روايات

رواية نعيمي وجحيمها الفصل الحادي والسبعون 71 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها الفصل الحادي والسبعون 71 بقلم أمل نصر

رواية نعيمي وجحيمها البارت الحادي والسبعون

رواية نعيمي وجحيمها الجزء الحادي والسبعون

نعيمي وجحيمها
نعيمي وجحيمها

رواية نعيمي وجحيمها الحلقة الحادية والسبعون

– شايفة الحلاوة ياما، شايفة الهنا اللي بنتك هتسكن فيه يا إحسان.
هتفت بالكلمات غادة وهي تنظر من شرفة المنزل الجديد نحو المباني الرائعة والمساحات الخضراء الكثيرة بهذه المنطقة الراقية، لتجعل إحسان تجيب بامتعاض تخفي به انبهارها:
– حلوة يا ختى حلوة، مبروك.
التفت إليها غادة تردد خلفها با ستهجان:
– حلوة ومبروك كدة بس، انتي واخدة بالك ياما؟ بنتك ربنا كرمها وبقى عندها بدل الشقة اتنين، شقتنا الملك اللي كنا هنتجوز فيها، ودي بقى اللي جات لنا فجأة كدة من عند ربنا، انا فرحانة اوي ياما فرحانة قوي
هتفت إحسان تقارعها وهي تجلس على احد المقاعد الخشبية خلفها:
– احنا احنا، في إيه؟ هو انتي خلاص بقيتي متجوزاه رسمي عشان تتكلمي بصيغة الجمع .
ردت غادة على الفور متلهفة:
– خلاص هانت ياما، بعد ما جاسر باشا ادانا الشقة دي عشان إمام يبقى قريب منه، وخلى تكاليف الجواز عليه، خلاص بقى، كلها اسبوعين تلاتة ويتم المراد.
مصمصمت إحسان تصدر صوتًا مستهجن بزواية فمها ثم قالت من تحت درسها:
-الله يهني سعيد بسعيدة ياختي، انا معارفة عاجبك في إيه؟
غمغمت بالاَخيرة بصوت خفيض تجاهلته غادة، لتنهض قائلة:
-طب انا رايحة اعمل لنا كوبايتين شاي على ما يجي إمام من مشواره مع جاسر باشا.
ردت إحسان بسأم:
– وتعملي شاي ونستني ليه؟ مش خلاص وشوفنا الشقة، خلينا نمشي بقى ونشوف اللي ورانا، ابوكي زمانه راجع من الشغل.
همت لتجادلها لعدم الذهاب وترك منزلها الجميل، ولكنها تذكرت لتهتف بعجالة وهي تتناول مفتاح الشقة وحقيبتها لتعلقها على كتفها:
-عندك حق ياما دا، انا يدوبك احصل فرح كاميليا، ياللا بينا.
بوزنها الخفيف وصلت بسرعة للباب الخارجي للمنزل منتظرة والدتها التي كانت تتلكأ بخطواتها تغمغم بغيظ:
– ايوة يا ختي روحي فرح كاميليا، عشان تشوفي خيبتك بالمرة.
❈-❈-❈
ألتفت بفستانها الأبيض الطويل أمام المراَة تطالع هيئتها المختلفة بعد ان أكملت زينتها وتجهزت لليلتها، ليلة ارتباطها به
فرحة من القلب تغمرها، فهذا هو فستانها الذي تمنت إرتدائه، وهذا هو رجلها الذي لم تعشق من الرجال غيره، تحاول السيطرة على خفقان قلبها الذي يتسارع مع مرور الوقت لقرب لقاءه، كل شئ حولها يقارب الكمال ولا ينقصها سوى هي، هي من تجلس على احد المقاعد خلفها الان وانعكاس صورتها أمامها بهذه الطلة الساحرة، وقد تخلت عن طفوليتها ونضجت في اختيار الالوان وقصة الشعر الحديثة وهذا الفستان القصير بزوق اختلف كليًا عن نظامها في الملبس سابقًا، والتزين المحترف، تنهدت بشعور لا تدري كيف لها ان تصفه، وهي تراها كثمرة طازجة في بدء موسمها، لقد كبرت شقيقتها واصبحت انثى تملأ العين وتسر القلب، ولكن تبدوا وكانها واحدة أخرى لا تعرفها وليست من تربت على يديها، وتعلمت تناظرها بفخر وكانت لا ترى في العالم قدوة غيرها.
– حلوة يا رباب؟
هتفت بالسؤال نحو شقيقتها التي كانت مندمجة في الإطلاع على هاتفها، والسماعات في أذنها تستمع لأحدى الأغاني الأجنبية، فرفعت رأسها تطالعها بتساؤل، لتلتف إليها الأخرى تخاطبها بغبطة، تقصد من خلفها فك الجمود الذي تستشعره منها:
-بسألك يعني عشان اخد رأيك، هو الفستان حلو عليا كدة؟ ولا في حاجة ناقصة؟
قيمتها بنظرة سريعة لتردف بلهجة تبدوا عادية:
– حلو الفستان، هو مش انتي اللي نقتيه واخترتيه عشان عاجبك، يبقى بتسالي ليه بقى؟
لا تدري لما شعرت بأن ردها له مغزى ما، ولكنها تبسمت
تجاريها بالقول:
– طبعًا انا اللي منقياه بعد عذاب كمان في الإختيار.
توقفت تتابع في المحاولات معها:
-طب إيه رأيك في تسريحة الشعر ولا المكياج، لايق كدة؟ ولا البنت الميكب أرتست زودت في حاجة؟
قلبت رباب عينيها بسأم لتقف فجأة عن طرف الكرسي الذي كانت جالسة عليه لتقول وهي تلتف عنها:
– ودي محتاجة سؤال يا كاميليا، ما انتي زي القمر اهو، انا هسيبك بقى عشان داخلة الحمام .
– رباب.
هتفت توقفها فور ان خطت قليلًا، لتلتف إليها الأخرى سائلة باستفسار:
– عايزة حاجة؟
نفت برأسها كاميليا لتقول بابتسامة متسعة:
– لا ولا حاجة يا ستي، بس كنت عايز اقولك ان الفستان اللي انتي لابساه يجنن، دي اول مرة تختاري حاجة من غير ما تاخدي رأيي، بس بصراحة مكنتش اعرف ان زوقك حلو في اللبس كدة؟
تبسمت لها الأخرى تقول بثقة وعينيها دنت على ما ترتديه بزهو:
– ما انا كبرت بقى يا قلبي وبقيت اختار لوحدي، بس اديكي شوفتي اهو، بعرف اختار وبختار كويس أوي كمان.
أومات لها كاميليا برأسها تقول بتردد:
– بس انتي مش شايفة انه جرئ شوية؟
أجابتها بهزة خفيفة بكتفها قبل ان تستدير وتتركها
-ومالوا يا ستي، الجرأة مطلوبة برضوا.
راقبتها حتى اغلقت باب الحمام بالغرفة، تتنهد بقلق مازال يقبض على قلبها، فهذا البرود والهدوء الشديد لا يجعلها تشعر بالراحة، لقد قضت الفترة الماضية ملتصقة بها معظم الوقت، تحاول التقرب لفكرها وشرح متواصل عن طبيعة الكائن المؤذي الذي كان سيصبح زوجها في يوم من الأيام، حتى تتعظ هي ولا تكرر خطأها، ثم عقدث مبادرات الصلح معها ومع والدها الذي لم يوافق على إعادة الهاتف سوى اليوم بعد إلحاح كاميليا، مؤجلًا ذهابها إلى جامعتها إلى وقت غير معلوم، علٌها تنسى وتريح قلبها بالإطمئنان عليها، لكن ودت لو توافق بهذا المدعو امين، رغم استنكارها في البداية، لعودة الارتباط لأي فرد من هذه العائلة، ولكن وبعد ما حدث وعلمته عما فعله كارم بعقل شقيقتها، فقد فكرت بالرجل بشكل جدي وسألت جيدًا فعلمت بحسن سلوكه، وهو شديد الإعجاب بها، كما انه عرض بشكل مباشر استعداده للتقدم لخطبتها، ولكن رباب فاجئتها بالرفض القاطع له، حتى انها اخذتها في زيارة لوالدتها التي كانت دائمًا ترفض الذهاب إليها، ولكن كاميليا ألحت بشدة عليها هذه المرة فربما التقرب منها في المرض، يجعل قلبها يرق ويضعف لما حدث معها،
خرجت من شرودها على جلبة صاخبة مع طرق على الباب الذي اندفع فجأة لتلج منه زهرة بطفلها مهللة:
-عروستنا عاملة ايه النهاردة؟
تبعتها غادة التي دلفت خلفها ونوال معها، لتصدح بصوت زغروطة قوية جلجلت في قلب الغرفة لتثير الضحك لكاميليا وهي تقول بحرج:
-الله يخرب عقلك يا مجنونة، دا فندق سياحي يا بت، هتلمي علينا السياح .
ردت غير مبالية بتفكه:
– يا ختي احنا عايزينهم يتلموا عشان نعملها هيصة ونسمع بقى في البلاد الأوربية والفضائيات، وسمعني بقى احلا اغنية شعبية، والنهاردة فرحي يا جدعان، هههه.
ختمت ضاحكة، لتتلقفهن كاميليا بالعناق القوي رغم ثقل فستانها، فما قيمة الفرحة إن لم تشاركها مع صديق أو الحبيب.
❈-❈-❈
وفي داخل الحمام وبعد ان قوست شفتيها بامتعاض على هذه الأصوات الصاخبة التي تصلها من الخارج، ثم التفت على اضاءة الهاتف الذي صدح بإشعار وصول رسالة على تطبيق الوتساب، بعد انتظار دام لدقائق، بعد ارسال تحيتها:
-اهلا رباب هانم… اَخيرًا افتكرتني؟
بعثت على الفور إليه بلهفة:
– إيه اللي انت بتقولوا ده، هو انا عمري نسيتك اصلًا؟ انا بس كان معمول عليا حظر من جميع الجهات، بابا كان اَخد التليفون مني، واخواتي ممنوعين بالأمر ان حد فيهم يديني التليفون بتاعه، دا غير الحبسة أساسًا وعدم الخروج إلا مع حد فيهم.
وصلتها رسالته سائلًا:
– وايه اللي حصل وخلاهم يفرجوا عنك ويرجعوا تليفونك،
اجابته برسالة صوتية مستغلة الصخب الدائر في الخارج:
– انا اضطريت اجاريهم واعمل نفسي مصدقة ومقتنعة، لحد اما كاميليا اقنعت والدي يرجعهلولي، أصلك وحشتني أوي، أوي يا كارم.
ابتسامة ملحة اعتلت وجهه وهو يعيد سماع الرسالة مرة أخرى، فقد تأكد له الاَن، ان القطة الصغيرة مازالت على عهدها، ولم تخرج عن سيطرته كما ظن في هذه الأيام التي انقطعت عن تواصلها معه، فبعث لها مرسلًا:
-وانت كمان وحشتيني، بس انا عايزك تعذري حدتي، اصل بصراحة والدك زودها قوي لما جه يهددني باللي هيعمله لو ما بعدت عنك، بس انا سكت ومرديتش ازعله عشان خاطرك.
قرقضت رباب على اظافرها بتوتر وهي تقرأ الرسالة، ف أمر هذه الزيارة لم يخفى عنها ، فقد سمعت بها من حديث والدها مع كاميليا في اليوم الثاني لشجارها معهما، وكم احزنها هذا الأمر وهي تقطع الغرفة كالمجنونة بعد هذا الحبس الذي فرض عليها، وحرمانها من وسائل الاتصال به، كاد ان يذهب بعقلها من الوحدة:
فردت برسالة ملطفة:
-معلش يا حبيبي، قدر غضبه بقى واعذره، ما هي المفاجأة كمان كانت جامدة قوي.
– عشان خاطرك انتي بس.
بعث بها مقتضبة بغضبب مستتر، فبعثت تغير دفة حديثهم.
– على فكرة انا اشتريت الفستان اللي نقيناه انا وانت اون لاين قبل كدة، وطلع يجنن عليا، مش قادرة اقولك على شكلي دلوقتي وانا لابساه.
بعث لها برسالة ماكرة:
– طب ما تبعتي صور وتخليني اشوف واقرر بنفسي.
بعثها وانتظر قليلًا، حتى اعتدل فجأة عن مقعده بتحفز، وهو يرا النضوج الحديث للفتاة التي تهيم به، فقد ازهرت ثمارها وأصبحت انثى بحق بعد ان ارتدت ما يظهر جمالها المخفي، كبر الشاشة بإصبعيه يتمعن النظر بالأجزاء المكشوفا من الفستان عليها،ثم أرسل لها:
– تجنني، انا كنت واثق من الأول انه هيليق عليكي ويخليكي قمر.
أسعدها غزله فقامت بإرسال عدة صور أخرى لقصة الشعر وزينة وجهها مع رسالة تطلب رأيه أيضًا، طالع الصور في البداية بإعجاب واضح، ثم عقد حاجبيه باستدراك يبعث إليها:
– طبعًا ساحرة مفيش كلام، بس انتي مقولتش ع المناسبة اللي عاملة دا كله عشانها…..
قرأت الرسالة لتبعث إليه بوجه يرفع حاجبه واحد بمكر، وكتبت بجواره:
– يعني انت عايز تفهمني انك مش عارف ان النهاردة فرح كاميليا على طارق؟
كز على أسنانه وتلاحقت الأنفاس بصدره بشكل متسارع مع تذكيره لهذا الإنهزام الذي تعرض له، وما حدث له من توابع تركت اثرها عليه، سحب شهيق قوي واخرجه حتى يهدأ قليلًا من أعاصير وعواصف بداخله، لو أطلق لها العنان لدمرت كل شئ أمامها، ولكنه تمالك لتشغيل عقله كالعادة حتى لا يخسر أكثر مما خسره، فمازال أمامه الكثير، انتبه على رسالة أخرى منها:
-روحت فين مني يا ركام؟ اوعى تكون سرحت؟
تبسم بزاوية فمه، فهذه الصغيرة يعجبه بالفعل ذكائها، فكتب يرسل إليها:
– سيبك من الكلام الفاضي ده، دي حاجة انتهت بالنسبالي، ومش انا الراجل اللي يبص ورا ضهره، انا عيني دايمًا لقدام، ولا انتي مش واخدة بالك؟
ابتسمت هي من محلها لتبعث إليه:
– أكيد واخدة بالي، امال انا اتعلقت بيك ازاي؟
أومأ رأسه برضا ليبعث:
– حلو اوي، طب انا عايز اشوفك النهاردة بقى عشان وحشتيني .
– مينفعش طبعًا يا كارم، بقولك النهاردة فرح اختي.
قرأ رسالتها، ليضغط على أحرف شاشة هاتفه بغضب يبعث له بحزم:
-بقولك وحشتيني، اتصرفي بقى انا لازم اشوفك، ولا انا موحشتكيش؟
❈-❈-❈
في خارج الغرفة.
كاميليا وهي تحمل مجد الصغير بيدها، فكانت تقبله دون توقف مرددة بمرح:
-يا ختي ع القمر يا ناس، ايه يا ولا الحلاوة دي؟ واخدها من والدك ولا والدتك؟
ردت زهرة ضاحكة وهي تشير بيدها نحو نفسها، فاعترضت غادة بقولها
-ايوة بس انتي عنيكي مش ملونة، دي عين ستو
صاحت تقنعهم:
– عين ستو، لكن شكل مين؟
تدخلت نوال هي الأخرى:
– والحواجب يا زهرة، ماهي برضوا مش حواجبك في عقدتهم، الواد دا كله الخالق الناطق ابوه.
رددت باعتراض شاعرة بالظلم:
– الخالق الناطق! حرام عليكي، طب غمازة الدقن دي كمان، عند والده برضوا؟
قهقهت غادة تغيظها بأصبع السبابة تقول:
– غمازة الدقن بس…. دي الحاجة الوحيدة اللي واخدها منك، الواد دا كله ريان يا ماما.
كشرت بوجهها تزداد عبوسًا، وهي ترا اتقافهم عليها بالضحك وإغاظتها حتى قالت توقفهم:
-بس بقى لا جاسر ولا انا، هو شبه جده عامر الريان اساسًا، ولون العيون ال واخدهم من طنت لميا.
قارعتها غادة ضاحكة:
– ايوة كدة اعترفي بالحق.
رددت خلفها:
– اعترف بالحق، طب الواد ده مش ابني دا ابن لميا وعامر عشان تبقوا عارفين.
عقبت نوال ضاحكة:
-اهو كدة فعلا اعترفتي بالحق، انتي الواد دا تنسيه خالص، اول طفل في البيت، بيعلق اكل بيه، نصيحة مني انتي وحطي املك ع اللي جاي .
بعد قليل
حينما عادت من الخارج استقبلها عامر يالتهليل ليتلقف ابنها منها:
– حمد الله ع السلامة، اَخيرًا مجد باشا وصل.
تناول الطفل منها ليلاعبه بمرح ويحتضنه باشتياق مرددًا:
– اَه يا قلب جدك انت، اقسم بالله دا انا كنت موت لو جرالك حاجة.
ربتت على ساعده زهرة قائلة بتأثر:
-بعد الشر عليك يا عمي، ربنا يبارك في عمرك. هي طنت لمياء فين؟
اجاب عامر وهو يجلس بالطفل:
– طنت لمياء مشغولة بقالها يجي ساعة مع جوزك فوق،
عقدت جبينها تطالعه بتساؤل، ليردف لها:
– ما تطلعي تشوفيهم يا ستي، انتي لسة هتسألي؟
اومأت بحرج لتتركه وتصعد لغرفتها، ولجت بداخلها لتجد لمياء على وشك، فتبسمت لها المذكورة تقول بمرح:
– اهلا يا زهرة، مجد صاحي ولا نايم؟
-لا لسة صاحي وبيضخك لجده كمان.
قالتها زهرة فتحركت لمياء للخروج على الفور مهرولة بحماس، فتقابلت انظارها مع انظار حبيبها الذي كان جالسًا أمام حاسوبه، فنهض عنه ليقترب منها يطبع قبل على وجنتيها يقول بعشق:
– اتأخرتي ليه؟ انا مستنيكي بقالي كتير.
ردت بدلال امتزج بخجلها:
– متأخرتش ولا حاجة، هي نص ساعة بالكتير سلمت على كاميليا واديني هلبس اهو واجهز عشان اروح معاك
همت لتتحرك ولكنها اوقفها بقوله:
– استني هنا، هو انتي عرفتي هتلبسي إيه الأول .
اجابته بعملية وهي تذهب،نحو خزانة الملابس:
– ايوة طبعًا، انا كنت شارية فستان سهرة مع طنت لميا من مدة كدة ولس…..
قطعت بنصف شهقة، وهي على مدخل الخزانة لتسأله باستفسار:
– فستان الفرح بتاع مين دا يا جاسر.
اقترب منها ليحتضنها من الخلف، قبل أن يجيبها:
-ما هي طنت لمياء بدلت الفستان بواحد تاني
مالت برأسها للخلف لتطالع وجهه لتساله بعدم استيعاب:
يعني يا جاسر انا مش فاهمة.
لفها لتصبح مقابله، ليقول وهو يعيظ بكفيه على خصلات شعرها المتمردة:
– مش محتاجة فهم يا زهرة، الموضوع كله إحساس، وانا بقى دلوقتي هتجنن عشان اشوفك بيه.
توسعت عينيها تشعر بصعوبة في الفهم، لتسأل وعينها تتنقل من الفستان وإليه:
– تشوفني بيه ازاي يعني؟ انا مش فاهمة حاجة.
❈-❈-❈
في المساء كان الموعد المنتظر
دلفت بخطواتها البطيئة وفستان لامع باللون التركواز الامع، ناسب جســ دها النحيف، بزينة للوجه أخذت بها الشحوب الدائم به، وخطت بأناقة تخترق القاعة المتسعة والممتلئلة بالبشر لتتوقف على أجمل مشهد تخيلته مرارًا ، ابنتها حبيتها التي لم تتخل عنها ولو لمرة واحدة، بالفستان الأبيض المبهر في رقصة رومانسية مع حبيبها الذي اصبح نصيبها بعد طول انتظار، توقفت تحتضن نفسها بأعين ترقرقت بالدموع، لتتابع مع باقي المدعوين حتى تأتي فرصتها للقاء بهم.
على طاولة قريبة كانت تضم ورقية وإحسان الممتعصة دائمًا وسمية وبناتها وغادة التي هتفت منتبهة:
-يالهوي ياما، مش دي برضوا خالتي نبيلة أم كاميليا ولا انا بشبه؟
التفت إحسان نحو الجهة المذكورة تضيق عينيها بتفحص، فتدخلت رقية بقولها:
-ايوة هي يا بت، بس دي خاسة اوي، واتغيرت عن زمان .
– بس لساها حلوة زي ما هي.
هتفت بها إحسان باعين متفحصة، لتضيف بحقد :
-لا ولابسة حتة فستان مخليها ولا العيلة الصغيرة، يا ختي الست دي بتكبر ولا بتصغر…..
قاطعتها رقية على الفور:
-خفي شوية يا إحسان الولية لا توقعي الست وهي تعبانة اساسًا.
كشرت إحسان بوجهها لتقول عاتبة بغضب:
– وانا يعني كنت هحسدها مثلا؟ فيه إيه يا خالتي بس؟
ردت رقية بمهادنة حتى لا تحرجها:
– انا يا حبيبتي بس بنبهك، مش قصدي حاجة وحشة، دا الواحد احيانا بيحسد عياله.
لوت ثغرها إحسان لتشيح بوجهها دون رد ومن الجوار مالت سمية على رفية لتسأل بفضول:
– ليه يا خالتي مالها يعني؟ ما هي ماشاء الله شكلها اهي
عبس وجه رقية بتأثر تجيبها:
– دا مكياج وحلاوة روح يا حبيبتي، انما بس …
توقفت تلقي نظرة خاطفة نحو إحسان، ثم تابعت هامسة:
-الست عندها المرض الخبيث الله يحفظنا، بس هي مخبية مش عايزة تقول لحد .
تغضن وجه سمية لتلتف نحو نبيلة متمتمة بشفقة:
– يا عيني ولا يبان عليها .
على طاولة أخرى لأسرة الريان كان عامر يتابع فقرات الفرح ويلاعب حفيده الذي كان يستجيب له بالضحكات التي كانت تسلب لب قلبه، ليزيد من مداعباته حتى يستمتع برؤيتها، ومن جواره لمياء كانت تنفخ من الغيظ، فهذا الأناني لا يشبع من الإستئثار به، ولا يجعلها تمارس سلطتها كجدة بحمل حفيدها هي أيضًا، فقالت من تحت أسنانها:
– زمان الولد جعان يا عامر، هاتوه بقى خليني اَأكله.
التف إليها يقول بغيظ:
– لا متشليش هم يا حبيبتي، هاني شنطة والدته وانا هعرف أكله
زفرت بعنف تدفع الحقيبة أمامه، وتناولها ليبحث عن زجاجة اللبن الصناعي فقال يسألها بفضول:
– مش ناوية بقى تقولي ابنك ومراته راحو فين؟
ردت بمزاج
– لو قولتك راحو فين؟ هتديني الولد؟.
على الفور هز برأسه بالرفض ليزيد من حالو الرفض حتقام
-لا طبعا مش لازم اعرف، دول اتنين كبار هقلق عليهم مثلا يعني يجو براحتهم بقى.
❈-❈-❈
على أنغام الموسقى الهادئة كان يراقصها، وبعد ان أتم عقد قرانه عليها، لتُصبح زوجته اَخيرًا، بعد طول عذاب واشتياق، تضحك بوجه القمر لتضئ له عتمته، وعيناه تلتهم تفاصيلها بحرمان، لدرجة جعلته معقد اللسان، يضحك فقط دون ان يتفوق بكلمة، مما استفزها لتأخذ هي زمام المبادرة:
– هتفضل ساكت كدة كتير؟
– نعم!
-بسألك عن السكوت الزيادة ده، مش ناوي تتكلم بقى؟
انا زهقت.
– زهقتي ليه،
قالها متبسمًا ببلاهة أغاظتها لتلكزه بقبضتة بخفة على ظهره، فتأوه بميوعة أضحكتها، لتهتف به بابتسامة مستترة، مدعية الحزم:
– بس بقى غلاسة واتعدل معايا. سمعني حلو او قول أي حاجة، هي القطة كلت لسانك .
تحركت رأسه يدعي عدم الفهم، فحاولت بسؤاله:
– طب مقولتش رأيك فيا إيه؟
-إيه؟
قالها لتهتف به سائلة بغيظ:
– انت شايفني حلوة قدامك؟
اتسعت ابتسامته حتى ظهر صف أسنانه الابيض ليردف بتصنع الجدية:
– لا خالص .
– خالص!
رددتها بغيظ لتردف بعدم اكتراث:
– ع العموم انا واثقة في نفسي وعارفة نفسي حلوة .
– يا ولد.
هتف بها ليشدد من اختضانها برقصتهم، ثم همس بجوار اذنها بصوته الدافئ:
-انتي أحلى من القمر نفسه، قالها ثم عاد لعبثه مردفًا:
– امتى بقى الفرح دا يخلص.
❈-❈-❈
وفي جهة أخرى من القاعة لم تغفل عيناه عنها ولو للحظة، منذ أن أتت وخطت بأقدامها امامه، حتى برغم تغير هيئتها عما سبق علمها، فكيف يخطأ معرفتها وقلبه هو من كان الدليل إليها، لم يدر بنفسه حتى اقترب منها وشعرت هي به فالتفت برأسها إليه، لتجده أمامها وقد كبر من السنوات ما يتخطى عمره بمراحل، يناظرها باعين مشتاقة تذبــ حها قائلًا:
– ازيك يا نبيلة.
أومأت بهز رأسها تسبل عينيها التي لا تستطيع النظر بخاصتيه:
– الحمد لله، عامل انت إيه؟
– انا كويس يا ستي، وانتي بقى….
أومأت برأسها دون صوت، وقالت وعيناها قد ذهبت نحو ابنتها التي تتمايل بين يدي عريسها بسعادة:
– متشكرة اوي ليك يا ابراهيم انك سمحتلي أجي النهاردة واشوفها، كاميليا حلوة النهاردة ، قمر بجد.
قالت كلماتها الأخيرة بأعين ترقرقت بها الدموع، وردد من خلفها هو:
– ما هي شبهك يعني قمر زيك.
ردت تغمض عيناها بتعب، بدون ات تلتف برأسها إليه :
– في الشكل الخارجي بس، لكن في الحقيقة هي كلها انت.
سألها بفضول لم يقوى على كبته:
– انا عرفت انك اطلقتي من فترة طويلة، قاعدة فين دلوقتي يا نبيلة؟ هو انتي اتجوزتي تاني؟
نفت برأسها صامتة، لتواجه بصمته هو الاَخر وهو يناظرها بتمعن، وكأنها يستكشف ما بها جيدًا، انتبهت فجأة توقف صوت الموسيقى وهتاف مقدم الحفل يدعو لمشاركة الرقصة الرومانسية مع العروسين، فالتفت تفاجئه بطلبها:.
– ممكن ترقص معايا؟
أومأ لها بكل ترحيب ودون تردد، لينضم معها يراقصها .
❈-❈-❈
خلف مبنى القاعة التي يقام بداخلها الفرح الصاخب، كان جالسًا بداخل سيارته ينتظر، مكررًا نفس الأمر الذي حدث معه هو سابقًا، حينما هربت في يوم زفافها به، ضغط بقبضته على المقود مع تذكره لتفاصيل هذه الليلة وما حدث معه، ولكنه عاد يهدأ نفسه فهو الاَن على وشك رد الصفعة!
التفت رأسهِ فجأة على رؤية هذه الحورية الصغيرة وهي تخرج إليه من خلف المبنى المقابل له، تخطو بتسارع وتتلفت يمينًا ويسارًا حولها، حتى لا يشعر بها احد، ليأخذ فرصته هو بتقيمها من طرق حذائها ذو الكعب العالي على الارض ليرتفع بأنظاره تدريجيًا على السيقان الطويلة ثم هذا الفستان الذي كان لأعلى الركبة الناعمة، ليتمهل على المنحنيات التي احتضنها بدلال، فتنهد بحرارة قبل ان يصل إلى هذا الوجه المستدير بزينته وتسريحة الشعر التي زادتها فتنة، لقد تغيرت وتخلت عن هيئتها العادية لتصبح انثى تخطف الأعين حولها بالفعل .
— هاي.
قالتها وهي تفتح باب السيارة لتنضم إليه بداخلها، تلقاها مرحبًا بالإقتراب ليُقبلها على وجنتيها ولكنها ابتعدت سريعًا محذرة بدلال، جعله يبتسم لفعلها، قبل يستقيم في جلسته ليقول ببرائة:
– دي حاجة بسيطة ع الخد، يعني سلام عادي.
تحرك كتفها لتقول بغنج:
-حتى لو عادي احنا بقى معندناش الكلام ده
أومأ برأسه مستجيبًا بابتسامة ثم حاول تشغيل السيارة ولكنها اوقفته بقولها:
-استنى هنا متدورش العربية، انا مينفعش ابعد لأهلي يستعجلوني ولا يقلقوا عليا دلوقتي في الفرح.
توقف عما هم لفعله ليخاطبها بوجه عابس:
-أهلك اللي حابسينك عشان تبعدي عني .
أومأت برأسها موافقة تقوس شفتيها بفعل طفولي، فاحتد قائلًا لها:
– وانتي بقى هتسيبوهم يقرروا عنك مستقبلك؟ مش هتقاومي ولا تدافعي عن حقك في الاختيار.
أجابته بهدوء يغيظ:
-لأ طبعًا مين قال كدة؟ انا بس بحاول اجاري الجو دلوقتي على ما فرح كاميليا يتم وتروح بيت جوزها وانا بقى بعد كدة هاخد فرصتي مع بابا.
ذكر اسم شقيقتها وذكر إتمام زواجها جعل الدماء تغلي برأسه فهدر بها، على غير أتزانه المعروف:
-فرصتك إيه؟ والدك رافض المبدأ من أساسه، بدليل انه اتجرأ وهددني، لو انتي عايزاني بجد؟ يبقى فرصتك معايا دلوقت، نروح انا وانتي من هنا ونحطهم قدام الأمر الواقع .
سمعت منه لتناظره بنظرة غريبة وكأنها تكشف ما يدور برأسه، ثم ردت بنفس هدوئها:
– انا مينفعش امشي من هنا ولا اعمل اللي بتقوله ده يا كارم عشان انا مش اقل من اللي قاعدة جوا دلوقتي دي، واتعملها بدل الفرح فرحين ….
عقد جبينه صامتًا يستمع إليها، وهي تابعت .
– لو عايزني بجد مش عشان حاجة تانية في دماغك، فخليك متأكد إني مش هتخلى ولا اتنازل عنك، لأن انا محدش يقدر يفرض عليا حاجة يا كارم، بدليل اني رفضت قريبك اللي اسمه امين ده واهو ابن عمك وظابط، و…..
-أمين مين؟
هتف بها ليكمل بحدة:
-امين دا من الفرع الفقير اللي في العيلة، يعني يتشرف بأنه ينتمي لينا، وانتي ازاي اساسًا بتفاضلي بيني وما وبينه؟
عادت تقوس شفتيها لتقول ببؤس:
– وطب وانت بتزعق فيا ليه؟ انا قولتلك ع اللي حصل وقولتلك ع اللي في دماغي، انا كمان عايزاك، بس مش عايزة ابقى اقل من اختي، وانت لو بتحبني بجد استنى شوية بقى، وانا اوعدك اني هنفذ واتجوزك ، ولو معرفتش اقنع والدي، يبقى مروان اخويا هو بقى اللي يسد عنه.
رد مستنكرًا:
– مروان مين؟ هو مروان دا عايش معاكم اساسًا؟ طول الوقت سفر مع اصحابه، ولا له دخل بأي حاجة باللي بيتم في بيتكم .
– عشان عايش مع نفسه، ومتكل ان في اللي بيسد من ورا ضهره، ان كان كاميليا او بابا، لكن بقى لو انت ضميته في صفك بأي إغراء من عندك، مركز في شركتك او فلوس مثلًا، مفتكرش انه هيرفض…
توقفت تقترب بوجهها منه لتسأله بنعومة:
– ولا انا مستحقش يا كارم؟
بهذا القرب المهلك ابتلع المذكور ريقه فعلمت هي بتأثريها عليه، ليجيبها ويده تطبق على ذراعها المكشوف تقربها إليه وهو يردف بصوت متحشرج:
-انت تستاهلي الدنيا كلها.
قالها وما ان هم بتقبيلها حتى باغتته بدفعه عنها، وخرجت على الفور من السيارة لتردف امام ملامح وجهه المذهولة بابتسامة مستترة وكأنها لم تفعل شئ:
-حاول متنمش النهاردة، عشان هخلص الفرح واكلمك على طول، اصل وحشني اوي الرغي معاك، يالا بقى باي يا قلبي .
ختمت تلقي إليه بقبلة في الهواء على أطراف أصابعها، ثم استدرات على الفور تعدوا بخطوات مسرعة نحو العودة للقاعة في الجهة الأخرى.
ظل هو متصلبًا ينظر في أثرها لعدة لحظات حتى استفاق يمسح بكفه على شعر رأسه وجانب وجهه حتى توقف ليغمغم ضاحكًا:
– مطلعتش ساهلة القطة الصغيرة….. دا باين اللعب معاها هيبقى مشوق بجد. على مدخل القاعة كانت تفرك بكفيها بعصبية، وتجول بعينيها باحثة كل دقيقة في الخارج عنه، لقد تأخر كثيرًا، كثيرًا جدًا وهي في انتظاره، وهو لم يأتي ولا حتى رب عمله ولا زهرة زوجته، تتمنى من الله السلامة وألا يكون هذا التأخير بسبب سوء حدث معهم.
شهقت بارتياح فور أن رأته يأتي قادمًا بخطواته السريعة نحوها، حتى إذا وصل إليها تلقفته بالسؤال على الفور:
– توك ما واصل يا إمام؟ دا الفرح قرب يخلص.
اجاب لاهثًا وهو يدخل بها لدخل القاعة:
– فرح ايه اللي يخلص بس يا غدغود؟ هو لسة ابتدى أساسًا؟ ع العموم معلش لو اتأخرت عليكي.
ردت بقلق:
– مش موضوع تأخير، بس انا قلقت عليك جامد يا إمام، خصوصًا وإن جاسر الريان مجاش ودا فرح صاحبه، ومراته صاحبه العروس تبقى صاحبة مراته وشغاله عنده، يبقى ليه التأخير دا بقى؟
نظر إمام نحو ساحة الرقص التي بدأ رقص الكابلز فيها مع العروسان، فقال وهو يتناول كف يدها ويسحبها معه:
– تعالي بس الأول نجرب الرقص الرومانسي وبعدها تكمل كلامنا، هي طارت يعني؟
– لا مطارتش بس….
قاطعها بقوله الحاسم وهو يخترق بها قاعة الرقص:
– ما قولنا بعدين يا غادة، مش قادرة تصبري يعني.
اضطرت مذعنة تسلتسم لإلحاحه ولشعور البهجة الذي يغمرها بشدة في القرب منه
❈-❈-❈
وكأن الزمان لم يمر ولم يلقى منها جرح عمره، بين يديه وهو يراقصها برزانة تقارب الرتابة، نظرَا لتقدمهما في العمر، ولكنها وبرغم هذا الضعف الذي يراها اللاَن، عليها يجد نفسه يتذكرها بطفوليتها وسنين زواجه الأولى بها، قبل ان تتراكم عليه الهموم ويضيق الحال ويتبخر العشق في الهواء، ليذهب لمكان اَخر وليس منزلهم، ثم تأتي اليوم بعد كل هذه السنوات ويراها فينبهر بحسنها وينسى معه كل شئ، فلا يرا سواها يستعين بصورتها القديمة، ليستعيد ولو بالوهم سعادة غابت عن قلبه منذ رحيلها عنه.
كان منفصلَا عن الواقع معها وهي تميل بين يديه تناظره بامتنان يكفيها نظرة الحنان في عينيه وغفران قلبه لها، يكفيها فرحتها بابنتها التي تطالعها كل دقيقة منذ أن ولجت لساحة الرقص معها بسعادة تكمل فرحتها بأن تشاركها بهذه الرقصة الرومانسية، لقد استراح قلبها اَخيرًا ولم تعد تخشى شئ .
❈-❈-❈
خدت بالك من جوز العصافير دول يا طارق؟
همست بها إليه بفرحة تطل من عينيها وهي تومئ برأسها نحو والديها اللذين يتراقصان بشاعرية بالقرب منها، نظر طارق نحو الجهة التي تُشير إليها فعاد إليها يقول بمشاكسة:
– دا شكل الميا هترجع تانى لمجاريها ولا إيه بس؟
ردت بوجه جدي:
– ياريت، بس للأسف المشكلة في ماما نفسها قبل بابا، لأنها مش عايزاه هو بالذات يعرف بمرضها، نفسها تفضل على صورتها القديمة الجميلة قدام الكل وخصوصًا هو .
– دي بتحبه بقى
رددها بتخمين أكدته هي بابتسامتها وقولها المتأثر:
– بس اكتشفت دا متأخر قوي .
شعر طارق بالحزن التي اكتسى ملامحها فقال سريعًا ليُعاود إليها مزاجها الرائق:
– على فكرة بقى انا عاملك مفاجأة تجنن .
سألته بفضول:
– بجد طب هي إيه؟
رد متبسمًا بصوت طقة طقة بفمه:
– وهتبقى مفاجأة ازي بقى لما اقولك؟
قالت بلهفة لم تقوى على كبتها:
– ماتبقاش رخم بقى وقول على طول .
تبسم يقول بمرح:
– يا بنتي بقولك اصبري، دي هي كلها دقايق بس .
❈-❈-❈
عادت للقاعة مرة أخرى بعد أن أنهت لقاءها مع كارم، وأثبتت له ولنفسها انها بقدر التحدي، نعم هو تحدي بالنسبة لها، لقد حذرتها شقيقتها منه ومن غموضه الذي يجذبها إليه، ورأت بنفسها ما كان ينتوي عليه منذ قليل معتقدًا أنه يستطيع استغلالها في رد الضربة بالإنتقام من شقيقتها، ولكنها كانت زكية حينما لم تغفل عن ذلك وعرفت كيف تصده دون خسائر، فهي ليست بالغباء الذي يجعلها تضيع فرصة مثله بهذه الإعتقدات التي أردفت بها شقيقتها عنه، توقفت لتشاهد مجموعة من صديقات الجامعة لها، وهن يتمايلن بهيام على الأغنية الرومانسية وأعينهم تفيض بالإعجاب والحسد نحو كاميليا وطارق الذي يناظرها بوله في رقصتهما معًا، تنهدت بعمق وهي تتمتم بداخلها:
-لقد حان موعدها لكي تثبت نفسها هي الأخرى،
لتحظى بفرح كهذا ورجل كهذا أيضًا، هي ليست بالقليلة حتى لا تستغل جمالها في الحصول على ما تبتغيه، وليست لقمة سائغة، حتى يستغلها أي من كان، حتى لو هذا هو كارم نفسه الماكر الوسيم
❈-❈-❈
على الطاولة التي ضمت عدد من الافراد التي أتت من الخارج من أسرة طارق، مثل والدته وشقيقته الصغرى كانت لينا ووالدتها هي من يشاركهم الفرحة لحكم الصلة الأخوية التي أسسها طارق على مدى العديد من السنوات.
قالت والدته بتأثر وعينها مثبتة على العروسان:
– بسم الله ما شاء الله، عروسة طارق طلعت قمر فعلًا، يعني مكنش بيكدب في الوصف.
ردت أنيسة بابتسامة ودودة وفرحة تغمرها سعيدة بجمع شمل طارق مع من أحبها بالفعل:
– مش جمال بس، لا دي كمان ادب وشخصية محترمة من كله، بصراحة مكنتش اتوقع انه بعد العك اللي عكه دا كله يقع في واحدة بالصفات دي، متأخذنيش يا هانم، بس انتي عارفة ابنك.
قالت الأخيرة ضاحكة للمرأة التي تقبلت مزاحها تومئ برأسها موافقة، تدخلت شقيقته في الحديث قائلة بانبهار وبعض الكلمات الأجنبية:
– ( أخويا دا خبير في الستات) My brother is an expert in women، يعني عرف ينقي كويس يا مامي .
سمعت لينا لتلوي ثغرها قائلة بامتعاض:
– مش بالخبرة يا ماما، دا حظ يا قلبي، واخوكي دا ماشاء الله حظه نار .
ارتسم على وجه الفتاة على الذهول، لتنتبه انيسة فلكزت بمرفقها على خصر ابنتها تقول ضاحكة:
– معلش يا حبيبتي هي كدة مدب في كلامها، أكيد طارق حكيلك عنها مش كدة.
أومأت الفتاة بابتسامة استفزت لينا:
– هو فعلًا حكيلي عنها، لانه دايمًا كان بيشبهني بيها
عشان طولة لسانها معاه .
تحفزت لينا وبرقت فيروزيتيها بشر قابلته الفتاة بتوسع ابتسامتها لتردف لها:
– بس معرفش يوصف انها بالحلاوة دي.
ضحكت أنيسة مع ارتخاء ملامح ابنتها لغزل الفتاة، والتي ردت برقة غريبة عنها:
– مرسي اوي لزوقك.
أضافت والدة طارق على قول ابنتها:
– على فكرة هو مكانش بيشبهك بيها عشان طولة اللسان وبس، لا دا عشان هو دايمًا بقولها كدة قدامنا، انا عندي اختين، واحدة في كندا والتانية في مصر .
تبسم وجه لينا لكلمات المرأة، وبدا التأثر على وجه أنيسة رغم إظهارها العكس، وحتى لا تغوص لذكريات الماضي غيرت لتسأل عن الفتى الصغير ذو الملامح الأجنبية والذي كان يلهو مع ميدو شقيق كاميليا في جانب وحدهم:
– هو دا ابن طارق؟……
أجابتها المرأة بابتسامة ذات مغزى قائلة:
-أكيد طارق حكالك عنه؟
أومأت أنيسة برأسها بتفهم، لتجفل على نهوض ابنتها فجأة من جوارها وهي تقول مستئذنة:
– طب يا جماعة عن اذنكو بقى، انا هروح اشوف واحدة صاحبتي.
أوقفتها أنيسة فور أن تحركت بأقدامها:
– رايحة فين يا بنت؟-
– بقولك رايحة اشوف واحدة صاحبتي يا ماما، الله.
قالتها بنزق قبل أن تعدو متهربة من سؤال آخر، لتخترق بخطواتها الساحة الضخمة بعدد الأفراد التي تجمعت على النغمات الرومانسية تشاهد رقصات الكابلز من العشاق او المتزوجين لمشاركة طارق لهذه اللحظات الرائعة.
وهي تبحث بعيناها عنه والهاتف على أذنها ولا تدري بنظرات الأنبهار التي تتبعها، أينما ذهبت لجمالها الخاطف واناقتها الغير عادية بدون مجهود منها، بفضل رشاقتها وسلاسل الذهب التي اطلقتها على ظهرها، ولون عينيها البديع مما جعل الغيرة تدب في قلب الاَخر وهو يراها تقترب منه بابتسامة متلهفة، ليبادلها بوجه عابس متجعد:
-اخيرًا جيت يا نيازي؟
قالتها فور أن اقتربت منه، فرد بامتعاض:
– ويارتني ما جيت.
سألته بعدم فهم:
– ليه بتقول كدة يا نيازي؟ دا انا مصدقتش نفسي لما عرفت انك وافقت تيجي فرح طارق، رغم الخلافات اللي مابينكم دايمًا.
زم شفتيه يقول بقرف وهو يشير على زينة وجهها وما ترديه من فستان سهرة يحبس الأنفاس بالصــ در:
– الحلاوة الزيادة دي يا لينا، خفي يا ماما شوية، دا حتى كتر الحلو يجيب غممان في النفس .
رفرفرت بأهدابها تناظره بازبهلال لتسأله باستفسار:
– اه يعني انت كدة قرفان مني عشان حلوة ولا إيه مش فاهمة؟
زاد تجعيد بوجهه ليشير على ما حوله قائلًا:
– انا مستفز من كله يا لينا، البهرجة الزيادة دي، والمصاريف اللي بيصرفها قريبك اللي اهبل ده، على ليلة، ليلة واحدة يا لينا؟
– طب وانا إيه ذنبي في دا كمان؟
قالتها بقلة حيلة وقد ارهقها نقده الغير مفهوم، فغمغم بصوت خفيض وكأنه يحدث نفسه:
-انتي فعلا ملكيش ذنب، بروجوازية متعفنة
تسائلت باستفهام
– انت بتقول حاجة يا نبازي؟
تبسم لها وهم ان يجيبها بتفزلك كعادته، ولكن أجفله توقف صوت الموسيقى، ثم تحدث هذا الرجل العريس قريبها في الميكرفون.
❈-❈-❈
هتف طارق ممسكًا بالميكروفون بعد أن قطع الرقصة الرومانسية فجأة قبل انتهائها ليحيط بنظرات الجميع نحوه باهتمام:
– يا جماعة ممكن شوية انتباه معلش.
جذب الانتباه والتفت معظم الرؤوس نحوه بتساؤل عما ينتويه وأولهم كانت كاميليا التي كان يقتلها الفضول لمعرفة الاَتي، فتابع هو وعيناه تتنقل من الحضور وإليها:
– في البداية كدة حابب اهني نفسي بعروستي الجميلة قدامكم.
قالها بمغازلة صريحة لها اَثارت الضحكات والغمزات، لتغزو ابتسامة سعيدة محياها رغم خجلها من فعله، فاستطرد بعد ان اشاع جوا من المرح:
– الحاجة التانية بقى اللي عايزكم تعرفوها عني، هي عن حلم كان دايمًا بيروادني أنا واتنين صحابي واحنا صغيرين، اصل صداقتنا كانت قوية اوي لدرجة كانت بتخلينا ناخد عهود مع بعض ان جوازنا احنا التلاتة هيبقى في يوم واحد….. كبرنا بقى وكل واحد شاف حاله بس الصداقة فضلت قوية ومنقصتش أبدًا، لكن القدر كان له كلمته…… وكانت البداية لما اتخطف واحد مننا في عز شبابه وراح لربنا ودا كان رمزي الله يرحمه….
توقف متاثرًا وعيناه اتجهت نحو أنيسة التي تكتفت بذراعيها تحتضن نفسها والدموع تساقطت على وجنتيها مع تذكر فقيدها، فبعث لها قبلة في الهواء فتقبلتها بابتسامة خففت عنها وبادلتها بمثلها، فتابع هو حديثه للجميع وقد تلقى دعم بلمسة من كف كاميليا على ذراعه:
– صديقي التاني بقى يا جماعة، ودا يبقى جاسر الريان واكيد انتو عارفينه طبعًا وعارفين انه اتجوز وخلف كمان ودا معناه ان الحلم راح……..
توقف ليهتف بصوت اعلى وعيناه تتجه للخلف ويجذب الأنظار معه:
-لكن مع جاسر الريان مفيش مستحيل .
ختم جملته لتُظلم فجأة القاعة ثم انطلقت الإضاءة الصاخبة نحو الجهة المقصودة مع صوت الموسيقى المحفز، لتزداد مع العاب نارية كثيفة حتى انفتح الباب فجأة فظهر شبح عريس وعروسه لم يتبين وجههم جيدًا، فصدح صوت طارق كمقدمٌ إذاعي مخضرم:
– سادتي سادتي اَنساتي اقدم لكم جاسر الريان وزوجته زهرة في عيد جوازهم الأول بيعيدو فرحتهم من تاني مع فرحة العبد لله.
كشفت عنهما الأضاءة بشكل كامل مع ازدياد الالعاب النارية الكثيفة وصوت الموسيقى التي تغيرت لأخرى رومانسية، ليلج جاسر الريان بحلتة السوداء وبيده زهرة التي كانت ترتدي فستان الزفاف الأبيض وقلبها يضرب بهذه المشاعر المختلطة من الفرح والخجل والإنبهار، وجاسر يدعمها بلف ذراعيه حول خصرها من الخلف لتواصل التقدم مع التصفيق الحار من الحضور ، والذي رافقه تعليقات مرحة من طارق:
– رحبوا معايا يا جدعان بالعروسين اللي جاين يبرشطوا على فرحي انا وعروستي.
صدرت الضحكات العالية مع استمرار التصفيق الحار وابتسامة رائعة من جاسر الذي استقبله صديقه بالعناق الحار، لا يدري من منهما يهنئ الاَخر، وكاميليا التي ارتمت تحضن صديقتها بأعين ترقرقت بها الدموع لهذه المفاجأة التي هزتها من الداخل كزالزل، ثم سحبها طارق لتخلو ساحة الرقص للاخرين، ليأخذا دورهم في الرقصة الرومانسية..
❈-❈-❈
تناول يدها يقربها إليه لتصدح الأغنية التي أوصى عليها منذ البداية
الليلة دي سيبني أقول وأحب فيك
وانسى كل الدنيا دي وغمض عينيك
الليلة دي سيبني أقول وأحب فيك
وانسى كل الدنيا دي وغمض عينيك
ده أنت نور حياتي عمري كل أملي
شوق الدنيا كله مش كتير عليك
والله كل حاجة فيا بتناديلك
أيوة كل حاجة فيا بتناديك
الليلة دي سيبني أقول وأحب فيك
وانسى كل الدنيا دي وغمض عينيك
الليلة دي سيبني أقول وأحب فيك
وانسى كل الدنيا دي وغمض عينيك
بقلب يرتجف بداخلها حتى كانت تتماسك بصعوبة لتندمج مع خطواته في رقصتها، حتى خرج صوتها باهتزاز:
– يا نهار ابيض يا جاسر، انا مش قادرة احرك رقبتي ولا احط عيوني في عيون حد انا مكسوفة اوي.
قهقه يقول بمرح:
-وتتكسفي ليه بقى؟ هو احنا بنعمل حاجة غلط؟ انا عايزك ترفعي راسك قدام الكل، انتي مرات جاسر الريان
تبسمت تجيبه بتذكر:
– انا فاكرة كويس الجملة دي لما قولتيهالي في اول يوم جوازنا، بس بصراحة اول مرة احسها بجد، انا مرات جاسر الريان .
طبع قبلة فوق جبينها يقول هو الاَخر:
– وانا كمان فاكرك كويس اوي شكلك لما شوفتي الفستان اللي كنت محضره لفرحنا انه مكانش الأبيض اللي بتحلمي بيه، ساعتها كان ممكن الغي ولا انزل اجيبلك الفستان واعمل احلى فرح، بس انا وقتها كنت خايف اخسرك وسط المخاطر اللي كانت بتهددني.
ردت وأعينها تفيض بالإمتنان:
– عشان كدة حبيت تراضيني في عيد جوازنا وتحققلي الحلم.
– وكان عندي استعداد كمان اعملك فرح احلى من دا كمان، بس دي كانت فكرة طارق، ايه رأيك بقى عاجبك ولا نعيد بفرح لوحدنا.
سأل الأخيرة بوجه تعلوه الجدية فاقتربت هي مشددة باحتضانه تردد بدموع الفرح:
– راضية يا حبيبي والله راضية بأي حاجة منك، كفاية ان ربنا رزقنا بيك، ربنا ما يحرمني منك
❈-❈-❈
كدا برضوا يا طارق، دي حاجة تخبيها عني برضوا؟
قالتها كاميليا بلهجة باكية معاتبة، قابلها طارق بابتسامة مبتهجة وهو يقبلها على أعلى رأسها كترضية قبل أن يجلسها على مقعدهما المخصص ويقول وهو يجلس بجوارها:
– معلش يا قلبي بس دي كانت تحمكات جاسر، دا زهرة نفسها مكانتش تعرف غير من ساعات قليلة.
تسائلت بعدم تصديق قبل ان تستدرك بفطنتها:
– معقول!…. اه صحيح دي جانتي النهاردة وسلمت عليا ومكانش باين عليها أي حاجة، بس انتو وجاسر بقى لحقتوا تعملوا الترتيبات دي كلها إمتى، حتى ميعاد الفرح حددتو بالظبط .
انتفش صــ دره يجيبها بزهو:
-عشان تعرفي بس ان جوزك جامد وبنعرف نخطط ونظبط بالتمام .
ظهرت أسنانها البيضاء مع ابتسامة زادت من فتنتها، فتابع هو:
– بس الحق يتقال، طنت لميا كان ليها فضل كبير، في شرا الفستان اللي يناسب زهرة وتظبيط المواعيد مع الميكب ارتست، والفوتيسيشن
كمان!! طنت لميا كانت معاكم في الخطة دا انتو عصابة بقى.
هتفت كاميليا بعدم استيعاب قبل ان تنتبه على اقتراب شقيقتها لتخاطب طرق بمرح:
– ايه يا عم الجو ده؟ دا انتو فرحكم هيبقى ترند بكرة ع السوشيال .
رد طارق بتفاخر:
– احنا يا ماما مش محتاجين نعمل جو، اسمنا لوحده ترند.
ضحكت رباب قبل أن تجفلها شقيقتها بسؤالها:
– كنت غايبة فين يا رباب؟ انا بقالي فترة طويلة مش شايفاكي في الفرح.
تبسمت رباب تقارعها بتفكه:
– حتى وانتي مع عريسك بترقصي يا كاميليا، وعينك برضوا بتدور علينا؟ ما تقولها حاجة يا عم انت.
تقبل طارق مزاحها ليخاطب كاميليا مصتنعًا العتب:
– عاجبك كدة؟ أديكي جيبتلنا الكلام، مش مسيطر انا خالص معاكي .
استجابت كاميليا تشارك الضحكات مع الأثنين، بابتسامة مضطربة، قبل ان تقول رباب بغرض طمأنتها:
– انا مندمجة مع اصحابي في ركن لوحدنا في القاعة يا كاميليا، اندمجي بقى وعيشي فرحتك، احنا كبرنا يا ماما، معدناش صغيرين.
ردد خلفها طارق:
– بتقولك كبروا واندمجي مع عريسك، ما تندمجي يا ست انتي معايا وخلصينا .
هده المرة الضحكة خرجت من القلب، حديثه المبهج دائمًا لها.
❈-❈-❈
قال عامر وهو يناظر زوجته مضيقًا عينيه بارتياب بعد أن علم بما فعلته مع ابنها لفعل هذه المفاجأة:
– مطلعتيش ساهلة يا لميا، بقى بتخططي وتنفذي من من غير ما تقوليلي .
ردت لميا بابتسامة وغبطة تغمرها وهي تتنقل بالنظر إلى عامر وابنها الذي يراقص ز وجته:
-مش محتاجة تخطيط يا حبيبي، انت عارف من الأول ان انا هوايتي في البس وتنظيم الحفلات، وزهرة انا خلاص حفظتها وعرفت اللي بيعجبها في اللبس واللي يليق عليها كمان، يعني شطارة مني برضوا.
قالت الاخيرة بثقة جعلته يتخلى عن تصنع الغضب ليقول بارتياح:
– برافو يا لميا، بجد عجبتني، بصراحة مكنتش اعرف ان عندك المواهب المدفونة دي، لا وكمان بتعرفي تداري.
تبسمت تحرك كتفيها بزهو لتقول له:
-بجد يعني انت مبسوط مني يا عامر؟
بادلها الإبتسامة عامر قبل ان يقبل حفيده الذي كان وكأنه ينصت متفهمَا الحديث، ليقول:
– طول ما انتي بتفكري في مصلحة ابنك وسعادته مع مراته، يبقى لازم انبسط يا حبيبتي.
اسعدها الحديث وإطراءه فتشجعت على الفور تقول لها
– طب مدام كدة، يبقى كدة إديني الولد بقى، جلجل ضاحكًا فهم أن يغيظها بالرفض كالعادة، ولكنه في الاخير أشفق بعد أن ارتسم البؤس على ملامحها، فقال وهو يناولها الطفل.
– زي بعضه يا لميا، ما انتي في النهاية تبقي ستو برضو.
شهقت تتناوله، لتتمتم وهو تقبله:
– الف ليك شكر ليك يا عامر، كويس انك فاكر اني جدته وليا حق امسكه زيك.
غمغم هو ضاحكًا:
-عشان تعرفي بس اني راجل عادل، ومش أناني .
❈-❈-❈
وصل خالد مع زوجته التي كانت متأبطة ذراعه إلى الطاولة الجالسة عليها رقية ومعظم افراد عائلته التي كانت رؤسهم ملتفة نحو ساحة الرقص، القى التحية بكل هدوء وهو يجلس نوال على إحدى الكراسي معهم:
– مساء الخير، عاملين إيه يا جماعة؟
هتفت به صفية فور أن انتبهت إليه:
– توك ما واصل يا خالي؟ دا احنا قولنا انك مش هتيجي النهاردة من التأخير.
ضحك صامتًا فقالت رقية بارتياب:
– لا يا ختي وداخل مع المحروسة ولا كأنه شايف بنت اخته اللي بتتــ جوز جديد النهاردة.
رد بابتسامة متوسعة:
– مش واخد بالي ازاي بس ياما؟ دا انا اللي كنت بحضر مع جاسر وطارق من اول البداية لحد ما حضرت معاهم الفوتوسيشن من شوية .
شهقت رقية ومعها صفية ووالدتها التي قالت بذهول:
– وفوتوسيتش كمان! يعني حركات العرسان اللي بنشوف فيديوهاتم وصورهم اليومين دول.
رد خالد وهو يومئ برأسه:
– وبكرة كمان ينشرها ع النت وتبقى قلبان، حقهم.
– الله دا انا هشيرهم واهزيعهم في كل حتة، خلي الناس كلها تشوف اختي بالفستان الأبيض مع عريسها .
هتفت بها صفية بفرح، لتقول رقية وهي تخاطب ابنها وزو جته مضيقة عينيها:
– يعني كل الفترة اللي فاتت قاعدين بتخططوا وتنفذوا من ورايا، انت والسهنة اللي معاك .
ردت نوال بدفاعية:
– الله يا خالتي، وانا داخلي إيه بس؟
ردت رقية:
– بس يا بت بطلي سهتنة.
ضحكت نوال فتولي خالد بالرد:
– ياما متبقيش حمقية، احنا كنا عاملينها مفاجأة لزهرة، يعني كان لازم الكتمان، طب بذمتك انتي نفسك مفرحتيش.
صمتت رقية تناظره بصمت ثم مالبثت ان تغزو الإبتسامة محياها وهي تقول:
– غلبنتي يا بن ال…. انت والسهنة بتاعتك .
قالتها وضحك جميع من على الطاولة حتى محروس الذي كان جالسًا يراقب بصمت، يستدرك انه لم يفكر ابدًا في هذا الأمر، أمر فرحة ابنته الحقيقة.
❈-❈-❈
قال إمام وهو يلف ذراعه حول كتفي غادة الشاردة في النظر نحو جاسر وزهرة على ساحة الرقص:
– عاجبك المنظر يا عسل، ولا نفسك تعملي زيهم؟
التفت إليه بجذعها ف تطالعه من جلستها لتقول بصدق:
– نفسي نبقى زيهم .
هم ليرد ولكنها قطعت عليه لتردف مصححة ما بدر برأسه خلف عباراتها:
– انا قصدي ع المحبة يا إمام، عشان تبقى فاهمني صح، مش ع الفلوس ولا الهيلمان إللي عملينه ده.
رد على الفور منفعلًا:
– طب ما هو انا بحبك يا بت، ولا انت مش واخدة بالك؟
حركت رأسها تقول بتمني:
– انا مش قصدي على دلوقت يا إمام، انا قصدي على بعد الجواز، نفسي تفضل تحبني كدة على طول، وما تزهقش منك ابدًا.
افتر فاهه يضحك بعبثية مقهقهًا يقول بمغزى:
– باينك غلبانة ولا ايه؟ طب دا انا بعد الجواز هتشوفي مني الحب الحقيقي بالفعل… مش بالكلام.
ختم غامزًا بعيناه، فكتمت على فمها تخبئ ضحكتها الخجلة، ليزيد هو بمشاكساته وضمها بذراعه نحوه، فصدر صوت مصمصمة شفتين معترضة من إحسان الجالسة على نفس الطاولة خلفهم، فعلى بصوته هو لها:
– ليلتك فل يا حماتي، شدي حيلك بقى لفرحي أنا وغادة اللي باقي عليه أقل من اسبوعين.
امتعض وجهها أكثر تقول على مضض:
– ربنا يهني سعيد بسعيدة
استمرت بعد ذلك فقرات الفرح برقص الأربعة بالعصا وعلى الاغاني الشعبية والتصوير مع الأحبة حتى انتهت الليلة لتكون من اجمل ليالي العمر .
❈-❈-❈
– إنت وخدني ورايح على فين يا جاسر؟
سألته زهرة وهي تراقب الطريق المتغير الذي تقطعه السيارة بعد ان افترقوا عن عامر ولمياء ومعهما الطفل، قال جاسر والذي كان يقود السيارة بنفسه هذه المرة والحرس خلفه بالسيارة أخري:
– احنا مش اتفقنا ان الليلة فرحنا من جديد، يبقى نكمل بقى .
سألته باستفسار:
-نكمل إيه؟
تناول كف يدها بقبله ليقول بابتسامة رائعة منه:
– نكمل يا قلبي بأني هخدك نقضي الليلة لوحدنا في الشاليه بتاعنا، بتاع شهر العسل، ولا انتي نسيتي؟
شهقت بجزع تعقب على قوله:
– يالهوي يا جاسر، انت عايزني ابعد واقضي شهر العسل وابني مش معايا؟
ارتفع حاجبيه يجيبها بمرح:
-يا ست انتي بقولك الليلة بس لو حدنا، مجد باشا هيجي بكرة الصبح مع والوالد والوالدة ، يعني انا وانتي هنقضي بس الساعات اللي باقية دي من الليلة، نفسي نبقى لوحدنا شوية يا زوزو.
قال الاَخيرة بنظرة مترجية كطفل جعلتها تستجيب بابتسامة حانية قائلة:
– تمام، عشان بس عارفة ومطمنة على ابني مع جده وجدته.
اشرق وجهه بالفرح ليلتف إليها برأسهِ مهللًا بحماس :
– يعني هنعيدو من تاني يا زهور، دي هتبقى ليلة ولا ألف ليلة.
ختم يطبع على كفها عدة قبلات محمومة جعلتها تضحك حتى أشاحت بوجهها عنه نحو النافذة، لتُخفي بكفها على فمها بخجل.
❈-❈-❈
فتح باب الشقة الجديدة بعد ان جهزها منذ شهور لتصبح هي اول من يدخلها من النساء ويبدأ معها صفحة جديدة لها وحدها، هي من احتلت كيانه ولا أحد غيرها ينافسها في قلبه.
– خشي برجلك اليمين يا عروسة.
قالها متفكهًا حتى جعلها تضحك وهي تخطو للداخل مرددة:
– تمام حاضر، برجلي اليمين اهو .
اغلق الباب خلفها ليتبعها بنظرات وهي تتأمل الأرجاء حولها تقول بتأثر:
-الشقة حلوة يا طارق، مكنتش اعرف انها بالجمال ده.
– جمال إيه وهو في بعد جمالك.
قالها بنبرة شقية جعلتها تلتف إليه لتنتبه على وقفته بجوارها وعيناه مثبتة عليها بازبهلال، ترتسم على وجهه ابتسامة عريضة، فقالت بمناكفة:
-اَخيرًا اتفكت عقدة لسانك يا طارق؟ وسمعت منك كلام حلو وكمان.
– لا دا انا هسمعك حكايات مش بس كلام.
قالها وهو يلقي بعلاقة المفاتيح على الطاولة القريبة بإهمال، ليكمل وهو يخلع سترة حلته:
– مش انتي اَخيرًا دخلتي برجليكي القفص، دا انا هسمعك كتير اوي.
رددت خلفه باستنكار تخفي به توترها:
– قفص يا طارق!
رد وهو يلف ذراعيه حولها يقول بلهجة عابثة:
– عش الزوجية يا قمر، بس احنا بندلعه ونقول قفص.
قالت مستجيبة لمرحه:
– يا شيييخ، مكنتش اعرف….
قطعت بعد أن باغتها واقتنص شفتيها بقبلة مشتاقة وقد نفذ صبره، حتى إذا افلتها قال بنبرة جدية بعشقه:
– كاميليا انا من النهاردة معرفش من الستات غيرك، حطي دي في بالك كويس .
اومأت برأسها ترفرف بأهدابها بحالة من التفهم تدعيها، ليكمل بعد ذلك ويدخلها معه في دائرة عشقه ويبدأ معها حياة جديدة.
❈-❈-❈
بعد عدة ايام
كان يقود سيارته بعد أن أنهى نوبته المسائية بقسم الشرطة، ليمر داخل الطريق الذي منع نفسه عنه منذ اسابيع، وقد ظن انه يستطيع نزعها من عقله، ولكن قلبه الخائن أبى ان يرتاح ويريحه، ليلبي نداؤه بأن يروي ظمأه بنظرة منها، أو ربما يجد فرصة، توقف في نفس المكان الذي ظل ينتظرها فيه منذ شهور يراقب خروجها في هذا الوقت للذهاب للجامعة كي تستقل سيارة أجرة للذهاب نحو الجامعة.
اجفل من شروده على طرقة قوية على زجاج السيارة ليتفاجأ بشقيقه هو من يدنو برأسه نحوه، ليقول بعد أن ان قام بفتح باب السيارة وحده لينضم معه في الأمام:
– الباشا بيعمل إيه هنا؟
تبسم امين يجيبه بسؤال:
– انت إيه اللي جابك؟ بتعمل ايه يا عم حسن في المنطقة دي؟
ضحك المذكور يجيب وهو يفرك كفيه ببعضهم:
– انا جيت هنا اعاين الموقع الجديد واتفقت مع المقاول على الأسعار، قطعت الشارع وكنت عايز اوقف تاكسي واروح، قوم اتفاجأ بحضرة الظابط امين واقف بعربيته، دا إيه الصدف السعيدة دي؟
توقف، ليتابع بالسؤال:
– لكن انت واقف هنا ليه؟
تبسم امين يتحمحم بحرج ليجيب وهو يدير محرك السيارة:
– لا دا انا كنت مستني واحد صاحبي بس انا….
قطع بعد أن تفاجأ برؤيتها وهي تعدو كفراشة بخفتها، لتجعل قلبه يرفرف برؤيتها، فتعود إليه هذه المشاعر التي حاول كبتها طوال الايام الفائتة، شرد بها حتى اثار انتباه شقيقه الذي ركز في النقطة التي ينظر إليها امين، قبل ان يصطدم برؤية السيارة السوداء بصاحبها المعروف والتي توقفت فجأة امامها ودلفت هي بها لتذهب نحو وجهتهما.
فعاد امين بجسده للخلف محبطًا بضيق، فسأله حسن:
– مين البنت دي؟ انت تعرفها؟
– كنت هعرفها.
قالها أمين مبهمة أثارت شك شقيقه ليعود بسؤاله الاَخر:
– بس دي ركبة العربية مع كارم ابن عمك طاوس العيلة.
تابع حسن باستدراك:
– معقول تكون دي البنت اللي اسمها رباب اللي انت كنت عايز تتحوزها؟
اومأ أمين برأسه ليدير السيارة مخرجًا تنهيدة طويلة ببؤسه، ليصل إلى حسن ما يحزن شقيقه فقال بحدة:
– انا قولت من الأول، ما فيش حاجة اسمها حب ياعم، بلا عشق بلا كلام فارغ!
-اظنكم عرفتوا مين حسن دلوقتي وعرفتوا ان امين كمان معانا في الرواية الجديدة

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نعيمي وجحيمها)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *