روايات

رواية ضروب العشق الفصل السابع والعشرون 27 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ضروب العشق الفصل السابع والعشرون 27 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ضروب العشق البارت السابع والعشرون

رواية ضروب العشق الجزء السابع والعشرون

ضروب العشق
ضروب العشق

رواية ضروب العشق الحلقة السابعة والعشرون

جذبها إليه فورًا بيده قبل أن تسقط وباليد الأخرى يضرب على وجنتها برفق هاتفًا بهلع :
_ يسر .. يسر ردي عليا
حملها على ذراعيه ووضعها على الأريكة المتوسطة وهز رأسها بلطف على أمل أن تستيقظ ولكن بدون فائدة ، فانتصب في وقفته وجذب زجاجة العطر خاصته من على المكتب وقام بنثر شيء بسيط على على يده وقربها من انفها ففتحت عيناها تدريجيًا إلى أن نظرت له بوضوح فوثبت واقفة حين احست برغبتها في التقيأ من رائحة العطر النفاذة ، ولحسن الحظ أن بمكتبه يوجد حمام صغير ، فركضت نحوه ودخلت وأغلقت الباب خلفها ، لتسمع صوته وهو يطرق على الباب من الخارج :
_ يسر إنتي كويسة ؟!
لم تجيبه وفقط كان يسمع صوت تقيأها إلى أن توقفت أخيرًا وغسلت وجهها جيدًا وفتحت الباب لتراه بملامح وجهه المزعورة وهو يسألها باهتمام بالغ :
_ اخدك للدكتور لو تعبانة ؟
هزت رأسها مسرعة بالنفي وقالت بارتباك وهي تهم بالانصراف :
_ لا أنا كويسة
داهمها الدوار مجددًا وكادت أن تسقط لولا يديه التي حاوطتها من الخلف وجذبها من يدها ليجلسها مجددًا على الأريكة ويصيح مناديًا على المساعدة الخاصة به فتأتي بظرف لحظات قليلة وتسمعه يقول لها بجدية تامة :
_ هاتي عصير لمدام يسر وأي حاجة بسيطة كدا تاكلها
_ حاضر يافندم
ثم استدارت ورحلت لتنظر له يسر وتقول بحدة وهي تهم بالوقوف :
_ مش عايزة حاجة منك وابعد سيب إيدي
ارغمها على الجلوس هاتفًا بصوت رجولي صارم بعض الشيء :
_ اقعدي إنتي مش شايفة شكلك إزاي .. ومش قادرة تقفي على رجلك ! ، أنا هتصل بالدكتور ياجي هنا لو مش هتقدري تروحيله
استقامت واقفة وقالت باصرار وغضب :
_ ملكش دعوة إنت !! ، أنا مش عايزة دكتور ولا نيلة .. الحمدلله أنا كويسة متمثلش إنك مهتم أوي
هب هو الآخر واقفًا وقال بغلظة ونظرات صادقة :
_ أنا مش بمثل إني مهتم أنا شايفك فعلًا تعبانة وبقولك تعالي اوديكي للدكتور
_ آه وهو أنا لو تعبانة فعلًا تفتكر إني هروح معاك إنت !! ، إنت شكلك لسا مش مستوعب حجم الكره اللي اتربى جوايا تجاهك ، ولو بتعمل كل ده عشان ضميرك فاطمن هياخدله فترة ويموت وتنسى كل حاجة زي ما أنا نسيت
طرقت المساعدة الباب ثم دخلت ومدت يدها لحسن تعطيه ما طلبه منها وغادرت ، ليتنهد بقوة ويمد يده بالعصير والطعام هاتفًا بعدم حيلة :
_ طيب خدي على الأقل اشربي العصير وكلي عشان متتعبيش تاني
رمقته باشمئزاز وهتفت باستهزاء :
_ خليهوملك !!
وفتحت الباب وانصرفت دون أن تنتظر منه أي ردة فعل ، لينظر هو لما في يده ويتأفف بخنق ونفاذ صبر ……
***
خرج زين من الغرفة بعد أن ارتدي ملابسه واستعد الخروج ، رآها تجلس على أحد المقاعد صامتة وتحدق في الحديقة الخارجية من الزجاج ، فاقترب من خلفها وانحنى إليها يطبع قبلة ناعمة على شعرها هامسًا :
_ صباح الخير
التفتت له برأسها فورًا وقالت باسمة بحب :
_ صباح النور
وبمجرد ما أن انتبهت لملابسه استقامت وقالت بتعجب :
_ رايح فين ؟!
ابعد المقعد الذي يفصل بينهم ومد ذراعه يلفه حول خصرها مغمغمًا بوجه سمح :
_ رايح شغل هتأخر شوية وهاجي على المغرب إن شاء الله
زمت شفتيها بتذمر هادرة :
_ على المغرب ! ، وهتسيبني وحدي ده كله يازين !
طبع قبلة عميقة وطويلة على وجنتها متمتمًا بدفء :
_ معلش ياحبيبتي هو النهردا بس وبعدين هكمل الشغل من البيت هنا
اماءت له بتفهم ثم علقت نظرها عليه وهو يبتعد عنها ويغادر المنزل بأكمله لتبتسم حين طرأت في عقلها فكرة قد تكون منحرفة قليلًا بالنسبة لها وليس له ! ، وظلت للحظات تفكر فيها ثم اتجهت إلى غرفتهم وفتحت باب خزانتها لتنظر إلى الملابس النسائية المثيرة المعلقة فهزت رأسها بالنفي وقالت بخجل ” لا ، لا استطيع فعلها ” ، اطالت النظر فيهم لدقائق حتى حسمت أمرها وقررت أن تفعلها بالأخير وتتخلى عن اضطرابها ، فأخرجت قميص من اللون الأسود مكشوف الظهر كله وبحمالات رفيعة جدًا ، شفاف بعض الشيء عند مناطق معينة ويصل إلى أعلى الركبة .. نظرت لنفسها في المرآة وشهقت بفزع قائلة باستنكار :
_ إيه ده لا لا هغيره
عادت تتفحص الملابس من جديد ولكن البعض كان مشابه لهذا والبعض الآخر منحرف أكثر منه ، فتأففت وهي تلوم نفسها الغبية حين رفضت شراء هذه الملابس فقامت أمها وابنة خالتها بشرائهم لها وكانت هذه هي النتيجة !! .. عادت تتأمل نفسها في المرآة وهي لا تتخيل أنها سترتدي شيئًا كهذا أمامه ، ففكرت وجذبت الروب الخاص بالقميص ومن نفس اللون وارتدته فوقه واغلقته بالحزام فاخفى كل شيء لتتنهد هي بارتياح وتقول لنفسها باسمة ” هكذا أفضل ” ، نزعته عنها مجددًا وارتدت ملابسها المنزلية ثم خرجت واتجهت للمطبخ لتبدأ في تحضير الطعام لتجهز لهم وجبة عشاء هادئة ورومانسية ! .
***
توقفت السيارة أمام المنزل فترجلت هي منها أولًا ومن ثم هو ، كانت تقف تحملق في المنزل بأعين دامعة وخائفة من الفشل في أن تشرح لها كل شيء .. سمعت صوته الأجش وهو يقول ويتحرك أمامها ناحية الباب :
_ يلا ياميار
سارت خلفه على خطا متعثرة حتى طرق هو الباب وفتحت له زوجة عمه فطالعته مبتسمة ورحبت به بحرارة هاتفة :
_ أهلًا أزيك ياعلاء ادخل يابني .. ادخـ……
توقفت عن الكلام عندما رأتها خلفه فعبس وجهها وظهر عليه علامات الضيق وعدم الرضا لتسمع علاء وهو يهمس بصوت منخفض :
_ عايزة تشوف تيتا يامرات عمي يمكن تعرف تخليها تسامحها
تمتمت هدى بصوت لا يصل لمسامعها :
_ ده لو رضيت تشوفها أساسًا .. جدتك منشفة راسها ولسا امبارح كانت بتقولي إن عمك خالد مجبش ولاد بنسبالها
زم شفتيه بيأس ثم نظر لها وقال بغلظة :
_ اطلعي ليها ياميار
هزت رأسها بالموافقة ومرت من أمام زوجة عمها ووقفت تهمس باستحياء وهي تطرق رأسها بالأرض :
_ عن اذنك يامرات عمي
_ اتفضلي ياميار ده زي بيتك برضوا
قالتها هدى ببعض الاقتضاب وبمجرد ما أن توارت عن ناظريه ادخلت علاء وجلست تتحدث معه عن أحوال أمه وأبيه وبالأخص يسر .
بالطابق العلوي وقفت ميار أمام غرفتها مترددة في طرق الباب ولكن بعد لحظات طويلة من التفكير طرقت الباب وسمعت صوتها يسمح للطارق بالدخول ، ففعلت وفتحته لتدخل وتغلقه خلفها فتجد الرد عنيفًا منها :
_ بتعملي إيه هنا ؟
انسابت دموعها على وجنتيها وقالت برجاء :
_ يانينا ارجوكي خليني افهمك كل حاجة .. أنا مليش غيرك ومحدش بيحبني غيرك ، ابوس ايدك متقسيش قلبك عليا
صاحت بها الجدة بجفاء وغضب :
_ إنتي موتي بنسبالي بعد عملتك المهببة دي انسيني واعتبري جدتك ماتت ، ويلا امشي ومتخلنيش اشوف وشك تاني
جثت اسفل قدماها هاتفة بتوسل ونظرات منكسرة وباكية :
_ لا إنتوا فاهمين غلط أنا مظلومة .. أنا معملتش حاجة غلط صدقيني يانينا
احست بأنها ستلين أمام نظراتها وتوسلاتها فاشاحت بنظرها عنها وصاحت بأعلى صوت لديها :
_ هـــــــــدي .. هــــــــــــدي !!
وثبت هدى واقفة على أثر صياحها وكذلك علاء بعدما ظنوا بأن مكروه قد اصاب ميار وبالأخص بعدما روى لها عن محاولة انتحارها بالأمس ، اندفعوا إلى الطابق الاعلى حيث غرفة الجدة ، اقترب علاء منها ومسك ذراعها يساعدها على الوقوف بينما هدى فاقتربت من الجدة التي نظرت لعلاء وقالت بقسوة :
_ خدها ياعلاء ومتجبهاش تاني هنا
رمقتها ميار بدهشة وأعين عاجزة ولم تعارض علاء مطلقًا ، حيث وقفت وسارت معه بالخارج وهي في حالة من الصدمة كان يمسك بذراعها ويسير معها بهدوء للخارج لتنظر له بمجرد ما أن غادروا غرفتها وتقول بيأس ونظرات مهمومة تعبر عن صدق كلماتها :
_ قولها إني معملتش حاجة
ثم نظرت أمامها وقالت بفراغ كشخص ليس بعالمنا الواقعي :
_ محدش عايز يصدقني ولا يسمع مني حتى ، كلكم شايفيني مذنبة من غير ماتسمحولي اتكلم ولا اقول الحقيقة
اشفق عليها بشدة واحس بأنها صادقة وقد تكون الحكاية ناقصة للجميع وهم لا يعرفون سوى نصفها أو جزء منها .
وصلوا للسيارة وفتح لها الباب لتدخل ويغلقه ثم التف واستقل بمقعده المخصص للقيادة ليسمعها تهمس بألم وعدم وعي وعينان معلقان على الخارج من زجاج السيارة دون أن تنظر له :
_ أنا كنت عايزة أموت ، ليه نقذتني امبارح وودتني المستشفى .. فكرك إني كدا خلاص يعني ! ، لا ده أنا هفضل احاول انتحر لغاية ما هتلاقوني في مرة ميتة فعلًا ومش هتقدروا تلحقوني زي إمبارح
أصدر زفيرًا عاليًا مغلوبًا على أمره ثم حرك محرك السيارة وانطلق بها وهو يلقي نظرة عليها من آن لآن ، لا يدري أيسمع لقلبه الذي يخبره بأنها تقول الحقيقة وقد يكون ظالمها كالجميع ، أم يسمع لعلقه الذي رأى الصور وهي بين احضان رجل وبملابس اشبه بالداخليه !! …….
***
في مساء ذلك اليوم ……
لملمت شفق صحون العشاء بعد أن انهو وجبة عشائهم هم الأثنين وذهبت للحمام لتغسل يداها ووجهها وفمها جيدًا بفرشاة الاسنان ، ثم خرجت وظنت بأنها ستجده أمام التلفاز ولكنه ذهب للغرفة واغلق الستائر والمصباح ، رأته متسطح على الفراش فقالت باستغراب :
_ إنت هتنام ؟!
أجابها بصوت مرهق وناعس :
_ أها تعبان جدًا من الشغل وعليا النوم جدًا
ثم اغمض عيناه واستعد النوم فهرولت وجلست بجواره تهزه في كتفه برفق وتهتف بعبث :
_ لا قوم اقعد معايا همل وحدي
_ نامي جمبي ياشفق وبكرا هنقعد مع بعض كتير لإني مش رايح الشركة
قالت وهي تزم شفتيها بحزن طفولي واحتجاج :
_ كرم قوم بقى بلاش بياخة أنا مش عليا النوم دلوقتي
مسك بذراعها يميلها للخلف لكي تتمد بجواره متمتمًا بصوت يغلبه الخمول :
_ نامي وسبيني انام ياشفق والله ما قادر افتح عيني من التعب
لوت فمها بضيق وطالعته بزعل ، فكادت أن تنهض وتتركه لولا أنه جذبها لترتد على الفراش وتتمدد بجانبه ولكن المشكلة لا تكمن هنا بل حين وجدته يلف ذراعه حول خصرها ويحتضنها من الخلف دافنًا وجهه بين ثنايا رقبتها ويقول بنبرة خافتة وناعسة :
_ نامي ومسمعش صوتك
دار بؤبؤ عيناها في كل ارجاء الغرفة واجتاحتها رعشة أشد من التي اصابتها حين قبَّلها في صباح اليوم ، فخرج صوتها متعلثمًا ومضطربًا :
_ كرم ااا…….
ابعد يده عن خصرها ورفعها لشفتيها يغلق عليهم هاتفًا بحزم مزيف :
_ شششش اقفلي ده ونامي بسكات
ثم ترك حرية فمها وسحب الغطاء عليهم ليستسلم لسلطان نومه ويغطس معه في ثبات عميق بظرف لحظات قليلة ، ظلت عيناه مفتوحة على أخرها لا تستطيع النوم من فرط توترها حتى عادت تهتف بخفوت من جديد بعد دقائق :
_ كرم !
لا يوجد أجابة .. عادت تهتف باسمه مجددًا ولكن الاجابة نفسها ، الصمت !! ، فالتفتت برأسها للخلف وكان قد نام بعمق فافترت عن ابتسامة عريضة ومغرمة لتلتفت بكامل جسدها ناحيته وتقترب منه أكثر لتدفن وجهها بأعلى صدره بالقرب من رقبته وتلف ذراعها حول خصره أيضًا مثله ، وبعد دقيقة بالضبط وجدته يدخل ذراعه اسفل رأسها والآخر بمكانه على خصرها يضمها به أكثر إليه وهو لا يزال تحت تأثير النوم ، لتصبح تمامًا بما تحمله الجملة من معنى بين احضانه وذراعيه وهو يضمها بذراعيه الأثنين محاصرًا إياها بهم ، أغمضت عيناها بعد دقائق طويل من الصمت وهي ساكنة داخل احضانه ومحتجزة بذراعيه حتى أنه لا يترك له مساحة لكي تتحرك أو تعتدل في نومتها ، فابتسمت وسمحت لنفسها السعيدة والمطمئنة بالنوم بين ثانيا الغرام !! …..
***
خرج علاء من الحمام بعد أن أخذ حمام دافيء وسريع ، ونظر لها فوجدها على حالها منذ أن رجعوا للمنزل في الصباح بعد زيارتها للجدة ، تجلس على الفراش وتضم ساقيها لصدرها وعيناها تذرف الدموع في صمت ، فتنهد بخنق وقال بجدية :
_ كفاية ياميار .. تيتا رد فعلها طبيعي لإنها لسا مش قادرة تنسي اللي عملتيه زينا كلنا ، ومع الوقت هتسامحك
حدجته بوهن وتمتمت في ضعف وأعين منطفئة :
_ أنا معملتش حاجة ياعلاء تعاقبوني عليها بالكره والنفور ده .. على الأقل إنت صدقني واسمع مني بعدين احكم !
تنهد بحرارة ثم اقترب وجلس على آخر الفراش هاتفًا باستسلام :
_ قولي ياميار .. أنا سامعك أهو
بدأت تسرد له بأدق التفاصيل بضبط كما حدثت كالآتي :
_ أنا فعلًا غلطانة في حجات كتير وكنت متحررة في تعاملي مع أي راجل بس موصلش بيا التحرر للدرجة دي أكيد ..اليوم اللي حصل فيه الكلام ده كان قبل ما ننزل مصر بفترة قريبة جدًا ، وكان في حفلة عيد ميلاد وحدة صحبتنا وعازمة الكل فأنا روحت وهناك طبعًا كان في اللي بيشرب بس أنا كنت رافضة وبعد الحاح منهم شربت للأسف واللي كان في الصور معايا .. كان بيحاول يتقرب مني من فترة وأنا كنت بصده فلقيها فرصة وأنا اكمني مكنتش في وعي فضلت اتكلم واضحك معاه وفي وسط ما كنا بنتكلم لقيت نفسي مرة واحدة جوا اوضة معرفش إزاي ، في البداية أنا مكنتش حاسة بنفسي بس لما لقيت الموضوع هيتطور فوقت مرة واحدة معرفش ازاي وزقيته وحاولت اهرب فمسكني ومكنش عايز يخليني امشي وبما إن كان في حفلة برا فمحدش كان هيسمعني لو صرخت ، حاولت افلت منه بصعوبة لغاية ما سحبت هدومي ولبستهم بسرعة وبعدين طلعت جري على برا وركبت تاكسي ومشيت واللي اتضح طبعًا بعد الصور اللي اتبعتلكم إنت وعمو إن الحيوان كان ناوي يصورني فديو بس بعد ما هربت معرفش ياخد غير كام صورة من اللي حصل
اطال النظر فيها بشك ، فجانب منه يصدقها والآخر لا يصدق كلمة واحدة من الذي قالته ، وكأنها قرأت مايدور في عقله فقالت بنظرات متوسلة ويأس :
_ صدقني أنا مش بكدب عليك ياعلاء والله العظيم هو ده اللي حصل بظبط لا أقل ولا زيادة
تشدق بحدة ونظرات مستاءة :
_ حتى لو كان ده فعلًا اللي حصل فهو ميمنعش إنك غلطانة والغلط الأكبر على تيتا اللي سابتلك السايب في السايب لغاية ما وصلت بيكي إنك تحضري حفلات بالمنظر ده وتسكري كمان ومتحسيش بنفسك ، ده غير لبسك اللي كلنا كنا غلطانين لاننا سكتنا عليه وسبنا تيتا تفسدك بالشكل ده .. والله اعلم حصل إيه غير ده بما إنك طبعًا كان عندك اصدقاء ودول ميعرفوش العيب والغلط وإنتي كنتي سايبة نفسك لأي كلب عشان يقرب منك ويحضنك أو حتى يبوسك
اجفلت نظرها وقالت بصوت مبحوح :
_ في حجات مليش ذنب فيها أنا طلعت على الدنيا من غير أم وبابي مات وأنا عندي خمس سنين ونينا هي اللي ربتني كانت بتعاملني بكل حنية ومكنتش بترفض ليا طلب ، اقولها عايزة البس ده يانينا .. البسي ياحبيبتي ، عايزة اخرج في المكان ده .. روحي ياحبيبتي ، مكنتش بتقولي على الغلط والعيب ومفتكرش إنها اتكلمت معايا في الكلام ده إلا مرات معدودة وقليلة جدًا ، وأنا لسا صغيرة وعندي 18 وللأسف ادركت دلوقتي إني لسا صغيرة وطفلة متعرفش الغلط من العيب وكنت فاكرة نفسي كبيرة وناضجة بس طلعت العكس .. نينا كل اللي كان عليها إنها هتجوزني من زين وزرعت في دماغي إن زين هو الراجل الوحيد اللي يناسبني مع إني مكنتش بحبه ومن كتر الحاحها فوق راسي اقتنعت برأيها وبقيت اقنع نفسي إني معجبة بيه وعايزاه وهي كانت بتعمل المستحيل عشان الجواز ده يتم .. أما من ناحية الاصدقاء فاطمن أنا كنت دايمًا وحيدة ومنطوية ومليش غير عدد اصدقاء قليلين جدًا وكلهم بنات بس
امعن النظر فيها للحظات من الصمت القاتل حتى قال بخزي وعدم ثقة :
_ عايز اصدقك بس مش عارف
زمت شفتيها ورسمت ابتسامة بائسة وحزينة وهي تجيبه بيأس :
_ كنت متوقعة ده ! .. المهم إني قولتلك وإنت احكم براحتك عليا بعد كدا
تمددت على الفراش وولته ظهرها بعد أن رفعت الغطاء لأعلى صدرها تحاول النوم للهروب من واقعها الأليم ، أما هو فخرج للشرفة ووقف يفكر في كلامها بشرود ! ……
***
الساعة تجاوزت العاشرة مساءًا بتوقيت السعودية ! .
اخبرها بأنه سيعود على أذان المغرب أو بعده مباشرة ، وهو لم يعد حتى الآن ولا يجيب حتى على اتصالاتها ، وبعد أن جهزت الطعام واعدت الجو الرومانسي وجهزته لملمت كل شيء من جديد ، وأيضًا تجهزت ولبست قميص النوم النسائي ووتركت العنان لشعرها ووضعت القليل من مساحيق الجمال ، وكل هذا فقط من أجله وهو لم يأتي ولم يكلف نفسه ليتصل ويخبرها بأنه سيتأخر ولا يجيب على مكالمتها !! .
كانت تقف أمام النافذة من غرفتهم تنتظره إلى أن رأت سيارته تدخل حديقة المنزل الصغيرة وتقف في مكانها ويترجل هو منها ثم يقود خطواته نحو الداخل مسرعًا بعد أن بدأت السماء بهطول الأمطار ، لحظات قليلة ورأته يفتح الباب ويدخل ثم ينزع سترته عنه ويقول معتذرًا :
_ آسف ياملاذ اتأخرت عليكي عارف والله ، بس الشغل طول وحبيت اخلصه كله ومخليش حاجة عشان مطلعش تاني واسيبك وحدك
استدارت بجسدها كاملًا ناحيته وهتفت بعصبية :
_ إنت عارف أنا برن عليك من إمتى !! ، وكنت مجهزة عشا لينا وحضرتك سايبني للساعة عشرة وحدي لغاية ما الأكل برد وشلته تاني في التلاجة ، لا ومجهزالك نفسي ولابسة وحاطة مكياج وإنت سيادتك مش فارقة معاك حاجة ومهنش عليك حتى تطمني وترد عليا تقولي أنا هتأخر شوية
لم يصدمه كلامها حول أنها كانت تجهز لهم عشاء خاص وارتدائها لملابس تناسب ليلتهم وتزينها من أجله ، بقدر ما صدمه انفعالها وعصبيتها وهي ترفع صوتها عليه لأول مرة ، فادرك مدى أهمية الأمر بالنسبة لها وأنها كانت متحمسة جدًا وعدم مجيئه فجر البركان الخامد في أعماقها ، ليزفر بعمق ويقترب منها ممسكًا بكفيها ويهمس في أسف حقيقي :
_ أنا آسف ياحبيبتي .. متوقعتش إنك هتضايقي كدا والله ، ولو كنت اعرف إنك مجهزة كل ده عشاني كنت جيت فورًا وسبت الشغل في ستين داهية يتحرق بجاز
سحبت يدها بنفور وولته ظهرها هاتفة في احتجاج :
_ بعد إيه أسفك يا زين خلاص عكرتلي مزاجي وأنا كنت مبسوطة ومستنياك
احتضنها من الخلف وهمس في مكر رجولي :
_ وأنا هعرف ابسطك تاني ياحلو إنت .. يلا بس تعالي هنحط الأكل تاني مع بعض وناكل وبعدين نبقى نشوف موضوع مزاجك المعكر ده
ارتبكت قليلًا ومحا غضبها بالكامل من مجرد كلام بسيط ولكنها ابعدته عنها وقالت بتصنع الحزم والشدة :
_ طيب ابعد عني وغير هدومك وتعالى ورايا يلا
واندفعت لخارج الغرفة فورًا وهي تبتسم بحياء أما هو فضحك بخفة وبدأ في تبديل ملابسه وأخذ حمامًا سريعًا جدًا لم يتعدي الخمس دقائق ثم خرج وارتدي بيجامة منزلية ونثر عطره الرجولي على ملابسه ، ثم خرج واتجه لها في المطبخ ليقف معها ويساعدها في تسخين الطعام من جديد واعداده وهو يحاول ملاطفتها بالكلام المعسول حتى تبتسم له وتذيب تمامًا متخلية عن غضبها منه ولكن لم ينجح كثيرًا وفقط استطاع خطف ابتسامات بسيطة منها مغلوبة على أمرها من مشاكسته لها التي تجبرها على الضحك .
جلسوا على طاولة الطعام الصغيرة وبدأوا في الأكل ليقول هو باسمًا بنظرات لئيمة :
_ امال فين جو العشا الرومانسي والحجات دي
نظرت له مغتاظة وقالت دون ملاطفة أبدًا في الكلام :
_ ماهو لو حضرتك كنت جيت في معادك زي ما قولتلي ورديت عليا كنت هتلاقي الجو ده
قال بحنو وابتسامة واسعة :
_ مش مهم .. يكفي إننا مع بعض وتسلم إيدك على الأكل الجميل ده
زمت شفتيها وقالت محاولة إخفاء ثأترها بكلامه :
_ بالهنا والشفا
دقائق قليلة وانتهوا كلاهما من الطعام فنهض وساعدها في نقل الصحون للمطبخ ثم اتجه ليغسل يديه ووجهه ، وقف أمام المرآة يهندم ملابسه ويسرح شعره بانتظام ، وعلى الجانب الآخر كانت هي بالغرفة وضعها لا يختلف عنه كثيرًا سوى في توترها وخجلها ، تنهدم من مظهرها وتعيد رسم أحمر الشفاه على شفتيها من جديد ، وإذا بها تجده يدخل بعد أن طرق طرقة خفيفة واقترب منها يتفحص مظهرها وهي تخفي منامة النوم اسفل ذلك الروب السخيف فانحنى نحوها وطبع قبلة على جبهتها هامسًا بعشق :
_ انا اتوضيت وروحي انتي كان اتوضي خلينا نصلي ركعتين الأول عشان ربنا يباركلنا في ليلتنا وحياتنا الجاية إن شاء الله ونبدأها بصفحة جديدة تمامًا
اماءت له بالموافقة في ابتسامة خجلة وغادرت الغرفة لتتوضأ وتعود له لترتدي اسدال الصلاة ويبدأو في الصلاة ، وماهي إلا دقائق قليلة وانتهوا فسمعته يهمهم بكلمات لا تسمع ومنخفضة وكأنه يدعو بشيء ، وكان هو يهمهم بدعاء ليلة الزفاف ” اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه ” ثم التفت لها وابتسم بحب ليقف ويجذب المصلاة من اسفله ليطويها ويضعها على الأريكة الصغيرة فتنزع هي عنها الاسدال وتهم بالخروج ولكنه جذبها هاتفًا بضحك :
_ خدي هنا رايحة فين ؟
قالت بتلعثم :
_ رايحة اشرب
نظر بعيناه على زجاجة الماء الموضوعة فوق المنضدة وهتف باسمًا :
_ اهي الميا هنا اشربي !
ازدردت ريقها بتوتر حين لم تجد مفر من الهرب واقتربت تجذب زجاجة الماء وتسكب في الكوب لتشربه كله دفعة واحدة ، فتشعر به من خلفها بمد ذراعيه ويفك الروب هامسًا بجانب أذنها :
_ وده إيه لزمته في الموضوع بقى !
انكشفت أمامه بذلك القميص المنحرف فحدجها هو بإمعان شديد حتى اقترب وطبع قبلة طويلة على كتفها متمتمًا :
_ ربنا يخليكي ليا ياملاذي
اصدرت شهقة بسيطة حين وجدته يحملها ويتجه بها ناحية الفراش ، ليضعها عليه برفق وحنو ويمد يده يطفأ الضوء لتبدأ ليلتهم الرومانسية وتبدأ معها الحكاية !! ……
ومع صباح اليوم التالي فتحت عيناها على صوت رنة الهاتف فالتقطته ونظرت في الشاشة بنصف عين لتجد المتصل أمها فتصدر تثاوبًا وهمت بأن تجيب عليها ولكن شعرت به يحتضنها ويجذب الهاتف من يدها هامسًا بخمول بسيط :
_ مترديش علي حد !
حاولت جذب الهاتف من يده وهي تقول ضاحكة :
_ هات التلفون يازين ماما هتقلق عليا لو مرديتش
_ بكرا كلميها ، احنا مش فاضين النهردا
دغدغها بلحيته في كتفها فهتفت بدلال غير مقصود وضحكة انوثية تلقائية :
_ مينفعش دي من إمبارح بليل بترن عليا ، هات بقى مش هطول معاها
فتح عيناه جيدًا وقال بلؤم وهو يعتدل في نومته وبعينان تلمع بوميض جريء بعد ان سمع ضحكتها :
_ مش بقولك مش فاضيين !
جذبت الهاتف خلسة منه ووثبت واقفة قبل أن ينل منها ، تجيب على أمها وهي تحدجه باسمة بعد أن رأت نظرات الاغتياظ في عيناه .
_ أيوة ياماما عاملة إيه ؟
اجابتها الأم بحنو :
_ الحمدلله بخير ياحبيبتي .. مكنتيش بتردي ليه من إمبارح بليل قلقتيني عليكي
نظرت له وقالت مخترعة كذبة صغيرة عليها :
_ التلفون كان صامت ودلوقتي اخدت بالي منه .. إنتو عاملين إيه وبابا وإسلام كويسين ؟
_ كويسين ياحبيبتي بيسلموا عليكي .. زين عامل إيه وأخبار الرياض إيه ؟
رأته ينهض من الفراش ويقترب منها ليخطف قبلة سريعة من أعلى كتفها هامسًا بجانب أذنها بلين امتزج ببعض الحزم :
_ متكذبيش تاني
ودت لو ردت عليه ولكن لا تستطيع بسبب تحدثها مع أمها وانتظرت حتى غادر الغرفة واتجه للحمام فأجابت على أمها بسعادة :
_ جميلة جدًا ياماما أنا لسا مطلعتش فيها بس وقاعدين في بيت جميل خالص هبقى اصوره ولما ارجع مصر هورهولك
تمتمت الأم بحب ودفء امومي :
_ ربنا يسعدكم ياحبيبتي .. ابقى سلميلي علي زين
_ حاضر يوصل إن شاء الله
استمر حديثها مع أمها لدقائق طويلة قليلًا حتى انتهت ورأته يدخل مجددًا فتقول برقة :
_ ماما بتسلم عليك
_ الله يسلمها
قالها بابتسامة عذبة لتهب واقفة وتهم بالمغادرة فيعترض طريقها ويغمز لها بنظرة ماكرة لتصدر تأفف مغلوبًا وهي تضحك ثم تطبع قبلة سريعة على وجنته وتبتعد عن أمامه ليجذبها من ذراعها هاتفًا بمكر ضاحكًا :
_ خدي هنا هو سلق بيض !! ، متنفعش معايا البوسة البريئة دي
تودرت وجنتها وحاولت الفرار من بين قبضته هاتفة بخجل ممزوج بشيء من المداعبة :
_ ابعد كدا عشان إنت طلعت قليل الأدب أوي
انحنى لمستواها وهمس أمام وجهها مباشرة بخبث رجولي :
_ ده معاك بس ياجميل إنت
ارتبكت اكثر ولحسن حظها أنها تمكنت من حل يدها عن قبضته فابعدته عنها بسرعة وهرولت باتجاه الخارج إلى الحمام ……..
***
بمنزل كرم العمايري ……
تسللت آشعة الشمس من النافذة إلى عيناه ليفتح عيناه ببطء وانزعاج ويرفع يده لعيناه يفركهم بخنق ليمحو عنه خمول النوم ، فانتبه لتلك الكامنة في احضانه على نفس الوضيعة منذ الأمس وذراعها ملتف حول خصره وانفاسها الدافئة والمنتظمة تلفح رقبته ، فلاحت ابتسامة رائعة على شفتيه ثم مد يده وملس على شعرها بلطف هامسًا في نبرة اشبه بسيمفونية غرام جميلة :
_ شفق .. شفق
حركت رأسها وجسدها حركة بسيطة وتشبثت به أكثر مهمهمة بنعاس وعدم رغبة في الابتعاد عنه :
_ امممممم
أكمل بنبرة أشد دفئًا وحنو بعد أن نظر على ساعة الحائط :
_ قومي كفاية الساعة 11 .. احنا نمنا كتير أوي
أصدرت تأففًا باختناق ثم ابعدت وجهها قليلًا عن صدره ورقبته وتطلعت إليه بابتسامة بريئة وساحرة ، صوبت الهدف تمامًا في قلبه بنظرتها وهذه الابتسامة الرقيقة ، فطبع قبلة على جبهتها متمتمًا بهمس لطيف :
_ صباح الخير
تمطعت بذراعها وقالت بابتسامة زادت اتساعها :
_ صباح النور
ادركت جيدًا ما يحدث حولها وحين وجدت نفسها مازالت بين ذراعيه وثبت جالسة باضطراب ونظرات مستحية لتقول هي بتوتر ملحوظ :
_ إنت اتأخرت على الشركة كدا
_ هو أنا مش قولتلك إمبارح بليل إني مش رايح النهردا
فركت جبهتها وهي تقول بتذكر وإيجاب :
_آه فعلًا .. نسيت ، طيب أنا هقوم اغسل وشي واخد دش سريع وبعدين احضر الفطار
استقامت واتجهت للحمام لينهض هو الآخر ويذهب للحمام الخارجي فيغسل وجهه واسنانه بالفرشاة ومن ثم يعود للغرفة من جديد ويفتح الخزانة ليخرج منها علبة حمراء طويلة ويفتحها فيمسك بالعقد المرصع بفصوص الماس عسلية ويخرجه ثم يغلق العلبة ويضعها مجددًا في الخزانة .. اخفي يده خلف ظهره حين وجدها خرجت من الحمام وهي تجفف شعرها ، فسمعته يقول باسمًا :
_ تعالي
رمقته بريبة حقيقية ثم اقتربت منه كما طلب ليجذبها من يدها ويجعلها تقف أمام المرآة ويقف هو خلفها هامسًا برقة :
_ غمضي عينك
اطالت النظر باستغراب للحظات قصيرة ولكن بالأخير فعلت لتشعر به يمد يده ويبعد شعرها عن ظهرها ويلف حول رقبتها عقد ، كأنه قرأ أفكارها وفهم حركتها القادمة فقال بنهي وخفوت :
_ متفتحيش
ظلت مغمضة عيناها وبيدها تتلمس العقد وهي مبتسمة بحب لتجده ينزل يدها لأسفل ويقف يتأمل بجمالها الذي أضاف للعقد جمالًا فوق جماله وكأنه سينطق على جسدها ، حين رآه واعجبه لم يكن يتوقع أنه سيكون بكل هذه الروعة عليها ، سمع همسها المترقب وهي تسأله :
_ كرم افتح عيني ؟!
حاوط كتفيها بيديه وهمهم بخفوت ساحر يخطف القلوب :
_ فتحي
فتحت عيناها ببطء حتى نظرت لرقبتها في المرآة ففغرت فمها بانبهار قائلة :
_ wow
رأت ابتسامته في المرآة وهو يتمتم :
_ شوفته بالصدفة إمبارح فعجبني واشتريته ليكي ، بس الصراحة مكنتش متخيل إنه هيكون بالجمال ده عليكي ، أو بالأحرى هو مكنش بالروعة دي لما شفته في العرض إمبارح يعني جمالك هو اللي زاده جمال
مالت برأسها للجانب في ابتسامة خجلة وتجيبه برقة غير مقصودة :
_ ميرسي
ضحك بخفة وأثاره جمالها كفطرة أي رجل طبيعي فانحنى ناحية رقبتها وطبع قبلة عميقة دامت للحظات .. سحب معها انفاسها وجمد جسدها كالصنم ، فلم تتمكن من استعادة انفاسها إلا عندما رفع شفتيه عن رقبتها وهمس بنظرات ذات معنى :
_ تعيشي واجبلك يا أميرتي
كانت متسمرة تحدق بانعكاس صورته في المرآة وعيناها وفمها تفغرهم بذهول .. ولا تصدق أن هذا ” كرم ” زوجها الذي تعرفه فلقد اعتادت عليه بتوتره وحيائه ، وتغيره المفاجيء هذا يصيبها بالجنون .. أما هو فاستدار وانصرف بعد أن القى عليها ابتسامة أخيرة مع غمزة عين بها غزل صريح بها ، فرمشت بعيناها عدة مرات وهزت رأسها بالنفي قائلة بدهشة :
_ لا لا ده مش كرم أنا أكيد بحلم
أغمضت عيناها بقوة ورفعت كفها لأعلى تعد على أصابعها متأملة أن تستيقظ من حلمها :
_ 1..2..3
فتحت عيناها دفعة واحدة فوجدت نفسها كما هي بمكانها لتشهق بصدمة وتضع يدها على فمها هاتفة بعدم استيعاب :
_ إيه ده أنا مش بحلم !! .. يالهوي ده طلع بجد !
***
توقفت السيارة أمام المطعم ونزل هو منها ليقود خطواته نحو الداخل فيقع نظره أول شيء على رفيف المنشغلة بالعمل ، تحرك نحوها ووقف خلفها هاتفًا بمزاح :
_ محتاجة مساعدة ياكوتش
التفتت بجسدها فورًا في فزع وبمجرد ما رأته ابتسمت بإشراقة وقالت بعذوبة :
_ علاء ! ، عامل إيه
_ الحمدلله .. المفروض إن حد من اخواتك ياجي مكاني بس واحد مسافر والتاني مأجز في البيت ومفضلش غيري أنا وحسن
اجابته باسمة بمداعبة بسيطة :
_ وطبعًا حسن مينفعش يسيب الشركة فوقعت فوق راسك إنت
أصدر ضحكة بسيطة يجيبها بجدية بسيطة :
_ لا متقلقيش متعود .. بس يلا خلينا نخلص كل حاجة بسرعة عشان منتأخرش
_ طيب استناني برا وأنا هجيب الحاجة واجي وراك
أماء لها واتجه للخارج ينتظرها على أحدي الطاولات الكبيرة كما طلبت ، وبعد ثلاث دقائق عادت وهي تحمل بيدها أوراق كبيرة وأشياء كثيرة فوقف وحملهم عنها ثم بدأو في العمل وهي تملي عليه التصمايم التي رأتها مناسبة لكي تفعلها في المطعم وهو يعطيها المناسب ويختار من كل شيء الملائم .. فدامت جلستهم لساعة تقريبًا ، وكان إسلام منشغل بشيء آخر ولكن نظره معلق عليهم بالأخص بعدما عرف منذ أيام قليلة بالصدفة أن علاء كان لديه مشاعر تجاهها وينوي الزواج منها في وقت من الأوقات ، ولكن الأمر بالنسبة لعلاء الآن لم يعد كالسابق بتاتًا وعقله مشوش ومشغول بأشياء كثيرة أولهم زوجته .. وتلك المشاعر قد لا يكون لها وجود أساسًا الآن ! ، وبالرغم من ذلك فتفكير إسلام في ذلك الموضوع يخنقه ويجعله يفكر كثيرًا في كلام صديقه بأن يتخذ خطوة واضحة وصريحة دون خوف ويجرب حظه ! …….
***
بمنزل طاهر العمايري ، تحديدًا بغرفة يسر ……
كانت تستعد للذهاب للعمل وتقف أمام المرآة تهندم ملابسها وتضع اللمسات الأخيرة في مظهرها ، فنزلت بكفها ووضعته على احشائها وهي تبتسم بمرارة وتذكرت حديثها مع صديقتها في اليوم الذي اخبرت به الجميع واخبرته بأنها اجهضت الطفل بعد أن حاول الوصول لها عبر الهاتف وارسل لها الرسائل بأنه تراجع ويريده وينهاها عن إجهاضه …….
” التفت برأسها لها عندما احست بيدها على كتفها وأبتسمت لها بعيناها الدامعة لتقول الأخرى في حنو :
_ مش قولتلك هيتراجع ومش هيقدر يخليكي تعمليها
دفنت يسر وجهها بين كفيها وانفجرت باكية بعنف وهي تهتف من بين بكائها بصوت متقطع :
_ أنا .. مش عا..رفة عملت ليه إيه عشان يكر..هني كل الكره ده ياريم ، إمبارح لو شفتيه وشوفتي كلامه حاجة منتهى القسوة وكأني اجرمت ، أنا بحبه أوي والله وهو مش عايز يفهم حبي ليه
جلست امامها على المقعد وقالت في حزم وجدية :
_ وعشان اللي عمله إمبارح ده لازم تنهي المهزلة دي .. وهتعملي زي ما اتفقنا
تطلعت يسر إليها بابتسامة امتنان .. فهي صديقة قديمة لها وقد أتت لها في صباح اليوم لعلمها بأنها طبيبة وطلبت منها بأن تساعدها في إيجاد أحد لتجهض طفلها ، ولكنها عارضتها وطلبت منها أن تقص عليها السبب الذي جعلها تصل لهذا القرار الخطير ، ولم تجد يسر حلًا سوى إخبارها بكل شيء وحتى بعد أن اخبرتها رفضت أن تساعدها وحاولت تهدئتها حتى ترجعها لصوابها قبل أن ترتكب ذلك الذنب الكبير .
عانقتها يسر بحب ومشاعر نقية هاتفة :
_ شكرًا ياريم بجد ، مش عارفة اشكرك إزاي
_ ولا تشكريني ولا حاجة يابنتي إنتي هبلة .. ده إنتي أختي ، أنا بس عايزاكي تعقلي وكفاية أوي البهدلة اللي بهدلها ليكي
أجابته بوجه منكسر وعاجز :
_ هو فعلًا كفاية ولازم انهي المهزلة دي ، لأن أنا تعبت بجد
رتبت ريم على كتفها بإشفاق ثم قالت بوجه بشوش :
_ طيب أنا هقوم أعمل لينا فطار إنتي أكيد مفطرتيش ، والبيت بيتك إنتي مش غريبة يعني
هزت رأسها بالإيجاب وهي تبادلها الابتسامة وبمجرد ما أن انصرفت عادت ملامحها تأخذ العبوس من جديد حين تذكرته ، وتذكرت كيف قضت ليلتها البارحة في غرفتها بعد ما حدث بينهم ولم تذق للنوم طعم فقط متكورة في فراشها كطفل حديث الولادة وتبكي بصمت !! ”
عادت لواقعها وابتسامتها لا تزال على شفتيها ولكنها اختفت تدريجيًا وهي تهتف محدثة طفلها بقوة :
_ هو ميستهلكش ياحبيبي وميستهلش يعرف إنك موجود أساسًا .. إنت ابني أنا بس ومش هسمحله حتى يقرب منك ولا يشم ريحتك لما تاجي على الدنيا ، هكون ليك الأب والأم ومش هخليك محتاج لوجوده في حياتنا نهائي .. ابوك ظلمك وظلمني كتير أوي وميستحقناش أااا ……
سمعت طرق الباب من أمها فسمحت لها بالدخول واعتدلت في وقفتها فورًا حتى لا تشعرها بأي شيء ، وحين دخلت قالت لها بدفء :
_ لو خلصتي ياحبيبتي تعالي يلا عشان تفطري
_ حاضر .. ماما تعالي عايزة اتكلم معاكي في حاجة
عقدت الأم حاجبيها واقتربت منها بحيرة فأمسكت يسر بيدها واجلستها على الفراش هاتفة بصوت رخيم :
_ أنا عايزة اسافر أمريكا اقف بدل بابا في الشركة هناك
_ إيــــه !! ، امريكا واللي خلاها تطب في دماغك كدا مرة واحدة
قالت يسر بأسى وألم نفسي :
_ أنا تعبت ياماما ومش حابة اقعد هنا .. مش عايزة اشوفه كل يوم في وشي في الشركة ، عايزة امحيه تمامًا من حياتي وانساه .. محتاجة اريح نفسي شوية ارجوكي مترفضيش وحاولي معايا نقنع بابا لإني اتكلمت معاه إمبارح ورفض
طالعتها أمها بصمت وبدت لها وكأنها ستوافق ولكنها لم تجيب بشيء وفقط اصدرت تنهيدة حارة ثم استقامت ورحلت وتركتها تتأفف بيأس ……
***
وصلت للشركة بعد مايقارب ساعة كاملة وجلست بمكتبها تباشر أعمالها ، وبعد وقت قصير احست بحاجتها لكوب شاي لكي تتمكن من الاستمرار في العمل فغادرت مكتبها واتجهت ناحية المصعد الكهربائي وقبل أن يغلق الباب وينزل بها المصعد للدور الأرضي وجدته يدخل وينضم لها ، فرمقته بخنق واشاحت بوجهها تمامًا عنه لتسمعه يهمس بخفوت :
_ عاملة إيه ؟
نظرت له وقالت بحدة وغيظ :
_ كويسة طول ما أنت بعيد عني
طالعها بأعين مهمومة وحزينة وكأنه يستعطفها من خلالهم أن تغفر له ، وفجأة توقف المصعد فتلفتت هي حولها بذعر وهتفت :
_ حصل إيه .. الاسانسير عطل ولا إيه !!
أخذ يضغط على الازرار على أمل أن يتحرك ولكن بلا جدوي فأخرج هاتفه وأجرى اتصال بأحد الموظفين ليستدعي المصلح ، ثم نظر لها وقال بهدوء :
_ متخافيش هيصلحوا العطل دلوقتي ويشتغل
_ أنا مش خايفة .. أنا بس مش عايزة اقعد معاك في مكان واحد فخليهم يستعجلوا
مسح على وجهه متأففًا وقال بأسف حقيقي وهو يقترب منها وبنظرات راجية :
_ أنا آسف يا يسر سامحيني واديني فرصة اقرب منك تاني ومش هتندمي صدقيني وهكون شخص مختلف تمامًا
ضحكت ببساطة وهدرت باستهزاء صريح منه :
_ للأسف عرض الفرص خلص والله .. أنا كنت بديك فرص كتييير وإنت مفكرتش تستغل واحدة منهم
قال بثقة تامة ونظرات ثاقبة :
_ بس أنا متأكد إنك لسا بتحبيني
قالت ساخرة للمرة الثانية وهي تتصنع الأسف :
_ مع الأسف برضوا مبقيش ليك مكان في قلبي ، أصل أنا نضفته من فترة قريبة كدا من كل الناس الحقيرة اللي متستهلش تكون فيه ، فاكر لما قولتلك إنك مش هتلاقي حد يحبك قدي .. ياخسارة بس حتى أنا مبقتش احبك دلوقتي عشان إنت أساسًا متتحبش والأغبياء بس اللي يبصوا لواحد زيك وللأسف أنا اكتشفت ده متأخر
خنجر مسموم نغزته في يساره بكلامها ، ولا يصدق أنه اوصلها لهذه الدرجة من الكره والبغض بعد أن كانت على استعداد أن تفعل كل ما يطلب منها لأجله حتى لو على حساب حياتها ، الآن هو لا يرى ذلك العشق ويتذكر خاطرتها التي كتبتها في مدونتها ” ربما كنت مخطئة بشأن مفهوم العشق على أنه يقود للجنون ، والآن يجب على الاعتراف بأنه قادني لمستنقع مظلم حبس انفاسي وحجب رؤيتي فغرقت في ظلماتي وحيدة دون أن أحصل على أي شيء ، وفقط حصلت على الخذلان للمرة الألف وأنا أفشل في تحقيق ما اسعى إليه من العشق ، ربما كان يجب على أن أكون أكثر واقعية وأن لا اتعلق بأوهام تمكنت من أن تتطيح بي إلى اقصى البلاد ، ورغم كل هذا مازالت ابحث عن العشق في هذه القلوب الغريبة ولست متأكدة إلى متى سيتسمر بحثي ، ولكن حتمًا ستكون نهاية هذا البحث أما أن أجد ما أبحث عنه أو اتوقف أنا عن البحث ويدب اليأس في قلبي فأعلن عهد جديد لا يوجد به مكان للعشق في قلبي !! ” ، والآن هو يرى النهاية فقد دب اليأس في قلبها واعلنت عهدها الذي لا مكان للعشق فيه .. ولكنها لو اكملت بحثها للمرة الأخيرة ستجد ما كانت تبحث عنه في تلك القلوب الغريبة !! …
رفع نظره لها وقال بنظرة منطفئة وعابسة :
_ عندك حق أنا واحد حقير ومتحبش ، بس مش يمكن لو ادتيني فرصة تاني تغيري رأيك
سكتت للحظات تحدق به حتى قالت بثبات و بنبرة ذات معنى مع كلمات تعنيها جيدًا وهي تقولها :
_ احنا مننفعش لبعض ياحسن
نفس الجملة التي قالها لها ، وقالتها الآن لتذكره بكلامه وقسوته وجفائه معها ولتؤكد له أنها لم تنسي أي كلمة خرجت من فمه لها ، ابتعد عنها وهو يغمض عيناه بقوة حتى لا يجعلها ترى لمعة الدموع فيها ، فاستدارت هي الأخري واعطته نصف ظهرها حتى لا تراه .. ليظل واقفًا يحدق بها بسكون وشوق ، إلى أن تم إصلاح العطل في المصعد وعاد يعمل ففتح الباب أمام الدور الأرضي ، خرجت وتركته ليضغط على زر الطابق الأول حتى يذهب لقاعة الاجتماعات ، وبمجرد ما اغلق الباب عليه مجددًا مسح على وجهه وهو يزفر بعدم حيلة ويمسح عيناه الممتلئة بالدموع !! ……
***
بمساء ذلك اليوم ……
خرج كرم منذ المساء لحضور حفل زفاف أحد اصدقائه ورفضت هي الذهاب معه لشعورها ببعض التعب ، نهضت من على الفراش بصعوبة وهي تنتفض والدوار يداهمها ولا تتمكن من الوقوف على قدميها ، فسارت بخطوات متعثرة حتى جذبت هاتفها الموضوع على الأريكة وضغطت على رقمه تجري اتصال به حتى اتاها رده العادي ومن حوله ضجة الأصوات والموسيقى :
_ أيوة ياشفق ؟
سمع صوتها مشوشًا وغير واضح بسبب الضجة والأصوات الصاخبة التي حوله ولكن كان واضح عليها التعب الشديد وهي تهتف :
_ تعالى ياكرم أنا تعبانة أوي
كان سيجيب عليها ولكنه سمع صوت ارتطام الهاتف بالأرض فهب واقفٌا وقال بهلع :
_ شفق ، شـــفــــق !!
لم يجد الإجابه منه فاندفع للخارج شبه راكضًا واستقل بسيارته وانطلق بها ، ثم اجري اتصال بالطبيب ليلحقه على المنزل ……

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ضروب العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *