روايات

رواية أكل الذئب زينب الفصل الثالث 3 بقلم أمل نصر

رواية أكل الذئب زينب الفصل الثالث 3 بقلم أمل نصر

رواية أكل الذئب زينب البارت  الثالث

رواية أكل الذئب زينب الجزء الثالث

أكل الذئب زينب
أكل الذئب زينب

رواية أكل الذئب زينب الحلقة الثالثة

ما أصعبها من أيام، تلك التي كانت تمر بها تلك الصغيرة ذات السبع سنوات، انها لأكبر من المحنة ان تجد نفسك مسؤول عن مصيبة كبيرة كهذه وضياع اعز الاشخاص بفضل اهمال من جانبك، ياله من حمل ثقيل، وضع فوق كاهلها وعظامها لم تشتد بعد لتتحمله .
حتى الآن لا تصدق اختفاء شقيقتها، حتى والرجال ظلوا في البحث عنها أكثر من شهر حتى أيقن الجميع ان الصغيرة قد أكلها الذئب، مادامت قد اختفت في هذه المنطقة وكأن الأرض انشقت وابتلعتها، اما هي فالبتأكيد لم يقربها بظن منه انها ميتة حينما كانت فاقدة للوعي، هذه الرواية التي اجمع الجميع عليها ، لتزيد بقلبها الحسرة، وتأنيب الضمير انها المتسببة فيما حدث:
كيف لعقلها ان يستوعب؟ في كل ليلة تبكي دون توقف، كلما تخيلت خوف شقيقتها من مشهد الذئب حينما يحاصرها، او حينما يكسر عظامها بين انيابه ويأكلها و….. تبكي وتبكي .
لقد ذبلت بشدة، وأصبح الجميع يشفق عليها ويهون، فهي في الأصل صغيرة ولم تقصد، فلا تستطيع تحمل كل هذا الذنب، هذا ما يقال لها دائمًا. رغم نظرات اللوم التي كانت تتلقاها من معظمهم في البداية،
فالقدر بيد له وحده، والرحمة بها كانت اولى من أي تأنيب،
اشفقوا عليها جميعهم، وسامحوها، الا هو ، فلم يرأف بها ولم يرق قلبه القاسي ابدا، لم تتغير معاملته الجافة يومًا، لا يطيق النظر إليها ، حتى وان حدثته لا يرد يلومها دائما بنظراته القاتلة لها،
حرم عليها النوم فوق سطح المنزل معه، ليحرمها من دفء حضنه الى الأبد ، مرت الايام الثقال تتجرع مرارتها والحزن يكسو المنزل دائمًا حتى جاء العوض من الله، وولدت عزيزة بطفل اخر ولكنه لم يكن فتاة بل كان ولد .
رغم الفرحة بمجيئه، إلا انها تمنت لو كانت فتاة لتعوضه عن الفقيدة، ولكن ورغم ذلك كان بمجيئ الشقيق تغيرا ما في المنزل واصبحت الحياة تعود إلى طبيعتها بعض الشيء بفرحة الصبي، سلمت والدتها بأمر الله وصبت اهتمامها عليه وعادت معاملتها لها دون حواجز ، وجدتها الحنون فهي لم تتغير من الأساس، بل كانت دائمًا في ظهرها والسند الحقيقي لها، اما عنه فبعد فترة من الوقت قاربت العام اخذها الوهم انه ربما قد تغير واستطاع التعايش ، لتعيش هي أيضًا وتمضي في حياتها التي لم تبدا من الأساس.
ولكن كما سبق كان وهمًا، كشفته حينما استيقظت ذات مرة في إحدى الليالي لتشرب، فوصلها شهقات مكتومة تحركت على اثرها لتصعد الدرج بخفة كي تستطلع، وكانت الفاجعة حينما ابصرته من وسط الدرج ممسكًا بملابس الراحلة يبكي بحرقة شقت قلبها، ووهنت عظامها لها، حتى لم تقوى على التحمل اقدامها، فجلست محلها تكتم فمها من البكاء الحارق هي الأخرى، تتمنى من الله الموت والراحة من هذا العذاب ، تشعر وكأن جلدها قماشة مهترئة، مقطع بسكين حامي لألف قطعة، لم تعد قادرة، لم تعد لديها طاقة للتحمل، رفعت رأسها للسماء تدعو من قلبها الرحمة، تدعو الموت لتذهب الى شقيقتها،
ظلت على وضعها حتى غلبها سلطان النوم محلها في وسط الدرج، فلم تستيقظ سوى بعد ان انجلى الظلام وسقط نور البداية الجديدة للنهار على الأرض، فاعتدلت بجذعها تفرد ذراعيها التي اصابها التنميل من النوم عليها واتخاذها كوسادة، وفي اثناء ذلك ، لاحظت حركة ما تصل إليها من الخارج،
دنت بسيطًا حتى تنظر من الطاقة المفتوحة بوسط الحائط اللبني، بعد ان ابعدت القالب الذي يسدها، لترى بوضوح منها للى الخارج ، وكانت المفاجأة ، وهي وقوف ضاحي ابن زيدان الدهشوري في مقابل حربية ابنة عظمة الأعمى جارهم والملقبة بتفاحة في منطقتهم، تتشاجر معه بصوت خفيض ، بل تجذبه من ياقتي قميصه.
– لازم تتجوزنى وتعجد عليا يا ضاحي، يا إما هفضحك في البلد كلها، انا مش هشيل النصيبة دي لوحدي.
نزع ذراعيها عنه بعنف:
– نصيبة لما تاخدك، انا مالي انا ، شيلتك وتشيليها، حد جبرك على حاجة؟ ولا انتي عايزة تلبسيني نصيبة وخلاص، انا مش اهبل ليكي يا بت عظمة. عشان اصدج اني الوحيد.
صرخت به بصوتها الهامس بقهر:
– وربنا انت الوحيد، محدش في الدنيا جربلي غيرك، ليه بتعمل معايا كدة بعد ما اتلطيت، اخويا لو سمع هيدبحني وهيدبحك.
تبسم باستهزاء:
– اخوكي مين يا بت؟ هو لو راجل من الأساس كان سابك تمشي على حل شعرك وتعملي ما بدالك عشان توجعيني وادبس، لا يا تفاحة مش انا اللي اكل الطعم والبس نصيبتك، روحي يا بت دوري ع اللي يشيلها غيري، بعدي عني.
بصق كلماته الأخيرة، ينفض جلبابه ويرحل بخطواته السريعة يتركها في احزانها تكتم بكاءها الحارق بكف يدها على فمها، وهذه المصيبة التي جلبتها لنفسها بتساهلها.
لترتد بأقدامها وتغلق بابها عليها، وعادت زينب برأسها تغلق بقالب الطوب تلك الطاقة المفتوحة والتي جعلتها ترى ما سوف ينطبع بذاكرتها حتى وان لم تفهم معناه الآن بحكم عمرها الصغير، ليكشف حقائق أمامها لو تفوهت بكلمة واحدة منها سوف تطير الرؤوس وتتقطع الرقاب ، يالها من مصيبة قد اوقعت نفسها بها تلك البلهاء بإهمالها وتسيبها مع شاب عابث كهذا .
– جاعدة كدة في نص السلم ليه؟
وصلها الصوت من خلفها لتتوسع عينيها بعدم تصديق نحو أباها الذي كان يهبط امامها ولاول مرة منذ الحادث يخاطبها، حتى كذبت اذنيها ولكنه عاد يثبت لها وعينيه في عينيها دون ان يحيدها:
– جومي اغسلي وشك وتعالي عشان تفطري.
يدعوها للفطور أيضًا! يا إلهي، لابد أنها تحلم!
❈-❈-❈
هذا بالفعل ما كانت تشعر به هذه الايام، ذهول يكتنفها كلما توجه اليها بالكلام او سؤال ما بنبرة عادية، خالية من اللوم او الكره الذي كانت تراه جليا منه في الشهور السابقة، سألت نفسها كثيرا عن سر تغيره، وحينما تعبت من البحث عن الاجابة ، حمدت الله على هذا التغير ، حتى وهو لم يعد يفيض عليها بحنانه السابق او المرح او الضحك الذي افتقدته كثيرا منه، لتمضي قدمًا في الحياة الطبيعية وتتابع دراستها باجتهاد علّها تنال درجة من النجاح امامه، وهدأت الاحوال الى حد ما في منزلهم عكس ما كان يحدث حولهم، من نيران تشتعل بهدوء، مع هذه الأخبار التي تتواتر عبر الالسنة عن فضيحة على الأبواب في منزل عظمة الأعمى جارهم،
وكانت البداية لمعرفتها هي بما يقال، حينما استمعت لحديث والدتها مع تلك المرأة المدعوة خضرة، تلك التي تتاجر في كل شيء تحتاجه المنازل، تأخذ الغلال وما يصنع من لبن الجاموس او ينتج من تربية الطيور في منازل المزارعين وتبيعها في السوق، فتتربح هي بالعمولة وتنفع النساء اللاتي لا تجدن المقدرة او الجرأة كوالدتها على الخروج والتعامل المباشر مع الاشخاص الغرباء، فتسهل على المرأة التي تريد في الأساس مساعدة زوجها في تدبير احتياجات المنزل، أو العكس ايضا فخضرة تمثل اهمية اقتصادية قصوى للبلدة
ولكنها أيضًا معروفة بنقل الكلام من بيت إلى بيت، تكشف الأسرار ، وتعلمها النساء جيدًا وتعلم طبعها، ومع ذلك يفتحن بيوتهن لها، لعدم مقدرتهم على الاستغناء عنها، او ربما لعدم وجود البديل، فمهتنها تحتاج الجرأة والتفرغ او ربما الوجه المكشوف ، وهذا كله بها.
كان الحديث خافتًا لدرجة أثارت فضول زينب للأقتراب والجلوس بجوراهما للسماع جيدًا، ومع اندماج الاثنتين، لم ينتبها لها:
– بجولك البت بطنها في الرابع يا عزيزة ، دا اللي أكد عليه الدكتور، لما أغمي عليها في بيتهم ، وخدها اخوها وداها الوحدة
– يا مري، طب وانتي عرفتي منين؟
– جالتلي البت بهانة الممرضة، ما هي كانت هناك وشافت كل حاجة، دي جالتلي اخوها ومرت اخوها خرصوا مبلمين زي اللي نزل عليهم سهم الله، بعد الكلام اللي جالوا الدكتور.
سحبوا البت ومشوا بيها وما حد يعرف عنها حاجة دلوك، اصلها من يومها مطلعتش واصل ولا حتى شوفنا وشها
ضربت عزيزة بجزع على صدرها:
– يا ساتر يارب من الفضايح، طب وبعدين محدش عارف عملوا ايه فيها؟ ليكون اخوها جتلها ولا تواها.
تمتمت خضرة بمكر:
– هيجتلها ولا يتاويها من جبل ما يعرف باللي عملها، ما تفتحي مخك يا عزيزة؟
سألتها بارتياب:
– شكلك عارفاها دي كمان، اتكلمي يا خضرة في سنينك السودة دي.
مالت نحوها بتأكيد :
– الكلام اللي شايع على لسان الكل ، هو ان اللي عملها يبجى ضاحي ولد زيدان الدهشوري. …..
خرجت شهقة من عزيزة كالتي لسعت على يدها، لتهتف بارتياع:
– يا مري، الكلام اللي بتجوليه ده تطير فيها رجاب ، واولهم رجبتك.
– ورجبتي انا ليه بجى؟ هو انا اللي مطلعة الكلام؟ دا طلع من بيت الدهشوري نفسه، بيجولك حميد واد عظمة الاعمى كان عند زيدان في بيته امبارح، وبعد ما خلص جعدته معاه، طلع من عنده وشه مغبر واسود زي الطينة، اما زيدان بجى فلم عياله الكبار حامد وضاحي، في اوضته لوحديهم وجفل عليهم، وبعدها حسهم كان طالع لاخر البيت في الزعيق مع بعض التلاتة.
– كمااان.
تمتمت بها عزيزة، واناملها تربت على وجنتها بتوتر، لتردف بحنق:
– اكيد اللي واصلك الكلام ده حد من البنتة الخدامين هناك، ياكش اللي بلغتك تتجاب في الكلام والحديت عشان تغور فيها، دي اعراض ناس يا مري.
التوى ثغر خضرة بعدم رضا، لتردف بعد ذلك بتملق:
– يا عزيزة ما هي مابلغتش حد غريب، وانا برضك مش دايرة انشر في الحديت دا لولا معزتك انتي وعارفة انك تصوني السر، ما كنت اتكلمت ولا خشمي اتفتح.
بملامح متشككة عقبت لها بتحذير رغم انتقاء الكلمات:
– اممم ياريت يكون كلامك صح يا خضرة، وتاخدي بالك ان الحجة فضيلة ماتفوتش عليها تايهة، حذري المضروبة اللي فتنت تخرص خالص، وانتي يا غالية برضك خلي بالك، سوا زيدان ولا عياله ولا حريم عياله ولا حتى عيالهم الصغيرين، البيت دا كلهم واعرين ، مفيش ساهل منهم واصل، واحنا غلابة.
اصابت عزيزة الوصف عن أهل هذا المنزل، هذا ما تأكدت منه زينب ، والتي كبرت قبل اوانها بهذه الاحداث التي تتوالى امامها، فهي الاعلم بصدق الرواية، بما رأته وسمعته بنفسها واصبحت تفهمه الآن
حديث حربية وضاحي كان واضحًا وضوح الشمس ، هو المتسبب لما يحدث للفتاة، ومادام ابيه قد علم، لابد انه سيحكم بالعدل، كما تسمع دائمًا من ابيها عن حكمة الرجل في حل مشاكل البلدة ، فما بال مشكلة تحدث في منزله؟
هذا ما توقعته زينب، ولكن ما تم كان غير ذلك على الإطلاق، فقد توالت ايام التوتر والحديث المنتشر كان يتوسع والسؤال عن الفتاة كان الشغل الشاغل للجميع، بعدما علم اهل البلدة بسفر ضاحى المفاجئ ليكمل تعليمه في الخارج
لقد فعلها زيدان الدهشان بأن ابعد ابنه عن البلدة بأكملها ولا احد يعلم كيف تم ذلك؟ اما عن الفتاة التي استمر السؤال عنها لمدة جاوزت الشهر، فقد انتهت حكايتها بخبر وفاتها الذي اعلنه شقيقها بعد ذلك ، ان اصابتها حمى شديدة لم يحتملها جسدها، ورغم تشكك الجميع في صدق الرواية، الا ان الامر اتخذ وضعا طبيعيا بشكل يفوق المعقول، فقد تمت الجنازة وخرجت الفتاة بكفنها محمولة دون ان يعلم احد السر الحقيقي للوفاة ، ونصبت جنازة حضرها زيدان الدهشوري نفسه وابنه الأكبر، وكأنهم لا صلة لهم بما حدث للفقيدة
وطويت الصفحة، وصمتت الافواه، كعديد من القصص المشابهة، وتروح ضحيتها الفتيات اللاتي يتحملن الذنب من اوله لاخره وحدهن، والرجل دائما في منأى عن الحساب.
لتدور السنوات وتكبر زينب حتى استطاعت التخرج من سنتها الاخيرة من الجامعة بعد اصرار والحاح ومثابرة ، ومعارك خاضتها لتحقيق ذاتها، ولكنها فقدت اهم داعم وهي جدتها، بعدما ساندتها في دخول الكلية رغم رفض ابيها الذي كان يبتغي زواجها في سن صغيرة كباقي الفتيات من اهل البلدة، وذلك لطرق الخطاب المستمر على بابه من أجل خطبتها.
فقد تحولت كليًا بعدما كبرت من فتاة رفيعة تحرقها شمس المرعى ، الى انثى كاملة ذات جمال ساحر وخاص ، فقد صدقت جدتها حينما أنبأتها عن ذلك وهي طفلة ولكنها لم تكن تصدق.
– سرحانة في ايه يا زينب؟
صدر الصوت من عزيزة وهي تلج إليها بداخل غرفتها،
لتنزعها من شرودها ، فتلتف اليها تجيبها:
– مش في حاجة مهمة ياما، كنت بفكر بس في حاجة تخص البحث االي شغالة فيه.
التوى ثغر عزيزة لتعلق بامتعاض:
– تاني برضو بحث وكلام مش جايب همه، يا بتي ما تهمدي بجى وخلينا نجوزك، مش خلصتي الكلية الخربانه ايه باجي تاني؟ مينفعش تتطولي اكتر من كدة،
قالت الأخيرة بما يشبه النصح، بعد استرسالها في الانتقاد، لتقطب زينب بفراسة وتعقب:
– المجدمة دي انا عارفاها ياما، اكيد وراها عريس صح؟
لم تنكر عزيزة،، فقد تكلمت على الفور تجيبها:
– ايوة يا عين امك، واد زين ابن خالة امي، شافك وانتي راحة تزوري خالتك، سأل واطجس لحد ما عرف عنوانك، ودلوك باعتلي امه تشوفك
– تشوف مين؟
خرجت منها باستنكار جلي قابلته عزيزة بضجر:
– تشوفك انتي يا وش النصايب، بس انا فهمتها انك مش جاعدة عشان متسوديش وشي زي كل مرة ومترضيش تطلعي للولية تشوفك.
– عملتي خير عشان انا فعلا مكنتش هرضى اطلعلها.
– ضربة دم تاخدك، خبر ايه يا زينب؟ زودتيها جوي يا بت بطني، طب تعليم وخلصتي، ايه حجتك تاني،
– اتوظف.
سمعت عزيزة ليزداد انفعالها:
– بوووه عليا وعلى سنيني، وهي الوظيفة دي متنفعش تاجي وانتي متجوزة، ولا في حد اساسًا بيتوظف في البلد الفجرية دي؟
زمت شفتيها صامتة عن الرد لتواصل والدتها وتسألها بارتياب:
– ولا يكون في حد في مخك يا بت وانتي مستنياه.
لم تتواني زينب هذه المرة عن الرد بجرأة:
– ايوة في ياما، وانتي عارفه وبتنكري
اغمضت عزيزة عينيها بتعب وقد فهمت ما تعنيه ، لتضغط ساحبة شهيق كبير ثم تطرده، لتتماسك قليلًا ف الرد كازة على أسنانها بصوت خفيض:
– تاني برضك الموضوع الماسخ ده يا زينب؟ يا بت انا مش عايزة اعلي حسي عشان ابوكي ميسمعش برا، واد فهيمة اللي لسة مدخلش الجيش وكدك في السن، هيتجوزك ازاي وهو لسة متوظفش حتى ولا راضي يشتغل ويجيب لجمته.
دافعت زينب:
– مختار بيسعى ويدور على وظيفة، هو بس موضوع موقفه من الجيش اللي معطله شوية، زني على ابويا يرضى ويستنى عليه، مش كل مرة يكسف اخته ويلاوعها في الكلام، دا برضك واد عمتي ومش غريب عني.
زمجرت المرأة تنهي المناقشة بنهوضها فجأة:
– انتي راسك فيها مركوب جديم، ودايما تاعبة جلبي، انا جايمة وسايباهالك خالص، حتى البيت مش جاعدة فيه .
ضحكت زينب تشاكسها:
– ناجص كمان تسيبي البلد وتمشي، هتروحي فين يا عزيزة وتسيبي جوزك وعيالك؟
التفت إليها برأسها تجيب عن السؤال:
– راحة بيت عمك زيدان، الراجل المرض شد عليه، وبيجولوا، حتى كلام مش جادر،
– يا ساتر ربنا يلطف بيه.
تمتمت في اثرها زينب، تشرد في حال الرجل الذي كان يملأ الدنيا بأخباره، وقد دار به الزمن وحط عليه المرض ، ليصبح لا حول له ولا قوة، والمتحكم الآن في كل شيء هو ابنه الأكبر حامد،
تنهدت لتترك محلها، وتتجه نحو النافذة، وتفتح شراعها لتنظر الى الخارج، حيث منزل زيدان الدهشوري المقترب من منزلهم المتواضع وعدد البشر التي تدخل وتخرج اليهم من البوابة الرئيسية للاطمئنان على الرجل.
تبسمت ساخرة فلو كان هذا الرجل فقيرا او مواطنا عاديا ما كان الوضع سيصبح هكذا ابدا، تذكرت ابنه ضاحي وسفره الذي طال بالسنوات، ترى ما موقفه الآن؟ هل سيترك غربته ويأتي بعد كل هذه السنوات؟ ام وجد موطنه المناسب لعبثه ومجونه؟
❈-❈-❈
بعد عدة أيام
خرجت زينب من غرفتها متجهة نحو موقد النار في الفناء الخلفي ، لتغسل شعرها من الماء الساخن الذي تركته لها والدتها بعدما حممت اشقائها الصغار منه، لتأخذ هي المتبقي في الإناء النحاسي الكبير.
رفعته من موضعه لتضعه على الأرض بجوار وعاء بلاستيكي كبير، ثم جلست هي على وسادة من القماش، لتميل رأسها للأمام ، وبدأت لتغرف من الماء على الشعر، تمرر عليه بالصابون العادي حتى انتهت من تنظيفه تماما، ثم تناولت المنشفة لتجففه جيدًا، وتنتبه اخيرا حينما ارتفعت عينيها للأعلى، لمن وقف منذ فترة يتطلع اليها من داخل شرفة المنزل الكبير والكاشف لكل بيوت القرية لعلوه المميز عن الجميع، لتشهق بخضة تركض نحو الداخل صارخة:
– يا مري، إلحجيني ياما، في راجل غريب واجف في بلكونة بيت الدهشوري، كان بيبص عليا بغسل شعري في الحوش.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أكل الذئب زينب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *