قالتها باستفسار، فأجاب يحاول اختيار كلماته:
– حاولي تقنعيهم بالبيت اللي قولتلك عليه، انا ببقى حاطط إيدي على قلبي في كل مرة تزوريهم، حتى عشان تبقى المسافة قريبة مابينا.
اومأت برأسها صامتة بحرج، قبل أن تتركه وتذهب لعملها .
❈-❈-❈
دلفت لمنزلهم وقد فتحت بمفتاحها، بعد عودتها من العمل، مرهقة وتشكو من صداع رأسها، لقد كان يومًا عصيبًا بحق، منذ مواجهتها له في بداية اليوم، التي استنزفت طاقتها بشدة، ثم إدعائها القوة أمامه في كل مرة التقت به بعدها خلال اليوم، بالإضافة إلى سهرها طول الليلة السابقة، أقصى امنياتها الاَن هي أن تستلقي على سريرها، لتنام ولو لأسبوع قادمُا.
انتبهت على الأصوات الصادرة من غرفة المعيشة، وماهي الا خطوتين إلا وتفاجأت به أمامها:
– كارم .
قالتها بدهشة، قابلها هو بابتسامة منمقة صامتًا، فقال والدها الذي كان جالسا معه:
– طب مش تسلمي الأول يابنتي وبعد كدة اسألي:
شعرت بالحرج فخطت متقدمة إليه لترحب به قبل أن تنضم معهم في الجلسة، تسامرت بالكلمات الودوة قبل أن تسأله هامسة حتى لا يسمع والدها:
– ما اتصلتش يعني تبلغني بحضورك؟
أجابها بهمس هو الاَخر:
– اتصلت بيكِ من ساعة وانت ما ردتيش، اعملك ايه بقى؟ وانا متفق مع عمي من امبارح على الميعاد ده، اخلف ميعادي معاه يعني؟
همت لتجادله ولكن قطع عليها والدها بقوله:
– بس كان لازم والدتك تيجي النهاردة يا بني، حتى عشان يبقالها كلمة معانا .
أجابه كارم :
– خليها بعدين يا عمي، أمي ملهاش في الاتفاقات والكلام ده، دي بتخرج بالعافية اساسًا…..
– اتفاق إيه بالظبط؟
سألته مقاطعة كلماته، فجاءها الرد من والدها:
– كارم النهاردة جاي يتفق على ميعاد الخطوبة الرسمي، وبيقترح يخليها كتب كتاب بالمرة.
– إيه؟
صدرت منها متفاجئة، فقال كارم يخاطبها:
– بيقولك كتب كتاب ياكاميليا، غريبة دي؟
❈-❈-❈
وإلى زهرة التي تمكنت من الوصول إلى شقة جدتها بصعوبة للازدحام الشديد في الشارع بالمهنئين من أهل وسكان المنطقة والذين تجمعوا بمجرد رؤية السيارة، ولولا حماية الحرس، ما استطاعت تخطيهم ودخول المبني إطلاقًا، تلقفتها سمية وشقيقاتها بالترحيب الحار والقبلات، قبل أن تصل بصحبتهم إلى جدتها، التي أطبقت عليها بذراعيها تضمها إليها بشدة تعجبت لها زهرة:
– براحة ياستي شوية، هو انا كنت مسافرة؟
لم ترد رقية بل زادت من تشبثها بها ثم قبلتها على وجنتيها ورأسها، حتى هتفت حفيدتها ضاحكة:
– هههه يا رقية حتى دماغي كمان، دا انا بايني وحشتك قوي؟
– قوي قوي يا حبيبة ستك انتِ
تمتمت بها رقية بحرقة وهي تزيد من ضمها وقبلاتها
وهتفت سمية من خلفها:
– دا أكيد كمان من كتر فرحتها بيكِ يا زهرة، بعد ربنا ما نصفك ونصفنا احنا معاكِ ، حد كان يصدق إن محروس يطلع براءة ياناس؟ دا انا عقلي لحد الاَن مش مستوعب.
– اه والله يا أبلة، جاسر باشا طلع باشا على حق، دا كفاية اعتراف الولد على فهمي الزفت، اللي كان دايمًا بيخرج منها زي الشعرة من العجين، كان نفسي تشوفي امبارح لما البوليس كبس فجأة وخرجوا بلاوي من شقته؟
سألتها زهرة بلهفة:
– يعني قبضوا عليه يا صفية؟
حركت المذكورة رأسها بالنفي تقول :
– للأسف هرب، أكيد وصله الخبر والحكومة في الطريق، بس ان شاء الله البوليس مش هايسيبه.
– إن شاء الله.
تمتمت بها زهرة بتمني، فسألتها رقية:
– جوزك كويس معاكِ؟
اومأت لها بسعادة اشرقت على وجهها بصخب، فقالت صفية من خلفها بمرح:
– انتِ لسة بتسألي ياستي؟ دا جاسر باشا طلع بصورتهم ع النت وقال دي مراتي واللي يقرب منها هاديلوا بالجزمة.
– بالجزمة !
قالتها سمية بتعجب أثار ضحك زهرة مع شقيقاتها، قبل أن تصحح للمرأة، ماقالش كدة بالظبط، دي البت دي بتزود من دماغها ياسوسو، هو قال بس اني مراته وما يقبلش أي حد يقلل مني.
قالت الأخيرة بلمعة الفرح في عيناها، فهللت صفية وبناتها بالكلمات المشاكسة التي أخجلتها، حتى هتفت تدعي الغضب:
– خلاص بقى ياجماعة بلاش إحراج.
– ياختي إحراج ليه بس؟ ربنا يهنيكم ببعض، جاسر باشا ونعم الرجال، أنا مش عارفة اكفي جمايله معانا ازاي؟ لما يتمسك بيكِ لا ويتحدى الناس ويقف مع والدك لحد اما يخرجه من سجنه، وبعدها يدخله على مصحة يتعالج فيها عشان ما يعودش للطريق دا تاني، ربنا يخليهولك يارب .
تمتمت بها من قلبها، ثم غيرت مباشرةً نحو الموضوع الذي تقصده:
– كويس قوي عشان انتوا كلامكم دا شجعني اقولكم على اقتراح جاسر.
سألته رقية بفضول:
– ايه هو بقى اقتراح جاسر؟
ردت زهرة بحماس:
– بيت كبير ياستي، وقريب من المنطقة اللي احنا عايشين فيها، الدور الأول هايبقى لابويا وخواتي مع خالتي سمية.
هللوا الفتيات يصفقن بحماس وصراخ اضحكها، ثم استطردت، والدور التاني هايبقى ليكِ انتِ ياستي مع خالي وعروسته كدة بعد مايتم فرحهم، دا غير كمان الدور التالت دا بقى فاضي، يصلح لأي حاجة في المستقبل، لعيال خالي ان شاءالله او لو حب يعمله مكتب لشغله كدة او شغل مراته.
– وايه تاني ياقلب خالك كمان؟
قالها من خلفهم وقد أتى بالصدفة واستمع لحديثها، شهقت هي برؤيته لتقفز من محلها نحوه وترتمي عليه كعادتها في كل لقاءتها به.
– خالي حبيبي اَخيرًا وصلت، دا انت وحشتني أوي .
تقبل قبلاتها الخفيفة على وجنتيه دون أن يبادلها ككل مرة، شعرت بفتور ترحيبه فسألته بريبة:
– إيه مالك ياخالي، هو انت تعبان؟
تطلع لها بوجه مغلف صامتًا للحظات قبل أن يقطع صمته بوضع قبلة صغيرة على رأسها، ورد قبل أن يحرك قدميه نحو غرفته:
– حصليني جوا عايزك في موضوع مهم .
نظرت في اثره مندهشة جفاف كلماته، فانتقلت عيناها نحو جدتها بتساؤل، وكانت إجابة رقية وهي تلوح أمامها فاردة كفيها بعدم معرفتها، مع نظرة قلقة تطل من عيناها.
❈-❈-❈
– إنت عرفت منين؟ ولا مين اللي قالك؟ ستي؟
تفوهت بها سائلة بصدمة، ليزداد تخمينه بصدق ما علم به، فتابع يسألها بهدوء ما يسبق العاصفة:
– يعني الكلام دا حصل فعلًا يازهرة؟
تلعثمت وخرجت كلماتها بارتباك:
– ممم مش بالظبط ياخالي…
قاطعها يضغط بإلحاح:
– يعني جاسر ما رقدش الراجل في المستشفى بعد ما مد إيده عليكٍ؟
صرخت نافية تلوح أمامه بسبابتها:
– لا والله ما لحق يمد إيده، دا انا كنت هارمي نفسي من الشباك عشان مايعرفش يقرب مني، بس جاسر دخل ولحقني .
أكمل لها:
– لحقك لما دخل بالحارس بتاعه، كسر له إيديه وخرج بيكِ من العمارة وهو شايلك على إيديه، صح؟
شحب وجهها وانسحبت الدماء منه، وشفتيها تتحرك أمامه في محاولة للبحث عن رد لا تجده، فاشتعلت الدماء برأسه ولم يشعر بنفسه وهو يقبض على مرفقها هادرًا:
– الراجل ده استغلك يابت عشان تتجوزيه؟
صرخت تجيبه:
– لا والله ياخالي، دا ملمسش شعري من راسي غير بعد ما بقيت مراته على سنة ورسوله.
– طب وشقتي انا، كانت هي مهرك يازهرة؟
باغتها بالسؤال الذي لم تحسب حسابه كباقي حديثه المفاجئ لها:
– لأ يا خالي لأ.
قالتها على الفور تنفي، فصاح هو بأعين مشتعلة:
– أمال دفع باقي الأقساط وجابلك عقد مخالصة كدة ع الفاضي من غير تمن؟
– ياخالي اسمع مني الأول بس عشان تفهمني .
هتفت بها باستجداء تخاطب حكمته التي كان أبعد ما يكون عنها الاَن، وجهه المحتقن بالغضب، بأعين حمراء وصدره يعلو ويهبط بشدة، فترك مرفقها يقول بحدة:
– تمام يازهرة اتكلمي عشان أسمع .
مسحت بيداها سريعًا الدموع المتساقطة منها بغزارة، تجاهد للتماسك جيدًا أمامه.
– اتكلمي يازهرة .
رددها مرة أخرى متخصرًا بوقفته المتحفزة، فتكلمت لتحكي له عن ما حدث، وقد أصبح لا مفر من الكذب أو الإخفاء.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نعيمي وجحيمها)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *