روايات

رواية يناديها عائش الفصل السابع والسبعون 77 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الفصل السابع والسبعون 77 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش البارت السابع والسبعون

رواية يناديها عائش الجزء السابع والسبعون

يناديها عائش

رواية يناديها عائش الحلقة السابعة والسبعون

يا الله تولى بعزتك وقهرك وسلطانك حماية غزة ومَن فيها، وكسر شوكة عدوها، وصده عنها، وأن يُرينا في هؤلاء الطغاة البغاة القتلة ومَن معهم ووراءهم عجائب قدرتك.. اللهم أيِّد المُرابطينَ في فلسطين.
~~~~~~~~~~~
‏”هذه الحياة تحتاج إلى قُوّة هائلة من الصبر، إلى ركن شديد لا يتزلزل، إلى طاقة جبّارة تُعين المرء على احتمالها، ولا شيء كاليَقين بالله يفعل ذلك.”
_______________
بعد ساعة مما فعلته ” روان” بالحراس اللذين يحرسون بيت ” رُميساء “، تسير بسرعة تشبه الركض و رُميساء من خلفها تحاول الاسراع في خطواتها؛ ليجدوا أي وسيلة مواصلات على جانبي الطريق، تصلهما للمكان المُراد..
الآن وُجب على الفتاتانِ توجيه بوصلتهما بشكل صحيح، و إلا ستضيع حياتهما هباء دون الوصول للهدف المطلوب جراء اجترار الأفكار السوداوية، التي ستظل تلاحقهما كالشبح؛ إذا لم تضعان حدٍ لذلك..
هكذا هي الحياة، تعطي الأمل لصاحب القلب الشجاع، و تسلبه من الضعيف الذي يسير مرتجفًا لا يعرف للنصر طريق، و بفضل تلك السمراء الفاتنة ذات المعدن الأصيل ” روان ” بات لدى
” رُميساء ” أمل الآن و هدف لتسعى وراءه، إذا كانت الحياة تود وضعها في المصاعب المتتالية، فستواجها بكل ما أوتي لها من قوة، ستصل لما تريده و تمنع أي حد أن يكون عائق أمام هدفها، فالحياة هبة منحها الله لنا لنعيشها مرة واحدة، و بإمكاننا استغلالها بالطريقة الصحيحة..
توقفت رُميساء تلهث بصعوبة قائلة
” روان استني.. مبقتش قادرة أمشي ”
” إحنا لازم نبعد عن المكان ده خالص، قبل ما حد يفوق فيهم و يلحقنا.. خلاص قربنا نوصل للطريق العمومي ”
قالتها روان وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة هي الأخرى، فالمسافة بين بيت رُميساء و الطريق العمومي للسيارات طويلة جدًا، و لم تنتظر روان حتى تجد وسيلة تصلهما للطريق؛ خوفًا أن يفيق أحد الحراس من حالة التنويم التي سببتها لهم
و يلحق بهما..
أكملت الفتاتان سيرهما تحت حرارة الشمس التي تلفح وجوههما، مما خارت قوة رُميساء و أخذت تتنفس بصعوبة هاتفة
” هموت من العطش.. الشمس صعبة أوي انهارده”
” تعالي هنجيب عصير و اشتري ميه بالمرة ”
بعد تناول العصير، و شُرب رُميساء الكثير من الماء، لمحت روان ” توك توك” قادم نحوهما، فأوقفته ثم ركبت كلتاهما قاصدين فيلا
” اللواء رياض الكُردي “.
نزلت رُميساء تليها روان أمام باب الفيلا، لتتسع عين الأخيرة ذُهولًا من جمال الفيلا التي يعود تصميمها للستينيات تقريبًا، فتلك أول زيارة لروان للفيلا الخاصة بوالد كريم..
قالت بانبهار
” الله.. اللي مصمم الفيلا دي عبقري.. جدرانها تحسي فيها سحر خاص كده.. حاجة تخليكِ مش قادرة تشيلي عينك من عليها.. والله خسارة في حماكِ ”
ردت رُميساء باسمة
” جد كريم كان باشا من بشوات مصر، و جدته أصلها أجنبي، و أصول أجدادها كانوا تابعين للعصر الفيكتوري.. عشان كده تلاقي تصاميم الفيلا معظمها بيعود للطراز الفيكتوري.. ”
ضحكت روان هاتفة
” الدنيا ضاقت بيهم جايين يبنوها في المنصورة”
” يا بنتي المنصورة أيام الاحتلال كانت كلها أجانب.. كانوا بيعتبروها بتاعتهم.. خلينا في المهم هنعمل إيه دلوقت ؟ ”
استنشقت روان الهواء النظيف بفعل الأشجار الكثيرة على جانبي الفيلا، ثم قالت بحماس
” الخطة باء.. ”
” ربنا يستر ”
قالتها رُميساء بخوف حقيقي، وهي تقترب من حارس البوابة الحديدية الكبيرة لتقول بخفوت
” ممكن تدي خبر للواء رياض إن مرات ابنه برا؟ ”
” اتفضلي يا فندم.. هو في انتظاركم ”
قالها الحارس بأدب، ثم أخذهما لمقابلة اللواء..
لقد أعدت روان الخطة بإحكام، لتساعد صديقتها في عيش حياة طبيعية دون صراعات أو خوف بسبب العداوة التي بينها و بين والد كريم، فأرادت أن تعقد معه الصُلح في مقابل مساعدته؛ لاستخراج الآثار من تحت منزل رُميساء..
منذ آخر مرة جلست روان مع رُميساء، و صرحت الأخرى أنها تحب كريم و لكنها خائفة من مستقبلها معه و مع والده، و روان أخذت عهدًا مع نفسها أن تساعد صديقتها بأي طريقة، و أول شيء فكرت فيه عندما خرجت من عندها، أن تذهب لوالدة كريم في مقر عملها و تتحدث معها على انفراد بعيدًا عن أعين رياض، و لأن والدة كريم تعمل طبيبة نسائية ولها اسمها المعروف في المنصورة، فكان من السهل على روان الوصول لها في سرية دون اشراك رُميساء في أي شيء..
و بالفعل تقابلت روان معها و عرفتها عن نفسها، و حكت لها كل شيء و كانت المرأة طيبة بحق بخلاف زوجها، فقد لان قلبها لأجل زوجة ابنها و أرادت المساعدة وفعل أي شيء من أجل نجاح قصة الحُب تلك، فهي بالطبع لا تود أن يعود كريم لسابق عهده و يكابد الآلام ثانيةً بسبب الحُب، الشيء الوحيدة الذي منعها من المساعدة في بادئ الأمر؛ خوفها الشديد من بطش زوجها، و لكن بفضل حديث روان السلس و حثها على التضحية من أجل حياة ابنها البكري، جعلتها في أوج الاستعداد لفعل أي شيء يدعم سعادة كريم و رُميساء..
أخبرت المرأة ” روان” عن جنون زوجها بالبحث عن آثار مفقودة وبيعها و تكبير ثروته، و بمساعدة دجال له علم أن بيت رُميساء يقطن بأسفله الكثير من الآثار الثمينة، وهذا ما ولد الكُره بينه و بين عائلة رمُيساء منذ البداية، فقد عارض تلك الزيجة من أجل مصالحه الشخصية، و عندما أيقن أنه يستطيع العثور على تحفه الثمينة بعودة ترابط العلاقات بينه و بين كريم، فكر في اتمام ذلك الزواج بطريقته الخاصة.. في الوقت الذي يتواجد فيه كريم و رُميساء و جميع عائلتها في حفل الزفاف، يصل هو للمنزل و معه مجموعة من العمال اتفق معهم على هدم المنزل، ثم يتم الحفر لأسفل حتى الوصول للمقبرة الثمينة و يبدأ المتخصص في فك الطلاسم من على المقبرة بعمله، و بذلك يكون قد حصل على ما يريد..
فكانت خطة روان بعد سماعها لهذا الكلام الجنوني من وجهة نظرها، أن تذهب لمقابلة رياض ومعها رُميساء لعقد صلح معه، و تدعي أنها صاحبة كرامات و ترى ما لا يستطيع أحد رؤيته، و قد رأت أن بيت رُميساء يقطن تحته آثار، فأخبرت رُميساء بذلك، و عرضت عليها الأخيرة أن الوحيد القادر على مساعدتهما في ذلك الأمر هو حماها اللواء رياض، لما له من صيت و اسم معروف و علاقات واصلة، و بالطبع كل ذلك أكذوبة ابتدعتها روان على رياض، ليصدق أن رُميساء تقف في صفه في هدم البيت مقابل حصة من المال؛ لأن والدتها مريضة و تريد أن تزرع لها الكبد وليس هناك طريقة أخرى لجلب المال غير ذلك، بشرط أن يكون ذلك الاتفاق سرًا بينهما، و عندما يبدأ رياض في تنفيذ الخطة مع رُميساء و روان، تقوم رُميساء بجمع عائلتها للخروج في نزهة، و بالطبع سيوافق الجميع لأجلها، فهم يهمهم سعادة رُميساء بعد الأيام الصعبة التي تعايشت معها، و في وسط رحلتهم تخبر والدها أنه قد جاءه محضر من المحكمة منذ يومان يدعي بناء البيت على أرض زراعية وسوف يتعرض للإزالة، إذا لم يتم الاخلاء منه في ظرف يومين، و لم تجد سبيل آخر غير الخروج بهم من البيت في أي طريقة لسلامتهم و الذهاب بهم لقضاء الأيام الأخيرة من عطلة الصيف في الأسكندرية..
تلك هي الخطة التي سيتم إخبار رياض بها، و بالطبع ليست الخطة الحقيقية، إنما هذا كله من تخطيط روان لوضع رياض في الفخ الذي رسمته له..
______________
إنَّ المُحبَّ إذا رأى محبوبهُ، يُمسي قرير العينِ والوِجْدَان. ” لقائـلهــا ”
~~~~~~~~~~~~~~~~
تركت ” عائـشة” حماتها مفيدة عند أحد محلات الملابس، لتشتري لسيف بعض الملابس الجديدة ليأخذها معه في السفر، ثم اتجهت هي لمحلات الهدايا للبحث عن هدية جميلة تليق ببدر، لتُهديها له بمناسبة يوم مولده، و لكي تكون أيضًا تذكار جميل منها تكون بحوزته أينما كان..
وقعت عيناها على ساعة جميلة بداخلها صورة لاثنان من العُشاق، فابتسمت في اعجاب بها و وجهت حديثة للشاب الذي يعمل في المحل قائلة
” هو ممكن تعملي ساعة زي دي ؟ ”
رد الشاب باسمًا وهو ينظر للساعة
” آه طبعًا بس هطلب من حضرتك الصورة اللي عاوزه تحطيها في الساعة و هتكون جاهزة في خلال يومين ”
بدت علامات الاعتراض على عائشة لتقول بهدوء
” لأ يومين إيه.. أنا عاوزاها دلوقت ينفع ؟ ”
ضحك الشاب قائلًا
” صعب دلوقت يا فندم.. لو مستعجلة عليها ممكن تستلميها بكرة الصبح ”
برمت شفتاها في صمت ثم تساءلت
” الصبح امتى يعني ؟ ”
” الساعة عشرة إن شاء الله ”
” لأ مش هينفع.. طيب أنا ممكن ازود لك على سعرها بس تخلصها على بالليل و هبعت أخويا يستلمها منك.. تمام ! ”
فكر الشاب لثوان ثم أومأ قائلًا
” تمام يا فندم.. هحاول أخلصها لك على بالليل إن شاء الله ”
” بس أكيد بالله عليك تكون جاهزة بالليل ؟ ”
” خلاص يا فندم الساعة تسعة كده هتكون جاهزة.. ”
” طيب الصورة هتاخدها ازاي ؟ ”
” ده الرقم اللي بنستقبل عليها الشغل.. ”
اعطاها الرقم المدون أسفل الكارت، مما ترددت عائشة في البداية؛ خوفًا من أن يفعل بالصورة شيء ما.. فقالت بنبرة تهديد تصنعتها
” أنا جيت المحل ده بالذات عشان لقيت الناس بتشكر فيكم وفي أمانتكم.. أصل بنت عمي كانت عاوزة تعمل ساعة كده برضو عند محل مش فاكرة اسمه و اللي شغالين فيه استغلوا الصورة بس مكنوش يعرفوا إن زوجها وكيل نيابة، و وداهم في ستين داهية.. عارف عمل لهم إيه.. قفل لهم المحل و سجن الواد اللي عمل كده.. ”
ابتسم الشاب في صمت، فقد فهم المغزى من كلام عائشة، ليقول
” لا يا فندم متخافيش.. إحنا المصداقية و الأمانة أهم حاجة في شغلنا.. غير كده إحنا لنا أخوات بنات و بنخاف عليهم برضو.. ”
أومأت عائشة متفهمة، ثم أرسلت له صورة تجمعها مع بدر، و قامت بالاتصال على ” زين” لتخبره أن يحضرها لها حالما تجهز دون البوح لبدر بأي شيء..
اتصل ” بدر” على والدته لتخبره بمكان تواجدها، وعندما وصل إليها سألها عن عائشة، فأخبرته أنها ذهبت لتشتري شيء خاص..
كانت عائشة في طريقة لمقابلة حماتها و زوجها بعد أن اتصل عليها و اطمأن أنها قادمة، لفت انتباهها شجار البائعين في الشارع و رجل يقوم بضرب إمرأة أمام الجميع دون تدخل من أحد، مما ثارت ثائرة بدم عائشة و أرادت الانتقام من هذا الرجل، رغم عدم معرفتها به أو بما يحدث من الأساس..
اقتربت من الحشد الواقف يشاهد الحادثة، و قالت في انفعال بصوت عالٍ
“مفيش فيكم راجل واحد يتدخل ! خلاص.. مبقاش فيه نخوة ! ”
توقف الرجل عن ضرب المرأة التي أخذت تصرخ باستغاثة، ليهتف ناظرًا لعائشة بغضب
“و أنتِ مالك أنت يا *** يا بنت الـ ***** ”
أدمعت عين عائشة فور أن سبها الرجل بتلك الشتائم المهينة، و لكنها حبست دموعها بغيظ لتهتف هي الأخرى بصرامة
” اللي يمد إيده على واحدة ست ميبقاش راجل.. و أنت راجل ابن حرام ”
” أنا ابن حرام يا بنت الـ***** ”
حمل الرجل قطعة خشبية غليظة بيده، و أقبل على عائشة يود ضربها و الشرر يتطاير من عينيه، بينما هي ابتلعت ريقها بخوف شديد في تلك اللحظة، و قبل أن يقترب أكثر فوجئ بمن يسحبه من الخلف و يطرحه أرضًا، ثم أخذ الخشبة من يده و هوى بها على كل إنش بجسده، و الرجل يصرخ مُتألمًا دون تدخل من أحد..
صاحت عائشة بخوف
” زين خلاص.. كفاية.. الراجل هيموت.. ”
كان ” زين” مع جدته لتشتري بعض الأغراض للمنزل، و عندما رأى ذلك التجمع من الناس و سمع ذلك الصراخ من المرأة، جاء ليشاهد هو الآخر ماذا يحدث، و إذ بعينيه تقعان على الرجل وهو يقترب من فتاة يود ضربها، و بينما يدقق النظر وجد أن هذه الفتاة هي عائشة أخته..
في تلك اللحظة جاء ” بدر” مُسرعًا هو الآخر، عندما لمحت عين إخلاص جدة عائشة أحفادها يتشاجران مع هذا الرجل، لمحت أيضًا عيناها مُفيدة و بدر و معهما شابة شقراء يقفون أمام إحدى المحلات، فهرعت نحوهم و أخبرت بدر بما يحدث..
أبعد بدر ” زين” عن الرجل الذي فقد الوعي من كثرة الضرب ثم هتف متسائلًا..
” إيـه اللي حصل ؟ ”
” بيشتم أختي و كان عاوز يضربها ابن ال*** ”
قالها زين بتعصب شديد وهو يركل الرجل في بطنه، بينما نهضت المرأة التي كان يضربها منذ قليل، لتقول باكية
” الهي يسترها معاكم.. ده عم عيالي و كان عاوزني امضي على ورق بيعة للبيت اللي المرحوم سايبه لنا.. واكل حقنا حسبي الله ونعم الوكيل.. ”
” ارفعي قضية يا حجة اضمني حقك و حق عيالك ”
قالها بدر، ثم سحب عائشة من يدها التي عم الخوف قلبها و أخذ زين ليخرجوا من ذلك المكان..
تساءلت عائشة بحنان وهي تخرج منديل تمسح العرق المتصبب من جبين زين
” أنت إيه اللي جابك هنا ؟ ”
” جاي مع ستك.. كانت بتشتري حاجات ”
وقف ” بدر ” يراقب عائشة وهي تجفف جبهة زين، مُحاولًا كتم الغيرة التي تنضج من عينيه و قلبه و التي شعر بها للتو، فأدار بصره بعيدًا مما شعرت عائشة بذلك و ضحكت بخفة، لتقترب منه تضع كفها في كفه هامسة
” وحشتني ”
رد مُبتسمًا بحُب دون أن ينظر لها
” و أنتِ كمان ”
تجمعوا مع مفيدة و إخلاص و تلك الشقراء الجميلة و التي تكون شهد ابنة مُجاهد، و قد خرجت مع عائشة و عمتها لشراء شيء لوالدتها..
وقعت عين زين عليها، فأخذ يختلس النظرات بين الحين و الآخر دون أن ينتبه أحد لذلك، إلا عائشة التي تبسمت في مكر و همست في أذن أخيها
” عجبـاك ؟ ”
توتر “زين” و توردت وجنتيه من الخجل، فهو رغم خفة ظلة و روح الدعابة التي يمتلكها؛ إلا أنه لم يسبق له الدخول في علاقات مع الفتيات أو لم يدق قلبه لأي واحدة من قبل، لطالما علمه والده أن العمل و الاجتهاد والعبادة أهم من أي شيء آخر، لذلك هو لم يفكر في إقامة علاقة مع أي فتاة، حتى عندما يتعامل مع زميلاته في العمل يتحول وجه للصرامة و الجدية، لذلك لا يستطيع التعامل مع الفتيات، أو لا يعرف كيفية التعامل معهن..
تساءل بعفوية
” مين دي ؟ ”
قالت عائشة بابتسامة ماكرة
” دي شهد بنت عمو مجاهد.. تقدر تقول كده ويفر لذيذ محشي بكريمة الفانيلا.. فيها رقة شبه البسكوت لما يتسأسأ في الشاي.. ”
“إيـه ياما كل ده ! أنتِ جعانة ! ”
تساءلت بغمزة
” عجباك ؟ ”
أدار وجهه ثانيةً بخجل ليقول
” عائشة اسكتي.. أنا مليش في الكلام ده.. أنا مركز في شغلي و بس.. ”
” الحق عليا يابني إني عاوزه أفرح بيك و بعيالك”
دفعها برفق لتسير بجانب زوجها هاتفًا
” أنتِ يا بت هتشتغلي خاطبة و لا إيه ! روحي امشي جنب زوجك و متوجعيش دماغي.. ”
سارت عائشة بجانب بدر وهي تضحك على أخيها، بينما هو ظل يراقب ” شهد” في صمت وعندما تلتفت يستدير هو في الحال؛ لكي لا يتم الامساك به مثل اللص، و بالطبع عائش الثرثارة لن تصمت.
______________
عندما يتراكم عليك كلُّ شيءٍ، وتصل إلى نقطةٍ لا تتحمَّلها، إحذر أن تستسلم، ففي هذه النقطة قد يتغيرُ قدرك للأبد.
– جلال الدين الرومي .
~~~~~~~~~~~~~~~~
وصل التوتر لقُصي لأعلى مراحله من شدة اقتراب الرجل منه، فهو لم يوضع بمثل هذا الموقف في حياته، و إن كان حدث معه ذلك من قبل، فكان بالاتفاق مع صديقه إبراهيم و لم يمس جسده من الأساس، أما هذا مد أنامله يتحسس عضلات قُصي بجراءة جعلته يشعر بالقيء..
شعر قُصي في تلك اللحظة أن كرامته و هيبته تذهبان إدراج الرياح، حتى أن لسانه عجز عن النطق، مما لان قلب ” منة” التي وقفت تراقب المشهد بغيظ من ذلك الرجل، ليس غيرة على قُصي بل لشعورها بالنُفور و التَقَزُّز من أفعال هذا الشاذ الشنيع..
تقدمت منة بشجاعة وهي ترمق الرجل بتحذير، ثم بجرأة منها أنزلت يد الرجل عن جسد قُصي، و هتفت في صرامة
” It’s mine”
لم ينظر لها الرجل من الأساس، أو تجاهلها وهو يقوم بإزاحتها بطرف يده كأنها شيء غير مهم، ثم قال لقُصي بنظرات حالمة
” ما رأيك أن نقضي الليلة سويًا ؟ ”
شعر قُصي بغصة في حلقه، بينما منة اشتعلت بالغضب رغم أنها لم تفهم لكنته و لكن تلميحات وجهه كافية لاظهار البُغْض، فهتفت ثانيةً باللغة التي تعرفها و التي يفهمها الجميع ببساطة
“This is my husband, please go away”
خفض الرجل بصره لمستوى قامتها، ثم تحدث ساخرًا
” حسنًا، سأشتريه منكِ ”
شعر قُصي أنه مثل الدمية بالنسبة لهذا الرجل، و إن لم يعترض الآن سيتبخر الجزء الباقي من رجولته، فقال بنبرة هادئة حتى لا يكتشف أمرهما
” عذرًا سيدي، زوجتي تشعر بالغيرة.. هي لا تفهم اللغة التي نتحدث بها الآن.. ما رأيك في غرفة لنا سويًا منعزلة عن تلك الضوضاء و أيضًا بعيدًا عن زوجتي الغليظة ”
اتسعت ابتسامة الرجل ليقترب أكثر من قُصي هامسًا
” فكرة رائعة.. أعدك أن تستمتع معي، لدينا الكثير من المرح لنفعله الليلة.. هيا بنا يا عزيزي ”
” ده أنت أقذر من الخنزير أقسم بالله ”
” ماذا قُلت ؟ هل ذكرت الله ! ”
تساءل الرجل بتعجب، فهو ملحد ولا يؤمن بوجود الله و يقدس الشيطان اعتقادًا أنه ملاذهم..
ارتبك قُصي و قال
” أنا ماسوني جديد و أعلم أنكم تتخذون الشيطان إلهًا”
تابع في خفوت..
” استغفر الله العظيم يارب.. يارب أنت عالم اللي جوايا ساعدني المهمة دي تعدي على خير ”
أومأ الرجل مبتسمًا
” نعم هذا صحيح.. أنت فتى جيد و بدأت تروق لي كثيرًا.. هل ستتخلص من زوجتك القصيرة أما أفعلها أنا ؟ ”
” دعك منها يا سيدي.. هي تعلم أنني لا أحبها و هي لا تهمني في شيء، أأخبرك سرًا.. أنت أيضًا نلت اعجابي ”
اتسعت ابتسامة الرجل و لمعت عيناه وهو يتأمل قصي كالذئب الجائع عندما يترقب فريسته، ثم أخبره أن يلحق به في الجناح التابع له في الكهف، بعد أن يتخلص من زوجته كما أخبره..
ذهب الرجل، و التفت قُصي لمنة ليخبرها بما حدث، فشهقت بدهشة
” أنت هتروح معاه بجد ؟ ”
تنهد بقلق
” بصي مش هكدب عليكِ.. أنا قلقان و مرعوب بس ده الحل الوحيد عشان أخذ منه المعلومات اللي عاوزها وأول ما أوصل لحاجة هتواصل بيكِ فورًا تتجهي للمكان اللي هقولك عليه.. فهمتي؟ ”
تأملته للحظات بخوف شعرت به تجاهه، فقالت في خفوت
” خلي بالك على نفسك ”
” متخافيش عليا.. أنا عارف هتصرف ازاي.. خلي بالك أنتِ على نفسك.. ”
قالها ثم استدار ليذهب، و لكنه تذكر شيء ما فالتفت إليها ليقول بنبرة حنونة
” منة.. أنا اعتبرتك زي أختي.. حاولي تندمجي معاهم بدون ما حد يقرب منك ”
ابتسمت بعفوية و قالت
” رغم إني مش بطيقك بس إحنا في غربة و ولاد الأرض الواحدة لازم يخافوا على بعض ”
ابتسم لها ابتسامة أخيرة ثم ذهب باتجاه الجناح الخاص بالرجل الذي علم قُصي من أحد الرجال السكارى أنه الذراع الأيمن و المساعد لكبار الزعماء و يعتبر هو المشرف على ذلك المحفل، و كما أخبره أيضًا اللواء عزمي أن ذلك الرجل والذي يدعى ” سام إدوارد ” يميل للشذوذ و يحب ممارسته مع اوسم الشباب في المحفل، و لشدة جمال ملامح قُصي كان عزمي يتوقع أن يقع الاختيار عليه، و بالفعل لم يبحث سام بعينيه كثيرًا، فعندما وقعت عيناه على قُصي كان هو المُختار..
دلف قُصي للجناح الخاص بـ ” سام إدوارد ” وهو يرتجف من أن يجن جنون الرجل ويهجم عليه، فقال في محاولة منه للهروب من نظراته
” ما رأيك أن نحتسي بعض الشراب أولًا ؟ ”
” لا أمانع ”
قالها الرجل وهو يمد يده لفك أزرار قميص قُصي، فابتعد الأخير مُعللًا بتوتر
” دعني أذهب لدورة المياه أولًا ”
ضحك سام بوقاحة و قال
” افعلها أمامي، أحب مشاهدة ذلك ”
” الهي يعملوها على قبرك يا بعيد.. يارب انجدني”
قالها قُصي في خفوت وهو يكاد يبكي، حتى أنه نسي الخطة التي جاء من أجلها..
هتف الرجل في مرح وهو يقوم بتشغيل الموسيقى
” ما رأيك أن ترقص لي قليلًا، مؤخرتك جميلة”
نظر له قُصي بغباء و اتسعت عينيه بصدمة هاتفًا بعفوية
” أنا حقًا أعترض ”
” لماذا تعترض يا فتى؟ أرى أن جسدك سيكون جيدًا في الرقص.. هيا جرب.. لا تخف ”
” و تحب أرقص لك بقى على ده عينه مني ولا شطة نار ! ”
هتف بها قُصي باعتراض و على ملامحه السخرية، فبدا الرجل أنه لم يفهم شيء فقال
” ألا تجيد الرقص ؟ ”
لم يرد قُصي من شدة صدمته، فتابع الرجل غامزًا له..
” حسنًا لا عليك.. انزع ثيابك ”
” ده أنا هنزع روح أمك دلوقت يا متحرش يا قليل الأدب ”
تساءل الرجل بعدم فهم
” لماذا تتحدث بصوت منخفض.. ماذا تقول ؟ ”
حمحم قُصي و أردف
” ما.. ما رأيك أن نتشارك كأس الجعة سويًا؟ ”
أومأ سام مبتسمًا، فقد راق له قصي كثيرًا
” إذا كنت مُصممًا، فلا مانع لدي.. ”
ابتسم قُصي و غمز له قائلًا في خفوت
” ده أنا هدلعك.. اصبر عليا يا خنزير البراري أنت”
اتجه سام للمرحاض و استغل قُصي ذلك، في تفريغ زجاجة المنوم التي وضعها بجيبه، في الكأس الخاص بالرجل، و انتظر قدومه على الفراش بعد أن خلع قميصه و أظهر عضلات صدره؛ حتى لا يثير أي شكوك لدى سام..
جاء سام و عندما رأى قُصي بتلك الوضعية، ابتلع ريقه و قبل أن يهجم عليه، نهض قُصي سريعًا وهتف بكل تلقائية
” لا ياروح أمك.. أنا مش رخيص ”
قبض الرجل حاجبه في استغراب متسائلًا
” ماذا ؟ ”
” أريد أن يكون الهجوم من نصيبي.. ما رأيك؟ ”
قالها مع غمزة بدت غبية منه وهو يصطنع الاعجاب به، فوافق سام مُرحبًا بتلك الفكرة، مما أعطاه قُصي الكأس فتناوله سريعًا و انتظر الهجوم الذي وعده به قُصي، فاقترب الأخير منه ثم داعب وجنتيه تحت نظرات الاستمتاع من الرجل، ليقول قُصي وهو يأخذ تلك المزهرية على الكومود و يضربه على رأسه
” بالشفا يا عمو سامية ”
سقط الرجل في الحال، فقال قُصي ضاحكًا بانتصار
” كده المنوم يشتغل أسرع.. ”
ثم تابع وهو يركله في جنبه
” أنا شريف و هفضل طول عمري شريف.. سامع يا سامية العامية ”
هبط على جيب الرجل يفتشه، فوجد معه فلاشة صغيرة، أخذها ووضعها في جهاز اللاب توب الموضوع على المنضدة، ليظهر له جميع مداخل و مخارج الكهف و بعد دقائق استطاع الوصول للمخبأ الذي وضعوا فيه الرهائن الأربعة، و قام بمحادثة ” منة” ليخبرها عن كيفية الوصول لهم سريعًا..
عرفت منة المدخل الذي سيصلها للرهائن، و بدأت في الانسحاب من المحفل بتريث و انتباه، حتى وصلت لبداية المدخل و بدأت في السير بداخله بحذر، و قُصي يحاول اللحاق بها هو الآخر دون لفت انتباه من أحد.. عندما تأكد من دخول منة للمخبأ، وقف هو في بدايته ثم أخرج جهاز صغير من جيبه و ضغط على زر به، فبدأ يتسع ويفتح حتى تشكل على شكل دائري.. ألقى بها قُصي في وسط المحفل، ليخرج الدخان منها بكثافة وهو دخان مُصنع لشل الأعضاء لعدة ساعات، بدأوا جميعًا في السقوط واحد تلو الآخر، حتى سقطوا جميعًا على الأرض، و ركض قُصي لاحقًا بمنة التي فور أن وصلت للرهائن الأربعة، و جدت شخص آخر تم تقييده معهم، اتسعت عيناها بصدمة و هتف فمها بدهشة..
” عزمي باشا !! “

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية يناديها عائش)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *