روايات

رواية جعفر البلطجي 3 الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم بيسو وليد

رواية جعفر البلطجي 3 الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم بيسو وليد

رواية جعفر البلطجي 3 البارت السادس والثلاثون

رواية جعفر البلطجي 3 الجزء السادس والثلاثون

رواية جعفر البلطجي 3 الحلقة السادسة والثلاثون

أنا العبدُ المُقرّ بكل ذ’نبٍ
وأنت السيّدُ المَولَى الغفورُ
فإن عذّبتَنِي فبسوء فِعلِى
وإن تغفر فأنت بهِ جديرُ
أفرُّ إليك منك
وأين إلاّ إليك يفرّ منك المُستجير.
_نصر الدين طوبار.
_______________________
التبجـ ـح مِن أهم صفات المرء، صفةٌ تعجـ ـز عن البو’ح بها، عد’م تعليم الأطفال منذ صغرهم على الإحتر’ام والنو’ايا الطيبة والحسنة وعد’م إخجا’ل الآخرين ليست جُر’مًا مشهو’دًا بل الجُر’مُ يكون جُر’مًا بحـ ـقٍ إن أستمر المرء على مخا’لفة كل ما سبق ذكره توًا، الجُر’مُ يكون حينما يتو’اقح المرء مع مَن حوله ظنًا أن هذا ليس تبجـ ـحًا بل قول الحـ ـق، ولَكِنّ صدقًا الكلمة تخـ ـجل مِن إنسا’بها لتلك الأفعا’ل القذ’رة ولذلك يجب على الكبير إحتر’ام مَن هم أصغر سنًا وعد’م إخجا’لهم بحياتهم البسيطة فلا يشتر’ط أن يكون ما’لكًا لعقاراتٍ أو سياراتٍ با’هظة الثمـ ـن أو حتى شركاتٍ في عِدة دولٍ مختلفة هذا ليس شيئًا نتباهى بهِ! التباهي يكون في أخلا’ق المرء وتهذبه، خو’فه مِن رب العالمين وكذلك بتعاليمه الحسنة وسلوكه الطيب … التباهي ليس بالأموال إنما بالأخلا’ق، أما على الجانب العطاء فبمقارنةٍ بسيطة ثُلثي البشر أهل كرمٍ وعطاء يعطون دون أن يطلب شخصٌ آخر العطاء، كُرماء والتواضع رفيقهم وطيبة القلب دومًا خيرٌ مِن ألف عقـ ـل، أما عن الآخرين فبالطبع ليسوا بكُرماء بل البخـ ـلُ ور’اثةٌ بينهم فيُفضل أن يأخذ خيرٌ مِن أن يُعطي وهذه كانت ضمن إحدى الصفات السـ ـيئةِ لدى المرءِ.
<“أهل الكرم والضيافة ليسوا ببخـ ـلاء.”>
كانوا يجتمعون مع بعضهم البعض في غرفة المعيشة والضحكات نا’بعة مِن القلــب والأجواء صا’فية والسعادة تغمر الصد’ور والراحة تحو’م القلوب، لحظةٌ لَم يكُن يتو’قع عيـ ـشها ولو في أحلامه مِن قبل، أن تجاوره أسرته التي تغـ ـيَّب عنها سنواتٍ عدة كانت بعيـ ـدةٌ كل البُعـ ـد عن مخـ ـيلته ولَكِنّ رحمة الخا’لق واسعة ووحده يعلم ما في الصد’ور وميسـ ـر الأمور، أقدارٌ كُتِبَت عليهم عيـ ـشها لا طريقٌ آخر سوى تقبُل الواقع والرضا والحمد لله عز وجل.
كان يجاور والدته رفقة شقيقته على الأريكة فيما كانت هي تقبع بينهما تضمهما سويًا إلى أحضانها تمسـ ـح على رأسهما سويًا وتضحك بين الفينة والأخرى ينصتون إلى طرا’ئف هذا الشا’ب الو’سيم الذي يحظى بمواقفٍ طريفة في حياته العامة والجميع يُنصت إليه بإهتمامٍ ويتفاعلون مع حديثه وهذا للحـ ـق ما أسعده وجعله يُكمل بحما’سٍ أكبر، أما عن قلب عاشـ ـقٍ يا سيدي يشعر بمعشو’قه فلا تتحدث فعلى الرغم مِن إنشغا’ل الجميع مع “جـاد” ألا أنها لَم تغـ ـيب عن عقله ولذلك طا’ف في المكان بعينيه يبحث عنها حتى أنه لَم يرها حتى الآن بينهم ولذلك نهض مبتعـ ـدًا عن الجميع بخطى هادئة فمازال جر’حه يؤ’لمه بين الفينة والأخرى.
ولج إلى المطبخ أولًا ليراها منهـ ـمكة في تنظـ ـيف الصحون التي كانت كثيرة لأول مرة ولذلك أخذت وقتًا طو’يلًا مِنها هذه المرة، لمحته بطر’ف عينها لتنظر إليه قائلة:
_إيه اللي قومك؟.
_ملقتكيش وسطنا، أستغربت بقالك كتير وقلـ ـقت بصراحة أفتكرت عيـ ـن “زيـنات” جا’بتك الأرض ولا حاجة كُنْت ر’ميتها بره فلحظتها.
ضحكت هي على تفوهاته تلك لتحرك رأسها بقـ ـلة حـ ـيلة وقالت مبتسمة الوجه وهي مازالت مند’مجة في تنظـ ـيف الصحون:
_أكتر حاجة بحبها فيك تلقائيتك خصوصًا معاها سبحان الله اللي فقلـ ـبك على لسا’نك على طول، مبتعرفش تجاملها.
أبتسم هو حينها ثم أقترب مِنها بخطى هادئة حتى وقف بجانبها وقال:
_بصراحة كدا أنا أجامل الكل إلا أتنين ملهومش تالت، حبايبي و “و’يلات” دي بالذات حـ ـقيقي ممكن أقـ ـلب مَدَ’ب معاها ولا هيفرقلي أساسًا، الو’لية الجعا’نة على رأي “جـاد” لو الأكل كتير وتُحفة هتقولك و’حش، الو’لية دي ربنا هيز’ول النعمة دي مِن و’شها قريب وهتعرف وقتها أن الله حـ ـق عشان تتبتـ ـر عِدل بعد كدا.
_هنقول إيه يا “يـوسف”، ربنا يهـ ـديها هي واللي زيها وتفو’ق قبل فو’ات الأو’ان عشان لو فا’قت بعده مش هينفعها العياط والند’م.
أنهـ ـت أخيرًا تنظـ ـيف الصحون جميعها لتبدأ في وضع الحلوى في الصحون مِن جديد ليس لشيءٍ معين ولَكِنّ لأنهم أهل الكرم والضيافة، لَم ولَن يكونوا بخـ ـلاءًا على أحدٍ حتى وإن كان لا يستحـ ـق ذلك، فيما نظر هو لها وأبتسم فقد أشتا’ق إليها كثيرًا وإلى أوقاته وهي برفقته كما ظـ ـله ولذلك لَم يمـ ـنع نفسه مِن تلك اللحظة التي لا تأتي سوى مرةٍ واحدة كما نقول _صُدفة_، أقترب مِنها ليقف خـ ـلفها مباشرةً ثم تسـ ـلل كفيه إلى خصرها ليضمها برفقٍ حتى لا يؤ’لمه جر’حه ولثم وجنتها بحنوٍ ثم همس إليها بجوار أذنها قائلًا:
_وحشتيني على فكرة، معرفش أزاي بس حاسس إنك وحشاني يمكن عشان أتعودت عليكِ جنبي وأتعودت على أهتمامك ليا وخو’فك عليا، أو حُبي ليكِ أكبر مِن كل دول؟ مبقتش عارف أسـ ـباب بصراحة بس أنا بوصفلك اللي حاسس بيه.
_”يـوسف” أنتَ على طول بتيجي فالوقت الغـ ـلط الناس بره عيـ ـب كدا أفرض حد دخل دلوقتي هتحر’جني أوي ومش هقدر أكمل معاهم أبعد أنا كدا كدا قدامك ٢٤ ساعة محبكتش دلوقتي يعني.
أختـ ـلست النظر إلى الخا’رج خو’فًا مِن قدوم أحدٍ مِنهم بعد أن أنهـ ـت حديثها تحـ ـسه على الأبتعـ ـاد ليُعا’ندها هو ويظل على حاله فإن لَم تكُن تلك طباع الصغير المحبو’س بد’اخله فبالتأكيد تلك طباع هذا الو’قح الذي أعتادت عليه دومًا لا يهتم لمَن حوله مهما كان ولذلك حينما رأت أنه لَم يُنصت إليها حاولت إبعا’ده برفقٍ وهي تهمس لهُ قائلة:
_يا “يـوسف” بقى كدا مينفعش أقسم بالله ما هتلاقيني معاهم بره طول القعدة بجد لو حد د’خل دلوقتي، يلا أنا مش عايزة أعمل حركة عشان جر’حك دا حا’كمني دلوقتي.
_وإيه يعني هو أنا بعمل حاجة عيـ ـب أنا حاضنك عادي مأ’جرمتش يعني وبعدين ما أنتِ عارفاني بجـ ـح ومتر’بتش عادي محصلش حاجة.
مازال يُعا’ندها ويقف أمامها النـ ـد بالنـ ـد حتى الآن ولأنهُ ما’كرٌ وتعلم نفسها جيدًا لا تستطيع الو’قوف أمام مكـ ـره ذاك حاولت إبعا’ده وهي تختـ ـلس النظر إلى الخا’رج بين الفينة والأخرى تدعو أن لا يولج أحدٌ مِنهم الآن وإلا ستشعر بالإحر’اج الشـ ـديد ولَن تقدر على الو’قوف ومواجهته مهما كان هويته فمِن الممكن أن تبكي بسـ ـبب خجـ ـلها الشـ ـديد حينها.
_”بيلا” أنتِ عارفاني عنـ ـيد ولو حطيت حاجة فد’ماغي بعملها فأهدي عشان متفضـ ـحيش نفسك بنفسك.
_هي بقت كدا؟ تمام يا “يـوسف” حسابنا بعدين أما نشوف قـ ـلة الأد’ب دي هتوصل بينا لفين خليك فاكرها كويس.
تبد’لت نبرة صوتها إلى آخر تحمـ ـل في نبراتها التحذ’ير والو’عيد إليه فيما ضحك هو بصوتٍ خا’فتٍ على تفوهاتها وتقا’سيم وجهها التي كانت تتغـ ـيَّر كل ثانية وأخرى ليُعاود لثم وجنتها مِن جديد قائلًا:
_يعني برضوا مش هتقوليلي وأنتَ كمان وحشتني وشوية لاڤلاڤة؟.
ألتفتت إليه برأسها تنظر إليه بضـ ـيقٍ ليبتسم هو إليها ببراءةٍ غير معهو’دة بالنسبة إليها لتشـ ـيح برأسها بعـ ـيدًا ثم عادت تضع الحلوى في الصحون دون أن تتحدث لتسمعه يقول مِن جديد بنبرةٍ حز’ينة زا’ئفة:
_يعني إيه يعني؟ خلاص مبقاش ليا خاطر ولا الكلام دا لحقتي تقـ ـسي عليا طب راعي إني را’جل مر’يض محتاج أهتمام طيب، يعني يرضيكي أروح أبُص بره؟.
هُنا ودقت ساعة الصـ ـفر بالنسبة إليها فقد ضغـ ـط على زر الإنذ’ار ليبتعـ ـد عنها حينما رآها تسـ ـحب السـ ـكين وتلتفت إليه وهي تر’مقه نظراتٍ غا’ضبة، فيما أبتسم هو مجددًا وعاد إلى الخـ ـلف عدة خطواتٍ هادئة حتى شعر بالجدار خـ ـلفه يمنـ ـعه مِن الإكمال ليتوقف فجأ’ةً ويراها تقف أمامه تشـ ـهر السـ ـكين نحوه قائلة بنبرةٍ حذ’رة:
_قولت إيه يا “يـوسف”؟ عيد كلامك تاني يا حبيبي كدا وسمعني.
_أهدي وصلِّ على النبي يا حُبّ وأغز’ي الشيـ ـطان مش كدا دا إحنا حبايب حد جاب سيرة الشوف بره؟ … يعني بالعقل كدا يبقى معايا قمر وأشوف غيره؟.
رفعت حاجبها عا’ليًا وهي تر’شقه بنظراتٍ كانت كالسها’م الحا’دة التي تخـ ـترق صد’ر العد’و، لَم تتوانى هذه المرة فحتى الآن لا تنسى نظرات الفتيا’ت المـ ـراهقات إليه وإعجابهن الشـ ـديد بوسامته الأورو’بية تلك والتي تخـ ـطط الآن لتشو’يهها لتقم بوضع السـ ـكين على نحـ ـره وهي تقبـ ـض بالأخرى على تلا’بيبه لتهمس إليه مِن بين أسنانها المطبـ ـقة على بعضها قائلة بغيـ ـظٍ د’فينٍ:
_أنا مبقتش عارفة أعمل معاك إيه حـ ـقيقي، حلا’وتك مخلياني هتجـ ـنن مِن نظرات البنا’ت الما’يعة ليك يا “يـوسف”، بس بسيطة ٣٠ غُر’زة متفر’قين مش هيضـ ـرونا بحاجة أهو على الأقل ميتنكـ ـدش عليا كل يوم بسـ ـبب نظراتهم ليك وحر’قة د’مي اللي مبقتش حِمـ ـلها، قولي بقى يا حبيبي تحبهم يكونوا فين بقى؟.
ضحك هو على تفوهاتها ولا يُنـ ـكر الآن أنه شعر بالسعادة تغمره حينما رأى غير’تها عليه وجـ ـنونها الذي عاهـ ـده يومًا لينظر إلى بُنـ ـيتيها مباشرةً حيثُ تتقابل حبة القهوة ولذتها مع سـ ـكير خضرا’وتيه الصا’فية ليُشكلا مزيجًا مِن نكهةٍ جديدة ولذيذة لدى العشا’ق، دومًا سطـ ـوته أكبر مِن أي شيءٍ ولذلك تولى هو ز’مام الأمور ورفع كفيه يحاوط خصرها تمهـ ـيدًا مِنهُ لإخضا’عها وإيقا’عها دا’خل مملكته ليُصبح الملك المز’عوم الذي يخشـ ـى مِنهُ الجميع منصا’عًا خـ ـلف أفعال تلك الأميرة الصغيرة التي أر’غمته على الخضو’ع إليها بأقل مجهو’دٍ مِنها.
بدأ تركيزها يتشـ ـتت في حضرته وفي حضرة هذه اللحظة تبًا لكل معتقداتها فلطالما هي الوحيدة التي تحظى بها فلا مشـ ـكلة لها، فيما شعرت بكفه الذي أمسك بكفها الممسك بالسـ ـكين يُبعـ ـدها عن نحـ ـره وهي منصا’عةً خلـ ـفه، تفعل ما يريده هو دون أن تر’فض أو تقا’ومه، أقترب مِنها ليُلثم وجنتها بحنوٍ يُسـ ـقط سحـ ـره الخاص بهِ عليها فإن كانت سا’حرةً تسيـ ـطر عليه فهو السحـ ـر الذي ينقـ ـلب على صاحبهِ.
لحظةٌ أفتقـ ـدها وأفتقـ ـد هدوءها ففي الآونة الأ’خيرة كانت رأسه يملؤها الضـ ـجيج العا’لِ الذي لا ينتـ ـهي إلا حينما يخرُ’ج “جـعفر” حتى يتعامل معها، وللتو بات يفتقـ ـده ويفتقـ ـد وقا’حته كثيرًا ولذلك لن يحد’ث شيئًا إن أخر’جه مِن جديد يحظى بمكانته فقد أعتاد الجميع على لسانه السلـ ـيط ووقا’حته، ولَكِنّ ليست كل اللحظات السعيدة تدوم فقد قطـ ـع لحظتهما تلك صوت “شـاهي” التي شهـ ـقت تفا’جئًا بما تراه.
وعلى أثرها كانت كصوت الإنذ’ار إلى “بيلا” التي أستفاقت مِن غفـ ـلتها لتبتعـ ـد عنه بحركةٍ سر’يعة وعـ ـنيفة بعض الشيء لترى والدته تقف وتنظر لهما متفا’جئة، أصا’بها الخجـ ـل والتو’تر الشـ ـديد ولذلك أشا’حت ببصرها بعـ ـيدًا عنها هي تحاول تما’لُك نفسها، فيما وجه هو نظره إلى والدته وأبتسم لها قائلًا بوقا’حةٍ معتادة:
_كدا تقطـ ـعي برزق أبـ ـنك، أنتِ أُمّ أنتِ.
_أقـ ـطع رزقك يا عد’يم الد’م يا قـ ـليل الأد’ب، أنا نفسي أفهم جايب الخصا’ل الـ***** دي منين؟ راعي إن حد ممكن يد’خل يشوف المنظر دا يا صا’يع يا بجـ ـح، وبعدين أنتَ مش تعبا’ن ولسه خارج مِن المستشفى فيك نَفَـ ـس يالا؟.
عنـ ـفته وللحـ ـق كانت مصد’ومة مِن برو’ده كونه يرى هذا عاديًا بالنسبة إليه، لا تصدق فقط وقفت تنظر إليه مجـ ـحظة العينين لتراه يبتسم بدوره أكثر وقال بدون إكتراث:
_وبعدين بقى،It’s Funny، وبعدين دا العادي بتاعي يعني مش جديدة عليا ولا عليها هي عارفاني قلـ ـيل الأد’ب ومش محتـ ـرم مِن زمان، دا أنا جايبها بمعا’كسة يا سـ ـتي أنتِ متعرفيش حاجة.
كانت مذ’هولة لا تصدق ما تسمعه وتراه، حركت أهـ ـدابها عدة مراتٍ متتالية تحاول أستقبال كلماته ليتوجه بصرها نحو الأخرى وهي لا تعلم ماذا تقول سوى أنها أشارت إليها بيدها وهي مازالت أسـ ـفل تأ’ثير الصد’مة قائلة:
_تعالي، تعالي أطـ ـلعي أقعدي أنا هتصرف معاه دلوقتي، أبـ ـني محتاج تر’بية أنا عارفة، طو’ل عمره أستغـ ـلالي، تعالي بدل ما يفضـ ـحنا بالجُر’م المشهو’د هو’دي وشي مِن اللي بره دول أزاي خصوصًا الحر’بايتين اللي قاعدين دول.
_طب بُصي أنا ميهمنيش كلام حد ولو على الحر’بايتين دول أقـ ـطع عر’قهم وأسيـ ـحه هما ولا’د حلا’ل ويستا’هلوا وبعدين دي مراتي مالكم أنتوا ضا’ربين إيه على المسا صباح الفُل.
مازال يتو’اقح ويُعا’ند لتقف بدورها أمام و’لدها مشيرةً إلى الأخرى التي تر’كتهما وخر’جت وهي تتمنى أن تنشـ ـق الأرض وتبتـ ـلعها بعد ما عا’شته منذ دقائق، وحينما خر’جت ألتفتت “شـاهي” إليه تر’مقه نظرةٍ ذات معنى ليقابلها بسمته البريئة وكأنه لَم يفعل شيئًا لتشهـ ـر سبّابتها في وجهه تحذ’ره قائلة:
_مش عايزة قلـ ـة أد’ب ياض أنتَ سامعني ولا لا، عـ ـيب عندك ضيوف بره أفرض عمك عدى صدفة بعيـ ـدًا عنك عشان أنتَ باين عليك جـ ـبلة مبتحـ ـسش بس هي شعورها هيكون إيه وقتها، طب دا أنا وهتمو’ت مِن الكـ ـسوف ومر’فعتش وشها تبُصلي أما أنتَ بجا’حة الدنيا كلها فيك واقف تعا’ند وتردّ وتقول مراتي، أسمع كويس بقى عشان شكلك كدا هترجعني لأيام الصر’يخ والز’عيق والشـ ـبشب لو قـ ـليت أد’بك تاني وعملت اللي عملته دا ساعتها هتشوف مِني اللي عمرك ما تفكر تشوفه، سامع؟.
لا يُبالي فقط كل ما فعله أنه لثم إصبعها بحركةٍ خا’طفة صـ ـبيانية ثم ومض جفنه الأ’يسر بعـ ـبثٍ وقال مبتسم الوجه:
_قوليلي بس … الحج كان شقـ ـي زيي ولا كان مؤد’ب.
_و’لد.
صُدِ’مَت بحـ ـقٍ مِن حديثه ولذلك أوقفته سريعًا قبل أن يز’داد في تخا’بثه معها لتراه يقول مِن جديد محتفظًا ببسمته والخـ ـبث البادي على معالم وجهه وحديثه لها:
_شكله كدا كان نمـ ـس … ما الجينات دي هتيجي منين يعني.
_”يـوسف”.
ضحك حينما رآها تُنز’ل إصبعها وهي تنظر إليه بعد’م رضا ليقترب مِنها معانقًا إياها ثم قال:
_مالك بس يا أُمّ “يـوسف” قا’فشة مِني ليه دا بدل ما تفتخري بيا.
_أفتخر بيك فقـ ـلة الأد’ب يعني؟ ليه شايفني إيه يا خويا لا أنتَ لسه متعرفنيش.
لثم رأسها بحنوٍ وشـ ـدد مِن عناقه إليها أكثر ثم قال بنبرةٍ هادئة يستعـ ـطفها بها حتى ترضـ ـخ إليه فيما سيطلبه مِنها:
_”شـاهي” هو أنا لو طلبت مِنك حاجة هتعمليهالي؟.
_أي حاجة هتقول عليها هعملهالك يا حبيبي حتى لو طلبت عيو’ني.
كانت حنونة وصادقة ومُسا’لمة كذلك، كيف تر’فض مطلبه الأول وهي تتمنى فقط أن يجعلها تفعل شيءٍ إليه بفـ ـراغ الصبر ولذلك أتاها صوته الذي قال مبتسمًا:
_أنا صحيح دو’قت شويه أكل مِن إيديكِ الحلوين دول وكان نَفَـ ـسك بسم الله ما شاء الله عليه حاجة عسل، عايز بقى ورق عنب مِن نفس الإيدين الحلوين دول أصل نفسي راحلته أوي بصراحة وبدل ما “بيلا” تعمله المرة دي أد’وقه مِنك أنتِ وبالمرة تبقى “مـها” جنبي تشاركني، عايز أحس شوية باللي ضا’ع مِننا زمان وسَرَ’ق عُمرنا.
ذكرها بالذي مضى وهو في الأساس مازال عا’ئقها وكابو’سها في يقظتها ومنامها، ولذلك وقبل أن توافقه خطرت على بالها فكرةٌ ممتازة جعلتها تتحمـ ـس كثيرًا ولذلك قالت بنبرةٍ تغـ ـلب على طا’بعها الحما’س:
_عندي فكرة حلوة أوي.
أبتعـ ـد هو عنها حتى ينظر إليها ليرى الحما’س يُغـ ـلف عينيها لينتظر سماع ما ستقوله وحتمًا لَم تبـ ـخل عليه وقالت بنبرةٍ سعيدة:
_إيه رأيك تاخدنا ونروح المكان اللي أتو’لدت فيه وكبرت وقابلت “عدنان” كمان هناك، المكان دا عزيز عليا أوي وبحبّه جدًا وبالمرة أعرَّفك أنتَ وأختك على العيلة مِن ساعة ما عرفوا إنكم رجعتولي تاني وهما مش ساكتين وعايزين يشوفوكم، وبالمرة أرجع أفتح بيتي القد’يم تاني ونعيش سوى اللي ضا’ع مِن عُمرنا سوى.
أبتسم إليها حينما رأى تحمسها الشـ ـديد وحنينها إلى الماضي حيثُ بدأ يظهر على تقا’سيم وجهها شو’قها إلى الماضي وذكرياتها الجميلة التي صـ ـعب أن تنساها طو’ال حياتها ليطرح سؤاله عليها بنبرةٍ هادئة حينما قال مبتسمًا:
_ويا ترى بقى الجميل منين؟.
_مِن سيدي سالم … “كفر الشيخ”.
_وهما اللي مِن كفر الشيخ حلوين أوي كدا؟ دا إحنا عدينا.
ضحكت على حديثه وأفعاله الصـ ـبيانية التي تراها للمرة الأولى لتنظر إليه مبتسمة الوجه قائلة:
_طب إيه بقى؟ موافق ولا هتخر’جني مكـ ـسورة الخاطر؟.
أستسـ ـلم أمام رِقتها وأبتسامتها الجميلة وما هو سوى عـ ـبدٌ ضعـ ـيف يضـ ـعف قلبه أمام حواء ولذلك أعطاها جوابه دون أدنى تفكيرٍ ليقول مبتسمًا:
_مقدرش أكسـ ـر بخاطرك يا حبيبة قلبي أنا بضـ ـعف قدام الحلويات دي، موافق يا سـ ـت الكُل مقدرش أقولك لا بس تعمليلي ورق العنب أنا مش هتنا’زل عنه مهما حصل.
أبتسمت إليه وفو’رًا غمرتها السعادة لتعانقه بقو’ةٍ وهي تهتف بنبرةٍ سعيدة قائلة:
_حبيب القلب والعيـ ـن، وعد هعملك كل اللي تحبه، نروح نقـ ـضي كام يوم نفـ ـصل شوية عن المشا’كل دي وعشان تر’تاح يا حبيبي شوية … إيه رأيك آخر الأسبوع؟.
وافق على أقتراحها بيُسرٍ ليطبـ ـق بذراعيه عليها يضمها إلى أحضانه مُطـ ـلقًا زفيـ ـرًا قو’يًا مستندًا بذقنه على رأسها يُفكر فيما حد’ث وما ينتظره في الفترة القادمة فهذا لن يمر مرور الكرام فلَن يسـ ـمح لأحدٍ مِنهم بأ’ن يقوم بإستغـ ـلال هذا الشا’ب الحبيب كأ’داة إليهم يلجـ ـأون لها ليصلون إلى مبتغـ ـاهم، فهذا كما نقول نحن _عشـ ـم إبليـ ـس في الجَنّة_، الضر’ائب تزداد كل يوم حتى يحين موعد سـ ـدادها.
_______________________
<“لا تعـ ـبث مع الكبار فالنتيجة في النها’ية لن تُسعدكَ.”>
كان يجلس في المقهى يد’خن وينظر أمامه في نقـ ـطةٍ فا’رغةٍ يُفكر كيف سيجـ ـني المال المستحـ ـق إليه بعد أن ظهر شخصٌ بغـ ـيضٌ عر’كل سير عمله وقام بنز’ع سُـ ـمعته أمام الجميع، الغـ ـضب يسـ ـيطر عليه منذ هذا الوقت فحا’دث أخيه ورفيقه قد أوقف سيره وأنساه مشا’غله ولذلك تلقـ ـى المشـ ـكلات الكُثُر في عمله، ضر’ب على سـ ـطح الطاولة الخـ ـشبية بكفه محاولًا إفر’اغ غـ ـضبه الملكو’م بد’اخله ليصيـ ـح بإسم الصبـ ـي العامل في تلك المقـ ـهى عا’ليًا والذي توَّجه إليه ركضًا حتى وقف بجواره قائلًا:
_أؤ’مرني.
_فنجان قهوة مظبوط بسرعة.
نطـ ـق بها وهو يمـ ـسح بكفه على وجهه بعـ ـنفٍ ليأتيه صوت الصـ ـبي الذي ر’مق الفنجان الفا’رغ بجواره بتو’جسٍ قائلًا:
_غـ ـلط عليك أنتَ لسه شارب فنجان كدا ضغـ ـطك هيعـ ـلى أوي.
_أنتَ هتخا’ف عليا أكتر مِني؟ أخـ ـلص يا “لمونة” مِن غير ر’غي كتير!.
هد’ر بهِ بعـ ـنفٍ منتـ ـصبًا في وقفته جعل هذا الفتـ ـى المدعو “لمونة” ينتفـ ـض جسـ ـده فز’عًا مِن تلك الحالة المجـ ـنونة التي إنتا’بته فجأ’ةً ليقوم بلفت أنظار الجميع إليه وما زاد ذلك إلا الطـ ـين بلـ ـة فهذا ما كان ينقـ ـصه حينما وجد جميع الأنظار موَّجهة إليه ليز’داد غضـ ـبه أكثر عن زي قبل، ر’كل المقعد الذي كان يقبع أمامه ثم رحل كما الإعصا’ر مِن المكان أسفـ ـل أنظار الجميع وأولهم “لمونة” الذي شعر أن هناك خطبٌ ما ولذلك أستدعى “حـسن” كونه الو’حيد المتواجد في الأسـ ـفل في غيا’ب الآخرين.
ولج “أكرم” كما الإعصا’ر إلى متجر النقاشة الذي تولى إدارته بعدما تو’فى أبيه مغـ ـلقًا الباب خـ ـلفه بعنـ ـفٍ وهو يلـ ـهث، نظر حوله بهيئته المبـ ـعثرةِ تلك غير مصدقًا أن كل شيءٍ إنقلـ ـب على رأسه فتلك البيعة كانت ستجعله يربح كثيرًا ويقوم بتكبير إسمه بين الجميع ولَكِنّ كان لذاك المجهو’ل رائيًا آخر في ذلك بعد أن ظهر مِن العد’م ليُكمل عليه ويقوم بتد’مير كل شيءٍ كان يبـ ـنيه.
ولج بخطى هادئة ينظر إلى المكان حوله حيثُ وجد موهبته هُنا، شغـ ـفه وحُبّه للصناعة وتشكيل الأخشا’ب مثلما يشاء، لا يعلم ماذا عليه أن يفعل الآن فكل ما يثـ ـير غضـ ـبه تلك المكالمة اللعـ ـينة حيثُ أخبره هذا الشخص وبكل ما تحـ ـمله الكلمات مِن خـ ـبثٍ وشـ ـرٍ عظيم إليه:
_أول و’قعة، وإن شاء الله متكونش الأ’خيرة يا ابن فارس، بالشفا.
أنحـ ـنى بنصفه العـ ـلوي مستندًا على الطاولة الكبيـ ـرة التي تحتوي على مُعداته بأكملها بكفيه الأثنين ثم أغمض عينيه بقو’ةٍ وصدره يعـ ـلو ويهـ ـبط وصوت أنفا’سه عا’لية تدل على غضـ ـبه محاولًا لجـ ـم تحـ ـكماته في إنفعا’لاته فإن ترك نفسه سيُد’مر كل شيءٍ حوله وهو لَن يتحمـ ـل أية خسا’ئر أخرى فلَن يجعل هذا الحـ ـقير ينا’ل مِنهُ مهما حد’ث.
_يمين بالله لد’فعك التـ ـمن غا’لي مهما كُنْت مين، لسه متخـ ـلقش إلي يقـ ـف فو’ش “أكرم”، هتد’فع التـ ـمن غا’لي أوي، مش أنا إلي يتد’اس عليه ويسكُت لا … صحيح الناجح مِن غير أعد’اء ميبقاش ناجح، بس ملحو’قة، واللهِ لدوقك الو’يل، صبرًا.
أنتـ ـصب في وقفته ثم حـ ـرر أزرار قميصه الأبيـ ـض ومِن ثم نز’عه ليبقى عا’ري الجذ’ع، تركه على المقعد ثم توَّجه إلى مسجل الصوت كما يُسمى في اللغة الدارجة “راديو” ليقوم بتشغيله ليُصادفه موسيقى مِن موسيقاه المفضّلة كانت مِن الزمن الأصلي الجميل مِمَّ جعلت حاله يتبد’ل سريعًا ليحتـ ـل الصـ ـفاء تقا’سيم وجهه ولَكِنّ لَم يخلـ ـو ذاك مِن عينيه الحا’دة التي كانت تُعطيه جا’ذبيته الخاصة، نعم مـ ـخيفة ولَكِنّها رائعة في نفس ذات اللحظة.
عاد إلى طاولة مُعداته الكبيـ ـرة ليقف أمامها مُخر’جًا لُفافا تبغ غـ ـليونه واضعًا إياها على طر’ف شفـ ـتيه ثم أخر’ج قد’احته وأشـ ـعلها ليأخذ نفـ ـسًا عـ ـميقًا مِنها ثم يزفـ ـره بقو’ةٍ لتنكمـ ـش المسافة بين حاجبيه قليلًا وينظر بعدها إلى أغراضه يُفكر في شيءٍ ما، وبدون إرادة تسـ ـلل كفيه إليها ليبدأ بتوصيل الأجهـ ـزة الكهر’بائية بالكهر’باء ثم عاد ليأخذ قلمًا رصا’صي ومسطرة حـ ـديدية مرقمة ثم أخذ لو’ح الخـ ـشب وبدأ يضع المسطرة عليه ليبدأ في تقسـ ـيمه تزامنًا مع عـ ـلو صوت الموسيقى التي كانت مفضّلة بالنسبةِ إليه فتذكره بذكرياتٍ جميلة يُحب دومًا تذكرها.
أحلو عمري أحلو عمري
أحلو عمري في غمضة عين
لما أتقابلنا لما أتقابلنا لما أتقابلنا إحنا الأتنين
أحلو عمري أحلو عمري
أحلو عمري في غمضة عين
لما أتقابلنا لما أتقابلنا لما أتقابلنا إحنا الأتنين
وبعد أول لقا طويل لاقتني من أشو’اقي بقول
لاحد بعدك يملى عيوني
ولا حب غير حبك يرضيني
لاحد بعدك يملى عيوني ياعيونى
ولا حب غير حبك يرضيني
يالي ابتديت الحب معاك
عمري عمرى الحقيقي ابتدا وياك
يالي ابتديت الحب معاك عمري الحقيقي ابتدا وياك
أحلو أحلو أحلو أحلو أحلو
أحلو أحلو أحلو أحلو أحلو أحلو أحلو عمري.
حياته أصبحت حُلوة بالفعل حينما قابلها، تلك التي سحـ ـرته وجـ ـذبت حو’اسه إليها دون أن تفعل شيءٍ فتلك كانت حُبّ الجامعة، أحبّها عامين سـ ـرًا بينه وبين نفسه دون أن يفـ ـصح عن أي شيءٍ لها، وفي العام الثالث قرر مصارحتها بما يحمـ ـل لها مِن حُبٍّ في قلبه لتفا’جئه بإعطاءها رقم والدها دون أن تتحدث ببـ ـنت شـ ـفه تاركةً إياه بعدها مكانه مذ’هولًا لا يُصدق حتى قال دون أن يـ ـعي:
_بالسهولة دي عادي؟ وأنا إلي كُنْت مر’عوب وبحب فيكِ بيني وبين نفسي؟.
أنهـ ـى حديثه ثم نظر إلى الورقة البيـ ـضاء المدوَّن عليها عدة أرقامٍ بشرودٍ ثم بعدها تحدث مع والدها وحينما توصلىٰ إلى الإتفا’ق المبدئي كان سعيدًا وبشـ ـدة حينما ضمن بقاءها إليه وحينما أصبح في نها’ية السنة الرابعة وهي في الثانية قام بخطبتها ليضمن بقاءها أكثر وأكثر بجواره، وها هي الأعوامُ تَمُر حتى أصبحت اليوم أُمًّا لو’لديه التوأم اللذان جعلا حياته ور’دية بجوارها هي.
واليوم يسـ ـعى لكسب لقمة العيش بعد أن تكا’لبت أعبا’ء الدنيا على الجميع وأصبحوا يُحا’ربون في أعمالهم فقط لأجل جـ ـني المال لمنزله وأسرته فمستلزماتهما توَّد أموالًا كثيرة ولذلك إن أنتظر أكثر وظل مكانه دون أن يتقدم خطوة للأمام بسـ ـبب هذا البغيـ ـض سيـ ـقع لا محال ولذلك عا’ند الجميع ونفسه وعاد لإكمال أعماله متو’عدًا إليه وبشـ ـدة.
صدح رنين هاتفه مِن جيب بِنطاله يُعلنه عن أتصالٍ هاتفي ليترك أغراضه ويقوم بإخر’اجه ليراها هي تُهاتفه، زفـ ـر بعـ ـمقٍ وهـ ـدأ نفسه ثم أجابها بنبرةٍ هادئة وقال:
_أيوه يا حبيبتي.
_فينك يا “أكرم” مش ناوي تطـ ـلع ولا إيه عشان تتغدى أنا جعانة أوي وقاعدة مستنياك مِن بدري تيجي بس لمَ لقيتك أتأ’خرت قولت أكلمك وأشوفك فين.
_معلش يا حبيبتي حـ ـقك عليا أنا بس مشغو’ل فالورشة وعندي شغل كتير أتغدي أنتِ وأنا لمَ أطـ ـلع إن شاء الله هتغدى.
شعرت أن بهِ شيءٌ ما يُخـ ـفيه عليها، كيف لا وهي تحفظه عن ظهر قلـ ـبٍ لتقول بنبرةٍ هادئة:
_”أكرم” هو أنتَ كويس؟ حاسة إن صوتك مضا’يق وكأن في حاجة مز’علاك، في حاجة يا حبيبي بجد؟.
آهٍ وألف آه على تلك التي أسكنته عشـ ـقًا وكانت تلعب دور الأمومة معه وليست كزوجة فهي تشعر بهِ حينما تتغيَّر نبرة صوته في الحديث وتحججاته كي لا يُكمل هذا الحديث الدائر بينه وبين الما’ثل أمامه، في حضرتها لا شيءٍ يغـ ـفل عنها ولذلك كما المعتاد حا’صرته مِن كل الجهات ليُخبرها أنه حينما يعود سيتحدث معها مغـ ـلقًا المكالمة بكلماتٍ حنونة بعد أن أخبرها بعدم أنتظاره ليعاود إلى إكمال ما كان يفعله وصوت الموسيقى يعـ ـلو مِن الراديو.
_________________________
<“وفي حضرتها لا يجد مخر’ج سوى مجا’راتها.”>
كان يسير في المتجر الكبـ ـير والخاص بمستلزمات الأطفال يحمـ ـل صغيرته على ذراعه ضاممًا إياها إلى أحضانه بينما هي تسير بجواره تد’فع عربة المشتريات وعينيها تجول في المكان تبحث عن مُرادها، نظر إليها لبرهةٍ مِن الوقت ثم قال سا’خرًا:
_هو إحنا مطو’لين هنا ولا إيه؟ أومال لو كبرت شويه هتعمل فينا إيه؟.
_مطو’لين إيه بس هو إحنا لحقنا، وبعدين دي حاجات ليها وأنا محتاجة حاجة البيت عشان أغلبها خلص فطو’ل بالك شوية.
أنهـ ـت حديثها وهي تسـ ـحب عُلبة اللبن الصنا’عي التي تطعمها إلى صغيرتها ليأتيها الردّ مِنهُ مِن خـ ـلفها حينما قال:
_لا لو على البال فطو’يل مع ناس وناس لا، وطالما لأجل “وتين” فمعنديش مشـ ـكلة.
ألتفتت إليه فورًا وهي تر’شقه بنظرةٍ حا’دة لتند’فع في حديثها قائلة:
_يعني إيه لأجل “وتين” دي وأنا فين ولا بقيت بنـ ـت البطة السو’دة يعني؟.
نظر إليها متفا’جئًا مِن إند’فاعها لينظر حوله يتأ’كد أن لا أحد يراهم ثم عاود النظر إليها مِن جديد وقال:
_ردودك بتيجي فالوقت والمكان الغـ ـلط، متـ ـقفشيش فالكلمة مقصدش حاجة ليه النوايا الـ***** دي بس.
_يا حبيبي … أتمـ ـسكن حلو أوي، لينا بيت يا “مُـنصف” يلمنا، صبرك عليا يا ابن “زينة”.
أبتسم هو مجددًا مستمتعًا بما يراه أمامه فيُحب رؤيتها غا’ضبة أمامه دومًا ليس لسـ ـببٍ وجيه بل هو أعتاد على ذلك مِنها، ومض جفنه الأ’يسر بعـ ـبثٍ إليها ثم قال بنبرةٍ خـ ـبيثة:
_هراضيكِ، هراضيكِ على الآ’خر يعني مش هخلي أي حاجة شـ ـر مِن ناحيتك ليا.
ر’مقته بطر’ف عينها نظرةٍ ذات معنى ثم عاودت أبتياع أغراض أبـ ـنتها ومنزلها حتى مرّ الوقت بهم وعادوا مِن جديد إلى المنزل، صف سيارته أسفـ ـل بِنْايته ثم نظر إليها وقال بنبرةٍ هادئة:
_خُدي “وتين” وأطلـ ـعي أنتِ وأنا هروح أركن العربية وأجيب الحاجة وأحصلك.
نظرت إليه حينها بعد أن أستمعت إليه لتجاوبه تقترح عليه قائلة:
_لا حرام تشـ ـيل كل دا لوحدك، هات جزء دلوقتي وهات “أسـ ـمر” يشيـ ـل معاك وبعدين روح أر’كنها وتعالى، وبعدين متنساش إنك ممنو’ع تشـ ـيل حاجات تقيـ ـلة كتير عشان ضهرك.
صمت دقيقةٍ يُفكر في أقتراحها إليه ليجد أنها مُحقة فالأغراض كثيرة ولذلك وافقها الرأي لتترجل هي مِن السيارة تحمل صغيرتها المُبحـ ـرة في بحو’ر أحلامها ويليها هو الذي وقف يبحث عنه بعينيه حتى رآه في المقهى يشاكـ ـس “لمونة”، ر’فع يده عا’ليًا يُلوح إليه ثم صدح صوته عا’ليًا يُناديه قائلًا:
_”سمارة!” وا’د يا “سمارة!”.
ألتفت إليه “أسـ ـمر” يعلم صاحب هذا الصوت جيدًا فهو الو’حيد الذي يُناديه مِن بين الجميع “سمارة”، ترك رفيقه وأقترب مِنهُ بخطى هادئة مبتسمًا حتى وقف أمامه يصافحه قائلًا:
_علامة مسجـ ـلة أنتَ خلّي بالك، عا’ش مِن شافك بقالك يومين مخـ ـتفي كدا إيه الدُنيا.
أبتسم إليه “مُـنصف” ور’فع كتفيه عا’ليًا يقول بنبرةٍ هادئة:
_ولا أي حاجة الدُنيا ماشية وزي الفُل أهي، فاضي ولا عندك مشاغل.
_يابا لو مشغول أفضالك يا سلام شاور أنتَ بس ورقـ ـبتي سـ ـدادة.
أنهـ ـى حديثه وهو يضع كفه على عنـ ـقه في حركةٍ شهيرة عند النطـ ـق بتلك الجملة ليُحرك “مُـنصف” رأسه برفقٍ ثم حاوط كتفيه بذراعه وتوجه بهِ إلى صند’وق السيارة ر’افعًا بابه عا’ليًا ليقول:
_على الله إن شاء الله، عايزك يا و’حش الجيهة إيدك فإيدي تطـ ـلع الشنط دي معايا عشان محسوبك ضهره قا’فش حبتين.
_إيه يا ر’ياسة هو المجهو’د عا’لي أوي كدا، دا إحنا لسه ورانا بلا’وي سو’دة مستنيانا كمان شوية.
سَخِـ ـرَ مِنهُ “أسـ ـمر” ليبدأ بأخذ الحقائب مِنهُ يسمعه في ذات الوقت يقول:
_والله يا معلمي ما قا’در، ربنا ما يوريك و’جع الضهر وسنينه … يلا طلَّـ ـع دول وأنا هحصلك بالباقي.
_لا وعلى إيه مش نا’قصين ضهرك يقفـ ـش أكتر نجر’ي بيك على الدكاترة عندنا مشاغل يابا الحج، خليك وأنا هطـ ـلعهم كلهم بدل ما إيد تتمـ ـد فالعربية تاخد حاجة كدا، تخر’ب حاجة كدا، مش نا’قصين مصا’يب.
أستند “مُـنصف” بذراعه على سيارته ونظر إليه مؤيدًا لحديثه حينما قال:
_تصدق ياض يا “سمارة” عندك حـ ـق، روح ومتقـ ـلقش يعني هديك أتعا’بك.
_تصدق لولا إنك أكبر مِني وبينا فرق سن كُنْت ردّيت عليك، بس مش هردّ عارف ليه؟ عشان أنتَ مِن دور أبويا.
أنهـ ـى حديثه ثم تركه وذهب نحو البِنْاية لينظر الآخر في أثره ويردّ عليه بغـ ـيظٍ با’ئنٍ على نبرة صوته حينما قال:
_تصدق أنتَ محتاج ر’باية يالا؟ أنا قد أبوك يا عد’يم النظر أنا ٣٢ سنة يالا يعني لسه شا’ب يا حما’ر، على رأي أُمّ “حـسن” ناس عد’يمة النظر ومحتاجة كـ ـشف نظر.
أنهـ ـى حديثه ثم حرك رأسه بقلـ ـة حـ ـيلة ليُخرج بعدها لُفافا تبـ ـغه يضعها بين شـ ـفتيه ثم أشـ ـعلها عن طريق قد’احته ليأخذ نفـ ـسًا عمـ ـيقًا مِنها ثم يزفـ ـره بقو’ةٍ وهو ينظر حوله، يُفكر في عمله وما ينتظره في مشروعاته القادمة، وبعد مرور القليل مِن الوقت عاد بعد أن صف سيارته ليوقفه صوت الصـ ـبي “لمونة” الذي ركض إليه حتى يو’قفه، وبالفعل توقف وألتفت إليه قائلًا بنبرةٍ متسائلة:
_خير يا “لمونة” في إيه؟.
_بُص بقى عشان سكـ ـة اللـ ـف والد’وران مش سكتنا “أكرم” كان هنا مِن شوية وكان متعـ ـصب أوي خد فنجان قهو’ة وطلب التاني ولمَ عا’رضته عشان خو’فت عليه ز’عق جا’مد ومشي، شكله كدا فيه حاجة أنا عُمري ما شوفته متعـ ـصب أوي كدا قد النهاردة، لو كدا عدي عليه شوفه مِن ساعتها وهو في محل النقاشة مخر’جش مِنُه وقا’فل على نفسه.
شرد “مُـنصف” قليلًا في حديثه يُفكر بهِ حتى أنه غيَّر إتجاه سيره وذهب إليه عازمًا على رؤيته والأطـ ـمئنان عليه، ولج إليه ينظر إلى المكان حوله ليسمع صوت الموسيقى تنبُع مِن الداخل وصوته يدندن معها ليبتسم بزاوية فمهِ سا’خرًا ثم قال:
_بقى دا المتعـ ـصب الشا’يط اللي مش شايف قدامه.
أغـ ـلق الباب خـ ـلفه ثم ولج إلى الداخل بخطى هادئة ليراه يعمل كعادته يُخـ ـطط على لوح الأخشا’ب ويقـ ـطع جزءًا مِنها، زفـ ـر بعمـ ـقٍ ثم قال مبتسمًا:
_يا سيدي يا سيدي على الروقان اللي أنتَ فيه، طب أنا أصدق كلام مين بقى دلوقتي؟.
ر’فع الآخر رأسه ينظر إليه بعد أن أستمع إليه ليقول متعجبًا:
_مش فاهم تقصد إيه!.
_يعني، سمعت إنك كُنْت متعـ ـصب وشا’يط ومش شايف قدامك، أدخل عليك ألاقيك بتغني ورايق كدا، طب أصدق مين فيكم بقى.
أنهـ ـى حديثه وهو يستند بمرفقهِ على سطح الطاولة ينظر إليه ليراه يضع القلم الرصا’صي خـ ـلف أذنه ويقول:
_صدق الأتنين يا ر’ياسة، “لمونة” صح واللي شوفته دلوقتي صح برضوا، أصل أنا لو و’قعت مش هستفاد حاجة فعلى إيه بقى خلّيني زي ما أنا أحسن. على الأقل هستفاد وافضل سا’ند طولي.
_طب إيه اللي حصل بس؟ أنا مفهمتش حاجة.
أخذ “أكرم” نفـ ـسًا عميـ ـقًا ثم زفـ ـره بتروٍ بعد أن تر’ك أغراضه لينظر إليه قائلًا:
_أبدًا، كل الموضوع إن كان عندي طلبية كبيـ ـرة لازم تطـ ـلع وكان صاحبها را’جل تقـ ـيل لِيه وضـ ـعه يعني المهم لقيته فجأ’ة لغـ ـى الطلبية ومبيردّش عليا، عرفت إن الموضوع في إنَّ، في حد بـ ـخ سِـ ـمُه فنص الموضوع دا عشان ميتمش، هتجـ ـنن يا “مُـنصف” بجد الشغل دا كان هينقلني نقلة عا’لية أوي فجأ’ة كل حاجة بقت فالأ’رض.
صمـ ـت “مُـنصف” برهةٍ مِن الوقت يُفكر في حديث الآخر الذي كان ينظر إليه دون أن يتحدث، نظر إليه بعدها نظرةٍ ذات معنى ثم قال:
_شامم ريحة “فـتوح” فالليلة دي، إيه اللي هيخلي دا يحصل دلوقتي إلا إذا كان هو يعني “يـوسف” و “بـشير” ودلوقتي شغلك اللي وقـ ـف ومصالح ناس فا’تحة بيوت، لا يا عمي الليلة دي كبـ ـيرة ولو ثبـ ـت بجد إن “فـتوح” إلي ورا كل دا يمين بالله ليطـ ـلع مِن هنا على سجـ ـن طرة على طول، “يـوسف” لو عرف مش هيسـ ـمي عليه يا عمي أنتَ فاهم أنا بحاول أقولك إيه؟.
_واللهِ يا “مُـنصف” لو ثبـ ـت إن هو اللي كان و’راها أقسم بالله لاجيب أجـ ـله فلحظتها، الو’اد دا زو’دها معانا أوي وفاكر نفسه إيه إن شاء الله، أعرف بس إن هو إلي لِيه يد وأنا أقسم بالله ما هسـ ـمي عليه.
أخذ “مُـنصف” كوب الشاي الخاص بـ “أكرم” وأرتشف مِنهُ قليلًا ثم نظر إليه وقال:
_ولا يهمك أنا متأ’كد إنه هو اللي عمل معاك كدا، بس على مين هو مش جه يلعب مع الكبار، يستحـ ـمل النتيجة بقى إن ما نـ ـططته زي القر’د مبقاش “مُـنصف”.
نظر إليه “أكرم” نظرةٍ ذات معنى ليرى الخـ ـبث يحـ ـتل عينين رفيقه الذي كان مبتسمًا، يبدو هادئًا مِن الخا’رج أما مِن الداخل فهُناك تخـ ـطيطٌ شيـ ـطاني يُدَّ’رس إلى عد’وه اللد’ود فيجب توجيه ضر’بةٍ قو’ية إليه ولذلك يلز’مه تخـ ـطيطٌ جـ ـهنمي ولذلك هو سيتو’لى أمره هذه المرة.
________________________
<“وما الزاهِد بضعيـ ـفٍ إلا أمام فا’تنته.”>
زاهِدٍ منذ صغره، خجـ ـولٌ حتى شبا’به، لا يعلم الحيَّـ ـل الما’كرة التي يستخدمونها الشبا’ب هذه الأيام مع الفتيا’ت المر’اهقات، بطبعه كان خجو’لًا حينما ينظر إلى فتا’ة وحينما يضطـ ـر لإجابتها طباعه كانت العامل الأساسي في ذلك وبيئته هي مَن جعلته بتلك الحالة، شا’بٌ يخـ ـشى ربه ويسير على نهـ ـجٍ واحد _إطاعة المولى عز وجل_ ولذلك لَم يكُن بذلك المتخا’بث اللعو’ب بل كان كالأطفال الصغار مطيـ ـعًا وخلو’قًا حتى سقـ ـط أسـ ـفل بر’اثن مَن لا ير’حم ولا يعلم ما ينها’ه عنه دِّ’ينه وما يأ’مره بهِ ربه.
كان يجلس منذ أن عاد مِن المشفى مع زوجة أبيه التي أصَّـ ـرت على مرافقته وتقديم الرعاية إليه وأمامها يخضـ ـع لها دون أن يقول شيءٍ، كان يجلس نصف جلسة على الفراش في أولى أيام فصل الشتاء يرتدي كنزته الرصا’صية الدا’كنة ويضع القبعة على رأسه والغطاء الثقيـ ـل على جسـ ـده يشاهد التلفاز ففي أولى الأيام كان الطقس با’ردًا للغاية بعد أن نشرت شبكة الطقس عن تفا’صيل الأجواء ومِن المحتمل هبو’ط الأمطار.
أخذ هاتفه وعـ ـبث بهِ قليلًا ثم وضعه على أذنه منتظرًا الردّ مِن الطرف الآخر والذي لَم يتأ’خر عليه وأجابه ليقول هو:
_وعليكم السلام ورحمة الله، إيه يا عمي مش بتسأل عليا يعني ولا أتنسيت كأني ما جيت، الشغل واخدك؟ يا عم كان الله فالعون ربنا يرزقك، لا أبدًا متكـ ـتف تـ ـحت البطانية ولابس تقيـ ـل حاسس إني هتجـ ـمد واللهِ، ما أنتَ عشان جِبِـ ـلة مبتحسش أنا لو مكانك وربنا أمو’ت مِن البر’د دا أنا لابس قد كدا وبرضوا سقـ ـعان، لا أصلي قاعد فالأوضة بتاعتك تصدق صحيح يا’ض سريرك تُحفة مُريح أوي.
_أنتَ أحتـ ـليت أوضتي كمان يا و’اطي، إخص على اللي ر’باك واللهِ، عمومًا يعني متبهـ ـدلش حاجة بدل ما أطـ ـلع أبهـ ـدلك أنا، إيه البجا’حة دي يالا دي أوضتي على فكرة يعني بتاعتي والفرش دا فرشي.
حينها أتاه قهقهات أخيه الذي بالطبع لا يفعل شيئًا إلا أن يُثـ ـير أستفـ ـزازه كما أعتاد ليجاوبه بنبرةٍ ضاحكة قائلًا:
_لا يا “كركر” ما هي بقت بتاعتي خلاص أنتَ أتجوزت أنا بقى خدتها والسرير دا هايل مريحني جدًا، آه صحيح لقيت سويت شيرت تقـ ـيل وحلو أوي لو’نه رصا’صي غا’مق عارفُه؟ أيوه ما أنا لبسته فعلًا.
أنهـ ـى حديثه وضحك عا’ليًا مِن جديد حينما سَمِعَ صر’اخ أخيه مِن الجهة الأخرى حينما قال:
_وحيا’ة أمّك! دا لسه جديد لانج، يا’ض دا أنا لسه ملبستهوش إيه يالا البجا’حة دي مبسوط أوي؟.
_بصراحة كدا آه، وبعدين مـ ـخبيه عند أمّك ليه؟.
_عشان “سلمى” بتسر’قهم مِني وأنا فالشغل وبرجع الأقيها لابساهم يا إما فالبيت يا إما وهي نازلة قولت وعلى إيه بيت أُمّي موجود … بس برضوا أتلَبَـ ـس والمرة دي مِن مين؟ مِن أخويا.
تعا’لت ضحكات “بـشير” أكثر على حديث أخيه وغيـ ـظه البائن في نبرة صوته ليجاوبه بنبرةٍ ضاحكة وقال:
_كل الطُرُق بتؤدي لنفس الحل، بس تصدق يا’ض طلع حلو أوي عليا، أنا خدته خلاص.
_وماله ما هي فلوس أبوك أنا أجيب وأنتَ تلبـ ـس على الجاهز.
أتاه حينها الردّ الذي أشعـ ـل غيـ ـظه أكثر حينما سَمِعَهُ يقول:
_يا حبيبي أنا وأنتَ واحد مالك بس أعتبر نفسك كأنك لبسته.
زفـ ـر بعمـ ـقٍ حينها ومسـ ـح على وجهه وخصلاته الكثيـ ـفة إلى الخـ ـلف وقال بقـ ـلة حيـ ـلة:
_ميغـ ـلاش عليك يا عمي، أنا وأنتَ واحد.
أبتسم حينها “بـشير” ثم أخبره بما يشعر بهِ نحوه حينما قال بنبرةٍ صادقة:
_أنا بحبك أوي يا “أكرم”، أنتَ حنين أوي وطيب خسا’رة الأيام اللي ضا’عت وأنا بعـ ـيد عنكم فيها بجد ياريتني كُنْت أعرف مِن بدري إنكم أخواتي.
_حكمة ربنا يا “بيشو”، ربنا لِيه حكمة فكدا المهم إنك فالآخر معانا، بقولك إيه أوعى تكون بهـ ـدلت الأوضة قسمًا بالله أطلـ ـع أر’ميك مِن فو’ق.
ضحك حينها “بـشير” مِن جديد ثم ردّ عليه بنبرةٍ ضاحكة قائلًا:
_لا متقـ ـلقش أنا محترم ومببهـ ـدلش حاجة بقعد مؤد’ب.
وبعد القليل مِن الوقت قضاها معه مرحًا أغـ ـلق المكالمة ليرى “هناء” تولج إليه حاملةً صينية معد’نية متوسطة الحجم يعتليها عِدة صحون زجا’جية مليئة بالأطعمة السا’خنة الشهـ ـية المفضّلة في ليالي ديسمبر البا’ردة، وضعتها أمامه على الطاولة الخـ ـشبية الخاصة بو’لدها ليرى العديد مِن الأصناف الشهـ ـية أمامه ولذلك نظر إليها وأبتسم قائلًا:
_إيه دا كله بس يا سـ ـت الكل، أنا مش هقد’ر أكل كل دا.
أبتسمت هي إليه ثم جلست على طر’ف الفراش أمامه وقالت:
_وإيه يعني دول يا دوبك حبة رز وشوربة وحتت فرخة مسلو’قة وشوية ملوخية وبسلة مش حاجة يعني، وبعدين أنتَ تـ ـعبان يا حبيبي ولازم تاكل وتسند طو’لك كدا يلا بسم الله دوق وقولي رأيك بصراحة أنا عرفت مِن “بيلا” إنك بتحب البسلة أوي فعشان كدا عملتهالك.
أبتسم إليها وهو ينظر لها ليرى جانبًا آخر بها أكثر حنوًا وأكثر لُطفًا لَم يكُن يراه مِن قبل، أحبها وتعـ ـلق بها منذ أن جاء إلى هُنا ليبدأ في تناول الطعام فيما هي تابعته بهدوءٍ تنتظر تعليقه على طعامها، فيما نظر إليها وأبتسم لها قائلًا بصدقٍ تام:
_أكلك حـ ـقيقي بسم الله ما شاء الله عليه ولا أجدعها شيف فيكي يا عابدين، إيه الحلاوة دي بجد نَفَـ ـسك حلو أوي بجد.
_بالهنا والشفا على قلبك يا حبيبي، أشرب الشوربة وهيَّ سُـ ـخنة عشان تدفيك الجَو بره سقـ ـعة أوي.
نظر إليها مبتسمًا وقال سا’خرًا مِن أخيه الكبير:
_مش زي الحلو’ف التاني اللي قا’لعلي الچاكت والبلوڤر وبيشتغل بالفانلة، دا حتى دي قـ ـلعها.
_أصل “أكرم” مِن الناس اللي لمَ تشتغل جسـ ـمها بيسـ ـخن فبيحس إنه حر’ان ومش قا’در … ويجيلي بعد كدا واخد د’ور بر’د محترم يقعده شهر فالسرير.
حرك رأسه بقـ ـلة حيـ ـلة على حال أخيه وما يكون عليه ليقول بيأ’سٍ:
_ربنا يعينك عليه، بس غـ ـلبان واللهِ أنا قولت هيتشـ ـتمني أول ما يعرف إني واخد السويت شيرت الجديد بتاعه وقاعد فأوضته وكدا بس الحمد لله جَت سـ ـليمة مقاليش حاجة.
وحينما أنهـ ـى حديثه صدح رنين هاتفه عا’ليًا يعلنه عن أتصالٍ هاتفي، نظر إليه ليرى أسمها يُنير شاشة هاتفه، تفا’جئ مِن إتصالها كثيرًا فلَم يكُن يتوقع أن تهاتفه مِن جديد خصيصًا بعد آخر مقابلةٍ بينهما ولذلك أخذه مجيبًا عليها ليسمعها تقول بنبرةٍ هادئة متو’ترة:
_أزيك يا “بـشير”.
_بخير الحمد لله، أنتِ عامله إيه؟.
نظرت إليه “هناء” متعجبةً وهي تغـ ـلق جفنيها نصف غـ ـلقة حينما رأت أضطـ ـرابه حينما أجاب على هاتفه، فيما كان هو يشعر بنبـ ـضات قلبه تعلـ ـو داخل قفـ ـصه الصد’ري والتو’تر أيضًا ظهر عليه ليسمعها تقول بنبرةٍ هادئة أستشعر فيها خجـ ـلها:
_أنا عرفت اللي حصلك بالصُدفة مِن شوية ومَكونتش مصدقة اللي عديت بيه بجد، أنتَ بقيت كويس دلوقتي؟ أنا حـ ـقيقي عيطت عشان الحاجات بتأ’ثر فيا أوي وبتخليني فحالة كدا مش أوي، خر’جت مِن المستشفى ولا لسه ؟ طمني.
زفـ ـر هو حينها بعمـ ـقٍ واجابها بنبرةٍ هادئة حينما قال:
_أنا الحمد لله كويس ولسه خا’رج الصبح بدري، الحمد لله فترة وعدت علمتني كتير أوي وأكيد ربنا لِيه حكمة أنا في الآخر راضي وبحمد ربنا إني خر’جت في الآخر بعد ما قلبي وقـ ـف تقريبًا كذا مرة … الحمد لله.
_أنا عارفه إنها حاجة صعـ ـبة ومَكونتش متو’قع حد’وثها معاك بس فعلًا زي ما أنتَ قولت ربنا لِيه حكمة فدا والحمد لله أنتَ خر’جت فالآخر بعد دا كله، وبعدين أنتَ واحد مؤمن بربنا وبتصلي فأكيد مش هتكون خا’يف لمَ حاجة زي دي تحصلك يعني عارف طريقك فالآخر رايح فين … طب هو أنا ممكن أطلب مِنك طلب؟.
تعجب كثيرًا مِن حديثها وطريقتها في التحدث معه فباتت تتحدث معهُ بشكلٍ أكثر تهذ’بًا ولذلك أعطاها موافقته ليأتيه الردّ مِنها حينما قالت بخجـ ـلٍ شـ ـديدٍ وخو’فًا أن ير’فض مطلبها:
_هو أنا ممكن أجي أزورك، بصراحة يعني أنا مبعرفش أفضل ساكتة مِن غير ما أزور شخص زميل ليا أو قريب مِني يعني زيارة المر’يض واجب، فلو معندكش مشـ ـكلة يعني أو مش حابب تمام مفيش مشـ ـكلة أنا هكون مقدَّ’رة حاجة زي دي.
صمت برهةٍ مِن الوقت لا يعلم أيقبل بهذا أم ير’فضه بتهذ’بٍ فقد و’قع الآن في حيرةٍ مِن أمره فلَم يكُن يتوقع أن تطلب مِنهُ مطلبًا كهذا ولذلك لا يعلم لِمَ تذكر حديث رفيقه “يـوسف” مِن قبل على علا’قته بتلك الفتاة أيُعقل أن يكون حديثه صحيحًا وتشعر تجاهه بشيءٍ؟ عند تلك النقطة وتعا’لت نبـ ـضات قلبه دا’خل قفـ ـصه الصد’ري ولذلك أزد’رد لُعابه وقال بنبرةٍ حاول جعلها هادئة قد’ر المستطاع:
_أكيد، بس أنا مكاني بعـ ـيد شوية يعني عشان بس ميكونش مشوار طو’يل عليكِ.
_لا متقـ ـلقش قولي أنتَ بس وأنا هاجي أيًا كان مكانك فين.
نظر إلى زوجة أبيه التي كانت تنظر إليه نظرةٍ خـ ـبيثة بعد أن عَلِمَت هوية المتصل وأضطـ ـرابه أمامها بتلك الطريقة ليُبعـ ـد الهاتف قليلًا مغـ ـلقًا الصوت بأ’مرٍ مِنها ليسمعها تقول:
_قولها إني هعزمها على الغدا وهنتجمع كلنا هنا بكرا.
_غدا إيه وبكرا إيه مش هينفع إيه الإحر’اج دا.
_أسمع مِني يعني أنا مش عارفة اللي فيها يعني؟ قولها كدا بس يلا.
حرك رأسه بقـ ـلة حـ ـيلة ثم فتـ ـح الصوت مِن جديد ووضعه على أذنه ناظرًا إلى “هناء” التي كانت تبتسم إليه ليقول بنبرةٍ هادئة:
_”بـسنت” هو بصراحة يعني مرات أبويا يعني عزماكِ على الغدا عندنا بكرا، مُصّـ ـرة إنك تيجي.
تفا’جئت كثيرًا وشعرت بالخجـ ـل ولَكِنّ ليس أقل مِنهُ فهو أيضًا يشعر بالخجـ ـل بعد أن وضعته زوجة أبيه في ذاك المأ’زق ليتلقى الصمـ ـت برهةٍ مِن الوقت ثم قالت بنبرةٍ هادئة:
_تمام، مش هقدر أكـ ـسفها، بكرا بإذن الله هخـ ـلص شغل وأجي أزورك وأطمن عليك … ألف سلامة عليك.
_الله يسلمك، شكرًا على سؤالك يا “بـسنت” تسلمي.
أغـ ـلق المكالمة معها ثم ترك هاتفه ونظر إلى زوجة أبيه التي كانت تنظر إليه مبتسمة الوجه ليقول:
_حـ ـقيقي مش عارف ليه خلّيتيني أعزمها على الغدا بكرا، هي مجرد زميلة كانت معايا فالشغل القد’يم.
_ما أنا عارفة، بس بصراحة عندي فضو’ل أشوفها حساها حلوة كدا وأصـ ـيلة.
لا يعلم حتى الآن ما الذي تخـ ـطط إليه زوجة أبيه ولَكِنّهُ صمـ ـت وعاد يُكمل طعامه، فيما كانت هي تنظر إليه مبتسمة الوجه فهي ليست بحمـ ـقاءٍ وعَلِمَت أنهُ يشعر بعدة مشاعرٍ نحو تلك الفتاة ولذلك لا ما’نع مِن أن تساعده في التقر’ب مِنها لربما يحتاج إلى مَن يَمُدُ إليه يد العون ويؤ’كد لهُ مشاعره.
______________________
<“وبرغم الحُر’مانِ مِن أبسط الحقو’ق، كان ربه رحيمٌ بهِ.”>
فُتِحَ باب الشقة يليه ولوج صاحبها الذي أضاء مصابيح المكان وخـ ـلفه عميه وأبناء عمه ينظرون إلى المكان حولهم ليشير إليهم نحو الداخل قائلًا:
_تعالوا.
تقدم “عماد” أولًا ويليه أخيه “راضـي” وو’لديه إلى إحدى الغرف المغـ ـلقة ليشاهدون إبداعًا لَم تره العين قط، تفا’جئ “مـؤمن” الذي وقف مكانه يُطا’لع عمل ابن عمه مذهولًا، فيما وقف هو بجوار عمله الأول ذاك وأشار إليهم قائلًا:
_إيه رأيكم؟ “جـاد” قالي إنه عرفكم.
أقترب “عـماد” مِنهُ وهو ينظر إلى ما صنعه ابن أخيه مندهشًا لتُلامـ ـس أنامله تلك التُحفة الفنية مثلما أطلـ ـق عليها منذ لحظاتٍ ليتفا’جئ مِن نتيجة هذا الإبداع ولذلك نظر إليه وقال يُثني عليه:
_بسم الله ما شاء الله، لا إبداع بجد أنا مش مصدق ولا عُمري شوفت كدا قبل كدا، عملتها أزاي دي يا “يـوسف”؟.
أبتسم هو حينها ور’فع كتفيه عا’ليًا دليلًا على جـ ـهله قائلًا:
_صدقني أنا حتى وقتنا الحالي مش عارف أزاي، زيي زيكم دلوقتي.
_دا على رأي “جـاد” فعلًا، أنا عرفت دلوقتي هو مُصّـ ـر يفـ ـتح المصنع تاني ليه.
نطـ ـق بها “مـؤمن” بعد أن وقف بجوار ابن عمه يشاهد ما صنتعه يداه بإعجابٍ شـ ـديدٍ، فيما نظر “راضـي” إلى ابن أخيه الحبيب مبتسمًا ليقول بنبرةٍ سعيدة وفخورة:
_”يـوسف”، أنتَ حـ ـقيقي مُبدع، أنا مش مصدق لحد دلوقتي اللي عيني شيفاه دا بجد.
أبتسم إليهم “يـوسف” وتر’كهم يشاهدون ما صنعته يداه كما يريدون، بينما في الخا’رج ولج “فـتوح” بخطى هادئة حذ’رة وهو ينظر حوله فبعد أن رآهم يسيرون متجهين إلى تلك البِنْاية للمرةِ التي لا يعلمها بدأ ير’اقبهم ويسير نهـ ـج خطواتهم حتى وصل إلى هُنا، وقف في الخا’رج يراهم يلتفون حول بعضهم البعض يشاهدون شيءٍ لَم يتبين إليه ولَكِنّ مازال كما هو يتلا’عب مع الكبار.
خر’ج مِن جديد عا’زمًا على فعل ما جاء إليه ولذلك أغـ ـلق الباب خـ ـلفه بالمفتاح ليقف مبتسم الوجه ينتوي على إكمال اللعب معهُ حتى يُصبح هو الرابح في نها’يتها فلن يخسـ ـر أمام غر’يمه بعد حر’بٍ دامت لسنواتٍ عِدة.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية جعفر البلطجي 3)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *