روايات

رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) البارت السابع والثلاثون

رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الجزء السابع والثلاثون

وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2)
وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2)

رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2) الحلقة السابعة والثلاثون

برأس مثقل وملابس ارتدتها سريعًا، خرجت من غرفتها تجر قدميها جرًا، ومحاولات جاهدة لمقاومة النعاس من أجل أن تستفيق جيدًا لبداية يومها.
نرجس وانتي كانت خارجة من المطبخ، تحمل طبقً الشطائر التي صنعتها، عقبت بتهكم ساخر فور أن وقعت عينيها عليها:
– يا الف مبروك، اخيرًا يا اختي اتهز بيكي السرير وقومتي!
اقتربت رؤى تتناول الشطائر لتضعها في الحقيبة، وعبوس وجهها خير دليل على المعاناة التي تكتنفها هذه اللحظة، بتأثير متأخر لما فعلته بالأمس، لتزيد من غيظ الأخرى والتي بلغ بها الحنق لتلكزتها بقبضة يدها على ساعدها.
فخرج صوتها متأوهة بألم:
– اَه، ليه كدة يا ماما؟
اقتربت نرجس برأسها منها، تهمس كازة على أسنانها:
– ما هو كله من التنطيط ورقص الجنان بتاع امبارح، اللي ما ريحتي رجلك ساعة على بعضها، تستاهلي كل اللي يجرالك، اياك يارب المُدرسة بتاعة المجموعة تفوقك بالعصاية على نفوخك لما تلاقيكي مبلمة معاها زي البهيمة كدة.
كلماتها السامة مع استعادة ما حدث بالأمس من أفعال مخزية جعلها تنتفض بوجهها مرددة:
– وفيها ايه لما ارقص ولا اتنطط حتى؟ مش فرح اختي، ولا احنا كل يوم بيجينا الفرح؟
قالتها رؤى لتتفاجأ بفعل والدتها التي لوكت فمها بتنمر صريح وعدم قدرة على إخفاء مشاعر الغضب بداخلها مرددة:
– لأ يا اختي مبيجيش كل يوم الفرح، بس لما يكون فرحنا بجد، يعني فرح اختك شقيقتك، مش المحروسة اللي داست على كرامة امك برجليها، لما كتبت الكتاب من غير ما تبلغنا، طب اعملي خاطر لزعلي ولا قهرتي حتى.
مازال الهمس هو سيد الموقف، رغم حدة الشجار الدائر بينهما، نرجس بجبن منها كالعادة، ورؤى تخشى على مشاعر شقيقتها لو سمعت، فجاء ردها بحزم :
– قالت بقى ولا مقالتش، هو انتي بيهمك أوي مصلحتها، ولا بتدخلي برأيك في أي شيء يخصها؟ انا مش فاهمة والله، ايه لزوم القلبة الكبيرة دي، يعني مش كفاية منظر بتك اللي يكسف امبارح؛ لما اتسحبت تمشي ورا خطيبها قدام كل المدعوين في القاعة، وقت كتب كتاب اختها، على فكرة بقى، منظركم كان مكشوف أوي.
كالعادة وحينما تغلبها بالمنطق رغم صغر سنها، زجرتها نرجس تنهي الحوار:
– امشي يا بت، امشي غوري روحي على الدرس بتاعك، يا للا غوري.
استلمت رؤى لتذهب، مكتفية بهذه القدر من الكره على بكرة الصباح، وكي تلحق موعدها مع المجموعة .
طالعتها نرجس حتى غادرت ثم تحركت نحو ابنتها المفضلة، والتي تلزم غرفتها منذ الأمس، مغلقة عليها بابها، في أمر لا يحدث إلا نادرًا، طرقت بخفة على الخشب المثقل منادية:
– بت يا أمنية، قافلة على نفسك ليه؟ لسة مصحتيش؟
حينما لم تجد ردًا واصلت نرجس الهتاف:
– انتي يا بت، ما تفوقي يا منيلة كل دا نوم؟
خرج صوت الأخرى بعد قليل بتأفف:
– في ايه؟ ما تسبيني يامة في حالي، عايزة انام، عايزة انام الله.
— طيب خلاص متتعصبيش، انا بس كنت عايزة اطمن عليكي، نامي براحتك يا عين امك.
قالتها نرجس قبل أن تعود لأدرجاها، تاركة الغرفة وصاحبتها، والتي كانت بداخلها مكومة على سريرها، متكتفة الذراعين، بأعين متوسعة، وذهن واعي تعيد برأسها مشاهد من الماضي وما يحدث معها الاَن في الحاضر، لقد أذلها بالفعل هذه المرة، ضربها وطردها دون وجه حق، ماذا فعلت ليسحق كرامتها هكذا؟ وهي التي تعطيه بلا مقابل وتنفذ كل أوامره.
تعلم أن العشق لطالما أعماها عن عيوبه، وكم تغاضت عما يفعله معها من سباب او انفعال على أتفه الأسباب، دائمًا ما تجد له المبرر، لكن الاَن أين هو مبرره؟ أم يظنها غبية ولن يصل لذهنها السبب الأساسي لكل هذه العاصفة الهوجاء منه؟ لقد كان مجرد شك، والأن أصبح تأكيد.
ما كان قديمًا لم يكن كذبًا، ما سمعته في ذلك اليوم كان هو الحقيقة، ذلك حينما كانت في عمر الثانية عشر، وقد كانت عائدة من دوامها الدراسي، فلم تجد أي فرد من العائلة، وقبل أن تهتف منادية على والدتها، وصلتها رائحة الطعام الشهي، لتعلم أين هي ؟
توجهت متحركة بأقدامها نحو المطبخ، لتتوقف على مدخله صامتة، حينما رأت النقاش المحتدم بين والدتها وخالتها سميرة والتي كانت تتحدث بنبرة اتهام:
– انتي لو كان هامك ابن اختك بجد، كنتي أقنعتي جوزك يا نرجس، ع الأقل ياخد وقته في التفكير، مش يقلب ع الولد القلبة السودة دي.
دافعت الأخيرة عن نفسها تقسم:
– وحياة ربنا يا شيخة كلمته، حاولت معاه مرة واتنين وتلاتة، لكنه مقفل على دماغه بقفل مصدي، دا بقى كاره يسمع اسمه حتى.
شهقت تتخصر باستهجان قائلة:
– اسم الله يا ختي، ومش طايقه ليه بقى؟ هو الراجل ده كان يطول واحد زي ابني؟ ولا اكمنه مدلع المحروسة هيستكترها عليه؟ لا يا عنيا دا الغالي وألف واحدة تتمناه.
ضربت نرجس بكف على الأخرى مرددة:
– أديكي قولتيها بنفسك، أنا بقى في إيدي إيه؟
زفرت سميرة لترد مشددة على ألكلمات:
– اتصرفي يا ختي، مش انا اسعى واجيبلك جوازة لوز، بدل البخيل القيحة اللي كنتي متجوزاه في الأول، وتيجي انتي على طلب صغير زي ده وتقولي معرفش، حاولي تليني دماغه، الواد مطين عيشتي، هيموت عليها المنيل.
همت نرجس أن تهادنها ببعض الكلمات، ولكنها انتبهت لوجود ابنتها والتي كانت ملتصقة بجانبها على إطار الباب، لتهتف بها سائلة:
– واقفة عندك ليه يا بت؟
– أنا رجعت من المدرسة وكنت عايزة اكل يامة
قالتها كرد على السؤال قبل ان تنهرها خالتها:
– روحي على اوضتك الأول واتشطفي، على ما امك حضرت الغدا، ياللا يا أمنية .
انصاعت للأمر، لتخرج وتتركهما يكملون الباقي من الحديث، وقد اكتفت هي بما سمعته، لتظل الذكرى برأسها، طوال السنوات التي مرت بأحداثها المختلفة، لتنقلب الاَية، ويصبح ابراهيم هو من نصيبها، بعد أن كبرت، وقد أقنعت نفسها بأنه نسي الأخرى، مع أنها هي نفسها لم تنسى، وقد كانت شهد هي منافسها الرئيسي على قلب الرجل الوحيد الذي ملك قلبها.
❈-❈-❈
بمجرد أن فتحت له الخادمة باب المنزل، دلف بخطواته السريعة، يسالها على عجالة بدون انتظار:
– جاسر باشا فين؟ روحي اندهيلوا بسرعة .
كان قد وصل إلى البهو الداخلي، ليفاجأ بزهرة تهبط الدرج حاملة ابنها الصغير، وبادرته القول:
– جاسر لسة صاحي من شوية، هو انتوا رايحين الشغل النهاردة الجمعة كمان؟!
حاول الرد ببعض التريث حتى لا يثير ارتيابها:
– صباح الخير الأول يا زهرة هانم، في الحقيقة احنا مش رايحين الشغل ، انا بس كنت عايزه في حاجة تانية، هو فين؟
قال الأخيرة بلهفة لم يقدر على كبتها، وجاء ردها بتوجس:
– ايه الحكاية يا امام؟ هو لدرجادي الموضوع مهم.
اومأ باستسلام يجيبها، فليس لديه وقت للمرواغة:
– بصراحة اه، معلش لو هزعجك، ممكن تستعجليه بنفسك، وسامحيني لو مش هقولك، عشان بصراحة مفيش وقت.
بعد قليل
ولج إليه جاسر بداخل غرفة المكتب التي فضل انتظاره بها، يسأله بقلق:
– ايه الحكاية؟
رد مباشرةً ودون انتظار:
– الراجل اللي زارعه وسط رجالة كارم، بلغني النهاردة انهم لقوا حامد، وهو دلوقتي محبوس في بدروم الفيلا، يعني يا نلحقه يا منحلقهوش.
❈-❈-❈
الحركة الغير عادية بالشقة جعلتها تخرج من غرفتها مبكرًا عن ميعادها الاساسي في يوم أجازتها من العمل، والتي تقضي معظمه في النوم، كانت زبيدة تنظف بقطعة قماش قديمة وتمسح على الزجاج وأطراف الخشب في الصالون، وكل ما تقع عليه عينيها، رغم استبناطها للسبب الذي يدفع والدتها لهذا الأمر، نبهتها لوجودها بالسؤال الساخر:
– ايه يا ست الكل الهمة والنشاط دا على أول الصبح، احنا جاينا ضيوف اياك؟
طالعتها بنظرة كاشفة لتجيبها بنفس الأسلوب:
– اه يا غالية تصدجيها دي؟ بس ايه عاد، ضيوف زينة وحاجة تشرف كدة.
تقلص وجهها بامتعاض لم تخفيه أمام والدتها، والتي أضافت بعدم اكتراث:
– وياللا انتي كمان يا حبيبتي، افطري بسرعة عشان تشوفي وراكي ايه؟
صاحت صبا باعتراض وعدم تقبل لهذه التحضيرات المبالغ فيها:
– ورايا انا كمان؟! ما انتي مخلية البيت بيلمع اها،
دا غير الفاكهة والحلويات اللي جابها ابويا امبارح وعبت التلاجة جوا ، ولا جلابية الصوف اللي خلاني اكويها من عشية عشان المجابلة الهامة، هو احنا جاي لنا رئيس الجمهورية يعني وانا مش عارفة ولا ايه بالظبط؟
أوقفت زبيدة ما تقوم بفعله لتلتف إليها قائلة ببساطة أذهلتها:
– لا يا حبيبتي مش رئيس الجمهورية، بس دا عريس متجدم لبتي، يعني لازم اشرفها انا وابوها بالضيافة الزينة، وهي بجى تشرف نفسها بنفسها.
زوت ما بين حاجبيها بعدم فهم وصل للأخرى، فتابعت لها بتشديد:
– يعني تهتمي بنفسك يا صبا، انا مش طالبة منك حاجة تانية، تلبسي، تتزوجي، تشوفي الحاجات دي اللي بتعملها البنتة في الأوقات اللي زي دي، فهمتي يا زينة البنات.
ردت تجاريها بابتسامة صفراء:
– فهمت طبعًا، حاضر يا ست زبيدة، اروح بس اشوف رحمة عايزاني في ايه؟ وهاجي اعمل كل اللي انتي عايزاه.
قالتها وتحركت على الفور، عقبت والدتها من خلفها بتوتر:
– ودا وجته يا صبا تروحي بيوت الناس وفي يوم زي ده؟
ردت متابعة السير نحو باب الخروج دون أن تلتفت لها:
– احنا في اول اليوم يا ست الكل، لسة عريس الهنا جدامه وجت طويل على ما ياجي.
انتظرت زبيدة حتى تخرج لتتمتم بعدم رضا :
– ولزوموا ايه الروح والمجي، ولا تعب الجلب اساسًا…… وانتي طريجك معروف يا بت بطني.
❈-❈-❈
التوتر، والقلق الذي كان يعصف به، ليلة طويلة قضاها في الفكر والسهد، حتى اشرقت شمس الصباح، ليبدأ مرحلة العذاب في الأنتظار والترقب كل دقيقة لباب المنزل، متوقعًا ظهورها، صداع يفتك برأسه وهو على حاله من افكار متلاحقة، وتساؤلات وهواجس، لا يستطيع التوقف عنها، لقد حسم الأمر، ولابد من العثور مرسى لتحط سفنه بالقرب منه، لم يعد يملك رفاهية التمهل أو التأجيل، لابد أن يعرف رأيها اليوم والاَن، حتى يحدد أمره بعد ذلك، إما معركة الدفاع عن حقه بها، وإما البحث عن مأوى آخر له بعيدًا عن محيطها، سواء في العمل او حتى المسكن.
صدر صوت جرس الباب، لينتفض من مقعده قرب المدخل، وبلهفة فتح، ف ارتدت أقدامه للخلف بإحباط وقد خاب أمله بالزائر؛ والتي ردد اسمها بصدمة:
– سامية.
– اه سامية، صباح الخير يا شادي عامل ايه؟
قالتها وهي تدفع بنفسها لداخل المنزل، وتغلق الباب بعد أن أعطاها ظهره عائدًا أدراجه، فرد إليها التحية بصوت ميت:
– صباح الخير اتفضلي يا سامية.
عقبت من خلفه بتذمر، وهذه اللهجة المائعة التي تتعمد التحدث بها هذه الأيام لتزيد من حنقه:
– ومالك كدة بتقولها من غير نفس، هي دي مقابلة برضوو.
إلتف نحوها يجلس بتعب على كرسيه، وليرد بتأسف متجنبًا الجدال معها:
– معلش متاخديش عليا، اصلي صاحي مصدع.
ردت بجرعة زائدة من النعومة:
– صاحي مصدع، سلامتك الف سلامة، تحب اعملك حاجة سخنة تخفف ولا انزل الصيدلية اجيب لك برشامة؟
رفض العرض هاتفًا بحزم:
– لا دي ولا دي يا سامية، فنجان القهوة في ايدي والبرشامة جوا في الأجازخانة هروح اتناولها بنفسي واشربها، ريحي نفسك انتي.
مطت شفتيها تلوك داخل فكيها العلكة التي لا تغادر فمها تقول:
– خلاص يا عم بس من غير زعيق، هو انا قولت حاجة غلط يعني.
زفر يشيح بوجهه عنها، يقلب عينيه بتعب، ليس لديه أدنى طاقة لها، وحين لم تجد هي ردًا منه مصمصت بشفتيها تتابع:
– يا سيدي ولا تزعل نفسك، انا اصلاً جاية لرحمة مرات اخويا اقعد معاها شوية.
قالتها وتحركت نحو غرفة شقيقته، ضعف تركيزه جعله لا يستدرك سوى بعد أن دخلت إليها، لينتفض مرددًا:
– يا نهار اسود ودا وقته.
وليكتمل أحباطه، دوى صوت جرس المنزل وكانت هذه المرة صبا .
– صباح الخير.
القت التحية بوجهها الصبوح وصوتها الرقيق، ليتلجم عن الرد، طاردًا من صدره كتلة كثيفة من الهواء المشبع بيأسه، لاعنًا حظه البائس دومًا، فقد كان ينقصه سامية في هذا الوقت الحساس، لتقطع عليه الفرصة التي كان يترجاها منذ الأمس، لا بل قبل ذلك بكثييير.
اربكها فعله الغريب وهذا الصمت حتى عن رد التحية، فقالت باضطراب:
– انا كنت جاية لرحمة على فكرة، لو لسة نايمة خلاص اجي في وجت تاني….
– استني يا صبا.
هتف بها قبل أن تستدير عنه ذاهبة فقال مبررُا:
– رحمة صاحية، بس المشكلة هي ان سامية عندها دلوقت.
– اممم.
زامت بها بتفهم، لترد بابتسامة ساخرة:
– يبجى كدة انا هجيها في وجت تاني برضوا، لأن بصراحة سامية دي ما بيطجنيش.
حينما التفت هذه المرة وفور أن تحركت خطوتين، تفاجأت به، يهتف بحزم يوقفها:
– صبا ممكن دقيقة؟
انتظرته حتى خطأ الخطوتين ليقابلها قائلًا بحسم ما يدور بداخله:
– بصراحة انا اللي عايزك في كلمتين مش رحمة، وبما ان البيت مش فاضي مضطر اعرض عليكي تقابليني برا.
ارتدت للخلف تنظاره باندهاش، فتابع مستطردًا:
– عارف ان طلبي غريب، بس والله ما عندي فرصة، لازم اخد رأيك في حاجة ضروري ودلوقتي حالًا….
ظلت على صمتها بحيرة، لا تعرف إجابة جيدة للرد عليه، ليضيف هو:
– انا نازل دلوقتي انتظرك في الكافيه اللي في اخر الشارع، بتمنى لو عندك ذرة ثقة فيا، تيجي وتسمعي مني، ولو رفضتي طبعا انتي حرة، مع إني اتمنى متكسفنيش.
❈-❈-❈
ليلة كاملة قضاها تحت التحقيق من رجال لا يعرفون الرحمة، ولا حرمة العيش والملح فقد كان زميلهم والبعض منهم كانوا أصدقائه، ولكن لما الاستغراب فهو أيضًًا لو كان محلهم لفعل أكثر من ذلك.
جسده قوي ويتحمل الضربات رغم قسوتها، هذا ما كان يردده بداخله من أجل الا يستسلم، قبل أن ينزل إليه صاحب الأمر نفسه.
بخطوات متأنية وقد بات ليلته على الفراش بكل برود، واجهة لامعة لشخص مخيف، لا يعلم بطبيعته سوى من اقترب منه وعرفه جيدًا،
يتقدم رجاله كفهد يترأس مجموعة من الوحوش.
اقترب حتى وصل إليه، ليجلس على الكرسي المقابل للكرسي المقيد به، جلس وضاعًا قدمًا فوق الأخرى، يطالعه بصمت ليزيد من بث الرعب بقلبه، تمعن في هيئته من شعر رأسه حتى حذاء قدمه في الأسفل، قبل أن يخرج صوته اَخيرًا:
– لسة جامد زي ما انت، ليلة كاملة من الضرب فيك ويدوب بس علموا بشلفطة على الوش وكام تعويرة ع الجسم،
اصدر صوت طقطقة غير راضية بفمه قبل أن يرفع رأسه مخاطبًا لهم جميعًا:
– طب ما هو عنده حق طيب يلف ويحور معاكم، من غير ما يديكم معلومة مفيدة، رجالة ورق، انا لازم اغيركم على فكرة .
نكس الرجال رؤسهم بخزي، ودافع حامد عن موقفه برعب:
– ما انا قولت على كل حاجة يا سعادة الباشا، الست دي هي اللي ضحكت عليا والختمة الشريفة انا ما اعرف اي حاجة عنها، دي رسمت عليا خطة عشان اصدقها، تحب احكيلك.
اطلق كارم ضحكة عالية، خالية من أي مرح، ليقول ساخرًا:
– قصدك ع التمثلية الهبلة دي اللي عمال تعيد وتزيد فيها من امبارح، انك كنت فاكرها صاحبة الهانم وهي ادتك حاجة اصفرة خلتك زي السكران ومش واعي للي بتعمله…. يا بني طب احبُك الرواية عشان اصدقها
حاول حامد ان يبتلع في ريقه الذي جف ليجدد الكذب علّه يجد المخرج:
– والنعمة يا باشا زي ما بقولك كدة، طب تحب احلفلك ع المصحف.
حافظ كارم على ضحكاته الغريبة ليردد بهدوء مريب:
– لا لا يا حامد من غير ما تحلف، انا هعرف دلوقتي بنفسي، فكوه يا رجالة
قال الاخيرة ونهض يفاجئه بخلع سترته، وهؤلاء الرجال التفوا حوله، من أجل حل القيد الشديد على نصفه الأعلى، اثناء خلع الاخر لقميصه بعد ان فتح ازراره، ليجده أمامه عاري الجزع، لا يرتدي سوى البنطال، وبعد أن تحرر من قيوده هتف عليه بحزم:
– اقف ياللا ووريني شجاعتك.
انصاع حامد للأمر ولكنه تسمر محله بعدم فهم، فصاح الاخر بصوت جهوري:
– بقولك اتحرك واقرب مني، خلينا نعمل مواجهة متكافئة بين راجل لراجل.
ظل حامد على موقفه مذهولاً لا يصدق ما يردف به هذا المعتوه، وفرق القوة بينهم سوف تكون لصالحه على الأكيد.
هذا قبل أن يباغته الاَخر بضربة قوية بالقدم التي طوحها في الهواء لتقع على ركبتيه اسقطته ارضًا، وقبل أن يستوعب وجد سيلا من الضربات الموجعة، يتلقفها جسده بعشوائية وسرعة، لا تمكنه من الصد او الوقوف، فاستمر كارم مستغلاً خبرته السابقة في السيطرة على خصومه مهما كان احجامهم، وقد حصد العديد من البطولات اثناء دراسته.
ولكن ما سبق كان تمهيدًا، قبل أن يهجم مرة واحدة ليجثم بجسده عليه، فجلس بثني ركبتيه ، واحدة على نصف ظهره، والثانية على الرقبة من الخلف، ليصبح وجه حامد متساويًا بالتراب الذي دخل لحلقه مع الصرخات التي كانت تصدر بصوت عالي، بعدم احتمال لألم الذراع الذي لفه كارم نحوه للأعلى، ليصبح نقطة ضعف جيدة بيده للضغط عليها، مع بدأ تحقيقه:
– عرفت جيرمين منين من غير لف ولا دوران؟
خرج صوت حامد برجاء:
– والله ما كنت اعرفها، دي واحدة رقاصة اسمها سوزي هي اللي دلتني عليها، انا اخري كنت بروح الكباريه عندها.
رد كارم بخشونة وقسوة:
– تقول على مكانها بالظبط، هي والكلبة التانية اللي هربت معاها، جيرمين كات عايزة تعمل كدة في مراتي ليه؟
صرخ حامد بدفاعية:
– والله ما اعرف مكان جيرمين فين، ولا اعرف سر العداوة اللي ما ببنها وبين الهانم مراتك، الحاجة الوحيد اللي سمعتها بالصدفة هي ان في فيدوهات ما بينهم، لكن هي ايه الفيدوهات دي، برضوا معرفش.
– ردد كارم يغمغم بتساؤل خطر:
– فيدوهات ايه دي اللي ما بين مراتي وجيرمين؟
تابع حامد استعطافه:
– روحوا عند سوزي، هي اللي جابتلي باقي الفلوس، يبقى أكيد تعرف مكانها مش انا.
نفض كارم رأسه مؤجلًا البحث في الإجابة عن السؤال الهام الاَن، ليستفيق سريعا، ويواصل التحقيق مردفًا بحدة:
– سيبنا من جيرمين وسوزي، خلينا في الهانم مرات واللي نعمتك، بتحط ايدك عليها لييييه؟
زاد من الضغط على عظم الساعد حتى اصبح على وشك الكسر، لتخرج تأوهات الاَخر ببكاء، وهذا يستمر بدون رحمة مستطردًا بشراسة:
– اختارلك حاجة من الاتنين، افقع عينك اللي بصت لها ولا اكــسر ايدك اللي لمستها؟ اختااار.
لم يقوى حامد على الاختيار وكان بكاءه هو الرد، فجاء فعل الاَخر مرافقًا لقوله:
– انا بقول نبتدي بالإيد وبعدها نفقع العين.
صدرت صرخة قوية خرجت من القبو لتصل حتى حراس المنزل في الخارج، وقد تمكن من كسرها بدون تهاون، قبل أن يجفله أحد الحراس بقوله:
– كارم باشا في ناس عايزينك.
– ناس مين؟
سأله قبل أن يتفاجأ بحضور مجموعة من رجال اغرباء يتقدمهم، جاسر الريان برفقة حارسه الشخصي إمام، وكانت المفاجأة هو الرجل الثالث، والذي هتف يأمره حازمًا بحكم وظيفته:
– ارفع ايدك عنه يا كارم، متأزمش الموقف اكتر من كدة.
نهض عن الرجل ليغمغم بعدم تصديق:
– امين ابن عمي! انت يا أمين!
تدخل جاسر متكفلًا بالرد:
– امين ابن عمك جايلك بصفة شخصية عشان نلم الموضوع، خليه يقبض عليه ويجيب منه كل المعلومات اللي عايزينها، مفيش داعي تأذي نفسك بأذيته.
علق أمين هو الاَخر بعدم رضا:
– وايه اللي فاضل تاني؟ دا كسر دراعه، ورقده زي الجثة، سيبني اخده يا كارم قبل ما يموت في إيدك ، على الأقل نلاقي منه فايدة.
❈-❈-❈
– اخيرًا جيتي يا نور، دا انا افتكرت خلاص استغنيتي؟
قالتها الطبيبة ببعض العتب اللطيف، وجاء ردها برقة كعادتها
– لا والله يا دكتورة، دي شوية ظروف كدة حصلت في البيت عندنا، هي اللي عطلتني.
سألتها الطبيبة بمغزى:
– أرجوا متكونش الظروف دي تخص الاعتراف اللي فات، دا احنا حتى مكملناش.
ردت بابتسامة ضعيفة تنفي:
– لا اطمني…. الحمد لله مصطفى متفهم، ياريت كل الناس زيه.
– ربنا يحفظكم لبعض.
قالتها الطبيبة بتمني قبل أن تتابع قائلة:
– طب كدة بقى نخش ع الجلسة، اتفضلي معلش، ومددي ع الشليزلونج.
نهضت مزعنة لطلبها دون مجادلة، وبعد لحظات قليلة من الاسترخاء، بدأت الجلسة بسؤال الطبيبة
– احنا كنا وقفنا في المرة اللي فاتت عند كمال عز الدين، جوزك السابق والأطفال اللي……
– سقطهم.
تفوهت بها بشرود وقد عادت بذاكرتها، داخل هذه الحقبة السوداء من عمرها، فقالت الطبيبة:
– بس انا عندي فضول أسألك وياريت تجاوبي المرة دي، كمال عز الدين، كان بيعرف بتسقطي الأطفال ولا لأ؟
صمتت قليلًا قبل أن تجيبها:
– أنا كنت فاكرة انه ميعرفش، لأني مكنتش بجيب سيرة الحمل من أساسه، اول اما اعرف اجري بخوفي على واحدة صاحبتي في المجال، كانت دايمًا بتطمني وبعدها تاخدني من إيدي على دكتور قريبها، ويتم الأمر في سرية تامة.
سألتها الطبية:
– مفيش مرة راجعتي نفسك فيها يا نور وقعدتي تفكري انك تحتفظي بالبيبي
دمعة ساخنة سقطت على جانب وجهها وخرج صوتها باختناق:
– مكنش ينفع حتى التفكير، انا كنت بحارب عشان اخرج من عيشته اللي كان غاصبني عليها، ودا طبعا بفضل الأوراق اللي مضتها بغبائي مع عقد الفيلم، حمل وجنين معناها ورقة جديدة للضغط عليا، وفي كل الأحوال مكنش ينفع.
– اتخلصتي منه ازاي؟
سألتها الطبيبة بتأثر، فخرجت منها تنهيدة مطولة يتخللها الارتجاف ثم قالت:
– فرصة العمر اللي كنت بحلم بيها اتحققت لما قابلت مخرج كبير اَمن بموهبتي، وعرض عليا دور مهم في بطولة جماعية، انا ساعتها اخدتها حياة أو موت، كتمت ع الخبر ولاعبت كمال لحد اما قدرت اوصل للأوراق اللي كان ماسكها عليا وسرقتها وحرقتها، بعدها خرجت من عنده واخدة حريتي بالفستان اللي عليا ورفعت قضية طلاق وكسبتها، والدنيا زهزهت معايا، الفيلم نجح واتعرفت انا وانفتحت ابواب الشهرة قدامي، واما افتكرت الدنيا ضحكتلي خلاص، حصلت الحادثة……
توقفت لتثير فضول الأخرى في متابعة الأسئلة:
– حادثة ايه اللي حصلت معاكي؟
التفت رأسها نحوها لترد بوجه غلفه الغموض:
– الحادثة حصلت لكمال مع ابنه الوحيد من مراته الأولى.
قالتها وعادت مرة أخرى لشرودها تتابع:
– عربية انقلبت بيهم، الولد مات ووالده تقريبًا اتشل او حصل حاجة في ضهره منعته من المشي، المهم اني لما سمعت قولت اعمل بأصلي واروح ازوره في المستشفى، ويارتني ما روحت.
” – جاية ليه يا نورهان؟
هتف بها بأعين مشتعلة فور ولوجوها لداخل الجناح الخاص به في المشفى، وقد كان ممدًا على سريره الطبي، يغطي نصف جسده ملاءة بيضاء، وجروح متفرقة في الوجه، بالإضافة لكسر واضح بذراعه الأيمن. باغتها بهذا التحفز المبالغ فيه رغم صعوبة وضعه بهذه الحالة، حتى خرج صوتها باضطراب:
– يعني هكون جاية ليه؟ أكيد عشان اطمن واعمل الواجب، ربنا يصبر قلبك على الفقيد.
صرخ غير ابهًا بخطورة الانفعال على صحته:
– تطمني برضوا ولا تفرحي؟ يعني مكفاكيش اللي عملتيه فيا، وولادي اللي موتيهم في بطنك، عشان تيجي دلوقتي وتشمتي في اللي راح، اطمني اوي يا نجمة يا مشهورة، أنا اتقطعت ذريتي من الدنيا خالص بفضلك، يعني هفضل كدة وحيد لحد ما اموت وانتي السبب .
صراخه اجبر الممرضات على الدخول فورًا لرعايته ومهادنته، مع استدعاء الطبيب المكلف بعلاجه:
– كمال بيه، براحة على نفسك، انت مش حمل الجهد المضاعف ده
واصل أمام حالة الذهول والفزع التي بدا جليًا على ملامحها، وكأنه لم يسمع شيئًا:
– كنتي فاكرة اني مش هعرف باللي عملتيه، لكن ربنا فضحك عشان اعرف جحودك، يا ناكرة الجميل، زي ما حرمتيني من ولادي، انتي كمان ربنا هيجازيكي، الولاد اللي موتيهم بإيدك ولا هتشوفي ريحتهم تاني يا نور، هتخرجي منها وحيدة، زي ما هخرج انا منها وحيد، منك لله، منك لله”
على صوت بكاءها الحارق ولسانها يتمتم بنبرة تخللتها الندم والحسرة:
– مكانش بيكدب، مكانش بيكدب، انا ربنا بيجازيني زي ما قال، انا ربنا بيجازيني.
اغلقت الطبيبة دفترها، وتوقفت تتابعها، مرجئة التحدث حتى تنتهي وتهدأ، وقد وضعت اخيرًا يدها على موضع الجرح.
❈-❈-❈
بداخل الجناح الذي خلى من أفراد اسرته الصغيرة بالقصر، قضى ليلته السابقة على فراش أحد اطفاله، وقد باءت جميع المحاولات في استردادهم بالفشل، مع هذا التعنت التركي والعنجهية المتأصلة، ولكنه لن يستسلم، ولن يعطيها حريتها في الانفصال، الا وابناءه في حوزته، انها الاَن مجرد استراحة ليرتب أولوياته، والأولى له في هذه اللحظة يعلمه جيدًا، ويسعى لتحقيقه، وقد ساهمت زوجته العزيزة في تسهيل الأمر.
خرج بكامل أناقته، بخطوات مسرعة نحو الهبوط للطابق الأول، في طريقه للخروج، ولكنه توقف فجأة على نداء شقيقه من خلفه:
– عدي .
اجبر نفسه على الإلتفاف ليرد بابتسامة مصطنعة:
– نعم .
القى مصطفى بنظرة شاملة على هيئته، وهذه الحيوية، بمظهر مضاد تمامًا عن المتوقع، لر فشل في نجاح المهمة التي سافر من أجلها في استعادة أطفاله، ليثير بداخله الإرتياب وهو يخاطبه:
– حمد الله ع السلامة الأول، انا جيت امبارح متأخر من الشغل وما شوفتكش لما وصلت من السفر.
– الله يسلمك.
تمتم بها باقتضاب متململًا في وقفته، مما جعل الاَخر يردف ساخرًا:
– واضح ان معطلك عن مشوارك المهم، بس بصراحة انا كنت عايز اعرف وصلت لايه مع جد ميسون.
زفر يمسح بأطراف أصابعه على جانبي فكيه يردف كلماته بقصد:
– انا فعلا مستعجل، بس دا ما يمنعش اني اقولك عن صلف الراجل وتعتنه المبالغ فيه معايا، والشروط التعجيزية اللي فرضها عليا في رؤية الولاد…. فاكرني مدام لوحدي ومن غير ضهر مش هعرف اتصرف.
ابتسامة جانبية لاحت على وجه مصطفى واضعًا كفه في جيب بنطاله، ليرد بثقة وقد وصله مغزى كلماته:
– واضح انك جاي معبي، مع ان شكلك يا أخي، ميدلش أبدًا انك زعلان .
رد عدي بتحدي:
– عشان مش هسيب نفسي قصاد التنازل او اقعد تحت رحمتهم واعطل خططي، هعيش حياتي وانفذ اللي في مخي، واهي بركة انها جات منهم،
– يعني ايه؟
سأله بنبرة قلقلة تغاضى الاَخر عنها ليلتف بجسده عنه قائلًا:
– ما انا قولتلك اني هعيش حياتي، سلام بقى وبكرة تفهم قصدي.
نظر مصطفى في أثره وهو يغادر من أمامه، يغمغم بعدم ارتياح:
– واضح اوي ان الموضوع المرة دي مش مجرد نزوة، وباين ميسون كان عندها حق
❈-❈-❈
بتوتر شديد وحيرة من الأمر تعصف بها، ولجت بداخل المقهى الذي ذكره لها، تقدم قدم وتؤخر الأخرى، لا تعرف من أين أتتها الجرأة لتفعل؟
اشار إليها بكفه من موضعه، لتنتبه على وجوده في جانب منزوي الى حد ما عن باقي الرواد
خطت نحوه، حتى إذا وصلت إليه، أجلسها بإشارة من كفه قبل أن يعود إلى مقعده:
– اتفضلي يا صبا، الف شكر انك لبيتي الدعوة.
قالها بنبرة ممتنة بشدة، وجاء ردها بخفوت وخجل:
– بصراحة انا نزلت بالعافية، بعد ما جولت لأمي اني نازلة اجيب من المكتبة كريمات وحاجات للبنات، يعني عشان المناسبة اللي عندنا.
اطرق برأسه يخفي انفعاله لمجرد ذكر الأمر أمامه، حاول استجماع شجاعته، للدخول في الموضوع مباشرةً، ولكن كيف يبدأ؟
– مستر شادي انا مستعجلة والله….
– عشان العريس….
أجفلها بمقاطعته، ليزيد من دهشتها حينما تابع:
– انتي عندك استعداد توافقي عليه يا صبا بناءً على الموصفات اللي قالها والدك؟
قطبت تطالعه بعدم فهم، لا تستوعب تدخله في هذا الشأن الخاص، ثم ابتلعت ريقها تجيبه ببعض الزوق رغم احتجاجها:
– انا اسفة يا مستر، بس بصراحة انا مستغربة السؤال،…. وحضرتك يعني جولت ان انك عايزني في موضوع مهم…..
قالتها لتسبل اهدابها عنه بحرج، ترجو الا تكون بالغت في اعتراضها، ولا تعلم ان ردها كان سببًا في حثه على الدخول مباشرة في حديثه:
– ما هو دا الموضوع يا صبا .
رفعت رأسها إليه باستفهام، ف التقط نظرتها ليردف: – عشان انا عايز اتجوزك يا صبا.
برقت عينيها وتوسعت بذهول، لا تصدق ما وصل لاسمعاها، فتابع يطلق سراح الكلمات المحبوسة بداخله:
– ايوة يا صبا انا بحبك، حتى وانا عارف بفرق السن اللي ما بينا، حتى وانا عارف انك تستاهلي واحد اصغر واحلي مني، واحد يدلعك ويعيشك العيشة اللي تستاهليها، تقدري تعتبريه جنون، او أي حاجة في دماغك، بس دا اللي انا بشعر بيه من ساعة ما شفتك اول مرة خارجة من بيتكم بعد ما سكنتوا جديد جمبنا، احساس اتطور معايا لحد ما بقى زي الوحش جوايا……
الى هنا ولم تملك ادنى شجاعة لمواجهته، وهذا البريق الخاطف بعينيه كصرخات ألم، اسبلت أهدابها عنه وقد زحفت سخونة غير طبيعية لوجنتيها، ما هذا الرجل؟ وما هذا الذي يحمله بداخله نحوها؟
انها حتي لا تقوى على النظر إليه، وهو يتابع الاَن بصوت صدر بتحشرج:
– انا كان لازم اقولك الكلمتين دول يا صبا، عارفك مخضوضة، بس انا مش عايز منك رأي دلوقتي، انا بس كان لازم ابلغك باللي جوايا وانتي حرة في كل الحالات، حتى لو رفضتيني أنا مديكي عذرك.
اومات برأسها وبصعوبة جمة ملكت صوتها لترد بكلمات متقطعة:
– طب… انا عايزة امشي دلوقتي، ممكن؟
اخرج تنهيدة متعبة يقول:
– طبعا تقدري تمشي يا صبا، بس ارجو ان ميكونش هزيت صورتي جواكي، انا كل اللي طالبه هو حلال ربنا، وانتي طبعا ليكي حرية الاختيار.
❈-❈-❈
ترجل من سيارته بعد أن اصطفها في مكان قريب، قبل أن يتقدم بخطواته داخل الموقع الجديد، والذي كانت تقف به بجوار مساعدها عبد الرحيم، تلقي عليه بعض التعليمات من اجل التحضير لبدء العمل باكرًا به.
كانت مندمجة في النقاش بتركيز شديد، حتى أنتبهت على هتافه من خلفها بجرأة ممازحًا:
– في الصحرا ولوحدكم تاني يوم بعد ما كتبنا الكتاب كمان! بتخونيني يا شهد؟
حطت كفها على فمها لتكتم شهقة الحرج امام عبد الرحيم الذي لم يخفي ضحكاته، ليستقبل مصافحة الاخر بعد ذلك بكل ترحاب؛
– عامل ايه يا عبد الرحيم؟
– تمام يا بشمهندس، تشكر وتسلم ع السؤال.
اوما له بابتسامة قبل ان ينقل نحوها قائلًا:
– وزوجتي العريزة بقى عاملة ايه؟
ردت بجدية تحذره بعيناها:
– الحمد لله كويسة، روح انت يا عبد الرحيم ومتنساش اللي قولناه من شوية.
تحرك الاَخير على الفور ليغادر مستشعرًا حرج الموقف، بصفته كالعزول بينهما، وردد بطاعة:
– ولا يكون عندك فكر، كل هيبقى تمام وفل الفل كمان، سلام يا بشمهندس.
قال الاَخيرة وهو يعتلي الدراجة النارية خاصته، بادله الرد حسن ملوحًا بكفه، قبل ان يلتف نحو زوجته، يجفلها بقبلة سريعة على وجنتها.
هذه المرة لم تكتم شهقتها والتي صدرت بصوت عالي محتجة بقولها:
– ايه ده يا حسن انت اتجننت؟
لف ذراعه حول كتفيها مرددًا بسماجة:
– طب وفيها ايه لما اديكي بوسة بريئة على خدك البريء، مش انتي زوجتي برضوا؟
استلت نفسها من تحت ذراعه لتردد وهي تبتعد عنه مغادرة:
– لا يا خويا، لا زوجتك ولا اعرفك حتى.
تحرك خلفها يلاحقها بقوله:
– وكتب الكتاب اللي تم امبارح يا مفترية كان إيه؟
ردت تغيظه وهي تعدو بخطوات سريعة:
– كان خطوبة وبس، يعني اعتبرها ورقة ملهاش أي لازمة.
– نعم يا اختي.
هتف بها قبل ان يوقفها عنوة بعد أن اعترض طريقها يتابع بحزم محبب:
– كرري كلامك كدة من تاني يا حلوة.
تصنُع الجدية على وجه مشرق بابتسامة مستترة جعلها لم تقوى على كبت ضحكتها وهو تلكزه بقبضتها ليبتعد:
– إنت باينك قايم فايق وعايز تهزر، ما تبعد يا عم خليني اعدي
قبض على كفها الصغيرة يردف بمكر:
– انتي قد الضربة دي يا شهد؟
جلجلت بضحكتها تنفي باستسلام:
– لا مش قدها طبعًا، سيب إيدي بقى وبطل غلاسة.
صمت بتسلية رافضًا تركها، فقاومت تحاول نزعها بنفسها، متمتمة:
– انا اللي عايزة افهمه دلوقت، انت ايه اللي جابك ورايا؟ جايلي ع الموقع ليه يا حسن؟
– قلبي اللي جابني.
– سلامة قلبك، جيب من الاَخر طيب.
اجاب اخيرًا بعد فترة أخرى من الصمت، مستمتعًا بمناكفتها:
– تمام يا ستي انا مش هتقل عليكي أكتر من كدة، انا جاي اساسًا بصفة رسمية، الست الوالدة هي اللي بعتاني، اصلها عاملة عزومة كدة، وعايزة العيلتين يتجمعوا.
تبسمت بفرح مرحبة، ثم ما لبثت أن تخبت ابتسامتها سريعًا لتردف باستدراك:
– مجيدة عاملة كدة مخصوص عشان مرات ابويا صح؟ دا طبعا بعد ما شافتها مكشرة في الفرح.
عقب على قولها بتسامح:
– وماله يا شهد، ما هي يمكن تكون الست واخدة على خاطرها، واحنا دلوقتي بقينا عيلة، يعني لازم المودة تفضل ما بينا.
اومأت تبستم له بامتنان شديد، فتابع لها بالأمر الاَخر:
– وعشان كمان الموضوع اللي لمحتلك عليه امبارح، مش فاكرة.
– موضوع ايه؟ فكرني يا حسن.
رد بجيبها غامزًا بطرف عينيه:
– امين ولينا يا قلبي، مش اَن الأوان بقى نلم شملهم على بعض، واهو نبقى عملنا خير يقعد لنا في عيالنا.
ضحكت ضاربة كفيها بعضهم، ثم قالت بحماس:
– تمام يا حسن، واهو يبقى وفقنا راسين في الحلال.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية وبها متيم أنا (نعيمي وجحيمها 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *