روايات

رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ميثاق الحرب والغفران الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ميثاق الحرب والغفران البارت الثامن والعشرون

رواية ميثاق الحرب والغفران الجزء الثامن والعشرون

ميثاق الحرب والغفران
ميثاق الحرب والغفران

رواية ميثاق الحرب والغفران الحلقة الثامنة والعشرون

عادت بظهرها للخلف وهي تقوس وجهها في غيظ بعدما سمعت عبارته المفزوعة وبلحظة كانت تستقيم واقفة وتمد يدها لكبس الكهرباء تضغط عليه لتشعل الأضواء وتهتف له بغضب عاقدة ذراعيها في خصرها:
_إيه شفت عفريت قصادك!!
اعتدل في جلسته ببطء بعدما أشعلت الضوء وأتضح مظهرها المثير أمامه في تلك الملابس، طار عقله وحلق في مدار انحرافه الخاص فبقت عيناه فقط التي كانت تتفحصها بإعجاب لكنه حاول كبح رغبته وجعل نظراته شبه طبيعية وهو يسألها بحدة متصنعة:
_أنتي إيه اللي مصحيكي دلوك؟!
تلعثمت للحظة لكن حاولت إيجاد ذريعة جيدة وقالت بثبات:
_مچاليش نوم فطلعت اقعد إهنه شوية
رد بلهجة ساخرة رافعًا حاجبه:
_چاية تقعدي فوق راسي في الضلمة يعني وتتفرچي عليا!!
ظهر الاضطراب عليها أكثر فردت بخفوت محاولة الدفاع عن نفسها:
_لا أنا لقيت تلفونك واقع على الأرض وكنت بتلفاه.. عمومًا كمل نومك أنا هطلع اقعد في البلكونة شوية
استدارت وهمت بالذهاب للشرفة لكن بعد أول خطوة سمعت صوته الرجولي المخيف وهو يصيح:
_اقفي عندك رايحة وين!
تصلبت بأرضها والتفتت برأسها له تقول بتعجب:
_رايحة البلكونة قولتلك في إيه؟!
هب واقفًا واندفع نحوها يقف أمامها مباشرة ويقول بغضب وسط نظراته التي تسير على جسدها:
_شكلك مش عاوزة تعدي ليلتك على خير.. عاوزة تطلعي برا باللي لابساه ده!
ضيقت عيناها بتعجب وبكل عفوية نزلت بنظرها على جسدها تتفحص ملابسها لترى ماذا بها، فجحظت عيناها بصدمة عندما رأت ما ترتديه أمامه، وشهقت بفزع ثم أسرعت ترفع ذراعيها تحتضن نفسها لتخفي صدرها وكتفيها وضمت قدميها لبعضهم في خجل وعينان متسعة، فرأته يتابعها باستنكار ويقول:
_أنتي بتداري إيه!!
تمنت في لحظتها أن تنشق الأرض وتبتلعها وهي ترى نظراته الجريئة لها فقالت بحزم وخجل شديد:
_غمض عينك!
ضحك ورد ببرود مستفز وخبث:
_ليه هو مش أنتي اللي چيتي عندي بنفسك وقعدتي قصادي بيه وأنا نايم.. هو انا ضربتك على يدك عشان تطلعيلي بيه!
اغتاظت بشدة فصاحت في استحياء:
_عمران غمض عينك قولتلك
لم يعيرها اهتمام وبقى هو يتفحصها بجرأة أكثر متعمدًا فاشتعلت هي كالجمرة والحمرة الشديدة صعدت لوجنتيها، لم تجد حلًا سوى أن ترفع يدها وتدعس على قدمه بعنف حتى يبعد نظره عنها وتستغل هي الفرصة فتركض للغرفة.
كانت قوتها ودعستها ضعيفة حيث لم تسبب له ألم شديد وفور استدارتها وابتعادها لثلاث خطوات كانت تجد يده تجذبها وتعيدها له مجددًا وهو يقول بغيظ:
_رايحة وين لساتني مخلصتش حسابي معاكي على اللي عملتيه قبل ما أنام
أدركت أن لا مفر منه وأنها لن تستطيع مجابهته مهما فعلت فلجأت للطريق الأسلم وتوسلته بارتباك شديد:
_طيب خليني ادخل اغير هدومي وبعدين اعمل اللي أنت عاوزه فيا.. هملني عاد أبوس يدك ياعمران
بدأ الوضع يكون ممتعًا بالنسبة له فكبح ابتسامته بصعوبة وتصنع الجمود وهو يرد بلامبالاة:
_تغيري هدومك ليه ماهي زينة مالها!
لم تتمكن من الحفاظ على رقتها المزيفة أكثر فتحولت للشراسة وصاحت به في غيظ وهي تحاول الفرار من قبضته:
_عمران هملني وإلا هصرخ وألم الخلق كلها وأقول أنك خاطفني
ضحك رغمًا عنه على سذاجتها ثم استقرت في عينيه نظرة مرعبة يتحداها أن تتجرأ وتفعلها، فلانت شراسة ملامحها وتبدلت للخوف منه وبالفعل لم تتجرأ لرفع نبرة صوتها عليه حتى فبقت ساكنة لكن هيهات أن تستسلم له، أجفلت نظرها أرضًا ولمعت عيناها بالعبرات ثم رفعت رأسها له ورمقته بدموعها التي تملأ مقلتيها، وكما توقعت تمامًا ارتخت عضلات وجهه وأصبحت لينة ثم تركها ببطء متمتمًا:
_بتبكي ليه مالك؟
فور تأكدها أنها تحررت من قبضته ابتسمت له بشيطانية وحركت حاجبيها بطفولية وباللحظة التالية كانت تفر راكضة نحو غرفتها، لم يتمكن من كبح ضحكته المغلوبة التي انطلقت منه بقوة وبعد ثواني معدودة سمع صوت صفع الباب، تلك الحمقاء تظن أنه تركها قبل أن يخلد للنوم عندما قفلت على نفسها لأنه كان مجبرًا ولم يجد حل آخر، والحقيقة أنه فعل رغبة منه.
اتجه نحو غرفة صغيرة خاصة به كانت تحتوي على مكتب متوسط وأريكة ومقاعد، فتقدم من المكتب وفتح أحد الإدراج ثم أخرج منه مفتاح احتياطي يحتفظ به وأغلق الدرج ثم غادر الغرفة، وتوجه نحو غرفتهم ليضع المفتاح بقفل الباب ويفتحه ثم يدخل.
كانت هي تجلس فوق الفراش لكن فور رؤيتها له انتفضت واقفة تسأله بصدمة:
_دخلت كيف؟!
ابتسم وقال في نظرات مريبة:
_عيب تسأليني السؤال ده في بيتي!
ازدردت ريقها بتوتر وللحظة كانت ستبكي حقًا من غيظها بينما هو فأغلق الباب بهدوء وتمتم مبتسمًا ببرود مزيف يضمر خلفه تلذذه بلعبة القط والفأر هذه:
_مقولتيش كنتي بتبكي ليه عاد ياغزال؟!
ردت عليه بقلة حيلة حقيقية:
_عمران أنا هبكي صُح دلوك والله
كتم ضحكته ورد بهدوء أعصاب مستفز:
_وليه كله ده بس.. خلاص متزعليش روحك أنا مش قاسي للدرجة دي هسيبك بس بشرط
تمالكت نفسها وردت بثبات مزيف وهي تتهرب من النظر في عينيه الخبيثة والجريئة، بينما هو فاقترب منها ووقف أمامها مباشرة يسألها بلؤم:
_كنتي قاعدة قصادي وبتتفرچي عليا ليه وأنا نايم؟
اضطربت وأبت أخباره بالحقيقة لكنها سمعته يقول بحزم وكأنه قرأ أفكارها:
_الحقيقة وإلا أنا مش ضامن ردة فعلي
تأففت بنفاذ صبر ونظرت له مغلوبة لتقول باقتضاب:
_مكنتش بتفرچ عليك أنا كنت بفكر هعمل إيه.. كنت خايفة ومش عارفة أنام لحالي وفكرتك نايم بالأوضة التانية كنت هروح أنام چارك.. ومخدتش بالي من اللي لبساه ده غير لما أنت قولتلي
ردد عبارتها بضحكة ماكرة:
_كنتي هتاچي تنامي چاري.. امممم طيب أنا هسيبك دلوك تغيري هدومك وهرچع تاني عشان اكمل نوم وتنامي چاري كيف ما كنتي عاوزة.. عشان متخافيش طبعًا
كانت جامدة الملامح أمامه حتى لا تستفزه ويستمر في انحرافه المتعمد أكثر رغم أنها كانت تغلي من الغيظ وتتوعد له، تابعته بنظراتها وهو يبتعد لينصرف لكن قبل أن يغادر توقف وقال بجدية:
_معاكي خمس دقايق بس عشان أنا معايا شغل الصبح بدري وعاوز أنام.. خمسة وثانية هدخل وأنتي المسئولة
جزت على أسنانها مغتاظة لكنها اماءت له بالموافقة في استسلام متصنع وفور رحيله أخذت تشتم نفسها على حماقتها وتشتمه بغضب ووسط كل هذا تقوم بتبديل ملابسها قبل أن يعود مرة أخرى فبعد ما فعله الآن لا تستبعد أن يدخل في أي لحظة وينفذ تهديده….
***
بصباح اليوم التالي داخل منزل خليل صفوان…..
انتهى جلال من تناول طعامه وكان بطريقه للخارج حتى يتجه للمستشفى ويطمئن على جده.. لكنه توقف عندما انتبه لغياب فريال فنظر لأمه وسألها بتعجب:
_فريال وينها ياما؟
ردت جليلة بصوت مقتضب:
_معرفش منزلتش من الصبح
كانت منيرة تجلس بجوار جليلة وتحدق في زوجها بنظرات نارية كلما تتذكر ليلة أمس وكيف قضت الليل كله تنتظره بملابسها حتى فقدت الأمل في عودته وعندما خرجت اكتشفت أنه يقضي الليلة مع فريال.
قاد جلال خطواته للدرج يقصد غرفته بالاعلى وبقت جليلة ساكنة على عكس منيرة التي كانت تشتعل، لحظات قصيرة ووصل أمام الغرفة ففتح الباب ودخل ليجدها مازالت نائمة في الفراش، غضن حاجبيه بقلق وبسرعة اندفع نحوها يجلس بجوارها على حافة الفراش ثم يمد يده يتحسس درجة حرارة جسدها فقد ظن أنها مريضة ولهذا السبب تنام حتى الآن وهي ليست من عادتها النوم لساعات طويلة، لكن كانت درجة حرارتها طبيعية تمامًا وأنفاسها منتظمة فضيق عينيه بحيرة ثم راح يهمس وهو يمسح فوق شعرها بلطف:
_فريال.. فريال
سمع صوتها الخافت وهي ترد بخمول دون أن تفتح عينيها:
_اممممم
ابتسم وهتف بحنو امتزج بجديته:
_إيه النوم ده كله الضهر على آذان
دفعت كفه عن شعرها وردت بنعاس وضيق وهي تميل وتنام على الجانب الآخر توليه ظهرها:
_عاوزة أنام امشي أنت ملكش صالح بيا
رفع حاجبه متعجبًا تصرفها ورغبتها الغريبة في النوم فرد عليها بتلقائية:
_أنتي لو حامل مش هتنامي النوم ده كله!!
فتحت عيناها كلها دفعة واحدة بزعر عندما سمعت عبارته وبلحظة كانت تهب جالسة وتنظر له بقوة هاتفة في انزعاج:
_صحيت أهو ياچلال ارتحت إكده
تقوست معالم وجهه وظهر الغضب البسيط عليه من أسلوبها وانفعالها دون مبرر لكنه حاول التحكم بزمام جموحه ورسم ابتسامة دافئة فوق ثغره قبل أن ينحني عليها يلثم جانب ثغرها بهمسة مغرمة:
_صباح الفل والياسمين يافريالي.. طبعًا ارتحت مش شوفت وشك قبل ما اطلع ابقى مرتاح
ابتعدت عنه ورمقته بحدة ثم هتفت منذرة إياه بجفاء:
_أنا قولتلك مليون مرة متقربش مني
تأفف بنفاذ صبر وهو يشيح بوجهه للجانب يزفر نيران الخنق من بين شفتيه ثم يعود لها ويهمس بانزعاج حقيقي:
_وبعدين يافريال عاوزاني اعملك إيه تاني
ابتسمت ساخرة وردت عليه بنبرة قاسية:
_أنت معملتش حاچة اولاني عشان تعمل تاني أساسًا
التهبت نظراته بالسخط ولم يتمكن من كبح زمام انفعالاته اكثر حيث هتف بعصبية:
_كل ده ومعملتش حاچة.. نسيت اللي عملتيه فيا وتنازلت عن حچات كتير عشانك مع أنك كنتي غلطانة وأنتي مش عاوزة تعترفي بغلطك لكن أنا نسيت ورميت كل حاچة ورا ضهري عشانا وعشان عيالنا، ودلوك بحاول ارضيكي واخليكي تسامحيني على غلطة عملتها في وقت تهور مني من غير ما احس ووعدتك إني هصلح الغلط ده بس اديني وقت شوية وبعدين هطلقها.. لكن انتي مش شايفة غير غلطي ومش معترفة بذنبك، كل اللي بعمله عشانك ده وبتقوليلي معملتش حاچة!!
استحوذ الصمت عليه فلم تجد الكلمات لتجيب عليه بعدما واجهها بالحقيقة التي تناستها، استمرت في التحديق به بعينان مليئة بالأسى والقهر بينما هو فكان الخذلان نصيبه مرة أخرى والقى عليها نظرة أخيرة بعدم حيلة قبل أن يستدير ويرحل ليتركها وحيدة أحزانها ودموعها انهمرت فوق وجنتيها بغزارة……..
***
بعد مرور ساعتين تقريبًا……..
نزل علي من السيارة وهو كالثور الهائج فور رؤيته لسمير يدخل أخيرًا البناية، هو ينتظره منذ يومين هنا واليوم ستكون يومه الأخير، اندفع نحو البناية خلفه وبتلك اللحظة وصل جلال فأوقف السيارة بسرعة ونزل منها يسرع في خطاه التي كانت أشبه بالركض خلف ابن عمه يلحق به قبل أن يقحم نفسه في كارثة لا عودة منها.
قبض على ذراعه بقوة وأوقفه عنوة صائحًا به في صرامة:
_عـلــي
التفت له علي ونزع ذراعه من قبضة جلال يهتف في نظرات مرعبة ونبرة منذرة:
_ملكش صالح ياچلال الدور هيكون على الـ**** ده الأول وبعدين هيچي دور الـ**** اللي ملقحة في المستشفى دي
نزل نظر جلال بمحض الصدفة على يد علي فرأى السلاح بيده وقف أمامه وضم كفه والسلاح بالمنتصف بينهم ورمقه بحدة يقول في غضب هادر:
_داري السلاح اللي في يدك ده.. اتچنيت في نافوخك أنت
رمقه علي شزرًا وصرخ به وهو يحاول نزع يده من قبضته:
_عاوز إيه يعني عاوزنا نچوزها ليه كيف ما عملنا مع آسيا مثلًا
هدأت حدة ملامحه وظهرت الرزانة وهو يقول بلهيب الغضب المشتعل في صوته:
_إيوة.. خلود معدش فيها نفس بعد اللي عملناه فيها وهو كمان نقطع نفسه واصل بس من غير قتل ولا تضيع روحك عشانهم وبعد إكده يتچوزها وياخدها ويغوروا من البلد خالص.. خلي الفضيحة تبقى بيناتنا ومتوصلش للخلق ولسانهم اللي مبيرحمش
ارتخت عضلات علي المتشنجة وملامح وجهه بدأت تهدأ تدريجيًا وهو يفكر بما تفوه به جلال للتو، بدا وكأنه اقتنع بوجهة نظره وأنه على حق فرمقه مطولًا بنظرة شيطانية كلها شر وانتقام قبل أن يندفع لداخل البناية يصعد الدرج شبه ركضًا وكان جلال خلفه وفور وصولهم أمام شقته راح علي يضرب بقبضته القوية فوق الباب بكل عنف، لحظات معدودة وفتح سمير الباب باستغراب وملامح غاضبة يقول:
_في إيه ومين أنتوا؟!!
ابتسم له علي بنظرة قذفت الرعب في قلبه كان تمامًا كالروح التي عادت إلى الحياة لتنتقم، وبلحظة مفاجأة كان يباغته بلكمة ابرحته أرضًا ودخل يجثي فوقه ويستمر في لكمه بكل قوته بينما جلال فدخل خلفهم واغلق الباب بكل هدوء ثم وقف عاقدًا ذراعيه أسفل صدره يتابع ابن عمه وهو يبرح ذلك الوغد حتى الموت وسط شتمه له بأبشع الألفاظ القذرة.. انتزع علي نفسه عنه بصعوبة بعدما وجده كالجثة الهامدة أسفله لا يقوي على فتح عينيه ووجهه كله غارق بالدماء، بالكاد يستطيع التنفس.
جذبه من ياقة قميصه ليرفع رأسه عن الأرض وهو يصرخ به:
_الورقة العرفي اللي ضربتها مع الفاچرة دي وين.. انطق بدل ما أطلع الطبنچة وافرغها في نافوخك
لم يكن سمير بوضع يمكنه من الرد عليه فاقترب جلال منهم وانحنى عليه يجذبه من ذراعه ليوقفه عنوة وهو يصرخ به:
_چيب الورقة يلا
تحرك سمير بخطوات ثقيلة ومتعثرة حتى وصل لغرفة نومه وكانوا خلفه، فور دخول علي لمح شال صغير فوق الفراش وبجواره ملابس نسائية داخلية.. اقترب من الشال والتقطه يدقق النظر به بتركيز فتذكر أنه رأى شقيقته بأحد الأيام ترتدي ذلك الشال.. وعندما رفع نظره يتطلع للملابس الداخلية غلي الدم بعروقه وانفجر بركانه فقط من مجرد تخيله أن تلك الملابس لها، بتلك اللحظة كان سمير أخرج الورقة وناولها لجلال الذي عندما التفت ورأى ما يمسكه علي بيده وينظر له فهم فورًا فأسرع نحو ابن عمه يكبله، فهذه المرة لو تركه عليه لن يخرجه حيًا من بين يديه، هتف بأذنه يحاول امتصاص جموحه المرعب:
_علي اهدي بزيادة اللي عملته فيه دلوك بعدين كمل اللي عاوز تعمله فيه
كان يقبض على الشال الذي بيده بعنف ورغم محاولته في البقاء هادئًا لكنه فشل فدفع جلال بعيدًا عنه وغار على سمير الذي حاول تفادي لكماته والفرار من بين يديه لكن دون جدوى وبصعوبة تمكن جلال من إبعاده عنه ثم اعطاه الورقة وصرخ به بعصبية:
_خد الورقة دي قطعها ولا احرقها وبعدين الحقني
جذب جلال سمير من ملابسه معه للخارج وترك علي بمفرده ينقل نظره بين الورقة وبين الملابس في جسد ينتفض من فرط السخط………
***
في القاهرة…..
قادت آسيا خطواتها تجاه الباب بعدما سمعت صوت الطرق الخفيف، أمسكت بالمقبض وفتحته ثم جذبت الباب عليها لتقابل صديقتها أمامها فتبتسم باتساع وتفتح ذراعيها لتعانقها بحرارة هاتفة:
_إيه ياسندس اتأخرتي إكده ليه مستنياكي من بدري
دخلت سندس وهي تقول بملل:
_أعمل إيه استنيت سليم لغاية ما طلع وبعدين جيتلك حضرتله الغدا وخلصت كام حاجة ورايا
دفعت آسيا الباب بلطف وقالت لها ضاحكة:
_طيب ادخلي چوا
نظرت لها سندس بنظرة قلقة وهي تسألها بنظراتها فضحكت آسيا بقوة وقالت:
_مش قاعد طلع من بدري ادخلي أنتي خايفة إكده ليه!
ضحكت وردت عليها مازحة:
_مش عارفة الصراحة خايفة منه جوزك ده بعد اللي حكتهولي في التلفون وأنه اتخانق معاكي عشان بس قولتيله تيجي تقعدي معايا شوية
تنهدت آسيا بقلة حيلة وقالت في خفوت:
_أنا هروح أچيب حاچة نشربها وارچعلك نكمل كلامنا أنا يعتبر مقولتش حاچة في التلفون أصلًا
أمسكت سندس بذراعها تمنعها وهي تقول باسمة بلطف:
_مش عايزة اشرب حاجة تعالي بس نقعد ونتكلم أنا جاية اقعد معاكي لينا سنين مشوفناش بعض مش جاية اشرب
اماءت لها آسيا بالموافقة في بسمة عذبة ثم سارت معها نحو الصالون ليجلسوا فوق الأريكة يتبادلون أطراف الحديث بأمور الحياة العادية وسط مرح ومزاح سندس الذي لا يتوقف، لكن بعد وقت طويل نسبيًا تبدلت ملامحها وسألتها بحزن:
_احكيلي بقى إيه اللي حصل وازاي اتجوزتي؟!
تنهدت آسيا الصعداء بخنق ثم بدأت تسرد الأحداث منذ بدايتها نهاية بانتقامها من ابنة عمها وسط نظرات صديقتها المشفقة عليها والعابسة، قالت لها بعدما انتهت من الحديث:
_طبعًا أنتي دلوقتي خلاص اتقبلتي الأمر الواقع وطلعتي موضوع الطلاق ده من دماغك
اماءت لها آسيا بالإيجاب متمتمة في خفوت:
_مكنش قصادي حل غيره وقتها يا سندس كنت مچبورة اتقبل الوضع واتعايش مع عمران.. مكنش ليا حد غيره ومازالت
ظهر الغضب والغيظ فوق الأخرى وهي تهتف:
_انا مش عارفة اهلك ازاي عملوا فيكي كدا وصدقوا الصور وكلام بنت عمك الحرباية دي.. معقول القسوة للدرجة دي عندكم
_ده شرف والشرف مفهوش هزار واصل وممكن عقابه يوصل للقتل كمان
لوت فمها بسخرية وغضب كدليل على عدم تقبلها لتلك التقاليد العقيمة والعادات القاسية التي تمنعهم حتى من تنوير عقولهم والثقة ببعضهم.. لكنها عادت ونظرت لها تسألها باهتمام شديد:
_اوعي تقوليلي عمران ده كمان بيعاملك معاملة همجية وقذرة زي اهلك
ضحكت آسيا بقوة وردت عليها بنظرات شيطانية وخبيثة:
_لا اطمني.. بعدين إيه انتي متعرفنيش ولا إيه فكرك هو يقدر عليا
لوت فمها مستنكرة وهي تقول بخوف متصنع:
_صحيح عندك حق ده أنتي حاولتي تقتليه ياقادرة.. أنا مش فاهمة ازاي عدالك عمايلك دي فيه؟!
سكنت للحظة ثم صرخت بحماس وهي تضحك تسألها بفرحة:
_اوعي يكون عشان بدأ يحبك بقى وكدا فسامحك
زمت آسيا شفتيها بعبوس ساخرة على عبارتها فعبست الأخرى وظهر اليأس فوق ملامحها بعدما فهمت ردها من تعبيرات وجهها، لكنها عادت تبتسم وغمزت لها بمكر:
_مش مهم واحدة واحدة كفاية أن أنتي الصنارة غمزت دلوقتي صح
اتسعت عيني آسيا بصدمة وراحت تسألها بقلق:
_هو باين عليا قوي ياسندس إكده!!
هزت رأسها لها بالموافقة وهي تضحك ثم ردت بثقة تامة:
_أوي كمان والصراحة أنا آسفة بس هو يبقى غبي لو مفهمش.. ده أن مكنش فاهم وبيتسعبط أساسًا
ضيقت آسيا عيناها بغيظ بعد عبارة صديقتها الأخيرة ثم راحت تسألها بتركيز ووعيد:
_طيب والحل إيه؟!
غمزت لها الأخرى بخبث وقالت في متعة ومرح جميل:
_جننيه وخليه يلف حوالين نفسه.. أنتي مش محتاجة للنصايح دي يا معلمة، ده إنتي يترفعلك القبعة بعد اللي حكتهولي حرباية درجة أولى
قهقهت آسيا بقوة لكنها صمتت بعد ثواني وراحت تفكر بلؤم فيما قالته صديقتها للتو وهي تبتسم بنظراتها الشيطانية والاخرى تتابعها وهي تضحك…..
***
كانت فريال تجلس بالصالون وجليلة تجلس على الأريكة المقابلة لها لكنها صامتة وشاردة الذهن، لم تعيرها فريال اهتمام شديد وتجاهلتها تمامًا لكنها لاحظت اختفاء منيرة منذ وقت طويل نسبيًا وهي ليست معهم، فضيقت عيناها بحيرة وقذف بعقلها احتمال أنها قد تكون منخرطة وسط أحد أفعالها القذرة.
بسرعة وثبت واقفة واندفعت تبحث عنها بالمنزل لكن لا أثر لها وكان آخر مكان تبحث به هو مكتب جلال الخاص، اندفعت نحوه وكانت على وشك أن تفتح الباب لكن يدها تجمدت عندما سمعتها تتحدث في الهاتف:
_أنا شوية بليل هاچيلك واسلملك العربون كيف ما اتفقنا وبعدين هديكي الباقي
ضيقت عيناها بدهشة وراحت تتساءل بين نفسها عن هوية المرأة التي تتحدث معها وعن أي مال تتحدث ولماذا ستعطيه لها.. حاولت سماع بقية محادثتها لكن صوتها ابتعد واصبح ضعيف فلم تتمكن من سماعها جيدًا واستمرت على هذا الوضع لدقائق حتى فتحت الباب على مصراعيه ودخلت فانتفضت منيرة بفزع وقد كانت تقف أمام الخزنة وتأخذ منها المال، رمقتها فريال بنظرات مخيفة ثم سألتها:
_بتعملي إيه يامنيرة عندك؟!!
تصرفت بثبات انفعالي بارد وردت عليها وهي تلتفت نحوها:
_وأنتي إيه يخصك.. هتحققي معايا ولا إيه!!
ابتسمت فريال بثقة وتقدمت منها تقول بلهجة جديدة ومختلفة كلها قوة:
_لما اشوفك بتسرقي چوزي يبقى يخصني ونص كمان
ضحكت منيرة ثم أردفت ساخرة وبشراسة:
_اسرقه!!!.. وأنا هسرق چوزي ليه الحمدلله چلال ربنا يخليه ليا مش مخليني محتاچة حاچة
قهقهت فريال بخبث ثم همست لها غامزة بنبرة تحمل كيد النساء القاسي:
_أه بإمارة ليلة امبارح لما سابك وجه نام في حضني مع أنها كانت ليلتك وأنتي ياحسرة كنتي مجهزة روحك على سنچة عشرة وكله راح في الهوا
رأت فريال حمرة الغضب تملأ وجهها كله وعيناها تطلق شرارت الغيظ والحقد فابتسمت بتشفي ونصر ثم تابعت بشراسة ونظرات تحمل التحذير:
_ده بس عشان تعرفي أن چلال لو أنا عاوزاه يرميكي برا هيعملها طوالي انا بس اللي سيباكي تاكلي عيش بمزاچي.. وهو چوزي كان ليا ولساته ليا وعمره ما كان ولا هيكون ليكي.. انصحك تسيبي بيتي وترچعي لبيت ناسك قبل ما أخلي نهارك وليلك كيف الچحيم
اندفعت منيرة نحوها وهتفت بوجهها في نظرة كلها تحدي وغل:
_نچوم السما اقربلك يافريال لا هسيب البيت ولا چوزي وأنا اللي هخليه يطلقك ويرميكي برا
ابتسمت لها فريال باستهزاء واضح دون أن تجيب بينما الأخرى فاندفعت لخارج الغرفة ثائرة وبقيت فريال تبتسم بكل برود ومكر…
***
بتمام الساعة السابعة مساءًا……
فتح عمران باب المنزل ودخل ثم قاد خطواته للداخل وكان بطريقه لغرفته لكن توقف عندما سمع صوت موسيقى عالي نسبيًا منبعث من الغرفة الأخرى فضيق عينيه بتعجب وتحرك بخطواته الهادئة للغرفة، فتح الباب ببطء شديد والقى نظره للداخل فرأى آخر شيء كان يتوقعه.. آسيا ترتدي ثوب حريري ناعم وقصير بعض الشيء وتتمايل مع الحان الأغنية في اندماج كامل.. يتحرك جسدها مع رقصها بإنسابية شديدة ووسطها يميل لليسار واليمين بطريقة متمكنة، كانت كتلة من الأنوثة الصارخة أمامه وهي ترقص بجسدها.. ابتسم بإعجاب ونظرات تصرخ بالمتعة والرضا عن ذلك العرض المغري الذي أمام عينيه.. فمال بكتفه على الباب يستند عليه ويتمعنها.. مدققًا نظره مع كل حركة وتفصيلة صغيرة تقوم بها بداية من حركة يديها المتناغمة مع جسدها لقدميها التي ترتفع لتبرز عن جمالها أكثر.
وسط اندماجه بالمشاهدة واندماجها بالرقص التفتت هي بكل عفوية نحو الباب فتسمرت بأرضها وصرخت مفزوعة بصوت مرتفع عندما رأته فاسكتها هو بصوته الرجولي:
_في إيه اكتمي!
جذبت بسرعة رداء ثوبها وارتدته فوقه تخفي جسدها وتصيح به بغيظ:
_بتعمل إيه عندك.. واقف إكده ليه؟!
ابتسم بخبث وقال:
_كلك نظر ياغزال
توردت وجنتيها من الخجل وبسرعة أسرعت نحوه تدفعه للخارج هاتفة باستياء:
_اطلع ياعمران
رمقها بنظرة ماكرة ثم تركها وابتعد لتغلق هي الباب بقوة وتقف تستند بظهرها عليه تتنفس الصعداء بقوة.. ثواني معدودة وقذف كلام سندس في عقلها فابتسمت بخجل رغم أنها لم تكن تقصد أن يراها وهي ترقص لكن يبدو أنها حقًا أثارة جنونه وإعجابه.. مسحت على وجهها وهي تضحك باستحياء شديد كلما تتذكر نظراته ثم تتطلع لملابسها فتخجل أكثر.
بقت بالغرفة تفكر كيف ستخرج وتعود لغرفتها حتى تبدل ملابسها دون أن يراها.. سنحت لها الفرصة عندما سمعت صوت رذاذ المياه بالحمام فخرجت بسرعة وأسرعت نحو الغرفة ثم أغلقت الباب عليها وبدأت في تبديل ملابسها قبل أن يعود.
خرجت بعد دقائق معدودة وذهبت للمطبخ بسرعة.. لحظات وخرج هو من الحمام ثم تحرك نحو الغرفة وارتدى جلبابه الأبيض وغادر ليتجه نحو الصالة ويجلس فوق الأريكة ثم يبدأ بمشاهدة التلفاز.. كانت هي ستبدأ بتحضير وجبة العشاء لكن صوته المرتفع وهو يهتف:
_آسيا تعالي متعمليش عشا أنا أكلت مش جعان
خرجت من المطبخ بعد دقيقتين واقتربت منه تجلس بجواره صامتة دون أن تتفوه ببنت شفة بينما هو فنزل بنظره بجسدها يتفحص ملابسها الفضاضة عكس ما كانت ترتديه للتو وهي ترقص.. ترتدي عبائة منزلية واسعة وبأكمام طويلة لا تظهر منها شيء سوى رأسها وكفيها، تمعنها بعبوس وخنق ثم أشاح بوجهه عنها وثبته على شاشة التلفاز بينما الأخرى فابتسمت بخبث بعدما رأت نجاح خطتها وتابعت بكل ذكاء، حتى أنها رسمت الغضب والانزعاج على ملامحها بوضوح أكثر.
سمعته يسألها بجدية:
_أنتي بتكلمي فريال؟
اكتفت بهز رأسها بالإيجاب دون أن تنظر له وهي محتفظة بمعالم وجهها المنزعجة فتابع هو بقلق:
_بتحكيلك على أي حاچة مضيقاها من أخوكي أو بيعملها معاها عشان أنا لما بكلمها مش بتحكيلي حاچة؟
ردت عليه بكلمة واحدة بنبرة مقتضبة:
_زينة!
انزعج وتمكن منه الاستياء فهتف بحدة:
_انتي بتنقطيني بالكلام.. مالك قالبة بوزك ليه؟!
نظرت له بدهشة وهتفت في غضب حقيقي وتمرد:
_أنت مش واخد بالك أن من وقت ما چينا إهنه وأنت مش متحمل مني كلمة وعلى كل حاچة بتزعق فيا
مسح على وجهه يزفر بقوة ثم تأفف بنفاذ صبر وتمتم بهدوء على عكس نبرته السابقة:
_طيب اديني هادي أهو مالك بتردي عليا من تحت الدرس إكده ليه
أبت النظر إليه وقالت بتمنع ودلال أنثوي امتزج بعبوسها:
_مليش أنا داخلة أنام تصبح على خير
رفع حاجبه مستنكرًا ردها.. وعيناه علقت عليها وتبتعد عنه متجهة نحو الغرفة فجز على أسنانه بغيظ محاولًا تمالك أعصابه ليقول وهو يمسح فوق فمه ولحيته:
_يارب الصبر من عندك.. إيه النكد اللي على المسا ده!
دخلت هي للغرفة وأغلقت الباب ثم وقفت وضيقت عينيها بحيرة تهتف لنفسها بخوف وضيق:
_هياچي ولا مش هياچي.. لا لا هياچي أن شاء الله حاسة أنه مش هيطنشني ده أنا وسطي اتقطم وأنا برقص صحيح مكنش في نيتي يشوفني بس أهو شاف وخلاص يارب ميروحش على الفاضي عاد
توجهت نحو الفراش وجلست بالمنتصف وهي تضم ركبتيها لصدرها وتضع الغطاء فوقها.. ظلت لدقائق طويلة تنتظره فقالت بالأخير في يأس:
_معبرنيش
اتسعت عيناها بصدمة فور سماعها لصوت خطواته تقترب من الغرفة فابتسمت بفرحة وبسرعة تمددت فوق الفراش وولت ظهرها للباب.. ثواني وانفتح الباب ثم شعرت به يقترب من الفراش ليجلس بجوارها على الحافة وينحني عليها هامسًا:
_آسيا
لم يحصل على رد منها فظنها نائمة ابتعد وقال بخفوت متعجبًا:
_لحقتي تنامي!
اغتاظت من عبارته فهو حتى لم يحاول مجددًا ليتأكد ما إذا كانت مستيقظة أم لا هي لم ترد عليه عمدًا بسبب ضيقها المزيف وهو يقول نائمة!.
اعتدلت في نومتها والتفتت له تقول ساخرة بغيظ:
_اه وباكل رز مع الملايكة كمان.. تعالي اتفضل معايا
فغر عينيه بريبة من ردها وانفعالها فقال بغيظ مكتوم وهو يدفعها بلطف:
_اتخمدي أنا غلطان
وجدته يستقيم واقفًا ويتجه للخارج فعبست ملامحها ولانت حتى أنها شتمت حماقتها فقد أفسدت خطتها بنفسها لكن أسرعت وسألته بحزن:
_رايح وين؟
عمران بنبرة بدت شبه طبيعية رغم أنه منزعج منها:
_هنام برا عشان تعرفي تاكلي رز مع الملايكة زين
وثبت من الفراش واقفة وأسرعت نحوه تعترض طريقه تقول بخوف وعبوس متصنع:
_ خليك چاري أنا بخاف أنام لحالي في الأوضة إهنه
رفع حاجبه ورد ببسمة خبيثة:
_مش كنتي دلوك قالبة وشك فيا ومش بتردي عليا.. إيه اللي حُصل؟
اغتاظت منه ومن استغلاله لكل حركة منها فقالت دون تفكير:
_ براحتك اطلع نام برا
لم يرد فقط ابتسم بخبث وراح يهم بالرحيل وهو على ثقة تامة أنها ستوقفه وبالفعل قبل أن يتخطى عتبة الغرفة أوقفته تقول مستسلمة:
_خلاص خلاص خليك
رمقها بطرف عينيه وهو يبتسم ورغم ذلك كان سيكمل طريقه لكنها عادت مرة أخرى تقف أمامه وتنظر في عينيه هامسة بدلال لا يعرف هل كان متعمد أم عفوي لكن نبرتها ضربت إشارات الأنذار في عقله وذوبت جليد قلبه:
_يامـعـلـم
تحكم بنفسه بصعوبة أمامها بعد عبارته ونبرتها الناعمة ثم رد مغلوبًا يتصنع عدم الاهتمام أو التأثر بها حتى هو فقط سيفعل بسبب الحاحها!! :
_طيب خلاص ده عشان أنا مش مستغني على روحي بس اخاف أنام برا اقطع الخلف المرة دي
لوت فمها وتجهمت ملامحها فرمقته بكرف عينيها في غيظ ثم تركته واتجهت للفراش تتسطح فوقه وهو يضحك عليها وبعد ثواني كان ينضم لها يشاركها الفراش لينام بجوارها كما الحت! .
***
داخل منزل خليل صفوان…
فتحت فريال باب الغرفة ودخلت فوجدت جلال يجلس فوق الأريكة وأمامه بعض الأوراق يقوم بالعمل عليها.. لم تقاطعه ودخلت ثم أغلقت الباب فرأته ينظر لها مطولًا ثم يقول:
_فريال تعالي اقعدي چاري عاوزك في موضوع
غضنت حاجبيها بحيرة ثم تقدمت منه وجلست بجواره تنظر له بفضول في انتظاره أن يبدأ حتى وجدته يسألها بنظرات ضائعة وحزينة:
_بتكلمي آسيا؟
اماءت له بالموافقة فعاد يسألها باهتمام وقلق:
_طيب مش بتشكيلك من حاچة يعني عمران بيعاملها كيف؟!
ابتسمت له وردت بعذوبة وثقة:
_اطمن هما كيف السمنة على العسل
رفع حاجبه ورمق زوجته بدهشة ليتمتم باستغراب وعدم فهم:
_كيف يعني؟!!
ردت فريال ببساطة وهي تضحك:
_يعني كيف ما سمعت ياچلال هو أنا قولت حاچة مش مفهومة
تمتم بجدية وحيرة:
_هو أنا مستبعدش ده بعد ما شفتهم يوم ما كشفت خلود لما مشيت وكان مستنيها برا.. بس عمران كيف خلاها تهدي وتبقى معاه إكده؟!
طال صمت فريال وهي تتمعن النظر به حتى قالت برزانة وثبات تام:
_عشان هو الوحيد اللي چارها.. كان چوزها وأمانها في وقت الكل اتخلى عنها فيه ومكنش فيه حد معاها ولا حتى ياچلال.. عاوزها تكرهه ليه بعد كل اللي عمله معاها رغم أنها حاولت تقتله وهو غفرلها
أطرق رأسه أرضًا بأسى وندم يلوح فوق صفحة وجهه بوضوح.. للحظة اشفقت عليه فقد تبدل وأصبح رجل آخر خسر نصف وزنه تقريبًا ووجهه أصبح شاحب من كثر الهموم.. شعرت بوغزة مؤلمة في يسارها وكرهت قسوتها عليه فهي أبدًا لم تكن هكذا.. تنازلت وقررت التخفيف عنه هذه الليلة لتكون الأولى والأخيرة.
اقتربت منه ورفعت كفها تمسح فوق شعره الأسود وتمسك بيده هامسة:
_اللي عملتوه فيها مش قليل ياچلال وغلطتوا في حقها قوي.. صعب تسامحكم بسهولة بس أنا واثقة ومتأكدة أن آسيا قلبها طيب وحنينة ومسيرها تسامحك أنت وأمها وترجعلكم
نظر لها بنظرات تائهة وعينان مهمومة تحمل من الألم ما يكفيه ويزيد.. رأت في عينيه النادمة طلب الغفران.. لا يكفيه أن تغفر شقيقته فقط هو يحتاجها هي أيضًا.
مهما حدث مازالت تعشقه وقلبها لم يعد يتحمل رؤيتها له وهو بهذه الحالة المزرية وتتصنع القسوة، فلفت ذراعيها حوله واقتربت منه تعانقه بقوة فوجدته يلف ذراعيه حول وسطها ويضمها إليه أكثر ثم دفن وجهه بين ثنايا رقبتها وثواني معدودة ثم سمعت صوته.. كان صوت بكائه وهو يبكي بين ذراعيها كالطفل الصغير الذي ضاع من أمه، شدته إليها أكثر وأخذت تمسح فوق شعره بحنو لتخفف عن روحه المعذبة فسمعته يقول بصوته الرجولي المبحوح:
_اشتقتلك قوي يافريال
أغمضت عيناها وتركت العنان لدموعها أن تنهمر فوق وجنتيها بصمت.. تبكي حزن وألم أنها تعشقه ولا تملك فرصة الغفران.. تريده ولا تستطيع الاقتراب.. تشفق عليه وهو السبب في عذابه…
***
بصباح اليوم التالي في القاهرة…..
بعد خروج عمران من المنزل قررت آسيا أن تخرج وتذهب للمحلات القريبة من المنزل وكانت بنفس الشارع حتى تشتري بعض مستلزمات المنزل من الطعام.. فقد شعرت بالملل وقررت كسره بخروجها لشراء متطلبات المطبخ.
بعد مرور نصف ساعة تقريبًا عادت للبناية وكانت تحمل الأكياس بيديها الأثنين وبينما كانت في طريقها للمصعد الكهربائي سقط كيس من يدها وتناثرت حبات الطماطم على الأرض انحنت بسرعة لتلمهم فوجدت شاب طويل البنية ينحني يجمعهم معها.. بعدما انتهوا من جمعهم استقامت واقفة وهتفت بامتنان في ابتسامة عذبة:
_شكرًا
رد الشاب مبتسمًا:
_العفو على إيه.. عنك طيب اساعدك لغاية الشقة فوق
كان سيهم بحمل الأكياس عنها وهي كانت ستوافق فالحمل ثقيل حقًا ويديها تألمت طوال الطريق، لكن عادت بيدها للخلف بسرعة في خوف وقلق عندما رأت عمران……

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ميثاق الحرب والغفران)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *