روايات

رواية في قبضة الأقدار الفصل الثاني والسبعون 72 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار الفصل الثاني والسبعون 72 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار البارت الثاني والسبعون

رواية في قبضة الأقدار الجزء الثاني والسبعون

في قبضة الأقدار
في قبضة الأقدار

رواية في قبضة الأقدار الحلقة الثانية والسبعون

الأنشودة الثانية و العشرون 🎼 💗

قيل قديمًا بأن الوعود ماهي الا خيبات مؤجلة؛ و لكن ماذا عن قلب يشتهي عهد الوِصال حتي لو كان مرهونا بشقائه؟! لَوَن العشق فؤاده بلون الدماء ، و مارس طقوس الألم على ملامحه فبات الوجع يمتزج مع أنفاسه يُعانق نبضات قلبه الذي بالرغم من كل شئ لا يشتهى سواكِ..

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

تلاحقت الأنفس و تزاحمت بصدورهم فور تلقيهم تلك المفاجأة التي كانت كصاعقة برق جمدت ثنائي الوزان بأرضه لثوان قبل أن يستفيق كلاهمَ على صوت «رأفت» القلق
_ ايه يا رجالة متنحين كدا ليه ؟

تبادل كُلًا من «طارق» و «سليم» نظرات مصدومة سُرعان ما تبدل حالها إلى غضب تداركه «طارق» و تحولت نظراته إلى آخرى ذات مغزى فباغت« سليم»«رافت» حين وضع الفتاة النائمة باحضانه وهتف «طارق» قائلًا بلهجة بها طابع التصميم
_ خدها ع العربية احنا لسه ورانا شغل هنا .

تلى كلماته صوت« ناجى» الصارخ
_ انت اتجننت بتملي شروطك عليا بعد ما انقذتك من الشوارع و نضفتك بعد ما الهانم امك رمتك .

تشدق «هارون» ساخرًا
_ انقذتني عشان انتقملك منها و من عيلتها صح ؟

وصل الأمر إلى مالا يحمد عقباه فاقترب «ناجي» قائلًا بلهجة يشوبها الألم
_ لا مش صح . انقذتك عشان يكون لي ضهر اتسند عليه لما اكبر و أعجز . انقذتك لما عرفت بالجريمة اللي عملتها المحترمة أمك . كل دا عشان تحرق قلبي عليك . جاي انت دلوقتي بتكمل اللي هي بدأته .

كانت آخر جملة وقعت على آذان الرجال في الخارج ليتحدث «سليم» وهمَ يتوجهان إلى الأعلى
_ انا عايز اعرف انت ناوي على ايه ؟

«طارق» بأعين يتطاير منها الشرر
_ ناوي ادوقه حرقة القلب بتكون ازاي ؟

التمعت أعين «سليم» لوهلة تلاها كلماته المُشبعة بحمية الغضب
_ أيًا كان اللي بتفكر فيه احنا لازم نفكر بالعقل هنعمل ايه ؟ مش فتونة يا طارق !
زمجر «طارق» بوحشية
_ على ما نفكر و نخطط هيكون الرجالة اللي تحت دي فاقت و الكلب دا هيعرف أننا كنا هنا ، و حتة البت اللي معانا دي لا هتشفع ولا هتنفع .

يعلم أنه الصواب على الرغم من صعوبته لذا قال بحزم
_ عايزين خطة في أقل من دقيقة.

لمع وهج الاستمتاع بعيني «طارق» قبل أن يقول بغموض
_ موجودة .

★★★★★★★★★

_ أنستونا و شرفتونا يا سالم بيه .

هكذا تحدثت «رضا» إلى «سالم» الجالس أمامها و بجانبه «فرح» تشعر بتوتره الذي كان يحاول اخفاءه ببراعة ولكن ليس عليها لذا أرادت التخفيف عليه بأن تولت الحديث مع «رضا» و الإجابة بود على كلماتها المُرحبة و التي كانت تُخفي الكثير خلفها هكذا شعرت« فرح» و لكن جاءت كلمات «سالم» الجادة حين قال
_ لبنى جهزت ؟

ارتبكت المرأة كثيرًا و جاءت كلماتها مُتقطعة حين قالت
_ لبني . جاهزة . اقصد . لسه . يعني بتجهز .

قاطعت تلعثمها «فرح» التي قالت بود
_ طب ممكن ادخل اطمن عليها و اشوف لو محتاجه مساعدة ؟

لوهلة شعرت المرأة بالتردد ولكن نظرات «فرح» المُطمأنة جعلتها تومئ بصمت فأخذتها الى غرفة طفلتها وبعد أن تركتها «رضا» على الباب ادارت مقبضه و دلفت إلى الداخل وقلبها يؤلمها مُقدمًا على حال تلك الصغيرة فقد كانت تتوقع أن ترى لوحة سيئة لفتاة مُحطمة كحال تلك التي كانت تحتضر منذ أكثر من عام ونصف .
لم تُكلِف «لُبنى» نفسها عناء الالتفات لرؤيه الشخص القادم من الخارج بل تابعت النظر بشرود إلى النافذة لتقترب «فرح» منها و قد شعرت برغبة كبيرة في عناقها كـ محاولة للتخفيف عنها ولو قليلًا فقد كانت فتاة صغيرة الحجم لازالت جدائل المُراهقة تنبلج من بين خصلاتها تحكي رواية مأساوية عن طفولة أُغتيلت على يد ذئاب لا تعرف للرحمة سبيل .

_ عاملة ايه يا لبنى ؟

تنبهت حواسها إلى ذلك الصوت الهادئ الذي يتساقط الحنان من بين نبرته مما جعلها تلتفت بصمت لتقع عينيها على« فرح» التي لونت ثغرها ابتسامة عذبة تسللت إلى قلب« لبنى» التي حاولت التظاهر بالجمود حين قالت مُستفهمة
_ أنتِ مين ؟

«فرح» بهدوء
_ انا فرح مرات سالم .

امتقع وجهها و شوهت معالمه سخرية مريرة تجلت في نبرتها حين قالت
_ ااااه . البيه اللي جاي ياخدني عشان اخدمهم مقابل انه ستر عليا و جوزني اخوه المجرم .

فزعت «فرح» للوهلة الأولى من كلمات «لبنى» التي تقطر ألمًا ولكنها سرعان ما تجاهلت شعورها وقالت بحنو
_ أنتِ عايزة تقعدي مع أهلك يا لبنى ؟

كان استفهامًا ألقى بها في غياهب الحيرة فهي لا تعلم بأي مكان تفضل البقاء أو أن كانت تُريد البقاء بـ هذه الحياة من الأساس !
ابتلعتها دوامة الصمت مُطولًا إلى أن قطعت «فرح» صمتها قائلة باستفهام
_ طب أنتِ مرتاحه هنا ؟

كلماتها أوقدت بركانها الخامد فصاحت مُستنكرة بقهر
_ مرتاحة ! هو انا ينفع ارتاح اصلًا ! الكلمة دي خلاص انا عمري ما هعرفها أبدًا !

كانت ترى بها شقيقتها ترى لوعتها ، و عذابها و قلة حيلتها فاغرورقت عيناها بالدموع و تحشرجت نبرتها حين قالت
_ انا معرفكيش يا لبنى ، بس انا عايزة اساعدك .

«لبنى» بسخرية
_ عمرك ما هتعرفي ، ولا جوزك اللي قاعد بره دا هيقدر يساعدني . فاكر لما ياخدني القصر بتاعكوا و يعيشني عيشة الأغنية هنسى اللي حصلي ؟

خرجت كلماتها تصرُخ من فرط الأسى
_ انا اتدمرت . كل حاجه فيا اتكسرت ميت حتة . الحاجة الوحيدة اللي بتمناها الموت . لو يخلص عليا يبقى فعلًا بيساعدني و يبقى والله كتر خيره .

كان الألم يتساقط من بين حروفها و عينيها ويتبلور بوضوح فوق معالمها وجسدها الذي يرتجف فداهم «فرح» هاجس قوي بأن تلك الفتاة لم يحتضنها أحد منذ ذلك اليوم المشؤوم لذا لم تتردد لثانية لتقترب منها و تقوم باحتضانها بقوة جعلت «لبنى» تتيبس بمكانها للحظات غير مُدركة لما حدث للتو . هل يُعانقها أحدهم ؟ رغمًا عن صمت حروفها عبر جسدها عن تأثره على طريقته فصار يرتجف بين يدي «فرح» التي شددت من احتوائها أكثر فصارت عبراتها تتقاذف كالمطر من بين مآقيها التي لم تجف يومًا ولم تجد من يمحيها أبدًا.

مرت دقائق غير معلومة و«لبنى» تنتحب و تشكو عبراتها ما عجزت الحروف عن التفوه به إلى أن هدأت قليلًا فرفعت «فرح» رأسها تناظرها بأسى أدهش «لُبنى» كثيرًا و كذلك فعلت كلماتها حين قالت بنبرة مُشجبة
_ في كل الظروف اللي مرت عليا في حياتي مكنتش بتمنى أكتر من حد يحضني و يقولي كل حاجة هتبقى كويسة ، وعشان كدا بقولك متقلقيش كل حاجه بإذن الله هتبقى كويسة .

«لبنى» بشفاه مُرتجفة
_ أنتِ متعرفيش…
قاطعها «فرح» بحرقة
_ لا عارفة ، و حاسة بيكِ و بوجعك ، و عارفه انك مش لاقيه نفسك وسط أهلك و دا وجع أكبر . هما مش فاهمين اللى جواكِ و عشان كدا مش قادرين يساعدوكي ، و دا السبب اللي مخلي سالم عايزك تيجي معانا .

ارتجف جسدها و كذلك نبرتها حين قالت
_ بس انا أزاي . ازاي اروح عند ناس معرفهاش ، و ازاي هيتقبلوني و أنا. هتقبلهم .

تبدلت ملامح «فرح» و نظراتها لدى مرور شريط ذكرياتها مع شقيقتها حين انتقلوا للعيش هناك . خوفهم ، قلقهم ، ألمهم ، و أخيرًا أراد الله أن تتبدل كل ذلك السوأ . شددت« فرح» على يد «لُبني» بين كفوفها وهي تقول بلهجة مُطمأنه يشوبها الغموض
_ الناس دي مش وحشة زي ما أنتِ مُتخيلة بالعكس . يمكن تلاقي وسطهم اللي ملقتيهوش هنا ، و صدقيني يا لبنى أنتِ حظك أحسن من حظ ناس كتير .

قالت جملتها الأخيرة بلهجة مريرة لم تفهمها «لبنى» التي قالت بخفوت
_ هقدر ارفع عيني فيهم ؟

«فرح» بنبرة قوية
_ لازم ترفعي عينيك أنتِ مغلطتيش . أنتِ ضحية . اوعي تباني مكسورة قدام حد .

همست بنبرة تتضور وجعًا
_ انا مش بس مكسورة انا متفتتة خمسين حتة ، و عايشه وجعهم كلهم في نفس اللحظة.

«فرح» بلهجة حانية
_ كل الوجع دا لازم تحطيله نهاية ، و خليكِ عارفه انك مش لوحدك . كلنا حواليكِ

انكمشت ملامحها بحيرة
_ كلكوا ! كلكوا مين ؟

_ انا و سالم ، و جنة أختي . هتحبيها اوي لما تتعرفي عليها . حتى ماما الحاجه أمينة صدقيني هتلاقي في حضنها حنان الدنيا كله . هي تبان قاسية و جامدة بس والله طيبة و حنينة فوق ما تتخيلي . الحقيقة أن الناس كلها في البيت دا بقت طيبة اوي . عشان كدا بقولك حظك أحسن من حظ غيرك .

لم تفهم الكثير مما تحويه كلمات «فرح» ولكنها بالنهاية لم تكُن مُخيرة لذا اومأت بصمت فتابعت «فرح» بحنو
_ خليكِ عندك إيمان كبير في ربنا أنه عمره ما هيضيعك أبدًا ، و اوعي تظلمي أنتِ كمان نفسك .

بعد مرور أكثر من ربع ساعة أطلت عليهم «فرح» بجانبها «لبنى» التي كانت هادئة كعادتها على الرغم من حزنها الواضح بعينيها وهي تعانق والديها ولكنها أرغمت نفسها على عدم الاستجابة لطوفان العبرات الذي يُهدد جسورها بالانهمار في أي لحظة .
من ملامح «فرح» و نظراتها فطن إلى أن هناك الكثير خلف صمتها لذا اكتفى بجملة واحدة كانت مُطمأنه لذلك البُرعُم الرهيف الذي يتخبط بين رياح القدر القاسية
_ اوعدك مش هتندمي انك جيتي تعيشي وسطنا .

اكتفت بإيماءة بسيطة من رأسها و انطلق «سالم» بسيارته قاصدًا قصرهم و بعد وقت ليس بكثير صف السيارة أمام باب القصر الداخلي ثم التفت إلى «فرح» وواشار لها برأسه لتفهم ما يرمي إليه فترجل تاركًا لها المجال في دعم تلك التي بدا الذُعر على ملامحها فالتفتت إليها «فرح» قائلة بلهجة يشوبها المرح
_ لبنى . يالا عشان ننزل . الكل هيتجنن و يتعرف عليكِ .

لجأت إلى الصمت كعادتها ولكن داخلها كان هناك شعور امتنان لتلك التي كانت تُحاول التخفيف من وطأة الموقف و ما أن خطت بأقدامها أول خطوة إلى داخل القصر حتى تيبست أقدامها و التفتت تُناظر «فرح» بذُعر تجلى في إرتجافة شفاهها حين قالت
_ ان . انا . خا . خايفة.

حاوطت «فرح» كتفيها بذراعيها وهي تقول بحنو
_ متخافيش . صدقيني الناس اللي جوا دول أطيب مما تتخيلي و هترتاحي معاهم لدرجة أنك هتحسي انك وسط أهلك ، وبعدين أنا هنا اختك الكبيرة اوعي تخافي طول مانا موجودة . اتفقنا ؟

تعاظم الشعور بداخلها حتى تناثر الدمع فوق وجنتيها بقلة حيلة فامتدت انامل «فرح» الحانية لتقوم بإزالته وهي تقول بلهجة مُحفزة
_ لا مش عايزة دموع من اولها . احنا قولنا ايه ؟ أنتِ مغلطتيش . و بنت قوية ، مفيش حاجه تقدر تهزمك سامعة يا لبنى ؟

تسلل شعور بالقوة إلى داخلها ولو كان خيطًا رفيعًا ولكنه كان كافيًا لجعلها ترسم ابتسامة هادئة على شفتيها بعد أن عبأت صدرها بالهواء النقي لتُخرجه بتروي و كأنها تُطفيء حرائق الوجه الكامن بصدرها .

_ يا مساء الحلويات .

جاءهم هذا الصوت العابث من الخلف ليخترق ذلك الشجن المُحيط بهم ففزعت «لُبنى» حتى انتفض جسدها بجانب «فرح» التي رمقته بلوم قائلة بتقريع
_ يا ابني خلي عندك نظر خضيت البنت.

«مروان» بمـزاح
_ اخس عليا . بقى انا خضيت القمر دا ؟ لا بقى داانا لازم اصلح غلطتي فورًا .

«فرح» بتهكم
_ هتصلح ايه ولا ايه انت مصايبك كتير .

تجاهل حديثها و تقدم الى «لبنى» التي كانت تُفرق نظراتها بينهم باندهاش فتقدم منها «مروان» وهو ينظر ل «فرح» بسخرية
_اركني أنتِ على جنب يا أم منصور دلوقتي . خلينا نتعرف ع القطة .

اقترب من «لُبنى» لـ يُعرف نفسه بلهجة فاحت منها رائحة الغرور
_ محسوبك مروان الوزان . الرجل الثاني للعائلة بعد الباشا بتاعنا . يعني دراعه اليمين ، و حافظ أسراره . أي سر كدا ولا كدا تجيلي على طول .

انهى كلماته غامزًا لـ يتفشى الخجل بوجنتي «لُبنى» فتابع «مروان» ناظرًا إلى «فرح» بتحدي
_ سيبك من اي حد عامل سبع رجالة في بعض . القصر دا تحت حمايتي ، ومش القصر بس دا العب دا كله تحت أمر العبد لله .

لم تفلح «لُبنى» في قمع ابتسامتها جراء كلمات «مروان» المازحة و تحديه المُبطن مع «فرح» التي قالت بمُزاح
_ معلش يا لُبنى حظك السيء. خلاكِ تقابلي مروان افندي اول واحد . لكن متقلقيش مش كلهم كدا .

«مروان» بتهكم
_ قصدك للأسف مش كلهم كدا . بصي يا بنتي العالم اللي جوا دول كلهم بؤساء كؤباء يجيبوا المرض . بما فيهم البت بتاعتي .

قال جملته الأخيرة بخفوت فاتسعت ابتسامة «لبنى» فصاح بتهليل
_ الله أكبر . أيوا كدا اضحكي انا بكره النكد قد ما بكره فرح بالظبط .

«فرح» بصدمة
_ بتكرهني يا مروان ؟

_ هششش مش فاضيلك . متعرفناش يا قمر ؟

قال جملته الأخيرة بعينين يرتسم بهم العبث فأجابته «لبنى» على استحياء
_ انا لبنى .
«مروان» باستنكار
_ لبنى ! ايه الاسم اللى اتلغى مع الملك فاروق دا ؟
تدخلت «فرح» تشاكسه
_ انا بس اللي بقولها يا لولو .
«مروان» بتهكم
_ لولو ! ايه لولو دا؟ هي رقاصة ؟ بصي يا حلو انت . انا بيني و بينك هقولك يا لولي . عشان انت حلو و صغنن كدا .

«فرح» بتهكم
_ و ليه بينك و بينها يا جبان ؟

«مروان» بسلاسة
_ طبعًا جبان . اومال تسمعني بقولها يا لولي تفتكرني بخونها تقعد تعيط طول الليل و النهار نبص نلاقي البيت اتهد فوق دماغناا. يا بت دانا بضحي عشان خاطركوا .

لأول مرة تتدخل« لبنى» في الحديث قائلة باستفهام
_ هي مين دي ؟

«مروان» بمُزاح
_ البت بتاعتي . النكدية اللي جيبالنا المرض كلنا من بؤسها . اللي كنت بقولك عليها من شويه .

لأول مرة منذ زمن تخرج ضحكاتها التي كانت تظن بأنها دُفِنت بأحدى زوايا قلبها ولا مجال للشعور بمذاقها مرة أخرى و هذا ما أثار دهشتها .
_ بتعملوا ايه عندكوا ؟

كان هذا صوت «سما» التي أرسلها «سالم» لرؤيه ما الذي أخرهم عن الدخول فتفاجئت بثلاثتهم يقفون أمام باب القصر و ما أن رآها «مروان» حتى تمتم بتهكم
_ اهي النكدية وصلت . قصدي سما حبيبتي وصلت

تقدمت «سما» لتزجره في كتفه وهي تقول بمزاح
_ نكدية في عينك .

_ تعالي سلمي على« لبنى» و بعدين هكحيلك قال عليكِ ايه ؟ دا قطع فروتك .

مدت «سما» يدها للفتاة بود
_ أهلًا بيكِ يا لبنى . انا سما .

تمتمت« لبنى» بخفوت وهي تصافح «سما» التي قالت بوعيد وهي تنظر إلى« مروان»
_ من غير ما تقولي يا فرح عارفه لسانه اللي متبري منه

تدخل «مروان» بلامُبالاة

_ الصراحة يا سمسمتي انا ممرمط سمعتك في الوحل قدام الناس كلها. اكسفيني بقى و وريني ضحكتك الحلوة دي على طول

قال جملته الأخيرة بلهجة عابثة جعلت وجنتي «سما» تتضرج بالدماء و كذلك« لبنى» فتدخلت« فرح» قائلة بتقريع
_ أحرجت البت يا عم روميو .

«مروان» بمزاح
_ ما بلاش أنتِ .

تجاهلته «فرح» و وجهت انظارها ل«لبنى» قائلة
_ يالا عشان ندخل جوا الناس مستنيانا .

اومأت بصمت و توجهت بجانب «فرح» للداخل و أقدامها تكاد تتلاشى من فرط التوتر فوصلها صوت «مروان» المُشجِع
_ اجمدي يا بنتي . حظك حلو انا معاكِ .
التفت إلى «سما» قائلًا باستفهام
_ بقولك يا سمسمه هي امك جوا ولا ايه ؟

_ ايوا جوا .

هتف «مروان» من بين أسنانه
_ حظك أسود يا بنتي وانا مش معاكِ .

★★★★★★★★

بـ خطوات واهنة تقدمت لتفتح باب المنزل لرؤية ذلك المُتطفِل الذي يُلِح بالرنين وكأنه يُعاند ارهاقها الذي كان يُغريها بتجاهل هذا الضجيج ولكنها بالنهاية أجبرت نفسها على التقدم إلى الباب لـ تفتحه فتسمرت لثوان بمكانها حين شاهدت تلك المرأة والدة زوجها ، ورغمًا عنها شعرت بخيط من الخوف يتسلل إلى قلبها فـ حالتها الآن لا تسمح بمواجهة عصفور صغير.

_ ايه هتسبيني واقفه على الباب كتير ؟

تراجعت من أمامها وهي تتمتم باعتذار خفيض إلى أن دلفت إلى منتصف الصالة الصغيرة فلحقت بها بصمت لتتوقف أمامها و تبدأ حرب النظرات الصامتة من جانب تلك المرأة التي أرادت أن تترك أثرًا سيئًا في نفس تلك التي كانت ترتجف و كأن نسمة الهواء البسيطة قادرة على جرحها
_ عارفة انا جايه ليه يا ساندي ؟

«ساندي» في محاولة منها لتجاهل خوفها الداخلي
_ اهلًا بيكِ في أي وقت يا طنط . دا بيتك ..

قاطعتها «راندا» بجفاء
_ من غير خُطب الترحيب اللي ملهاش لازمة دي . خلينا ندخل في الموضوع على طول .

بللت حلقها الجاف و قالت بنبرة مُتحشرجة
_ اتفضلي . سمعاكِ .

_ هكلمك بمنتهى الصراحة. انا مش شايفه انك الزوجة اللي تليق بابني الوحيد ، و بكل أدب و هدوء عيزاكِ تخرجي من حياته .

تراشقت أسهم كلماتها في صدر «ساندي» التي من فرط الألم لم تفلح في قمع عبراتها التي تناثرت فوق خديها بغزارة لتتابع «راندا» بلهجة أشد قسوة
_ انا خايفة عليكِ . انتِ عارفه عُدي اكتر مني و عارفه هو قد ايه عنيد ، وقصتكوا بالنسباله رهان مع نفسه حالف يكسبه . جو أنه بيساعدك و بيقف جنبك دا جزء من تحديه لنفسه . أنتِ طبعًا فرحانه باللي بيعملوا علشانك بس هـ تتوجعي اوي لما يزهق و يمل ، و وقتها معرفش إذا كنتِ هتقدري تتغلبي على جرحك زي ما عملتي قبل كدا ولا هيموتك المرة دي .

لوهلة تمنت الموت فعلًا حتى انها أغمضت عينيها تستجديه ولكن فجأة ظهرت أمامها صورته وهو يهمس
_ أنتِ الحاجه الحلوة الوحيدة اللي خدتها من الحياة اوعى تحرميني منها.

تحاملت على وهنها و كان قلبها يؤازرها في ملحمتها الضارية يُذكرها بكلماته التي لثمت جراحها الدامية
_ استسلمي متعانديش قلبك وقلبي عشان مش هتقدري عليهم. انا بدأت حياتي معاكِ و مش هينهيها غير الموت .
فتحت عينيها لتتقابل بعينين «راندا» القاسية فقد سلحتها كلماته ببعض القوة لتقف أمامها و تجابهها بنبرة مُهتزة بعض الشيء
_ عُدي بيحبني وانا بحبه و مع احترامي ليكِ و لرأيك بس مش هيفرق معانا في حاجه. عشان أنا وهو اخترنا نكمل سوى ، و راضيين عن قرارنا دا جدًا .

انقشعت غيمة الهدوء التي كانت تتوارى خلفها و صاحت بغضب
_ راضيين ايه و زفت ايه ؟ انا ذنب ابني ايه يتحمل واحده مشوهه زيك ، يتحمل مسئولية مريضة نفسية زيك ليه ؟ عمل ايه في حياته؟

_ حبني . حبني و دي حاجه عمرك ما هتقدري تغيريها

هكذا قاطعهتها «ساندي» بعد أن أشعلت فتيل الغضب بداخلها لينتفض كبريائها غاضبًا و يتصدى لهذا الهجوم الغاشم لتلك السيدة التي تجردت من كل مشاعر الإنسانية فهتفت بـ غل
_ هغيرها و هخلص منك بأي طريقة .

«ساندي» بتهكم
_ و هتسبيه لمين لما تخلصي مني ؟

«راندا» بعدم فهم
_ تقصدي ايه ؟

«ساندي» باحتقار
_ يعني طول عمرك سيباهولي و مكنش بيفرق معاكِ وجوده من عدمه دلوقتي لما تخلصي مني هتسبيه لمين ؟ اه ماهو انا نسيت اقولك اني طول عمري بالنسباله كل حاجه . عارفه دا حتى لما كان بيتعب و يمرض كنت بروح انا اقعد جنبه . فكري كدا لما تخلصي مني هتقدري تاخدي من وقتك الثمين عشان تقعدي جنبه لما يتعب ، ولا هتفضيله نفسك يفضفضلك لما يكون مخنوق أو متضايق ؟ ولا هتقدري تطمنيه لما يكون قلقان قبل اي امتحان أو انترفيو ؟ لو هتقدري تخلي بالك منه انا موافقه اسيبه .

تساقطت كلماتها كالمطارق فوق رأسها حتى أنها شعرت بنسمات باردة تجتاح جسدها من فرط الحرج فهي بالفعل لا تضمن أن تقطع وقتها الثمين لأجله أو لأجل اي انسان آخر سوى نفسها !

_ نورتينا يا راندا هانم . اعتقد معاد طيارتك قرب .

تفاجئ كليهما من صوت «عُدي» الماثل أمام باب الشقة فلم تعرف «راندا» بماذا تُجيبه فأخذت تفرق نظراتها بين ولدها و بين «ساندي» التي لا تعلم متى جاء وهل استمع الى حديثها مع والدته ام ماذا ؟ فقد كان الغموض يُلون حدقتيه ولم تهتز نظراته حين اقتربت منه والدته وحين أرادات الحديث أوقفتها يديه التي وضعها أمامها ليُنهي الجدل قبل أن يبدأ و بالفعل غادرت «راندا» تجر أذيال الخيبة خلفها ليُغلق «عُدي» باب الشقة خلفها و إذا به يجد «ساندي» تندفع إلى غرفتها فاقترب بخطٍ مُتلهفه يستند على الباب المُغلق يُريد تحطيمه لـ ينتزعها من بين براثن الألم ولكنه يخشى أن تُلقي بوجهه كلمات والدته التي تجعله يكاد يُجن من الغضب لو لم تكُن والدته لكانت تلقت منه اسوأ مصير يُمكن أن تتخيله ولكنه مُكبل ، غاضب ، مُشتاق و أخير؟ا عاشق و كل حيلته لتجاوز كل تلك المشاعر الجارفة التي تكتنفه بشراسه فأطلق زفرة حارة من جوفه وهو يرفع رأسه إلى الأعلى قائلًا بلهجة موقدة
_ يارب . انا تعبت أوي .

لم يكد يُنهي جملته حتى تفاجيء بباب الغُرفة يُفتح و «ساندي» تقف أمامه بهيئتها المُبعثرة وهي تقول بلوعة
_ انا مش موافقه أسيبك لأي حد . حتى لو كانت هي . انا عيزاك ، و مش عايزة حاجه في الدنيا غيرك .

تيبس لثوان حين استمع لكلماتها التي لم يكُن يتوقعها أبدًا و خاصةً بعد ما حدث مع والدته ولكنه استجابة قلبه كانت أسرع من استيعاب قلبه فقام بجذبها لتستقر بين ذراعيه يعانقها و كأنه يحتجزها بين قُطبان ذراعيه يُكبلها بأصفاد العشق الذي انتصر في نهاية الأمر ..

★★★★★★★★

كان يتحامل على نفسه لحمل تلك الأثقال و في داخله صوت قوي يُلِح عليه بأنك لست هذا الشاب البائس الذي أصبحت عليه !
كان يُراقب ذلك الجرير منذ اسبوع يستمع إليه وهو يُحادث زوجته في الهاتف و يُدللها و يتلقى منها عبارات العشق التي تجعله أحيانًا يتواقح معها و يتفاخر بقوته و أيضًا استمع الى مكالمة معه مع والدته و كيف كان يُحادثها باحترام و شوق و هي تُخبره بأنها اشتاقت له كثيرًا و بأنه سيأتي لها بما يقر عينيها به .

وهنا بدأت الأسئلة تطن بعقله كالذُباب هل حقًا اشتاقته والدته ام انه لم يترك لها ولو ذرة واحدة من الحب الذي يجعلها تشتاقه ؟
هل يفتقده أشقائه ام لا يتذكره أحد من الأساس ؟

كانت استفهامات لم يتوقع يومًا أن يتطرق إليها و لكنها الآن تُهاجمه بشراسة ، وهو يقف عاجزًا عن الإجابه أو لنقل يخجل من إجابات ستُزيد من ألمه أكثر .

كان يقضي مُعظم الوقت في التمرين لتلك المواجهة بينه و بين هذا الرجل الذي بقدر ما كان يبغضه بقدر ما كان يحقد عليه ، فهو يمتلك كل شيء أو بالأحرى يمتلك ما أضاعه هو بغبائه ذات يوم .

تكالب عليه الشعور و تعانق الألم برفقة الوحشة بصدره ليُشكلا طوفان من العبرات المريرة التي تمتد مرارتها من القلب الى الصدر فأخذ يبكي و يبكي ويبكي حتى صار بكاءه نهنهات لم يهتم حتى بقمعها فتوجه إليه جرير بخطوات ثابتة ليجلس بجانبه بصمت دام لوقتٍ طويل إلى أن هدأت نهنهات حازم الذي قال بنبرة مُتحشرجة
_ عندك حق . انا عالة على أهلي و اخواتي . انا ماليش مكان وسطهم . لما دورت جوايا ملقتش حاجة واحدة حلوة يفتكروهالي . أو تشفعلي عندهم .

صمت يحاول قمع عبراته قبل أن يُتابع بلهجة مُشجبة
_ انا كنت مفكر أني عايش حياتي بالطول و العرض و مُستمتع بكل حاجه غلط عملتها بس اكتشفت دلوقتي أن في حاجات احلى و طعمها كان حلو اوي بس انا كنت غبي و محستوش غير لما اتحرمت منها . انا وحشني حضن ماما و أخواتي اوي . لمتنا على الأكل و هزارنا و ضحكنا . كل الحاجات دي وحشتني . انا كنت طايح في الدنيا بعمل كل حاجه غلط عشان اتمتع و اتاري اني كنت حارم نفسي من المتعة الحقيقية وسطهم.

التفت يناظر جرير الصامت وهو يقول بحرقة
_ انا مش بس غبي . انا وحش ، و قذر ، و حيوان. انا مسبتش ليا خيط واخد بس يربطني بيهم و يخليني يبقى ليا عين ادخل بيتنا. انا حكمت على نفسي بالموت وانا عايش . موت نفسي في نظرهم ، و موت ناس تانيه كل ذنبها انا حبتني و وثقت فيا .
هب من مكانه وهو يدور حول نفسه قائلًا بضياع
_ انا حتى لو موت نفسي بجد هروح جُهنم . طب اعمل ايه ؟ اعمل ايه عشان ارجع الزمن لورا و أصلح كل جرايمي في حقهم ؟ اعمل ايه عشان ارجع انسان نضيف تاني ؟ اعمل ايه عشان اقدر اترمي في حضن امي زي اي واحد في الدنيا ؟

سقط على الأرض بقوة وهو يبكي حتى شهدت رمال الصحراء على ندمه و ألمه و لوعته فهب جرير من مجلسه ليتقدم إليه يمد كفه بصمت فرفع حازم رأسه يُطالعه باستفهام اجابه جرير بفظاظة
_ هعرفك تبدأ منين .

نصب عوده بصعوبه و توجه خلف جرير الذي تفاجيء به يقوم بحمل سطل الماء و اغراقه به وهو يقول بغلظة
_ نضف نفسك من الوسخ اللي لحق بيك و اتطهر عشان تقدر تقابل ربنا و تترجاه يقبل توبتك .

ناظره حازم بصدمة و قطرات الماء تتساقط من خصلاته لتغرق جسده بالكامل فتركه جرير لبضع دقائق ليقوم بجلب ملابس نظيفه و وضعها بجانبه حتى يرتديها و قد كان كالمُغيب أمامه لا جدال لا تراشق بالكلمات لا شجار فقط هدوء و انصياع من جانب حازم الذي كان يتمنى ولو دقيقة واحدة من الماضي تُعيد إلى قلبه الطمأنينة
فرش له جرير سجادة الصلاة بخيمته التي كانت نظيفه مُرتبه على عكس خيمته فالتفت يُناظره بنظرات و كأنه تخبره بأن المكان بمن يسكنوه.

_ هتعرف تصلي ولا اعرفك ؟

حازم بارتباك
_ لا هعرف . كنت أحيانًا بصلي مع اخواتي .

تركه جرير في خلوته مع الله و توجه إلى الخارج وبداخله يدعو الله بأن يُنير قلب هذا الشاب و يخرجه من ظُلماته

★★★★★★★★

الحنين هو زائر غير مرغوب به عادةً ما يأتي في الليل ليطرُق أبواب قلوب ظنت أنها استطاعت لملمة أشلائها ليُبعثِرها من جديد .

نورهان العشري ✍️

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

ماذا يفعل المُشتاق إذا أهلكه الحنين ؟ وأدمته لوعة الهوى ؟
أخذت تنظُر إلى السماء المُتلئلئة بالنجوم بأعين انطفئ بريقها فعلى الرغم من أنها بدأت بجلسات العلاج النفسي و قد شعرت ببعض الهدوء النفسي إلا أن غيابه اعترض طريق شفائها بقوة . كل الدقائق التي مرت بدونه حكايات حية لكونها شخصًا لا يكتمل إلى بوجوده . رغمًا عن ألمها و جراحها و جميع قراراتها بأن فُراقهم أمرًا حتمى الا أنها تتألم و بشدة . تتقاتل الهواجس بصدرها و تجتاحها رغبة قويه في الإطمئنان عليه ولكن كيف ؟
كيف يُمكنها أن تروي شوقها إليه و تُطمئن قلبها الملتاع عنه دون أن يمس الأمر كبريائها ؟
و أيضًا شقيقتها التي لا تُجيب على اتصالاتها فقد كانت تشعُر بالغضب منها و قررت أن تتركها لتستعيد سلامها النفسي بعيد عن كل شيء هكذا كانت آخر رسالة نصية تلقتها منها
حتى أن كلمات« سهام» المُطمأنة لم تروي ظمأها و لم تُهديء من روعها لذا و بلحظة جنون أمسكت هاتفها وقامت بالضغط على اسمه لتظهر لها صورته ولأول مرة لم يُجيب عليها بل لم يرن الهاتف من الأساس و كان خارج نطاق التغطية .

التفتت تنوي التوجه إلى الخارج فقد قررت أن تتحدث مع «سهام» لمعرفة ماذا يحدُث معهم في تلك السفرة اللعينة

أما في الأسفل فكان «عمار» يجلس مع« نجمة» في غرفة الصالون و قد لاحظ ارتباكها فهو لم يُخبرها بقدومه على غير العادة
_ مالك يا ست البنات ؟ مش على بعضك ليه اومال ؟

تنحنحت« نجمة» قبل أن تقول بارتباك
_ لاه . مفيش حاچة . مش على بعضي ازاي يعني ؟ ماني زينه أهوة .

«عمار» بغزل
_ طبعًا زينة . دا أنتِ زينة البنتة كلاتهم .

زحف الخجل إلى وجنتيها فأخفضت رأسها خجلًا ليُتابع «عمار» بنبرة مُشتاقة
_ اتوحشتك چوي يا نچمتي .

«نجمة» بخفوت
_ تسلم و تعيش .

«عمار» بمُزاح
_ لا تسلم و تعيش دي تجوليها لام محمد وهي چيبالك العيش الصبح انما اني تجوليلي واني كمان اتوحشتك يا جلبي . مش اني جلبك بردو ؟

أخذت تتلفت في جميع الاتجاهات وهي تكاد تذوب خجلًا جعل الكلمات تتلعثم فوق شفتيها حين قالت
_ ايوا . يعني . اصل . اني . بصراحة . خجلانه منك .

_ نجمة أنتِ فين ؟؟؟؟
لم يكد «عمار» يُجيبها حتى توقفت الكلمات على شفتيه وهو يرى« جنة» التي اندفعت إلى داخل الغرفة لتبحث عن «نجمة» و اذا بها تجد نفسها وجهًا لوجه مع «عمار» الذي هب من مكانه وهو يقول بصدمة
_ چنة .

هبت« نجمة» من مقعدها وهي تضرب على صدرها قائلة بعويل
_ يا شندلتي .

تفرقت نظرات «عمار» بين كلا من «جنة» المزهولة و «نجمة» المُرتعبة و قال باستفهام
_ أنتِ من ميتا و أنتِ اهنه ؟ و اني ازاي معرفش ؟

قال سؤاله الأخير وهو يناظر «نجمة» بعدم فهم فأخذت تتلفت الأخيرة بكل الاتجاهات ماعداه فاندفعت« جنة» تقول بلتعثُم
_ أص . أصل . اصل انا لسه . لسه جاية ووو

قاطعها «عمار» باستفهام
_ و جاية لوحدك و لا معاكِ جوزك و فرح ؟

تفاجئ ثلاثتهم من هذا الصوت الغاضب من خلفهم
_ جايه لوحدها بعد ما البيه جوزها رماها هنا عند قرايبه و داير يتسرمح في البلاد ..

★★★★★★★★★★

كان الجميع يتبادل النظرات بصمت فقط ابتسامات عادئة بعضها صادقة و الأخرى مُجاملة فمزق ثوب الصمت كلمات «مروان» المازحة حين قال
_ لا بس أنتِ محلويه يا عمتي . زي ما يكون بتحبي جديد .

«همت» بسخط
_ حبك برص . قل اعوذ برب الفلق . ربنا يكفيني شر عنيك .

«مروان» باندهاش
_ همت . أنتِ بتخافي على نفسك من الحسد ! يخربيت الثقة بالنفس .

زجرته «سما» في كتفه وهي تقول بخفوت من بين أسنانها
_ أتلم .

_ لا بقولك ايه يا هانم هو انا كل ما اتكلم كلمة هتزغريلي كدا ! عايزة الناس تقول عليا مش مسيطر ولا ايه ؟

همهمت «ريتال» بجانب« سما»
_ ايه دا هو بيشخط فيكِ يا سما ؟

«مروان» بحنق
_ و أنتِ مالك أنتِ يا شبر و نص ؟ واحد و بيتكلم مع مراته تدخلي ليه ؟

_ طب اني مراتك بقى ريتال تدخل براحتها .

التفت« مروان» إلى «سما» قائلًا بحدة مفتعلة
_ خلاص يا ريتال ادخلي براحتك .

قطع «سالم» مزاحهم حين قال بفظاظة
_ بطل هري في الفاضي ، و قوم شوفلك حاجه حاجه مفيدة اعملها.

التفت إلى «لبنى» الجالسة بين «فرح» و «سما» وقال بلهجة ودودة بعض الشيء
_ نورتي البيت. اطلعي اوضتك عشان ترتاحي . متخليش الواد دا يقلبلك دماغك .

اومأت« لبنى» بلُطف فهي تعرفت على الجميع ماعدا «أمينة» التي أخبروها بأنها تعاني من صداع فذهبت إلى النوم مُبكرًا ولكن الجميع عاملوها بلُطف و لدهشتها لم تشعُر بأنها غريبة عنهم فقد حاوطتها الفتيات حتى أن «سما» و«ريتال» تبرعوا لياخذوها الى غرفتها بعد أن توجه «سالم» إلى غرفة مكتبه و تبعته« فرح» التي ما أن أغلقت الباب خلفها حتى قالت من دون أي مُقدمات
_ هو انا ينفع اخطفك ؟

رفع رأسه من الهاتف و قال بخشونة مُحببة إليها كثيرًا
_ أنتِ تعملي اللي أنتِ عايزاه.

تقدمت منه بغنج انتشت له عينيه التي كانت ترمقانها بشغف لن تُخطيء في فهمه فتابعت دلالها قائلة
_ نفسي تبقى ليا لوحدي بعيد عن كل المشاكل والمسؤوليات اللي مبتخلصش دي .

نسى أو تناسى معها كل ما يُثقِل كاهله فـ دكنت عينيه وهي تتلكؤ في النظر إليها و كانه يتشرب مفاتنها بدايةً من وجهها مرورًا بجسدها الذي جعله الحمل يبدو أُنثويًا أكثر إلى فستانها الذي يصل لبعد ركبتيها كاشفًا عن سيقانها الملفوفة بإغراء فـ تحشرجت نبرته حين قال
_ طب قربي .

اقتربت تُلبي احتياجه إليها فـ عينيه تلجأن إليها للهرب من كل شيء فما أن اقتربت منه حتى اعتقلتها ذراعيه لتتربع فوق ساقيه براحه و يديها تُحيطان بعنقه بينما أنامله تلتف بقوة حول خصرها لـ تلصقها به ليتسنى له التنعم بمُطالعة حُسنها عن قُرب لتُشفى اوجاعه و يهدأ ضجيج أفكاره
_ تعرفي انك علاج فعال لكل أنواع التعب .

لونت ثغرها ابتسامة رائعة قبل أن تقول بخفوت
_ طب تعرف انت اني نفسي اخدك في مكان بعيد ميكونش فيه غيري انا و انت و حبنا ، وقتها هعرف اعالجك صح .

استنشق رائحتها ليهدأ ضجيج نبضاته و يتحول عزفها إلى آخر مُثير بقربها فاقترب يُريح رأسه فوق صدرها وهو يقول بنبرة مُتعبة
_ خليني في حضنك شويه .

_ خليك على طول .

أخذت أناملها تعزف ألحان عاشقة بين خصلات شعره البُني التي دائمًا ما تُغريها بالعبث بها ولكنه الآن يُريد أن يهدأ و ستعطيه ما يُريد و أكثر
_ قلقان من ايه يا حبيبي ؟

لم يرفع رأسه بل أجابها باختصار
_ طارق و سليم .

_ مالهم ؟

_ رمتهم في النار بإيديا . بس مكنش في قدامي حل تاني. الكل لازم يجازف .

لثمت جبينه بقبلة دافئة وهي تقول بحنو
_ بس انا واثقة انك مأمنهم في وسط النار دي كويس اوي . عمرك ما هتضحي بيهم .

زفر بقوة قبل أن يرفع رأسه يُناظرها بضياع قلما ظهر عليه
_ حصل . مأمنهم كويس . بس حاسس ان في حاجه ناقصة . مفروض كانوا خلصوا من بدري بس لحد الآن مفيش خبر وصلني .

كانت لهجته يشوبها التوتر لذا احتوت وجهه بكفوفها وهي تقول بلهجة مُطمانه
_ انت عملت اللي عليك و ربنا عمره ما هيتخلى عنهم أبدًا كمان انت عارف ان طارق و سليم رجالة و قدها . خليك واثق فيهم زي ماهما كمان واثقين فيك .

أومأ بصمت فتابعت بهدوء
_ اللي معاه ربنا ميخافش أبدًا يا سالم . مش دا كلامك ولا ايه ؟ انا بردو اللي هقولك .

دفن رأسه بين حنايا عنقها وهو يقول بتعب
_ قولي يا فرح . اتكلمي . عايز اسمعك . كلامك بيريحني .

_ بحبك يا سالم ، و واثقة في ربنا و بعدين فيك ، و عارفه انك مش هتجازف بأي حد فيهم الا لو كنت عامل حساب كل حاجه ، و هما كمان عارفين كدا . بس انت اللي اتعودت تبقى في وش المدفع في كل حاجه و دايما معاهم و واقف في ضهرهم ، و دا غلط .

رفع رأسه يُناظرها باستفهام فتابعت بنبرة عاشقة
_ عشان عملت من سالم الوزان أسطورة مش هتتكرر تاني ولا هييجي شبهها حتى .

صمتت لثوان تتشرب حلاوة ابتسامته الرائعة التي أضاءت معالمه قبل أن تُتابع بدلال
_ سيب الناس تاكل عيش جنبك بقى يا باشا .

عض على شفتيه وعينيه تلتهمانها التهامًا بينما قست أنامله فوق خصرها قبل أن يقول بخشونة
_ جننتي الباشا .

انهى كلماته و اندفع يرتوي من رمق ريقها العذب دافنًا جميع هواجسه مُطلقًا العنان لجيوش شوقه بتسيد الموقف لتسحبه هي بعيدًا عن كل العام القلق التي تتفجر بقلبه مع مرور الوقت . تُلثِم بحنانها اللا مُتناهي آثار الخوف المحفورة بقلبه ، تعانقه بذراعي أم تحتوي صغيرها و تحميه من بطش العالم بينما شفاهها تعزف على خاصته نغمًا من الشغف الخاص بين عاشقًا و إمرأته ، تقابل قسوته و عنفه باللين و الرحمة التي تجمع بين رجلًا و زوجته فكانت له كل ما يشتهي ويحتاج ليستكين و يرسو بسفينته الضالة فوق شاطيء صدرها الرحب

★★★★★★★★
دفع باب الغرفة بعنف ليرتد إلى الخلف مُحدثًا صوتًا عاليًا ضاع وسط زمجرته الغاضبة
_ اللعنة عليك و عليها و على تلك العائلة الحقيرة .

توقف لثوان لكي يسترد أنفاسه و يحاول أخماد نيران غضبه ليتفاجيء بيد قويه تطوقه من الخلف و أخرى تُكمم فاهه ليسقُط في دوامة سوداء ابتلعته فقام طارق بحمل جسده الضخم فوق كتفه ليتدلى نصفه الأعلى حتى وصل إلى ركبتي طارق الذي هتف بحنق
_ الله يخربيتك بغل.

همس سليم بخفوت
_ بقولك ايه الزفت دا تحت مش هنعرف ننزل بيه كدا مليون في المية هنتكشف .

طارق وهو يجاهد لحمل ذلك الجسد الضخم
_ احنا كدا كدا هنتكشف في خلال عشر دقايق لو مخرجناش الحيوان دا اكيد هيطلع للبت بتاعته .

_ طب والحل ؟

طافت عيني طارق أرجاء الغرفة حتى سقطت فوق النافذة فلمعت عينيه بوميض النصر و قال بعُجالة
_ هحدفه من الشباك .

سليم بصدمة
_ ايه ؟
_ مفيش وقت تتصدم . نط عشان تستلقاه مني . مفيش وقت .

كانت المسافة الفاصلة بين النافذة و الأرض ليست كبيرة ولكنها أيضًا ليست بالقليلة لكي لا يحدُث إصابات ولكن في نهاية الأمر رضخ سليم لخطته فهي المجال الوحيد أمامهم للظفر بما جاؤا لأجله و بالفعل قام سليم بالقفز من النافذة لـ يتلقيه رأفت من الأسفل و على الرغم من أنها كانت سقطة قويه ولكن الوقت لم يكن يسمح له حتى بالشعور بالألم ليعطي الإشارة لطارق الذي قام بتعديل وضع ذلك الضخم ليسقط دون أن يتسبب له الأمر بخسائر فادحة .
اعتدل طارق بجسده يتهيئ للقفز هو الآخر و إذا به يتسمر بمكانه حين استمع الى ذلك الصوت الآتي من خلفه
_ مكانك ..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *