روايات

رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم شمس حسين

رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم شمس حسين

رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير البارت السادس والثلاثون

رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير الجزء السادس والثلاثون

دموع مؤجلة واحتضان أخير
دموع مؤجلة واحتضان أخير

رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير الحلقة السادسة والثلاثون

صحيت على صوت الموبايل بيرن بإلحاح، بصيت فيه بنص عين لقيت اسم سما بينور على الشاشة، فتحت عيني ببطء، بصيت في السقف ثواني، ردّيت بصوت مبحوح: “ألو…”، صوت سما جه حاد ومستعجل: “إنتي فين يا شمس؟ الساعة 11! إنتي ناسية؟ الاجتماع النهارده، قومى بسرعة!”، بصيت على الساعة، فعلاً 11، كان المفروض أكون في الشركة من بدري، بس الحقيقة… ما حسيتش بأي قلق، وقلت ببرود: “جاية يا سما… هلبس وأنزل اسبقوني انتو علي الاوتيل”، سما صوتها كان واضح فيه التوتر وقالت: “بسرعة طيب علشان خالد عايزك علشان كذا حاجة في الداتا”، قفلت المكالمة وأنا بحط الموبايل على السرير، محسيتش بأي استعجال، كل حاجة بقت روتينية، مفيش حاجة بقت تفرق بالنسبة لي حتي الشغل اللي كان دايما اولويتي.
الساعة 12:45د كنت وصلت عند غرفة الاجتماعات في الاوتيل اللي نازل فيه التيم الإيطالي، اول ما دخلت لقيت الحركة سريعة والكل مركز، أفراد التيم بتاعنا اللي كان موجود كانوا بيجروا يمين وشمال علشان يتاكدو من تمام كل حاجة، كان يوسف بينظم الملفات، و سما بتراجع الداتا، وخالد بيتأكد إن العرض على اللابتوب شغال كويس، و بدأ يراجع معايا بعض النقاط اللي اتفقنا عليها، وبعد ما تأكدنا من كل حاجة، فجأة، الباب اتفتح ودخل أحمد، وقف لحظة ومسح القاعة بنظرة هادية، عيوني ثبتت عليه للحظة، بعدها حولت نظري ناحية شاشة العرض، وكأني مش واخدة بالي من وجوده، هو وقف ثواني، وبعدين كمل خطواته بجسم مشدود، ونظراته مليانة حزن وألم، وانا روحت قعدت في ركن بعيد في إنتظار الإجتماع يبدأ، خالد وقتها قرب وسألني: “مش هتقدمي العرض؟”، بصيت له بإرهاق وقلت: “لا، قدم انت… أنا مش قادرة”، في اللحظة دي جه يوسف وقف قدامي، عيونه كان فيها قلق حقيقي وقال: “مالك يا شمس؟ لو حاسة إنك تعبانة ممكن تروحي”، اتنهدت غصب عني، ورديت بهدوء: “لا… أنا تمام”، بعد شوية بدأت الناس تتوافد، وحضروا الإيطاليين، بشمهندس أيمن دخل وراه أحمد، وبعد ما كل واحد قعد في مكانه، بشمهندس أيمن ابتسم ابتسامة هادية وقال: “أهلا وسهلا، شرفتونا”، واحد من الإيطاليين رد بابتسامة رسمية: “نتمنى نشوف حاجة تستحق التعاون”، (كان الحوار كله بالايطالي)، بدأ العرض، خالد كان واثق وهو بيشرح التصميمات الهندسية للمشروع، واستخدامنا لتكنولوجيا حديثة في توزيع الأحمال لتقليل التكاليف وزيادة الكفاءة، الشرح كان دقيق، ورسومات الـ3D على الشاشة كانت بتبين تفاصيل كل زاوية في المبنى، و بعد ما خلص، بدأوا يسألوا، واحد من الإيطاليين قال: “التصميم ده فيه مشكلة في توزيع الأحمال على الأعمدة الرئيسية، ده ممكن يسبب ضغط زايد على الهيكل بالكامل”، خالد اتوتر للحظة، بس حاول يرد: “إحنا عملنا اختبارات على التصميم، والأرقام بتقول إنه آمن تمامًا”، الإيطالي رد بحدة: “الأرقام لوحدها مش كفاية، التقنية اللي استخدمتوها قديمة ومش بتناسب الأحمال الديناميكية”، بشمهندس أيمن اتدخل بنبرة هادية، بس صوته كان حازم: “إحنا واثقين من حساباتنا، والمشروع متراجع من أكتر من جهة هندسية”، الإيطالي هز راسه وقال ببرود: “بس التقنية دي مبقتش مستخدمة في المشاريع الكبيرة، وفي تقارير بتأكد إنها بتضعف مع الوقت”، التوتر بان على وشوش الكل، أحمد حاول يهدي الموقف وقال: “ممكن نناقش التعديلات المطلوبة لو في حاجة محتاجة تطوير”، الإيطالي رد بسرعة: “التطوير مش كفاية، التصميم كله محتاج يتعاد بنظام توزيع مختلف”، طريقة كلامه و أسلوبه كان بيقلل من شغلنا بشكل مهين، مش بس كدا ده كمان باقي التيم بتاعه كان موافقه الرأي، خالد وقف مكانه ومكنش عارف يرد، الجو بقى مشحون، في اللحظة دي، وقفت فجأة… بوش ثابت وملامح جامدة، مشيت بخطوات واثقة ووقفت قدامهم، بدأت أرد عليهم بالإيطالي: “النقطة اللي بتتكلموا عنها محسوبة بدقة، وإحنا استخدمنا تقنية جديدة في توزيع الأحمال اسمها الـDPT (Dynamic Pressure Technique)، ودي بتوزع الأحمال بشكل ديناميكي حسب الحركة والتغييرات الجوية، وبتقلل الإجهاد على الهيكل بنسبة 30%”، سكتوا كلهم، الإيطالي اللي كان بيتكلم فَرَك جبينه بانبهار وقال: “تقنية الـDPT؟ دي لسة متعممتش في أوروبا”، بصيت له بنفس الثبات: “عشان كدا استخدمناها هنا، وده اللي بيميز المشروع بتاعنا، كمان، تم اعتمادها في كذا مشروع كبير في آسيا، والنتايج كانت مُبهرة”، اتبادلوا النظرات باندهاش، واحد تاني منهم قال: “لو الأرقام بتدعم التقنية دي، هتكون نقلة نوعية”، أحمد كان بيتابع الحوار وعينه عليا مش مصدق، خالد وقف مكانه وسكت، وأيمن ابتسم ابتسامة ارتياح، في اللحظة دي، الإيطالي اللي كان بيناقش أكتر واحد بصلي بنظرة إعجاب واضحة وقال ب لغة غريبة عني عرفت بعدها أنها رومانية:”Ești incredibil de fermecătoare.” ومعناها: “أنتي ساحرة بشكل لا يُصدق”، الكل بص باستغراب، محدش فهمها غير أحمد… عيونه وقتها اتحولت لنظرة غضب قاتلة، بس كان محافظ علي صمته، الإجتماع خلص، وأحمد قال ببرود في النهاية: “هنفكر إذا كانت الصفقة هتتم ولا لأ.. و الرد هيكون في العشاء بليل”.
وقفنا كلنا برا قاعة الاجتماعات، الكل بيتكلم عن اللي حصل، بشمهندس أيمن قرب مني، صوته كان هادي، بس فيه فخر واضح كالعادة: “برافو يا شمس… أنقذتي الموقف، أنا فخور بيكي جدًا”، ابتسمت بهدوء و هزيت دماغي وخلاص، مفيش كلمة طلعت مني، خالد قرب وبنفس الحماس: “بالرغم انك قولتي عليها بس نسيت و معرفتش اعرضها زيك.. برافو يا شمس”، سما ضحكت وقالت: “إيه الدماغ دي! كل اللي اتعلمتيه جديد يتنقل لي انا كمان”، يوسف وقف قدامي، بابتسامة عريضة قال: “كنت عارف إنك شاطرة، بس النهاردة أثبتي إنك عبقرية”، كلهم بيتكلموا، وأنا سمعاهم زي الصدى البعيد، مفيش ولا كلمة دخلت جوايا، بصيت تجاه أحمد، كان واقف بعيد، عينيه كانت حزينة، ومفيش ولا كلمة طلعت منه، حاولت أتحرك، أهرب من دايرة الكلام اللي حواليا، لقيت أيمن بيوقفني: ” حاولي متتأخريش انهاردة بليل علي العشا… هبعتلك عربية”، قلت بهدوء: “بصراحة مش قادرة… ممكن…”، قطع كلامي بسرعة، نبرته كانت حازمة: “إنتي شايفة المعنويات عاملة إزاي، وجودك مهم… أنا مش عايز اسمع أعذار”، هزيت دماغي وأنا حاسة بتقل غريب، مكانش عندي طاقة حتى أجادله.
بليل الساعة كانت 8:15م، بالظبط لما وصلت عند مدخل المطعم، مشيت….خطواتي كانت هادية، وعيوني بتجري على التفاصيل من غير ما أركز في أي حاجة، كنت لابسة جيبة سودا طويلة بلمعة خفيفة، وتوب برجندي بياقة عالية وأكمام واسعة، وعليه بالطو طويل بنفس اللون، والجزمة كعب عالي من نفس لون التوب، والبالطو، وطرحة من قماش ناعم بلون هادي متناسق، أما الشنطة الصغيرة فكانت سودا، بسيطة بس شيك، أول ما دخلت القاعة، حسيت بكل النظرات موجهة عليا، أعضاء الشركة كلهم كانوا هناك، مستنين وصول الوفد الإيطالي، بصيت لهم بنظرة سريعة، صوتي كان واطي وناشف: “مساء الخير”، وقبل ما حد يرد، كنت قعدت جنب سما ويوسف بهدوء، من غير ما أبص على حد، سما بصت لي بنظرة إعجاب: “إيه الشياكة دي يا شمس! دايما خاطفة الأنظار”، ابتسمت ابتسامة باهتة وقلت بهدوء: “شكراً يا سما… وإنتي كمان حلوة أووي”، الكلام انتهى بسرعة، ومكنتش ناوية أفتح أي حوار تاني، كنت قاعدة زي التمثال، لا بضحك ولا بتكلم، زي ما أنا، مجرد ظل، بعد شوية حسيت بتقل غريب، وقمت بهدوء وقلت لسما: “استأذن… لحظة وجاية”، مشيت على الحمام، كنت عايزة آخد نفس، أحس بأي حاجة، بس حتى الهوا كان بارد وفاضي، مسكت الفون، فتحته، كنت بدور علي اي مكالمة من نور، بس للاسف مفيش، برن عليها من وقت اللي حصل و مفيش رد، الفون بتاعها مقفول، و عرفت بعدها أنها سافرت السعودية، و قافلة كل حساباتها علي السوشيال، يعني مكانش في أمل إني اوصل لها، وقفت شوية في الحمام كنت بحاول استجمع نفسي علشان اقدر أكمل، وبعدين خرجت من الحمام، وأول ما دخلت المطعم تاني، شفتهم… أيمن كان داخل ومعاه الفريق الإيطالي، بس اللي لفت نظري كان أحمد… ماسك إيد جيهان، وقتها بس حسيت بنتيجة الغلطة اللي عملتها، عرفت وقتها أن وجع اللحظة دي أقوي بكتير من اي وجع كنت هشوفه لو دخلت الحرب ضد مامته، حاولت أسيطر على إحساس الألم اللي جوايا، ضغطت علي الشنطة اللي في أيدي، مشيت بخطوات ثابتة، وصلت عندهم، لمحت نظرات أحمد، كانت حزينة ومكسورة، أما نظرة جيهان فكانت بتزيد الطين بلة، كانت كلها تحدي وانتصار، وكأنها بتقول لي: “خسرتي”.
اول ما وصلت عندهم، قام واحد من الفريق الإيطالي، قرب مني وقال: “كنت لسه بسأل عليكي يا بشمهندسة شمس”، بصيت له بهدوء، ابتسمت ابتسامه بسيطة، وبسرعة حطيت إيدي على صدري في حركة تحية قبل ما يمد إيده، كنت فاهمه هيعمل إيه، علشان كدا كنت أسرع، شفت نظرة استغراب في عينه، بس بسرعة قعد على كرسيه وكأن مفيش حاجة حصلت، رجعت مكاني وقعدت من غير نفس، سما بصت لي وقالت بهمس: “إنتي كويسة؟ وشك شاحب”، هزيت دماغي من غير كلام، وبدأ العشا، سما كانت بتحاول تدخلني في المود معاها و كل شوية تتكلم في حاجة بس انا نظرتي كانت متعلقة بحاجة واحدة بس” جيهان و احمد”، وبعد شوية الموسيقى اشتغلت، وبدأ الناس يقوموا يرقصوا، صالح كان بيرقص مع رنا على أنغام هادية، وكل واحد في عالمه، حتى جيهان قامت وسحبت أحمد معاها، أحمد كان بيرقص معاها، بس عيونه كانت عليا… نظرات كلها وجع وندم، وأنا مش قادرة حتى أتحرك، فجأة لقيت بشمهندس أيمن بيشاورلي: “شمس… تعالي هنا”، قمت ووقفت معاه وسط مجموعة من الإيطاليين، النقاش كان شغال، بس أنا كنت واقفة زي الشبح، أحمد لاحظ إني واقفة، ساب جيهان ووقف معانا، جيهان لحقت بيه، وقفت جنبه بنظرات كلها غل وتحدي، فجأة، واحد من الإيطاليين كان عمره في نفس عمره بشمهندس أيمن بالظبط، طلع هدية من جيبه، لونها أنيق ومغلفة بشياكة، وقدمها لي وقال: “كنت عايز أقدملك حاجة بسيطة… تعبير عن إعجابي بموهبتك”، اتصدمت، وبصيت ل بشمهندس أيمن ،مكنتش عارفة اعمل أي، أومأ لي براسه وقال: “خديها، ده تقدير ليكي”، بهدوء اخدتها و فتحت العلبة، لقيته قلم أنيق جدًا، بصيت لبشمهندس أيمن وضحكت ضحكة خفيفة، وهو كمان ضحك، واللي حوالينا كانوا مستغربين، بسرعة أيمن شرح أنه هو كمان كانت هديته ليا قلم له ذكري كبيرة عنده.
بعد وقت بسيط كنت واقفة لوحدي ساندة على الحيطة، حاسة بتعب رهيب، يوسف قرب مني نظرته كانت كلها قلق و قال: “اي يا شمس… مالك؟.. من الصبح وانتي فيكي حاجة غريبة!”، ابتسمت له ابتسامة باهتة وقلت: “أنا تمام…”، خالد جه، وحاول يهزر: “سيبوها يا جماعة هي شكلها مش طايقانا كلنا”، سما ضحكت وقالت: “طيب كفاية كده عليها، واضح إنها تعبانة”، حاول خالد يضحكني، كنت شاكرة محاولاته، بس مكنتش قادرة اتفاعل معاهم، فجأة، جت واحدة من الجرسونات وقالت بصوت واطي:” في حد طالب حضرتك برا”، استغربت، ومشيت معاها برا، أول ما خرجت، لقيته… أحمد، قبل ما حتى أفتح بقي، كان ماسك إيدي وساحبني بعيد عن كل العيون، وقفنا في مكان هادي، عيونه كانت حمرا، سحبت أيدي بسرعة منه، قال بسرعة وصوته كان مخنوق، مليان وجع: “مش قادر… مش قادر علي كل اللي بيحصل ده… بتعذب وأنا شايفك قدامي ومش عارف أمسك إيدك وأقول لكل اللي موجودين انك ليا”، عينيه كانت بتلمع بدموع قهر، وكلماته بتطلع بغضب مكتوم: “بموت من الغيرة عليكي… بنهار كل ما حد يبص لك… مش قادر أستحمل بعدك… حرام عليكي”، دموعي كانت بتنزل من غير صوت، كل كلمة منه كانت بتوجعني أكتر، فضلت ساكتة، قلبي كان بينزف، بس لساني مربوط، صوته ارتعش وقال: “هتفضلي ساكتة… وتضيّعينا؟”، بصيت له وقلت بصوت مخنوق من البكا: “معنديش حاجة أقولها”، كلامي كان زي الطعنة ليه، وشه اتقفل، وعيونه كانت بتلمع بقهر، لف وخرج بعصبية، وأنا مسحت دموعي بسرعة… ورجعت عند سما علشان اقول لها إني همشي، كانت في اللحظة دي جيهان اخدت بالها إني كنت مع أحمد، مشيت في اتجاهي بخطوات واثقة، وفجأة قالت بصوتها الناعم: “ممكن دقيقة يا سما؟ عايزة أكلم شمس في حاجة”، سما بصتلي مستغربة، وأنا هزيت دماغي:
“بمعني عادي، مفيش مشكلة”، سما مشيت، وجيهان وقفت قدامي، كانت واقفة بكل ثقة، عينها فيها لمعة تحدي، وابتسامة خبيثة على شفايفها، بصتلي من فوق لتحت، وقالت بنبرة هادية: “أنا مبسوطة أوي إنك سمعتي كلامي وما دخلتيش الحرب دي… فعلاً كنتي ذكية”، حاولت أحافظ على ثبات ملامحي وسألتها ببرود: “حرب إيه؟”، قربت مني وهمست، ونظرتها كلها شماتة: “الحرب على قلب أحمد… أصله خلاص… كلها كام يوم وهيبقى ليا وبس”، حسيت بكلمة “ليا” دي كأنها سهم دخل في قلبي، كملت هي بابتسامة كلها خبث: “بصراحة… كل اللي عملتيه سهل عليا المشوار كله”، كنت واقفة قدامها بحاول أمسك أعصابي، خدت نفس عميق وبصيت لها ابتسامة باردة: “مبروك…”، سبتها ومشيت وأنا بحاول ما أبصش ورايا، و روحت وقفت جنب رنا و صالح، استأذنت منهم علشان امشي، رنا بصتلي بتدقيق وقالت:” تعالي أنا كمان عايزة امشي… هوصلك في طريقي… خليك انت يا صالح”.
ركبت جنب رنا في العربية، فضلت ساكتة، أما رنا فكانت علي غير العادة، كانت ساكتة، و كل شوية بتبص عليا، حسيت أنها عايزة تقول حاجة بس مش عارفة تبدأ منين، و احنا في نص الطريق تقريباً فجأة قالت: “شمس…مالك؟…حاسة أن فيكي حاجه متغيرة” بصيت لها بسرعة: “متغيرة؟ زي إيه يعني؟”، اتسعت عينيها ببراءة: “معرفش… بس حاسة إن في حاجة مضايقاكي أو في حاجة شاغلة بالك”، إبتسمت وقلت بهدوء: “لا ابدأ أنا بس مرهقة شوية…”، هزت كتافها وبعدها وقفت العربية علي جنب وقالت: “شمس أنتي في حاجة حصلت بينك و بين أحمد؟”، رديت بسرعة:” حاجة زي أي؟”، قالت بصراحة:” بصي يا شمس أنا عارفة أن أحمد بيحبك… وحاسة إنك كمان بتحبيه….أنا آسفة لو بتدخل بس أنا مبقتش اشوفكم مع بعض زي الاول، حاسة أن في حاجة غريبة بينكم، انتو الاتنين مطفيين”، بصيت لها بصدمة و مكنتش عارفه اقول أي، بس هي كملت و قالت:” بصي يا شمس… انا عايزة اقولك حاجة…احمد بيحبك… و بيحبك اووي كمان… هو اه مقاليش بس انا بعرف احمد من عينه… لمعة عينيه لما بيشوفك، طريقته وهو بيتكلم معاكي، حتى غيرته عليكي لما حد من الشباب في الشركة يهزر معاكي… كل ده واضح عليه…أحمد مش بيعرف يخبّي مشاعره”، حسيت بقلبي بيدق بسرعة، مكنتش عارفه اهرب من كلامها، رنا بصت لي بنظرة فضول وقالت: “اي يا شمس… انتي زعلتي مني…. أنا مش بقول كده والله عشان أضايقك أو تدخل مني، بس أنا حاسة إن في حاجة…ولو في مشكلة بينكم أو في حاجة مضايقاكم، قوليلي، يمكن أساعد… و لو الموضوع له علاقة بمشكلة احمد مع ماما نرمين ف انا مش عايزاكي تقلقي كل حاجة هتتحل قريب”، بصيت لرنا بصدمة وقلت بسرعة:” مشكلة أي؟”، قالت بحزن: “اي ده انتي متعرفيش؟!، أحمد سايب البيت بقاله فترة وقاعد عند أشرف، عرفت إنه متخانق مع ماما نرمين بسبب جيهان…. هي ضاغطة عليه يتجوزها عشان مشكلة الميراث السخيفة بتاعتها…جيهان فاكرة إنها لما تضغط على ماما نرمين هتكسبها في صفها، بس ماما نرمين بتحب أحمد أكتر، والبعد اللي حصل بينهم ده هي مش قده… وكلنا متاكدين أنها هتلين في الآخر”، فضلت ساكتة، مش عارفة أقول إيه، كلامها قلب الدنيا جوايا….

بعد ما رنا وصلتني البيت، دخلت، وقبل ما حتى أفكر في أي حاجة، لقيتني ماشية على طول ناحية ماما، كانت قاعدة في اوضتها، ملامحها هادية كعادتها، بس أول ما شافتني رفعت عنيها من الموبايل وحطته جنبها، قعدت قصادها من غير كلام، وبعدين رميت نفسي في حضنها، الحضن ده كان كل اللي محتاجاه، كانت ساكتة، بس إيديها بتطبطب عليا بهدوء، كانت مستنية إني أتكلم من غير ما تسأل، بس لما بعدت عنها، فضلت بصالي باستغراب وقالت: “مالك يا شمس؟”، حطيت أيدي علي عيني و بعدين نزلتهم وقلت بتعب: “النهاردة… كل اللي كنا خايفين منه حصل، وسكوتنا مفرقش في أي حاجة…”، اتعدلِت في قعدتها وقربت مني أكتر: “أنا مش فاهمة حاجة، قوليلي بهدوء”، بدأت أحكي لها كل اللي رنا قالته، قالت بصدمة:” يبقي هي مستنتش تشوفك هتعملي أي و طلبت منه يتجوزها علطول!”، رديت وقلت:” ايوا يا ماما… احمد كان سايب البيت و متخانق مع مامته… و انا كنت من جهة تانية بجرح و بكسر فيه علي قد ما أقدر علشان امنع ده يحصل”، ماما فضلت ساكتة و مش عارفة تقول اي،
لكن أنا كملت و قلت بصوت مخنوق بالدموع:”
كنت غلطانة لما افتكرت إن كل حاجة هتبقى سهلة لما أكدب عليه وأقوله إني مبحبهوش، وإن كل حاجة هتعدي المهم إنه يكون قدامي، بس… بس أنا مفكرتش إني هشوفه معاها!”، غمضت عيني و أنا بفتكر كل اللي حصل وقلت:” أول مرة أحس الإحساس ده، ماما… قلبي كان بيتقطع وأنا شايفة جيهان داخلة معاه! كنت بموت و انا شايفة الألم في عيونه و هو بيترجاني أقوله الحقيقة و انا مش قادرة أتكلم”، اتنهدت بحسرة و كملت: “أنا غلطت.. غلطت غلط كبير اووي لما سكتت.. كنت بضحك على نفسي… بس الليلة فوقتني… فهمت إن الحب مش بيخلص بكلمة، ولا بيتنسي بقرار”، ماما ربطت علي أيدي، كانت حاسة بقلة حيلة، مكانتش عارفة تقولي حل، كانت مشكلتنا في الفترة دي أنا و ماما أن خبرتنا في الأمور دي بسيطة او تكاد تكون معدومة، واخدين علي أننا ناخد قراراتنا بعاطفية حتي لو علي حساب سعادتنا، كنا محتاجين نتصدم بالواقع علشان نعرف نتصرف، و مشهد جيهان لما شوفتها مع أحمد في الليلة دي كان هو الواقع اللي فوقني من الغفلة اللي كنت فيها.
صحيت تاني يوم الصبح وعيني لسه تقيلة من قلة النوم، طول الليل كنت قاعدة مع ماما، بنتكلم ونقرر، ونواجه كل اللي هربنا منه قبل كده، أخدت قرارات كتير، و أولهم كان خاص بشغلي، بعد ما جهزت، اتجهت على الشركة، دخلت مكتبي، وقعدت على الكرسي وأنا عيني على الساعة، مستنية وصول بشمهندس أيمن، أول ما عرفت إنه وصل، جمعت شجاعتي وطلعت على مكتبه، خبطت على الباب بخفة: “ممكن أدخل يا فندم؟”، صوته جه هادي زي ما هو دايمًا وابتسم وقال: “اتفضلي يا شمس… تعالي”، دخلت، لقيته قاعد ووشه عليه ملامح الإرهاق، يمكن مش واخد باله بس تعبه باين، وقفت قدامه بثبات مصطنع: “ممكن أتكلم مع حضرتك شوية؟”، بص لي باستغراب: “طبعًا، اقعدي”، قعدت قدامه، أخدت نفس عميق وأنا بحاول أضبط نبرة صوتي، وبدأت كلامي بهدوء: “أنا مش عارفة أبدأ منين… بس كنت محتاجة أشكر حضرتك”، عقد حواجبه وهو مستغرب: “تشكريني على إيه؟”، اتنهدت وأنا بحاول أركز في كلامي: “على كل حاجة… على الدعم، على المعاملة الطيبة، على الأمان اللي حسيت بيه هنا… حضرتك كنت أكتر من مدير، كنت أب وسند… وعمري ما هنسى اللي عملته معايا”، حسيت بنظرة الحنان في عيونه، ابتسم ابتسامة هادية: “إنتي تعبك وشغلك هو اللي يستحق كل الاحترام… وبعدين قلت لك قبل كدا مفيش بينا شكر…إنتي بنتي يا شمس”، الكلمة دي وجعتني، حسيت بغصة في حلقي، بس كملت: “أنا فخورة إن اشتغلت هنا، وإني كنت جزء من الفريق ده… اتعلمت حاجات كتير، مش بس عن الشغل، وكان حلم من احلامي اكون هنا و حضرتك ادتني الفرصة دي… وهفضل فخورة بده”، ابتسم وهو بيهز راسه: “طب الحمد لله، بس كل ده ليه؟ في إيه يا شمس؟”، طلعت من شنطتي ورقة قدمتهاله وأنا نظري متعلق بالأرض: “دي استقالتي… ومحتاجة حضرتك توافق عليها”، سكت للحظة، بص للورقة واستوعب اللي مكتوب، ملامحه اتغيرت، كانت الصدمة واضحة قال: “استقالة؟ ليه؟”، رفعت عيني ليه، كانت نظرتي هادية، ثابتة رغم الوجع: “أنا محتاجة أبعد… تعبت، ومش قادرة أكمل”، فضل ساكت شوية، زي ما يكون بيهضم الكلام وبعدين قال: “تعبتي من إيه؟ من الشغل؟ من الضغط؟… ولا في حاجة تانية مش عايزة تقوليها؟” نزلت عيني تاني، كنت حاسة بنظراته بتحاصرني، بتحاول تفهم أكتر من اللي بقوله: “مش هقدر أشرح… بس أرجوك، وافق، أنا محتاجة فعلاً أرتاح”، فضل ساكت، سكوته كان تقيل على قلبي أكتر من أي كلمة، بعد شوية اتنهد وقال بهدوء: “أنا مش هوافق”، قطع الورقة بهدوء، رماها في السلة وهو بيبص لي: “انا هعتبرها إجازة مفتوحة… تغيبي زي ما تغيبي، بس مش همضي على الاستقالة…و لما تروقي وترجعي… هتلاقي مكانك محفوظ هنا”، كنت مستغربة، ومش مصدقة حنيته وقلت: “ليه… حضرتك بتعمل كده ليه؟”، بص لي بنظرة كلها دفء وقام وقف قدامي وقال: “لإني عارف إنك بتهربي… مش بتستقيلي، وعارف إنك لو بعدتي دلوقتي مش هتعرفي ترجعي تاني، فأنا بسيبلك الباب مفتوح”، حسيت بدموعي بتلمع في عيني، قمت من مكاني وأنا بحاول أتماسك: “أنا مش عارفة أشكر حضرتك إزاي…”، ابتسم ابتسامة دافية: “أنا فخور بيكي… وهستناكي…”، خرجت من مكتبه وإحساسي بالحزن كان أعمق من أي حاجة، كنت عارفة إني مش هرجع… بس كان لازم أسمع الكلمة دي عشان أقدر أمشي.
رجعت على مكتبي بعد ما ودعت بشمهندس أيمن، وقفت قدام المكتب، وبصيت على كل تفصيلة فيه… الكرسي اللي كنت بقضي عليه ساعات طويلة، الأوراق اللي كنت دايمًا بغرق فيها، حتى القلم اللي كنت بكتّب بيه كل أفكاري، بدأت ألم حاجتي بهدوء، وكل حاجة بلمها كانت كأنها ذكرى بتتشال من المكان، فجأة الباب اتفتح بسرعة، ودخلت سما وراها ندى وسارة، أول ما عينهم جت في عيني، شفت الدموع اللي بتحاول ندي تمسحها بسرعة، وسارة كانت واقفة متسمّرة مكانها، أما سما فمقدرتش تمسك نفسها وانهارت في العياط، سارة قربت عليا بسرعة، وصوتها متكسر:” صحيح اللي سمعناه؟.. انتي هتمشي يا شمس؟”، حسيت بقلبي بيتقبض، بس حاولت أتماسك وأنا ببتسم: “يا بنتي ما أنا مش مسافرة آخر الدنيا… أكيد هنشوف بعض تاني”، ندى كانت واقفة بعينين مليانة حزن، وقربت تحضني وهي بتقول بصوت مهزوز: “هتوحشينا يا شمس… إنتي اكتر واحدة أنا اتعلقت بيها هنا بسرعة”، حضنتها بقوة، وأنا بحاول أمسك دموعي اللي بدأت تحرق عيني، سما كانت واقفة ساكتة، بس دموعها مغرقة وشها، قربت منها ومسكت إيدها: ” هتفضلي أجدع وانقي زميلة اشتغلت معاها… وأخت مش بس صاحبة”، سما حضنتي وهي بتبكي:”مش قادرة أصدق إنك ماشية… مش هلاقي حد أفضفض معاه تاني… مش هلاقي حد زيك تاني يا شمس”، سارة بصت لي بعيون مليانة دموع، وقالت: “فكّري تاني يا شمس… يمكن تقدري تغيري رأيك”، هزيت راسي بابتسامة حزينة: “قراري خدته… ومحتاجة الفترة دي أرتب فيها حاجات كتير في حياتي”، سكتنا لحظة، ومفيش غير صوت الدموع والكلمات المكسورة حاولت أتمالك نفسي وأنا بقول: “هنشوف بعض تاني… أكيد”، خدت نفس عميق، وخرجت من الأوضة، وأنا حاسة إن قلبي بيسيب جزء منه ورايا… و كأنه بيقول :”مكاني هنا في قلوب الناس اللي سابولي أثر، وأخدت منهم أثر أكبر”.
رجعت البيت، دخلت ولقِيت ماما واقفة قدام الباب، في إيدها شنطة سفر، وبتقول: “جهزت لك كل حاجة… وكلمت خالتك هي مستنياكي”، كانت ماما مبتسمة بس صوتها كان مهزوز من العياط، ودموعها كانت على وشها وهي بتقول: “تورحي وتيجيي بالسلامة، متتأخريش عليا… هتوحشيني”، حضنتها بكل قوتي، وقلت: “أنا مش هتأخر، يا ماما… مقدرش أبعد عنك”، بعد ما فصلنا عن بعض، سحبتها على الكنبة وقعدت جنبها، بعدها طلعت من الشنطة ورقة كبيرة واديتهالها وقلت: “ده ورق حساب في البنك باسمك، ماما بصت لي وقالت: “حساب باسمي؟”، قلت: “دي كل الفلوس اللي جمعتها من شغلي، من وقت ما بدأت… انا حطتها كلها في حساب جديد باسمك…”، بعدها اديتها ظرف تاني وقلت:” و دي هنا كل الأوراق اللازمة علشان تطلعي تعملي عمرة زي ما كان نفسك.. هنا في جواز السفر بتاعك و كمان تذكرة مفتوحة… تقدري تسافري في الوقت اللي انتي تحدديه”، بصيت لي و هي بتبكي و قالت:” ليه يا شمس عملتي كدا… دي فلوسك انتي يا حبيبتي.. أنا مش عايزة حاجة… انا عايزاكي جنبي و اشوفك فرحانة وسعيدة”، حطيت الورق قدامها وقلت: “معلش يا ماما.. ريحيني… وبعدين الفلوس دي مش فلوسي.. ده حقك انتي.. لولاكي انتي أنا مكنتش وصلت للي أنا فيه.. ولا كنت هقدر اعمل اي حاجه…”، سكت شوية و بعدين كملت:” أنا بس عايزة اعرفك حاجة أنا عملتها… انا اخدت مبلغ من الفلوس متوسط يعني… و بعته لاخويا… إنتي عارفة ظروفهم عاملة إزاي!”، طبطبت بايديها عليا وقالت:” خير ما فعلتي يابنتي”، فجأة دخل خالو علينا وقال: “إيه العياط ده؟ هي مسافرة آخر الدنيا؟ ده نفس البلد، هتروح وتيجي من وقت للتاني… يلا ياست لو فضلتي قاعدة أمك مش هتخليكي تروحي في حته”، ضحكنا أنا وهي و هو اخد الشنطة، و نزلنا أنا و ماما تحت لحد العربية، و دعتني وانا أكدت عليها و قلت:” متنسيش يا ماما زي ما اتفقنا… مش عايزة حد يعرف أنا فين”، ركبت العربية ومشيت، وحسيت إن كده خلاص، فصلت عن كل حاجة، بس كان فاضل اخر حاجة وهي: “أحمد”، كنت مسجلة ريكورد امبارح بليل و مقررة اني ابعتهوله أول ما أقدم استقالتي و أسافر… كنت بحاول اصلح الغلط اللي عملته بعد فوات الاوان و اعرفه كل حاجة و أبعد…. حتي علي الاقل لو ملناش نصيب نكمل مع بعض اكون ذكري حلوة لما اجي علي باله…. ميحسش اني غدرت بيه وهو مش عارف الحقيقة…. و ميظنش إني فعلا مبحبهوش… وان كل مشاعري دي كانت كدب….. كان من حقه يعرف الحقيقة…. وأنا من حقي أبعد و افصل عن كل حاجة علشان اقدر اعيش من تاني.
«احمم نجم»
صحيت على صوت رسالة جت لي على التليفون، بصيت على الساعة لقيتها معدية الظهر، كانت حاجة غريبة! أنا أصلاً مش من طبعي أنام للوقت ده، بس مكنتش عايز أصحى، مكنتش عايز أخرج، ولا حتى أروح الشغل… ولا أي حاجة، الحقيقة مكنتش عايز أواجه اليوم… ولا اللي فيه، كان نفسي أهرب من كل حاجة، أهرب منها… منها هي بالذات، مديت إيدي بكسل للتليفون، بصيت على الشاشة، وعيني وقعت على اسمها…شمس، اتسعت عيني بغرابة… يا ترى بعتالي تقول إيه؟ بتأكد تاني أنها مبتحبنيش؟ بتأكد أني بالنسبالها ولا حاجة؟ غصب عني لقيتني بفتكر ملامحها… عينيها اللي دايمًا بتتكلم من غير ما تنطق، ضحكتها اللي كانت بتدوبني في لحظة، نبرتها الجادة لما بتتكلم في شغل، وحتى برودها وجفافها اللي بقت بتعذبني بيهم، يا ترى إيه الجديد اللي ممكن تجرحني بيه المرة دي؟ ولا خلاص، مفيش حاجة جديدة، كل حاجة خلصت، زي ما هي قررت، سبت التليفون ومفتحتهوش، كنت خايف… خايف أقرأ كلامها وأتوجع أكتر، كنت عارف أن أي كلمة منها هتسيب جرح جديد، وانا خلاص حاسس فعلاً اني مبقتش قادر، خصوصاً بعد ليلة امبارح.
قمت من السرير، حاولت أهرب من الفكرة، حاولت أهرب منها… بس كانت جوة دماغي، محبوسة في قلبي، نزلت، وأنا بحاول أقنع نفسي أني أقوى من كده… بس الحقيقة أني كنت أضعف بكتير، أول ما نزلت لقيت أشرف قاعد على السفرة، محضر الفطار كالعادة، أول ما شافني قال وهو بيبص لي باندهاش: “إيه كل ده نوم؟”، رديت بفتور: “انا لو عليا.. مش عايز اصحي أساساً”، بص لي باستغراب وقال: “إيه؟ مش رايح الشركة ولا إيه؟”، هزيت دماغي وقلت: “لا”، قعدت على السفرة، وحاولت أكل أي حاجة قدامي من غير نفس، مسكت كوباية القهوة اللي قدامه وشربت منها، وبعدها نزلت الكوباية بسرعة وقلت: “إيه ده! إيه يا أشرف ده؟”، ضحك وقال: “قلت لك مليون مرة، سكر زيادة، وانت برضه بتتفاجئ كل مرة”، حاولت أبتسم، بس ابتسامتي كانت ضعيفة…أشرف قرب مني وقال بجدية: “عملت إيه امبارح في العشاء؟”، تنهدت وقلت: “ولا حاجة… لسه على عنادها، مش راضية تقول أي حاجة… مصممة على أنها مبتحبنيش… مبتحبنيش، تخيل… أنا ابتديت أصدق… ماهو مفيش حد بيحب حد ممكن يشوفه بيتألم ويسيبوا كده”، أشرف قال بسرعة: “ماهو انت برضو مكانش ينفع تدخل وجيهان معاك يعني..”، قلت بسرعة:” اعمل اي يعني يا أشرف… عمي رامي هو اللي قالها تيجي و اتفاجئت بيها قدام المطعم.. معرفتش اعمل اي…”، فضل اشرف ساكت شوية، وبعدين قال بحزن: “المشكلة أن شمس مبتكلمنيش زي الأول، و أنا قلقان و عايز اطمن عليها… ومفيش أمل أنها تيجي العيادة تاني بعد اللي حصل بينها وبين نور”، هزيت دماغي وقلت: “ما هي عندها حق، إحنا عملناها كمين، ونور زودتها معاها”، أشرف قال: “أنا انصدمت… ومكنتش عارف أقول لنور إيه”، سألته: “هي اي أخبارها دلوقتي؟”، رد بحيرة: “معرفش… قافلة كل حاجة… ومش عارف أوصل لها… حتى روحت شغلها قالولي أنها سافرت السعودية”، سكت شوية وأنا بحاول أستوعب الكلام، و سألته بقلق: “يعني كده علاقتها بشمس انتهت خلاص؟ طب وأنت… إيه وضعك؟”، رد بحيرة واضحة:
“مش عارف يا أحمد، أدينا هنشوف الأيام مخبية لنا إيه”، رن تليفوني، ولما بصيت لقيته عمي أيمن، رفعت التليفون وقلت بسرعة: “ايوا يا عمي…مش هقدر أجي الشركة النهاردة”، سمعت صوته على الناحية التانية بيقول: “شمس استقالت يا أحمد ومشيت من الشركة”، الكلام وقع عليا زي الصاعقة، قلت بسرعة: “إزاي؟! إزاي تسيبها تمشي؟”، عمي رد بعصبية: “البنت حالتها وحشة جدًا، ومعرفتش أضغط عليها، قلت أسيبها يومين وبعدين أروح لها البيت أتكلم معاها ومع مامتها… قلت أعرفك علشان تشوف هتعمل إيه”، قفلت معاه وأنا مصدوم، اشرف سألني:” في اي؟”، قلت بله بصدمة:” شمس استقالت”، قال:” هو ليه الوضع عمال يتأزم؟”، خدت نفس طويل بعده، عيني وقعت على التليفون… افتكرت الرسالة، إيه اللي خلاني أخاف من كلامها؟ يمكن كانت بتودعني… يمكن كانت بتقول لي إنها خلاص ماشية، مسكت التليفون بسرعة، إيدي كانت بتترعش، وسبت أشرف وقمت بعيد، فتحت الرسالة… كان ريكورد صوتي، ضغطت على التشغيل، قلبي كان بيدق بسرعة، وقفت مكاني وأنا مش عارف أتوقع اللي هسمعه، اشتغل الريكورد، صوتها كان مهزوز… البداية كانت صمت، بعدها أخدت نفس عميق وقالت: “أحمد… مش عارفه أبدأ منين، ولا حتى عارفه اقول كل اللي جوايا إزاي… بس كان لازم ابعتلك الرسالة دي…كان لازم تعرف كل حاجة… انا عارفة انك ممكن تكون دلوقتي مش عايز تسمع صوتي… بس كان لازم أوضح حاجات كتير، حاجات كنت بتهرب منها، ومش عارفه اواجها…. أنا عارفة أني جرحتك، وكسرت قلبك بأكتر من كلمة قلتها… بأكتر من مرة صديتك فيها… بس صدقني انا عمري ما كنت بكرهك، عمري ما كنت قاسية بجد… أنا كنت خايفة، عارف كنت خايفة من إيه؟… من حرب مينفعش ادخلها، علشان مامتك حذرتني منها، و أكدت لي أني هكون خسرانة لو دخلت بين ام و أبنها، صدقني أنا مكنتش هسمع كلامها لما طلبت مني هي و جيهان إني أبعد عنك، علشان كنت واثقة في حبك ليا و عارفة اني مش هخسر، بس أنا كنت مستعدة أختار الخسارة، أخسر قلبي… وأخسرك أنت، بس مقابل أن علاقتك بمامتك متتأذيش، جربت أبعد بالطريقة اللي شايفاها صح… جربت أقطع أي أمل ممكن يكون جواك، يمكن أكون جرحتك، بس كنت فاكرة أن ده أهون من أنك تختار بيني وبينها، بس كل اللي عملته ضاع، لما عرفت امبارح من رنا أنك سبت البيت وأنك مصمم تبعد عنها علشاني، أحمد… انا مش هسامح نفسي لو بقيت زي أشرف… بعيد عن أهله، وحيد في حياته، مش عايزاك تبقى زيه… علشان خاطري أرجع بيتك.. و وافق علي جوازك من جيهان… هي بتحبك.. و هتعرف تخليك ازاي تحبها و تنساني… وأنا… هبعد… علشان أتاكدت اني مش هقدر اشوفك مع حد تاني….”

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية دموع مؤجلة واحتضان أخير)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *