رواية سيد القصر الجنوبي الفصل السابع والعشرون 27 بقلم رحاب ابراهيم حسن
رواية سيد القصر الجنوبي الفصل السابع والعشرون 27 بقلم رحاب ابراهيم حسن
رواية سيد القصر الجنوبي البارت السابع والعشرون
رواية سيد القصر الجنوبي الجزء السابع والعشرون
رواية سيد القصر الجنوبي الحلقة السابعة والعشرون
دخلت سمر لغرفة بعيدة لتبدل ملابسها بـ زي الممرضات الخاص بالمشفى، كانت منذ قليل تبتسم وتضحك معه، لهفة بعيناه مألوفة لديها.
كانت دائما عيناه مليئة باللهفة لرؤيتها، تبتسم ملامحه بمجرد رؤياها، الآن فقد تبدلت العقارب لعكس أتجاهها، واصبح وجودها يحسه على الغضب والعصبية .. رغم حالته الصعبة بعد الحادث، شعرت وكأن الحب يكره وجوده معها .. فيختلق الصعاب ويرحل ويترك أثرًا محفوف بالأشواك.
انتبهت سمر لنقر على باب الغرفة، وكانت قد بدلت ملابسها حينما دخلت زميلته الممرضة منى .. والتي قالت بدورها وهي مبتسمة بمزاح :
_ كنت مستنياكي أكتر من الدكتور روميو بتاعك .. بصراحة لأ ،هو كان هيتجنن وترجعي.
ابتسمت سمر بمرارة وقالت :
_ هو مش فاكرني أصلًا يا منى، بس الحمد لله ، كفاية أنه فاق ،ده كل الدكاترة معتبرين ان حصلت معجزة أصلًا ، حالته تقريبًا كانت نسبة النجاة منها أقل من ١٠٪
اقتربت منى إليها وربتت برفق على كتفها قائلة برقة:
_ مافيش حاجة مستحيلة على ربنا ، ليه عمر يعيش ، وأن شاء الله يتعافى ويستعيد ذاكرته وتفرحوا يا حبيبتي وتكملوا حياتكم مع بعض زي ما كنتوا متفقين.
أطرفت عينان سمر بدمع وقالت بألم :
_ هو بس يقوم على رجليه من تاني ، أنما ذاكرته صعب أوي ترجع يا منى ، لكن مش هسيبه في اي حال من الأحوال ، انا بس مستنية حالته تتحسن ويقرر الدكتور يكمل علاجه في البيت عشان أقوله الحقيقة.
قالت منى بعدم فهم :
_ تقصدي هتقوليله أنك مراته ؟ .. طب ولو رفض تعيشي معاه ؟ .. هتعملي إيه ؟
كرهت سمر ذلك الأحتمال وقالت بعصبية :
_ سبيها على الله .. أنا هروحله دلوقتي عشان ميعاد الدوا ..
نعتت منى نفسها بالغبية وقالت لسمر معتذرة:
_ أنا أسفة يا سمر مش أقصد .. وآه صحيح قبل ما أنسى ، دكتور وجيه أكد عليا أنك تفضلي مع دكتور أمجد في أوضته ما تتنقليش ، وكمان أكد على البوفيه انه يجيبلك وجبات الاكل اللي تطلبيه على حسابه .. وقالي أني ابلغك أنك تعتبري في أجازة مفتوحة ومدفوعة الأجر من المستشفى …
تنهدت سمر بعمق وبعض الحرج ثم قالت :
_ كتر خيره ، هو عمل معايا أنا وأمجد اللي عمري ما هنساه أبدًا .. مش عارفة هوفي جمايله دي كلها أزاي.
قالت منى بلطف :
_ ولا جمايل ولا حاجة ، هو بيعتبركم أخواته الصغيرين ، وده معروف للكل من زمان مش بسبب الظروف اللي حصلت .. روحي أنتي دلوقتي ولو أحتجتي أي شيء رني عليا وهجيلك لحد عندك.
شكرتها سمر ثم خرجت من الغرفة وتوجهت مباشرةً لغرفة أمجد ..
وبغرفـــة أمجد الطبية بالمشفى ..
دخلت سمر مباشرةً للغرفة وهي تنظر لساعة معصمها، ثم نظرت له مبتسمة وقالت وهي تشير للتلفاز الخاص بالغرفة:
_ قدامنا ساعة على ميعاد الدوا .. تحب أعملك أي حاجة ولا عايز تنام ؟
تنهد أمجد بغيظ وأبعد عيناه عنها وهو يزفر بضيق ، ضحكت سمر عندما تذكرت أنه كان يفعل ذلك سابقا عندما يغار عليها ، ثم عادت لرشدها
فأضافت بمشاكسة :
_ شكلك مش عايز تنام .. تحب طيب احكيلك حدوته ؟
عاد ناظرا لها بعصبية ثم قال بسخرية :
_ هو انتي شيفاني عيل صغير ؟!
ابتسمت له ابتسامة اربكته ، وما جعله يرتبك أكثر عندما اقتربت منه ببطء وعيناها بها دفء غامض ، وعندما اقتربت منه همست بصوت جعله يبعد عيناه عنها بالكاد :
_ لأ طبعاً .. أنت دكتور كبير وكلنا هنا بنحبك ..
وببطء حرك رأسه لجهتها ونظر لعمق عيناها باستفهام وغرابة وتيهة ، ظل نظراتهما متشابكة لبعض الوقت حتى استعادت سمر رشدها مرةً وقالت مبتسمة :
_ بس أنت كنت دايمًا مستقصدني، أنا الوحيدة اللي كنت بتتعامل معايا غير الكل.
قالت ذلك ومنعت دموعها أن تظهر أمامه .. ولكن رغما التمعت عيناها بقوة، فضيق أمجد عيناه لوهلة بتعجب وسأل :
_ وأشمعنى أنتي ؟
نظرت له سمر ورغما عنها وعن مقاومتها بألا تبك .. ولكن عينيها غرقت بالدموع فجأة وقالت بضعف وحنين قاتل :
_ أنت اللي تعرف ..
ويبدو أنه تأثر بدموعها وقال بتوتر :
_ أنا مش فاكر حاجة .. بس أكيد كان في سبب ، يمكن كنتي برضه بتنامي وقت الشغل!.
ضحكت سمر وقالت بصدق وهي تكفكف دموعها:
_ لا والله عمرها ما حصلت .. إلا معاك طبعا.
طافت ابتسامة خفيفة على محياه وهو يراقبها عندما كانت تمسح عينيها من الدموع وهي تضحك .. وأخفاها سريعا عندما نظرت له وعادت قائلة:
_ عموما أنا هفضل وراك لحد ما أعرف كنت مستقصدني ليه ؟!
وتعجب من تلك النظرة المتحدية بعيناها وهي تتحدث، وحينها قال بتيهة وحزن :
_ أنا حاسس أني ضايع من نفسي ، مش فاكر أي شيء ، ولا حتى شيء بسيط عن حياتي اللي فاتت ، أهلي فين ، وهل ليا صحاب ، طب مسألوش عليا ليه لحد دلوقتي !! ..
جرت سمر مقعدا بجانب سريره الطبي وجلست قريبة منه لدرجة اربكته ثم قالت :
_ والدك ووالدتك متوفيين من زمان ومالكش أخوات ، وأصحابك هما دكتور عمر ودكتور وجيه ودول كل يوم كانوا بيجوا يشوفوك .
ضيق أمجد عينيه بغموض وسألها سؤال غير متوقع :
_ هو أنا كنت خاطب .. أو متجوز ؟
ابتلعت سمر ريقها بتوتر شديد وقد أوقعها سؤاله في حيرة شديدة وظلت صامتة لعدة دقائق تفكر في إجابة مناسبة، وجعله صمتها يشك كثيرا ، ولكن أنقذها دخول أحد الأطباء ومراجعة التقرير الطبي اليومي وشغل بعض الوقت وتمنت أن يغفل عن ذلك السؤال .. فنظر لها الطبيب وقال وهو يتذكر تعليمات دكتور وجيه بعدم كشف قرابتها لأمجد بالوقت الحالي .. وقال مبتسما برضا :
_ في تحسن واضح الحمد لله .. واضح أنك شايفة شغلك يا سمر.
ابتسمت سمر له وقالت :
_ الحمد لله يا دكتور ، وأن شاء الله الأيام الجاية هيتحسن أكتر.
رد الطبيب متمنيا السلامة وقال :
_ أن شاء الله خير ، مش عايزك تقلقي خالص و..
تنحنحت سمر بقلق وهي تنظر للطبيب حتى تذكر بتحذير دكتور وجيه، فصحح الطبيب مسار الحديث مرة أخرى وقال لأمجد الذي كان يرمقه بضيق:
_ حمد الله على سلامتك يا دكتور أمجد.
رد أمجد بجفاء :
_ شكرًا ..
ابتسم الطبيب له ثم خرج من الغرفة ليباشر الحالات الأخرى للمرضى، بينما أنفعل أمجد وقال لها بحدة :
_ أظن دلوقتي بدأت أعرف ليه كنت مستقصدك أنتي بالذات.
اطرف سمر عيناها بدهشة ثم سألته بلهفة وهي تقترب له سريعا :
_ افتكرت حاجة ؟!!
ضيق عيناه عليها و رد بعصبية وهو ناظرا لعيناها القريبة :
_ مش محتاج أفتكر .. كل شيء واضح من كتر رغيك مع الدكتور ، ثم أنه بيشكرك أنتي ليه ؟! .. ما هو صحيح مايعرفش أنك بتقضي نص الوقت نوم جنب المرضى .. اكيد أنا مكنتش بسكتلك ولا بوافق على الاستهتار ده صح ؟! وو ..
وضعت سمر أصبعها على فمه ليكي يصمت ، وقالت مبتسمة ابتسامة خبيثة وهي ناظرةً له بقوة :
_ اسكت بقا وبطل كلام .. شوفت مين فينا اللي رغاي يا دكتور.
واتسعت ابتسامتها وهي تعود جالسة لمقعدها وترميه بنظرات مشاكسة كنظرات الصغار، فقال مغتاظا :
_ هبعت اجيب ممرضة غيرك واشتكيكي.
وضعت سمر ساقا على ساق وقالت وهي تتثاءب عمدًا :
_ الشكوى لغير الله مذلة يا دكتور .. وبعدين أنا مش ماشية مهما عملت.
هتف بحدة :
_ يا مستفزة !!
ظلت مبتسمة وعيناها عليه حتى أتى موعد الدواء .. فنهضت سمر وعبأت الحقنة الطبية بالدواء واتممت مهمتها في خلال دقائق قليلة .. وكان قد تاه بغفوة عميقة بعدها بقليل ..
___________________________
ظلت جيهان جالسة بجانب الفتيات حتى خلدن للنوم وقد دقت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل .. تسحبت من جانب أشهاد النائمة وببطء حتى خرجت من الغرفة دون أن تيقظهن ..
وحينما خرجت من الغرفة وأغلقتها بحذر شديد .. نزلت درجات السلم للطابق الأرضي .. أرادت استنشاق بعض الهواء ريثما أن عيناها تأبى الغفوة ولو قليلًا .. ربما بعد تلك المقابلة المشحونة بينها وبين أكرم ..
ولكن صدمت للحظة عندما وجدت باب القصر الرئيسي مفتوح على مصراعيه بعدما كان مغلقا بالأقفال الحديدية ..
لم تعرف لمَ أهتز قلبها قلقا وهي تخطو للخارج تحت الظلام المحيط سوى نور القمر وعمود إنارة بعيد بأول الطريق الخارجي ..
لفح بشرتها الهواء البارد بالخارج ولفت ذراعيها حولها لتشعر ببعض الدفء، ورغم ذلك تابعت سيرها بالأراضي الواسعة حول القصر رغم الظلام والفراغ المخيف حولها بالإضافة لأصوات الرياح الشديدة لتلك الليلة ..
سارت ببطء وأخيرًا تحررت دموعها وهي تعترف لنفسها بعشق السيد المخيف ، سيد هذا القصر المتعجرف القاسي ، بالإضافة لأرتباطها وتعلقها المجهول بهذا المكان .. كأنه جزءً منها كلما بعدت عنه تعذبت وأغرقها الحنين ، فقد ترك لها أبواب القصر مفتوحة ، أعطاها مفاتيح حريتها وعليها الأختيار ، وهي بحقيقة الأمر تريد البقاء هنا لآخر عمرها … لا تريد العودة لوحدة المدينة ونفاق المحاطين وأستغلال الطامعين .. هنا فقط شعرت بقيمتها .. حتى لو كان ذلك الشعور وهما ..
وقفت واستندت على جسد شجرة واجهشت بالبكاء .. كيف تخبره أنها لا تريد الذهاب والرحيل دون أن تدنس كرامتها ويستغل مشاعرها حينما يكشف عشقها له كيف ؟!
ومر الوقت دون أن تشعر حتى انتبهت للوقت حينما نظرت لساعة معصمها ووجدتها الخامسة والنصف صباحا، حتى أن خيوط الصبح بدأت تظهر بكبد السماء ..
والغريب أن لم تشعر برغبة النعاس مطلقا وهي جالسة على الأرض بشرود للبعيد وفي كل شيء .. وحينما باتت الرؤية أمامها واضحة وأشعة الشمس تلوح من بعيد .. شعرت جيهان برغبة جامحة في ركوب أحد الخيول في الاسطبل القريب ..
وقبل أن تتراجع وتفكر بخوفها من التجربة نهضت وسارت نحو الأسطبل وحررت أحد الخيول ،وبخبرتها البعيدة بأمر الخيول استطاعت جيهان بصعوبة أن تجلس فوق ظهر الفرس ، ولكنها لم تحسب حساب غضب وكبرياء الخيل نحو الغرباء .. فقد اسرع الخيل خارج الاسطبل بشكل هوجائي جعل جيهان تتشبث فيه بكل قوتها على لا تسقط مع صرخة عالية تردد صداها حول القصر ..
اغمضت جيهان عيناها وهي ترتجف بعدما صدمت بأن الفرس ابتعد عن محيد القصر بل عبر السور القصير خلف الأسطبل وركض للبعيد .. وهنا لم تمنع نفسها عن الصراخ بهلع .. واترفعت دقات قلبها عندما ابتعد الفرس بالفعل لمسافة كبيرة عن القصر وسار بطريق مهجور مليء بالاشجار على طرفيه وكأنها اصبحت فجأة بقلب أحدى الغابات الأسطورية ..
وحفظا من الله أنها حينما أختل توازنها وضعفت مقاومتها سقطت على كيان رملي هائلي وابتعد الفرس عنها وركض مبتعدًا .. تأوهت جيهان بألم شديد شعرت به في ساقها وكاحل قدمها .. وفجأة اسودت الرؤية حولها وفقدت الوعي .. بينما آخر شيء شعرت به هو صوت اقدام فرس تقترب وصوت أكرم الحاد وهو يناديها بهلع .. واستفاقت قليلا عندما وجدت نفسها على ذراعه ويحاول إفاقتها خائفا من أن يكون أصابها مكروه.
لتفقد الوعي بعدها من جديد ولم تشعر بشيء .. الا بعد ساعات عندما فتحت عينيها لتجد نفسها بالغرفة التي كانت تقيم فيها قبل أن تغادر القصر الجنوبي.
تنفست جيهان بعمق وهي تستعيد الوعي شيئا فشيء ، وحينما حاولت تحريك جسدها صرخت من الم قدمها الذي كان كالصاعقة الكهربائية .. وبتلك اللحظة دخل أكرم وبيده بعض الأدوية وصينية مليئة بالطعام ، وعندما انتبه أنها استيقظت اخيرا ابتسم بأطمئنان وقال :
_ حمد الله على سلامتك.
ابتلعت جيهان ريقها بتوتر ثم سألته :
_ حصل ايه ؟!
رماها أكرم بنظرة حنونة غريبة على طبيعته وقال بلطف :
_ أطمني أنتي بخير ، هو بس اخترتي أكتر فرسة كانت لسه محتاجة شوية تدريب وترويض ووقت قبل ما تخرج من الأسطبل .. بس حصل خير.
أشارت جيهان لقدمها وقالت بألم :
_ رجلي مش قادرة أحركها ، حاسة انها اتكسرت
رد أكرم وقال :
_ أنا جيبت دكتور وكشف عليكي .. الحمد لله مافيش حاجة تخوف ، وزيادة تأكيد هنعمل أشعة عشان تطمني ، بس بأذن الله مع الدواء ده كام يوم وهتكوني كويسة.
نظرت جيهان له بغرابة وسألته :
_ عرفت مكاني منين ؟
نظر أكرم لها بنظرة مليئة بالعاطفة وقال :
_ سيبتلك الباب مفتوح وسيبتلك القرار ، بس الحقيقة أني فضلت مراقبك ، ولما دخلتي الأسطبل ما تخيلتش أنك هتركبي الفرس وتخرجي بيه ، نزلت من اوضتي بسرعة بس للأسف كانت الفرسة بعدت بيكي ، فطبيعي أني عشان الحقك خدت الفرس بتاعي وجيت وراكي .. لما شوفتك واقعة مغمي عليكي كنت عايز اضرب نفسي بالقلم أني سيبتلك الباب مفتوح .. أنتي اللي زيك لازم يتحبس .
وأرفق جملته الأخيرة بابتسامة جميلة ، ثم قال بملعة صادقة بعيناه :
_ يمكن ما تصدقنيش .. بس انا كنت في اللحظة دي ممكن اضحي بأي حاجة في حياتي عشان ترجعيلي سليمة ومايحصلكيش حاجة .. كنت مرعوب وبناديلك زي المجنون وخايف .. أنا أول مرة في حياتي أخاف كده على حد .. أنا خوفت عليكي خوف عمري ما خوفته على نفسي.
تشابكت نظراتهما لبعض الوقت وشعرت جيهان بالجمود والتصلب رغم ارتجاف قلبها .. قرب أكرم الدواء وصينية الطعام لها وقال بلطفا بالغ :
_ لازم تاكلي عشان تاخدي الدوا ..
ودون أن يستأذنها بدأ يطعمها برفق شديد كأنها يعامل طفلة صغيرة !!
_______________________________________
استيقظ زايد من النوم حتى انتبه لدخول فرحة بطعام الافطار الصباحي.. ابتسم وهو يعتدل في فراشه وقال:
_ أحنا هنفطر هنا ولا ايه؟
ردت فرحة وقالت بتأكيد:
_ آه، بس مؤقتا.
نهض زايد من الفراش وتوجه نحو حمام الغرفة قائلا:
_ كويس انك صحتيني بدري، هروح لبابا المستشفى اطمن عليه قبل ما ارجع على الشغل.
قالت فرحة بموافقة:
_ ايوة ما أنا محضرة نفسي عشان هاجي معاك.
وبعد مرور ما يقارب النصف ساعة خرجا زايد وفرحة متجهان نحو المشفى ليطمئنان على والده..
وحينما وصلا للمشفى ودخل زايد غرفة والده ووجده نائما مسترخيا ويبدو عليه التحسن والهدوء.. خرج بعدها ليتحدث مع الطبيب المختص ويتأكد من تحسن حالة والده.
ليقول الطبيب:
_ الحالة مستقرة الحمد لله.. وتقدروا بعد كام يوم تكملوا علاجه في البيت، المهم مايتعرضش لأي عصبية أو زعل نهائي.
أطمئن زايد وتنهد براحة، ثم قال لزوجته فرحة التي ابتسمت له بامان:
_ يلا بقا عشان ارجعك للبيت وارجع انا للشغل.
قالت فرحة بتصميم:
_ هاجي معاك الشغل، أنت ناسي أني سكرتيرتك ولا إيه؟
رد منفعلا:
_مش وقته جدال يا فرحة، الشركة مليانة مشاكل الفترة دي ومحتاج هدوء، وأنتي وجودك حواليا مش بيخليني عارف أركز.
فقالت بضيق:
_ موافقة مؤقتا، بس تسمحلي بقا اروح ازور حسام أخويا ..
وافق زايد على الفور وقال:
_ موافق طبعا، تعالي اوصلك، وخليكي هناك لحد ما اخلص شغل وأجيلك.
وخرجت فرحة معه من المشفى متوجهان بالسيارة لمنزلها القديم..
بينما كان يستعد حسام أن يذهب لعمله المؤقت وجد فرحة أمامه ومعها زوجها زايد، تهللت أساريره وقال بسعادة:
_ ايه المفاجأة الجامدة دي!
عانقته فرحة باشتياق وظلا يتشاكسان ويتمازحان لبعض الوقت، بعدما رحب حسام بزايد وانصرف الأخر لعمله.. فقالت فرحة لشقيقها:
_ تحب تتغدى ايه النهاردة يا ولا أنت، ما وحشكش أكلي؟
ظهر على وجه حسام الامتعاض وقال:
_ لا مش وحشني، انا بحب الجاهز، وعموما المطبخ عندك اللي تلاقيه اطبخيه.
ضحكت فرحة على جملته وشاركها المزاح قليلا ثم ذهب لعمله هو الآخر.. ونظرت للفوضى حولها قائلة بتذمر:
_ مايعرفش عن النظام حاجة الواد ده.
واستعدت فرحة لتنظيف المنزل، وبعد مرور أكثر من ثلاث ساعات قد نظفته تنظيفا عميقا كاملًا.. بدأت تفكر في إعداد وجبة شهية للغداء.
وفي خضم تجهيزها للطعام وجدت نقرا على باب الشقة، فذهبت لتعرف من الطارق.. وعندما فتحت باب الشقة وجدت زايد وبيده عدة ملفات يدخل وهو يقول:
_ جبت كل الشغل معايا وهكمله هنا بعيد عن الدوشة ووجع الدماغ.
غمزت له فرحة وقالت بخبث:
_ ما تقول اني وحشتك ياجدع أنت ورجعت بسرعة عشان كده
ضحك زايد واجاب:
_ نمشيها وحشتيني.. وبصراحة جعان وعايز اكل من ايدك.
ردت فرحة بزهو:
_ بحضر مسقعة باللحمة .. هتاكل صوابع وراها.
رفع زايد حاجبها بإعجاب وقال:
_ خلصي بسرعة جوعتيني.
واسرعت فرحة نحو المطبخ وفي مدة أقل من ساعة كانت انتهت من الوجبة الشهية وأعدت الأطباق سريعا ووضعتها على المائدة القديمة بالشقة..
وبدا زايد يلتهم الطعام بشهية عالية.. حتى تنفس بعمق وابتسامة بعدما أنتهى وقال برضا تام:
_ تسلم ايدك .. من زمان ماكلتش كده.
ضحكت فرحة وقالت:
_ لا ولسه ..
ونهضت لتحمل الاطباق للمطبخ وحالما انتهت ونظفت المكان تفاجئت بأن زايد دخل غرفتها القديمة وغط في نوما عميق .. اتسعت ابتسامتها بمحبة، ثم تسحبت بهدوء ودثرته بالغطاء..
_______________________
حاربت سمر خمولها وعيناها وظلت جالسة بجانب أمجد النائم بعمق بعدما اخذ الدواء المسكن منذ وقت..
وحينما بدأ يستيقظ فكرت بمرح في شيء، وسريعا اغمضت عينيها وتظاهرت بالنوم.
وبتلك اللحظة فتح امجد عيناه ليتفاجأ أنها نامت كعادتها من جديد تلك الممرضة الكسولة .. فأغتاظ وكاد أن يناديها حتى ضحكت وفتحت عيناها وهي تغيظه وقالت:
_ مكنتش نايمة .. كنت بهزر معاك.
هتف أمجد بها وقال بعصبية:
_ هزارك سخيف ومش مقبول، وتهزري معايا ليه اصلًا.
قطبت سمر جبينها وحقا شعرت بالضيق منه، وحينما دخلت فتاة من البوفيه بوجبة طعامها التي طلبتها منذ، نصف ساعة، قالت سمر وهي تمسح عيناها من الدموع:
_ لا خلاص مش عايزة أكل يا نجلاء.
قالت فتاة البوفيه:
_ ده أنتي اللي طلبتيه بنفسك من شوية يا سمر!!
اعتذرت منها سمر وقالت:
_ أنا اسفة.. شربت قهوة سدت نفسي.
ردت الفتاة بقلق وقالت:
_ ده انتي ما كلتيش حاجة من الصبح، دكتور وجيه او مدام جيهان لو عرفت هتزعقلي.
طمئنتها سمر وقالت:
_ لا ما تخافيش أطمني.
تقبلت الفتاة الأعتذار وانصرفت، بينما اتصلت سمر على منى صديقتها وقالت:
_ لو سمحتي يا منى هاتي هدير مكاني عشان ماشية.
لم تفهم منى مما قالته سمر شيء فأجابتها وقالت:
_ انتي بتقولي ايه!! هدير أزاي هتيجي مكانك؟! هي في العناية ومش هينفع تتنقل من مكانها خالص.
قالت سمر بحسم:
_ شوفي أي ممرضة تمسك مكاني بعد أذنك .. وهبقى افهمك بعدين.
وافقت منى رغم عدم فهمها لهذا الطلب الغريب وانتهت المكالمة .. بينما كان ينظر أمجد لها بصدمة ودهشة من تحولها هكذا، ولملمت سمر أغراضها او هكذا تظاهرت وقالت له:
_ مش عايزة أضايقك أكتر من كده بوجودي .. أول ما تيجي ممرضة تانية همشي على طول وأسفة يادكتور لو ضايقتك.
ابتلع أمجد ريقه بارتباك وتوتر شديد، وظهر على محياه الندم والضيق الشديد من نفسه، وكانت سمر تختلس النظرات اليه بمكر ويبدو انها أتقنت الخدعة.
وعندما مر بعض الوقت وشعرت بتأخر الممرضة الاخرى، أخذت حقيبتها وقالت لتودعه بابتسامة بسيطة؛:
_أنا هروح استعجل الممرضة الجديدة ..
فتحت الباب وقبل أن تخرج من الغرفة أوقفها بقوة قائلًا :
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سيد القصر الجنوبي)