روايات

رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الفصل الأول 1 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الفصل الأول 1 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) البارت الأول

رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الجزء الأول

وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2)
وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2)

رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الحلقة الأولى

على صوت القاريء الشجي وهو يتلو باَيات الله الكريمة، عبر مذياع الراديو على بكرة الصباح، تململت بفراشها، تُغالب توسلات جســ دها التي تطالبها بالراحة، والإستسلام لدفء الفراش، ولو بيوم واحدًا فقط، تنسى به مسؤلياتها والوجبات المطالبة بها، تعيش لنفسها، لنفسها فقط ولو لمرة واحدة، ألن يأتي هذا اليوم؟
– شهد يا شهد، هو انتي لسة مصحتيش؟ شهد….
-خلاص قومت اهو
هتفت بها مقاطعة وهي تعتدل بجذعها عن الفراش نحو محدثتها نرجس زو جة أبيها الراحل، والتي ردت ببعض الحرج:
– صباح الخير، معلش بقى يا حبيبتي، بس انا خوفت للتأخري عن شغلك.
أومأت لها بهز رأسها متمتمة برد التحية قبل أن تنزل بأقدامها على الأرض لتقول وهي تلملم بيديها شعرها كي تعقده بعقدة خلف رأسها:
-صحي بقية البنات بس عشان يلحقوا الفطار معايا .
ردت نرجس وهي ترتد بأقدامها لخارج الغرفة:
-هوا على ما قومتي انتي بس وجهزتي نفسك، هتلاقيهم كلهم معاكي ع السفرة .
خرجت المرأة واتجهت شهد بروتينية تلتقط المنشفة البيضاء قبل أن تخرج خلفها نحو الحمام القريب، والذي كان في اَخر الطرقة مجاورًا لغرفة أبيها الراحل، بالطبع مرت في البداية على المطبخ، ف انتبهت على اصوات همس وزجر نرجس لابنتها الوسطى، أمنية، رفعت شهد حاجبًا مستهجنًا لتقول وهي تكمل طريقها:
-يا صباح يا عليم يا رزاق يا كريم، مالكم كدة ع الصبح؟
رردت نرجس خلفها بصوت متلهف وهي تخرج لها رأسها من مدخل المطبخ:
-ولا حاجة يا حبيبتي، متشغليش نفسك أنتي.
رمقتها شهد صامتة دون أدنى استفسار، قبل أن تمسك بمقبض باب الحمام وتدلف إليه، تدعي التجاهل وبرأسها تعلم تمام العلم أن الموضوع لن يحيد عن طلب النقود .

بعد قليل
كانت شهد قد فرغت من صلاتها وارتداء ملابسها بإهمال كالعادة، مع انشغالها المستمر في التحدث عبر الهاتف، حتى وهي تخرج لتتناول وجبة أفطارها على مائدة السفرة مع شقيقاتها ونرجس والدتهن :
-ايوة يا عبد الرحيم العمال عددهم كمل عندك ولا لسة؟……
سمعت منه لتهتف بعصبية وهي تجلس على مقعدها:
-إيه؟ بتقول عشرين بس، يا نهار ابوكم اسود ودول هيكملوا اليوم ازاي بس؟ اتصرف يا عبد الرحيم وكملهم تلاتين ع الأقل، عايزين ننجز يا عم الحج، إنت عارف ان الوقت قصير….. معلش الله يخليك حاول تتصرف، واللي حضروا دلوقتي، خليهم يحطوا إيدهم في الشغل على طول….. تمام، اقفل بقى دلوقتي، وانا هتصل عليك بعد ربع ساعة عشان اطمن .

أنهت المكالمة لتتناول قطعة من الخبز، لتغمسها في طبق الفول قبل أن تضعها بفمها وتلوكها على عجالة، متعمدة عدم الالتفاف أو الإنتباه نحو الهمهمات بجوارها من قبل شقيقتها أمنية ووالدتها، ف اتجهت للناحية الأخرى مخاطبة أصغر عضو في العائلة، رؤى:
-عاملة إيه يا بت؟ ما حدش سامع صوتك يعني؟
ضحكت لها المذكورة ثم ردت بابتسامة:
– والله انا باكل وانا ساكتة، شايفاكي مشغولة في التليفون، ومش عايزة اضايقك .
تطلعت شهد في شقيقتها ذات الأربعة عشر عامًا، بملابس المدرسة وابتسامتها الرائقة دائمًا فقالت لها عن حب:
-والله يا ريت كل الناس زيك كدة عندها إحساس، محدش كان زعلني أبدًا.
قالت شهد كلماتها بمغزى لم يؤثر في أمنية التي على صوتها لتقول :
-شهد انا كنت عايزاكي في موضوع.
صمتت شهد على وضع رأسها لعدة لحظات قبل أن ترفعها إليها بتأني، تخمن بعقلها الذي سوف تطلبه أمنية، وكم سيُكلفها، فهي لا تكف أبدًا عن الطلب والإلحاح فيما تطلبه، دون النظر لأي اعتبارات أخرى.
– نعم يا ست أمنية، عايزة إيه؟ من الصبح شايفاكي بتفركي ومش قاعدة على بعضك، قولي وطلعي اللي في جوفك، قولي
سألتها شهد بسأم وهي تتناول قطعة صغيرة من الجبن، قبل ان تضعها بفمها، لترد أمنية سريعًا غير اَبهة بلكز والدتها بغرض إثناءها:
– انا كنت عايزة اسألك على ابراهيم ابن خالتي، لما طلب إيــ دي منك امبارح، رفضتيه ليه؟
توقفت شهد عن مضغ الطعام لتُرد بصدمة:
– وانتي مين اللي لحق يقولك ع الموضوع ده؟
أوقفت شهد لتتجه بأنظارها نحو زو جة ابيها الراحل نرجس والتي أسبلت أهدابها بخزي قائلة:
– انا مكنش قصدي اقولها، بس لساني بقى زلف مني من غير ما اقصد.
صاحت أمنية بصوت عالي مستنكرة:
– يا سلام، ولهو انتوا كنتوا عايزين تخبوا عني حاجة زي دي كمان، دا مستقبلي، وانا بس اللي ليا حق اقرر فيه.
هتفت شهد ترد غاضبة، متجاهلة الرد على الهاتف الذي كان يدوي بالإتصال بجوارها:
– وتعرفي ليه بقى والطلب اساسًا مرفوض؟ لا عنده مؤهل دراسي يناسب شهادتك، ولا حتى بيشتغل زي بقية الناس، دا غير إنك صغيرة اساسًا ع الجواز والارتباط…
قاطعتها أمنية بحدة قائلة:
– لا مش صغيرة. انا مخلصة كلية دلوقتي ومستنية نصيبي، واهو جه نصيبي، أيه بقى اللي يأخرني تاني؟ ابراهيم مبيشتغلش لكنه مقتدر بفلوس ابوه العطار، اما حكاية التعليم، دي متستهلش الكلام اساسًا، عشان انا موافقة بين حتى لو كان بشهادة اعدادية، مش شهادة دبلوم.

ضربت شهد بكفها على منضدة السفرة وهي تنهض عنها قائلة بحسم:
– لكن انا مش موافقة اجوزك واحد صايع، قعدته غير بس ع القهاوي وعن حكاوي النسوان، وانا هنا المسؤلة يعني انا اللي اقرر وانتهى .
اردفت كلماتها وتناولت هاتفها لتتحرك نحو غرفتها، لتأتي بباقي اشياءها للعمل، غير اَبهة بصرخات أمنية وكلماتها المسمومة:
– يعني إيه قرار وانتهى؟ ولا هي فاكرة نفسها عشان بتصرف ومشغلة البيت، يبقى هتتحكم فينا ومستقبلنا، لا بقى انا لا يمكن اسكت، وديني لاطربقها على دماغكم لو ما حصل واتجوزت ابراهيم، ولا هي عايزاني اكبر لسنها وواصل للتلانين واعنس.

بداخل غرفتها كانت تصل إليها الكلمات كخناجر حادة، تدعي التحلي بالقوة والصبر، وبداخلها تود الصراخ كطفل صغير بوجه هذه التافهة وبوجه والدتها ومواقفها المائعة دائمًا بغير حسم لرد قوي نحو ابنتها وجحودها، مسحت دمعة خائنة قبل أن تتناول قبعة رأسها( الكاب) لتغطي شعرها، كما تغطي على باقي معالم انوثتها بهذه الملابس الواسعة للغاية، وتناولت علاقة المفاتيح. وخرجت على الفور متجهة نحو الباب الخارجي وقد خلت الصالة من ثلاثتهن، بعد ان سحبت نرجس ورؤى أمنية ليغلقن عليها الغرفة بالداخل من أجل تهدئتها ، أمسكت شهد بمقبض الباب وقبل ان تخرج توقفت على قول رؤى وهي تنهر شقيقتها:
-ما تتلمي بقى وخلي في عينك حصوة ملح، عايزة تتجوزي قبل اختك وتعملي انتي كمان زي فريال، وهي شهد دي ايه؟ هتعقد متحنطة لجوزاتكم انتو بس؟ تشقي وتتعب عشانكو انتو بس؟ ولا هي مش بني أدمة عشان تشوف نفسها؟
صدح صوت أمنية الغاضب:
-نعم يا حبيبتي، والشغل دا بقى ورثاه من مين؟ مش من ابويا؟ شغالة مقاول وبتاخد على قلبها الآفات مع كل شغلانة بتعملها من مكتب ابويا اللي مديراه، يعني مش من مالها الخاص.
صاحت بها رؤى:
-الله يخرب بيتك، وهو المكتب دا بيشتغل لوحده؟ ما تقوليلها حاجة ياما البت دي.
-اقول إيه بس با بنتي؟ انا تعبت معاها.
إلى هنا واستكفت شهد لتغادر من المنزل، ف زو جة أبيها الراحل، كالعادة تنتهج الطريق السلبي وكأنها ليست معنية بكل ما يحدث حولها، تاركة الهم وهذا الحمل الثقيل لها وحدها، ولينكسر ظهرها حتى، ف من سيشعر بها أو يرفعه عن كاهلها؟

❈-❈-❈

وفي مكان آخر
في منزل مسعود ابو ليلة والذي كان يتناول وجبة أفطاره حينما تفاجأ بقبلة سريعة على جانب خده الأيسر جعلته يرفع رأسه إليها متفاجًا:
-وه دي الجلعانة صحيت؟
ضحكت صبا وهي تطوق بذراعيها على عنقه من الخلف تقول بدلال:
– جلعانة على حس ابويا، حد له حاجة عندي؟
وجه رأسه إليها يقول مقارعًا كالعادة:
– اه يا بت الكلب انتِ، هو دا اللي انت فالحة فيه.
قهقهت تشدد بذراعيها لتقبله على الجهة الأخرى وهو يدعي الضيق:
-يا بت بطلي ثغرنة (ميوعة) ع الصبح انا مش فاضيلك .
صدر صوت زو جته والتي كانت خارجة من المطبخ بصنية الشاي:
-ولو متفضلهاش هي؟ أمال هتفضى لمين؟
ناكفها مسعود بجرأة ونظرة ذات مغزى :
-افضالك انتي.
قالها لتطرق زبيدة برأسها مسبلة أهدابها عنه، بابتسامة مستترة بخجل، وكأنها فتاة صغيرة، ف تعلقت أنظار مسعود بها حتى جلست على كرسي المائدة بجواره، نزعت صبا ذراعيها لتشاكسه بشقاوة مع متابعتها لأنظار أبيها التي لم يرفعها عن زو جته
– نحن هنا يا عم ابو ليلة.
إنتبه عليها الاَخير فسألها باستدراك:
– مجولتليش يعني، إيه اللي مصحيكي بدري؟
ردت صبا وهي تحرك أقدامها لتستدير عنه بتهرب:
– ما انت عارف يا بوي، النهاردة رايحة الشغل اللي قولتلك عليه
ضغط مسعود بأسنانه على طرف أسفل شفته بغيظ وهو يتابع تهربها منه، مغمغًا داخله بغيظ وكلمات حانقة، غير قادر على منعها بعد هذا الوعد الذي قطعه لشهد بسببها.

❈-❈-❈

استيقظ على صوت المنبه المجاور لرأسهِ على الكمود، فرك بكفهِ على عينيه قليلًا بانزعاج حتى تمكن من الاستيقاظ ليغلقه، ف انتبه على الفراش الخالي جواره، انتفض على الفور ينهض وينزل قدميه إلى الأرض، بعد أن لمح خيالها بشرفة الغرفة التي كانت مفتوحة، وستائرها الحريرية تتطاير أمامه، خطا حافيًا على أقدامه كي لا تشعر به ، حتى أذا وصل إليها، لف ذراعيه حول جذعها من الخلف يجفلها، ف انتفضت شاهقة بصوتها الرقيق تردد:
-يخرب عقلك يا مصطفى خضتني، حرام عليك بجد في اللي بتعمله فيا ده، بجد حرام.
قهقه يقبلها أعلى رأسها، يشتم رائحتها العطرة ليقول بهيام:
– صباح الفل والياسمين، الجميل صاحي بدري وسايب السرير بارد جمبي ليه؟
ضحكت نور متنعمة يغمرته وهي تجيبه:
– اعمل إيه طيب؟ ما انا لقيت نفسي صحيت بدري، ومقدرتش استنى في السرير، قولت اشم هوا وامتع عيوني شوية بمنظر الخضرة في الجنينة.
قبلها مرة أخرى مصطفى والتف معها نحو ما تقصده، فقال با ستمتاع:
– فعلا عندك حق، مفيش احلى من اللون الأخصر ع الصبح مع نسمة البرد الجميلة، والوجه الحسن اللي بين إيديا .
ضحكت نور بسعادة تكتنفها مع كل كلمة غزل تسمعها منه، وقالت بعشق:
-ربنا ما يحرمني منك يا مصطفى، انت بقيت بالنسبالي الروح، روحي اللي بعيش بيها.
رد مصطفى بصوت متحشرج:
-وانتي قلبي اللي من غيره أموت.
-سلامة قلبك.
قالتها نور على الفور بجزع، قبل أن تجفل على صوت بوق السيارة الذي صدح من خلفها، ف التفت مع مصطفى، للأسفل نحو البوابة الحديدية الضخمة التي فتحت على مصراعيها، لدخول سيارة عدي عزام شقيق زو جها والذي انتبهت على تشنجه واحتداد عينيه من خلفها متابعة دخول الاَخر حتى وصل إلى مدخل القصر الداخلي، فترجل بزهو ليترجل ليتناول سترته يعلقها على ذراعه قبل ان ترتفع رأسهِ إلى الأعلى ليغمز بطرف عينه، وهو يلقي تحيه بكف يده ألى مصطفى وزو جته، قبل أن يغلق باب السيارة، ويكمل ليصعد الدرجات الرخامية قبل ان يدخل القصر، خرج صوت نور لتسأله مستغربة:
– هو اخوك خرج امتي عشان يلحق يرجع بدري كدة ؟
تبسم ساخرًا مصطفى وهو يرتد بأقدامه للخلف قبل أن يرد بغضب وهو يعود للداخل:
-دا على أساس بقى إنه قضى ليلته في البيت اساسًا!

❈-❈-❈

عاد أمين من وردية عمله الصباحية، ليلج لداخل منزل الأسرة الذي ترعرع به، ويجمعه بوالدته وشقيقيه حسن، هم أن يهتف بالأسم عليهما ولكنه توقف على صوت الأغنية التي تصدح من مذياع الراديو بالشرفة الكبيرة بالصالون.

يا صباح الخير ياللي معانا
الكروان غنى وصحانا
والشمس طالعه في ضحاها
والطير اهي سارحه في سماها
يالله معانا .. يالله معانا
يا صباح الخير ياللي معانا
ياللي معانا

اقترب منها ليجد والدته تدور بالدورق المخصص، على كل أصيص، لتسقي النباتات والزهور المزروعة به، تبسم ليُلقي التحية، وهي التي كانت تدندن مع كلمات الأغنية انتبهت لترفع رأسها إليه فتطالعه بابتسامة رائقة لوجهها الصبوح ونظارتها الطبية ذات الإطار القديم:
-صباح الفل يا ست الكل.
– صباح الهنا على عيونك .
قالتها مجيدة وهي تضع الدورق على الأرض لتكمل وهي تقترب منه:
-جيت في الوقت المناسب، يالا بقى عشان تفطر معايا أنا واخوك، هو صحي و وزمانه خارج دلوقتي من اؤضته.
قبلها امين على أعلى رأسها المغطى بحجاب صغير، وقال بصوت مجهد:
– معلش بقى خليها وقت تاني، انا هموت وانام اصلًا.
قالها وتحرك، أوقفته مجيدة قبل أن يبتعد:
– يا حبيي طب كُل لقمة وبعدها ريح براحتك.
ربت بخفة على ذراعها قبل أن يكمل ابتعاده عنها:
-تسلميلي يا ست الكل، أنا وأكلي لقمة خفيفة في القسم قبل ما اجي، اشوفك الضهر بقى.
في طريقه كاد أن يصطدم بشقيقه المهندس حسن، والذي كان خارجًا من غرفته، ف قهقه له ضاحكًا بالتحية قبل أن يتجاوزه الاَخر ليدلف لغرفته ويغلقها عليه، ف اقترب حسن ليجلس على مائدة الطعام ويشارك والدته، والتي تنهدت بقنوط قائلة:
– حاله مش عجبني.. وانت كمان مش عجبني، ونفسي اعرف اخرتها إيه معاكم؟
قالت الأخيرة بعصبية جعلت حسن يضحك لها وهو يتناول كوب الشاي ويحرك سكره بالملعقة ، فقال بدفاعية:
– الله يا ست الكل وانا ذنبي إيه بس؟
هتفت بسخط:
– عشان ولا واحد فيكم فرحني ولا جبر بخاطري، وانا هموت وابقى جدة، هتمعلوها امتى بس؟ لما اموت!
– صلي ع النبي يا ماما، ليه العصبية دي بس؟
قالها حسن يمتص غضبها ثم تابع:
-ع العموم انا بعمل اللي عليا وبحاول، وعلى ايدك، كذا مرة نعمل محاولات خطوبة وجواز، وتتفركش على اخر لحظة، لكن النصيب بقى.
رددت مجيدة خلفه متنهدة بتأثر؛
– اَه النصيب، النصيب ده اللي خلى اخوك يتعلق بواحدة مش حاسة بيه ولا شايفاه اساسًا، وهو برضوا مش قادر يشوف غيرها..
قال حسن رغم تأثره هو الاَخر:
-انا واثق إنه لو لقى بنت الحلال اللي يحبها وتحبه، أكيد هينسى الدنيا معاها، مش بس صحبتنا دي.
تبسمت مجيدة تقارعه ساخرة، وقد انقلب مزاجها للمرح فجأة:
-شوف يا خويا مين اللي بيتكلم؟ انت يا حسن!
ضحك المذكور يدعي الخجل والغضب:
– يوووه بقى عليكي يا مجيدة، هو انتوا شايفني جبلة ومبحسش يعني، ولا إيه بس؟
قهقهت مجيدة بضحكاتها توميء برأسها مما جعله يدعي البؤس متابعًا:
-طب جامليني طيب، في وشي كدة؟ لدرجادي انتوا واخدين فكرة وحشة عني؟

❈-❈-❈

إنتهى من تمريناته الصباحية في صالة الالعاب، ثم خرج بجذعه العاري يصعد درجات منزله الضخم حتى الطابق الثاني، بحيوية ونشاط وقد تخلى عن العرج الذي صاحبه لعدة سنوات، بفضل إرادته الفولاذية وتصميميه على النجاح حتى في هذا الأمر.
هم ان يدخل إلى جناحه ولكنه تراجع فجأة ليذهب إلى الناحية الأخرى في الغرفة التي اتخذتها زوجته لتصوير فيدوهاتها كي تنشرها على صفحاتها المشهورة على وسائل التواصل الإجتماعي.
بدون استئذان فتح مقبض الباب بهدوء ليتابعها وقد كانت واقفة تستند بجذعها على السور الحديدي الصغير لشرفتها، بهذا الرداء الرياضي، تيشيرت بحمالتين ملتصق بجذعها وقدها المهلك، بعد أن نحتت اجزاء وكبرت أجزاء أخرى، وبنطلون في الأسفل ضيق بشدة هو الاَخر، تتحدث بثقة وإسهاب، وهي بالفعل تصور الان.

– زي ما انتو شايفين كدة حبايبي بجمال الخضرة اللي ورا ضهري دي، انا بحب الطبيعة ومقدرش اعيش من غير ما استمتع بريحة الورود ولا الشكل الأخضر للزرع، حتى بشرتي محبش استخدم معاها غير منتجات الطبيعة، عشان كدة بنصحكم لو عايزين بشرتكم تبقى حلوة زي بشرتي، استخدموا المنتج ده، دا مفيهوش اي مواد كيماوية، جربوه مش هتخسروا حاجة ولا انتوا مش عايزين تبقوا زيي كدة .
ختمت تضحك بغنج قبل أن تغلق الكاميرا، لتنتبه على تصفيق كارم من خلفها:
-برافو برافو.
وكأنها كانت تعلم بوجوده تحركت بروتينية دون إجفال مرددة بتهكم تسبقه:
-اهلا حبيببي نورت الدنيا، دي ايه الطلة العزيزية دي؟تبسم ساخرًا وقد فهم مقصدها، ثم اقترب يلف ذراعيه حولها ويقبلها من وجنتيها مرددًا بحرارة وكفه تلامس النعومة على ذراعها المكشوف .
-قطتي وحشتني، غريبة دي؟
ناظرته بتشكك قائلة:
-بجد؟
ازدادت ابتسامته اتساعًا وتسلية ليردف وقد ارتفعت يداه ليمسح بإبهامه على شفتيها المكتنزة بفعل عمليات التجميل:
-معقولة حبيبتي تشك في شوقي ليها؟ لا لا انا كدة أزعل.
قالها ثم اقتنص قبلة قوية أجفلها بها، لكنها استجابت بعد لحظات معه حتى تعمق وطالت قبلته، قبل أن ينزعها فجأة سائلًا:
– مقولتيش بقى، من إمتى بتعملي إعلانات؟
رفرفرت بأهدابها الكثيفة تستوعب، ف ردد هو:
– انا بسألك عن الإعلانات اللي بتعمليها للفانز على صفحتك، زي المنتج اللي كان في إيــ دك من شوية، بتعمليها من إمتى بقى؟ والمقابل بتاعها قد إيه؟
تغضنت ملامحها مع تغيره المفاجيء ليُذكرها بتسلطه المعتاد على كل تحركاتها، حاولت أن تنزع نفسها عنه، ولكنه شدد ليعصرها يين ذراعيه قائلًا بفحيح:
-إيه يا قلبي؟ انتي عايزة تبعدي من قبل أنا ما اسمحلك؟
هتفت تنهره بغضب:
– إنت عايز إيه يا كارم؟
برقت عينيه ليردف لها مشددًا على الكلمات:.
– عايزة اعرف كل قرش دخلك من جميع الإعلانات اللي عملتيها الفترة اللي فاتت، أنا أقدر اجيب حسابك في البنك بكل سهولة، بس انا حسيبك انتي اللي تقولي بنفسك.
طالعته بضيق تكظم غيظها، فقال يزيد عليها بمداعبة أسفل ذقنها:
– حبيبتي ريري، هو انتي فاكراني عايز اعرف عشان اخدهم يعني؟ ولا انا محتاجهم مثلًا؟ مية مرة اقولك يا قلبي اللعبي زي ما انتي عايزة… بس تحت عيني، يعني ما تخرجيش عن محيطي أبدًا.
ظلت على وضعها تطالعه عينيها بصمت، حتى قال اَخيرًا قبل أن يفك ذراعيه عنها:
– منتظر منك بكرة ان شاءالله تقرير مفصل، بس دلوقتى بقى، تعالي عشان عايزك.
قال الأخيرة وهو يسحبها من كف يــ دها، تشبثت أقدامها بالأرض تسأله:
-عايزني فين؟
تبسم لها غامزًا بعينيه:
-بقولك وحشتيني، وبالمرة كمان عشان تشوفي الفستان اللي اخترتهولك لحفل الليلة.
اوقفته مرة أخرى:
-حفل إيه اللي احضره؟ وفستان أيه اللي عايزني البسه؟
رد بملامح ينتابها الضيق:
-حفل مرور سنة على شراكتي مع عدي عزام، لسة في أسئلة تانية؟ ولا اقولك..
قال الأخيرة ليجفلها بحمله لها بين ذراعيه قائلًا:
-عايزين نخطف لنا شوية وقت بقى، قبل الإستاذ عمار ما يشرف من حضانته، ولا إيه؟

❈-❈-❈

أمام مراَتها وبعد أن لفت الحجاب جيدًا، تناولت قلم الكحل لترسم عيونها الواسعة كالعادة فتُظهر لونها المختلط بين الخضرة والبندقي والتي ورثتها عن عائلة والدها التي تتميز بهذه الصفة، رغم وجودها في قلب الصعيد، على بشرة خمرية امتزجت بحمرة طبيعية وسمار محبب يلفت الأنظار نحوها كالمغنطيس لهذا السحر الذي كان نتاج زو اج أبيها ذو البشرة البيضاء مع والدتها السمراء لدرجة تماثل اللون البني، من خارج عائلته بعد أن وقع في عشقها وتحدى بها قوانين عائلته، بأن يتزوج ابنة عمه او إحدى اقاربه من نفس العائلة، أسفر هذا الزو اج، عن خمسة أبناء تنوعت صفاتهم الشكلية ما بين الاسمر كوالدته او الأبيض كالوالد، ولدان وثلاث بنات تزو ج الأربعة الكبار في الصعيد من نفس العائلة، واستقروا هناك، فلم يتبقى سوى صبا اصغر الأبناء والتي تحدت ورفضت كل من تقدموا من أقاربها حتى يأس منها والدها وجاء بها مع زبيدة زو جته من الصعيد واستقر بهم هنا منذ أكثر من سنة، بعد تنقله لعدد من السنين لا يذكر حصرها بين العمل هنا والذهاب ومتابعة شئون العائلة والأولاد في الصعيد.

القت نظرة شاملة برضا على ما ترتديه من فستان بالون البني الفاتح، وحجاب تنوعت الوانه بلون الفستان والأبيض، فلم يتبقى سوى وضع حمرة خفيفة على شفتيها، وتناولت حقيبتها لتخرج حتى تلحق موعدها مع العمل الجديد، بخطوات مسرعة، وقبل أن تصل للباب اوقفتها والدتها بالنداء بإسمها:
– استني هنا عندك رايحة فين؟.
التفت إليها بدهشة تجيبها:
-يعني هكون رايحة فين بس؟ ما انا قولتلك ياما إني رايحة الشغل الجديد.
اقتربت منها زبيدة تقول كازة على أسنانها:
-طب واللي رايحة مقابلة شغل تروح متزوقة كدة؟
هتفت صبا تجيبها بدفاعية:
-والله ما حاطة حاجة في وشي، غير بس قلم الكحل وكريم اساس، وروج خفيف لون الشفايف.
ردت زبيدة بعدم رضا تبدي النصح:
-يا بتي أنا خايفة عليكي من المعاكسات والمشاكل، هنا غير بلدنا في الصعيد، انتي لسانك مبيسكتش وابوكي دمه حامي، ده ما هيصدق
زفرت صبا وتعقد جبينها تردد بغيظ:
-مش هرد، لو حد عاكسني مش هرد عشان مديش فرصة لابويا يجعدني في البيت او يجبر عليا اتجوز حد من عيال عمي، بس كمان مينفعش اطلع كدة زي الغفير، انا طول عمري بحب اهتم بنفسي يا أمي، وانتي عارفة كدة كويس.
ضغطت زبيدة على كلماتها:
-عارفة، بس هنا غير البلد، وانتي بتلفتي النظر ناحيتك منين ما تروحي، لو تسمعي كلامي بس، اجعدي في البيت زي الهانم أحسن وريحي مخك ومخي.
برقت صبا بانظارها تطالع والدتها بذهول تهز برأسها وفمها مفتوح بعدم تصديق حتى خرج صوتها:
-يعني انا بجالي شهور في محايلة وشد جذب مع ابويا لحد ما وافق اَخيرًا بعد تعب ع الشغل، عشان اشم نفسي بجى واعيش الحرية اللي بتمناها، فتيجي أنتي بكل سهولة تقوليلي اجعدي، إيه يا أمي؟ إهدي كدة الله يخليكي وخلي عندك ثقة في بتك، انا بت ابو ليلة، يعنى بمية راجل….
توقفت لتحرك قدميها للخروج مرددة مرة أخرى:
-بمية راجل ها، يعني طمني قلبك.
قالتها ثم خرجت من المنزل نهائيًا، لتردد زبيدة من خلفها:
– ربنا يحفظك يا بتي، ويبعد عنك كل شر

❈-❈-❈

خارج باب الشقة الذي اغلفته حالاً تذكرت صبا الفتاة التي تواعدها للذهاب إلى مقابلة العمل، ف تناولت هاتفها تبعث برسالة نصية إليها عبر تطبيق الوتساب، وصلها رد الفتاة بانتظارها أسفل بنايتهم في الشارع المجاور، لتتنهد بارتياح ثم حولت على وضع الكاميرا لترا صورتها في الهاتف لتُلقي نظرة على هيئتها بأن رفعته قليلًا أمام أنظارها حتى اطمأنت وقامت بإغلاقه، لتعيده في الحقيبة مرة أخرى، رفعت رأسها فجأة لتتجه نحو المصعد، لكنها صُعقت فور أن رأت هذا المتسمر أمامها كالتمثال وعينيه المسلطة عليها تحدق فيها بشر لا تعلم سببه، جارها الغريب في الشقة المقابلة، يبدو أنه على هذا الوضع منذ فترة وهي كانت غافلة عنه ومطمئنة بهدوء البناية في هذا الوقت، بعد ذهاب الجميع إلى عملهم والأطفال والأبناء إلى مدارسهم والجامعات ، ابتلعت ريقها وارتبكت محلها لا تعلم كيف تتجه إلى المصعد مع وقوف هذا الرجل خلف شقته المجاورة له، تشعر بجفاف حلقها، فهذا المخلوق دائمًا ما يخفيفها بهذه النظرات الغريبة منه إليها، همت لتستدير كي تعود إلى منزلهم حتى ينصرف، ولكنه أجفلها بتحرك خطواته السريعة نحوها حتى ظنت أنه سوف يأذيها، ف ارتدت بخطواتها للخلف برعب إلى أن وجدته يتخطاها سريعًا ويهبط الدرج المجاور لشقة ابو ليلة في الناحية الأخرى من البناية، حطت كفها على موضع قلبها لتهدئ من روعها الذي تسبب فيه جارها الغريب، متمتمة بالآيات الحافظة، حتى تمالكت نفسها، لتغمغم بعد ذلك بحنق:
– يا ساتر يارب، وقال اسمه شادي قال؟ دا كانوا سموه عفريت أحسن.
همت لتتحرك وتتناسى ولكنها استدركت فجأة لتطل برأسها من أعلى درجات السلم التي اختفى بها تتمتم باستغراب:
-يا نهار اسود، دا هينزل خمس ادوار على رجله.
مصمصت بشفتيها لتتخذ طريقها نحو المصعد قائلة:.
-أما بني أدم غريب صح، على العموم أحسن، اهو كدة ادخل انا الأنساسير براحتي بقى.

❈-❈-❈

بداخل السيارة القديمة والتي ورثتها عن والدها منذ رحيله، أي منذ أكثر من عشر سنوات تقريبًا، والتي كانت تقودها بتوجس، مخترقة الأماكن الجديدة والغربية في هذه الصحراء التي تعمرت حديثًا بالأبنية الجديدة للمدارس والعمارات والمصالح وغيرها من أوجه مظاهر الحياة المعاصرة، كانت شهد تتحدث عبر سماعة الهاتف بأذنها متابعة للطريق بتركيز حتى لا تغفل عن العنوان الذي تقصده:
-ايوة يا لينا معاكي والله، بس لازم اركز في الطريق…….
يخرب عقلك، يا بنتي بقولك لازم اطل ع العمال بنفسي واشوف حركة العمل……. عارفة يا حبيبتي والله، بس استني كدة ساعتين تلاتة اكون رجعت المكتب فيها واطمنت على الموقع التاني كمان…….. ماشي يا ستي الله يسامحك…….. والله مش انتي بس، انا كمان محتاجة حد افضفض معاه، اكتر منك……… خلاص لو انتي مجتيش هعدي عليكم انا واسلم على الست الطيبة والدتك، دي وحشاني اوي والله……. تمام يا حبيتي اتفقنا، اسيبك بقى سلام .
بعد مرور ربع ساعة تقريبًا، وصلت لتصف سيارتها في المنطقة المخصصة للسيارات، بعيدًا إلى حد ما عن الموقع، لتكمل الباقي سيرًا على الأقدام، حتى توقفت على صوت النداء بإسمها:
-يا ست شهد، يا سيادة المقاول شهد.
التفت بكليتها نحو الشاب العشريني، موظف الحي بهذه المنطقة، وقد علمته من صوته، حتى إذا اقترب بادرته هي بالمصافحة كي ترحب بعجالة:
– اهلا استاذ هشام عامل إيه؟
بادلها الاَخير المصافحة والترحيب بمودة قائلًا:
-اهلا بيكي يا فندم، يارب تكوني بخير .
اومأت برأسها مرددة بسرعة
– بخير والحمد لله، تسلم يا عم هشام ع السؤال، اسيبك بقى عشان اطل ع العمال.
-طب استني بس.
هتف بها فور أن همت بالتحرك، كي يوقفها ويردف:
-انا عارف انك مستعجلة، بس انا كمان مستعجل والله ونفسي تطمنيني.
سألته باستفسار:
– على إيه؟
قال هشام بعتب ولوم:
– إيه ده؟ معقولة لحقتي تنسي اللي مكلمك عليه بقالي اسبوع:
-هو إيه اللي انت مكلمني عليه؟
قالتها ثم تذكرت سريعًا مع رد فعل الرجل الذي انخطف وجهه، فتابعت بتذكر:
– اه إنت قصدك على موضوع صبا، حاضر والله، بس اقابل ابو ليلة واقوله…
قاطعها هشام قائلًا بلهفة:
– ما هو وصل النهاردة الموقع، وتقريبًا دلوقتي هتلاقيه عند نصبة الشاي القريبة، انا شوفته من شوية رايح هناك، وحياة اغلى ما عندك يا شيخة، روحي وكلميه قبل ما يمشي ويختفي في حتة تانية، ريحي قلبي بقى.
همت لتعترض ولكن امام نظرة الرجاء في عيني الرجل، اضطرت صاغرة لتغير طريقها، لتغمغم بحنق:
– يا دي صبا وحوارات صبا، مش هخلص انا من الصداع دا بقى؟

❈-❈-❈

– طبعًا قاعد انت بتشرب شاي الحبر هنا بمزاج عالي ولا هامك حاجة
هتفت بها شهد وهي تقترب من نصبة الشاي الجالس بقربها مسعود ابو ليلة، يرتشف من كوبه بتلذذ، ويتسامر بصوته العالي مع عبيد عامل النصبة، انتبه لها الرجل ليتلقاها بابتسامة مشرقة منه كالعادة، قبل أن يرد بمناكفة:
-طب سلمي الأول، صباحك جدامك ولا وراكي يا بت؟
ضحكت له شهد مرددة وهي تتناول كرسي بلاستيكي لتجلس أمامه:
-لا انا صباحي قاعد قدامي اهو وبيشرب شاي .
– وه دي جاية تهرج.
قالها ابو ليلة مخاطبًا عبيد قبل أن يطلق ضحكته الرجولية المتقطعة ذات الصوت العالي، فقال عبيد بعد ان هدأت ضحكات الرجل:
-تؤمري بإيه يا ست شهد؟ شاي ولا قهوة .
ردت شهد بابتسامة ودودة للفتى:
– لا بقى معلش يا عبيد، خليها وقت تاني، انا جاية في كلمتين للراجل صاحبنا ده وماشية على طول اشوف الهم اللي ورايا.
أومأ لها عبيد برأسه ليعود لعمله، وسألها ابو ليلة:
– خير يا ست شهد، عايزانى في إيه؟
تبسمت له الاَخيرة تجيبه:
– صبا.
– اشمعنى
قالها فردت شهد بابتسامة متسعة:
– متقدملها عريس وسايقني عليك واسطة عشان ترضى بيه.
رد مسعود على الفور:
– لا
هتفت به شهد مستنكرة:
– لا على طول كدة! طب مش لما تعرف هو مين الأول؟
هزهز رأسه بعدم اهتمام وهو يعود ليرتشف من كوب الشاي خاصته، ف استطردت قائلة:
– دا الاستاذ هشام، موظف الحي اللي بيجي يشرف ع المباني احيانًا، بيقول انه شاف صبا بالصدفة معاك، وسأل عليها وعرف إنها بنتك، ومن يوميها الراجل هيتجنن ويكلمك، وبيقول إن شقته جاهزة من مجاميعه وهو تحت امرك في اللي تطلبه و…..
قاطعها ابو ليلة:
-ولو هيجيب نجمة من السما، بلغيه رفضي وريحي مخك، ما انتي عارفة رأيي يا شهد لزومو إيه بس الأخد والرد في أمر منهي؟
توقفت الكلمات على طرف لسانها بعد أن افحمها برده القاطع، لكن وبرغم علمها المسبق برده، حاولت مرة أخرى:
-طب فهمني بس، يعني انت هتسيبها كدة زي البيت الوقف من غير جواز العمر كله يا عم ابو ليلة؟
رد يجيبها وبكل بساطة:
-هي حرة بقى، انا راجل ومرضيتش اجبرها ع الجواز من واد عمها، بس كمان محدش هيفرض عليا كلمته، يعني مدام هي مقبلتش بواد عمها، يبقى تقعد كدة بقى من غير جواز خالص، ايه يعني؟.
ضربت كفيها ببعضهم، تقارعه بدهشة لهذا المنطق الغريب:
-يا عم الحج، هي الدنيا وقفت على ابن عمها وبس؟ مفيش بقى ناس محترمين يصلحوا؟
-لا مفيش.
قالها بحدة ليردف بعد ذلك:
– انا شوفت ولفيت كتير، لكني برضوا مش هتنازل ع اللي في دماغي، لحد ما هي توافق على واحد من عيال عمامها اللي طالبينها، ما يصون العرض غير واد العم يا بت اخوي، فهمتيني؟
تبسمت شهد بحنين وقلبها يرفرف داخلها مع جملته العابرة؛ والتي ألقاها بدون تركيز، ( بت اخوي) لا يعلم بوقعها عليها، وكأنها كالبلسم الذي ينزل على جرحها ليطيبه، ويذكرها بمساندته الدائمة لها من وقت رحيل أبيها، رغم عدم وجود صلة قرابة حقيقية تجمعها به، سوى أنه كان صديق والدها، أبو ليلة ظهرها وبفضله فقط هي استطاعت الوقوف على قدمها، حتى تتحمل المسؤلية وتراعي اخواتها، رغم قسوة المجال الذي تعمل به، وشراسته في ابتلاع كل صغير او ضعيف.
– يا ست شهد يا ست شهد .
وصلها الصوت الاهث مع اقتراب صاحبه بالركض نحوهم، حتى توقف أمامها يردد بصوت متقطع الأنفاس:
-الحقينا يا ست شهد وتعالي شوفي البلوة اللي حطت على راسنا دي!
-بلوة إيه الله يخرب بيتك؟
هتفت بها شهد بجزع وتبعها ابو ليلة أيضًا ولكن بنزق:
– ما تتكلم ياد وخلص، خلينا نفهم.
هم ليجيبه الشاب ولكن هاتف ابو ليلة صدح بورود مكالمة، استجاب للرد يردف بانفعال:
– ايوة يا واد عايز إيه؟…… وه لجنة ايه كمان اللي جاي تشوف اللي اتبنى؟…. استناني ياد ومتتحركش، انا ربع ساعة وهكون عندك.
اغلق سريعًا ابو ليلة ليهدر في الماثل أمامه:
– قول يا واد على طول، ايه اللي حاصل؟
أجاب على الفور عبد الرحيم مساعد شهد:
– جايبين مهندس جديد، غير اللي كان متابع معانا دايمًا، ومن أول ما وصل عمال زعيق ومش عاجبه حاجة، وكل اللي على لسانه، فين المقاول المهمل؟ سايب الدنيا بايظة والحال واقف.
-الحال واقف!
رددتها شهد بدهشة، ورد عبد الرحيم مدافعًا:
-لا والله يا ست شهد، دي بس ربع ساعة وقفنا فيها عشان نفطر.
هتف أبو ليلة مستنكرًا:
-لهو عايزكم تموتوا من الجوع كمان، فين المهندس دا وانا اوريه شغلو.
قالها وهم أن يتحرك قبل أن توقفه شهد:
– استنى هنا يا عم انت، روح شوف شغلك واللجنة اللي طبت فجأة ع الموقع بتاعك، وأنا كفاءة اسد مع أي حد .
-بس يا بتي..
– مفيش بس يا عم ابو ليلة، روح شوف شغلك زي ما اتفقنا

❈-❈-❈

وصلت شهد اَخيرًا إلى الموقع الذي يعمل الرجال في بناءه تحت مسؤليتها كمقاول مهمته التنفيذ بدقة لتصميم المبنى من قبل المسؤل، مع توافر الإمكانيات التي يتم بها ذلك.
تفاجأت بعمالها الملتفون نحو هذا الشخص الذي يهدر بينهم بصوته، بالتوبيخ والصياح:
– دا مال حكومة، الوقت اللي انتوا بتضيعوه ده من فلوسكو اللي بتدفوعها في المال العام، لو المقاول بتاعكم مهمل ومدلعكم، انا بقى مسمحش بالتسيب ده .
– سيب العمال حضرتك، وخلي كلامك معايا .
هتفت بها شهد من خلفه ف التف حسن إلى الصوت النسائي، ثم ضيق عينيه بتساؤل، فهمته هي لتجيبه على الفور:
– انا المقاول المسؤل هنا.
جالت عينيه عليها يناظرها بذهول من قبعة رأسها في الأعلى حتى شوز قدمها في الأسفل، فخرج صوته بعدم تصديق:
-إنتي….. المقاول المسؤل؟!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *