رواية حان الوصال الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم أمل نصر
رواية حان الوصال الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم أمل نصر
رواية حان الوصال البارت الرابع والثلاثون
رواية حان الوصال الجزء الرابع والثلاثون
رواية حان الوصال الحلقة الرابعة والثلاثون
بانهزام تام، دلف عائدًا إلى غرفة شقيقه في المشفى بعد انتهاء كل شيء وانقطاع الأمل الذي عاش عليه لسنوات، لم يعد هناك مفر من الواقع وقد تبخر الحلم لينمحي مع سنوات ضاعت في الا شيء .
فسقط بثقله على مقعد الاستراحة في جانب الغرفة، يحاوط رأسه بين كفيه، ولا يستطيع تحمل حديث والدته التي انتعشت بعد ما حدث، تأخذها الحماسة في اللقاء اللوم وتأنيب ابنيها.
– عشان بس تبقوا تصدقوني بعد كدة، بنت خليل الله يرحمه طلعت مية من تبن، راسمة دور البراءة والبت الشريفة وهي ماشية مع المدير اللي بتشتغل عنده على حل شعرها
تمتم سامر ردًًا لها بقوة وتحذير رغم تعبه :
– بهجة متجوزة مش ماشية على كيفها يا ماما، ونقي كلامك عشان دا عرضنا على فكرة.
شهقت سامية باستنكار في دفاع عن والدتها التي صدمها بقوله:
– اسم الله يا حبيبي على عرضك وطولك، دا جواز في السر يا عنيا، يعني سيرتها هتبقى لبانة في بق الخلق وبكرة الكلام يلطك انت كمان بصفتك ابن عمها
غمز يفحمها بكلمات مقصودة:
– ما اتلطيت في الأقرب هتيجي على بنت عمي يعني؟ ولا انتي مش واخدة بالك .
جحظت بصدمة بعد تلميحه بموضوعها السابق فجاء الاستنكار من والدتها:
– في ايه يا واد؟ بتدافع عنها وتعاير اختك بغلطة مش قصداها، طب حتى افتكر انك تعبان وبين ايدين كريم، بذمتك ربنا يرضى بكدة .
تبسم ثغره بابتسامة ساخرة يشيح بعيناه عنها ليزيد من غيظها مما جعلها تثور بزوجها كي يوقفه:
– ما تقولوا حاجة الواد ده يا خميس، بنت اخوك لحست عقله، حتى بعد ما اديته الصابونه هو واخوه برضو بيبررلها اللي عملته.
ألتفت اليها مرة اخرى يحدجها بنظرة حارقة خلف كلماتها الاخيرة، اما خميس الذي كان جالسًا متربع الذراعين منذ البداية بصمت تام فقد ازداد عبوس ملامحه دون ان يريحها بكلمة ليأتي الرد من ابنه الاخر وقد اشتعلت رأسه بالظنون:
– بصراحة بقى انا كمان مستغربك، زي ما مستغرب كمان استمرار علاقتك بيها رغم علمك بجوازها، وليكونش معشماك بحاجة يا بن امي وابويا؟
التمعت عيني درية وابنتها بالشغف امام تلميحه الفج، وتحول حنق سامر إلى الاخر يعنفه بازدراء:
– بالذمة دا كلام تقوله؟ بقى دي اخلاق واحد بيحب بجد؟ بنت عمك اللي عايش عمرك كله تتحسر عليها في اقل اختبار شوف ازاي بتخوض في عرضها اخص فعلا، والله ولا عمرك كنت تستاهلها، ولا حتى تستاهل مراتك اللي على زمتك
انتفض سمير، تأخذه العزة بالاثم، يخفي من خلفها خزي يكتنفه من الداخل، حتى وإن انكر فكلمات شقيقه أصابت هدفها به:
– ماشي يا خويا، سيبتهالك انت تتهنى بيها بعد ما يشبع منها التاني ويرميهالك .
وتحرك سريعًا يغادر، تتبعه شياطين نفسه،
اما خميس والذي خرج صوته أخيرًا ، يوزع ابصاره نحو الثلاثة المتبقين امامه، معبرا عن رفضه لما يراه من تشاحن بمنظوره المادي بطبيعته:
– خليكم كدة يا خلفة الندامة، قطعو وعايرو في بعض ولا اكنكم فرحانين بالخيبة بتاعتكم، طب على الاقل هي طلعت ناصحة واتجوزت اللي يشيلها هي واخواتها، اهي بت واحدة وعملت اللي ما حد فيكم عرف يعمل نصه، جاتكم نصيبة تاخدكم كلكم .
ونهض متأففًا يغادر هو ايضًا، يزيد على إحباط زوجته وابنتها، وقد أخذهم العشم برد فعل يتلج الصدر الذي ازاد حريقه بنجاح الأخرى ونيلها الحظ الأوفر بزواجها من الغني الوسيم.
❈-❈-❈
داخل سيارته وقد كان يقود بالاثنتان ذاهبًا بهما الى منزلها برفقة والدته التي لم تتركها ولو لحظة بعد ما حدث، تحتوي حزنها في تلك اللحظة، والتهوين عليها، فبكائها لم يتوقف حتى الاَن:
– يا حبيبتي خلاص كفاية، قطعتي عينك من العياط.
– ولسة هعيط اكتر لو فضل زعلان وقلب البنات كمان عليا، يارب اموت ساعتها ولا يحصل الكلام يااارب.
صرخت بالاخيرة لتزيد من حنقه فيخرج عن شعوره حتى تتوقف:
– ما خلاص كفاية بقى دعى على نفسك وعياط، هو اخوكي دا غبي اوي للدرجادي مابيفهمش، احنا متجوزين على سنة الله ورسوله، مش ماشية على حل شعرك معايا يعني.
وكأن بكلماته ضعط على زر الانفجار بها، كي تفرغ شحنة الكبت بداخلها منه:
– انت بتقول كدة عشان مش عليك لوم، كل حاجة سهلة معاك ومفيش حد هيحاسبك، مش هامك صورتي قدام اخواتي ولا عمي وعياله اللي هيشفوني واحدة مش كويسة، انت ايه اخي ما تحس بيا بقى، بقالك شهور منشف ريقي، قوم يوم ما تيجي تعترف بجوازنا يبقى على الملأ وبفضيحة .
– الفضيحة دي انتي السبب فيها، لو كنتي بتعرفي تصدقي ولا توقفي كل واحد عند حده، مكنش الكلب ده اتجرأ عليكي وانا اعصابي فلتت عليه، ثم تعالى هنا مش دا اللي كنتي عايزاه؟ ان اعترف بجوازي منك يا بهجة.
آثار جنونها بتصريحه ليزداد هياجها وكأن الشيطان تلبسها:
– لا مكنتش عايزة يا رياض، ومكنتش عايزة الجواز دي اصلا ولا اقرب منك، انت السبب في كل اللي بيحصل معايا دلوقتي وفرقتي عن خواتي لو حصلت، وربنا ما…….
– بس بس، كفاية كدة يا بهجة
تمتمت نجوان بالكلمات تكتم بكفها على فمها من الخطأ اكثر من ذلك، وقد تعدت بعصبيتها غضب ابنها الذي تضاعفت فورته هو الاخر:
– اه بقى هتعملي ايه يا ست بهجة؟ عايز اعرف انا……
– وقف انت كمان يا رياض، هي مش في حالتها الطبيعية خالص دلوقتي، خليك في سواقتك بدل ما تعمل بينا حادثة، ممكن بقى تسكت لحد ما نوصل
سمع من والدته التي كانت تشدد باحتضان تلك المنهارة، ليضرب بقبضته على عجلة القيادة صائحًا:
– ماشي، ماااشي، هفضل ساكت وأما اشوف اخرتها ايه؟ ادينا قربنا نوصل.
❈-❈-❈
وفي جهة اخرى مختلفة
حيث غرفة لورا والتي كانت جالسة على طرف تختها بحالة من الوجوم تكتنفها منذ عودتها، لا بل منذ معرفتها الحقيقة، حينما قالها بملئ فمه وأمام الجميع يعترف بزواجه بها، كيف؟!
عقلها يرفض الاستيعاب ، فتراه شخص آخر، ليس ذاك الارستقراطي الذي تربت ونشأت معه، ينزل بمستواه المخملي وينظر لعاملة في مصنعه، لا بل جليسة او بالاصح خادمة كما كانت تصنفها هي بغبائها منذ البداية، لقد علمت بعلاقتهم منذ مدة ورأت بأم عينيها، ومع ذلك اقنعت نفسها بأنها نزوة، او علاقة عابرة مقابل المال، لكن ان يتحدى العالم بها مثل ما حدث اليوم، ويتضح انه زواج حقيقي هذا خارج حدود عقلها
نهضت تجر اقدامها نحو المرأة لتقف امامها وتتأمل ملامحها، بدون مساحيق، دون الوان، دون تصفيف شعرها حتى، انها جميلة وتعرف بذلك، ومع ذلك كانت تفعل المستحيل من أجل لفت نظره، هل كان عليها ان تظل بطبيعتها تلك كي تعجبه كما فعلت الأخرى واستطاعت فيما فشل به غيرها
أم تلقي باللوم عليه، لأنه كان أعمى عن امرأة مثلها، تساويه في المكانة الاجتماعية، وواجهة مشرفة له امام مجتمعهم الذي لا يرحم بالانتقاد والذم لكل ما هو اقل منهم.
سالت الدمعة العزيزة من القلب المتحجر، هذه اول مرة ترى الحقيقة بدون رتوش، ليتها ما ضيعت يوما واحد في الانتظار، ليتها اهتمت بلورا من أجل لورا ، وليس من اجله
❈-❈-❈
توقفت السيارة بالقرب من المنزل، فاعتدلت بجذعها تمسح بأطراف اصابعها اثار الدموع على وجنتيها، باضطراب واستعداد للمواجهة الأهم في عمرها
وبدعم متواصل، اخرجت لها نجوان محرمة ورقية تعطيها لها قائلة:
– امسحي دموعك كويس وحاولي تبقي هادية، احنا نازلين معاكي ومش هنسببك.
– انتو الاتنين؟
قالتها بتساؤول موجهه ابصارها نحوه، فجاء رده بعملية ، يرمقها بتجهم، ثم يسبقها في الترجل من السيارة، صافقًا بابها بقوة جعل الاثنتان تنتفضان تأثرا بعنفه، ليتبعانه بعد ذلك، حتى اذا وصلا إلى مدخل المنزل ، تقدمتهم بهجة في الولوج لداخل المنزل بخطوات متمهلة، تهتف منادية أسماءهم بتردد :
– إيهاب، جنات ، عائشة ، انتو فين؟
رددت مرة اخرى بأسماءهم حتى خرجت اليهم جنات من غرفتها، تتبعها عائشة والتي هللت بصخب فور رؤيتها لنجوان، وهرولت تحتضنها
– نوجة
وكان استقبالها الحافل فرصة لامتصاص التوتر بعض الشيء، لترحب بها الأخرى وتضمها اليها بقوة ، قبل ان تصافح جنات برقتها كالعادة والتي انتابها الحرج بالزيارة المفاجئة لهذا الغريب عنها:
– اهلا اهلا، مش تقولي يا بهجة انكم جايين، على الاقل كما عملنا حسابنا:
تبسمت شقيقتها بتفهم، شاعرة بما يكتنفها، فتكلفت تقدمه اليها:
– دا رياض باشا يا جنات اللي حضر معانا افتتاح الكافيه ابن نجوان هانم وصاحب المصنع…..
– وجوزها
صاح بها هذا الثائر خارجًا من غرفته، تفوح منه طاقة من التحفز غير مطمئنة على الإطلاق، ليسقط قلب بهجة من القادم معه، فيُعاود الكرة نحو شيقيقاته يخاطبهم بتهكم:
– صحيح يا عائشة، سلمتي يا حبيبتي على انكل ولا لسة؟ ولا انتي يا جنات، مكسوفة طبعا انك خرجتي بالبيجاما وبشعرك مكشوف قدامه، شيلي عنك الحرج يا قلبي، دا في مقام اخوكي الكبير دلوقتي.
– ايه التخريف اللي انت بتقوله دا يا إيهاب؟
هنفت بها الاخيرة باستنكار، لتضيف عليها بهجة:
– سبيه يا جنات، انا عارفه ومقدرة اللي هو فيه، بس انا عايزاه يسمعني، ممكن يا إيهاب بدل التريقة تسمع مني ومتجريش وتسيبني زي ما عملت في المستشفى.
شددت نجوان من ضم عائشة المذهولة بما يحدث امامها، ولغة تواصل بالأعين لا يفهم عليها إلا كلتاهما امام جنات؛ التي اجبرها الترقب على الصمت ، فتدخل رياض في دعم لزوجته:
– أحنا مش بنطلب منك حاجة صعبة يا إيهاب، عايزينك بس تدى نفسك فرصة انك تفهمنا.
– اها رياض باشا بنفسه بيكلم العبد الغلبان؟
تمتم بها بسخرية، ثم اقترب ناظرًا بعيناه يردف بتقريع مباشر:
– طب مش كان الأولى برضو يا باشا، القعدة والاحترام ده يبقى من البداية ، يعني تيجي كدة تقابلني راجل لراجل، تكلمني وتطلبها مني، بدل ما اتفاجأ زيي زي الاغراب، لما اسمعك تقول انها مراتك وانا معرفش.
اتجه نحو بهجة متابعًا:
– طب يرضيكي انتي الكلام دا يا اختي الغالية؟ اروح المستشفى انا واصحابي عشان نزور مدرس الرياضة اللي شال الزايدة، قوم بقى نتفاجأ بالمشهد الاكشن الرومانسي ده، دا ولا شغل السيما والله،
إلا هنا ولم تقوى على الصمود لتلقي بثقلها عليه، تلف ذراعيها حوله قائلة بانهيار:
– سامحيني يا حبيبي، ياريتني كنت موت ولا اعيشك اللحظة دي، بس والله ما كان بخاطري، الظروف هي اللي اضطرتني لكدا.
شعرت فجأة بتجمده، وخرج صوته بنبرة خطرة موجهًا ابصاره نحوه:
– معناه ايه اضطريتي لكدا؟ هو ضغط عليكي؟ ولا ابتزك؟
نفت على الفور بتحريك رأسها وبرعب جعلها تبرر بسجيتها:
– لا والله ما غصبني، دا كان كريم اوي، وهو اللي ساعدني كمان اجيب البيت ده والكافيه، وخلاني ابعد بيكم عن أذى مرات عمي اللي كانت….
قطعت فجأة مجفلة بنفض ذراعيها عنه بأعين تطلق شرر استدراك سربع؛
– هو انتي مش كنتي قايلة ان البيت والكافية من تعويض المحكمة في القضية اللي كسبتيها من المصلحة اللي كان شغال فيها بابا؟ ولا دا كمان كان كدبة؟!
ابتعلت بوجه شاحب تبحث عن رد مناسب، يعتلي تعابيرها التردد، تريد اخباره الحقيقة وفي نفس الوقت تخشى رد فعله، فجاء الرد الحازم من الاخر:
– في كل الحالات واحد يا إيهاب، اختك مغلطتش، دا جواز على سنة الله ورسوله.
– في السر وعلى اخواتها؟ يبقى كدة الإجابة وصلت.
تمتم بها في حسم منه اثار الريبة في قلب شقيقته ، فتدخلت نجوان بهدوء تخاطبه :
– إيهاب من غير ما تتسرع في حكمك دلوقتي وزي ما قولنالك ادي فرصة لنفسك، وياريت لو تقبل بقعدة معايا اتفاهم معاك بطريقتي
– مش محتاجة تفاهم يا نجوان هانم، الحكاية بانت اهي وكل حاجة انكشفت ، اختي العزيزة، جابت البيت والكافيه من ورا جوازة في السر تمن ليها، لكن انا بقى لا يمكن اقبلها على نفسي.
– يعني ايه؟
سألته بهجة بتوجس لتصلها الإجابة فورا:
– يعني انا راجل اقدر اعتمد على نفسي، وميلزمنيش اي حاجة من ورا جوازتك اللي في السر
قالها واتجه نحو غرفته مباشرةً، ليخرج سريعا حاملا حقيبة ممتلئة بالملابس والمتعلقات الخاصة يخبرها امام الجميع:
– جهزتها اول ما وصلت، عشان مش انا اللي اقبلها على كرامتي يا بهجة.
وما ان نطق بالاخيرة وهم بالتحرك امام تجمد الأخرى حتى تفاجأ بها تسقط مغشيًا عليها بين ذراعي زوجها التي تلقتها على الفور، هاتفًا بهلع:
– بهجة.
❈-❈-❈
اثناء سيرهم في طرقة المشفى، في طريق مغادرتهم المشفي، للذهاب الى منزلهم، حيث الحديث الدائر بين درية وابنتها للبحث عن وسيلة مواصلات تقلهم بعد تركهم من قبل زوجها وابنها الأكبر والذي لا تعلم ما مصير علاقتها به في الايام القادمة:
– اخواتك الاتنين قالبين عليا زي ما يكون قاتلالهم قتيل، ولاد الهبلة محدش فيهم قادر يفهم اني بعمل كل ده عشان مصلحتهم.
تحدثت سامية في رد على حديثها بحقد يقطر من كلماتها:
– معذورين ياما، حكم المحروسة بسهوكتها اتمكنت منهم بالجامد، بت اللذينة طلعت قوية اوي، انا كل ما افتكر شكل الباشا اللي كان بيتخانق عليها النهاردة وبيقول انه جوزها، نار تقيد فيا، شكل، ولا حلاوة، ولا هيئة ملوكي، ايه ده؟ عرفت توقعه ازاي ده بس؟
مصمصمت درية بشفتيها:
– عشان تعرفي انك صوت من غير فعل، والله ابوكي ما كدب لما قال عليكم خايبين انتو التلاتة، لا.وكمان انتي اللي هتتجنني، امال انا اعمل ايه؟
اعمل المستحيل عشان ابعدها عن خواتك، تروح هي مدياني القاضية بجوازة جامدة زي دي، اه يا بنت خليل ، دا انتي طلعتي مية من تحت تبن
– حظها ضارب في السما ياما، مش زيي، من غلطة متستاهلش علقلتولي المشنقة وعايزين تدبسوني في شيكاغو
قالتها بازدراء آثار غيظ والدتها حتى همت ان تذكرها بحجم مصيبتها التي اضطرتهم لذلك، ولكن تفاجأت بظهوره امامهم مترجلا من سيارته برفقة زوجها الذي قدم معه ليستقبلهم من نصف المسافة:
– ايه؟ انتو خارجين ليه دلوقتي؟
تحدث هو ايضًا:
– مساء الخير يا حماتي، عاملة ايه يا سامية؟
– كويسة
تمتمت الرد بفتور كعادتها، وتكفلت درية بتلطيف الأجواء:
– هي بخير وسلامة يا حبيبي طول ما شافتك، احنا بس خرجنا نشوف تاكسي يوصلنا عشان نروح، الا انت روحت فين يا خميس؟
اجابها المذكور بمرواغة كعادته:
– يعني هكون روحت فين يعني، ارجعي يالا انت وهي، نقعد مع سامر قد ساعة كدة وبعدها اخدكم واروحكم معايا
– لا انا عايزة امشي
قالتها سامية باعتراض لتجد الرد من خطيبها العزيز:
– خلاص يا سامية اروحك انا وسامر اجيله وقت تاني .
– وتعطل نفسك ليه؟ اي تاكسي يروحني مش حكاية هي
قالتها برفض واضح، فجاءها رده بحزم:
– تركبي تاكسي مع واحد غريب وانا موجود، طب انت ترضاها دي يا عمي؟
– لا طبعا مرضهاش
خرجت من خميس على الفور، ليتوجه نحو ابنته بأمر:
– روحي يا بت مع خطيبك، مش كفاية الراجل مكلف نفسه يوصلني ويرجع تاني يوصلك، ياللا بقى بلاش دلع .
– معلش يا عمي تلاقيها مكسوفة بس مني .
تمتم بها طلال بسخرية مبطنة لتتلقي عدد من تعليقات المزاح من والدها ووالدتها، ضاعفت من حنقها لتضطر في الاخير ابداء موافقتها على مضض وتعالي:
– تمام يبقى بسرعة بقى عشان اخلص واروح.
❈-❈-❈
فتحت اخيرا عينيها للنور، بعد محاولات عدة بالوسائل الشائعة لم تؤتي بنتيجة إلا ضعيفا، حتى اتى الطبيب المختص وقام بالاسعافات اللازمة، ليعود اليها الوعي الآن داخل غرفتها وابرة المحلول المعلق مازالت تعمل لتغذي الوريد بما يجتاحه، حتى يستعيد نشاطه، هذا للجانب الجسدي
اما الجانب النفسي، فمجرد رؤية اشقائها حولها وابهاب موجود ولم يغادر، كان هذا كفيلا بأن يرجع اليها الروح، لتفتح ذراعيها له، هاتفه اسمه بدموع:
– إيهاب.
رغم غضبه ، رغم يأسه، رغم كل شيء، لم يقوى على رفض الدعوة ليسقط بجواره، يقبل رأسها بصوت مبحوح، مفعم بمشاعر ثائرة بداخله:
– حمد لله على السلامة، انا خوفت عليكي اوي.
– وانا كنت هموت لو سيبتني؟
قالتها وقربت رأسه منها تقبله على جنته، مرددة بتوسل ورجاء:
– اوعدني ما تعملها تاني، اوعي تمشي وتسبينا يا إيهاب.
بصعوبة شديدة اضطر لمهادنتها بهزتين من رأسه، فما يحمله بداخله اكبر من قدرته على الصمت او التغاضي، ولكن صحتها ايضًا هي الأهم، وقد سمع من الطبيب ان ما حدث لها نتيجة ضغط شديد وتراكمات، وقد توشك على مضاعفات جمة ان استمر الوضع معها على نفس المنوال.
– مش هسيبك يا بهجة بس انتي متضغطيش اوي كدة على اعصابك وحاولي تهدي شوية
حاولت المزاح في ردها له:
– حاضر ههدى وابقى زي الفل، بس انت متسبنيس.
زفرة مكتومة حبسها بصدره، ليومىء مجاريًا لها:
– حاضر مش هسيبك
قالها فزادت من ضم رأسه اليها، وبكفها الثانية اشارت لشقيقاتها ينضما اليها ايضًا، لتأخذ جنات الصامتة حتى الان مقعدها بجوار شقيقها ، وعائشة على الفراش من الناحية الاخرى، حتى علقت نجوان بتأثر :
– ربنا ما يفرقكو عن بعض، بس لو ممكن يعني، نأجل العواطف دي شوية، عشان صحتك يا قلبي.
رفع إيهاب رأسه عنها ليقبلها بحنان على جانب وجهها متمتمًا:
– عندها حق، انتي لازم ترتاحي.
في تفهم سريع تابعنه جنات وعائشة يبتعدن عنها قليلًا ، فظهرت الصورة كاملة امامها، وهذا الساخط واقفًا في جانب وحده بصمت مهيب، قطعه قول إيهاب:
– انا بقول مدام اطمنا عليها نسيبها ترتاح وتنام بقى…. كلنا.
وزع ابصاره على الجميع، لتتركز عينيه عليه، فجاء رد الاخر بعند وتحدي:
– عادي تخرجو كلكم، بس انا جوزها
سمع منه إيهاب لتتحفز كل خلاياه، يتوجه اليه وكأنه على وشك الشجار، متناسيًا كل الوعود التي قطعها على نفسه منذ قليل، لتلحق نجوان به مهادنة:
– يا قلبي يا إيهاب احنا كلنا اطمنا عليها، الا هو، خليه ياخد فرصته ولو شوية حتى.
– خمس دقايق.
تمتم بها ملوحًا بأصابع كفه الخمسة امامه مشددًا:
– خمس دقايق وتيجي تحصلنا، خليها تنام بقى وترتاح شوية
قابل الاخر تحذيره باستخفاف مائلا بوجه اليه حتى كاد ان يجعله يعود عن قراره بالخروج، ولكن نجوان لحقت كالعادة تحذره بخفوت:
– يا حبيبي مش عايزين نتخانق ونأثر على نفسيتها، انت نسيت كلام الدكتور.
اوما يستجيب لسحبها مغمغمُا بضيق:
– لا منستش، بس لو عصبها هو بقى ميلومش الا نفسه
– اكيد طبعا ميلومش الا نفسه اكيد.
قالتها تدفعه الخارج وتخرج معه، تغلق الباب على تلك المتسطحة بتعب، وذاك الواقف محله بتربص.
فلم يتحرك سوى بعد مغادرة الجميع، يطالعها من مستوى طوله، وهي تغمض وتفتح عينيها بإجهاد شديد،ثم توسعتا بإجفال حينما تفاجأت به، يخلع عنها سترة حلته ورابطة العنق يلقيهم على طرف التخت قبل ان يخلع عنه حذائه ايضا، فتتسائل هي بدهشة؛
– انت هتعمل ايه؟
تجاهل الرد عليها في البداية، لتجده فجأة انضم بجوارها على الفراش، يندس تحت الغطاء متكئًا على مرفقه يتأملها بصمت، وكأنه لا يصدق ما وصل اليه بعد أحداث اليوم الطويلة، ثم رؤيتها تتبادل معه الحديث الآن، بعد انخلاع قلبه في اللحظات الفائتة، والمحاولات البائسة في افاقتها.
يبدو أنها بالفعل تحملت فوق طاقتها ، وهو ايضًا كان من ضمن تلك الضغوط، بل وأكثرها
– هتفضل تبصلي كدة كتير وانت ساكت؟
جاء رده على قولها بعتاب لا يخفيه:
– واعملك ايه؟ ما انتي اللي فوقتي مفتكرتيش غير اخواتك، وانا ولا اكن هوا حتى في حياتك
تبسمت بضعف لا تصدق غيرته:
– ما هو شيء طبيعي، دول اخواتي يا رياض وانا كنت خايفة من رد فعلهم ولسة برضو
– ولسة ايه؟
قالها واقترب يلمس بإبهامه على وجنتها باشتياق شديد:
– على فكرة بقى مهما كان خوفك عليهم، مش هيجي نص خوفي عليكي في اللحظات اللي فاتت، انا عيشت لحظات من اسوء الكوابيس اللي مرت عليا، هو انتي ازاي اتغلغلتي جوايا كدة؟
ظلت صامتة تتقبل لمساته الحانية، وعقلها يدور بالتساؤلات، تعلم بصدق كل حرف ينطق به، ولكن ما يخيفها حقًا هو اعتراف اليوم على الملأ وتبعاته، وهل هو بالفعل على قدر هذا الاعتراف ام سيأتي الوقت عليه…. ويندم؟
❈-❈-❈
– تحبي اشغلك اغنيه تسليكي، بدل ما انتي بتنفخي كدة ومش متحملة القعدة؟
سألها بتهكم واضح، تأثرا بطريقتها المقصودة في إظهار تأففها منه، لتجيبه بنفس النهج الذي تسير عليه:
– والله انا من رأيي تركز في طريقك وخلاص، لا تسليني ولا اسليك، عايزين نوصل بقى.
– اممم
زام بفمه وبصمت دام لحظات قليلة حتى اختار المكان المناسب، ليضغط على مكابح السيارة يوقفها بعنف، جعل رأسها تندفع للأمام حتى كادت ان تصاب بجبهتها لولا حزام الأمان الذي جعلها ترتد سريعًا لكن بعنف ايضًا، اهتز له جسدها بالكامل، وفور ان استعادت توازنها صرخت به:
– ايه اللي انت عملته ده؟ انت اتجننت؟ ما كنت ادخل بينا في تريلا احسن؟
ترك عجلة القيادة بعدما أوقف المحرك ، ليلتف اليها بجذعه، وابتسامة مريبة ارتسمت على ثغره اثارت بقلبها الخوف، بعدما انتبهت جيدا إلى الظلام الذي يحاوطها من كل الجهات، وتلك المنطقة الخالية من أي صنف بشر، وكأنه ذهب بها الى الصحراء ، لتغلب جزعها وتجأر به:
– ممكن افهم انت وقفتنا هنا ليه؟ والمصحف لو في دماغك حاجة كدة ولا كدة ، لا أكون متصلة حالا بابويا واخويا وفضحاك.
رد ببساطة اذهلتها:
– التليفون في ايدك اهو اتصلي وانا مش همنعك .
رفعته اليها لتهم بالاتصال بالفعل، ولكن اوقفها هذه الثقة التي يتحدث بها، حتى أنه اشعل سيجارة بعدم اكتراث مردفًا:
– قوليلهم وقف بينا في حتة ضلمة وانا شاكة انه بتحرش بيا.
– يا سلام وانت بقى مش هامك رد فعل حد فيهم لما يسمع الكلام ده؟ ايه؟ فاكرهم ارايل وهيسكتولك؟ ولا يمكن هياخفوا منك؟
عقب يزيد من دهشتها :
– لا مش هياخفوا يا غالية عشان مش هيصدقوكي اصلا، ولو عايزة تتأكدي اتصلي زي ما بقولك، بس على شرط تعلي الصوت.
تعلم ما في قرارة نفسها صدق قوله، وهذا ما جعلها تتراجع حتى لا ينتابها الخزي امامه، لتتظاهر بالقوة في مخاطبته:
– طب افهم بقى؟ موقف العربية ليه وفي مكان ضلمة ومقطوع زي ده؟ انا عاوزة أوصل بيتنا ومش ناقصة عطلة، ولا انزل اخدها كعابي احسن وربنا ما يهمني، عشان لو جراتلي حاجة ولا حد اتعرضلي هتشيلها انت
نفض السيجارة من نافذة السيارة، ليعود اليها بهدوء المسيطر قائلًا:
– مش هتقدري تخرجي، عشان قبل ما يحصل هكون كاسر ايدك قبل ما توصل للباب، وانت عارفة ان شيكاغو ما بيهزرش.
ابتعلت رمقها بخوف متعاظم، تشعر بالجفاف يغزو حلقها ومع ذلك تجاهد لعدم اظهار الضعف امامه:
– انت بتعمل معايا كدة ليه؟ غرضك ايه من الأخر؟
اقترب برأسه فارتدت هي بخاصتها للخلف تلتصفق بالباب، ليعلق بابتسامة ساخرة:
– كشيتي في جلدك ولا أكن كلب هيهبشك، اسمعي يا بت، عشان هجيبلك من الأخر، مش معنى انك حلوة حبتين تسوقي فيها، لا اصحي بقى، الحلاوة مالية السوق، ومش معنى اني صابر عليكي، ابقى ضعيف ولا قليل قدامك، انا عامل حساب للرجالة اللي حطيت ايدي في ايدهم،
متحملك عارف ديتك ايه؟ هتلفي تلفي وتيجي على حجري وبرضو هظبطك.
حديثه الحاد اخرج الجزء الشرس بها، لتدفعه بكلتا قبضتيها على صدره هادرة به:
– ولما انا كدة متعنطزة وشيلة تقيلة على قلبك، قابل على نفسك ليه يا حبيبي؟ ما تروح لواحدة من الحلوين اللي مالين السوق دول.
وكأن فعلها أعجبه، تبسم بملئ فمه معقبًا على كلماتها:
– كان نفسي والله بس القلب وما يريد…
توقف برهة ليتابع مؤكدا امام دهشتها:
– اه يا سامية انا قلبي رايدك، بجنانك بعنطزتك بكل عيوبك، كان ممكن أهوى بنت عمك زي باقي شباب الحارة عشان فيها كل المواصفات، لكن انا عمري ما حسيتها ولا اتمنيتها، على الرغم ان شايف عينك لبرا،
واحد غيري كان عمره ما هيبصلك تاني بعد عملتلك الاخيرة لما كنتي هتروحي في داهية، بعد ما شيخ الغبرة خدرك وكان عايز ياخد غرضه، لكن مقدرتش، مجرد بس ما اخوكي لمح خدت ابويا وجرينا جري، ليه؟ عشان شاري .
مجرد ما قريت فاتحتي عليكي وبقيتي تخصيني تاني يوم بعت اللي يربي ابن الكلب ده في سجنه ويحرمه عن صنف النسوان خالص
– قصدك ع الشيخ
– قصدي الزفت الدجال مسموش شيخ، الكلب اللي اتكشفتي قدامه حتى لو ملحقش يقربلك، انا برضو خدت حقك منه.
سهمت ابصارها امامه بشرود مفاجيء، ان تجد من يأتي بحقها من هذا الفاجر والذي كاد ان يضيعها بلا عودة، لهو امر اراحها بشدة، رغم ان هذا الشيء لم يأتي في بالها على الإطلاق ، ذلك لان كل تركيز عائلتها انصب على تأديبها ولم يذكر احد امر الشيخ الذي تم القبض عليه ربما هم استكفوا بعقاب الشرطة في القبض عليه وهي أيضا انشغلت بأمر توريطها بهذا ال…..
تطلعت به بحيرة، اتشكره بامتنان ام تدعي ان الأمر لا يعنيها؟
– سامية
– امممم
صدرت همهمتها بدون تركيز، ليباغتها فجأة بجذبها اليه ، وعلى حين غرة حطت شفتيه على ثغرها ينهل منه، حتى استفاقت بهلع تقاوم لتبعده عنها، تضربه بقبضتيها على بكل قوتها حتى اذا تركها ، ارتفعت كفها لتلطمه بقوة على وجنته، تصدمه برد فعلها يتطلع اليها بعدم تصديق ، يتلمس الخد بأصابع كفه لاهثًا
وهي أيضا تطالعه لاهثة بترقب وخوف منه، لقد كانت لطمة قوية حتى ان الصوت مازال يتردد في اسماعها، ترى ماذا سيفعل معها؟ هل سيقتلها في هذا المكان الخالي ويدفنها؟ لا تستبعد .
وعلى عكس ما توقعت، تفاجأت بابتسامة اعتلت ملامحه، سرعان ما تحولت لضحكة صاخبة مرددًا:
– جدعة يا بت، بس خدي بالك، انا المرة دي فوت عشان الحق معاكي، لكن وربي المعبود لو كررتيها هطع ايدك.
اطمانت بعض الشيء لتهدر به:
– وانت برضو لو حاولت تأني المرة الجاية هتبقى عصاية اشق بيها راسك .
عاد يقهقه مرة اخرى ليدير المحرك مرددًا:
– لا ما هو المرة الجاية هتبقي في بيتي، انا بعد اللي حصل مش هقدر اصبر اصلا .
– دا بعينك وانت فاكراني هكملها اصلا الجوازة دي بعد اللي عملته كمان؟
اومأ متقبلا شراستها برضاء تام والضحكة لا تترك فمه، وهو يتحرك بالسياره ليعيدها إلى منزلها
فهذا اكثر ما يجذبه اليها منذ ان كانت طفلة، لا تستهويه ابدا المرأة الهادئة، يعشق تلك النارية التي تشعل رأسه لتأديبها، وما حدث منذ قليل جعل الدماء تفور برأسه لامتلاكها.
❈-❈-❈
في غرفة عائشة وجنات، وقد تسطحت نجوان ايضًا على تخت أحداهما، لتريح جسدها المنهك، بدعوة من الفتيات بعدما لاحظتا الإجهاد الذي حط عليها، نتيجة الأحداث المتوالية منذ الصباح.
لتسحب جنات عائشة بهدوء من جوارها وتخرج بها الى الحديقة حتى تتحدث معها على انفراد بعيدا عن الجميع:
– تعالي بقى يا ست هانم انتي وفهميني، هو انتي كنتي عارفة بموضوع جوازهم ده يا عائشة؟
– ليه بتقولي كدة؟
– عشان شكلك بيقول كدة، كلامك انتي ونجوان اللي بالالغاز، وانا قاعدة اجاري الكل لكني في دوامة وحاسة نفسي لا على حامي ولا على بارد
ظهر على عائشة بعض التردد قبل ان تحسم وتخبرها:
– بصي، هي مكانتش قيلاقهالي صريحة، بس كذا مرة تلمحلحي، ان عمو رياض هيتجوز بهجة وبفرح كبير اوي كمان
– فرح كبير اوي كمان؟ ازاي يعني وهما متجوزين؟
ارتفع كتفي عائشة بحيرة قائلة:
– معرفش، بس هي كمان كررت قدامي الكلام ده النهاردة لما قعدنا في الاوضة لوحدنا.
❈-❈-❈
اما عن شقيقهم الثالث، والذي كان يقطع غرفته ذهابا وايابًا بعصبية، يخرج منها ويدخل اليها، وعينيه منصبة على باب غرفة شقيقته، وهذا القابع معها منذ اكثر من نصف ساعة، لولا توصية نجوان ومعزتها في قلبه، وايضا تقديرا لمشاعر شقيقته، وما حدث معها اليوم، ما كان سمح له بالمكوث معها على الإطلاق، ولكن إلى متى؟ لقد طالت المدة اكثر من الازم .
انتفض يخلع عنه ثوب الخجل او المرعاة، ليدفع باب الغرفة إلى الداخل متحفزُا نحو طرده، ولكنه لم يجده امامه، لتجول عينيه في الغرفة بحثًا عنه حتى توقفت على فراش شقيقته، والتي انتهى المحلول المعلق بيدها، وتم نزعه عنها، لتغفى الان دون ازعاج، تضمها ذراعي هذا السمج كما يراه، غاطسًا في نوم عميق، وكأنه لم ينم منذ شهور ، ليكز على اسنانه بغيظ شديد، يرتد بأقدامه للخلف، ويتراجع مضطرًا لغلق الباب، مغمغمًا بضيق متعاظم:
– سكتناله دخل بحماره دا كمان.
❈-❈-❈
اليوم التالي في الصباح الباكر
استيقظ على فراشه الطبي ، يفتح اجفانه للضوء الابيض يتنفس ببعض الألم تأثرا لذلك الجرح الكبير ببطنه، ضغط على شفتيه ليتحمل كما يحدث منذ الأمس، حتى تأتي الممرضة وتعطيه مسكن يخفف عنه بعض الشيء، ولكنه انتبه على وجود احد ما في الغرفة معه، اتجه بأبصاره نحو المقاعد الجانبية ليتفاجأ بها.
جالسة متكورة على نفسها تغطي جسدها بشال كبير اسود
كاد ان يكذب عينيه، ظنا منه ان يهذي او ربما يحلم، فجاء التأكيد منها تحدثه بصوتها:
– مقدرتش انام طول الليل وكنت مخنوقة ومش لاقية حتة اروحها، لقيت رجلي جيبهاني على هنا، استأذنت المسؤول ودخلت، لقيتك نايم… قعدت مكاني كدة مستنياك تصحى في الآخر عيني غفلت مصحيتش غير من شوية….
ضاقت عينيه باستدراك سريع يسألها:
– انتي معندكيش أصحاب يا لورا ؟
نفت بتحريك رأسها:
– لأ، كلهم أصحاب قعدة وبس، مسافة ما اقوم من جمبهم يمسكو سيرتي، وانا كمان نفس الأمر.
– طب وانتي ايه اللي مضايقك؟
سألها يتمعن النظر بها، لتبدو الإجابة واضحة على ملامحها التي اعتراها التردد والارتباك، لكنه فهم عليها وحده ليواجهها
– مضايقة من ساعة ما عرفني بجواز رياض الحكيم من بهجة صح؟
غامت عينيها بضعف لا يليق بامرأة مثلها، وقد وضع يده على موضع جرحها لتجيبه بدمعة فرت من عينيها:
– انت الوحيد اللي عارف بالموضوع ده من بعد امي، كرامتي متسمحليش اصلا، رغم تلميح بعضهم الا اني دايما كنت بنكر اعجابي بحد رافضني…….
توقفت بحرقة متابعة:
– دلوقتي حتى امي مش قادرة اتكلم معاها، رغم اني شايفة في عيونها كلام كتير اوي، ما هي كانت معايا وشافت بنفسها امبارح.
الآن فقط صدق بالشعور الذي يكتنفه نحوها، يبدو أن الصدمة اكبر من تحملها، كيف لامرأة بمثل هذه القوة والمميزات العديدة ان تصبح بهذا الضعف امام عشق يائس؟
خرج عن صمته يخاطبها بدعم تحتاجه:
– اتكلمي يا لورا وانا هسمعك، وعيطي لو عايزة تعيطي،، انا برضو مش همل، المهم تطلعي اللي في قلبك، لأن انتي محتاجة اللي يسمعك.
تلقفت الدعوة لتنطلق ببكاء حارق، وكأنها طفل صغير وجد الفرصة في التعبير عن قهره من امر ما، وهو يحثها على المواصلة حتى تهدأ وتتحدث ، ربما تشفي من مرضها او على الاقل ترتاح حينما تفضي عما بقلبها.
❈-❈-❈
وفي جهة اخرى
استيقظ هذا العاشق، بجوار محبوبته، شاعرا براحة افتقدها منذ ابتعادها عنه ، تأمل ملامحها التي اشتاق اليها، ليقبل جبهتها برقة، ورفع كفها التي انتزع منها ابرة المحلول امس ليقبلها هي الاخرى، كم ود ان يوقظها، ولكن منعه تعليمات الطبيب الذي شدد على راحتها التامة.
ليتحامل على نفسه، ويتركها بصعوبة، ارتدى حذائه، ثم تناول السترة يضعها على ذراعه،
حينما خرج وجدهم امامه على مائدة الطعام يتناولون وجبة الإفطار، ينقصهم فقط هذا الفتى المتمرد، القى تحية الصباح مرددًا بتساؤول نحو والدته التي تفاجأ بوجودها:
– صباح الخير ، انتي روحتي وجيتي ولا نمتي هنا كمان زيي؟
ضحكت نجوان بمرح :
– لا يا روح قلبي، انا لا روحت ولا جيت، انا بت مع عيوشة حبيبة قلبي، على سرير واحد .
ضحكت المذكورة توجه حديثها نحو الأخر:
– وانت يا عمو رياض، اقعد افطر معانا .
تبسمت نجوان بمرح توافقها:
– اسمع الكلام يا رياض، اقعد معانا شاركنا اللقمة
تبسم يتقبل دعوتها ليسحب احد المقاعد يجلس بجوار والدته
خرج صوت جنات اليه هي الاخرى تغلب حرجها :
– تحب احضرلك حاجة تانية لو مش عاجبك الأكل؟
نفى مكتفيًا بالذي أمامه، ليتشارك معهم لحظات من الود والطعام الشهي، مع مزاح نجوان المتواصل مع عائشة، يشعر بدفء اسرتهم وكأنه يعرفهم منذ زمن
حتى خرج اليهم ذلك الثائر بوجهه المتجهم يسحب كرسيه مرحبا بكلمات مقصودة:
– صباح الخير يا رياض باشا، شكل القعدة عجبتك عندنا لدرجة انك نمت .
ضحك معقبًا بتسلية بعدما نجح بتنفيذ ما برأسه:
– معلش يا عم الدكتور ازعجناك بقعدتنا، بس يا سيدي ولا يهمك، النهاردة ان شاء الله اخد بهجة تكمل علاجها في بيت جوزها، وطبعا انتو مش عايزين وصاية البيت مفتوح طول اليوم، حتى لو هتعيشوا معانا فيه، عندنا الاوض كتير
سمع منه يتبسم بشر قائلا:
– ومين قالك بقى ان هسمح بكدة، وانا مش معترف بالجوازة دي اصلا.
– نعم يا حبببي.
– زي ما سمعت كدة يا باشا، بهجة اختي مش هتروح في اي حتة، ولا هتتحرك من بيتنا الا على بيت جوزها صحيح…. بس دا لما يبقى جواز معترف بيه!!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية حان الوصال)